تُآذار إسرائيل سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، حيث قال وزير الأمن يسرائيل كاتس إنّ أبواب الجحيم قد فُتِحت على غزة، ليتبع هذا التصريح تدمير علني ومباشر لأبراج غزة السكنية تحت غطاء مناشير الإخلاء.
وبين الخطاب السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي والواقع في غزة، يتجلّى مشروع إستراتيجي يقوم على سحق العمران المدني وفرض وقائع ديمغرافية جديدة، بما يحوّل حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة إلى هندسة قسرية للخرائط والسكان، تحت عنوان التهجير.
هي جريمة مكتملة الأركان، تراوغ إسرائيل بوصفها بين تعبيرات مطّاطة مثل الخروج الطوعي وقيام مصر بإغلاق معبر رفح من جهتها. فيما وصفت القاهرة عبر وزير خارجيتها بدر عبد العاطي الحديث الإسرائيلي عن “تهجير طوعي للغزيين” بـ”الهراء”، مشددًا خلال لقائه المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” فيليب لازاريني على أنّ مصر والأردن والعرب لن يسمحوا بفرض مخطط اقتلاع جماعي تحت أي مسمى، وتحت أي ظرف.
وفي ذروة هذا التصعيد، تبرز زيارة القائد الجديد للقيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” الأدميرال براد كوبر إلى إسرائيل، حيث التقى قيادات عسكرية وأمنية، في وقت يتحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
والرسالة الأميركية مزدوجة: أولها تطمين تل أبيب بأنّ المظلة الإستراتيجية قائمة، وثانيها تذكير للإقليم بأنّ واشنطن تُمسك بخيوط التوازن، لتكشف تصريحات ترمب عمق الفجوة بين حلم “ريفييرا غزة” والواقع الذي تفرضه آلة التدمير الإسرائيلية بذريعة الحرب على “حماس”.
فما هي خلفيات مشروع التهجير الإسرائيلي وواقعه؟ وما هي الوسائل التي تملكها الدول العربية لوقف مشروع التهجير؟ وما هي مسؤولية الإدارة الأميركية في التهجير ودورها في توفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل؟
“إسرائيل تسعى لسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة”
يوضح جاكي خوري الخبير في الشأن الإسرائيلي، أنّ إسرائيل تُريد إعادة احتلال قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الكاملة عليه، والانتشار والتوغّل وتنفيذ عمليات محدّدة في بعض المناطق.
ويقول خوري في حديث إلى التلفزيون العربي من الناصرة، إنّ هناك مسعى إسرائيليًا آخر يتمثّل في إيجاد بديل لحكم غزة بعيدًا عن “حماس” أو حتى السلطة الفلسطينية.
ويرى أنّ هذه الجزئية لا تزال تُشكّل معضلة في مفهوم البرنامج السياسي والعسكري الذي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتطبيقه.
ويشير إلى “محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عبر البوابة الإسرائيلية وليس من البوابة المصرية أو الأردنية، أي أن يتمّ إخراج أعداد كبيرة من المصابين والجرحى مع عائلاتهم باتجاه واحد، قبل بدء عملية نزوح محدودة إلى بعض الدول الأوروبية تحت غطاء المساعدة في التوظيف والدعم”.
“مصر ملتزمة بشكل كامل برفض التهجير”
بدوره، يلفت المندوب المصري السابق لدى الأمم المتحدة السفير معتز أحمدين خليل، إلى أنّ تصريحات وزير الخارجية المصري تجدّد التشديد على موقف القاهرة منذ بدء الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ تشرين الأول 2023 برفض تهجير الغزيّين.
ويقول خليل في حديث إلى التلفزيون العربي من القاهرة، إنّ مصر ضاقت ذرعًا بتصريحات نتنياهو التي تطال القاهرة ليس فقط في موضوع التهجير بل أيضًا فيما يتعلّق باتفاقية الغاز الموقّعة في آب/ آب الماضي، والاتهامات الإسرائيلية لمصر بأنّها هي التي تحول دون دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتمنع حقّ الفلسطينيين الإنساني بالخروج من القطاع.
ويضيف أنّ المستوى السياسي المصري ملتزم بشكل كامل برفض التهجير، واتهام الجهات التي تقبل به بتصفية القضية الفلسطينية وزعزعة الأمن القومي المصري.
ويوضح أنّ الرفض المصري للتهجير جاء مدعومًا برفض بعض الدول العربية للمخطّط الإسرائيلي، وإن كان الأمر يتطلّب من هذه الدول العربية إجراءات سياسية في هذا الإطار منها على سبيل المثال دعوة مجلس الأمن لمناقشة خطة نتنياهو للتهجير ورؤيته التي تحمل اسم “إسرائيل الكبرى”، بالإضافة إلى إجراءات أخرى أكثر أهمية بحيث تشعر تل أبيب وواشنطن أن لتصريحاتهما عواقب، حيث أنّه كان من الأجدى أن تكون مصر هي الجهة التي تُجمّد اتفاقية الغاز لا إسرائيل.
كما يشير إلى إجراءات اقتصادية أخرى كان بإمكان مصر القيام بها، منها على سبيل المثال، تجميد العمل باتفاقية الكويز التي تتضمّن تصدير المنتجات المصرية التي تدخل فيها مكونات إسرائيلية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى تجميد التعاون التجاري مع تل أبيب بشكل عام، والتنسيق مع الدول العربية الأخرى من أجل فرض حصار اقتصادي على إسرائيل، على غرار الحصار الذي تفرضه أوروبا على روسيا.
“ترمب متواطىء مع تل أبيب بما يحصل في غزة”
من جهته، يرى ويليام لورنس أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية، أنّ ترمب متواطىء مع تل أبيب بما يحصل في غزة، حيث تقوم إستراتيجته على دعم تل أبيب بجميع الطرق.
ويقول لورنس في حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، إنّ إدارة ترمب تُركّز على إعادة إحياء الخطة التي أرساها جاريد كوشنر وطوّرها توني بلير لتطوير غزة اقتصاديًا بعد انتهاء الحرب، من دون خطة لإنهاء الحرب.
ويوضح أن “إدارة ترمب أظهرت أنّها ليست مهتمة بوقف نتنياهو، وتشعر أنّ الطريقة الأفضل هي جعله يفعل ما يُريده وأن يقبل الفلسطينيون بهذا المصير ويرحلوا من غزة”.