يحمل فيلم “صوت هند رجب” الذي عُرض لأول مرة الأربعاء في مهرجان البندقية السينمائي التوسلات الأخيرة المؤلمة لطفلة فلسطينية تبلغ من العمر 5 سنوات حوصرت في سيارة تحت القصف الإسرائيلي، ولاقى الفيلم استحسانًا كبيرًا عند عرضه.
وقالت الممثلة سجى الكيلاني للصحفيين في بيان قرأته نيابة عن جميع العاملين في الفيلم: “قصة هند تحمل ثقل شعب بأكمله”.
فيلم “صوت هند رجب”
ويركز العمل الدرامي الواقعي على مشغلي خدمة الهاتف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الذين حاولوا لساعات طويلة طمأنة هند رجب العالقة وهي تتوسل لإنقاذها من السيارة، حيث كانت عمتها وعمها و3 من أبناء عمومتها يرقدون بالفعل في عداد الشهداء.
واستخدمت عبارة الفتاة الصغيرة “أنا خائفة جدًا، أرجوكم تعالوا” معززة بمقاطع أصلية أخرى لمكالماتها اليائسة مع مشغلي خدمة الهاتف بشكل قوي طوال الفيلم.
وقالت الكيلاني: “السؤال الحقيقي هو كيف تركنا طفلة تتوسل من أجل الحياة؟ لا يمكن لأحد أن يعيش في سلام بينما يُجبر طفل واحد على التوسل من أجل البقاء على قيد الحياة… دعوا صوت هند رجب يتردد صداه بأنحاء العالم”.
وبعد انتظار دام ثلاث ساعات، حصل الهلال الأحمر أخيراً على الضوء الأخضر من إسرائيل لإرسال سيارة إسعاف لإنقاذ هند. لكن انقطع الاتصال بالفتاة والمنقذين أنفسهما بعد وصول سيارة الإسعاف إلى مكان الواقعة.
وبعد أيام، عُثر على جثة الفتاة مع جثة أقاربها في السيارة. كما تم انتشال أشلاء عاملي الإسعاف الشهيدين من سيارتهما التي تعرضت للقصف.
وزعم جيش الاحتلال في البداية أن قواته لم تكن في نطاق إطلاق النار على السيارة. ومع ذلك، شككت تحقيقات مستقلة في هذا التأكيد، وقال تقرير لاحق للأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي دمر سيارة هند، ثم قتل المسعفين اللذين كانا يحاولان إنقاذها.
وفي رده على سؤال هذا الأسبوع بشأن تلك الواقعة، قال الجيش الإسرائيلي إن الواقعة التي يعود تاريخها إلى 29 كانون الثاني/ كانون الثاني 2024، لا تزال قيد المراجعة، ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
تصفيق حار
وقوبل الفيلم بتصفيق حار استمر 24 دقيقة خلال العرض الأول، وهي أطول مدة مسجلة في هذا المهرجان حتى الآن، مما يشير إلى أنه المرشح الأوفر حظًا لدى الجمهور في الفوز بجائزة الأسد الذهبي التي ستُمنح في السادس من أيلول/ أيلول.
وهتف بعض الأشخاص من الجمهور “فلسطين حرة”.
واستقطب الفيلم بعض الأسماء اللامعة في هوليوود كمنتجين منفذين، مما منحه ثقلًا إضافيًا في صناعة السينما، بما في ذلك الممثلون براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا.
وقالت المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي كتبت السيناريو أيضًا إن صوت هند تجاوز مأساة واحدة.
وأضافت “عندما سمعت صوت هند للمرة الأولى، كان هناك ما هو أكثر من صوتها. لقد كان صوت غزة ذاتها تطلب المساعدة… الغضب والشعور بالعجز عن فعل شيء هما من ولّدا هذا الفيلم”.
وقالت كوثر “الرواية المتداولة حول العالم هي أن من يموتون في غزة هم أضرار جانبية. أعتقد أن هذا تجريد من الإنسانية، ولهذا السبب فإن السينما والفن مهمان لإعطاء هؤلاء الناس صوتًا ووجهًا. نحن نقول كفى، كفى هذه الإبادة الجماعية”.
وقال الممثلون الذين أدوا أدوار موظفي الهلال الأحمر إنهم لم يسمعوا تسجيلات هند إلا في موقع التصوير، مما جعل التصوير عملية مؤثرة للغاية.
وقال الممثل الفلسطيني معتز ملحيس: “مرتان لم أستطع فيهما مواصلة التصوير. أصبت بنوبة هلع”.
وُلدت آن فرانك في فرانكفورت بألمانيا عام 1929، وتوفيت عام 1945 في أحد معسكرات الاعتقال النازية، قبيل إعلان الحلفاء انتصارهم على ألمانيا في العام نفسه.
وبعد خمسٍ وتسعين سنة من ولادة آن، وُلدت هند رجب عام 2018 في حي تل الهوى بقطاع غزة. ومثل آن، لم يكتب لها أن تكبر وترى العالم كما رآه أقرانها، إذ رحلت طفلة صغيرة قبل أن تصبح امرأة وأمًا.
رحلت هند عام 2024 خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ 7 تشرين الأول/ تشرين الأول 2023.
كانت آن فرانك في الخامسة عشرة حين توفيت جرّاء المرض داخل معسكر الاعتقال، فيما رحلت هند رجب بعد تسعة وسبعين عامًا من وفاة آن، عن ست سنوات فقط، في أكبر معتقل عرفه التاريخ الحديث: قطاع غزة.
كلتاهما طفلتان وجدتَا نفسيهما في قلب صراع دموي كبير وطاحن لا يد لهما فيه، ولا حيلة.
اشتهرت ان فرانك بيومياتها التي كتبتها خلال اختبائها من النازيين-متحف الهولوكست
وبينما كانت آن فرانك ضحية أفظع إبادة عرفها التاريخ الحديث ضد يهود أوروبا، كانت هند رجب ضحية أحفاد ضحايا تلك الإبادة (الهولوكست النازي)، الذين أنشأوا دولتهم على أرض أجدادها، واستمروا منذ ذلك الحين في قتل سكانها، وصولًا إلى العدوان الأخير على غزة. وقد دفع ذلك البابا الراحل فرنسيس إلى القول إن ما يحدث في قطاع غزة يحمل سمات “الإبادة الجماعية”.
وفي تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2024، اقترح بابا الفاتيكان الراحل على المجتمع الدولي دراسة ما إذا كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تُشكّل فعلًا إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
هند رجب.. طفولة مغدورة
استشهدت الطفلة هند رجب في كانون الثاني/ كانون الثاني 2024، خلال قصف استهدف حي تل الهوى، مسقط رأسها في مدينة غزة.
وبسبب الهلع الذي خلّفه القصف العنيف آنذاك، هربت هند مع أقارب لها داخل سيارة بحثًا عن ملاذ آمن، لكن السيارة لم تسلم من القصف.
وكانت طفلة أخرى أكبر سنًا من هند بين الركاب، فاتصلت بالهلال الأحمر الفلسطيني طالبة المساعدة، فيما كانت دبابة إسرائيلية تقترب من السيارة مطلقة النار عليها وعلى من فيها، قبل أن ينقطع الاتصال.
أصبحت هند رمزا عالميا للطفولة المغدورة في أزمنة الحروب-غيتي
وكان آخر ما دوّن في نداء الاستغاثة قول الطفلة للموظف في الهلال الأحمر الفلسطيني على الجانب الآخر: “عمو، قاعدين بطخوا علينا. الدبابة جنبنا. إحنا بالسيارة وجنبنا الدبابة”، قبل أن يُسمع صوت وابل من الرصاص يتبعه صراخها.
وقد بثّت قنوات عربية تسجيل المكالمة خلال تغطية العدوان على غزة، فاجتذب اهتمام عشرات الآلاف من المشاهدين في المنطقة والعالم، وتحوّل صراخ الطفلة ورعبها إلى مصدر تعاطف وقلق لمعرفة مصير ركاب السيارة وما إذا نجا أحدهم.
قتلتهم إسرائيل جميعًا
واكبت الفضائيات العربية الحدث عبر مقابلات مباشرة مع مؤسسات الإغاثة والإنقاذ، ومنها الهلال الأحمر الفلسطيني الذي حاول مرارًا معاودة الاتصال بالرقم الذي خرجت منه مكالمة الاستغاثة.
وفي إحدى المحاولات الأخيرة نجح الاتصال، وسمع خلالها صوت خائف يردّ على المكالمة. إنه صوت الطفلة هند رجب التي كانت تشعر بالذعر، وكانت الناجية الوحيدة من القصف، فأرسلوا لها فريق إنقاذ لكنّ الاتصال بهذا الفريق سرعان ما انقطع بدوره.
قتلت اسرائيل نحو 20 الف طفل من بينهم هند رجب في عدوانها على قطاع غزة-فيسبوك
بعد اثني عشر يومًا من الغموض وغياب أي أثر، عُثر على جثث هند وأقاربها، إلى جانب جثث فريق الإنقاذ الذي تعرّضت سيارته بدورها للقصف، فلم يتمكن من إنقاذها ومن معها.
لم تنته القصة هنا، فثمة أسطورة نشأت باستشهاد هند، إذ سرعان ما تحوّلت إلى أيقونة عابرة للحدود والثقافات، تتعلق بمفهوم العدالة وعدم الإفلات من العقاب، وعلى نحو معقّد تحوّلت هند إلى ضحية نموذجية تختزل سيرتها قضية شعبها الكبرى.
واكتسبت “صورة الضحية” الفلسطينية من خلالها بعدًا جديدًا، مؤسساتيًا، بقيام شابين لبنانيين بتأسيس مؤسسة تحمل اسم مؤسسة هند رجب في بروكسل في أيلول/ أيلول 2024.
وتسعى المؤسسة لكسر “إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب”، فيما يتعلق بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين وخصوصًا في قطاع غزة.
مظاهرة في لندن العام الماضي في ذكرى النكبة الفلسطينية-غيتي
وسرعان ما تحوّلت هند رجب بفضل المؤسسة التي تحمل اسمها إلى كابوس لإسرائيل وجنود الاحتلال، إذ قدّمت حتى تشرين الأول/ تشرين الأول 2024، شكاوى ضد 1000 جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، مطالبة بإصدار مذكرات اعتقال بحقهم، ومدعمة شكاواها بأدلة من بينها “بصماتهم الرقمية” المنشورة عبر صور ومقاطع فيديو وثّقت جرائم حرب محتملة.
كما تعقّبت المؤسسة الجنود في الدول التي زاروها، ما اضطر إسرائيل إلى ترحيل بعضهم في اللحظات الأخيرة لتجنيبهم الاعتقال والمحاكمة.
آن فرانك وذعر الهولوكست
وُلدت آن فرانك عام 1929 في فرانكفورت، وتُعدّ من أشهر الرموز اليهودية، لسببين: أولًا، لأنها تختزل صورة الضحية اليهودية للهولوكوست، وثانيًا لمذكّراتها التي عُثر عليها بعد وفاتها عام 1945، والتي رصدت يومياتها خلال اختبائها مع عائلتها في هولندا هربًا من الملاحقة النازية.
أصبحت مذكّراتها، المعنونة بـ”مذكّرات فتاة صغيرة”، نصًا مرجعيًا في تصوير الضحية، وحظيت بانتشار واسع بعد تحويلها إلى أفلام ومسرحيات ووثائقيات.
بعد أربع سنوات من ولادتها، انتقلت عائلتها إلى أمستردام (هولندا) عام 1933 إثر وصول النازيين إلى الحكم في ألمانيا.
تحولت يوميات آن فرانك إلى أفلام سينمائية ووثائقية منذ الخمسينيات – موسوعة الهولوكست
وبعد الاحتلال الألماني لهولندا عام 1940 وما تبعه من إجراءات اتخذتها السلطات النازية ضد اليهود من مصادرة ممتلكات وملاحقات، اضطرت العائلة عام 1942 للاختباء في “غرف سرية” بمبنى كان يعمل فيه والد آن. لكن السلطات النازية اكتشفت أمرهم بعد عامين، وأرسلتهم إلى معسكرات الاعتقال حيث ماتت آن وشقيقتها بسبب المرض عام 1945.
وبعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، عثر والدها على يوميات ابنته آن، فنشرها عام 1947، ومنذ ذلك الحين تُرجمت إلى لغات عدة، وحُوّلت إلى المسرح والسينما، منها فيلم “يوميات آن فرانك” (1959) من إخراج الأميركي جورج ستيفنز، والفيلم الألماني “مذكرات آن فرانك” (2016) للمخرج هانز شتاينبيشلر، إضافة إلى أعمال وثائقية ومسلسلات.
هند رجب في السينما
وعلى خطى آن، وجدت هند نفسها في المسار الإنساني ذاته العابر للقوميات والأعراق، والذي لا يُعنى سوى بآلام الإنسان الصغير في أزمنة الحروب والصراعات الكبرى، إذ سرعان ما طرق بابها الفن السابع، فصُوّرت مأساتها في فيلم وثائقي هو الأول من نوعه عن حياتها ورحيلها.
ملصق فيلم صوت هند رجب للتونسية كوثر بن هنية – موقع المخرجة على فيسبوك
فقد أخرجت المخرجة التونسية كوثر بن هنية فيلم “صوت هند رجب“، بعد أن سمعت صدفة التسجيل الصوتي لنداء استغاثتها. وقالت إنها شعرت حينها أن الأرض تهتز من تحتها، فاتصلت بالهلال الأحمر الفلسطيني لتسمع التسجيل كاملًا، ثم قررت تحويل القصة إلى فيلم.
وتروي بن هنية شعورها بالعجز والحزن الشديد عندما سمعت بالصدفة العام الماضي التسجيل الصوتي لهند رجب قبل مقتلها، قائلة إنها شعرت أن الأرض أخذت تهتز من تحتها، وإنها سارعت بعد ذلك، للاتصال بالهلال الأحمر الفلسطيني لسماع التسجيل الصوتي كاملًا، قبل أن تقرر صناعة فيلم عن الطفلة الفلسطينية.
تؤكد بن هنية أن جوهر فيلمها “بسيط جدًا لكن يصعب التعايش معه”، مضيفة: “لا أستطيع تقبّل عالم يطلب فيه طفل النجدة ولا أحد يلبّي. هذا الألم وهذا الفشل نشعر به جميعًا”.
المخرجة التونسية كوثر بن هنية-غيتي
وتوضح بن هنية أن قصة فيلمها لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تعبّر عن حزن عالمي، وأن “الحبكة الأدبية، خاصة عندما تُستمد من أحداث حقيقية موثقة ومؤلمة، تكون أقوى أدوات السينما، التي تقوم بدورها بحفظ الذكرى ومقاومة النسيان”.
ويُعرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي بدورته الـ82 التي افتُتحت في 27 آب/ آب وتستمر حتى 6 أيلول/ أيلول الجاري، حيث يتنافس 21 فيلمًا طويلًا على جائزة الأسد الذهبي، بينها “صوت هند رجب”، وفقًا للمدير الفني للمهرجان ألبرتو باربيرا.
رسالة “البندقية” من أجل فلسطين
وقبيل عرض الفيلم، أعلن عدد من نجوم هوليوود انضمامهم إلى فريق إنتاجه وترويجه، منهم بحسب موقع “ديد لاين” الإخباري الأميركي، براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا وألفونسو كوارون، وجوناثان غليزر.
ولم تحضر هند رجب إلى مهرجان البندقية وحدها، بل حضرت غزة أيضًا، إذ شهدت الدورة الحالية تظاهرات شارك فيها آلاف الأشخاص تضامنًا مع الفلسطينيين، ورُفعت خلالها الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بمقاطعة إسرائيل و”وضع حد للإبادة” وسط عدد كبير من الأعلام الفلسطينية. وهتافات “فلسطين حرة”.
المخرجة المغربية مريم التوزاني في مهرجان البندقية السينمائي-غيتي
كما عبّر عدد من الفنانين المشاركين في المهرجان عن دعمهم للفلسطينيين، من بينهم المخرجة المغربية مريم التوزاني وزوجها المخرج نبيل عيوش اللذان حملا لوحة سوداء كُتب عليها “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة” على السجادة الحمراء، فيما ارتدى المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس دبوسًا بألوان العلم الفلسطيني خلال المؤتمر الصحافي لفيلمه الروائي الطويل “بوغونيا”.
وشهد الافتتاح أيضًا حملة توقيعات على رسالة مفتوحة أطلقتها مجموعة “البندقية من أجل فلسطين”، أسسها عشرة مخرجين إيطاليين مستقلين، تندد بالحرب على غزة.
وقال فابيوماسيمو لوزي، أحد مؤسسي المجموعة: “الهدف من الرسالة كان وضع غزة وفلسطين في قلب الاهتمام العام في البندقية، وهذا ما تحقق”، مؤكدًا أن الرسالة جمعت ألفي توقيع، بينها أسماء بارزة في السينما العالمية، من كين لوتش إلى أودري ديوان مرورًا بأبيل فيرارا.
كانت الطفلة الفلسطينية هند رجب تتخيل أن اتصالًا هاتفيًا سينقذ حياتها ومن معها، لكن شيئًا لم يحدث لتستشهد برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
واستشهدت هند في السادسة من عمرها في 29 كانون الثاني/ كانون الثاني 2024 في قطاع غزة مع عدد من أفراد عائلتها أثناء محاولتهم الفرار من القصف الإسرائيلي.
وتعود قصة هند اليوم عبر المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي صاغت منها فيلمًا يرصد خيوط تلك اللحظة المفعمة بالرعب والرجاء والخوف، وسمته “صوت هند رجب”، ليظل شاهدًا على البراءة المذبوحة والذاكرة التي لا تنطفئ.
ويتناول هذا الفيلم اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة الفلسطينية هند وقد كسر صوتها رتابة هوليوود وحظي بدعم نجومها مثل براد بيت، وواكين فينيكس، وجوناثان غليزر، ويتنافس على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السنيمائي، وتم اختياره لينافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي.
وقد لقي الفيلم نقاشًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
“دعوة للعدالة”
فقالت صانعة الأفلام والصحفية ديزي جديون: “براد بيت وخواكين فينيسك وغيرهم من المخرجين الحائزين على جائزة الأوسكار يدعمون فيلم صوت هند رجب الذي يحكي الساعات الأخيرة من عمر هند البالغة من العمر ست سنوات بنيران إسرائيلية في غزة.. إنها أكثر من سينما.. إنها دعوة للعدالة”.
وكتبت شانا: “من المهم جدًا أن يرى العالم إسرائيل على حقيقتها، يقتلون الأطفال ويآذارون الإرهاب”.
أمّا دياب أبو جهجه مؤسس مؤسسة هند رجب فقال: “لم أر الفيلم.. ولكن ما أعرفه أن الفيلم يمشي قدمًا نحو توثيق الحكاية ورفض ترك ذاكرة هند تتلاشى.. فهند ليست مجرد قصة. إنها رمز لكل أطفال غزة، الأحياء منهم والأموات.. هؤلاء الذين يتمزقون يوميًا قبل أن تتاح لهم فرصة للعيش. هند هي حسرة محفورة في داخلي إلى الأبد، حسرة تتكرر كل يوم”.
“كي لا تتكرر مأساة هند رجب”
ولم تتوقف حكاية هند عند هذا الفيلم، بل صارت رمزًا إنسانيًا لحرب الإبادة على غزة، فعلى وقع جريمة قتلها وتكريمًا لها، تأسست المنظمة الحقوقية هند رجب التي تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرًا لها، وتركز على محاكمة وملاحقة الجند الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين.
واستطاعت الوصول في العام الجاري على قاتل هند وعائلتها، ويدعى بيني آهارون وكل هذا كي لا تتكرر مأساة هند مرة أخرى.
وأضافت بن حسونة، في حديث للتلفزيون العربي من البندقية، أنها تأمل أن يصل صوت الفيلم إلى العالم، وأن ينجح في التأثير على القرارات السياسية لوقف الظلم المستمر في غزة.
خرجت بعد ظهر اليوم السبت تظاهرة شارك فيها آلاف الأشخاص تضامنًا مع الفلسطينيين في قطاع غزة على هامش مهرجان البندقية السينمائي.
ورفعت خلال التظاهرة في منطقة البندقية لافتات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل ووضع حد للإبادة التي يرتكبها الاحتلال، وسط عدد كبير من الأعلام الفلسطينية.
“أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”
وعبّر العديد من الفنانين عن دعمهم للفلسطينيين في مهرجان البندقية خلال الأيام الأخيرة، من بينهم المخرجة المغربية مريم التوزاني وزوجها المخرج نبيل عيوش، اللذان رفعًا لافتة سوداء كُتب عليها “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة” على السجادة الحمراء مساء الجمعة.
والخميس الماضي، وضع المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس دبوسًا بألوان العلم الفلسطيني خلال المؤتمر الصحفي لفيلمه الروائي الطويل “بوغونيا” Bugonia.
واتسم افتتاح مهرجان البندقية السينمائي برسالة مفتوحة كتبتها مجموعة “البندقية من أجل فلسطين”، التي أسسها عشرة مخرجين إيطاليين مستقلين، تدين الحرب في قطاع غزة.
ودعت المجموعة في الرسالة المفتوحة المهرجان إلى ألا يكون “منصةً فارغة حزينة“، بل أن “يتبنى موقفًا واضحًا لا لبس فيه” ضد مآذارات إسرائيل في غزة.
وقالت المجموعة إن رسالتها جمعت ألفَي توقيع، بينها ما يعود إلى مشاهير من السينما العالمية، من كين لوتش إلى أودري ديوان مرورًا بأبيل فيرارا.
“قلب الاهتمام العام في البندقية”
وأكد فابيوماسيمو لوزي، أحد مؤسسي المجموعة، لوكالة فرانس برس أن “الهدف من الرسالة كان وضع غزة وفلسطين في قلب الاهتمام العام في البندقية، وهذا ما حدث”.
وصرح المدير الفني لمهرجان البندقية ألبرتو باربيرا، بأن المهرجان “لا يتخذ مواقف سياسية مباشرة”، مؤكدًا تعاطفه مع الوضع المأساوي في غزة.
ومن المقرر أن يعرض في المهرجان الأربعاء فيلم “صوت هند رجب” The voice of Hind Rajab
ويشارك الفيلم ضمن المسابقة الرسمية، وتتناول فيه المخرجة التونسية كوثر بن هنية قصة استشهاد طفلة فلسطينية في السادسة في 29 كانون الثاني/ كانون الثاني 2024 في قطاع غزة، مع عدد من أفراد عائلتها أثناء محاولتهم الفرار من القصف الإسرائيلي.
وأثارت تسجيلات صوتية استخدمت في الفيلم للمكالمة بين هند رجب وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، قبل استشهادها، تأثرًا في مختلف أنحاء العالم بعد بثها وفضح جريمة الاحتلال.
وهند رجب طفلة فلسطينية كانت في عمر 5 سنوات، حين قتلها الجيش الإسرائيلي مع 6 من أقاربها بقصف سيارة لجأوا إليها جنوب غربي مدينة غزة، في 29 كانون الثاني/ كانون الثاني 2024.
وفي تشرين الأول/ تشرين الأول 2024، قدمت مؤسسة هند رجب شكاوى ضد 1000 جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، مطالبة بإصدار مذكرات اعتقال بحقهم، وأرفقت شكاويها بأدلة على ارتكاب الجنود جرائم حرب محتملة، منها “بصمات أصابعهم الرقمية”، حيث قام عدد منهم بنشر مقاطع فيديو وصور لأنفسهم على الإنترنت، وهم يرتكبون جرائم حرب.
انضم نجوم هوليوود براد بيت وواكين فينيكس وروني مارا إلى المخرجين الحائزين جائزة أوسكار جوناثان غليزر وألفونسو كوارون بكونهما منتجين منفذين لفيلم “صوت هند رجب” قبل عرضه الأول في مهرجان فينيسيا السينمائي. ووفقاً لموقع ديدلاين الفني، ظهرت هذه الأسماء في شارة نهاية الفيلم ضمن قائمة المنتجين.
و”صوت هند رجب” فيلم من إخراج التونسية المرشحة لجائزة أوسكار كوثر بن هنية، ويُجسد اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب، البالغة من العمر ست سنوات، التي قتلتها قوات الاحتلال في كانون الثاني/كانون الثاني 2024 بعد أن علقت في سيارة مع أقاربها الشهداء في غزة. ويتنافس الفيلم على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي مع أفلام بارزة، منها “فرانكشتاين” للمخرج غييرمو ديل تورو، و”لا خيار آخر” للمخرج بارك تشان ووك، و”بيت الديناميت” للمخرجة كاثرين بيغلو. ومن المقرّر عرضه لأول مرة في المهرجان في 3 أيلول/أيلول.
“صوت هند رجب” أمام صمت هوليوود
تُنتقد هوليوود بسبب ردها الفاتر على الإبادة الجماعية في غزة، التي خلّفت حتى الخميس 62 ألفاً و966 شهيداً، و159 ألفاً و266 مصاباً، ومجاعة تجتاح 20 في المائة من مساحة القطاع، مع تقديرات بأن تنتشر في دير البلح (وسط)، وخانيونس (جنوب)، بحلول أواخر أيلول/أيلول المقبل. ومع ذلك، ظهرت أصوات هنا وهناك تنتقد الفظائع الإسرائيلية بينها مارك روفالو وتيلدا سوينتون وسوزان ساراندون.
أما جوناثان غليزر، أحد منتجي “صوت هند رجب”، وهو يهودي وحائز جائزة أوسكار عن فيلمه “ذا زون أوف إنترست”، فقد تعرّض لانتقادات واسعة النطاق داخل الصناعة لانتقاده جرائم الاحتلال، وخصوصاً بعدما استغل خطابه خلال حفل توزيع جوائز أوسكار في آذار/آذار الماضي، لانتقاد استغلال الهولوكوست لتبرير جرائم العدوان على غزة. وبعد أن اتُّهم بمعاداة السامية، تلقى غليزر دعماً من أكثر من 150 شخصية يهودية في هوليوود، كتبوا رسالة مفتوحة يدينون فيها منتقديه، جاء فيها: “الهجمات على غليزر تُشكّل تشتيتاً خطيراً عن الحملة العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة”.