في الأول من أيلول/ أيلول 1969 أطاح انقلاب عسكري بقيادة معمر القذافي بالنظام الملكي في ليبيا بينما كان الملك محمد إدريس السنوسي يتلقى العلاج في تركيا، فمن هو محمد إدريس السنوسي؟
تقول دائرة المعارف البريطانية إن محمد إدريس السنوسي أو إدريس الأول وُلد في 13 آذار/ آذار من عام 1890 في جغبوب في برقة بليبيا، وتوفي في 25 أيار/ آيار من عام 1983 في العاصمة المصرية القاهرة، وكان أول ملك لليبيا عندما نالت استقلالها عام 1951.
إعلان استقلال ليبيا وتتويج الملك السنوسي 1951
“ليبيا إدريس”.. حكاية شابة كان اسمها ممنوعا في عهد القذافي
البدايات والاستعمار الإيطالي
ترعرع محمد إدريس المهدي السنوسي في جغبوب، المعقل الروحي للطريقة السنوسية، وهو الابن الأكبر لمحمد المهدي السنوسي وحفيد مؤسس الطريقة الإمام محمد بن علي السنوسي.
ويقول الكاتب علي عبد اللطيف حميدة في كتاب “المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا” إن السنوسي نشأ في بيئة دينية متأثرة بالتصوف والإصلاح الإسلامي، حيث كان للسنوسية دور كبير في نشر الدعوة والتعليم الديني في الصحراء الكبرى وربط القبائل الليبية بروابط دينية واجتماعية وثيقة.
ومنذ صغره، تشرّب إدريس قيم الزهد والالتزام الديني والانضباط التي ميّزت رجال الدعوة السنوسية، وهو ما هيأه لاحقاً لقيادة الحركة في مرحلة دقيقة من تاريخ ليبيا.
وفي عام 1902، توفي الأب لكن الأبن لم يتول الزعامة مباشرة لأنه كان صغيراً، فقد انتقلت زعامة الطريقة أولاً إلى ابن عمه، أحمد الشريف.
وبعد أن تولى إدريس القيادة بمفرده بعد عام 1916، كانت أول مشكلة واجهها هي التعامل مع الإيطاليين، الذين غزوا ليبيا في عام 1911 في محاولة لإنشاء إمبراطورية شمال أفريقية، لكنهم لم يتمكنوا من بسط سلطتهم إلى ما وراء الساحل.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه بعد احتلال الإيطاليين لليبيا عام 1911 واجهوا مقاومة طويلة الأمد من قبل السنوسيين في برقة، وهي المقاومة التي حرمتهم من السيطرة التامة على البلاد حتى عام 1931، عندما أسروا وأعدموا قائد المقاومة السنوسية المسلحة لأكثر من 20 عاما عمر المختار.
وقد شهدت ليبيا عقب الاحتلال الإيطالي عددا من المعارك الكبيرة بين المقاومة بقيادة المختار والقوات الإيطالية، منها معركة درنة فى أيار/آيار عام 1913 التي دامت يومين، وانتهت بمقتل 70 جندياً إيطالياً وإصابة نحو 400 آخرين، ومعركة بوشمال عند عين ماره فى تشرين الأول/تشرين الأول عام 1913، فضلا عن معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة في شباط/شباط عام، 1914 والتي كان يتنقل خلالها المختار بين جبهات القتال ويقود المعارك.
وكان إدريس السنوسي رغم صغر سنه في عام 1911، مرجعية معنوية للمجاهدين، غير أن موقعه كزعيم ديني جعله أكثر ميلاً للتفاوض أحياناً من خوض المعارك المباشرة، وهو ما ظهر في اتفاقياته مع الإيطاليين لاحقاً.
تولى عمر المختار قيادة المقاومة المسلحة ضد الإيطاليين
حقائق ومعلومات عن ليبيا
ليبيا: التاريخ الاستعماري الايطالي ملطخ بالدماء
وبموجب صلح عكرمة في عام 1917 ضمن إدريس وقف إطلاق النار، وبالتالي تأكيد سلطته في برقة الداخلية، وأُبرمت اتفاقية أخرى عام 1919، وأُنشئ بموجبها برلمان برقة، وحصل إدريس وأتباعه على منحة مالية.
وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى، تحولت السنوسية إلى قوة إقليمية بعد أن دخلت في تحالف مع الدولة العثمانية وألمانيا ضد بريطانيا وإيطاليا، ولعب إدريس السنوسي دوراً سياسياً مهماً في إدارة هذا الوضع، خاصة وأن السنوسيين دخلوا في مواجهة مع القوات البريطانية في مصر والسودان.
لكن مع نهاية الحرب، أدرك إدريس أن موازين القوى العالمية قد تغيرت وأن الاستعمار الأوروبي أصبح واقعاً لا يمكن هزيمته بسهولة، وهو ما دفعه لاحقاً إلى انتهاج سياسة أكثر براغماتية مع إيطاليا وبريطانيا.
وفي عام 1920، وقّع إدريس معاهدات مع الإيطاليين اعترفت به أميراً على برقة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الوطنيين الليبيين، فالبعض اعتبر ذلك تنازلاً، فيما رأى آخرون أنها خطوة ذكية لحماية برقة والحفاظ على نوع من الحكم الذاتي.
وبالفعل، استطاع إدريس أن يؤسس نظاماً إدارياً منظماً في برقة، مستنداً إلى المؤسسات السنوسية والتقاليد القبلية، مما جعل برقة تتمتع بشيء من الاستقرار مقارنة ببقية ليبيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال المباشر. وذلك بحسب الكاتب محمد الطيب الأشهب في “كتابه السنوسية وحركة التحرر في ليبيا”.
الفاشية والحرب العالمية الثانية
غير أن هذا التوازن لم يدم طويلاً، فمع صعود الفاشية في إيطاليا بقيادة موسوليني وإحكام قبضته على الحكم في تشرين الأول/ تشرين الأول من عام 1922 انهارت التفاهمات السابقة، وشنّ الإيطاليون حرباً شرسة على المقاومة الليبية، خاصة في برقة بقيادة عمر المختار.
وفي هذه المرحلة، غادر إدريس السنوسي إلى مصر عام 1923، ليعيش في المنفى لسنوات طويلة، ولكنه ظل يمثل القيادة السياسية، فيما تولى عمر المختار قيادة الكفاح المسلح، وهكذا توزعت أدوار القيادة بين المنفى والميدان لكن الهدف ظل واحداً وهو مقاومة الاستعمار.
وعلى الأرض في ليبيا، أرادت إيطاليا أن تمنع طريق الإمداد على المقاومة فاحتلت واحة جغبوب، لكن ذلك لم يحل دون تصاعد عمليات المقاومة، مما دفع موسولينى لتعيين بادوليو حاكما عسكريا لليبيا في كانون الثاني/كانون الثاني عام 1929.
موسوليني يلقي خطبة في حشد من مؤيديه في روما عام 1936
وقد أعرب بادوليو عن رغبته في التفاوض مع المختار الذي استجاب لذلك وتم إبرام هدنة مدتها شهرين.
وفي كتابه “عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء” يقول محمد محمود إسماعيل، إن المختار نشر رسالة إلى الليبيين في ذلك الوقت قال فيها، إنه وافق على تلك الهدنة مقابل عودة الأمير محمد إدريس السنوسي، وانسحاب الإيطاليين من جغبوب، والعفو العام عن كل المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم.
ولم ينفذ الإيطاليون بنود الهدنة، وقبل نهايتها طالبوا بتمديدها بحجة سفر بادوليو لروما، فمددت لعشرة أيام وعشرين يوما.
وهكذا عندما اكتشف عمر المختار أن الإيطاليين يريدون كسب الوقت صعد من عمليات المقاومة فعين موسولينى الجنرال غراتسيانى محل بادوليو ، وفى 1931 سقطت منطقة الكفرة بأيدي الإيطاليين الذين شددوا ضغوطهم على المختار.
وفي 11 أيلول / أيلول 1931 نجح الإيطاليون في أسر عمر المختار بعد معركة قتل فيها جواده وتحطمت نظارته.
وبعدها بثلاثة أيام في 14 أيلول / أيلول، وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة في 15 أيلول / أيلول 1931، وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد لمحاكمة عمر المختار صدر الحكم عليه بالإعدام شنقا.
موسوليني: قصة حليف هتلر الذي اعتبره الكثيرون “رجلا خارقا
أما في مصر، فقد أقام إدريس شبكة علاقات سياسية ودبلوماسية مهمة، إذ استطاع بصفته أمير برقة وزعيماً للسنوسية أن يكسب ود الحكومة المصرية والبريطانيين.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، عاد إلى الواجهة من جديد، حيث تحالف مع بريطانيا ضد إيطاليا وألمانيا، وقد شكّلت القوات السنوسية المعروفة بـ “الجيش السنوسي” جزءاً من قوات الحلفاء في شمال أفريقيا، ولعبت دوراً في المعارك ضد قوات المحور.
وقد عزز هذا التحالف مع بريطانيا موقع إدريس السياسي، ومهّد الطريق لاعتراف دولي به كزعيم ليبي بعد الحرب.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت ليبيا تحت إدارة بريطانية وفرنسية مؤقتة، وكانت قضية استقلالها مطروحة على طاولة الأمم المتحدة.
الاستقلال وقيام المملكة
الملك إدريس الأول ملك ليبيا يفتتح في بنغازي مراسم أول برلمان ليبي في آذار 1952
وقد برز آنذاك إدريس السنوسي باعتباره الشخصية الأقدر على جمع شتات الليبيين والتحدث باسمهم.
وبالفعل، استطاع أن يقود المسار التفاوضي في الأمم المتحدة، حيث صدر القرار التاريخي بمنح ليبيا استقلالها في 21 تشرين الثاني/ تشرين الثاني من عام 1949، لتصبح أول دولة في أفريقيا تنال استقلالها عبر الأمم المتحدة، وقد كان هذا الإنجاز ثمرة سنوات طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي الذي قاده إدريس بحنكة وهدوء، وذلك بحسب ما ورد في كتاب “ليبيا بين الماضي والحاضر” لمحمد يوسف المقريف.
وفي 24 كانون الأول/ كانون الأول من عام 1951، أُعلن استقلال ليبيا رسمياً تحت اسم “المملكة الليبية المتحدة”، ونُصّب محمد إدريس السنوسي ملكاً عليها.
وبذلك، أصبح أول ملك لليبيا الحديثة، جامعاً بين ولاياتها الثلاث وهي برقة وطرابلس وفزان، وقد تميز حكمه منذ البداية بالسعي لتحقيق التوازن بين الأقاليم الثلاثة التي كانت مختلفة في تركيبتها السياسية والاجتماعية.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في عهد إدريس، كان للعرش نفوذٌ مُهيمنٌ على البرلمان وسيطرةٌ مُطلقةٌ على الجيش، وكانت الحكومة من سكان المدن الأثرياء وزعماء القبائل الأقوياء الذين تقاسموا المناصب الإدارية المهمة فيما بينهم ودعموا الملك.
وهذا الوضع، إلى جانب الدعم الخارجي من القوى الغربية والدعم العسكري الداخلي من رجال القبائل الموالين له، مكّن إدريس من السيطرة على شؤون الحكومة المركزية.
التحديات وانقلاب القذافي
وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واجه الملك إدريس تحديات صعبة، أبرزها ضعف البنية الاقتصادية وندرة الموارد قبل اكتشاف النفط، فقد كانت ليبيا من أفقر دول العالم آنذاك، وتعتمد على المساعدات الدولية، خصوصاً البريطانية والأمريكية.
وقد سمح إدريس بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية على الأراضي الليبية مقابل الدعم المالي، ورغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه السياسة، إلا أنها ساعدت على استقرار المملكة حتى اكتشاف النفط في أواخر الخمسينيات.
ومع اكتشاف النفط، شهدت ليبيا تحولاً جذرياً، حيث تدفقت الثروات وبدأت مشاريع تنمية واسعة، غير أن ضعف المؤسسات، وانتشار الفساد في بعض الدوائر، إضافة إلى تمسك الملك بالأسلوب المحافظ في الحكم، جعلت الإصلاحات محدودة، كما أن تراجع صحة الملك وتقدمه في السن جعلاه أكثر اعتماداً على الدائرة الضيقة من مستشاريه، وهو ما خلق فجوة بين السلطة والشباب المتطلع إلى التغيير.
القذافي عقب انقلابه عام 1969
وفي السياسة الخارجية، تبنى الملك إدريس خطاً معتدلاً، معتمداً على التحالف مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنه في الوقت نفسه لم يعارض التعاون مع العالم العربي، إذ انضمت ليبيا إلى جامعة الدول العربية وشاركت في بعض المواقف القومية، وإن كانت بحذر شديد، وقد جعل هذا الموقف المتوازن ليبيا في منأى عن الصراعات الإقليمية الكبرى، لكنه عرّضها أيضاً لانتقادات التيار القومي العربي الذي كان يرى في إدريس ملكاً محافظاً قريباً من الغرب أكثر من اللازم.
معمر القذافي: أين انتهى المطاف بأفراد أسرته؟
شجرة عائلة معمر القذافي
ومع هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/ حزيران من عام 1967، تصاعدت الضغوط الداخلية على النظام الملكي في ليبيا، فقد خرجت المظاهرات في طرابلس وبنغازي مطالبة بإغلاق القواعد الأجنبية، وهو ما استجاب له الملك إدريس، إذ أعلن إلغاء القواعد البريطانية والأمريكية بحلول 1970، غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاحتواء الغضب الشعبي، خاصة وأن المد القومي الناصري كان في أوجه.
وفي أيلول/أيلول 1969، بينما كان إدريس يتلقى العلاج في منتجع تركي، انقلب الجيش بقيادة معمر القذافي على الحكومة، فسافر إدريس أولًا إلى اليونان، ثم مُنح اللجوء السياسي في مصر.
وفي عام 1974، حوكم غيابيًا بتهم فساد، وأُدين، وظل في المنفى في القاهرة حتى وفاته في في 25 أيار/ آيار من عام 1983.
إرث متناقض
لقد رحل الملك إدريس السنوسي تاركاً إرثاً متناقضاً، فقد كان بطل الاستقلال ورمز توحيد ليبيا، لكنه في الوقت نفسه عُرف بحكم محافظ لم يحقق إصلاحات سياسية كبرى.
إن إرث إدريس يعكس التناقضات التي عاشتها ليبيا في القرن العشرين بين الدين والسياسة، وبين القبيلة والدولة، وبين الشرق والغرب، وبين المحافظة والتجديد، فقد جاء من بيئة سنوسية صوفية محافظة، لكنه تعامل ببراغماتية مع القوى الكبرى، وحكم في زمن يهيمن عليه الخطاب القومي الثوري، لكنه ظل متمسكاً بالاعتدال والتحالف مع الغرب.
وهكذا، بعد أكثر من نصف قرن على سقوط حكمه، ما زال اسم إدريس السنوسي يعود إلى النقاش كلما طرحت مسألة الشرعية والهوية الوطنية في ليبيا، فالبعض يستحضر ذكراه بوصفه رمزاً للاستقرار والوحدة، في مقابل عقود من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا بعده، والبعض الآخر يعتبر أن عهده كان بداية ضياع فرصة بناء دولة حديثة قوية.
وبين هذا وذاك، تبقى سيرته شاهداً على مرحلة تأسيسية في تاريخ ليبيا، حين خرج بلد فقير ممزق من سيطرة الاستعمار ليولد كدولة مستقلة.
ولعل كل ذلك ما يجعل صورته معقدة، فهو ليس بطلاً ثورياً على شاكلة عبد الناصر، لكنه أيضاً لم يكن مجرد دمية بيد الاستعمار، بل رجل توازنات حاول أن يحمي بلاده بأدوات السياسة الواقعية.
أقرت حركة حماس مساء السبت، بمقتل محمد السنوار ، القيادي في جناحها العسكري والشقيق الأصغر لزعيمها السابق يحيى السنوار خلال منشور لها في منصة تليغرام، بعد قرابة شهرين من تأكيد الجيش الإسرائيلي التعرف على جثته في حزيران/حزيران الماضي.
وتضمن منشور حماس صوراً وأسماءً قالت إنها تُعرض للمرة الأولى لقادة قتلوا في الحركة، ووصفت محمد السنوار بـ”الشهيد القائد محمد السنوار أبو إبراهيم”، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها الحركة عن مقتله.
وشن الجيش الإسرائيلي في أيار/أيار هجوماً على خان يونس في جنوب القطاع، وقال إنه استهدف محمد السنوار، الشقيق الأصغر ليحيى السنوار زعيم الحركة الذي اغتالته إسرائيل خلال الحرب الجارية أيضاً.
وبعد نحو شهر، أعلن الجيش الإسرائيلي، التعرُّف على جثة محمد السنوار “رسمياً وبشكل مؤكد” على جثة قائد الجناح العسكري للحركة الذي اغتيل في هجوم على خان يونس.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن في 28 من أيار/أيار من العام الجاري، مقتل محمد السنوار، “أحد أبرز المطلوبين لإسرائيل” والشقيق الأصغر لزعيم الحركة الراحل يحيى السنوار، غير أن الحركة لم تعلّق على إعلان نتنياهو.
فمن هو محمد السنوار؟
منذ مقتل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واغتيال محمد الضيف، قائد أركان كتائب القسام الذراع العسكري للحركة، تصاعدت التكهنات بشأن هيمنة محمد السنوار على قرار الحركة في القطاع في ظل استمرار الحرب في غزة منذ ما يقرب من عام ونصف العام، واستمرار المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق لتبادل الرهائن والسجناء والمعتقلين بين إسرائيل وحماس.
ويُعدّ محمد السنوار من أبرز القادة العسكريين في كتائب القسام، ويتمتع بنفوذ واسع داخل الأطر التنظيمية في غزة، إذ شغل سابقاً مناصب قيادية أمنية، وكان من المقربين إلى شقيقه يحيى، ما عزز من احتمالات طرح اسمه كخليفة محتمل.
من هو يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس الذي قُتل في اشتباك مع الجيش الإسرائيلي؟
وعلى مر السنين، حاولت إسرائيل استهدافه على الأقل خمس مرات، كما ارتبط اسمه بعملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وبأدوار عسكرية في حرب غزة الحالية.
ورغم ندرة المعلومات المتوفرة من المصادر العربية والفلسطينية حول شخصية محمد السنوار، ووفقاً لما أفاد به صحفيون فلسطينيون في حديث مع بي بي سي، فإن قلة المعطيات تعود إلى طبيعته العسكرية وتحركه بعيداً عن الأضواء، إلا أن المعلومات التالية هي المتوفرة حوله.
مولده ونشأته
وُلد محمد السنوار عام 1975 في خان يونس، وكان حينها شقيقه يحيى قد بلغ الثالثة عشرة من عمره، هُجّرت عائلتهما من قرية قرب عسقلان عام 1948 واستقرت في جنوب غزة.
في عام 1991، سجن محمد السنوار في إسرائيل مدة تسعة أشهر في سجن كتسيعوت “للاشتباه بنشاطه الإرهابي”.
تقول صحيفة جيروزاليم بوست، إنه ومع تزايد خطورة هجمات حماس على إسرائيل منذ عام 2000 وما بعده، ازدادت الثقة في محمد ومكانته، بمساعدة السمعة التي اكتسبها كونه “شقيق يحيى”، وهي سمعة تعززت خلال فترة وجود يحيى في السجون الإسرائيلية.
وتوطدت علاقته بقادة ميدانيين أصبحوا فيما بعد شخصيات رئيسية، مثل محمد الضيف، وسعد العرابيد، وآخرين شاركوا في تطوير القدرات العسكرية لحماس، وعمل معهم جنباً إلى جنب، بحسب الصحيفة.
ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، كان محمد السنوار من بين المسؤولين عن اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إطلاق سراح شقيقه يحيى في صفقة أفرج فيها عن شاليط مقابل 1027 سجيناً فلسطينياً.
ومنذ عقود، يعيش محمد السنوار متوارياً عن الأنظار، لتجنب القبض عليه أو اغتياله من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.
“رجل الظل”
عمل متخفياً لفترة طويلة لذا أطلق عليه رجل الظل واكتسب خبرة عملياتية فأصبح عنصراً أساسياً في الاستراتيجية العسكرية في حماس.
ولم يكن كثيرون يعرفون محمد السنوار قبل أن يتم الكشف عن صورته وهو داخل سيارة في نفق ضخم بالقرب من معبر بيت حانون/ إيريز في فيديو نشره الجيش الإسرائيلي نهاية عام 2023.
“أكثر قسوة من يحيى”
وصفت صحيفة جيروزاليم بوست نقلاً عن مصادر عسكرية إسرائيلية محمد السنوار بأنه “أكثر قسوة” من شقيقه يحيى.
وذكرت الصحيفة نقلاً عن المصادر العسكرية: “لن تجد حدثاً رئيسياً في البناء العسكري لحماس على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية لم يشارك فيه محمد السنوار، شغل منصب قائد خان يونس، وهو منصب رفيع المستوى، وحتى القادة الذين خلفوه خضعوا لتأثيراته. من المهم أن نفهم أنه كان ممثل الضيف على الأرض، يتحدث مع المقاتلين وقادة الألوية والكتائب، مما زاد من نفوذه”.
وتضيف الصحيفة: “كان شديد الولاء للضيف، ولم يضعف موقفه قط، وكان الجميع يعلم أن أي قرار يتخذه يحظى بدعم الضيف، وهي ميزة تمتع بها محمد كثيراً”.
مفاوضات الرهائن والسجناء
وذكرت وسائل إعلام عربية وإسرائيلية، أن المباحثات الرامية إلى التوصل لهدنة في غزة مؤخراً “لم تتعثر” بشكل كامل، لكن محمد السنوار، “الذي تدخل في تلك المفاوضات، أظهر مواقف أكثر تشدداً مقارنة بشقيقه الراحل يحيى السنوار”.
وتشير التقديرات إلى أن محمد “لا يشارك فقط في جهود الحرب الحالية، بل أيضاً في المفاوضات مع إسرائيل بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين”، كما أن له دوراً كبيراً في بناء الأنفاق في غزة.
إعادة بناء حماس
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن “محمد السنوار يعيد بناء الحركة بتجنيد مقاتلين جدد في قطاع غزة، مما يدفع إسرائيل نحو حرب استنزاف”.
وذكرت الصحيفة أن “حركة حماس تعرضت لضربة قوية في الخريف الماضي بعد اغتيال يحيى السنوار، لكن الحرب المستمرة على القطاع خلقت أيضاً جيلاً جديداً من المقاتلين، وملأت غزة بالذخائر غير المنفجرة التي تعيد الحركة تصنيعها إلى قنابل تستخدمها في معاركها المستمرة بالقطاع”.
ونقلت الصحيفة عن اللواء الإسرائيلي المتقاعد عامير عفيفي قوله: “تعد حملة التجنيد والقتال المستمر تحت قيادة محمد السنوار تحدياً جديداً لإسرائيل”، مشيراً إلى أن “وتيرة إعادة بناء حماس لقدراتها أسرع من وتيرة القضاء عليها من قبل الجيش الإسرائيلي”.
وأكد عفيفي أن محمد السنوار “يدير كل شيء” وأنه “محور جهود إحياء حماس”، وقال إنه بعد اغتيال يحيى السنوار، قرر مسؤولو الحركة في الخارج “تشكيل مجلس قيادة جماعية بدلاً من تعيين رئيس جديد، لكن مقاتلي حماس في غزة لم يمتثلوا، ويعملون الآن بشكل مستقل تحت قيادة السنوار الأصغر” على حد قوله.
أثارت سلسلة تقارير نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية غضب المغاربة، حيث اتهمت الصحيفة لملك بأنه يوطد علاقته مع المقربين له منذ عقود داخل القصر الملكي من أجل تأمين استمراريته في الجلوس على كرسي العرش.
كما عنونت الصحيفة أحد تقاريرها بـ”أجواء نهاية عهد الملك محمد السادس”، حيث طرحت الصحيفة الفرنسية تساؤلات حول صحته وترتيبات الخلافة وتطرقت إلى ازدياد ظهور ولي العهد في مناسبات رسمية.
إعداد: نسيمة بن أحمد
يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا.
ست سنوات وأربعة أشهر كانت الفاصل بين تلقّي عائلة سعودية من القطيف خبر إعدام اثنين من أبنائها. ففي نيسان/نيسان 2019 أُعدم فاضل لباد، وتكرّر المشهد في آب/آب 2025 مع شقيقه جلال.
لم تكن السلطات السعودية هي من أبلغت العائلة بالخبر، بل وصلهم عبر معارف اتصلوا بالعائلة لتعزيتها بعد أن تم تداول الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي. غير أن القصة لم تنتهِ عند هذا الحدّ، إذ يواجه شقيقهما الثالث، محمد، المصير نفسه، رغم أنه سلّم نفسه في أيلول/أيلول 2017 استناداً إلى ما أعلنت السلطات السعودية حينها عن عفو يشمل من يبادر إلى تسليم نفسه، وفق ما تؤكد منظّمات حقوقية.
إعدام شقيقين ومخاوف من إعدام الثالث
تشير بيسان فقيه، مسؤولة حملات الشرق الأوسط في منظّمة العفو الدولية (أمنستي)، إلى أن فاضل لباد أُعدم ضمن إعدام جماعي شمل 37 شخصاً أدينوا بتهم تتعلّق بـ”الإرهاب”، على خلفية مشاركته في تظاهرات مناهضة للحكومة في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية بين عامي 2011 و2012. وفي حديث لبي بي سي، وصفت فقيه المحاكمة الجماعية التي سبقت التنفيذ بأنها “جائرة للغاية”.
أما جلال لباد (المولود في 3 نيسان/ نيسان 1995)، ووفق بيان لوزارة الداخلية السعودية صادر في 21 آب/آب الجاري، فقد نُفّذ حكم الإعدام بحقّه لارتكابه جرائم وُصفت بالإرهابية، شملت “الانضمام إلى تنظيم إرهابي خارجي، والمشاركة مع مطلوبين أمنياً في اختطاف وقتل القاضي محمد بن عبد الله الجيراني في دائرة الأوقاف والمواريث في محافظة القطيف، وإطلاق النار وإلقاء القنابل على رجال الأمن بهدف قتلهم”.
وبحسب المعلومات الرسمية، خُطف القاضي الجيراني من أمام منزله في بلدة تاروت عام 2016، وعُثر على جثته عام 2017 في مزارع مهجورة تُعرف بالصالحية في المنطقة الشرقية. وأوضح بيان وزارة الداخلية آنذاك، أن الفحوص الطبية ونتائج تحليل الحمض النووي (DNA) أكّدت هويّة الجثّة، كما أظهرت إصابته بطلق ناري في منطقة الصدر.
القاضي محمد بن عبد الله الجيراني.
وفي سياق مشابه، يشير تقرير حديث لمنظّمة القسط لحقوق الإنسان إلى أن جلال لباد أدين بعدّة تهم وُصفت بـ”الإرهابية”، من بينها المشاركة في احتجاجات كان لا يزال فيها “طفلا” على حدّ وصف القسط. وأوضحت المنظّمة أنها اطّلعت على وثائق قضائية بيّنت أن الاتهامات الموجّهة إلى جلال شملت أفعالاً تندرج ضمن الحقوق المكفولة بحرية التعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات، مثل “ترديد شعارات مسيئة لحكّام البلاد” خلال جنازات رجال قُتلوا برصاص قوات الأمن. ويشير التقرير إلى أن هذه الأحداث تعود إلى احتجاجات عامي 2011 و2012، والتي شارك فيها لباد في سن المراهقة، احتجاجاً على ما وصفته المنظمة بـ”معاملة الطائفة الشيعية المهمّشة في السعودية”.
وتشير منظّمة العفو الدولية (أمنستي) إلى أن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي العرفي يحظران تطبيق عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم التي يُزعم ارتكابها من قبل أشخاص عندما كانوا أطفالاً.
في نيسان/نيسان 2020، أصدرت السعودية أمراً ملكياً بإلغاء عقوبة الإعدام التعزيرية بحق القُصّر، مع استثناءات تتعلّق بجرائم الإرهاب، ما أثار حينها تساؤلات حول فعالية هذا التعديل.
صورة للأمر الملكي الصادر عام 2020 حول إلغاء عقوبة الإعدام التعزيرية بحق القُصّر.
فمنظمات حقوقية، كمنظمة العفو الدولية، أشارت وقتئذ، إلى أن هذا التعديل لا يشمل القُصّر المدانين بجرائم تتعلّق بالإرهاب، ما يعني أن عقوبة الإعدام قد تظلّ سارية في هذه الحالات. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن تعريف “الإرهاب” في النظام السعودي قد يكون فضفاضاً، ما قد يؤدي إلى محاكمة القُصّر بتهم تتعلّق بالإرهاب لمجرّد تعبيرهم عن آرائهم السياسية.
وفي السعودية، تشير عبارة ” الأحكام التعزيرية” إلى العقوبات التي يحدّدها القاضي على الجرائم التي لا يرد فيها حداً شرعياً أو قصاصاً محدّداً، مثل الرشوة والاختلاس والجرائم الإلكترونية وبعض المخالفات الأخلاقية. وتتراوح العقوبات بين السجن والغرامة والجلد، وقد تصل أحياناً إلى الإعدام إذا رأى القاضي أن الجريمة تمثّل تهديداً لأمن الدولة.
إعدام “خاطفة الدمام” يُثير الجدل في السعودية
الأحكام التعزيرية هي العقوبات التي يحدّدها القاضي على الجرائم التي لا يرد فيها حدّاً شرعياً.
بالنسبة إلى الأخ الثالث محمد، تشير تقارير حقوقيّة إلى أنه اعتُقل بعد مشاركته “المزعومة” في مظاهرات عامي 2011 و2012 احتجاجاً على “معاملة المواطنين الشيعة”. وأشارت التقارير إلى أن محمد استجاب لطلب السلطات بتسليم نفسه في أيلول/أيلول 2017، بعد تلقيه مكالمة هاتفية من مركز المباحث العامة في عنك تستدعيه للتحقيق معه. وقبل تلك المكالمة، لم يتم إبلاغ محمد لباد بأنه متّهم بأي جريمة.
تقول عائلة لباد إنها فوجئت بتوجيه تهمة الخطف والقتل لابنها جلال في قضية القاضي الجيراني، كما صُدمت بصدور حكم الإعدام بحقّ محمد، مشيرة إلى أنها تعيش اليوم حالاً من الخوف والقلق من أن يلقى محمد المصير نفسه الذي واجهه شقيقاه.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن المحكمة أصدرت حكم الإعدام تعزيراً بمحمد في 2 تشرين الأول/تشرين الأول 2022، وأيّدته محكمة الاستئناف في 9 آذار/ آذار 2023، ثم أيّدته المحكمة الجزائية المتخصّصة مرّة أخرى في 30 آذار/آذار 2024 بعد إعادة القضية من المحكمة العليا في آب/ آب 2023 من دون أي تفسير، بحسب ما جاء في التقارير الحقوقية.
ارتفاع كبير في أعداد أحكام الإعدام
تشير بيسان فقيه، مسؤولة حملات الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية (أمنستي)، إلى أن عام 2024 شهد أعلى عدد من الإعدامات التي رصدتها المنظّمة في السعودية منذ بدء متابعة هذه الحالات عام 1990، حيث نُفّذت أحكام الإعدام بحقّ 345 شخصاً.
ومع حلول عام 2025 وحتى اليوم، سجّلت المنظّمة 269 إعداماً في السعودية، في حين أعلنت السلطات السعودية عن تنفيذ 162 إعداماً في الفترة نفسها من العام الماضي، مما يثير قلقاً لدى أمنستي بشأن وتيرة تنفيذ الإعدامات هذا العام، حتى مقارنة بعام قياسي مثل 2024.
شهد عام 2024 أعلى عدد من الإعدامات في السعودية بإعدام 345 شخصاً.
وتشير فقيه إلى أن من بين 269 عملية إعدام، تم تنفيذ 182 إعداماً في قضايا تتعلّق بالمخدرات، بالتزامن مع ما يُعرف بـ”الحرب على المخدرات” التي أعلنها ولي العهد محمد بن سلمان عام 2023.
وربطت فقيه ارتفاع عدد الإعدامات بسياسة السعودية المستمرة في تطبيق عقوبة الإعدام على ما وصفته بالأقلية الشيعية في البلاد، بما في ذلك بسبب مواقف سياسية معارِضة.
وتشير تقديرات أمنستي إلى أن “الشيعة” في السعودية يشكّلون ما بين 10 إلى 12 في المئة من السكان، وأنه خلال السنوات العشر الأخيرة شكّلوا 42 في المئة من مجموع من أعدمتهم السلطات السعودية في قضايا متّصلة بـ”الإرهاب”.
في هذا السياق، قال عبد العزيز منيف بن رازن، المستشار في مركز الإعلام والدراسات العربية وعضو كرسي الإعلام الجديد في جامعة الملك سعود، إن القضاء في المملكة العربية السعودية يستند بشكل مباشر إلى التشريع الإسلامي، وهو ما يوفّر برأيه وضوحاً في المنهج وتطبيقاً شاملاً على مختلف أنواع الجرائم، الأمر الذي يُحسب للنظام القضائي السعودي، ويُترجم في حال الأمن والاستقرار التي تعيشها المملكة منذ تأسيسها، على حدّ تعبيره.
وأضاف في حديثه إلى بي بي سي عربي أنه “لا توجد دولة أو مجتمع خالٍ من الأخطاء، فبعض المجتمعات تهرب منها ولا تتمكن من معالجتها، بينما في السعودية نواجه التحدّيات ونسعى إلى تحويل السلبيات إلى إيجابيات يمكن أن تستفيد منها دول أخرى”، مشدّداً على أن المملكة تمثل اليوم ما وصفه بـ”النموذج الأفضل في المنطقة”.
أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية
إعدامات جديدة مرتقبة في السعودية
تشير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن 60 معتقلاً على الأقل يواجهون أحكاماً بالإعدام في مراحل مختلفة من الإجراءات القضائية.
وفي هذا الإطار، يقول طه الحاجي، مستشار في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إن ارتفاع أعداد الإعدامات في الأحكام التعزيرية يتناقض مع ما تعلنه السعودية في المحافل الدولية حول التزامها بالإصلاحات وإلغاء عقوبة الإعدام ضد القصّر.
وفي مقابلة مع بي بي سي عربي، أضاف الحاجي أن السعودية لا تزال الثالثة عالمياً من ناحية تنفيذ الإعدامات بعد الصين وإيران، مشيراً إلى أن إعادة محاكمة محمد لباد تمت في ظروف غامضة، مع وجود مخاوف من أن يلقى مصير أخويه، رغم تسليم نفسه للسلطات على أمل الاستفادة من إجراءات العفو.
ولفت الحاجي إلى أن العائلة لم تتسلّم جثتي فاضل، الذي أُعدم عام 2019، وجلال، الذي أُعدم قبل أيام، مشيراً إلى أنه يُمنع على العائلة إقامة مراسم العزاء.
تجهد السعودية لتعزيز صورتها الدولية بالتزامن مع مضيها في تنفيذ الإعدامات.
وختم الحاجي بالإشارة إلى أن السعودية تنفق مبالغ كبيرة على استضافة فعاليات عالمية ومهرجانات ومشاريع استثمارية، لكنها في الوقت نفسه تثير جدلاً دولياً بسبب استمرار تنفيذها لأحكام الإعدام.
في المقابل، يرى عبد العزيز منيف بن رازن، المستشار في مركز الإعلام والدراسات العربية وعضو كرسي الإعلام الجديد في جامعة الملك سعود أن “الادعاءات الموجّهة ضد السعودية بشأن الإعدامات لا تستند إلى أدلة أو أرقام”، واصفاً إياها بـ”الكلام المُرسَل” أي لا دقة فيه ولا مرجعيّة له، وهي ادعاءات تهدف برأيه إلى النيل من نجاح المملكة وسمعتها. ويؤكد أن القضاء السعودي يقوم على ثبوت الجرم وتقديم الأدلّة قبل إصدار أي عقوبة، باعتبارها وسيلة لحماية المجتمع والدولة. ويرى بن رازن أن لكل دولة الحق في وضع القوانين لتحقيق العدالة والأمن، وأن السعودية نجحت في رفع معدلات الأمان، ما جعلها وجهة للسيّاح والمستثمرين. كما يعتبر أن تنفيذ أحكام الإعدام ضد من يزهقون الأرواح هو حماية للأبرياء، منتقداً صمت وسائل الإعلام عن جرائم أخرى مثل ما يحدث في غزة، مقابل تركيزها على صورة المملكة، كما يقول.
الإعدام في السعودية تحت المجهر
تظلّ قضايا الإعدام في السعودية، ولا سيما تلك المرتبطة بالأحكام التعزيرية والإجراءات ضد القاصرين وما يسمّى بـ “الأقلّية الشيعية”، موضع اهتمام ومراقبة من قبل منظّمات حقوق الإنسان حول مدى التزام السعودية بالمعايير الدولية.
وفي الختام، تبقى الشفافية في المحاكمات وتنفيذ الأحكام والمخاطر المتعلّقة بتعريف “الإرهاب” من أبرز القضايا المطروحة للنقاش.
يمضي فضل كراز معلم لغة الإشارة من مكان لآخر حسبما يقدر في قطاع غزة المدمر، محاولاً الوصول إلى من يعرفهم من ذوي الإعاقة السمعية. يصل فضل إلى خيمة إيمان شلح أو أم محمد، التي تحكي لنا عن أبنائها الصم أيضاً، بلغة إشارة يترجمها لنا فضل: “أخاف عليهم كثيراً… لو هناك قصف قريب لا يسمعونه وبالتالي من الممكن أن يتعرضوا للأذى”.
بهذه الكلمات البسيطة والموجعة اختزلت إيمان شلح مأساة 20 ألف شخص من فاقدي السمع في قطاع غزة بحسب منظمة الصحة العالمية. بالنسبة لهؤلاء، الخطر لا يُسمع مقدما، بل يظهر فجأة، تاركاً إياهم الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للأذى.
مأساة إيمان ليست فقط في أنها فاقدة للسمع، ولا تستطيع سماع أصوات القصف والانفجارات لحماية نفسها وأبنائها منه، بل في أنها فقدت زوجها المعيل الوحيد للعائلة في هذه الحرب، وفقدت معه ابنتها، لتجد نفسها وحيدة في خيمة نزوح في مدينة غزة، مع ثلاثة أطفال، اثنان منهم فاقدان للسمع مثلها.
فضل كراز يرافق الصم والبكم في غزة ويعلمهم استشعار خطر القصف الذي لا يسمعون صوته
تواصل إيمان وصف معاناتها اليومية قائلة: “ما نعيشه في الحرب صعب صعب جدًا، أحاول أن أصرخ على أبنائي إذا رأيتهم يحاولون مغادرة الخيمة، لكن الصرخة لا تخرج مني لأنني لا أتحدث، ولا تصل لهم لأنهم لا يسمعون، هذا الخوف الدائم يجبرني على إبقائهم سجناء في مساحتهم الضيقة داخل الخيمة، خوفًا من عالم خارجي لا يستطيعون فك شفرة مخاطره الصوتية، دائما ما أسأل نفسي: إذا تركتهم يخرجون، وكان هناك قصف لا نسمع صوته، ماذا سيحدث لهم؟
أذن من لا يسمع
من رحم هذه المعاناة ولد دور فضل الذي يعمل في مجال تعليم لغة الإشارة في عدة جمعيات خيرية في قطاع غزة منذ 33 عاماً، ومع اندلاع الحرب، تطوع لمساعدة هذه الفئة بالمجان، ولم يتردد لحظة في تقديم خدماته.
يقول فضل: “عملي الطويل في مجال لغة الإشارة خلق علاقة وطيدة بيني وبين الصم والبكم، وأصبحت ارتاد مخيمات النزوح، وأقوم بزيارات لهم، كي أعلمهم بعض النصائح والتعليمات المنقذة للحياة، مثل كيفية تمييز وقت القصف من حركات المحيطين”.
ويضيف: “الاستجابة المثلى التي يجب أن يفعلوها في هذا الوقت للنجاة والحفاظ على حياتهم، كذلك بادرت بفكرة تعليم الأشخاص المحيطين بالصم والبكم في مخيمات النزوح أساسيات لغة الإشارة، كي يكونوا قادرين على التواصل معهم وإنقاذهم وقت الحاجة”.
“الأطفال ينامون على بطون فارغة”، شهادات تكشف تفاقم المجاعة في قطاع غزة المنكوب
ويضيف فضل: “من بين من أعرفهم جيداً أم محمد وأبنائها، بدأت معرفتي بها حينما رأيتها ترتاد إحدى الجمعيات التي أعمل بها طلبا للمساعدة، فرق قلبي لحالها، خاصة بعدما خسرت معيلها الوحيد، فهذا هو أكثر وقت تحتاج فيه لمن يمد لها ولصغارها يد العون”.
يدرك فضل أن التحديات التي نتجت عن الحرب تتجاوز خطر القصف المباشر، فهي تمس أبسط تفاصيل الحياة، ويروي لنا موقفًا يكشف مدى عمق الأزمة: “في إطار مبادرتي لزيارة النازحين من الصم والبكم، وتقديم يد العون لهم، عندما كنت أزور أم محمد و أبنائها يوماً في خيمتهم داخل إحدى المدارس التي تحولت لدار إيواء، كانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، فطلبت منها شربة ماء، فصدمتني بقولها إنه لا يوجد لديها ولا لدى صغارها قطرة ماء”.
عندما سألتها عن السبب أخبرتني أن السيارة المخصصة لنقل وتوزيع المياه حينما تصل للمخيم، يقوم سائقها بالضغط على بوقها أكثر من مرة لتنبيه النازحين، فيتزاحمون بدورهم للحصول على المياه، أما أنا فلا أسمع صوت البوق، وبالتالي دائما ما يفوتني نصيبي من مياه الشرب”، وفق فضل.
فضل كراز معلم لغة الإشارة مع عائلة أم محمد
يضيف مدرب الإشارة: “هذا الوضع كان يجعل أم محمد مضطرة للذهاب لخيام جيرانها النازحين، وسؤالهم بعض الماء، ما أثر في بشكل عميق، وجعلني أفكر في إيجاد طريقة لمساعدتها، ومن هنا جاءت مبادرتي بتعليم جيران الصم والبكم أساسيات لغة الإشارة، كي يتواصلوا مع أم محمد وينبهونها بقدوم صهريج المياه لتأخذ حصتها منها، كذلك أحرص على الحضور بنفسي أحيانا لأعبئ لها ما تحتاجه من مياه، لكنني لا أقوى على فعل هذا دائما، فكان الحل الأمثل هو إيجاد لغة تواصل بينها وبين الآخرين.”
“غزة لم تعد جحيماً فقط، بل أصبحت أسوأ”
من هنا، بات دور فضل كراز لا يقتصرعلى التواصل، بل يمتد لتعليم استراتيجيات البقاء، يقول عنه الطفل محمد شلح البالغ من العمر 12 عاما بوعي يفوق عمره: “الأستاذ فضل علمني الكثير، علمني عندما أشاهد الناس تجري وقت القصف ألا أخرج إلى الشارع، وأظل في مكاني حتى يكون المكان آمنًا لأنني لا أسمع، أنا لا أستطيع تخيل مصيري أنا وأمي وأختي في هذه الحرب إن لم يكن الأستاذ فضل موجودا”.
ورغم إدراكه للخطر المحيط، يصر فضل على مواصلة الطريق الذي اختاره لنفسه، كمتطوع لغة إشارة في هذه الحرب، يقول عن اختياره: “أحيانًا وأنا في الطريق لزيارة أسرة نازح من الصم والبكم، تراودني أفكار مثل: ماذا لو حدث قصف هنا أو هناك؟ بالتأكيد أشعر بالخوف”.
“لكن ثمة شعور آخر يزاحم الخوف بداخلي، شعور بالرغبة الحقيقية في تنفيذ هذه المبادرة، في إنقاذ هؤلاء البشر، وإن كان على تعريض حياتي للخطر أن ذهبت لمكان ما، فالخطر في قطاع غزة كله”، بحسب فضل.
“أطفالنا للصم”: يد تساعد من تحت الركام
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”
هذا الصمود الفردي لفضل كراز تدعمه جهود مؤسسية، تكاد تكون الوحيدة الصامدة في غزة، “جمعية أطفالنا للصم” التي لم تكن مجرد جمعية من جمعيات المجتمع المدني، بل كانت شريان حياة لهذه الفئة، فهي الوحيدة التي ما زالت تقدم خدماتها لفاقدي السمع في قطاع غزة، رغم تعرض مقرها للقصف.
يؤكد مدير الجمعية فادي عابد ل بي بي سي، أن الجمعية واجهت نفس مصير الكثيرين: “مقرنا، حاله كحال باقي المؤسسات، تعرض لضرر بالغ جدًا أدى إلى توقف الخدمات”.
لكن الإرادة كانت أقوى من الدمار، حيث يضيف عابد: “نظرًا للحاجة الكبيرة، تمكنت جمعية “أطفالنا للصم” من إيجاد مكان جديد لاستمرار عملها وعدم توقف الخدمات الأساسية، هذا الإصرار على البقاء لم يكن مجرد رد فعل، بل كان فلسفة عمل في وجه حرب طويلة المدى، ولا نعلم متى ستضع أوزارها، وإصرار الناس على البقاء والعودة للروتين اليومي، كان دافعاً أساسياً لنا، رغم اقتراب الحرب من عامها الثاني.”
ما تداعيات احتلال إسرائيلي كامل لغزة على سكانها وحماس؟
أمام واقع المدارس المدمرة ومراكز الإيواء المكتظة، ابتكرت الجمعية حلولاً من رحم الأزمة كما يقول مديرها: “البديل كان إيجاد نقاط تعليمية أو صفوف دراسية في الخيام لتعليم الصم والبكم، والأمر الأكثر إلهامًا، هو أن من قام بتجهيز هذه الفصول، هم الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم”.
وتابع: “بعد أن فقدوا فرص عملهم بسبب الحرب، قمنا بإعادة استيعابهم وتأهيل الورش اللازمة لهم، هم من قاموا بتصنيع الأثاث والطاولات والكراسي للطلاب، ليكونوا نموذجًا وقصة صمود يحتذى بها، وهؤلاء الطلاب كانوا قبل الحرب من المترددين على الجمعية، وممن حصلوا بداخل أروقتها على العديد من الأنشطة التعليمية التي مكنتهم من أداء مهمتهم في الحرب بنجاح”.
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”
خلف هذه القصص الإنسانية، يسلط فادي عابد الضوء على أرقام وصفها بالصادمة، حسب مسوحات ميدانية قامت بها الجمعية، تكشف عن أزمة صحية متفاقمة يعانيها فاقدو السمع في قطاع غزة، فبحسب الجمعية، هناك35 ألف شخص في غزة، بينهم أطفال وبالغون، يعانون من فقدان السمع بشكل مؤقت أو دائم نتيجة الانفجارات المتواصلة، والتلوث البيئي، وغياب الرعاية الطبية اللازمة.
كما تضاعف معدل الإصابات بمشاكل السمع ثلاث مرات -بحسب جمعية “أطفالنا للصم”- عما كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في مشاكل السمع لدى الأطفال حديثي الولادة الذين وُلدوا أثناء الحرب، ما يتطلب تدخلات عاجلة.
“ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد”؟ غزيون يستحضرون كلمات وداع أحبتهم
كما تشير مسوحات الجمعية بحسب مديرها فادي عابد، إلى أن 83% من ذوي الإعاقة السمعية فقدوا أدواتهم المساعدة، كالسماعات الطبية، نتيجة النزوح المتكرر وعدم وجود صيانة أو قطع غيار، ويزيد الطين بلة، بحسب عابد، منع إسرائيل لدخول أدوات مساعدة جديدة إلى القطاع، رغم الحاجة الماسة لها.
تتشابك خيوط هذه القصة لترسم لوحة واقعية لواقع الصامتين في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، الأم إيمان التي تحاول أن تكون درعاً حامياً لأطفالها، والطفل محمد الذي يواجه الخطر بوعي بصري نافذ، ومدرب لغة الإشارة فضل الذي يمد جسور التواصل بيديه لكل من يحتاجه، وفادي الذي يقود مؤسسة تحاول إعادة بناء الحياة من تحت أنقاض الحرب، جميعهم بدوره ومن موقعه يروي فصلاً مختلفاً من فصول الحرب، وشهادات حية.