
بعد تجميد اتفاق الغاز.. ما حدود التغير في العلاقة بين مصر وإسرائيل؟
سربت وسائل إعلام إسرائيلية ما قالت إنه توجيه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد اتفاق الغاز مع مصر، مشترطًا موافقته الشخصية قبل أي خطوة في هذا الملف.
القرار الإسرائيلي، وفقًا للقراءات السياسية والإعلامية، ربط بما تعتبره تل أبيب انتهاكات مصرية للملحق العسكري في اتفاقية كامب ديفيد، وهذا ما يجعل من هذا التسريب رسالة ضغط سياسية تتجاوز الطابع الاقتصادي لصفقة الغاز.
القاهرة تلتزم الصمت
وتم إبرام اتفاق الغاز المشار إليه بين تل أبيب والقاهرة في الشهر الماضي، وينص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز لمصر حتى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وهذه الصفقة التي يشار إلى تجميدها تمر بمرحلتين وتعد من أكبر العقود الإقليمية في قطاع الطاقة.
وتأتي في الوقت الذي تآذار فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية وتهديدًا دائمًا بالتهجير بحق الفلسطينيين.
القاهرة التي طالما رددت رفضها التهجير ودعت عبر الوساطة المشتركة مع قطر إلى وقف إطلاق النار وإبرام الصفقة، التزمت حيال التسريبات الإسرائيلية الأخيرة بالصمت رغم أن تل أبيب اخترقت مرارًا اتفاقية كامب ديفيد من خلال وجودها وسيطرتها على معبر رفح وفقًا لنص الملحق العسكري للاتفاقية.
ويعكس موقف القاهرة حرصًا على عدم التصعيد العلني، رغم الرسائل التي يتم تمريرها بين حين وآخر، والإشارة هنا إلى حديث الرئيس المصري اليوم بأن القاهرة تعرف ما يدور حولها وما يحاك ضدها.
“تقديم تنازلات”
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور إبراهيم الخطيب، أستاذ إدارة النزاع في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن إسرائيل تريد من مصر حالة من الخضوع، استنادًا إلى اتفاقية كامب ديفيد، من دون أخذ السيادة المصرية بعين الاعتبار.
ويضيف الخطيب في حديثه إلى التلفزيون العربي أن إسرائيل تسعى لأن تحافظ مصر على واقعٍ آمن لإسرائيل في الجنوب، وأن تتعامل القاهرة مع الملف الفلسطيني بحياد، بعيدًا عن أي تدخل.
ويوضح أن إسرائيل تريد أن تكون مصر تابعة عبر اتفاقية الغاز، بدعم أميركي، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن “مصر تعارض تهجير سكان غزة، بينما ترى إسرائيل أن ذلك يشكل حاجزًا أمام تصفية القضية الفلسطينية”.
ويشير إلى أن رفض القاهرة تهجير الفلسطينيين يمثّل مصدر قلق للحكومة الإسرائيلية وخططها.
ويرى أن إسرائيل تريد استخدام ورقة الغاز للضغط على مصر من أجل تقديم تنازلات، منوهًا بأنّ القاهرة منذ اتفاقية كامب ديفيد، التزمت باتفاقية السلام، رغم احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا (محور صلاح الدين)، وهو ما يخالف نص الاتفاقية التي تشدد أيضًا على ضرورة حفظ الحدود المصرية.
ويقول: “منذ العدوان على غزة، لعبت مصر دور الوسيط، لكنها لم تتخذ خطوات فاعلة لكسر الحصار عبر معبر رفح، وهو ما كان مناسبًا لإسرائيل. أما الأمر الثالث، فهو أن مصر تدرك حالة الغليان الشعبي داخلها وفي المنطقة”.
وخلص إلى “أن إسرائيل تطمح إلى أن توافق مصر على ملف التهجير، وتسعى إلى استغلال هذا الجانب في السياق الراهن”.
“اللعب بورقة الداخل”
من جانبه، يعتبر الدكتور إمطانس شحادة، الباحث في مركز مدى الكرمل، أن إسرائيل بدأت تتصرف وكأنها دولة عظمى إقليمية، وتسعى إلى ترجمة رؤيتها بالهيمنة على المنطقة.
ويوضح في حديثه إلى التلفزيون العربي من حيفا أن إسرائيل تحاول فرض عقوبات في مجال الطاقة، التي تحتاجها مصر بوصفها مستورِدة للغاز من إسرائيل.
ويقول في هذا السياق، إنّ “إسرائيل تحاول توظيف ملف الطاقة لضبط سلوك دول المنطقة، وخاصة مصر باعتبارها دولة مركزية ومهمة، وذلك بهدف التأثير على قرارها السياسي ودورها الإقليمي”.
وتابع: “عمليًا، فإن عدم مآذارة مصر ضغطًا على إسرائيل دفع الأخيرة إلى الانتقال نحو التأثير على الوضع الداخلي المصري في مجال الطاقة، في ظل النقص الكبير في الغاز”.
ويشير شحادة إلى أن إسرائيل تدّعي أن مصر تنتهك اتفاقية كامب ديفيد من خلال تزايد الوجود العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، لافتًا إلى أن هذه الخطوة الإسرائيلية تأتي في إطار محاولة فرض رؤيتها بشأن ترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة، والضغط في ملف تهجير سكان القطاع.
ويلفت شحادة إلى أنّ إسرائيل تضع في هذا الوقت كل عوامل الضغط على مصر في سلة واحدة، ملمحًا إلى أنّ إسرائيل، منذ العدوان على غزة، عملت على ضبط التوتر مع مصر رغم اختلاف وجهات النظر، ولا سيما أن القاهرة لم تغيّر قواعد اللعبة مع تل أبيب فيما يتعلق ـ مثلًا ـ بكسر الحصار وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، بل استمرت في العمل وفق القاعدة الدبلوماسية.
ويرى أن المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تسعى إلى إبقاء العلاقة مع مصر غير متوترة وجيدة، وذلك ضمن الرؤية الإستراتيجية الإسرائيلية التي استفادت من اتفاقية كامب ديفيد على الصعيدين الاقتصادي وتطوير البنى التحتية، حسب رأيه.
“مصر تدرك ما يحاك ضدها”
من جهته، يقول أيمن سعيد، خبير العلاقات الدولية، إن “مصر تتعرض منذ العدوان على غزة لضغوط كبيرة، منها ما هو معلَن ومنها ما هو خفي”، حسب قوله.
ويضيف سعيد في حديثه إلى التلفزيون العربي من القاهرة أن “هناك مؤشرات على ما يُحاك ضد مصر، خصوصًا فيما يتعلق بالضغوط الرامية إلى دفعها لقبول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء”.
ويلفت إلى أن “المخابرات الإسرائيلية تحدثت حتى عن الشقق التي يمكن نقل الفلسطينيين إليها داخل مصر، سواء في الدلتا أو الوادي أو القاهرة بعيدًا عن سيناء، غير أن القاهرة رفضت كل ذلك رفضًا قاطعًا”.
ويخلص سعيد إلى أن “مصر لعبت دورًا في الضغط على بعض الدول الإفريقية لرفض استقبال الفلسطينيين المهددين بالتهجير، رغم كل الإغراءات الإسرائيلية”.