by | Sep 1, 2025 | اقتصاد
في وادي السيليكون حيث تصاغ حكايات التكنولوجيا الكبرى، تبرز شركة تحمل اسم بالانتير، التي تعرف عن نفسها بأنها شركة برمجيات متخصصة في تحليلات البيانات الضخمة.
إلا أن هذه الشركة توصف بأنها أشبه بـ “مدرسة خفية” بعدما خرجت مئات المؤسسين الذين يقودون اليوم موجة من الشركات الناشئة الأكثر رواجًا في العالم.
وخلف الكواليس، نسج هؤلاء الخريجون شبكة متينة، تدعم بعضها بعضًا في التوظيف، في الاستثمار، وحتى في الوصول إلى صناع القرار.
وصنعت هذه الشبكة نفوذًا يتجاوز حدود الشركات، ليصل إلى الجيش الأميركي ووكالات الاستخبارات، بما في ذلك مشاركتها في حملة إدارة دونالد ترمب على الهجرة.
وقفز نجاحها بسهمها خمسة أضعاف في عام واحد، فيما تجاوزت شركات خريجيها عتبة المليار دولار وأكثر.
عمل خريجي شركة بالانتير خلف الكواليس
فعلى سبيل المثال، شارك أحد مهندسي “بالانتير” البارزين، الذي عمل في الشركة أربع سنوات، في تطوير منصة مراقبة لحظية لشركة الطاقة العملاقة BP بهدف تحليل آبار النفط حول العالم.
بينما اتجه مهندس آخر لاحقًا لتأسيس منصة لاستخبارات البيانات، تركز اليوم على تزويد الحكومات المحلية ووكالات إنفاذ القانون بحلول تقنية متقدمة.
وخلال العام الماضي، نسجت شخصيات بارزة في وادي السيليكون علاقات متينة مع البيت الأبيض ووكالات فيدرالية، ما عزز نفوذ قطاع التكنولوجيا في ملفات محورية تشمل العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي والدفاع.
وتشكل قصة “بالانتير” مثالًا بارزًا عن تلاقي المال والتكنولوجيا والسياسة، وعن جيل جديد من الذين يرسمون اليوم ملامح المستقبل في الذكاء الاصطناعي، والعملات المشفرة، وحتى الدفاع.
وادي السيليكون مركز التكنولوجيا العالمية
وفي وادي السيليكون، حيث تتواجد الشركة سُجل نحو 24 ألف براءة اختراع في 2024.
ويقع الوادي في الجزء الجنوبي من خليج سان فرانسيسكو في شمال كاليفورنيا، ويحتضن أبرز شركات التكنولوجيا العالمية، مثل آبل، وسيسكو، ومايكروسوفت، وغوغل، وأوراكل.
وقد كان لخريجي جامعة ستانفورد دور محوري في دفع عجلة النمو والابتكار في هذه المنطقة.
وظهر مصطلح “وادي السيليكون” في السبعينيات، عندما تحولت المنطقة إلى قلب الصناعات التكنولوجية في الولايات المتحدة، مدفوعة بنجاح وكالة ناسا، التي تتخذ من المنطقة مقرًا رئيسيا لها، في الوصول إلى القمر.
ويعود تاريخ وادي السيليكون إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما أقر الكونغرس قانون الاستثمار في الأعمال الصغيرة، مقدمًا إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة حول جامعة ستانفورد.
في الوقت نفسه، أنشأت الحكومة وكالة DARPA لتمويل الأبحاث المتقدمة في التقنيات الجديدة، ممهدة الطريق لصعود المنطقة، معقلا للابتكار والتكنولوجيا.
وقد أسهم توفر التمويل السهل والخالي نسبيًا من المخاطر في تحفيز الابتكار وإرساء الأسس، حتى أصبح لاحقًا وادي السيليكون مركزا للتكنولوجيا العالمية.
ومع تصاعد التوترات خلال الحرب الباردة وسباق الفضاء، ارتفع الطلب على الإلكترونيات والدوائر المتكاملة، ما أتاح الفرصة لنشوء عدد من الشركات التقنية التي تطورت لاحقا لتصبح شركات عملاقة عالمية.
by | Sep 1, 2025 | تكنولوجيا
منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة، تحوّل اسم مايكروسوفت إلى علامة متكرّرة في تقارير تربط بين عوالم الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وبين آلة الحرب الإسرائيلية. على امتداد عام 2025، تكشّفت سلسلة وقائعَ متتابعة: تسريبات تُظهر عمق الشراكة التقنية، ومراجعات داخلية متأخّرة ومربكة، وقراراتٌ قمعية بحق الموظفين المعترضين، واحتجاجاتٌ تنتهي أحياناً بالاعتقال. هذا الخط الزمني يرصد أبرز المحطات وفق تسلسلها:
24 كانون الثاني/كانون الثاني 2025: دعم عملياتي مباشر
في أولى المحطات المفصلية، كشفت وثائق داخلية ــ استعرضتها صحيفة ذا غارديان البريطانية بالتعاون مع مجلة 972+ وموقع لوكال كول ــ أنّ اعتماد جيش الاحتلال على خدمات منصة أزور وأدوات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت ارتفع بشكلٍ حاد بعد 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023. لا تتحدث التسريبات عن أدوات إدارية فحسب، بل توضح إسناداً تقنياً لعمليات قتالية واستخبارية، بما في ذلك تقديم آلاف الساعات من الدعم الهندسي، وصفقات لا تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار، وإتاحة نطاق واسع للوصول إلى نموذج GPT-4 عبر “أزور”. هذه الصورة المبكرة أسست لفهم الشراكة بوصفها بنية تحتية لحربٍ مستمرة.
26 شباط/شباط 2025: طرد تأديبي أوّل
خلال اجتماع داخلي في ريدموند، وقف موظفون على بُعد أمتار من الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا مرتدين قمصاناً تسأل: “هل يقتل كودنا الأطفال يا ساتيا؟”. لم تتسامح الشركة مع المشهد: طردت خمسة موظفين على خلفية الاحتجاج، فيما أعادت تقارير إخبارية التذكير بدور منتجات مايكروسوفت وأدوات أوبن إيه آي ضمن برنامج عسكريّ لاختيار الأهداف خلال الحربين على غزة ولبنان، وما ترتّب على أخطاء خوارزمية من “وفيات غير عادلة”.
9 إبريل/نيسان 2025: تصاعد احتجاجاتٍ وعقوبات
مع اقتراب الربيع، أخذ الاحتقان داخل مايكروسوفت منحى تصاعدياً، مزج من التنديد العمالي والدعوات العلنية لوقف التعاون العسكري، بالتوازي مع إجراءات عقابية ضد موظفين معارضين. كما كشفت تسريبات عن توسّعٍ في استخدام الذكاء الاصطناعي لدى الجيش الإسرائيلي.
22–23 أيار/أيار 2025: قمع رقميّ لموظفي مايكروسوفت
في أيار، ظهرت سياسةٌ داخلية مثيرة للجدل: حظر رسائل البريد الإلكتروني التي تتضمن كلمات مثل “فلسطين” و”غزة” و”إبادة جماعية”. فسّرت الشركة ذلك بالرغبة في الحدّ من “الرسائل السياسية” على نطاق واسع داخلياً، لكن شهادات موظفين ومنسّقي حملة “لا أزور للفصل العنصري” قرأت في الإجراء قمعاً لحرية التعبير وتمييزاً ضد الموظفين الفلسطينيين والمتضامنين. وخلال أسبوعٍ واحد، طُرد موظفون قاطعوا كلمات قياديين في مؤتمرات عامة، فيما أكّدت مايكروسوفت رسمياً أنها توفّر للحكومة الإسرائيلية خدمات سحابية وذكاءً اصطناعياً، مع نفي استخدامها “لإيذاء المدنيين”.
9 آب/آب 2025: “التدقيق” المتأخر
بعد نشر تحقيقٍ مشترك يُظهر أن الوحدة 8200 خزّنت تسجيلات ملايين مكالمات الفلسطينيين في غزة والضفة على بيئةٍ معزولة داخل “أزور”، أعلنت مايكروسوفت أنها “تدقق” في كيفية استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنصتها، وسط شكوكٍ داخلية في أن بعض موظفي فرع إسرائيل قدّموا معلومات “غير دقيقة” عن مشاريع حسّاسة. الشركة نفت علمها باستخدام “أزور” لتخزين محتوى المكالمات، لكن مصادر داخلية أشارت إلى معرفةٍ مؤسسية بعزم الوحدة نقل بياناتٍ استخبارية إلى “أزور” منذ 2021.
20 آب 2025: الاعتصام في ريدموند
صعّد موظفون حاليون وسابقون تحركاتهم باعتصامٍ استمر يومين داخل حرم الشركة في ريدموند. أعلن المحتجون الساحة “منطقة محرّرة”، رافعين مطالب واضحة: قطع العلاقة فوراً مع جيش الاحتلال، وإنهاء الإبادة والتجويع، وتعويض المتضررين، ووقف التمييز. لم تكن الوقفة استعراضاً رمزياً، بل تصعيد منظّم يعكس تبلور حركة عمالية ـ أخلاقية داخل الشركة تطالب بوقف التربّح من الحرب.
21 آب 2025: الاعتقالات
في اليوم التالي، تدخّلت شرطة ريدموند واعتقلت 18 محتجاً اتُّهم بعضهم بالتعدّي و”التسبّب بأضرار” بعد إلقاء طلاءٍ أحمر على لافتة مايكروسوفت. ربط المحتجون تحرّكهم بتقارير التجسّس عبر “أزور”، وباغتيال صحافيين في غزة، مؤكدين رفض التواطؤ في الإبادة. ردّ الشركة كان أمنياً بامتياز: استدعاء الشرطة وإقفال مبانٍ، فيما تواصل الخطاب الرسمي والتمسك بمراجعاتٍ داخلية تنفي حصول استخدامٍ يستهدف المدنيين.
27 آب 2025: وعود وعود وعود
بعد اقتحام المحتجين مجمّعاً يضم مكاتب كبار التنفيذيين، عقد رئيس شركة مايكروسوفت براد سميث مؤتمراً صحافياً استعجل فيه التعهّد بالحفاظ على “معايير حقوق الإنسان” ومواصلة الحوار مع الموظفين. تعهّدت الشركة بمراجعات قانونية خارجية جديدة، واعتبرت ما كُشف “مزاعم دقيقة تستحق مراجعة عاجلة”، من دون أن تُظهر شفافيةً فعلية حيال نتائج تحقيقاتها السابقة التي نفت “إيذاء المدنيين”. الواقع بقي على حاله: احتجاجات تتسع، وسمعةٌ دولية تتآكل، وشبه إقرارٍ بأن استخدامات “أزور” الحكومية تبقى خارج الرؤية المباشرة للشركة.
28 آب 2025: فصل موظفَين
بعد عشرة أيام من موجة الاعتقالات، فصلت مايكروسوفت موظفَين نظّما وقفة تضامنٍ داخل مقر الشركة بواشنطن. الرسالة الإدارية تواصلت على المنوال ذاته: بدلاً من التفاعل الجاد مع أسئلة المسؤولية الأخلاقية، تَغلبُ مقاربةٌ بوليسية داخلية تُصنّف الاحتجاج “تعطيلاً للأعمال”.
29 آب 2025: طرد أربعة موظفين
بعد 24 ساعة فقط، أعلنت تقارير جديدة طرد أربعة موظفين إضافيين على خلفية احتجاجهم على عقود الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية مع الجيش الإسرائيلي. بهذا انتقلنا من طردٍ فرديّ/محدود إلى سياسةٍ شبه ممنهجة، تثبّت خط الشركة: حماية التعاقدات أولاً، ثم إدارة “الضرر” الاتصالي، ولو على حساب أصواتٍ داخلية تحذّر من تعميق التواطؤ التقني مع آلة الحرب.
لماذا “أزور” مركز الجدال؟
من خلال كل التسريبات التي نشرت منذ مطلع هذا العام يبدو واضحاً أن البنية السحابية لـ”أزور” ليست صندوق بريدٍ أو تخزيناً إدارياً فحسب، بل عدّةُ عملٍ عملياتية: تفريغ وترجمة ومعالجة كمٍّ ضخم من بيانات المراقبة الجماعية (مكالمات، نصوص، بريد صوتي)، والبحث السريع داخل النصوص لرصد أنماط وتحديد مواقع. تُظهر الوثائق المسربة نمواً هائلاً في استهلاك أدوات التعلّم الآلي من “أزور” بعد تشرين الأول 2023، وارتفاعاً كبيراً في التخزين والاستخدام خلال الأشهر التالية، وهو ما يفسّر ضغط الموظفين الرافضين لأن تصبح منصتهم العمود الفقري لخرائط القتل الذكية.