قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي

قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي

في الأول من أيلول/ أيلول 1969 أطاح انقلاب عسكري بقيادة معمر القذافي بالنظام الملكي في ليبيا بينما كان الملك محمد إدريس السنوسي يتلقى العلاج في تركيا، فمن هو محمد إدريس السنوسي؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن محمد إدريس السنوسي أو إدريس الأول وُلد في 13 آذار/ آذار من عام 1890 في جغبوب في برقة بليبيا، وتوفي في 25 أيار/ آيار من عام 1983 في العاصمة المصرية القاهرة، وكان أول ملك لليبيا عندما نالت استقلالها عام 1951.

  • إعلان استقلال ليبيا وتتويج الملك السنوسي 1951
  • “ليبيا إدريس”.. حكاية شابة كان اسمها ممنوعا في عهد القذافي

البدايات والاستعمار الإيطالي

ترعرع محمد إدريس المهدي السنوسي في جغبوب، المعقل الروحي للطريقة السنوسية، وهو الابن الأكبر لمحمد المهدي السنوسي وحفيد مؤسس الطريقة الإمام محمد بن علي السنوسي.

ويقول الكاتب علي عبد اللطيف حميدة في كتاب “المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا” إن السنوسي نشأ في بيئة دينية متأثرة بالتصوف والإصلاح الإسلامي، حيث كان للسنوسية دور كبير في نشر الدعوة والتعليم الديني في الصحراء الكبرى وربط القبائل الليبية بروابط دينية واجتماعية وثيقة.

ومنذ صغره، تشرّب إدريس قيم الزهد والالتزام الديني والانضباط التي ميّزت رجال الدعوة السنوسية، وهو ما هيأه لاحقاً لقيادة الحركة في مرحلة دقيقة من تاريخ ليبيا.

وفي عام 1902، توفي الأب لكن الأبن لم يتول الزعامة مباشرة لأنه كان صغيراً، فقد انتقلت زعامة الطريقة أولاً إلى ابن عمه، أحمد الشريف.

وبعد أن تولى إدريس القيادة بمفرده بعد عام 1916، كانت أول مشكلة واجهها هي التعامل مع الإيطاليين، الذين غزوا ليبيا في عام 1911 في محاولة لإنشاء إمبراطورية شمال أفريقية، لكنهم لم يتمكنوا من بسط سلطتهم إلى ما وراء الساحل.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه بعد احتلال الإيطاليين لليبيا عام 1911 واجهوا مقاومة طويلة الأمد من قبل السنوسيين في برقة، وهي المقاومة التي حرمتهم من السيطرة التامة على البلاد حتى عام 1931، عندما أسروا وأعدموا قائد المقاومة السنوسية المسلحة لأكثر من 20 عاما عمر المختار.

وقد شهدت ليبيا عقب الاحتلال الإيطالي عددا من المعارك الكبيرة بين المقاومة بقيادة المختار والقوات الإيطالية، منها معركة درنة فى أيار/آيار عام 1913 التي دامت يومين، وانتهت بمقتل 70 جندياً إيطالياً وإصابة نحو 400 آخرين، ومعركة بوشمال عند عين ماره فى تشرين الأول/تشرين الأول عام 1913، فضلا عن معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة في شباط/شباط عام، 1914 والتي كان يتنقل خلالها المختار بين جبهات القتال ويقود المعارك.

وكان إدريس السنوسي رغم صغر سنه في عام 1911، مرجعية معنوية للمجاهدين، غير أن موقعه كزعيم ديني جعله أكثر ميلاً للتفاوض أحياناً من خوض المعارك المباشرة، وهو ما ظهر في اتفاقياته مع الإيطاليين لاحقاً.

تولى عمر المختار قيادة المقاومة المسلحة ضد الإيطاليين
تولى عمر المختار قيادة المقاومة المسلحة ضد الإيطاليين
  • حقائق ومعلومات عن ليبيا
  • ليبيا: التاريخ الاستعماري الايطالي ملطخ بالدماء

وبموجب صلح عكرمة في عام 1917 ضمن إدريس وقف إطلاق النار، وبالتالي تأكيد سلطته في برقة الداخلية، وأُبرمت اتفاقية أخرى عام 1919، وأُنشئ بموجبها برلمان برقة، وحصل إدريس وأتباعه على منحة مالية.

وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى، تحولت السنوسية إلى قوة إقليمية بعد أن دخلت في تحالف مع الدولة العثمانية وألمانيا ضد بريطانيا وإيطاليا، ولعب إدريس السنوسي دوراً سياسياً مهماً في إدارة هذا الوضع، خاصة وأن السنوسيين دخلوا في مواجهة مع القوات البريطانية في مصر والسودان.

لكن مع نهاية الحرب، أدرك إدريس أن موازين القوى العالمية قد تغيرت وأن الاستعمار الأوروبي أصبح واقعاً لا يمكن هزيمته بسهولة، وهو ما دفعه لاحقاً إلى انتهاج سياسة أكثر براغماتية مع إيطاليا وبريطانيا.

وفي عام 1920، وقّع إدريس معاهدات مع الإيطاليين اعترفت به أميراً على برقة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الوطنيين الليبيين، فالبعض اعتبر ذلك تنازلاً، فيما رأى آخرون أنها خطوة ذكية لحماية برقة والحفاظ على نوع من الحكم الذاتي.

وبالفعل، استطاع إدريس أن يؤسس نظاماً إدارياً منظماً في برقة، مستنداً إلى المؤسسات السنوسية والتقاليد القبلية، مما جعل برقة تتمتع بشيء من الاستقرار مقارنة ببقية ليبيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال المباشر. وذلك بحسب الكاتب محمد الطيب الأشهب في “كتابه السنوسية وحركة التحرر في ليبيا”.

الفاشية والحرب العالمية الثانية

غير أن هذا التوازن لم يدم طويلاً، فمع صعود الفاشية في إيطاليا بقيادة موسوليني وإحكام قبضته على الحكم في تشرين الأول/ تشرين الأول من عام 1922 انهارت التفاهمات السابقة، وشنّ الإيطاليون حرباً شرسة على المقاومة الليبية، خاصة في برقة بقيادة عمر المختار.

وفي هذه المرحلة، غادر إدريس السنوسي إلى مصر عام 1923، ليعيش في المنفى لسنوات طويلة، ولكنه ظل يمثل القيادة السياسية، فيما تولى عمر المختار قيادة الكفاح المسلح، وهكذا توزعت أدوار القيادة بين المنفى والميدان لكن الهدف ظل واحداً وهو مقاومة الاستعمار.

وعلى الأرض في ليبيا، أرادت إيطاليا أن تمنع طريق الإمداد على المقاومة فاحتلت واحة جغبوب، لكن ذلك لم يحل دون تصاعد عمليات المقاومة، مما دفع موسولينى لتعيين بادوليو حاكما عسكريا لليبيا في كانون الثاني/كانون الثاني عام 1929.

موسوليني يلقي خطبة في حشد من مؤيديه في روما عام 1936
موسوليني يلقي خطبة في حشد من مؤيديه في روما عام 1936

وقد أعرب بادوليو عن رغبته في التفاوض مع المختار الذي استجاب لذلك وتم إبرام هدنة مدتها شهرين.

وفي كتابه “عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء” يقول محمد محمود إسماعيل، إن المختار نشر رسالة إلى الليبيين في ذلك الوقت قال فيها، إنه وافق على تلك الهدنة مقابل عودة الأمير محمد إدريس السنوسي، وانسحاب الإيطاليين من جغبوب، والعفو العام عن كل المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم.

ولم ينفذ الإيطاليون بنود الهدنة، وقبل نهايتها طالبوا بتمديدها بحجة سفر بادوليو لروما، فمددت لعشرة أيام وعشرين يوما.

وهكذا عندما اكتشف عمر المختار أن الإيطاليين يريدون كسب الوقت صعد من عمليات المقاومة فعين موسولينى الجنرال غراتسيانى محل بادوليو ، وفى 1931 سقطت منطقة الكفرة بأيدي الإيطاليين الذين شددوا ضغوطهم على المختار.

وفي 11 أيلول / أيلول 1931 نجح الإيطاليون في أسر عمر المختار بعد معركة قتل فيها جواده وتحطمت نظارته.

وبعدها بثلاثة أيام في 14 أيلول / أيلول، وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة في 15 أيلول / أيلول 1931، وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد لمحاكمة عمر المختار صدر الحكم عليه بالإعدام شنقا.

  • موسوليني: قصة حليف هتلر الذي اعتبره الكثيرون “رجلا خارقا

أما في مصر، فقد أقام إدريس شبكة علاقات سياسية ودبلوماسية مهمة، إذ استطاع بصفته أمير برقة وزعيماً للسنوسية أن يكسب ود الحكومة المصرية والبريطانيين.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، عاد إلى الواجهة من جديد، حيث تحالف مع بريطانيا ضد إيطاليا وألمانيا، وقد شكّلت القوات السنوسية المعروفة بـ “الجيش السنوسي” جزءاً من قوات الحلفاء في شمال أفريقيا، ولعبت دوراً في المعارك ضد قوات المحور.

وقد عزز هذا التحالف مع بريطانيا موقع إدريس السياسي، ومهّد الطريق لاعتراف دولي به كزعيم ليبي بعد الحرب.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت ليبيا تحت إدارة بريطانية وفرنسية مؤقتة، وكانت قضية استقلالها مطروحة على طاولة الأمم المتحدة.

الاستقلال وقيام المملكة

الملك إدريس الأول ملك ليبيا يفتتح في بنغازي مراسم أول برلمان ليبي في آذار 1952
الملك إدريس الأول ملك ليبيا يفتتح في بنغازي مراسم أول برلمان ليبي في آذار 1952

وقد برز آنذاك إدريس السنوسي باعتباره الشخصية الأقدر على جمع شتات الليبيين والتحدث باسمهم.

وبالفعل، استطاع أن يقود المسار التفاوضي في الأمم المتحدة، حيث صدر القرار التاريخي بمنح ليبيا استقلالها في 21 تشرين الثاني/ تشرين الثاني من عام 1949، لتصبح أول دولة في أفريقيا تنال استقلالها عبر الأمم المتحدة، وقد كان هذا الإنجاز ثمرة سنوات طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي الذي قاده إدريس بحنكة وهدوء، وذلك بحسب ما ورد في كتاب “ليبيا بين الماضي والحاضر” لمحمد يوسف المقريف.

وفي 24 كانون الأول/ كانون الأول من عام 1951، أُعلن استقلال ليبيا رسمياً تحت اسم “المملكة الليبية المتحدة”، ونُصّب محمد إدريس السنوسي ملكاً عليها.

وبذلك، أصبح أول ملك لليبيا الحديثة، جامعاً بين ولاياتها الثلاث وهي برقة وطرابلس وفزان، وقد تميز حكمه منذ البداية بالسعي لتحقيق التوازن بين الأقاليم الثلاثة التي كانت مختلفة في تركيبتها السياسية والاجتماعية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في عهد إدريس، كان للعرش نفوذٌ مُهيمنٌ على البرلمان وسيطرةٌ مُطلقةٌ على الجيش، وكانت الحكومة من سكان المدن الأثرياء وزعماء القبائل الأقوياء الذين تقاسموا المناصب الإدارية المهمة فيما بينهم ودعموا الملك.

وهذا الوضع، إلى جانب الدعم الخارجي من القوى الغربية والدعم العسكري الداخلي من رجال القبائل الموالين له، مكّن إدريس من السيطرة على شؤون الحكومة المركزية.

التحديات وانقلاب القذافي

وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واجه الملك إدريس تحديات صعبة، أبرزها ضعف البنية الاقتصادية وندرة الموارد قبل اكتشاف النفط، فقد كانت ليبيا من أفقر دول العالم آنذاك، وتعتمد على المساعدات الدولية، خصوصاً البريطانية والأمريكية.

وقد سمح إدريس بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية على الأراضي الليبية مقابل الدعم المالي، ورغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه السياسة، إلا أنها ساعدت على استقرار المملكة حتى اكتشاف النفط في أواخر الخمسينيات.

ومع اكتشاف النفط، شهدت ليبيا تحولاً جذرياً، حيث تدفقت الثروات وبدأت مشاريع تنمية واسعة، غير أن ضعف المؤسسات، وانتشار الفساد في بعض الدوائر، إضافة إلى تمسك الملك بالأسلوب المحافظ في الحكم، جعلت الإصلاحات محدودة، كما أن تراجع صحة الملك وتقدمه في السن جعلاه أكثر اعتماداً على الدائرة الضيقة من مستشاريه، وهو ما خلق فجوة بين السلطة والشباب المتطلع إلى التغيير.

القذافي عقب انقلابه عام 1969
القذافي عقب انقلابه عام 1969

وفي السياسة الخارجية، تبنى الملك إدريس خطاً معتدلاً، معتمداً على التحالف مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنه في الوقت نفسه لم يعارض التعاون مع العالم العربي، إذ انضمت ليبيا إلى جامعة الدول العربية وشاركت في بعض المواقف القومية، وإن كانت بحذر شديد، وقد جعل هذا الموقف المتوازن ليبيا في منأى عن الصراعات الإقليمية الكبرى، لكنه عرّضها أيضاً لانتقادات التيار القومي العربي الذي كان يرى في إدريس ملكاً محافظاً قريباً من الغرب أكثر من اللازم.

  • معمر القذافي: أين انتهى المطاف بأفراد أسرته؟
  • شجرة عائلة معمر القذافي

ومع هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/ حزيران من عام 1967، تصاعدت الضغوط الداخلية على النظام الملكي في ليبيا، فقد خرجت المظاهرات في طرابلس وبنغازي مطالبة بإغلاق القواعد الأجنبية، وهو ما استجاب له الملك إدريس، إذ أعلن إلغاء القواعد البريطانية والأمريكية بحلول 1970، غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاحتواء الغضب الشعبي، خاصة وأن المد القومي الناصري كان في أوجه.

وفي أيلول/أيلول 1969، بينما كان إدريس يتلقى العلاج في منتجع تركي، انقلب الجيش بقيادة معمر القذافي على الحكومة، فسافر إدريس أولًا إلى اليونان، ثم مُنح اللجوء السياسي في مصر.

وفي عام 1974، حوكم غيابيًا بتهم فساد، وأُدين، وظل في المنفى في القاهرة حتى وفاته في في 25 أيار/ آيار من عام 1983.

إرث متناقض

لقد رحل الملك إدريس السنوسي تاركاً إرثاً متناقضاً، فقد كان بطل الاستقلال ورمز توحيد ليبيا، لكنه في الوقت نفسه عُرف بحكم محافظ لم يحقق إصلاحات سياسية كبرى.

إن إرث إدريس يعكس التناقضات التي عاشتها ليبيا في القرن العشرين بين الدين والسياسة، وبين القبيلة والدولة، وبين الشرق والغرب، وبين المحافظة والتجديد، فقد جاء من بيئة سنوسية صوفية محافظة، لكنه تعامل ببراغماتية مع القوى الكبرى، وحكم في زمن يهيمن عليه الخطاب القومي الثوري، لكنه ظل متمسكاً بالاعتدال والتحالف مع الغرب.

وهكذا، بعد أكثر من نصف قرن على سقوط حكمه، ما زال اسم إدريس السنوسي يعود إلى النقاش كلما طرحت مسألة الشرعية والهوية الوطنية في ليبيا، فالبعض يستحضر ذكراه بوصفه رمزاً للاستقرار والوحدة، في مقابل عقود من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا بعده، والبعض الآخر يعتبر أن عهده كان بداية ضياع فرصة بناء دولة حديثة قوية.

وبين هذا وذاك، تبقى سيرته شاهداً على مرحلة تأسيسية في تاريخ ليبيا، حين خرج بلد فقير ممزق من سيطرة الاستعمار ليولد كدولة مستقلة.

ولعل كل ذلك ما يجعل صورته معقدة، فهو ليس بطلاً ثورياً على شاكلة عبد الناصر، لكنه أيضاً لم يكن مجرد دمية بيد الاستعمار، بل رجل توازنات حاول أن يحمي بلاده بأدوات السياسة الواقعية.

رئيس الاتحاد الليبي يثور: من يرفض تلبية الدعوة سيحال إلى الاعتزال

رئيس الاتحاد الليبي يثور: من يرفض تلبية الدعوة سيحال إلى الاعتزال

أخذت قضية رفض تلبية دعوة المنتخب الليبي منحى تصاعدياً، بعدما ثار رئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم عبد المولى المغربي (60 عاماً) على اللاعبين الذين رفضوا الدفاع عن ألوان ليبيا في المباريات الدولية، ولوّح بعقوبات صارمة. وأكد المغربي أن من يرفض الاستجابة للاستدعاء لن يُسمح له باللعب مع ناديه، وسيحال إلى الاعتزال، ودعا المخالفين إلى اتخاذ موقف واضح وتحمل المسؤولية تجاه الوطن.

وتغيّرت لهجة المغربي، الذي ظهر في مقطع فيديو اليوم الأحد، بعدما كان قد اكتفى في وقت سابق بالتلويح بمعاقبة اللاعبين فقط. هذه المرة ارتفعت حدة العقوبات لتشمل الأندية نفسها، بعد حصوله على موافقة الاتحاد الليبي لكرة القدم والهيئات الحكومية، باعتبار أن الأمر تجاوز حدود الرياضة وأصبح مرتبطاً بواجب وطني لا يقبل الإخلال به، خصوصاً في لعبة تحظى بأهمية كبيرة مثل كرة القدم.

وقال عبد المولى المغربي: “المدرب استدعى لاعبين من أندية معينة، لكنهم رفضوا تلبية الدعوة. في السابق، كنا نلتزم الصمت، أما الآن، فقد أقررنا العقوبات: اللاعب سيُحرم من ثلاث مباريات، ويُغرَّم 25 ألف دينار، وإذا شارك، فإن فريقه سيُعتبر خاسراً بنتيجة هدفين دون مقابل. إذا لم ترد ليبيا، فليبيا لا تريدك. وإذا رفضت بلدك، فبلدك يرفضك. ستُعاقب وتدفع المال، وتُوزَّع الغرامة على من لبّى الدعوة”.

وعلى غير عادته، ظهر المغربي غاضباً وهو يقول: “ليبيا فوق الجميع، وعندما نتحدث عنها يجب أن يكون الخطاب وطنياً خالصاً، فهذا وطننا. أتمنى أن يتحمل اللاعبون مسؤولياتهم، حتى إن كانوا مصابين، فلدينا الكفاءات والقدرة على علاجهم. نتلقى الدعم من المسؤولين والقيادات ووزارة الرياضة، وقد صدر قرار يقضي بإحالة كل من يرفض تلبية الدعوة إلى الاعتزال. يجب أن نكون حازمين مع هؤلاء المتخاذلين”.

ويغادر المنتخب الليبي، الثلاثاء، إلى أنغولا لخوض مباراة الجولة السابعة من تصفيات كأس العالم 2026، على أن يستضيف لاحقاً منتخب إسواتيني، قبل أن يختتم مشواره في تشرين الأول/تشرين الأول بمواجهتي جزر الرأس الأخضر وموريشيوس. وتبقى حظوظ “فرسان المتوسط” في المنافسة قائمة، إذ يحتلون المركز الثالث في المجموعة خلف جزر الرأس الأخضر والكاميرون.

ومع اشتداد لهجة الاتحاد الليبي وتلويحه بعقوبات غير مسبوقة، يدخل “فرسان المتوسط” مرحلة حساسة في تصفيات المونديال، بين تحديات الانضباط داخل البيت الكروي، وطموح جماهير تنتظر رؤية منتخبها ينافس بقوة على بطاقة العبور إلى كأس العالم 2026.

خطوط عريضة للتهدئة في طرابلس عقب اجتماع المنفي والدبيبة برعاية أممية

خطوط عريضة للتهدئة في طرابلس عقب اجتماع المنفي والدبيبة برعاية أممية

نجح اجتماع جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بحضور عدد من القيادات العسكرية، في التوصل إلى خطوط عريضة لتهدئة التصعيد والتوتر اللذين تشهدهما العاصمة طرابلس منذ أيام، فيما يُنتظر أن ينتقل هذا الاتفاق إلى التنفيذ خلال الأيام المقبلة.

وكشفت مصادر ليبية متطابقة حكومية وأخرى مقربة من المجلس الرئاسي أن البعثة الأممية نسّقت لقاء جمع المنفي والدبيبة، ليل أمس السبت، في العاصمة طرابلس، بحضور ممثلين عن قوة فض النزاع التابعة لرئاسة الأركان، لمناقشة شروط الحكومة الخاصة بوضع جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، مؤكدة أن الاجتماع انتهى إلى وضع خطوط عريضة لهيكلة كل التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس بما يتوافق مع التشريعات الليبية والمعايير الدولية.

وتنطلق الحكومة في موقفها ضد جهاز الردع من مشروعها الذي سبق أن أعلنته، منتصف أيار/أيار الماضي، تحت شعار “استعادة سلطان الدولة”، الذي تهدف من خلاله إلى إخضاع جميع التشكيلات المسلحة في العاصمة لسلطتها المباشرة، وضمان تسليم المؤسسات الحيوية للدولة، بما فيها المطار والميناء وسجن معيتيقة، ما جعل جهاز الردع الذي يسيطر على هذه المؤسسات بمعزل عن الحكومة، وفي قلب الخلاف معها، بسبب تحفظاته على التخلي عن هذه المؤسسات التي تشكل أوراق قوته الاستراتيجية.

وأفادت المصادر “العربي الجديد” بأن المنفي والدبيبة اتفقا على بناء الخطوط العريضة من دون الدخول في التفاصيل. وذكر أحد المصادر أن جهاز الردع لا يزال يتحفظ على تسليم كامل المؤسسات التي تقع تحت سيطرته، باستثناء سجن معيتيقة الذي وافق على تسليمه لوزارة العدل، فيما اشترط للموافقة على بقية الشروط تعميم تطبيقها على كل التشكيلات المسلحة الأخرى المنضوية تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع.

ويأتي هذا الاجتماع بعد أيام من احتقان وتوتر أمني شديد شهدته طرابلس منذ يوم الخميس الماضي، عقب توافد حشود عسكرية من مصراتة، شرق المدينة، ومن غريان، غربها، ضمن استعدادات لتحرك محتمل نحو قاعدة معيتيقة، شمالي المدينة، المعقل الرئيسي لجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي.

وأدى هذا التحشيد إلى تصاعد التوتر بشكل كبير، حيث أصدر أهالي تاجوراء، شرقي العاصمة، بياناً رفضوا فيه أن تكون منطقتهم ممراً للقوات المسلحة، محذرين من أن تمركز أي قوة بينهم يعد اعتداء على سكانها. وفي اليوم نفسه، أصدر أهالي سوق الجمعة بياناً أعلنوا فيه تضامنهم مع تاجوراء ورفضوا إشعال فتيل الحرب في العاصمة، داعين البعثة الأممية إلى التدخل وإيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق المدينة نحو مواجهة مسلحة جديدة.

وأشارت المصادر نفسها إلى أن الاجتماع بين المنفي والدبيبة جاء بعد جهود مكثفة بذلتها البعثة الأممية ووساطات اجتماعية منذ الجمعة الماضي، شملت اتصالات بين شخصيات اجتماعية وأخرى على صلة بالتشكيلات المسلحة في طرابلس، لتقريب وجهات النظر بين الحكومة وجهاز الردع ووقف أي تحركات عسكرية لتجنيب المدينة مواجهات جديدة.

وأصدرت البعثة الأممية، مساء أمس السبت، بياناً أكدت فيه إحراز تقدم في المحادثات المتعلقة بالترتيبات الأمنية في طرابلس، مشيرة إلى استمرار الحوار تحت رعاية المجلس الرئاسي وبدعم مباشر منها. ولفت البيان إلى أن الحوار يشمل لجنة الهدنة ولجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية، وأحرز تقدماً في عدد من القضايا التي تهم حكومة الوحدة الوطنية.

وحذرت البعثة من أن استمرار حشد القوات والأسلحة الثقيلة حول العاصمة يمثل “تطوراً خطيراً”، محذرة من أن أي عمل ينطوي على استخدام القوة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، قد يؤدي إلى مواجهات عنيفة. ودعت جميع الأطراف إلى مواصلة الحوار لمآذارة أقصى درجات ضبط النفس وحماية المدنيين، مؤكدة التزامها بالعمل مع الأطراف الرئيسية لمعالجة التحديات وضمان استدامة الهدنة، وذكّرت بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين.

في الأثناء، تناقلت وسائل إعلام محلية مشاهد مرئية تظهر وصول أرتال كبيرة من قوات الكتيبة 166 للحماية والحراسة، التابعة لرئاسة الأركان العامة، إلى طرابلس لتعزيز مواقعها، بوصفها قوة مكلفة من المجلس الرئاسي بالانتشار في مواقع التماس بين قوات الحكومة وقوة جهاز الردع في أحياء وسط العاصمة.

وفي وقت متأخر من مساء الخميس الماضي، أكد آمر الكتيبة 166 للحراسة والحماية التابعة لرئاسة الأركان محمد الحصان، على حسابه في فيسبوك، أن وحداته لا تزال متمركزة في مواقعها المخصصة لأداء المهام الموكلة إليها في فض أي اشتباكات محتملة. ونفى الحصان صحة الأخبار التي تحدثت عن انسحاب قوات الكتيبة أو اقتحام مقرها وسرقة آلياتها. وأضاف: “الكتيبة ستبقى في صفوف السلام الأولى”، في رسالة تهدف إلى طمأنة المواطنين والمجتمع الدولي على استمرار دورها في حماية المدينة ومنع انزلاقها نحو مواجهات جديدة.

وتعود جذور هذا التوتر إلى مواجهات مسلحة اندلعت منتصف أيار/أيار الماضي بين قوات الحكومة وقوة الردع، بعد يوم من تمكن قوات الحكومة من إطاحة جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبو سليم، وسط العاصمة، لكن المواجهة مع الردع لم تنته بالحسم لصالح الحكومة التي أعلنت بعد ساعات من القتال الضاري عن وقف إطلاق النار، إلا أن الدبيبة واصل في مناسبات عدة توجيه اتهامات لجهاز الردع، واصفاً إياه بـ”المليشيا الخارجة عن القانون” و”دولة داخل الدولة”، مشدداً على ضرورة حلها لاستعادة الدولة سيادتها على مؤسساتها الاستراتيجية.

ويُعد جهاز الردع، التابع للمجلس الرئاسي، ثاني أكبر قوة مسلحة في العاصمة إلى جانب قوة جهاز دعم الاستقرار السابقة. ووفقاً للصلاحيات المعلنة لجهاز الردع، فهو جهاز يشرف على تنفيذ الأحكام القضائية وإجراءات الاعتقال في السجون الخاضعة له، لكن تقارير خبراء الأمم المتحدة كشفت عن مآذارة الجهاز انتهاكات واسعة للسجناء داخل معاقله، كما أن قوة الشرطة القضائية، أبرز أذرع الجهاز، أصدرت بحق قائده أسامة نجيم مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في كانون الثاني الماضي بتهم انتهاكات واسعة في السجون.

يشار إلى أن المنفي سبق أن أعلن، مطلع حزيران/ حزيران الماضي، عن تشكيل لجنتين، الأولى للترتيبات الأمنية والعسكرية في طرابلس، والثانية لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز، بالتنسيق مع الحكومة، لوضع خطة شاملة للترتيبات الأمنية، وتمكين الجهات النظامية من أداء مهامها، وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، وتعزيز سلطة الدولة، وترسيخ الأمن والاستقرار، وتكريس سيادة القانون، وفقاً لنص قرار المنفي، إلا أنها لم تتمكن من إحراز أي تقدم في ظل استمرار الخلافات بين الحكومة وجهاز الردع وصولاً إلى التصعيد والتوتر الحاليين.

وتتنفذ في العاصمة العديد من القوى المسلحة، إلا أن أبرزها تتبع وزارتي الداخلية والدفاع في الحكومة، كاللواء 444 واللواء 111 التابعين لوزارة الدفاع، وقوة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، فيما بقي جهاز الردع القوة المسلحة الوحيدة التي لا تخضع لسلطة الحكومة، بعد إطاحة جهاز دعم الاستقرار، إذ يتبع الجهازان المجلس الرئاسي.

ليبيا: استطلاع حكومي حول وزن الحقيبة المدرسية

ليبيا: استطلاع حكومي حول وزن الحقيبة المدرسية

أطلقت وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية الليبية استطلاعاً للرأي العام يهدف إلى رصد آراء أولياء الأمور والمعلمين والمهتمين بالشأنين التربوي والصحي بشأن وزن الحقيبة المدرسية، وما يترتب عليه من آثار سلبية على صحة التلاميذ، خصوصاً في مراحل النمو المبكرة.
وأكدت الوزارة، في بيان، أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرصها على تعزيز البيئة التعليمية، وضمان سلامة الطلبة، مشيرة إلى أن “الحِمل الزائد للحقائب المدرسية قد يؤدي إلى مشكلات صحية من بينها تشوهات العمود الفقري وإجهاد العضلات، ما يجعل من الضروري البحث عن حلول واقعية مستدامة لا تؤثر في جودة التعليم”.

ويتناول الاستطلاع عدداً من المحاور، من أبرزها تقييم مدى تأثير وزن الحقيبة على صحة التلاميذ، واستعراض المقترحات الممكنة لتخفيف هذا العبء، مثل تقليص المناهج الدراسية، وتوفير خزائن شخصية في المدارس لحفظ الكتب، وتنظيم الجداول الدراسية بصورة أكثر فاعلية، إلى جانب مقترحات أخرى.
ودعت الوزارة المواطنين كافة، لا سيما أولياء الأمور والمعلمين، إلى المشاركة بآرائهم وملاحظاتهم في الاستطلاع، مؤكدة أنّ النتائج التي ستُجمع ستسهم في دعم خططها الرامية إلى توفير بيئة تعليمية صحية وآمنة تراعي المعايير التربوية الحديثة.
وفي مطلع شهر آب/آب، طرحت الوزارة استطلاعاً آخر لأخذ آراء المواطنين بشأن مقترح إلغاء الشهادة الإعدادية، في خطوات تسعى من خلالها إلى إشراك أولياء الأمور في القرارات التي تعتزم اتخاذها حول مسار العملية التعليمية، رغم الانتقادات الكبيرة التي قوبل بها الاستطلاع.
وترى المسؤولة في إدارة الصحة المدرسية وفاء حقيق أن مسألة الوزن الزائد للحقيبة المدرسية ليست قضية شكلية يمكن التغاضي عنها، بل إنها، قبل أن تكون شأناً صحياً، شأن تربوي يتصل مباشرة بعلاقة الطالب مع الكتاب وأدوات التعليم. وتؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ “الرأي الطبي لا يحتاج توضيحاً في إسهام ثقل الحقيبة في الشعور بآلام متكررة في الظهر والكتفين، وانحناءات غير طبيعية في العمود الفقري قد ترافق الطفل على المدى البعيد، علاوة على مشاهدتنا أطفالاً في حالة إعياء جسدي من جراء حمل الكتب الثقيلة، وحالة الإعياء هذه تنعكس على تركيز الطفل، وتضعف انتباهه داخل الفصل”.

يشكو أهالي تلاميذ ليبيا من ضعف مستوى المدارس (عبد الله دوما/فرانس برس)

يشكو أهالي تلاميذ ليبيا من تردي المدارس (عبد الله دوما/فرانس برس)

وتشدد حقيق على ضرورة أن تتحلى الوزارة بالجدية لمعالجة المشكلة، موضحة أنّ “الجدية لا تقتصر على طلب تقليص الجدول الدراسي اليومي، بل تنطلق من مراجعة جذرية لطبيعة المناهج، ليتم التخلص من الحشو والتكرار، ليتقلص حجم الكتب الدراسية، وبالتالي يخف وزنها، إضافة الى الاستفادة من التعليم الإلكتروني الذي يمكن أن يقلل اعتماد الطلاب على الكتب المطبوعة”.
من جانب أولياء الأمور، يؤيد عمران المغزازي الخطوة، ويعتبر أنها تعكس اهتمام الوزارة بصحة الطلاب، مؤكداً أن أطفاله، الذين يدرس أحدهم في الصف الخامس الابتدائي، يشكون باستمرار من ثقل الحقيبة المدرسية، رغم أنه يساعد في نقلها إلى باب المدرسة. ويضيف لـ”العربي الجديد” أن “تخفيف العبء على الأطفال يجب أن يواكبه تقليص عدد الكراسات المنزلية التي يكثر المعلمين من فرضها عليهم، مع ضرورة اعتماد المدارس التقليد القائم في المدارس حول العالم، وهو توفير خزائن لحفظ الكتب، وتقليل ما يحمله الطالب إلى منزله، على أن ترافق ذلك برامج توعية للطلاب وأولياء الأمور حول طريقة حمل الحقيبة بشكل لا يؤثر على صحة الطالب”.

في المقابل، ينتقد محمد شلّوف طرح القضية على أولياء الأمور لمعرفة رأيهم، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “سوف أبادر بطرح رأيي، وإن كان الدافع هو صحة الطالب، فالأولى أن تنظر الوزارة إلى الاكتظاظ الذي تعاني منه الفصول الدراسية إلى حد أنها تصبح بؤراً للعدوى، وعليها الاعتناء بإصلاح دورات المياه التي تقتفر إليها بعض المدراس، كما أنّ عليها النظر في مدارس يشتكي طلابها ومعلموها من برد الشتاء بسبب عدم وجود نوافذ”.
يضيف شلّوف: “الاستطلاعات وما تطرحه من قضايا مجرد محاولة لامتصاص الاستياء حيال القصور الحكومي في كل شيء، من غياب المعلم المؤهل، والمدرسة المناسبة، والكتاب المدرسي الذي يتأخر أسابيع وربما أشهراً. نطالب بخطة إصلاح شاملة للعملية التعليمية بما يضمن مخرجات ذات جودة عالية”.

منصة حجز العملة الأجنبية في ليبيا بين تنظيم السوق وتحديات الاقتصاد

منصة حجز العملة الأجنبية في ليبيا بين تنظيم السوق وتحديات الاقتصاد

يعيش الاقتصاد الليبي منذ أكثر من عقد في دوامة من الاضطرابات السياسية والانقسامات المؤسساتية، انعكست بصورة مباشرة على الحياة اليومية للمواطن وأثقلت كاهله بالضغوط المعيشية. فرغم أن ليبيا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا وتعتمد بنسبة تفوق 90% على صادرات النفط لتمويل موازنتها العامة، وفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن هذا الاعتماد الأحادي على النفط جعلها شديدة الهشاشة أمام أي تقلبات سياسية أو نزاعات مسلحة تؤدي إلى إغلاق الحقول والموانئ، وهو ما تسبب في تذبذب الإنتاج وتراجع الإيرادات بشكل متكرر.

هذا الواقع الاقتصادي المعقد ترافق مع عجز مزمن في الموازنة العامة، ومع وجود نظام مالي مزدوج بين شرق البلاد وغربها، وهو ما جعل البنك المركزي الليبي -بوصفه أعلى سلطة نقدية- في قلب صراع سياسي واقتصادي مفتوح بين الأطراف المتنافسة.

ومطلع نيسان/نيسان الماضي، أعلن المصرف خفض قيمة الدينار بنسبة 13.3% مقابل الدولار، ليرتفع السعر الرسمي من 4.48 إلى 5.5677 دنانير للدولار الواحد.

وجاءت هذه الخطوة عقب تسوية أزمة إدارية حادة شهدها المصرف أواخر 2024، حين تنازع جناحان على منصب المحافظ وأدارا سياسات متضاربة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق مؤقت أعاد توحيد المؤسسة على نحو هش.

خفض قيمة الدينار ترافق مع تقليص الضريبة المفروضة على شراء النقد الأجنبي من 20% إلى 15%، لكنه انعكس مباشرة على معيشة المواطن. فقد ارتفعت أسعار السلع المستوردة، وتزايدت تكاليف السفر والعلاج والدراسة، وهو ما ضاعف الضغوط على الأسر الليبية التي تعاني أصلا ضعفا في القوة الشرائية.

ويزيد الصورة قتامة وجود سوق موازية (سوداء) للعملة، حيث يتداول الدولار عند مستوى يقارب 7.50 دنانير، أي بفارق يتجاوز 30% عن السعر الرسمي. هذه الفجوة لا تعكس فقط شح العرض النقدي الرسمي، بل تجسد أيضا أزمة ثقة مزمنة بالمؤسسات المالية.

إعلان

وتتضاعف الأزمة مع انتشار عملات مزورة يُعتقد أن جزءا منها طُبع في روسيا خلال السنوات الماضية لدعم أحد أطراف الصراع، مما أربك عمليات التداول النقدي وأضعف الثقة بالعملة المحلية. وقد اضطر المصرف المركزي منذ 2020 إلى تنفيذ حملات لسحب بعض الإصدارات من التداول، والتشديد على التعامل عبر المنظومات المصرفية الرسمية لتقليص مخاطر السيولة المزيفة، بيد أن آثار هذه الحملات ظلت محدودة في ظل ضعف السيطرة على كامل الجغرافيا الليبية.

خفض الدينار الليبي بنسبة 13.3% أدى إلى زيادة أعباء المواطن وارتفاع أسعار السلع (رويترز)

منصة “الأغراض الشخصية”.. محاولة للسيطرة على السوق

أمام هذه التحديات، لجأ مصرف ليبيا المركزي إلى إطلاق ما تُعرف بـ”منصة حجز العملة الأجنبية” أو “منظومة الأغراض الشخصية”، وهي قناة إلكترونية رسمية تهدف إلى بيع النقد الأجنبي للمواطنين بالسعر الرسمي وبسقف سنوي يبلغ 4 آلاف دولار للفرد. والهدف المعلن لهذه المنصة هو تنظيم الطلب على العملة الأجنبية، وتعزيز الشفافية، والحد من اعتماد الأفراد على السوق الموازية.

المنصة ليست تجربة جديدة تماما، فقد أُطلقت لأول مرة عام 2017، ثم أعاد المركزي تفعيلها وتحديثها مطلع 2024، محددا سقفا سنويا يبلغ 4 آلاف دولار للفرد الواحد، حسب بيانات رسمية صادرة عن المصرف. وفي تموز/تموز 2025، دشّن المصرف مرحلة تجريبية لنسخة مطورة من المنصة عبر “نظام إدارة النقد الأجنبي”، الذي صُمم ليكون بوابة موحدة تتيح خدمات للأفراد وكذلك للشركات.

وحسب بيان المصرف، جرى التشغيل الكامل للمنصة في الأول من آب/آب الجاري، مع توسيع نطاقها لتشمل المواطنين والشركات الراغبة في تقديم طلبات اعتمادات مستندية، وهي آلية مصرفية معروفة بتمويل استيراد السلع والتأكد من سداد قيمتها.

كيف تعمل المنصة؟

آلية عمل المنصة تتدرج عبر خطوات واضحة:

  • التسجيل: إدخال بيانات المواطن الأساسية مثل الرقم الوطني، وجواز سفر ساري المفعول، ورقم هاتف مرتبط بحساب مصرفي.
  • تقديم الطلب: عند فتح نافذة الحجز، يحدد المواطن الغرض من شراء النقد الأجنبي سواء كان سفرا أو علاجا أو دراسة أو تجارة إلكترونية.
  • التحقق: يقوم النظام الإلكتروني بمطابقة البيانات والتأكد من استيفاء الشروط.
  • التنفيذ: بعد الموافقة، يُنفذ الطلب عبر أحد المصارف التجارية المشاركة، إما بإيداع العملة الأجنبية في بطاقة مصرفية دولية، أو عبر تحويلات مالية مثل “موني غرام”.
  • المتابعة: يحصل المستفيد على رقم مرجعي لمتابعة الطلب عبر المنصة أو من خلال فرع المصرف.

ويُشترط أن يكون المستفيد مواطنا ليبيا فوق 18 عاما، يمتلك رقما وطنيا وجواز سفر ساريا، وحسابا لدى مصرف مشارك. كما يُلزم باستخدام المخصصات في حدود 4 آلاف دولار سنويا فقط، مع إمكانية طلب مستندات داعمة، مثل قبول جامعي أو فاتورة علاجية عند الضرورة.

A man uses a currency counting machine to count Libyan dinar at a currency exchange office in central Tripoli آذار 30, 2014. Libya is burning through central bank reserves and scrapping infrastructure projects to overcome its worst budget crisis in decades after the seizure of oil installations by armed groups has reduced the government's income almost to zero. Picture taken آذار 30, 2014. REUTERS/Ismail Zitouny (LIBYA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST BUSINESS)
نجاح المنصة مرهون باستقرار إمدادات النقد الأجنبي وتوحيد المؤسسات المالية المنقسمة (رويترز)

خلال المرحلة التجريبية في 2025، جرى تسجيل أكثر من 1600 شركة، وتم اعتماد ما يزيد على 1600 طلب اعتمادات مستندية بقيمة تجاوزت 1.6 مليار دولار. أما بالنسبة للأفراد، فلم تصدر بعد بيانات رسمية شاملة حتى 27 آب/آب 2025، مما يجعل الحكم النهائي على التجربة مرهونا ببيانات لاحقة.

إعلان

ورغم أن السقف المقرر يغطي احتياجات أساسية مثل رحلة سفر قصيرة أو جزء من مصاريف دراسة أو علاج، فإنه يظل غير كافٍ لتغطية برامج التعليم الطويلة أو العلاجات المكلفة. كما أن فعاليته تبقى مرتبطة بالسعر الرسمي المحدد، بينما يضطر كثيرون إلى اللجوء للسوق الموازية لتغطية الفارق. وهنا يؤكد صندوق النقد الدولي -في تقاريره- أن هذه الإجراءات ليست بديلا عن إصلاح شامل لسوق الصرف وتوحيد الأسعار.

جدوى اقتصادية مشروطة

يقدم المصرف المركزي المنصة باعتبارها أداة إصلاحية ذات أهداف متعددة:

  • الشفافية: تقليص لجوء الأفراد إلى السوق السوداء وزيادة القدرة على تتبع حركة النقد الأجنبي.
  • إدارة الاستيراد: تسهيل الاعتمادات المستندية للشركات عبر منصة موحدة، وهو ما قد يسهم في تحسين تدفق السلع المستوردة وتخفيف معدلات التضخم.

لكن في المقابل، تبقى هناك مخاطر واضحة، إذ إن نجاح التجربة مشروط باستقرار إمدادات النقد الأجنبي، وعدم تعليق المنصة بشكل مفاجئ كما حدث في تجارب سابقة، وهو ما قد يقوض ثقة المواطنين ويعيد الضغط إلى السوق الموازية.

A man counts Libyan dinars at a currency exchange office in Tripoli نيسان 24, 2016. REUTERS/Ismail Zitouny
غياب الإصلاحات الهيكلية والشفافية يضعف قدرة السياسات النقدية على تحقيق استقرار حقيقي (رويترز)

القطاع الخاص بين الفرص والمخاطر

وفي تصريح للجزيرة نت، قال المحلل الاقتصادي وحيد الجبو إن المنصة الجديدة تمثل فرصة للقطاع الخاص، إذ تتيح للتجار إدخال فوائض عملاتهم الصعبة قانونيا عبر المنافذ الرسمية وإيداعها في المصارف المحلية، لكنه شدد على ضرورة رفع القيود تدريجيا عن التحويلات الخارجية مع إعطاء الأولوية لاستيراد المعدات والمواد التشغيلية، بينما تُنتج السلع الاستهلاكية محليا أو تُستورد بكميات محدودة.

وحذر الجبو من مخاطر انخفاض الاحتياطي الأجنبي في حال تراجع إنتاج النفط أو إغلاق الموانئ، إضافة إلى تفاقم الدين العام بفعل سوء الإدارة، وأوضح أن نجاح المنصة مرهون بإعادة الثقة بين المصارف والزبائن، مشيرا إلى أن أي عجز عن سحب الودائع الدولارية سيقوّض التجربة.

كما رأى أن فتح الحسابات بالدولار قد يحد من التهريب، لكنه لن يقضي على الفساد والمضاربة، داعيا المصرف المركزي إلى الإبقاء على بيع العملة طوال العام لتفادي ضغط السوق السوداء، وختم بالتأكيد على حساسية سرية بيانات المودعين، لافتا إلى أن سقف 4 آلاف دولار سنويا يبقى غير عادل بالنظر إلى تفاوت الدخول، وهو ما يبقي السوق الموازية قوية لانتمائها إلى اقتصاد الظل.

بين الإصلاح وإدارة الأزمات

في المحصلة، تبدو منصة “الأغراض الشخصية” خطوة إصلاحية محدودة في مسار طويل ومعقد لإدارة الاقتصاد الليبي. فهي تتيح للمواطنين متنفسا للحصول على النقد الأجنبي بالسعر الرسمي وتحدّ نسبيا من المضاربة في السوق الموازية، لكنها لا تمثل حلا شاملا للأزمة.

إذ يظل الاقتصاد الوطني أسيرا لاعتماده شبه الكلي على عائدات النفط، وبقائه عرضة للتقلبات السياسية والانقسامات المؤسساتية التي تعرقل أي سياسة نقدية أو مالية مستقرة.

ومع أن المصرف المركزي يسعى عبر هذه المنصة إلى ضبط الطلب على العملة الأجنبية وإرساء قدر من العدالة بين المواطنين، فإن نجاحها مرهون بجملة من الشروط الأعمق:

  • توحيد المؤسسات المالية بين الشرق والغرب.
  • إصلاح السياسات الاقتصادية بما يضمن تنويع مصادر الدخل.
  • تبني إصلاحات هيكلية تحدّ من الفساد وتزيد الشفافية في إدارة المال العام.

وفي غياب استقرار سياسي وأمني حقيقي، تبقى مثل هذه الإجراءات أقرب إلى إدارة الأزمات منها إلى إنهائها. أما الرهان الأكبر، فيظل متعلقا بقدرة ليبيا على استعادة ثقة الداخل والخارج باقتصادها ودينارها، عبر رؤية تنموية طويلة الأمد تضع المواطن في صميم الأولويات وتفتح الطريق أمام استثمارات منتجة تعيد التوازن لعجلة الاقتصاد وتخفف من ارتهانه لتقلبات النفط والصراع السياسي.

إعلان