موسم أصيلة الثقافي في دورته السادسة والأربعين

موسم أصيلة الثقافي في دورته السادسة والأربعين

تستعد مدينة أصيلة المغربية لـ موسمها الثقافي الدولي في دورته الخريفية للعام الجاري، التي تتضمّن أهم فعالياتها منح جائزة فليكس تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي التي يُتوّج بها كل ثلاث سنوات، شاعر أفريقي، وقد فاز في آخر دوراتها الشاعر الكاميروني بول داكيو.

ويستعيد الموسم في دورته هذه أثر شخصيتَين بارزتَين في المشهد الثقافي والفني المغربي؛ إذ يحيي ذكرى مؤسّس المنتدى محمد بن عيسى، الذي رحل في شباط/ شباط الماضي، من خلال ندوة ترصد مساره الثقافي، إلى جانب تكريم الفنان المغربي عبد الكريم الوزاني عبر تنظيم معرض وندوة حول مسيرته الفنية.

كما تقترح الدورة الخريفية، التي تحتضنها مدينة أصيلة بين السادس والعشرين من أيلول/ أيلول والثاني عشر من تشرين الأول/ تشرين الأول المقبل، سلسلةً من الفعاليات الفكرية والفنية. وتفتح النقاش حول قضايا مرتبطة بالفضاء الأطلسي، من خلال ندوة تتناول المبادرة الأطلسية في بعدها الأفريقي، بما تحمله من أبعاد سياسية وثقافية وتنموية.

في الجانب الفني، تحتضن دورة الخريف ورشات متنوعة في الحفر والصباغة الزيتية والليتوغرافيا بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب. وترافق هذه الأنشطة معارض تشكيلية لفنانين مغاربة وعرب.

ويُنظَّم خلال الموسم، في رواق المعارض بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، معرضٌ لأعمال الفنانَين التشكيليَّين البحرينية لبنى الأمين والسوري خالد الساعي.

افتتاح الدورة الـ62 من معرض دمشق الدولي بعد توقف 6 سنوات

افتتاح الدورة الـ62 من معرض دمشق الدولي بعد توقف 6 سنوات

بعد توقف دام ست سنوات، افتُتحت فعاليات الدورة الثانية والستين من معرض دمشق الدولي على أرض مدينة المعارض بريف العاصمة اليوم الأربعاء، بمشاركة نحو 800 شركة محلية ودولية. وحضر الافتتاح الرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية، فيما تكتسب الدورة الحالية رمزية خاصة كونها الأولى بعد سقوط النظام السابق في كانون الأول/ كانون الأول 2024، وما تبعه من رفع العزلة الدولية عن سورية وفتح المجال أمام العودة إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.

وقال الرئيس السوري إن بلاده “لطالما احتلت موقعاً مركزياً على الصعيد التجاري، ما جعل الشام بيئة آمنة للقوافل التجارية بين الشرق والغرب، واشتهرت بتاريخها في التجارة والاستثمار الصناعي والسياحة، ولاسيما الأنشطة المرتبطة بالاقتصاد والزراعة”. وأكد أن “السوريين هم أصحاب خبرة طويلة في مجالات الصناعة والتجارة، وشهدت البلاد تغييرات كبيرة خلال سنوات النظام السابق بسبب العزلة عن العالم، وتشتت الموارد الوطنية”. وأضاف أن سقوط النظام السابق “أعاد لسورية وأهلها فرصة البناء من جديد”، مشيراً إلى “الجهود المبذولة منذ لحظة التحرير لتأمين الأمان، وتوفير الكهرباء، وتحسين البنية التحتية، ورفع الرواتب والأجور”، موضحا أن الحكومة “تبذل جهوداً لإصلاح القضاء وتطوير التعليم، بهدف خلق بيئة مستقرة ومستدامة للاستثمار والمشاريع الاقتصادية”.

وأشار الشرع إلى أن الدبلوماسية السورية “تعمل على إعادة العلاقات الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة، لتعزيز التجارة والاستثمار وإعادة إدماج سورية في الاقتصادين الإقليمي والدولي”. وأكد أن الحكومة “تسعى لتسهيل عمل المستثمرين، ودعم القطاع الخاص، وتشجيع الابتكار والصناعة الوطنية، بما يعيد سورية إلى مكانتها التاريخية دولة فاعلة على خريطة التجارة العالمية”. كما شدد على أهمية المعارض الدولية، مثل معرض دمشق الدولي، منصةً لإظهار قدرة سورية على الانفتاح والاستثمار، وتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية مع الدول المشاركة، بما يساهم في إعادة بناء الثقة في الاقتصاد السوري وفتح آفاق جديدة للنمو والتنمية.

وخلال الافتتاح، أكّد المدير العام للمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، محمد حمزة، أنّ الدورة الثانية والستين “تمثل محطة جديدة لانفتاح سورية على العالم بعد عقود من العزلة والاستبداد”. واعتبر أنّ المعرض هذا العام “يحمل دلالة خاصة، كونه الأول بعد سقوط النظام السابق، ويمثل لحظة لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في علاقات البلاد الاقتصادية والثقافية”. وأوضح أنّ انعقاد معرض دمشق الدولي “لم يكن ليتحقق لولا التضحيات الكبيرة التي قدّمها السوريون خلال سنوات الثورة”، مؤكداً أنّ “سورية التي حلم بها هؤلاء بدأت تتشكل واقعاً”.

وشارك في المعرض عدد من الشركات السعودية، التي اختارت شعار “نشبه بعضنا” في جناحها، رمز التقاطع بين النقوش السعودية والسورية، ليعكس “عمق الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين”. وأكد مساعد وزير الاستثمار السوري، عبدالله الدبيخي، أن الاستثمارات السعودية “تجاوزت التوقعات”، وأن المرحلة المقبلة ستشهد توقيع اتفاقيات في مجالات الطاقة والاستيراد والتصدير والبنية التحتية، إضافة إلى إنشاء غرف عمل ومكاتب لتسهيل إجراءات المستثمرين والصناديق الاستثمارية، مع التركيز على الاستفادة من خبرات المملكة في تطوير بيئة الأعمال.

كما شاركت الجمعية الدولية لرعاية ضحايا الكوارث من خلال مكتبها في سورية، حيث قال عبد السلام الأمين، مدير المكتب، لـ”العربي الجديد”، إن المشاركة تهدف إلى تبادل الخبرات ولقاء المواطنين، وعرض المنتجات والخدمات التي تقدمها الجمعية لدعم الأسر المتأثرة بالكوارث والضحايا. وأوضح أن معرض دمشق الدولي يوفر منصة لعرض المنتجات الطبية والغذائية التي تصنعها أو تدعمها الجمعية، بما يسهم في اندماج المستفيدين بالمجتمع وتحقيق مردود مالي مستدام يعزز استقلاليتهم ويحسن حياتهم اليومية.

ويُعد المعرض، الذي انطلق لأول مرة عام 1954، أقدم وأكبر تظاهرة اقتصادية وثقافية في البلاد، إذ مثّل عبر تاريخه منصة للتبادل التجاري والانفتاح على الأسواق العالمية، إلى جانب دوره الفني والسياحي. وتُوصف الدورة الحالية بأنها الأضخم منذ انطلاق المعرض، إذ تشارك فيها شركات من 22 دولة، وتبلغ المساحة المخصّصة للأجنحة 100 ألف متر مربع، فيما خُصصت نحو 350 ألف متر مربع كمساحات خضراء مزوّدة بالخدمات. ويعوّل القائمون على المعرض على أن يشكّل منصة لإعادة دمج سورية في الاقتصادين الإقليمي والدولي، واستقطاب استثمارات جديدة تساهم في إعادة الإعمار وتحريك عجلة النمو، في وقت تواجه البلاد تحديات كبيرة على صعيد البنية التحتية والخدمات وفرص العمل.

محمود زيباوي وإرث أيقونات القدس

محمود زيباوي وإرث أيقونات القدس

عادةً ما يقودنا الحديث، عندما نأتي على سيرة الأيقونات المسيحية، إلى تتبُّع هذا الفنّ الكنسي في أصوله التاريخية القديمة، بل إلى حصر التركيز، وبشكل كبير، على حواضره غير العربية التي انتعش فيها. لكن ماذا لو وقفنا على حدوده في أواخر العصر العثماني، أي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؟ وفي مدينة مثل القدس التي شهدت خلال هذه الفترة ازدهاراً كبيراً، كما يُفيدنا معرضٌ جمَعه ونسّقه الباحث ومؤرّخ الفنون اللبناني محمود زيباوي، وافتُتح أخيراً في دار النمر للفن والثقافة ببيروت.

تعكس مقتنيات المعرض، الذي يحمل عنوان “كما في السماء كذلك على الأرض: أيقونات من القدس“، مزيجاً وتأثّراً فريداً بين مُصوّري الأيقونات اليونانيّين والروس ونظرائهم الفلسطينيين، الذين شكّلوا بمجموعهم مدرسة فنية (متأخّرة) يمكن تمييز سماتها دوناً عن غيرها من المدارس البيزنطية. وبهذا تنفتح أمام الزائر مروحة واسعة من الأعمال التي يأخذ بعضها طابعاً تذكارياً، تنامى بفضل حركة الحُجّاج، وبعضها الآخر موزّعٌ على هيئة خرائط طوبوغرافية منجزة على قطع قماش كبيرة، بالإضافة إلى أيقونات منمنمة مرسومة على القواقع والعظام وغيرها.

إعادة تقديم لتراث بصري جمعي لا يقلّ أهمّية عن الفنون الحديثة

وبطبيعة الحال، تتعدد المشاهد التي تتناولها أيقونات المعرض، وتتقاطع مع موضوعات الأيقونات البيزنطية التقليدية، من مركزية حضور المسيح ووالدته، مروراً بإعادة تمثيل سِيَر القدّيسين (خاصة الفرسان منهم)، وصولاً إلى تصوير أحوال المؤمنين والخطَاة وقصص من الكتاب المقدّس. لكن ما يميّز هذه الأعمال بالفعل هو بداية ظهور ملامح الأسلوب الشعبي المحلي فيها، والذي يذكّر بالفنّ الفطري، ممّا أضفى عليها طابعاً أكثر حيوية وطفولية مقارنة بالدِقّة النسكية الجامدة في المدارس القديمة.

من معرض محمود زيباو -القسم الثقافي

(من المعرض)

يثير المعرض، بما فيه من تراتيل أيضاً ترافق الزائر، أسئلةً حول المشهد الفني العامّ، مثل كيفية استعادة فنّ الأيقونات خارج الإطار الكنسي الصرف، عبر إعادة تقديمه تراثاً بصرياً جمعياً لا يقلّ أهمّية عن الفنون الحديثة. فالأيقونة، هنا، تحوّلت إلى مادّة فنّية قادرة على مخاطبة جمهور واسع من الباحثين في تاريخ الفن والمهتمين بالتراث، كما أنّ المتلقّي ليس المؤمن التقليدي فقط، بل المُشاهد العادي ودارس الفنون البصرية. وما يلفت الانتباه أيضاً أنّ المشهد البيروتي قلّما يحتفي بمثل هذا النوع من المعارض، بل نادراً ما يتسنى له استقبال تجربة بصرية تُعيد الأيقونة إلى واجهة النقاش الفني والثقافي.

ولعلّ هذا المعرض ليس سوى امتداد لمسار الباحث محمود زيباوي في قراءة الأيقونة ببُعدها الحيوي أكثر من كونها مادة جامدة في كتب التاريخ والمتاحف، إذ يستند في عمله النقدي والمعرفي إلى خلفية أكاديمية بدأها بكتابه “الأيقونة، معناها وتاريخها”، قبل أن يتبعه بمؤلفات أُخرى مثل “مشارق مسيحية، بين بيزنطية والإسلام”، و”الفن المسيحي الأول”، و”جداريات من واحة البجوات”، و”مجموعة الأيقونات الحلبية في دير سيدة البلمند”.