
لا تغذية سليمة لأطفال المخيمات الفلسطينية في لبنان
وسط الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان أخيراً، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من استمرار تدهور الأمن الغذائي، ومن التراجع المسجّل في تقديم المساعدات الإنسانية، مع الإشارة إلى أنّ مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين من بين الأكثر تضرراً، ولا سيّما مع تسجيل حالات سوء تغذية بين الأطفال دون الخامسة. لذلك، تعمل منظمة يونيسف على برنامج خاص للتوعية بالتغذية السليمة في روضات تلك المخيّمات، في إطار أنشطة صيفية.
في روضة القسّام بمخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين الواقع في ضاحية بيروت الجنوبية، تقول منسّقة جمعية “لأجلكم السلام الثقافية والتعليمية الخيرية” رجاء جمعة لـ”العربي الجديد” إنّ “الأنشطة الصيفية هذا العام مركّزة حول فكرة الغذاء، من ضمن موضوع سوء التغذية، ونحن نعمل مع منظمة يونيسف استناداً إلى دراسة أعدّتها لاحظت فيها سوء تغذية لدى الأطفال الفلسطينيين بمخيّمات لبنان”، وتضيف أنّ المنظمة أوضحت أنّ الأطفال في هذه المخيّمات “لا يحصلون على حقهم في التغذية السليمة، لأسباب عديدة من بينها الوضع الاقتصادي (عموماً في لبنان)، لعدم توفّر فرص عمل وبالتالي عدم قدرة الأهل على توفير ما يلزم أولادهم. إلى جانب ذلك تتحدّث جمعة عن “عدم دراية الأهل بالأطعمة الواجب تزويد أطفالهم بها حتى يكون غذاؤهم سليماً”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الدراسة التي أعدّتها منظمة يونيسف، في بداية عام 2025، شملت ثلاث فئات من الأطفال في لبنان؛ اللبنانيون والفلسطينيون والسورييون. وتتابع جمعة أنّ الدراسة بيّنت أنّ أحوال الفلسطينيين في المخيّمات من الأكثر سوءاً لجهة التغذية، مع العلم أنّ الشريحة المستهدفة تغطّي الأطفال ما بين ثلاثة أعوام وخمسة، أي من هم في سنّ مرحلة الروضات. وتوضح أنّ الدراسة بيّنت أنّ سوء تغذية المسجَّل بين هؤلاء تُرجم إمّا زيادة في الوزن وبالتالي سمنة وإمّا نقصاً فيه، والسبب بحسب ما تقول جمعة “عدم توفّر المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب والأجبان والألبان، وهو أمر يرتبط بالوضع الاقتصادي السيّئ وعدم دراية الأهل بماهية الأطعمة الصحية الواجب على الطفل تناولها. فالأطفال يجنحون عادةً نحو تناول أطعمة غير صحية توفّر لهم اللذة من دون الغذاء السليم. لذا نعمد، في خلال الأنشطة الصيفية، إلى تعريف الأطفال إلى الأطعمة الصحية، ومن خلالهم الأهل”. وتذكر أنّهم يوفّرون “للأطفال في خلال الأنشطة الصيفية في روضة القسّام وجبة صباحية صحية، بالإضافة إلى أنشطة رياضية صباحية”، مضيفةً أنّه “حين ننهي برنامجنا مع الأطفال، سوف نقيم دورة للأهل”، إذ من غير الكافي حصره بالصغار فقط.
وتلفت جمعة إلى علمهم بأنّ “المهمة ليست سهلة”، إذ يفرض الوضع الاقتصادي نفسه. وتخبر أنّ “الأم قد تقول لنا إنّها تدرك أنّ ما يأكله أطفالها غير صحي، لكنّها في الوقت نفسه لا تستطيع شراء اللحمة، على سبيل المثال. ونعود إلى الدوامة ذاتها؛ نحن لاجئون ولدينا مشكلات عديدة، ولا نملك حقّ العمل، إلى جانب شؤون أخرى تتعلّق بالعيش في المخيّمات. نحن ندرك كلّ ذلك، لكنّ من واجبنا نشر المعرفة والوعي بين الأطفال”، ويبقى “أملنا أن يتحسّن وضع الفلسطينيين في لبنان”. وتشدّد جمعة على أنّه “من الممكن للدول المانحة أن تجد حلولاً لهذا الشعب، حتى لو بدعم مادي يخصّص لكلّ طفل شهرياً، أو لكلّ أسرة حتى تستطيع تأمين غذاء صحي لأطفالها”.
من جهتها، تقول المربية في روضة القسّام بمخيّم برج البراجنة مريم أيمن الحسين لـ”العربي الجديد” إنّ الغذاء الصحي هو العنوان الأبرز لهذا العام، فيما تشير إلى أنّها تعمل “مربية في الروضة، وفي خلال الأنشطة الصيفية تعمل مع أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة أعوام وستّة. ونحن نعمل على برنامج النظام الغذائي الصحي الذي يعرّف الطفل إلى أنواع الغذاء واحتياجاته منها؛ ما هو الغذاء الذي تحتاج إليه أجسامنا، وما هي الأطعمة التي تقوّينا وتوفّر لنا الطاقة”. وتؤكد أنّ العمل على برنامج الغذاء الصحي يأتي بعدما تبيّن أنّ كثيرين من الأطفال يعانون من سوء تغذية، “لأنّهم لا يعرفون ما هي الأطعمة التي تفيد أجسامهم، وهذا أمر طبيعي إذ إنّ ذويهم يدعونهم يتناولون أنواعاً غير صحية من الأطعمة”، لكنّها تلفت إلى أنّ “الأهل بمعظمهم لا يستطيعون توفير أطعمة صحية لأولادهم، بسبب الوضع الاقتصادي السيّئ”، وترى الحسين أنّه من المهمّ التفات منظمة يونيسف إلى هذا الموضوع، والعمل عليه مع الأطفال من أجل توعيتهم بماهية الغذاء السليم والصحي، متمنيةً في السياق نفسه أن يُدعَم الأطفال ولو بوجبة صحية واحدة يومياً.
يُذكر أنّ منظمة يونيسف تحذّر من أنّ أطفالاً كثيرين في العالم لا يحصلون على التغذية التي يحتاجونها، خصوصاً الأكثر فقراً وضعفاً، ولا سيّما في مخيمات اللجوء. وتوضح أنّ ما لا يقلّ عن طفل واحد من بين كلّ ثلاثة أطفال دون الخامسة يتأثّر بالأشكال الأكثر بروزاً من سوء التغذية؛ توقّف النموّ (أو التقزّم) والهزال وزيادة الوزن.