تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ الساعات الماضية توتراً أمنياً غير مسبوق، مع رصد تحركات عسكرية واسعة في عدد من أحيائها الداخلية، تزامناً مع وصول أرتال مسلحة من خارج المدينة، ما أعاد إلى الواجهة مخاوف اندلاع مواجهة جديدة في قلب العاصمة. ومنذ مساء يوم الخميس، تداولت منصات ووسائل إعلام محلية مقاطع فيديو تظهر أرتالاً عسكرية قادمة من مدينة مصراتة شرق العاصمة، وأخرى من مدينة غريان الواقعة إلى الغرب، إلى جانب انتشار سيارات مسلحة داخل بعض أحياء طرابلس.
وفي الأثناء، أعلن سكان بلدية تاجوراء شرقي العاصمة رفضهم أن تكون منطقتهم ممراً للسلاح، محذّرين من أن دخول أي رتل عسكري إلى العاصمة عبر منطقتهم يُعد “تعدياً على أهلها”، وطالبوا السلطات في طرابلس بتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه حماية المدنيين ومنع أي مواجهة مسلحة. كما أصدر أهالي منطقة سوق الجمعة، وسط العاصمة، بياناً أعلنوا فيه تضامنهم مع بيان أهالي تاجوراء في رفض إشعال فتيل الحرب في طرابلس، وطالبوا البعثة الأممية بإدانة أي دعوات للتصعيد العسكري، والعمل على إيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق الأوضاع إلى مواجهة قد تكون أكثر خطورة من سابقاتها.
وفي السياق ذاته، حذّر أسامة جويلي، آمر المنطقة العسكرية بالجبل الغربي التابعة للمجلس الرئاسي، من أن “أي عمل مسلح داخل العاصمة، مهما كانت مبرراته”، هدفه “إفشال العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا”. كما شدد على أن نتائج أي مواجهة ستكون “كارثية على الجميع”، داعياً إلى تغليب لغة الحوار والبحث عن حلول سياسية للأزمة المستمرة.
ورغم تصاعد حالة التوتر، لم تصدر أي جهة رسمية حتى الآن، بما في ذلك وزارة الدفاع أو حكومة الوحدة الوطنية أو المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش، بياناً يوضح حقيقة التطورات على الأرض، ما زاد من حالة الترقب والضبابية في المشهد العام، خاصة مع انتشار الأخبار المتضاربة عبر المنصات المحلية حول استعدادات تجريها قوات الحكومة لعملية عسكرية ضد المجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرتها، ولا سيما جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي.
وكان آمر الكتيبة 166 للحراسة والحماية التابعة لرئاسة الأركان في طرابلس، محمد الحصان، قد بادر في وقت سابق الخميس إلى طمأنة سكان العاصمة، مؤكداً في منشور على حسابه بفيسبوك أن وحداته ما تزال متمركزة في مواقعها المكلفة بفض أي اشتباكات محتملة داخل أحياء وسط طرابلس. وأضاف أن الكتيبة “ستبقى في صفوف السلام الأولى”، نافياً صحة الأخبار التي تحدثت عن انسحاب قواته أو اقتحام مقر الكتيبة وسرقة آلياتها، وهي الأخبار التي أثارت بلبلة في الأوساط المحلية في الساعات الأولى من نهار الخميس.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه طرابلس حالة من الاحتقان الأمني منذ منتصف أيار/ أيار الماضي، حين اندلعت مواجهات دامية بين قوات وزارتي الداخلية والدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية من جهة، وجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي من جهة أخرى، في محاولة للإطاحة بجهاز الردع بعد الإطاحة بجهاز دعم الاستقرار. ورغم إعلان الحكومة لاحقاً وقف إطلاق النار، إلا أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أطلق بعدها تصريحات وصف فيها جهاز الردع بأنه “مليشيا خارجة عن القانون”، وأنه أصبح “دولة داخل الدولة” تسيطر على ميناء العاصمة ومطارها، ويتحرك خارج سلطة وزارتي الداخلية والدفاع، مؤكداً ضرورة حله.
رغم تكرار الشكاوى في ليبيا وتأكيد خبراء البيئة والصحة حجم الخطر الناجم عن الصيد بالمتفجرات، باتت مشاهدة القوارب الصيد غير المرخصة التي تعمد إلى ذلك مألوفةً قبالة السواحل الليبية في ظل غياب الرقابة وضعف العقوبات.
تواجه البيئة البحرية الليبية مخاطر متزايدة خلال السنوات الأخيرة من جراء تصاعد ظاهرة الصيد باستخدام المتفجرات، والتي باتت تتسع على طول الساحل الذي يفترض أن يكون مصدراً للطعام، وركيزة للأمن الغذائي، بالتزامن مع تراجع سلطة القانون وضعف قدرة أجهزة الرقابة على متابعة الساحل الممتد لمئات الكيلومترات. وتآذار عشرات من القوارب غير المرخصة نشاطها في شكل انتهاكات فردية، بينما يعمل بعضها بالتنسيق مع شركات صيد محلية تستعين بصيادين من خارج البلاد، وجميعها تتشارك استخدام المتفجرات كوسيلة سريعة لجمع أكبر قدر من الأسماك.
ويقول سالم بن عجال، وهو صياد من مدينة الخمس شرق طرابلس، لـ”العربي الجديد”، إن “أصوات الانفجارات ليلاً، وأصوات القوارب التي تجمع الأسماك في الصباح الباكر باتت جزءاً من المشهد اليومي الذي اعتاد عليه الصيادون وسكان السواحل، رغم تكرار الشكاوى للعديد من الجهات، بما فيها جهاز خفر السواحل. مشهد الأسماك الطافية على سطح الماء عقب كل عملية تفجير، يؤكد أن كميات أكبر تغرق في القاع، ما يجعل هذه المآذارات تتجاوز التهديد للحياة البحرية إلى تهديد مهنة الصيد كمصدر رزق أساسي لمئات الأسر، إذ أصبحت آثار التلوث واضحة على الأسماك”.
ويشير بن عجال إلى أنه لم يعد قادراً على بيع صيده لشركات التصنيع المحلية كما كان الأمر في السابق، لأن هذه الشركات اتجهت في السنوات الأخيرة إلى التعامل مع مراكب صيد غير قانونية لرخص الأسعار، فضلاً عن الكميات الكبيرة التي يوفرونها، لذا صار يعتمد أكثر على البيع المباشر للمواطنين في الأسواق الشعبية.
الصورة
من داخل سوق الأسماك في طرابلس، أيار 2024 (محمود تركية/فرانس برس)
ويتفق الصياد خيري فكرون، من مدينة زوارة في أقصى الغرب، مع بن عجال، مؤكداً أنّ “التأثير السلبي للصيد بالمتفجرات على البيئة البحرية أصبح جلياً مع اختفاء العديد من أنواع الأسماك، والتي تهجر السواحل الليبية نتيجة المخلفات الناتجة عن المتفجرات، والتدمير الذي يطاول مصادر غذائها الأساسية. أصناف مثل الوراتة، والقاروص، والتونة، والصاورا، والقاجوج باتت تقل أعدادها بشكل متزايد، رغم كثافتها التاريخية في بحر ليبيا”.
ويشير فكرون إلى أنّ “تداعيات الصيد الجائر لا تقتصر على البيئة، بل تطاول السوق المحلي أيضاً، فقد ارتفعت أسعار الأسماك نتيجة تراجع الكميات المعروضة، وارتفاع تكاليف تشغيل مراكب الصيد القانونية، والكثير من الأسر التي أقابلها في السوق تؤكد تراجع استهلاكها من الأسماك، وبعدما كانت وجبة معتادة ومتكررة، صارت تستهلك مرة كل شهر أو شهرين”. ويضيف: “المشكلة لا تكمن في ضعف العقوبات فقط، بل في غياب الرقابة، فالقانون الليبي، ورغم نصه على تجريم استخدام المتفجرات في الصيد، لا يفرض سوى غرامة مالية، والتفجير الواحد يمكن أن يحقق لصاحبه أضعاف قيمة الغرامة خلال ساعات قليلة، ما يجعل الردع بلا جدوى، كما أنّ غياب الأجهزة الرقابية يشجع على انتشار قوارب الصيد غير المرخصة، والتي تواصل استهداف الأسماك حتى في مواسم تكاثرها، ما يهدد بفناء الثروة البحرية”.
من جانبه، يوضح أستاذ علوم البيئة، سعد الشويهدي، لـ”العربي الجديد”، أن “مخاطر المتفجرات تتجاوز قتل الأسماك لتصل إلى تلويث أعماق البحر حيث الأعشاب البحرية والإسفنج والطحالب، وغيرها من الموائل الطبيعية التي تشكل البيئة الحاضنة للتكاثر والغذاء. تراجع هذه المكونات يفسر غياب أنواع مثل أرنب البحر، وسمك الببغاء، واللذين كانا يزدهران في الساحل الليبي، كما أن تدهور المنظومات الطبيعية يؤثر مباشرة على نقاء البيئة البحرية، ويرفع مستويات التلوث فيها”.
يتابع الشويهدي: “القوارب غير المرخصة أحد أسباب التلوث، إذ تخلف زيوتاً ومخلفات وقود نتيجة عدم التزامها بالقوانين، ما يزيد حجم الكارثة البيئية. القضية لم تعد مجرد صراع من أجل مصادر الرزق، بل صارت معركة للحفاظ على النظام البيئي، فكل تفجير يرفع مستويات المواد الكيميائية التي تولد سموماً يصعب التخلص منها، ويزيد ذلك المخاطر الصحية على المستهلكين بالتزامن مع غياب الرقابة على مصادر الأسماك المعروضة في الأسواق، ما يجعل الخطر غير مقتصر على البحر، بل وصل إلى موائد المواطنين”.
وبينما يرى الأكاديمي الليبي أنّ “الحل يبدأ بتحديث التشريعات وتشديد العقوبات، وتطبيقها بصرامة، إلى جانب إطلاق دوريات مراقبة مكثفة على طول الساحل”، فإنه يطالب وسائل الإعلام بالانضمام إلى حملات التوعية التي تهدف إلى حماية الحياة البحرية، إضافة إلى ضرورة تعزيز الوعي الأخلاقي لدى الصيادين، والوعي الصحي لدى المواطنين حيال المخاطر التي تهدد حياتهم من جراء استهلاك أسماك ملوثة.
منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.
في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.
وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.
المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.
منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.
في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.
وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.
المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.
منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.
في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.
وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.
المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.