تأكيد مصري قطري لضرورة وقف عمليات القتل وإدخال المساعدات إلى غزة فوراً

تأكيد مصري قطري لضرورة وقف عمليات القتل وإدخال المساعدات إلى غزة فوراً

أكدت مصر وقطر، اليوم الخميس، ضرورة الوقف الفوري لعمليات القتل في غزة وأهمية إدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني المحاصر. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مدينة العلمين الجديدة: “نؤكد مع قطر ضرورة الوقف الفوري لعمليات القتل في غزة وأهمية إدخال المساعدات”، مضيفاً: “بحثنا سبل وقف الإبادة في حق الشعب الأعزل بقطاع غزة”.

وأكد عبد العاطي أنه ناقش مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري المساعي الجادة لإيجاد حلول سياسية بشأن غزة، لافتاً إلى أن جهود الوساطة المصرية القطرية تصطدم بتعنت الجانب الإسرائيلي وعرقلته لمقترح الهدنة، لكنه أكد أن جهود البلدين لن تتوقف رغم هذا التعنت. وشدد على أن مشروع تهجير الفلسطينيين لن يحدث تحت أي ذريعة، مردفاً: “مستمرون في مهمتنا الأولى” والمتمثلة بـ”وقف حمام الدم في قطاع غزة”. 

من جهته، قال رئيس الوزراء القطري، إن الدوحة ستواصل جهودها مع القاهرة للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، مطالباً المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة. وقال أيضاً إن تصرفات إسرائيل في سورية غير مسؤولة وتزيد من اضطراب الأوضاع في المنطقة.

وفي وقت سابق اليوم، استقبل رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والوفد المرافق له، في مقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة؛ لبحث مجالات التعاون المشترك، والقضايا محل الاهتمام بين البلدين. وحضر اللقاء وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج، بدر عبد العاطي، ووزير المالية أحمد كجوك.

وطبقاً لبيان رسمي عن مجلس الوزراء المصري، فقد استهل مدبولي اللقاء، بالترحيب ببن عبد الرحمن والوفد المرافق له، مؤكداً أن هناك نقلة نوعية تشهدها العلاقات الثنائية المصرية القطرية خلال الفترة الأخيرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية، وهو ما يستوجب ضرورة استكمال العمل على ملفات التعاون المشترك بين البلدين. كما أكد مدبولي أهمية البناء على مُخرجات زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى دولة قطر في إبريل/نيسان الماضي، وما برز خلالها من اهتمام الدولة القطرية بدعم الشراكة الاقتصادية مع مصر.

وفي السياق نفسه، شدد مدبولي على اهتمام الجانب المصري بالتواصل المستمر مع مجتمع الأعمال القطري؛ لتعزيز الثقة لدى قطاع الأعمال القطري بفرص الاستثمار المتاحة، ودعم الحكومة المصرية للاستثمارات القطرية في مصر، وتيسير الإجراءات اللازمة لذلك. من جانبه، أعرب رئيس الوزراء القطري، وفق البيان، عن سعادته بحفاوة الاستقبال، مؤكداً حرص القيادة القطرية على تعزيز وتوسيع أطر التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ولا سيّما في ما يتعلق بدعم مشروعات الاستثمار المشترك، بما يُلبّي تطلعات الشعبين الشقيقين.

وقد شهد اللقاء التأكيد المشترك للأهمية البالغة لانعقاد أعمال اللجنة العليا المشتركة المصرية القطرية، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، وبما يسهم في توفير فرصة غاية في الأهمية أمام مرحلة جديدة من التعاون الأعمق والأشمل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية بين البلدين. وعلى الصعيد السياسي، شهد اللقاء تأكيد الأهمية القصوى التي توليها البُلدان لجهودهما المتواصلة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة؛ من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ويتيح إدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، مع تأكيد الرفض التام لأية محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

وفي 18 آب/آب الحالي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحضور رئيس المخابرات العامة المصري اللواء حسن رشاد، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان بن علي بن خلفان الكعبي، وبحثا خلال اللقاء “العلاقات الثنائية والجهود لإنهاء الحرب على غزة”.

وقال حينها المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، محمد الشناوي، إنّ رئيس مجلس الوزراء القطري نقل للرئيس المصري “تحيات أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مؤكداً حرص الدوحة على تعزيز أطر التعاون الثنائي، خصوصاً في مجالات الاستثمار والمشروعات المشتركة، بما يلبي تطلعات الشعبَين الشقيقَين”. من جانبه، أعرب السيسي عن “تقديره العميق لأمير قطر”، مشدداً على “الإرادة المشتركة للارتقاء بالعلاقات الثنائية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة”.

من جانبها، ذكرت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نقل في بداية اللقاء تحيّات أمير قطر إلى الرئيس المصري. وأشارت إلى أنه جرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون بين البلدين، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك “الجهود المشتركة الحثيثة التي تقودها دولة قطر مع جمهورية مصر العربية في ملف الوساطة بقطاع غزة، من أجل الوصول إلى اتفاق يضع حداً للحرب، وينهي المعاناة الإنسانية في القطاع، ويضمن حماية المدنيين وتبادل المحتجزين والأسرى، بالإضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

وشهد اللقاء تأكيداً مصرياً– قطرياً مشتركاً لأهمية تكثيف الجهود للتوصّل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، إلى اتفاق يضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق، إلى جانب الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، كما شدد الجانبان على رفض إعادة الاحتلال العسكري الإسرائيلي للقطاع أو أيّ محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وأكد الرئيس المصري ورئيس مجلس الوزراء القطري أن “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية، هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام واستقرار دائمَين في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، شدّد السيسي على ضرورة “البدء الفوري بعملية إعادة إعمار قطاع غزة عقب وقف إطلاق النار، والإعداد لعقد مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة الإعمار، بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة”.

والأحد الفائت، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، أن القاهرة مستمرة في جهودها للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بالتعاون مع قطر، لافتاً إلى أنّ المفاوضات شهدت “صعوداً وهبوطاً” منذ تقاعس إسرائيل عن تنفيذ اتفاق كانون الثاني/كانون الثاني الماضي، وقال إنّ “الكرة الآن في ملعب إسرائيل” بعد تقديم مقترح مصري قطري يتضمن وقفاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وتوسيع دخول المساعدات الإنسانية، وتبادل أسرى ورهائن.

مصر: إعادة التحقيق في حادثة وفاة برلماني سابق للاشتباه في قتله عمداً

مصر: إعادة التحقيق في حادثة وفاة برلماني سابق للاشتباه في قتله عمداً

أمرت النيابة العامة المصرية، أمس الأربعاء، بإعادة فتح التحقيق رسميّاً في حادثة وفاة البرلماني المصري السابق عبد الحميد الشيخ، وإعادة معاينة مسرح الجريمة بدقة، ومراجعة كلّ التقارير الفنية والطبية السابقة، واستدعاء جميع الشهود مجدّداً والاستماع إلى أقوالهم، من أجل التأكد من الملابسات كافة وإزالة الغموض الذي يكتنف القضية.

وأوضح تقرير الطب الشرعي أن الإصابات التي لحقت بجثمان النائب السابق جاءت متعدّدة ومتنوّعة، وأنّ طبيعتها لا يمكن أن تنتج من فعل انتحاري، بل تشير بصورة مباشرة إلى جريمة قتل عمدي مكتملة الأركان. وأورد التقرير أن الإصابات تضمّنت سبع طعنات نافذة ومتفرقة، وبعض هذه الطعنات كانت في مواضع قاتلة بالجسد، أبرزها في منطقتَي الصدر والبطن. كذلك إنّ غياب أداة الجريمة بجوار الجثمان يزيد الشكوك حول صحة فرضية الانتحار، خصوصاً مع انعدام أي دليل قوي في مسرح الجريمة يمكنه أن يؤكد الرواية السابقة.

وكانت أرملة النائب السابق قد تقدمت بالطعن في النتائج التي أجرتها الشرطة بالقضية رقم 2617 لسنة 2025 إداري مركز تلا شبين الكوم – محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، عقب وفاته في حزيران/ حزيران الماضي، موضحةً أن أسرة الفقيد فوجئت بتقارير استدلالات وأوراق رسمية “تسير في اتجاهٍ خطير يصف الواقعة بالانتحار”، في حين أنّ الفحص المبدئي للجثمان أثبت وجود طعنات نافذة متكرّرة لا يمكن التصوّر أن الفقيد ألحقها بنفسه.

وأكدت الزوجة في طلبها حينها للنائب العام، أن محاولة الدفع مبكراً برواية الانتحار تمثل “تضليلاً جسيماً للعدالة” ومحاولة لإغلاق الملف قبل إجراء تحقيقات جادّة، لافتةً إلى أن التسويق الشعبي والإعلامي لتلك الرواية منذ اللحظات الأولى للوفاة كان بمثابة تمهيدٍ مبكرٍ لتبرئة جناة محتملين. كذلك فإنها تقدمت بعد شهر من وفاته، بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية المصرية لإسناد أعمال التحري والبحث الجنائي في قضية وفاته إلى قطاع الأمن العام، لما وصفته بـ”الالتباس الشديد” الذي شاب مسار التحقيقات، وتضارب الروايات حول طبيعة الوفاة التي وصفتها بـ”الدامية والصادمة”.

وظلّت القضية محل جدل واسع في الأوساط القانونية والشعبية، وسط تساؤلات بشأن الملابسات الغامضة التي أحاطت حادثة الوفاة. وكان المحامي طارق العوضي، وكيل أرملة النائب الراحل، قد أكد سابقاً أن “القضية لم تعد مجرد نزاع جنائي تقليدي، بل باتت قضية رأي عام وعدالة مهدّدة”، وأن استمرار الغموض حول ملابسات وفاة شخصية عامة كانت ممثلة للشعب في البرلمان “يضعف ثقة المواطنين بمنظومة العدالة”، مشدّداً على أن “العدالة الحقيقية تبدأ من تحقيقٍ نزيه وشفّاف، يتعامل مع الحقائق كما هي، من دون محاولة تسييسها أو تطويعها لسيناريوهات غير واقعية”.

مصر: إعادة التحقيق في حادثة وفاة برلماني سابق للاشتباه في قتله عمداً

مصر: إعادة التحقيق في حادثة وفاة برلماني سابق للاشتباه في قتله عمداً

أمرت النيابة العامة المصرية، أمس الأربعاء، بإعادة فتح التحقيق رسميّاً في حادثة وفاة البرلماني المصري السابق عبد الحميد الشيخ، وإعادة معاينة مسرح الجريمة بدقة، ومراجعة كلّ التقارير الفنية والطبية السابقة، واستدعاء جميع الشهود مجدّداً والاستماع إلى أقوالهم، من أجل التأكد من الملابسات كافة وإزالة الغموض الذي يكتنف القضية.

وأوضح تقرير الطب الشرعي أن الإصابات التي لحقت بجثمان النائب السابق جاءت متعدّدة ومتنوّعة، وأنّ طبيعتها لا يمكن أن تنتج من فعل انتحاري، بل تشير بصورة مباشرة إلى جريمة قتل عمدي مكتملة الأركان. وأورد التقرير أن الإصابات تضمّنت سبع طعنات نافذة ومتفرقة، وبعض هذه الطعنات كانت في مواضع قاتلة بالجسد، أبرزها في منطقتَي الصدر والبطن. كذلك إنّ غياب أداة الجريمة بجوار الجثمان يزيد الشكوك حول صحة فرضية الانتحار، خصوصاً مع انعدام أي دليل قوي في مسرح الجريمة يمكنه أن يؤكد الرواية السابقة.

وكانت أرملة النائب السابق قد تقدمت بالطعن في النتائج التي أجرتها الشرطة بالقضية رقم 2617 لسنة 2025 إداري مركز تلا شبين الكوم – محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، عقب وفاته في حزيران/ حزيران الماضي، موضحةً أن أسرة الفقيد فوجئت بتقارير استدلالات وأوراق رسمية “تسير في اتجاهٍ خطير يصف الواقعة بالانتحار”، في حين أنّ الفحص المبدئي للجثمان أثبت وجود طعنات نافذة متكرّرة لا يمكن التصوّر أن الفقيد ألحقها بنفسه.

وأكدت الزوجة في طلبها حينها للنائب العام، أن محاولة الدفع مبكراً برواية الانتحار تمثل “تضليلاً جسيماً للعدالة” ومحاولة لإغلاق الملف قبل إجراء تحقيقات جادّة، لافتةً إلى أن التسويق الشعبي والإعلامي لتلك الرواية منذ اللحظات الأولى للوفاة كان بمثابة تمهيدٍ مبكرٍ لتبرئة جناة محتملين. كذلك فإنها تقدمت بعد شهر من وفاته، بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية المصرية لإسناد أعمال التحري والبحث الجنائي في قضية وفاته إلى قطاع الأمن العام، لما وصفته بـ”الالتباس الشديد” الذي شاب مسار التحقيقات، وتضارب الروايات حول طبيعة الوفاة التي وصفتها بـ”الدامية والصادمة”.

وظلّت القضية محل جدل واسع في الأوساط القانونية والشعبية، وسط تساؤلات بشأن الملابسات الغامضة التي أحاطت حادثة الوفاة. وكان المحامي طارق العوضي، وكيل أرملة النائب الراحل، قد أكد سابقاً أن “القضية لم تعد مجرد نزاع جنائي تقليدي، بل باتت قضية رأي عام وعدالة مهدّدة”، وأن استمرار الغموض حول ملابسات وفاة شخصية عامة كانت ممثلة للشعب في البرلمان “يضعف ثقة المواطنين بمنظومة العدالة”، مشدّداً على أن “العدالة الحقيقية تبدأ من تحقيقٍ نزيه وشفّاف، يتعامل مع الحقائق كما هي، من دون محاولة تسييسها أو تطويعها لسيناريوهات غير واقعية”.

مصر وقطر تبحثان تفعيل حزمة استثمارات بـ7.5 مليارات دولار

مصر وقطر تبحثان تفعيل حزمة استثمارات بـ7.5 مليارات دولار

في ظل سعي القاهرة لجذب استثمارات خليجية جديدة تخفف من أعباء الدين الخارجي وتدعم احتياجاتها التمويلية العاجلة، ناقش مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية، في مدينة العلمين الجديدة اليوم الخميس، تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة التي أُعلِنَت في إبريل/نيسان الماضي بقيمة 7.5 مليارات دولار. وجاء اللقاء في توقيت يشهد فيه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة، ما يمنح الشراكة مع الدوحة بعدًا استراتيجيًا يتجاوز الجانب المالي، ليعزز الثقة بمستقبل السوق المحلية.

وأكد مدبولي أن العلاقات بين مصر وقطر تشهد “نقلة نوعية” في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، مشدداً على أهمية البناء على نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للدوحة في إبريل/نيسان الماضي، التي مثلت نقطة انطلاق للحزمة الاستثمارية. وأوضح أن الحكومة المصرية تعمل على تسهيل الإجراءات وتقديم ضمانات داعمة لمجتمع الأعمال القطري، بما يفتح المجال أمام استثمارات جديدة تعزز التنمية وتدعم الاقتصاد الوطني.

في السياق، قال مصدر مصري مطلع لـ”العربي الجديد” إن الزيارة تأتي في إطار تفعيل حزمة الشراكة الاقتصادية التي أُعلِنَت في إبريل الماضي بقيمة 7.5 مليارات دولار، موضحاً أن الفترة المقبلة ستشهد بدء تنفيذ هذه الاستثمارات في قطاع السياحة بمنطقة علم الروم في مرسى مطروح، على غرار الصفقة التي أبرمتها مصر مع الجانب الإماراتي في الساحل الشمالي، إلى جانب مشروعات عقارية أخرى. وأشار المصدر إلى أن جزءاً من هذه الحزمة سيتضمن مبادلة ودائع قطرية لدى مصر باستثمارات مباشرة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، لافتاً إلى أن قيمة الودائع القطرية في البنك المركزي المصري تبلغ نحو 4 مليارات دولار.

من جانبه، قال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، إن زيارة السيسي لقطر أسهمت في تعميق العلاقات وتعزيزها في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تنفيذ ما اتفق عليه بين القيادتين. وأضاف أن الحزمة الاستثمارية ستوجَّه نحو قطاعات ذات أولوية تشمل الزراعة والأمن الغذائي، والتطوير العقاري، والسياحة والفندقة، والنقل واللوجستيات، وتوطين الصناعة، والطاقة الجديدة والمتجددة، مؤكداً التزام الحكومة تهيئة مناخ استثماري جاذب يحقق المصالح المشتركة.

بدوره، شدد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني على أن العلاقات بين قطر ومصر تقوم على “روابط متينة بين الشعبين وقيادتي البلدين”، مؤكداً أن الأسس الاقتصادية الجاري بناؤها بين الجانبين تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون. وأوضح أن بعض الاتفاقيات الخاصة بالحزمة الاستثمارية ستُستكمل خلال الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى تطور التبادل التجاري بين البلدين وتطلع الدوحة إلى مزيد من النمو في هذا المجال. كذلك لفت إلى أن التعاون لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى الثقافة والزراعة والتضامن الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، في ظل توقيع مذكرات تفاهم جديدة لتنويع قاعدة الشراكة.

ووفق بيانات رسمية، بلغ حجم الاستثمارات القطرية في مصر أكثر من 5 مليارات دولار حتى الآن، فيما ارتفعت التدفقات في العام المالي 2023/2024 إلى نحو 618.5 مليون دولار مقارنة بـ548.2 مليون دولار في العام السابق. ومع دخول الحزمة الجديدة حيّز التنفيذ، يتوقع أن تتضاعف الاستثمارات القطرية بشكل غير مسبوق، ما يضع الدوحة في مقدمة الدول الخليجية المستثمرة في السوق المصرية. وتشير تقارير دولية إلى أن قطر تدرس أيضًا مشروعًا سياحيًا ضخمًا على الساحل الشمالي بقيمة 3.5 مليارات دولار، ما يعكس اتجاهاً نحو شراكات طويلة الأمد تتجاوز الدعم المالي المباشر.

ولم يخلُ اللقاء من مناقشة التطورات الإقليمية، إذ أكد الطرفان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، مع الرفض التام لمحاولات تهجير الفلسطينيين. ويرى محللون أن الجمع بين الملفات الاقتصادية والسياسية يعكس طبيعة العلاقة بين القاهرة والدوحة، حيث يتشابك التعاون الاستثماري مع دور إقليمي متنامٍ للطرفين.

ويمثل الاتفاق على تفعيل الحزمة الاستثمارية القطرية اختباراً جديداً لمدى سرعة تحويل التعهدات الخليجية إلى واقع ملموس في السوق المصرية. فإذا ما نُفِّذَت هذه المشاريع وفق الجداول الزمنية المعلنة، فإنها ستمنح دفعة قوية لثقة المستثمرين وتخفف من الضغوط المالية، فيما يبقى التحدي في ضمان استمرارية التدفقات والاستفادة منها في إصلاحات هيكلية مستدامة، وليس فقط في تغطية فجوات عاجلة.

سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اختلاف الدين والثقافة

سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اختلاف الدين والثقافة

قال عنها إنها “المرأة التي أبصرتُ بعينيها”، وقالت عنه بعد رحيله: “كنتَ صلابتي، كنتَ تحميني، وها أنا ذي بلا دفاع!”.

حين كان الحب أسير القيود والعادات الصارمة في الشرق والغرب، بزغت قصة حب من نوع نادر، نسج خيوطها شاب مصري مسلم كفيف أبصر بنور الفكر، وشابة فرنسية مسيحية أبصرت بقلبها ما لم تبصره العيون. إنها قصة حب عميد الأدب العربي، طه حسين، وسوزان بريسو، تلك العلاقة التي تجاوزت حدود الدين والجغرافيا والثقافة، وأصبحت شهادة حيّة على أن الحب النقي لا يحتاج لحاسة البصر، بقدر ما يحتاج إلى أن يُولد في الأعماق، وينمو على صدق العطاء.

حين التقت سوزان المثقفة الطالب طه حسين خلال رحلة دراسته في فرنسا، أُعجبت به رغم إعاقته البصرية واختلاف ثقافتهما ودينهما، فأحبته حباً فريداً، وساندته لا كحبيبة وزوجة فحسب، بل كرفيقة عمر ومُلهمة طوال مشواره، فقرأت له الكتب، وكتبت له بيدها، وأدارت شؤونه، فكانت عينه التي رأى بها نور العالم، في واحدة من أرقى وأعمق قصص الحب في تاريخ الأدب الحديث.

وتذكر أمينة مؤنس طه حسين، حفيدة عميد الأدب العربي، في مقدمة الطبعة الجديدة لمذكرات جدتها سوزان، بعنوان “معك: من فرنسا إلى مصر (قصة حب خارقة) سوزان وطه حسين (1915-1973)”، نقلاً عن مذكرات والدها غير المنشورة، بعنوان “ذكرياتي”، وصفاً لعلاقة حب أمه سوزان بوالده قائلاً إنها كانت “الرفيقة الرائعة خلال أكثر من ستين عاماً لمصري أعمى صار أكبر كاتب عربي في القرن العشرين، اشتُهر في بلده بسبب كل ما حققه في مجال التعليم والعلوم والثقافة، وأنشأ الجامعات والمعاهد العلمية عبر العالم، وكُرّم في الشرق مثلما كُرّم في الغرب”.

ويضيف: “كانت (سوزان) على الدوام إلى جانبه، راعيةً، مخلصةً، محبةً. واسته وشجعته حين كانت الأمور تسوء (ويعلم الله كم كانت تسوء!) وشاركته بكل تواضع نجاحاته وانتصاراته. وساعدته على التغلب على عاهته، على أن يصير ما كانه، على أن يتناول الطعام على موائد الملوك، على أن يتلقَّى ضروب الثناء والتكريم في أوروبا، وفي الشرق، وفي كل مكان. كانت حاضرة دوماً حين كان بحاجة إليها، وقد قال هو نفسه إنه لولا زوجتُه لما كان شيئاً”.

“سوزان قبل طه حسين”

سوزان بريسو في شبابها
سوزان بريسو في شبابها (صورة أرشيفية)

ولدت سوزان هيلويز بريسو في 26 نيسان/نيسان عام 1895، في بلوزيني-سور-أوش، في كوت دور، وجرى تعميدها الكاثوليكي في 19 أيار/آيار من العام نفسه على يد خالها الأب جوستاف فورنييه، الذي كان راعيها.

كان أبوها ألبير فليكس آندروش بريسو، يبلغ من العمر 25 عاماً عند ولادة ابنته، وكان يعمل محاسباً، أما أمها، آن مرغريت بريسو، فكانت في عمر 24 عاماً وربة منزل.

ويقول المؤرخان الفرنسيان، زينا ويغان وبرونو بونفار، في دراستهما عن سوزان ومذكراتها: “على الصعيد المادي، بدأت حياة ألبير بريسو ومرغريت فورنييه الزوجية بداية سعيدة، كان ألبير يعمل محاسباً، ولا نعلم أين تعلم هذه المهنة، ولا ضمن أي شروط كان يآذارها، كل ما نعلمه، أنه في عام 1889، قبل تجنيده، بحسب ملفه العسكري، كان موظفاً في الضرائب”.

وفي عام 1900، حين لم تكن سوزان قد تجاوزت سن الخامسة من عمرها، أنقلب كل شيء وحدثت صدمة كبيرة لوالدها عندما صدر حكم قضائي بناء على طلب من أحد الدائنين، وأشهرت محكمة التجارة إفلاس “المدعو بريسو، الذي يعمل في مهنة التحصيل المصرفي في بلينيي سور أوش”، وتسبب هذا الحكم القضائي في انهيار كبير في حياة الأسرة، بل أصبحت سوزان وشقيقتها ماري أندريه، أمام مصير مجهول.

وتقول زينا ويغان وبرونو بونفار: “لا نعلم شيئاً تقريباً عما حدث للأسرة خلال الفترة بين 1900 إلى 1906، ومعلوماتنا عن ألبير بريسو، مصدرها ملفه العسكري، ففي آب/آب 1901، انتقل إلى منطقة سان آمان مونترون، وسكن في شارع بور تموتان وصار مرتبطاً بمنطقة بورج العسكرية”.

ويضيف المؤرخان الفرنسيان، من واقع استنتاجهما، أن سوزان “حصلت على الشهادة الابتدائية في بروغمون، في عام 1906، وكان عمرها في ذلك الوقت 11 عاماً”، ويلفتان إلى أنهما بمواصلة البحث في حياة سوزان فقدا أثرها من جديد، كما “لم تعد (سوزان) ولا شقيقتها تسكنان في عام 1911 لدى جدَّيهما، وليس في ذلك ما يثير العجب، لأن الوقت كان قد حان منذ عدة سنوات على الأقل بالنسبة إلى سوزان كي تتابع دراساتها الثانوية”.

ظهرت سوزان في السجلات من جديد، وعثر المؤرخان على سوزان بريسو “تلميذة في ثانوية مونبلييه… ويشير دفتر توزيع الجوائز سنة 1913 إلى أنها حصلت هذه السنة على شهادة نهاية الدراسة الثانوية، بتقدير جيد، وعلى القسم الأول من البكالوريا، اللغة اللاتينية/اللغات الحية (إنجليزية-إيطالية)، ويشير أيضاً إلى أنها حصلت على جائزة جيمس هايد لحصولها على أعلى الدرجات في تقييم مادة اللغة الإنجليزية في امتحانات شهادة نهاية الدراسات الثانوية”.

وبعد مونبلييه وشهادة نهاية الدراسات الثانوية والبكالوريا، يعثر المؤرخان مرة أخرى على سوزان في ثانوية فنلون بباريس التي سجلت فيها بين الأول من تشرين الأول/تشرين الأول 1913 و31 كانون الأول/كانون الأول عام 1914، في القسم السادس آداب (لغة إنجليزية)، بغية الاستعداد لدخول مسابقة الالتحاق بمدرسة المعلمين العليا بسيفر، برفقة صديقتها الحميمة، إيرين فالييه، من منطقة سافوا، المولودة بتاريخ الأول من تموز/تموز 1895 بشامبيري، والتي ستكون إحدى الشهود، فيما بعد، على زواج سوزان وطه حسين في آب/آب 1917.

توقفت سوزان عن استكمال دراستها بناء على طلب من أمها لتعود إلى مونبلييه عام 1915، كي تكون في مأمن من القصف الألماني، خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وربما كانت تنوي، بحسب رأي المؤرخين الفرنسيين، استئناف دراستها بعد فترة للإعداد لخوض مسابقة تسمح لها بالحصول على درجة معلمة في التعليم الثانوي العام للفتيات.

“حين ينبض الحب في عتمة الحياة”

سوزان بريسو وطه حسين في شبابهما وهي تقرأ له كتاباً
كان طه حسين يطلق على سوزان لقب “الصوت العذب”، نظراً لعذوبة صوتها أثناء قراءتها له

عندما لجأت سوزان بريسو وعائلتها إلى مدينة مونبلييه، عثرت على فرصة عمل هناك لقراءة النصوص لطالب دراسات عُليا كفيف، يدعى طه حسين.

ويقول مؤنس طه حسين، نقلاً عن حديث مع الكاتب اللبناني شربل داغر منشور تحت عنوان “على خطى طه حسين” في مجلة “ذا يونسكو كوريير”، عدد آذار/آذار 1990، التي تصدرها منظمة اليونسكو: “بما أن والدي كان كفيفاً، فقد كان بحاجة إلى من يساعده في اللغة الفرنسية ويقرأ له، فوضع إعلاناً في إحدى الصحف المحلية، فتقدّمت سوزان للوظيفة، لكنها لم تكتف بالقراءة له فقط، بل كانت ترافقه إلى محاضراته في كلية الآداب في جامعة مونبيليه، وعندما انتقلا إلى باريس، كانت تمشي بجانبه يداً بيد من مكان سكنه إلى السوربون”.

وتقول سوزان طه حسين نفسها في مذكراتها “معك: من فرنسا إلى مصر”، التي كتبتها بعد وفاة طه حسين بناء على مقترح من الفرنسي جاك بيرك، أستاذ التاريخ الاجتماعي والحضاري في الكوليج دو فرانس، وترجمه من الفرنسية بدر الدين عرودكي: “أول مرة التقينا فيها كانت في 12 أيار/آيار 1915 في مونبلييه (ومنذ زواجنا كنا نحتفظ لهذا اليوم بوضع خاص). لم يكن ثمة شيء في ذلك اليوم ينبئني بأن مصيري كان يتقرر، ولم يكن بوسع أمي، التي كانت بصحبتي، أن تتصور أمراً مماثلاً” .

وتضيف: “كنت في شيء من الحيرة، إذ لم يسبق لي في حياتي أن كلمتُ أعمى. لقد عدتُ إليه أزوره بين الحين والآخر في غرفته التي كانت غرفة طالب جامعي. كنا نتحدث وكنت أقرأ له بعض الفصول من كتاب فرنسي. ولعل القدر كان قد أصدر قراره بالفعل، فقد كان هناك أعمى آخر، هو الأستاذ الإيطالي الذي كان يدرّس له اللغة اللاتينية، قد أدرك ذلك وقال له: سيدي هذه الفتاة ستكون زوجتك”.

كان طه يطلق على سوزان لقب “الصوت العذب”، نظراً لعذوبة صوتها أثناء قراءتها له وهو يعمل على إتقان لغته الفرنسية، إذ لم تكن جميع المراجع الدراسية متاحة بطريقة “برايل”، وقد أفصح في مذكراته الذاتية “الأيام”، عن أن القلق لم يعرف طريقاً إلى قلبه منذ اللحظة التي سمع فيها ذلك “الصوت العذب” لأول مرة.

عميد الأدب العربي طه حسين
شعر طه حسين منذ لقائه الأول بسوزان بإحساس عميق بأنها ستكون امرأة حياته

سجل طه حسين إحساسه الأول بسوزان قائلاً: “وإذا هو (أي طه حسين) لا يعرف الوحدة ولا يجد الوحشة حين يخلو إلى نفسه إذا أظلم الليل، وكيف تجد الوحدة أو الوحشة إلى نفسه سبيلاً، وكيف تبلغه تلك الخواطر التي كانت تؤذيه وتضنيه وتؤرِّق ليله، وفي نفسه صوت عذب رفيق يشيع فيه البرَّ والحنان، ويقرأ عليه هذا الأثر أو ذاك من روائع الأدب الفرنسي القديم؟”

ويضيف: “سمع الفتى (أي طه حسين) ذلك الصوت يقرأ عليه شيئاً من شعر راسين ذات يوم. فأحس كأنه خُلق خلقاً جديداً، ومنذ تلك الساعة التي سمع فيها ذلك الصوت لم يعرف اليأس إلى نفسه سبيلاً”.

شعر الطالب طه حسين منذ لقائهما الأول بإحساس عميق بأنها ستكون امرأة حياته. وفعلاً، وبعد فترة من الزمن، رغب طه وسوزان في الزواج، لكن واجهتهما عقبات.

وتتذكر سوزان ما قاله لها طه ذات يوم: “(اغفري لي، لابد أن أقول لك ذلك، فأنا أحبكِ). صرخت وقد أذهلتني المفاجأة بفظاظة: (ولكني لا أحبك!) كنت أعني الحب بين الرجل والمرأة ولا شك. فقال بحزن (آه، إنني أعرف ذلك جيداً، وأعرف جيداً كذلك أنه مستحيل)”.

وتضيف في مذكراتها: “ويمضي زمن، ثم يأتي يوم آخر أقول فيه لأهلي إنني أريد الزواج من هذا الشاب. وكان ما كنت أنتظره من رد الفعل: (كيف؟ من أجنبي؟ وأعمى؟ وفوق ذلك كله مسلم؟! لا شك أنك جننت تماماً”.

ويقول مؤنس طه حسين: “عائلتها كانت مصدومة من فكرة زواجها بطالب مصري، ليس فقط لأنه فقير ومسلم، بل لأنه كفيف أيضاً. لكن والدتي رفضت التراجع. فقام أحد أعمامها، وكان كاهناً ذكياً ومثقفاً، بالخطوة الحاسمة. بطلب من جدتي، طلب ساعة يخلو فيها مع والدي. ذهبا في نزهة، وكان الكاهن ممسكاً بذراع أبي، يتحدثان في أمور شتى. وعندما عادا، قال الكاهن لشقيقته: لا تقلقي! بل بالعكس، يجب أن تفرحي. هذا الشاب عبقري. وسوزان كانت تعرف ذلك بالفعل. وتزوّجا في الثاني من آب/آب 1917”.

وفي غضون خمس سنوات، وبدعم من سوزان، حصل طه حسين على شهادة الليسانس، ثم دبلوم الدراسات العليا في موضوع عن تاكيتوس، واجتاز بنجاح امتحان “الأغريغاسيون” التنافسي لتأهيل أساتذة الجامعة، كما نال شهادة الدكتوراه عن رسالته البحثية عن المؤرخ العربي في القرن الرابع عشر، ابن خلدون، الذي يعد مؤسس علم الاجتماع، كما أتقن اللغتين اليونانية واللاتينية.

“قلب واحد وديانتان”

سوزان بريسو وطه حسين في شبابهما
في غضون خمس سنوات، وبدعم من سوزان، حصل طه حسين على شهادة الليسانس، ثم دبلوم الدراسات العليا

رغم أن سوزان بريسو كانت مسيحية كاثوليكية الإيمان وطه حسين مسلم العقيدة، إلا أن اختلاف الديانة لم يكن عائقاً أمام قصة حبهما النادرة، بل على النقيض من ذلك، صار الاختلاف أرضية مشتركة وخصبة لحوار داخلي عميق، ونقطة التقاء بين روحين تجاوزتا حدود الطقوس والمذاهب، وسكنتا في فضاء أرحب يفيض بالفهم والاحترام المتبادل.

لم ترغب سوزان يوماً في أن تغيّر قناعات طه، ولم يسع هو لزعزعة إيمانها، بل احترما بعضهما بعضاً، فصار الحب بينهما جسراً من الاحترام والرفقة والمثابرة، وأثبتا أن ما يجمع القلوب أعمق بكثير من أن تفرّقه المعتقدات الدينية، وأن الإرادة الصادقة قادرة على بناء بيت واحد، تسكنه روحان في سلام لا يعرف سبيلاً للانقسام.

وتتذكر سوزان في الثالث من حزيران/حزيران في مذكراتها قائلة: “بالأمس كان (عيد) العنصرة، ومرة أخرى ترد إلى خاطري بصفاء بالغ ذكرى العنصرة في (غاردونيه) كنت قد استمعت إلى القداس في الكنيسة من الأعلى، وكان القس العجوز قد قرأ إنجيل يوحنا. كان الصباح رائعاً، وكان كل شيء نديّاً وجميلاً: السماء، والبحيرة، والأشجار، والأزهار. كل شيء يبهر البصر، وكنتُ أنحدر نحو الفندق وأنا أتلو بيني وبين نفسي (قول المسيح): سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم (إنجيل يوحنا27:24)”.

وتضيف: “وإذ أذكر اليوم هذا الصباح، أفكر بهذا التوافق الخفي الذي وحّدنا دوماً في احترام كل منّا لدين الآخر. لقد دُهش البعض من ذلك، في حين فهم البعض الآخر، إذ رأى أن بوسعي أن أردد صلاتي على حين أستمع إلى القرآن في الغرفة المجاورة، ويصدفني اليوم أن أفتح المذياع لأستمع إلى آيات من القرآن عندما أبدأ في تسبيحي، بل إني لأسمعه على كل حال في أعماق نفسي”.

وتقول سوزان، متذكرة طه حسين مخاطبة إياه في نفسها: “كنت غالباً ما تحدثني عن القرآن، وتردد لي البسملة التي كنت تحبها بوجه خاص. وكنت تقرأ التوراة، وكنت أتحدث أنا عن يسوع. كنت تردد في كثير من الأحيان: (إننا لا نكذب على الله)، لقد قالها القديس بولس. لا شك أننا لا نكذب على الله، وويل للمكذبين”.

كما كتبت سوزان عن زيارة قاما بها معاً ذات مرة إلى القدس، ولخّصت تجربتهما الغنية في زواج بين ديانتين قائلة: “لم يكن فندقنا بعيداً عن كنيسة القيامة، كان الوقتُ وقت عيد الفصح والحج… وصلينا (سوزان وطه)، كل في قلبه، في مسجد عمر وفي الجثسيماني”.

وتتذكر: “في كثير من المرات التي كنا نتحدث فيها، كان يستشهد ببيت من الشعر أو بمثل أو بآية من القرآن الذي كان يحب أن يقرأه لي وأن يترجمه لي”.

“تلاحم روحي”

سوزان بريسو وطه حسين
عميد الأدب العربي طه حسين وإلى جواره زوجته ورفيقة مشواره سوزان بريسو(صورة أرشيفية)

كان الارتباط الأسري بين سوزان وطه حسين ارتباطاً فريداً بلغ حد التلاحم بما جعل لحظة الابتعاد بينهما مؤلمة كالجُرح المفتوح، ولم يكن وجودهما في منزل واحد مجرد ترتيب حياتي، بل كان ضرورة روحية لكل منهما، لا يهدأ قلب أحدهما إلا بوجود الآخر بقربه.

فإذا اضطرت سوزان للسفر أو الابتعاد لسبب قهري، كان طه يعيش أيامه كأن الحياة فقدت معناها، ينهكه الشوق، ويؤلمه الغياب، وتُصبح الدقائق أثقل من أن تُحتمل، أما هي، فكانت لا تهنأ بشيء إلا حين تعود إلى طه، إلى تلك الوحدة الحميمة التي جمعت بينهما كأن لا فكاك منها. كان بيتُهما عالماً لا يُبنى إلا بوجود الاثنين معاً، وكل غياب كان شرخاً لهذا العالم، وجرحاً في قلب الأسرة التي لم تعرف يوماً سبيل الانفصال.

بعد ولادة طفليهما، مؤنس وأمينة، وبسبب هشاشة وضعهما الاقتصادي، اضطرت الأم والطفلين إلى قضاء ثلاثة أشهر في فرنسا، وكان ذلك أمراً بالغ الصعوبة على الزوجين.

وكتبت سوزان تقول: “أخيراً اتخذنا قرارنا: سأرحل مع الطفلين، حزينة القلب فاقدة العقل لمجرد فكرة ترك طه لعناية أصدقاء لا شك في إخلاصهم لكنهم لا يعرفون قط كيف يجب القيام بها. وكنت أتخيّل جيداً كل المصاعب التي كان سيواجهها في كل لحظة. ومن حسن الحظ أن كان له سكرتير يعرف عاداته تماماً، وكان ذكياً مستقيماً طيب القلب، وقمت بتنظيم الوجبات التي كان يُؤتى بها من البيت الذي كنا نسكن فيه نفسه”.

وتضيف: “كانت هذه الأشهر الثلاثة من الفراق مؤلمة، وكنتُ أشكو باستمرار متوقعة تراجع طه عن قرار سفري، وهو الذي كان قد قبل بل طالب بسفري من أجل صحة زوجته وطفليه، تاركاً بذلك نفسه لوحدة أكثر شناعة بالنسبة له بمئة مرة منها بالنسبة إلى إنسان آخر غيره”.

وتقول سوزان: “كنا، خلال هذه الأشهر الثلاثة، نتبادل الرسائل كل يوم. كانت رسائله تحكي لوعة الغياب، وتنطق بشجاعته وحبه وهيامه ببلده، وتصور مشاريعه وأحلامه والأحداث التي كان يقص عليّ تفاصيلها مع شيء من السخرية أو المرح أو العنف”.

عميد الأدب العربي طه حسين وزوجته سوزان بريسو وابنتهما أمينة وابنهما مؤنس
عميد الأدب العربي طه حسين وزوجته سوزان وابنتهما أمينة وابنهما مؤنس (صورة أرشيفية)

وأوردت في مذكراتها عدة مقاطع من رسائل طه حسين، التي تشهد على عاطفة ومشاعر رقيقة، كما تكشف عن حدة طباعه، كهذا المقتطف من إحدى الرسائل: “أود لو أصف لكِ ضيقي عندما تركت السفينة، عندما رجعت إلى القاهرة، عندما عدت من فوري إلى البيت، فقد دخلت غرفتنا وقبّلت الزهرة وغطيت بالقبلات الصورة التي لا أراها … ومع ذلك فقد فعل أصدقائي كل ما بوسعهم لتسليتي”.

ويضيف طه في رسالته لزوجته: “عندما عدتُ، واجهت هذا الفراغ، والسرير الذي لا يزال على حاله، وسرير الصغيرة المغطى، والمهد الغائب… كان ذلك أمراً رهيباً. وكنت بحاجة للشجاعة لأقوم بخلع ملابسي… ولكن أنتِ، من يسهر عليكِ؟ من يُعنى بكِ؟ لو أنني قربكِ، لا لشيء إلا لكي أحمل لكِ مؤنس، وألُبس عنكِ أمينة، وأعطيك روح النعناع!”

ويقول أيضاً: “يستحيل عليّ القيام بشيء آخر غير التفكير بكِ. ولا أستطيع أن أمنع نفسي من البكاء كلما دخلت الغرفة؛ فأنا أجدك في كل مكان دون أن أعثر عليك… كانت الزهرة قد ذبلت، فوضعتها في العلبة التي تركتها لي لأضع فيها رسائلك، سأقبّلها كل يوم. لقد استحالت الغرف معابد، وعليّ أن أزورها كل يوم. ولو أنك رأيتني أخرج من غرفة لأدخل أخرى، ألمس الأشياء، وأنثر القبلات هنا وهناك”.

ويختتم طه رسالته: “إني في طريقي لتبديد ثلاثة أشهر من عمري… هل أعمل؟ ولكن كيف أعمل بدون صوتك الذي يشجعني وينصحني، بدون حضورك الذي يقوِّيني؟! ولمن أستطيع أن أبوح بما في نفسي بحرّية؟! ستقولين لي: عليك أن تكتب لي، لكنكِ تعلمين جيداً أن الكتابة غير التحدث، وأن قراءة رسالة ليست هي الاستماع إلى صوت، ثم إنك تعلمين جيداً أنني كثيراً ما لا أقول شيئاً وإنما أتناول يدكِ وأضع رأسي على كتفكِ… ثلاثة أشهر … ثلاثة أشهر … فترة رهيبة. لقد استيقظتُ على ظلمة لا تُطاق، وكان لا بد لي من أن أكتب لك لكي تتبدّد هذه الظلمة. أترين، كيف أنك ضيائي حاضرةً كنتِ أم غائبة؟!”

“في مواجهة الأزمات”

عميد الأدب العربي طه حسين
تحدثت سوزان في مذكراتها عما تعرّض له طه حسين من أهوال بسبب السلطات الدينية الإسلامية بسبب كتابه عن “الشعر الجاهلي”

لم تكن سوزان مجرد رفيقة لطه حسين في أوقات الرخاء والنجاح، بل كانت عموده الصلب في أوقات المحن والانكسارات، فمنذ بداية رحلتهما، كانت حاضرة في كل أزمة مرّ بها، تسانده بصبر لا ينفد، وحب لا يتزعزع، فحين أرهقته العزلة، كانت صوته للعالم، وحين داهمته خيبات الواقع، كانت يده التي تُمسكه عن السقوط، تحمل معه أثقال المسؤولية، وتقفت إلى جواره يوماً بيوم، تُخفّف آلامه، لتزرع فيه أملاً جديداً، حتى صار وجودها سر صموده، ورفقتها درعاً يقيه من قسوة الأيام.

تحدثت سوزان في مذكراتها عما تعرّض له طه حسين من أهوال بسبب السلطات الدينية الإسلامية، حين اتُخذ الأزهر قراراً بحظر كتابه عن “الشعر الجاهلي” في عام 1926، بعد أن اعتُبر “خطراً وغير مقبول”، لأنه شكّك في تقاليد وقيم التراث القديم، الذي اعتبره بعض رجال الدين غير قابل للنقاش وتهديداً للعقيدة، وفضّل على ذلك قراءته العقلانية المستندة إلى دراسته النقدية للأدب العربي قبل الإسلام.

ويقول طه في كتابه: “شككت في قيمة الأدب الجاهلي وألححت في الشك، أو قل: ألح عليَّ الشك، فأخذت أبحث وأفكر، وأقرأ وأتدبر، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقيناً فهو قريب من اليقين؛ ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تُمثل حياة الجاهليين”.

وبعد أن هدأت تلك العاصفة الفكرية، أخذته سوزان إلى إحدى القرى في منطقة “هوت سافوا” الفرنسية ليستعيد عافيته ويُشفى من مرارته، وهناك، في غضون تسعة أيام فقط، كتب الجزء الأول من سيرته الذاتية “الأيام”، وفي عام 1932، وبسبب معارضته الشديدة لتسييس منح الدرجات الفخرية في الجامعة التي كان يُدرّس فيها، فُصل من عمله، ليجد نفسه عاطلاً عن العمل، ولخّصت سوزان بمرارة قدر ما كان يعانيه طه قائلة في مذكراتها: “كان طه يدفع غالباً ثمن جريمته أن يكون إنساناً حراً”.

وتقول: “لم يكتفوا بطرده من الكلية التي كان عنواناً لعزتها وكرامتها وقوةً نابضةً فيها، وإنما أرادوا أيضاً إحراق كتبه، فأخذوا منه بيته الذي يسكن فيه، وأغرقوه بالشتائم، وحاولوا أن يحرموه من كل وسيلة للعيش بمنعهم مثلاً بيع الصحيفة التي كان يصدرها، وبإنذارهم البعثات الأجنبية في مصر بالكف عن أن تقدِّم له عروضاً للعمل”.

ويسلط هذا المثال، من أمثلة عديدة، الضوء على أن حياة سوزان مع طه لم تكن عالماً مليئاً بالسعادة، فهي تقول متذكرة ما قاله لها في ذات مرة: “إننا لا نحيا لنكون سعداء”، وتعلق سوزان على تلك المقولة: “عندما يكون المرء شأن طه، فإنه لا يعيش ليكون سعيداً، وإنما لأداء ما طُلب منه”، ثم تعود إلى كلمة قالها طه لها في ذات مرة: “لعل ما بيننا يفوق الحب”.

وتضيف: “كنا على حافة اليأس، ورحتُ أفكر: لا، إننا لا نحيا لنكون سعداء، ولا حتى لنجعل الآخرين سعداء، لكني كنت على خطأ، فلقد منحت (أنت) الفرح، وبذلت ما في نفسك من الشجاعة والإيمان والأمل. كنت تعرف تماماً أنه لا وجود لهذه السعادة على الأرض، وإنك أساساً، بما تمتازُ به من زُهد النفوس العظيمة، لم تكن تبحث عنها، فهل يُحظر عليّ الأمل بأن تكون هذه السعادة قد مُنحت لك الآن؟”

وعلى صعيد حياتهما العائلية داخل منزلها يصف مؤنس طه حسين بُعداً آخر، نقلاً عن حديثه المنشور في مجلة اليونسكو، السابق ذكرها، عن سؤال لطالما راود البعض: ما هي لغة الحوار داخل منزل طه حسين أكانت العربية أم الفرنسية؟، ويقول ابنهما: “كنا نتحدث الفرنسية دائماً في المنزل. لم تتعلم والدتي العربية بشكل حقيقي. كانت تتحدث بها بدرجة كافية للتسوق والتعامل مع مواقف الحياة اليومية”.

ويضيف: “أعتقد أن والدي كان سعيداً باستخدام الفرنسية في المنزل. لقد كتب مقالات ومحاضرات بالفرنسية، ولكن ليس بدافع ميول شخصية بقدر ما كان استجابةً للطلبات. كانت العربية هي اللغة التي يفكر بها ويشعر من خلالها. ولم يبدأ بنقل أفكاره ومشاعره إلى لغات أخرى إلا لاحقاً”.

“رحيل دون افتراق”

سوزان بريسو وطه حسين
لم تكن قصة حب سوزان بريسو وطه حسين مجرد لقاء جمع بين رجل وامرأة، بل كانت رحلة عمر امتزج فيها العقل بالعاطفة

عندما فارق طه حسين الحياة في 28 تشرين الأول/تشرين الأول عام 1973، لم يكن الحزن عند سوزان مجرد دموع أو غياب، بل انطفاء نور رافقها ما يزيد على نصف قرن، وكتبت تصف نهاية مشواره معها في مذكراتها: “لم يكن يبدو عليه المرض إطلاقاً ذلك السبت 27 تشرين الأول/تشرين الأول، ومع ذلك، ففي نحو الساعة الثالثة من بعد الظهر شعر بالضيق. كان يريد أن يتكلم، لكنه كان يتلفظ الكلمات بعسر شديد وهو يلهث. ناديت طبيبه والقلق يسيطر عليّ. لكني لم أعثر عليه، فركبني الغم، وعندما وصل، كانت النوبة قد زالت، وكان طه قد عاد إلى حالته الطبيعية”.

وتضيف: “ثم جاءت الليلة الأخيرة. ناداني عدة مرات، لكنه كان يناديني على هذا النحو بلا مبرر منذ زمن طويل. ولما كنت مرهقة للغاية، فقد نمت، نمت ولم أستيقظ، وهذه الذكرى لن تكفَّ عن تعذيبي”.

توفي طه وتوقف القلب إلى الأبد، وتتذكر سوزان وفاة رفيق عمرها قائلة: “جلستُ قربه، مرهقة متبلدة الذهن وإن كنت هادئة هدوءاً غريباً (ما أكثر ما كنت أتخيّل هذه اللحظة المرعبة!) كنا معاً، وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف. ولم أكن أبكي – فقد جاءت الدموع بعد ذلك – ولم يكن أحد يعرف بعد بالذي حدث”.

وتقول: “كان الواحد منّا قِبَلَ الآخر. مجهولاً ومتوحداً، كما كنّا في بداية طريقنا. وفي هذا التوحد الأخير، وسط هذه الألفة الحميمة القصوى، أخذتُ أحدّثه وأقبّل تلك الجبهة التي كثيراً ما أحببتها، تلك الجبهة التي كانت من النُبل ومن الجمال بحيث لم يجترح فيها السن ولا الألم أي غضون، ولم تنجح أية صعوبة في تكديرها … جبهة كانت لا تزال تشع نوراً”.

لم تكن قصة حب سوزان بريسو وطه حسين مجرد لقاء جمع بين رجل وامرأة، بل كانت رحلة عمر امتزج فيها العقل بالعاطفة، والصوت بالنور، والاختلاف بالاتحاد، كانت سوزان عينيه التي لا تُبصر، وصوته الداخلي الذي لا يصمت، كانت ملاذه في العُزلة، ورفيقته في النجاح وفي قسوة الأيام.

أما هو، فكان حكايتها الثريّة التي كتبتها بالحب وبالاختيار الحر، في بيتهما، اجتمع الشرق بالغرب، والإسلام بالمسيحية، والفرح بالألم، أصبح بيتهما وطناً للروح والمعنى، وبعد رحيله ظلت سوزان شاهدة على حب لا ينطفئ، حاضنة لذكرى رجل، صنع النور من العمى، والحياة من الكلمة.