“تشكيلة” اليوم التالي

“تشكيلة” اليوم التالي

لا تتوقف مشاريع “اليوم التالي” في قطاع غزّة عن الظهور بين حين وآخر، فيما لا يزال “اليوم الأول” الإجرامي مستمرّاً بلا أفق واضح لنهايته. …جديد مشاريع مستقبل القطاع أخرجها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من جعبته مشروع قديم أضفى عليه لمساتٍ جديدة، مع إخراج رعاته إلى العلن. ترامب أظهر “تشكيلته” التي سيلعب بها (على غرار مدربي كرة القدم) في قطاع غزّة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي. التشكيلة مكوّنة من صهره جاريد كوشنر، الذي شغل منصب المبعوث إلى الشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الذي جاء ظهوره على ساحة الأحداث في قطاع غزّة مفاجئاً نسبياً، إذ لم يسبق له أن أدى دوراً خلال العامين الماضيين، لكن اتضح أن مؤسسته لم تكن غائبة أبداً عن التخطيط لـ”مستقبل قطاع غزّة”. ومن خلال هذين الوجهين، يمكن استشراف أي مستقبل يخطط لقطاع غزّة، خصوصاً أن لكل من الشخصيتين تاريخاً في طريقة التعاطي مع كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

عمل كوشنر، ومنذ الولاية الأولى لوالد زوجته، على تفعيل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية، وإعادة إظهاره على الساحة اليوم، ليست مرتبطةً بقطاع غزّة فقط، رغم أن له توجّهه الخاص في ما يتعلق بالقطاع، لكن للعب أدوار أخرى في المستقبل، وإعادته تدريجياً ليكون من ضمن طاقم عمل ترامب ليكمل ما بدأه في الولاية الأولى. وفي ما يخصّ قطاع غزّة، من المعلوم أن كوشنر كان من أوائل المسؤولين الأميركيين الذين تعاطوا مع القطاع باعتباره مشروع تطوير عقارياً، حتى قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض للولاية الثانية. ومن الواضح أن الرئيس الأميركي تبنّى رؤية صهره وطوّرها لتكون مشروع “ريفييرا الشرق الأوسط”. ورغم لغطٍ كثيرٍ أثير حول هذا المشروع، والإيحاء الأميركي بالتراجع عنه، لا يزال من الواضح أساسياً في رؤية ترامب لمستقبل غزّة. هو لا يستطيع رؤية القطاع خارج إطار مشروع عقاري مربح، وجاء بصهره للمساعدة في إقناع الدول الغربية والعربية بجدوى هذا المشروع.

خلال الاجتماع الذي جمع ترامب مع كوشنر وبلير، عاد الحديث عن “التهجير المؤقت” لمن تبقى من أهالي القطاع إلى “مناطق آمنة”، ريثما تنتهي عمليات بناء “الريفييرا”. ودخل الحديث في تفاصيل التعويضات، وكيف سيحصل فلسطينيو القطاع على عقاراتٍ في المشروع الجديد مقابل أملاكهم التي ستُستغل لتنفيذ المخطط العقاري. الاجتماع الذي كان مخصّصاً لبحث مستقبل القطاع، غاص في تفاصيل استثمارية، متجاهلاً فكرة أن هناك مقتلة حاصلة لا أحد قادرٌ، على إيقافها، أو راغبٌ في ذلك.

أما توني بلير، فهناك مقولة بين الناشطين السياسيين في بريطانيا أنه عادة “يُستعان بتوني بلير لأن الشيطان كان مشغولاً”. على هذا الأساس، يمكن النظر إلى الدور الذي سيلعبه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في المرحلة المقبلة الخاصة بغزّة وغيرها. “ريفييرا غزّة” واحد من المشاريع التي عمل عليها “معهد توني بلير”، قبل شهور، ووضع لها الخطط مع رجال أعمال إسرائيليين، بحسب ما كشفت صحيفة فاينانشال تايمز قبل أسابيع. لكن من المؤكّد أن دور المعهد لن يتوقف عند هذا الحد، وهو الذي تخصّص في تقديم مشورات إلى أنظمة ديكتاتورية لترسيخ حكمها، وجنى منها ملايين الدولارات. ولا يمكن أن ننسى دور بلير نفسه في غزو العراق، وابتكار فكرة مجلس الحكم الانتقالي برئاسة حاكم أميركي، كان حينها بول بريمر. يُعاد طرح الفكرة نفسها حالياً لإدارة شؤون غزّة. ومع ظهور بلير على الساحة، صار مفهوماً من أين جاءت الفكرة التي أدّت إلى كوارث في العراق.

تؤكّد تشكيلة ترامب هذه أن الانشغال الأميركي في “اليوم التالي” نابعٌ من رغبات اقتصادية وسياسية، ولا يضع أي اعتبار لقضية فلسطين أو أهالي قطاع غزّة الذين لا يزالون يرزحون تحت دموية “اليوم الأول”.