
جياع كردفان ودارفور… سودانيون يأكلون الأعلاف وأوراق الشجر
يتفاقم سوء الأوضاع الإنسانية في عدة مناطق بإقليمي كردفان ودارفور في السودان، حيث نفدت المواد الغذائية، ولا يملك الأهالي وسيلة للوصول إلى الطعام ومياه الشرب النظيفة في ظل المعارك المستمرة.
يواجه عشرات آلاف السودانيين في إقليم كردفان المُكون من ثلاث ولايات، وإقليم دارفور المكون من خمس ولايات أزمات معيشية حادة ناتجة من نقص الغذاء ومياه الشرب والأدوية من جراء انقطاع سلاسل الإمداد بالسلع الضرورية والمواد الغذائية عن عدد من مُدن الإقليمين وقراهما بسبب الحرب الدائرة منذ منتصف إبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويتعذر الحصول على الغذاء في مدن رئيسية من بينها الفاشر، وكادوقلي، والدلنج، والديبيات، وفي منطقة طويلة، وكذا في عدة مخيمات نزوح، من بينها مخيما أبو شوك وكلمة، ما أدى إلى وفيات، آخرها وفاة أسرة مكونة من ستة أفراد في مدينة الفاشر.
ومع اشتداد الجوع الذي تسبب في موت العديد من السكان، لجأ بعض الناس إلى أكل علف الحيوانات الذي يصنع من قشرة الفول السوداني والسمسم، والمعرف شعبياً باسم الأمباز، فضلاً عن أوراق الأشجار، وصولاً إلى اضطرار البعض إلى أكل القطط والفئران.
ويتفشى الجوع في مناطق عديدة في إقليم كردفان، منها منطقة أبو كرشولا، والعباسية، وتلودي، والليري، ورشاد، وأبو جبيهة، وكالوقي، إضافة إلى عشرات القرى الأخرى. وخلال الأسبوع الأخير من آب/ آب الماضي، شهدت مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان مقتل الطفل خليفة عبد المتعال (10 سنوات) بعد سقوطه من فوق شجرة خلال التقاط أوراقها لتناولها وجبة مع أفراد أسرته.
ومن مدينة كادوقلي، يقول آدم مبارك لـ”العربي الجديد”: “تسلق الطفل خليفة شجرة عملاقة من أجل جمع أوراقها لطهوها طعاماً يسد جوع إخوته الصغار، وأثناء محاولته الوصول إلى أعلى الشجرة، سقط على الأرض جثة هامدة، وهو الضحية العاشرة للبحث عن الطعام في غضون أقل من شهرين في كادوقلي، ومات قبله بأيام طفل آخر أكل عشبة سامة التقطها من سفح جبل قريب. أوراق شجر التبلدي (الباوباب) أصبح الوجبة الرئيسة في المدينة، وجمع السكان كل الأوراق القريبة من الأرض، ولم يتبق إلا الأوراق العالية التي تتطلب جهداً للوصول إليها، ولذلك يخاطر الأطفال بحياتهم من أجل الوصول إليها”.
وأعلنت شبكة أطباء السودان وفاة 46 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، بسبب سوء التغذية خلال شهري تموز/تموز وآب/آب الماضيين في ولاية جنوب كردفان. وقالت في بيان، إن “ولاية جنوب كردفان تدخل مرحلة خطرة من نقص الغذاء، ما يحتم توفير تغذية إضافية عاجلة لنحو 18 ألف امرأة حامل ومرضعة تعاني من نقص الغذاء”.
وتوقع الناطق باسم شبكة أطباء السودان، محمد فيصل، زيادة حالات الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم إرسال المواد الغذائية إلى المناطق المحاصرة، ويقول لـ”العربي الجديد”: “قطع طرق إمداد المواد الغذائية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية وتشديد الحصار على مناطق تضم كثافة سكانية عالية في إقليم كردفان من قبل قوات الدعم السريع تسبب في تفشي سوء التغذية الشديد، وقد يتفاقم الوضع خلال الأيام المقبلة إذا لم يتم توصيل الغذاء والدواء، خاصة أن أكثر الفئات المُتضررة من النساء الحوامل والأطفال وكبار السن”.
ومن كادوقلي، تقول السودانية حواء عبد اللطيف لـ”العربي الجديد”: “آلاف الأسر أصبحت لا تستطيع الحصول على المواد الغذائية التي نفدت من الأسواق ومن المنازل، وصار القليل المتوفر منها في الأسواق يباع بأسعار تفوق مقدرة الناس المالية. بعد حصار يزيد عن العام، نفدت المدخرات المالية والمواد الغذائية، وأصبح الجميع في حالة جوع مستمر مع تفشي أمراض منها الملاريا والكوليرا، ما يدفع الناس لطهي ورق الأشجار واصطياد الفئران والقطط لأكلها”.
من المدينة ذاتها، يقول جوليوس الجيلي لـ”العربي الجديد”: “نعاني من الجوع والأمراض، وتتضاعف المعاناة في القرى التي لا يستطيع سكانها الوصول إلى المدينة لعدم وجود وسائل نقل، وإغلاق الطرق، وانتشار عصابات ومجموعات مسلحة قتلت العشرات”.
ويعيش سكان مدينة الدلنج أزمة كبيرة نتيجة النقص الحاد في المواد الأساسية، وانعدام السلع الغذائية، ومن ضمنها الذرة التي باتت تعتبر الغذاء الرئيسي في المنطقة، ويشكو السكان من نقص كافة أصناف المواد الغذائية، إذ وصل سعر كيلو الدقيق إلى 20 ألف جنيه سوداني (نحو 7 دولارات) ورغم ذلك فهو غير متوفر، وبلغ سعر لتر الزيت 70 ألفاً (نحو 35 دولاراً)، وانعدمت سلع ضرورية مثل السكر والملح والأرز والعدس.
وتأزم الوضع كثيراً بعد قطع الطريق الوطني الرابط بين مدن كادوقلي والدلنج والأبيض بسبب المعارك العسكرية، ما أدى إلى توقف انسياب السلع الغذائية.
يقول عضو لجنة الطوارئ التي تشرف على المطابخ المجانية بمدينة الفاشر، محمد هارون لـ”العربي الجديد”: “استمرار الحصار المشدد على المدينة أدى إلى نفاد جميع المواد الغذائية من الأسواق، وأصبح جوال الذرة (100 كيلو) يباع بعشرة ملايين جنيه (نحو 3 آلاف دولار)، ما يدفع بعض السكان المحاصرين لتناول أعلاف الحيوانات نتيجة تطاول فترات الجوع والحصار”.
ويمنع الدعم السريع إدخال المواد الغذائية إلى مدينة الفاشر بحجة تسريبها إلى قوات الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، وينفي هارون مزاعم الدعم السريع، قائلاً: “قرار منع دخول المواد الغذائية يتأذى منه السكان أكثر من غيرهم، فالجيش لديه مؤونه ومواده الغذائية التي يستخدمها أفراده، والسلع كانت تنقل عبر الحمير والجمال إلى المدينة لتوزع على التكايا الخيرية والمطابخ المجانية لإطعام الجياع، لكن الدعم السريع أصبح يعدم أي مواطن يحمل المواد الغذائية إلى داخل المدينة، ما فاقم الأزمة الوضع بصورة تفوق الوصف”.
يضيف هارون: “أفراد أسرة لقوا حتفهم في 24 آب الماضي داخل مخيم أبو شوك للنازحين الواقع بالقرب من مدينة الفاشر، وهم الجدتان مريم تندل سليمان، وصالحة سليمان بيدي، والأم أماني فتح الرحمن وأطفالها الثلاثة، صابر وسعيد وصبري سالم مصطفى، وقد عثر عليهم جيرانهم بعد وفاتهم داخل المنزل، كما عثروا على بقايا الأمباز في الأواني، ما يدل على أنهم كانوا يتناولونه قبل وفاتهم”.
وتعليقاً على الوفاة، يقول وزير الصحة السابق بحكومة شمال دارفور المحلية، إبراهيم خاطر، وهو أحد المحاصرين داخل المدينة لـ”العربي الجديد”: “أصبح الأمباز الوجبة الرئيسة للسكان، وغالبية المتوفر منه غير صالح للاستخدام حتى للحيوانات، لأنه مخزن منذ ما قبل الحرب، وتعرض لظروف تخزين سيئة على مدار سنوات، وبينما يفترض أن يتم طهوه على النار، يضطر الناس إلى تذويبه في الماء وشربه بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد غاز الطهي والحطب في المدينة، ما يتسبب في تسمم يؤدي بحياتهم”.
ومن الفاشر، تقول عائدة عبود لـ”العربي الجديد”: “لا توجد مواد غذائية، وحتى التكايا والمطابخ الجماعية التي كانت توزع قليلاً من الطعام توقفت لعدم توفر الدقيق والرز والعدس، ما تسبب في تفشي الجوع، وأصبحت الأسر لا تتناول الطعام لعدة أيام”.
ويواجه آلاف النازحين في مخيم أبو شوك صعوبات في المغادرة بعد إحكام الحصار على المنطقة مع اشتداد المعارك العسكرية، ويقول الناطق باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال لـ”العربي الجديد”: “لو حاول السكان مغادرة المخيم أو المدينة يتم القبض عليهم في الإرتكازات العسكرية المقامة حول المدينة، ويتعرضون لانتهاكات شديدة، وبعضهم يُعدم أو يتم اعتقالهم، لذا يفضلون البقاء تحت الحصار على أن يتعرضوا للاعتقال فور خروجهم من المدينة”.
وفي 27 آب الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” عدد المحاصرين في الفاشر بنحو 260 ألف مدني، بمن فيهم 130 ألف طفل، وقالت إن السكان محاصرون في ظروف بائسة، وقد انقطعت عنهم المساعدات لأكثر من 16 شهراً.
ودرج سكان مدينة الفاشر على النزوح نحو منطقة طويلة في جبل مرة، لكن آدم رجال يقول: “توجد حالياً عشرات الجثث على الطريق بين الفاشر وطويلة، يعود بعضها لمواطنين تم قتلهم من قبل المسلحين، وآخرين ماتوا بسبب الجوع والعطش على الطريق الذي أصبح السير عليه محفوفاً بالمخاطر. بعض من يغادرون إلى طويلة، يواجهون خطر الكوليرا التي تنتشر هذه الأيام في المنطقة، إلى جانب النقص الحاد في المواد الغذائية التي أصبحت نادرة على مستوى الإقليم”.