
خطوط عريضة للتهدئة في طرابلس عقب اجتماع المنفي والدبيبة برعاية أممية
نجح اجتماع جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بحضور عدد من القيادات العسكرية، في التوصل إلى خطوط عريضة لتهدئة التصعيد والتوتر اللذين تشهدهما العاصمة طرابلس منذ أيام، فيما يُنتظر أن ينتقل هذا الاتفاق إلى التنفيذ خلال الأيام المقبلة.
وكشفت مصادر ليبية متطابقة حكومية وأخرى مقربة من المجلس الرئاسي أن البعثة الأممية نسّقت لقاء جمع المنفي والدبيبة، ليل أمس السبت، في العاصمة طرابلس، بحضور ممثلين عن قوة فض النزاع التابعة لرئاسة الأركان، لمناقشة شروط الحكومة الخاصة بوضع جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، مؤكدة أن الاجتماع انتهى إلى وضع خطوط عريضة لهيكلة كل التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس بما يتوافق مع التشريعات الليبية والمعايير الدولية.
وتنطلق الحكومة في موقفها ضد جهاز الردع من مشروعها الذي سبق أن أعلنته، منتصف أيار/أيار الماضي، تحت شعار “استعادة سلطان الدولة”، الذي تهدف من خلاله إلى إخضاع جميع التشكيلات المسلحة في العاصمة لسلطتها المباشرة، وضمان تسليم المؤسسات الحيوية للدولة، بما فيها المطار والميناء وسجن معيتيقة، ما جعل جهاز الردع الذي يسيطر على هذه المؤسسات بمعزل عن الحكومة، وفي قلب الخلاف معها، بسبب تحفظاته على التخلي عن هذه المؤسسات التي تشكل أوراق قوته الاستراتيجية.
وأفادت المصادر “العربي الجديد” بأن المنفي والدبيبة اتفقا على بناء الخطوط العريضة من دون الدخول في التفاصيل. وذكر أحد المصادر أن جهاز الردع لا يزال يتحفظ على تسليم كامل المؤسسات التي تقع تحت سيطرته، باستثناء سجن معيتيقة الذي وافق على تسليمه لوزارة العدل، فيما اشترط للموافقة على بقية الشروط تعميم تطبيقها على كل التشكيلات المسلحة الأخرى المنضوية تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع.
ويأتي هذا الاجتماع بعد أيام من احتقان وتوتر أمني شديد شهدته طرابلس منذ يوم الخميس الماضي، عقب توافد حشود عسكرية من مصراتة، شرق المدينة، ومن غريان، غربها، ضمن استعدادات لتحرك محتمل نحو قاعدة معيتيقة، شمالي المدينة، المعقل الرئيسي لجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي.
وأدى هذا التحشيد إلى تصاعد التوتر بشكل كبير، حيث أصدر أهالي تاجوراء، شرقي العاصمة، بياناً رفضوا فيه أن تكون منطقتهم ممراً للقوات المسلحة، محذرين من أن تمركز أي قوة بينهم يعد اعتداء على سكانها. وفي اليوم نفسه، أصدر أهالي سوق الجمعة بياناً أعلنوا فيه تضامنهم مع تاجوراء ورفضوا إشعال فتيل الحرب في العاصمة، داعين البعثة الأممية إلى التدخل وإيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق المدينة نحو مواجهة مسلحة جديدة.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن الاجتماع بين المنفي والدبيبة جاء بعد جهود مكثفة بذلتها البعثة الأممية ووساطات اجتماعية منذ الجمعة الماضي، شملت اتصالات بين شخصيات اجتماعية وأخرى على صلة بالتشكيلات المسلحة في طرابلس، لتقريب وجهات النظر بين الحكومة وجهاز الردع ووقف أي تحركات عسكرية لتجنيب المدينة مواجهات جديدة.
وأصدرت البعثة الأممية، مساء أمس السبت، بياناً أكدت فيه إحراز تقدم في المحادثات المتعلقة بالترتيبات الأمنية في طرابلس، مشيرة إلى استمرار الحوار تحت رعاية المجلس الرئاسي وبدعم مباشر منها. ولفت البيان إلى أن الحوار يشمل لجنة الهدنة ولجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية، وأحرز تقدماً في عدد من القضايا التي تهم حكومة الوحدة الوطنية.
وحذرت البعثة من أن استمرار حشد القوات والأسلحة الثقيلة حول العاصمة يمثل “تطوراً خطيراً”، محذرة من أن أي عمل ينطوي على استخدام القوة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، قد يؤدي إلى مواجهات عنيفة. ودعت جميع الأطراف إلى مواصلة الحوار لمآذارة أقصى درجات ضبط النفس وحماية المدنيين، مؤكدة التزامها بالعمل مع الأطراف الرئيسية لمعالجة التحديات وضمان استدامة الهدنة، وذكّرت بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين.
في الأثناء، تناقلت وسائل إعلام محلية مشاهد مرئية تظهر وصول أرتال كبيرة من قوات الكتيبة 166 للحماية والحراسة، التابعة لرئاسة الأركان العامة، إلى طرابلس لتعزيز مواقعها، بوصفها قوة مكلفة من المجلس الرئاسي بالانتشار في مواقع التماس بين قوات الحكومة وقوة جهاز الردع في أحياء وسط العاصمة.
وفي وقت متأخر من مساء الخميس الماضي، أكد آمر الكتيبة 166 للحراسة والحماية التابعة لرئاسة الأركان محمد الحصان، على حسابه في فيسبوك، أن وحداته لا تزال متمركزة في مواقعها المخصصة لأداء المهام الموكلة إليها في فض أي اشتباكات محتملة. ونفى الحصان صحة الأخبار التي تحدثت عن انسحاب قوات الكتيبة أو اقتحام مقرها وسرقة آلياتها. وأضاف: “الكتيبة ستبقى في صفوف السلام الأولى”، في رسالة تهدف إلى طمأنة المواطنين والمجتمع الدولي على استمرار دورها في حماية المدينة ومنع انزلاقها نحو مواجهات جديدة.
وتعود جذور هذا التوتر إلى مواجهات مسلحة اندلعت منتصف أيار/أيار الماضي بين قوات الحكومة وقوة الردع، بعد يوم من تمكن قوات الحكومة من إطاحة جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبو سليم، وسط العاصمة، لكن المواجهة مع الردع لم تنته بالحسم لصالح الحكومة التي أعلنت بعد ساعات من القتال الضاري عن وقف إطلاق النار، إلا أن الدبيبة واصل في مناسبات عدة توجيه اتهامات لجهاز الردع، واصفاً إياه بـ”المليشيا الخارجة عن القانون” و”دولة داخل الدولة”، مشدداً على ضرورة حلها لاستعادة الدولة سيادتها على مؤسساتها الاستراتيجية.
ويُعد جهاز الردع، التابع للمجلس الرئاسي، ثاني أكبر قوة مسلحة في العاصمة إلى جانب قوة جهاز دعم الاستقرار السابقة. ووفقاً للصلاحيات المعلنة لجهاز الردع، فهو جهاز يشرف على تنفيذ الأحكام القضائية وإجراءات الاعتقال في السجون الخاضعة له، لكن تقارير خبراء الأمم المتحدة كشفت عن مآذارة الجهاز انتهاكات واسعة للسجناء داخل معاقله، كما أن قوة الشرطة القضائية، أبرز أذرع الجهاز، أصدرت بحق قائده أسامة نجيم مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في كانون الثاني الماضي بتهم انتهاكات واسعة في السجون.
يشار إلى أن المنفي سبق أن أعلن، مطلع حزيران/ حزيران الماضي، عن تشكيل لجنتين، الأولى للترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس، والثانية لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز، بالتنسيق مع الحكومة، لوضع خطة شاملة للترتيبات الأمنية، وتمكين الجهات النظامية من أداء مهامها، وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، وتعزيز سلطة الدولة، وترسيخ الأمن والاستقرار، وتكريس سيادة القانون، وفقاً لنص قرار المنفي، إلا أنها لم تتمكن من إحراز أي تقدم في ظل استمرار الخلافات بين الحكومة وجهاز الردع وصولاً إلى التصعيد والتوتر الحاليين.
وتتنفذ في العاصمة العديد من القوى المسلحة، إلا أن أبرزها تتبع وزارتي الداخلية والدفاع في الحكومة، كاللواء 444 واللواء 111 التابعين لوزارة الدفاع، وقوة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، فيما بقي جهاز الردع القوة المسلحة الوحيدة التي لا تخضع لسلطة الحكومة، بعد إطاحة جهاز دعم الاستقرار، إذ يتبع الجهازان المجلس الرئاسي.