احتفاء بذكرى العصر الذهبي للبحرية الهولندية، العصر البطولي الذي ازدهرت فيه التجارة والفلسفة والعلوم، عصر رامبرانت، أقامت أمستردام في أواخر آب/ آب الماضي مهرجان الإبحار، الذي ينعقد مرة كل خمس سنوات. تصادف طبعته العاشرة هذا العام الذكرى 750 سنة لتأسيس العاصمة الهولندية.
أوغلت سفن الهولنديين بعيداً في البحار والمحيطات النائية. وكان لهم السبق في اكتشاف أراض لم تطأها قدم الرجل الأبيض من قبل. الرجل الأبيض الذي خرج فجأة من قمقمه في عصر النهضة، وغزا العالم. مضى بعيداً في الجغرافيات المجهولة. وكان الهولنديون في ذلك العصر قد امتد نفوذهم البحري تقريباً إلى جميع أصقاع الأرض.. فهم الذين اكتشفوا أستراليا وأسسوا مدينة نيويورك التي أطلقوا عليها أمستردام الجديدة، واحتلوا كوراساو في وسط أميركا وامتدت ممتلكاتهم ومصارفهم البحرية إلى البحر الكاريبي، وجزر الأنتيل. وأوغلوا في الشرق إلى إندونيسيا، و”تايوان الهولندية”، و”سريلانكا الهولندية”، و”جزر الملوك” (في ماليزيا حالياً)، بالإضافة إلى “مستعمرة كيب” في جنوب أفريقيا، ومستعمرة في الهند؛ وكذلك “السواحل الذهبية الهولندية” في غانا، والعديد من المواقع التجارية في مختلف أنحاء آسيا.
آه لهؤلاء الهولنديين سكان الماء! كما لو أن البحر عنصر أساسي من كيانهم الداخلي العميق..
كما لو أنهم حققوا كلمة فريدريك نيتشه في كتاب المعرفة السعيدة: ابنوا مدنكم على جبل فيزوف! أطلقوا سفنكم إلى بحار مجهولة!
رأيت سفينة عربية مفردة توحي بعوالم السندباد من عُمان
ودخلت السفن إلى القناة البحرية قادمة من الأقاليم الهولندية البعيدة، وخرج الأهالي إلى ميناء أمستردام القديم لاستقبال السفن التاريخية التي كانت تعبر من أمامنا لتتجمع قرب متحف البحر. نسخ جديدة لمراكب القرنين السابع والثامن عشر؛ سفن أبحرت من البيرو، ومن المكسيك، ومن الصين والنرويج وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد. شقت البحور بقوة الريح في أشرعتها. قال لي ضابط البحرية الأرجنتينية “أبحرنا من الأرجنتين إلى هنا، عبرنا المحيط الأطلسي ولم نشغل أبداً المحركات، اعتمدنا في تسيير السفينة على الرياح وأرهقنا كثيراً رفع وتحريك القلاع”.
البحار العربي حاضر
جاء البحار العربي من عُمان للمشاركة في المهرجان، ولكن على سفينة صُنعت في رومانيا. وهذا لا يغمط للعُمانيين حقّهم في المجد.. ورغم ذلك لم يبق اليوم من ذكرى العصر البطولي للبحارة العرب الذين انطلقوا في القرن العاشر إلى الصين من موانئ سيراف، والعقير، والبصرة، سوى صورة باهتة. أين سفن السندباد الخيالية والحقيقية؟ ومن يتذكر التاجر سليمان الذي سبق أول القرن العاشر الميلادي ابن بطوطة وماركو بولو إلى الصين؟ وترك كتاباً ترجم إلى كل اللغات تقريباً. ومن يتذكر ابن ماجد؟ كان ابن ماجد يضع عناوين أدبية لكتبه العلمية منها كتاب “ثلاث أزهار”، وهو جدير أن يكون عنوان قصيدة شعرية.
يختلط الواقع بالحلم، لا لم تكن هناك سفن السندباد، ولكن كانت هناك سفينة عربية مفردة توحي بعوالم السندباد هي “شباب عُمان” أخذت مكانها بين أكثر من ثمانمائة سفينة ومركب تجمعت هنا، وحولت ميناء أمستردام القديم إلى غابة من الصواري والأشرعة المتداخلة حتى الأفق… سفن يزيد طولها على المئة متر وارتفاع صواريها إلى حوالي 95 متراً تخوض في البحار والمحيطات. هي نسخ حديثة لمراكب عصر الاكتشافات البحرية الأولى في القرنين السادس والسابع عشر، يوم قسم بابا روما الأرض في خط وهمي بين البرتغاليين والإسبان حتى يكفّا عن التصارع حول المستعمرات والأراضي التي يستوليان عليها. وكان أن ذهبت مراكب القراصنة البرتغاليين والإسبان أولاً ثم التجار الهولنديين والإنكليز لاكتشاف ونهب أراضي شعوب أفريقيا وآسيا والجزر النائية شرقاً وغرباً. وكانت تلك الموجة الاستعمارية الأولى.. رحلات تجارية وعسكرية قامت بها شركات الهند الشرقية الهولندية والفرنسية شرقاً وغرباً.
تحت شمس الظهيرة ذهبت وسط الجموع إلى شمال الميناء أبحث عن “آسكوا 2″، قارب المغني البلجيكي الأسطوري جاك بريل، الذي أبحر به من ميناء بروج في بلجيكا عابراً المحيطات حتى جزر الماركيز، ها هو يرسو وحيداً يا لسخرية الأقدار قرب بارجة عسكرية داكنة في مكان جانبي من ميناء أمستردام الذي غناه في قصيدته الذائعة: في ميناء أمستردام/ ثمة بحارة يغنون/ الأحلام التي تسكنهم.
أخذت صوراً للقارب، وبقيت أتأمل حياة جاك بريل الذي على خطى رامبو وفان غوخ هرب من بلجيكا، من أوروبا الباردة إلى جزر الماركيز ليموت هناك ويدفن في المقبرة البحرية على بعد أمتار من قبر الرسام بول غوغان.
أعلنت محكمة الاستئناف في لاهاي الهولندية أنها ستحتفظ بالدعوى المقدمة من منظمات حقوقية فلسطينية وهولندية بشأن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل لدراستها، على أن تصدر قرارها خلال أسبوعين.
ويستهدف الاستئناف المقدم وقف صادرات السلاح الهولندية إلى إسرائيل، إذ تقول المنظمات إن هولندا تنتهك التزاماتها الدولية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة واستخدام الأسلحة الهولندية في الحرب.
وقالت المستشارة القانونية في مؤسسة “سومو” للنزاعات الدولية ليديا دو لووف إن المنظمات قدمت “قضية واضحة حول واجب هولندا في منع الإبادة الجماعية وعدم المساهمة في الاحتلال والاستيطان غير القانونيين في فلسطين”.
وكانت محكمة لاهاي قد قضت سابقا بأن الدولة تتمتع بقدر واسع من الحرية في تحديد سياساتها، وأن على المحاكم عدم التسرع في التدخل، الأمر الذي رفضته المنظمات الحقوقية في استئنافها الجديد.
وتزامن نظر الدعوى مع أجواء سياسية مشحونة في هولندا على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دفعت وزراء إلى الاستقالة احتجاجا على رفض الحكومة فرض عقوبات على إسرائيل.
وخارج المحكمة، نظم متظاهرون هولنديون وقفة احتجاجية للتنديد بموقف حكومتهم، معتبرين أن المسار القضائي يأتي للضغط من أجل فرض عقوبات على إسرائيل ووقف ما وصفوها بـ”الإبادة المروعة” بحق الفلسطينيين.
ومن المقرر أن يشكل الحكم المنتظر بعد أيام محطة فاصلة في رسم سياسة هولندا إزاء إسرائيل، بين الإبقاء على موقعها كحليف تقليدي أو الانضمام إلى خط أوروبي أكثر انتقادا لتل أبيب.
وكان جميع أعضاء الحكومة الهولندية من حزب “العقد الاجتماعي الجديد” استقالوا قبل أسبوعين من حكومة تصريف الأعمال بعد يوم واحد من استقالة وزير الخارجية، بسبب فشل فرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي جراء عدوانه المستمر على قطاع غزة منذ تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
إعلان
وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة خلّفت 63 ألفا و746 شهيدا على الأقل، و161 ألفا و245 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أودت بحياة 367 فلسطينيا بينهم 131 طفلا.
في قلب مدينة لاهاي الهولندية، يقع مركز احتجاز فريد من نوعه يحظى باهتمام عالمي واسع، إنه مركز احتجاز الأمم المتحدة، وهو ليس مجرد سجن عادي، بل فضاء مخصص لاحتجاز شخصيات سياسية وعسكرية بارزة متهمة بجرائم دولية جسيمة، بانتظار محاكمتها أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم خاصة سابقة.
وفي السنوات الأخيرة، عاد المركز إلى دائرة الضوء عقب إيداع الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي فيه، بعد اتهامه بارتكاب جرائم قتل خارج نطاق القانون في سياق الحرب ضد المخدرات.
في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل طبيعة المركز ومكانته، وظروفه التي تجمع بين الحداثة والصرامة، ثم نسلط الضوء على دوتيرتي كنزيل بارز اليوم.
تجمع أنصار دوتيرتي أمام سجن شيفينينغن الذي يضم مركز الاحتجاز التابع للأمم المتحدة (غيتي)
بين العدالة الدولية والتاريخ القضائي
يُعتبر مركز احتجاز الأمم المتحدة في لاهاي مؤسسة فريدة من نوعها تعكس طبيعة العدالة الدولية الحديثة، فمنذ تأسيسه عام 1993 داخل سجن شيفينينغن الهولندي، ارتبط المركز بمحاكمات جرائم الحرب الكبرى، خصوصا تلك المتعلقة بمحكمة يوغوسلافيا السابقة.
وهو اليوم جزء أساسي من منظومة المحكمة الجنائية الدولية، ويُدار تحت إشراف أمينة سر المحكمة بالتعاون مع سلطات السجون الهولندية. ويخضع المركز لمراقبة دورية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لضمان احترام المعايير الإنسانية المنصوص عليها في القانون الدولي.
ومن حيث المكان، يقع المركز في ضاحية شيفينينغن الساحلية التابعة لمدينة لاهاي، على مسافة قصيرة من المقرات القضائية الدولية. هذه الجغرافيا ليست صدفة، بل تعكس إرادة سياسية لتجميع المؤسسات القضائية وأماكن الاحتجاز في بيئة واحدة، تُسهل عمليات النقل والمرافقة الأمنية، وتؤكد الطابع الدولي للمدينة كمركز عالمي للعدالة.
لا يعتبر المركز مجرد سجن محلي تابع لهولندا، بل هو مساحة ذات وضع خاص تخضع لإدارة الأمم المتحدة. وهذا ما يمنحه طبيعة مزدوجة: فهو موجود ماديا داخل منشأة هولندية، لكنه قانونيا جزء من نظام العدالة الدولي.
إعلان
ووفقًا لتقرير لصحيفة نوس الهولندية بعنوان “سجن شيفينينغن، المنزل الجديد لدوتيرتي”، فإن القوانين المنظمة للمركز تقوم على مبدأ “أدنى قدر ممكن من القيود على النزلاء”، ما يعني أن الهدف ليس العقاب، في حد ذاته، بل ضمان الحبس الاحتياطي لحين انتهاء المحاكمة.
رادوفان كاراديتش (وسط) مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية عام 2008 في لاهاي (غيتي)
وعلى مدى 3 عقود، مرّ عبر المركز عشرات النزلاء من ذوي الأسماء الثقيلة في التاريخ المعاصر، أبرزهم: رادوفان كاراديتش وراتكو ملاديتش، اللذان أُدينا بجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية في البوسنة، كما احتُجز فيه قادة سياسيون وعسكريون من سيراليون ورواندا وكوسوفو.
ولم يكن هؤلاء النزلاء مجرد مجرمين عاديين، بل كانوا أشخاصا آذاروا السلطة على شعوب بأكملها، وارتبطت أسماؤهم بفظائع ما زال صداها يتردد في الذاكرة الإنسانية، وتندرج الجرائم التي يُحتجز بسببها هؤلاء السجناء ضمن أخطر ما يمكن أن يواجهه القضاء في عصرنا الحاضر:
جرائم الإبادة الجماعية.
جرائم الحرب.
الجرائم ضد الإنسانية.
هاشم ثاتشي (يمين) مثل أمام قاض في محكمة كوسوفو المتخصصة في لاهاي عام 2020 (أسوشيتد برس)
هذا التعدد في القضايا حوّل المركز إلى رمز بارز للعدالة الجنائية الدولية، إذ يلتقي بين جدرانه قادة سياسيون وعسكريون آذاروا نفوذا وحشيا خارج القانون، وتلاحقهم اتهامات بجرائم كبرى تمس الإنسانية جمعاء، لتؤكد أن القضاء الدولي لم يعد حبيس الجغرافيا الوطنية.
وكانت صحيفة ذا تايمز في تقريرها “فندق لاهاي في انتظار رودريغو دوتيرتي” سلطت الضوء على أن هذا السجن لا يستضيف سوى أعداد قليلة جدا في وقت واحد، ما يعكس طابعه الانتقائي.
ويضم حاليا 5 نزلاء فقط، بينهم الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، ورئيس كوسوفو السابق هاشم ثاتشي، إلى جانب 4 من قادة المليشيات الأفريقية.
ويسمح هذا العدد المحدود بإدارة دقيقة لكل سجين على حدة، ويُسهل توفير بيئة احتجاز تراعي المعايير الإنسانية إلى حد بعيد.
لكن ورغم الطابع “المثالي” للظروف المادية، فإن شهادة المدير السابق للمركز تيم مكفادن تشير إلى أن “الملل هو العدو الأكبر للنزلاء”، فالمشكلة لا تكمن في الطعام أو النظافة أو المرافق، بل في إدارة الوقت الطويل وانتظار المحاكمات التي قد تستغرق سنوات. وهكذا يجمع المركز بين صرامة العدالة، وإنسانية الظروف، وثقل الزمن الذي يُعتبر عقوبة بحد ذاته.
غرفة طبية في مركز احتجاز المحكمة الجنائية الدولية الواقع داخل سجن شيفينينغن (أسوشيتد برس)
“فندق لاهاي” بين الأسطورة والواقع
أطلقت بعض وسائل الإعلام على مركز احتجاز الأمم المتحدة لقب “فندق لاهاي” (Hague Hilton)، في إشارة إلى الظروف المريحة نسبيا مقارنة بالسجون التقليدية.
وقد تناولت صحيفتا ذا تايمز ونوس في تقريريهما السابقين، تفاصيل هذه البيئة، فوصفتا الزنازين والمرافق بما يجعلها قريبة من “غرف فندقية” أكثر منها زنازين تقليدية.
تبلغ مساحة الزنزانة الواحدة نحو 10 إلى 15 مترًا مربعًا، مجهزة بدورة مياه داخلية، ومزودة بجهاز تلفاز مع قنوات كابل وراديو، وهذا المستوى من الخصوصية والراحة ليس شائعًا في السجون الوطنية، ما يعزز صورة “الفندق”.
زنزانة قياسية في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة الجنائية الدولية الواقع داخل مجمع سجن شيفينينغن بهولندا (أسوشيتد برس)
ويُتاح للنزيل استخدام المكتبة، وصالة رياضية صغيرة (جيم)، وغرف مخصصة للزيارات العائلية، بما في ذلك الزيارات الزوجية، وتوجد في الممرات ثلاجات وماكينات قهوة ومرافق بسيطة للطهي، وهو تفصيل أضافته ذا تايمز كأحد مظاهر “الحياة العادية” داخل المركز.
إعلان
وتبرز الحرية اليومية داخل المركز بوضوح، فبحسب نوس، تُفتح الأبواب معظم النهار، وتُغلق فقط أثناء استراحة الحراس أو في الليل، ما يسمح للسجناء بالتحرك داخل الجناح والتفاعل فيما بينهم.
وهذا يختلف عن السجون المغلقة التي تُقيّد النزلاء في زنازينهم معظم الوقت، ويعكس هذا النظام فلسفة قانونية تقوم على فكرة أن هؤلاء السجناء لم يدانوا بعد، بل هم متهمون قيد المحاكمة، ويجب أن تُصان كرامتهم الإنسانية.
لكن هل يمكن اعتبار المركز “فندقا” كما تصفه بعض وسائل الإعلام؟ الواقع أن هذا الوصف يحمل بعدا تهكميا؛ فصحيح أن الأثاث والمرافق تبدو مريحة، إلا أن المركز في جوهره يظل سجنا مسوَّرا يخضع فيه النزلاء لإجراءات أمنية دقيقة.
فحتى عمليات النقل إلى المحكمة لا تتم عبر مسار ثابت، بل تُغيَّر يوميا لتفادي أي مخاطر، وهو ما يكفي لتذكير السجناء بأنهم بعيدون كل البعد عن أجواء النزهة السياحية.
مساحة الزنزانة تبلغ نحو 10 إلى 15 مترًا مربعًا مزودة بجهاز تلفاز مع قنوات كابل وراديو (مركز الاحتجاز التابع للمحكمة الجنائية الدولية)
ومن حيث الطاقة الاستيعابية، يُقدَّر أن المركز قادر على احتضان حوالي 40 سجينا، لكن الأعداد الفعلية دائما أقل بكثير. ففي العام الجاري، 2025، لا يتجاوز العدد 5 نزلاء، وهو ما يعكس طبيعة القضايا التي يتعامل معها المركز فالمحاكمات قليلة، لكنها ذات رمزية عالية، تستهدف أفرادًا ذوي سلطة سياسية أو عسكرية.
ويسهل العدد المحدود على الإدارة توفير ظروف شبه شخصية، ويَمنح لكل نزيل هامشا أكبر من الخصوصية.
ويكمن الفارق الجوهري بين “الفندق” والسجن في عنصر الحرية، فالزنازين مهما كانت واسعة ومجهزة، تبقى مغلقة ليلا، ويحرم النزيل من أبسط ما يميز حياة الإنسان الحر مثل القدرة على الخروج متى شاء. وهذا ما يجعل شهادات مثل شهادة مكفادن ذات قيمة، فهي تكشف أن “الملل والانتظار الطويل” هما التحدي الحقيقي. فالمكان ليس جنة، بل هو سجن ناعم المظهر قاسٍ في جوهره.
ويخلص التقريران إلى أن صورة “فندق لاهاي” التي يروج لها الإعلام قد تعكس بعض الواقع، لكنها تتجاهل ما يعنيه الحرمان من الحرية، حتى لو كان في أرقى الظروف. وهذا التناقض هو ما يمنح المركز خصوصيته: فهو يجمع بين مظاهر الراحة ومضمون العقوبة.
صورة من سجن شيفينينغن التابع لمؤسسة لاهاي العقابية (الصحافة الأجنبية)
رودريغو دوتيرتي في انتظار المحاكمة
من بين النزلاء الحاليين لمركز احتجاز الأمم المتحدة، يبرز اسم الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، الذي شكّل وصوله إلى لاهاي حدثا عالميا، فقد اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم قتل خارج نطاق القانون، في إطار الحرب الدامية ضد المخدرات التي شنها خلال فترة رئاسته بين 2016 و2022.
وكانت الحملة التي أطلقها دوتيرتي ضد المخدرات مثيرة للجدل منذ بدايتها، فقد تبنى خطابا متشددا، دعا فيه الشرطة علنًا إلى “قتل تجار المخدرات” وأكد أنه لن يلاحقهم قضائيا إذا فعلوا ذلك.
وقد ترجم هذا الخطاب على الأرض بآلاف من عمليات القتل التي وصفتها منظمات حقوقية بأنها “إعدامات خارج نطاق القانون”.
وتشير تقديرات مختلفة إلى مقتل ما بين 6 آلاف و20 ألف شخص، معظمهم من الفقراء وسكان الأحياء الهامشية.
وجود دوتيرتي في المركز يطرح مفارقة لافتة، رجل اعتاد أن يُآذار السلطة بلا قيود، لكنه أصبح اليوم يعيش في جناح يخضع لرقابة مشددة. ورغم الظروف المريحة نسبيا التي وصفها الإعلام، فإن الحرمان من الحرية يظل صادمًا لشخصية اعتادت الحركة والتأثير السياسي المباشر.
وتشير صحيفة ذا تايمز إلى أن دوتيرتي قد يجد نفسه النزيل الوحيد تقريبا في جناحه، بعد احتمال نقل بعض النزلاء الأفارقة، وهو ما يزيد من احتمال وضعه في عزلة غير مقصودة.
إعلان
يُبرز هذا الوضع الجانب النفسي للاحتجاز، فالمشكلة، كما قال المدير السابق مكفادن، ليست في الأكل أو النظافة، بل في مواجهة الزمن الطويل.
وبالنسبة لدوتيرتي، الذي اعتاد وتيرة سياسية صاخبة، قد يكون الملل والفراغ أصعب من أي عقوبة جسدية، وهنا تظهر أهمية البرامج التعليمية والترفيهية التي يوفرها المركز، فهي ليست مجرد رفاهية، بل آلية للحفاظ على السلامة العقلية للنزلاء.
وعلى المستوى القانوني، دوتيرتي ليس مدانًا بعد، فهو في مرحلة الاحتجاز على ذمة المحاكمة وهو ما ينسجم مع فلسفة المركز الذي يضمن معايير عالية لاحترام حقوق الإنسان حتى لأشخاص متهمين بجرائم خطيرة.
لكن مجرد وجود رئيس دولة سابق في هذا السجن يؤكد أن العدالة الدولية قادرة، ولو بشكل استثنائي، على إخضاع أصحاب السلطة للمساءلة، وهو ما يعكس الطابع العالمي المتزايد للمحكمة الجنائية الدولية، التي لم تعد تقتصر على قضايا محددة جغرافيا.
ويجسد أيضًا التوتر بين السيادة الوطنية والعدالة الدولية، فالكثير من أنصاره في الفلبين ما زالوا يعتبرون المحكمة غير شرعية، ويرون أن محاكمته تدخل خارجي في الشؤون الداخلية، لكن مجرد دخوله المركز يؤكد أن النظام القضائي الدولي بدأ يتغلب، ولو جزئيا، على هذه المقاومة.
احتشد آلاف الأشخاص من ذوي الشعر الأحمر من مختلف أنحاء العالم في مدينة تيلبورخ الهولندية، نهاية الأسبوع، للمشاركة في مهرجان الشعر الأحمر، الذي يهدف إلى تعزيز التواصل والفخر والانتماء لدى مجتمع أصحاب الشعر الأحمر.
وذكر منظمو المهرجان، الذي يُقام هذا العام للمرة الـ20، أن المشاركين جاؤوا من أكثر من 80 دولة. ويشمل برنامج المهرجان، الذي يُقام في أحد المتنزهات، عروضاً موسيقية وحفلات وفعاليات للمواعدة السريعة وألعاباً وأنشطة مبتكرة، فضلاً عن إمكانية الإقامة في موقع تخييم مخصص للمشاركين.
ونقلت صحيفة ألجمينه داجبلاد عن مؤسس المهرجان ومديره بارت روفتهورست قوله إن “الشعر الأحمر يربط بين الزوار. إنك تبدو مشابهاً لهم، فتشعر بنوع من الرابطة الأسرية. لكن هناك ما هو أعمق من ذلك، مثل تجارب الطفولة المرتبطة بالشعر الأحمر، الذي يجعل صاحبه مميزاً… خاصة إذا كنت تعيش في أماكن مثل المكسيك، حيث نادراً ما تصادف أشخاصاً بشعر أحمر”. وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن المهرجان مجاني ومفتوح للجميع، باستثناء الصورة الجماعية التي تُلتقط يوم الأحد، والمخصصة حصرياً لأصحاب الشعر الأحمر الطبيعي.
وكانت نسخة عام 2013 قد حققت رقماً قياسياً في موسوعة غينيس لأكبر تجمع من أصحاب الشعر الأحمر الطبيعي، إذ التُقطت صورة جماعية ضمّت 1672 شخصاً.
ويعود أصل هذه التقاليد إلى نحو عقدين، حين دعا الفنان الهولندي بارت روفتهورست 15 عارضة أزياء بشعر أحمر للمشاركة في مشروع فني نشر إعلانه في صحيفة محلية، لكن الاستجابة فاقت توقعاته عشرة أضعاف، فقرر جمعهم والتقاط صورة جماعية. وقد حظي المشروع باهتمام واسع، مما دفعه إلى تكرار التجربة في العام التالي، قبل أن يتطور إلى مهرجان سنوي متعدد الأيام، كما هو عليه اليوم.