زامير: العمليات البرية في مدينة غزة بدأت بالفعل

زامير: العمليات البرية في مدينة غزة بدأت بالفعل

أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، أن العمليات البرية في مدينة غزة “بدأت بالفعل” وهي تتوسع في مناطق جديدة وجديدة.

جاءت تصريحاته هذه في ظل انتقادات من بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية حول إدارة الجيش للحرب.

وخلال اجتماع المجلس الوزاري الأمني السياسي، طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف ما وصفه بـ”المؤتمرات الإعلامية للجيش”، معتبرا أنها تضر بـ”التماسك الداخلي”.

وبحسب تقارير إسرائيلية، واجه زامير خلال الاجتماع الوزراء الذين انتقدوه، مذكرا إياهم بمسؤولياتهم إبان هجوم حركة حماس في 7 تشرين الأول 2023.

وكان حذر الجيش الإسرائيلي في وقت سابق، من أن احتلال مدينة غزة سيعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر ولن يحقق حسما عسكريا ضد حركة حماس، إلا في حال احتلال القطاع بأكمله وفرض نظام عسكري شامل.

وجاءت هذه التقديرات خلال اجتماع مطول لمجلس الوزراء الإسرائيلي (الكابينت) ليلة الأحد، والذي شهد خلافات حادة بين القيادة العسكرية وعدد من الوزراء. وانتهى الاجتماع بقرار التوجه نحو خيار احتلال غزة بدلا من صفقة تبادل الأسرى، رغم أن رئيس الموساد، ديدي برنياع، أبدى دعما صريحا للصفقة التي طرحتها حماس، مؤكدا أنها “الخطة الوحيدة المطروحة ويجب قبولها”.

وبحسب صحيفة “معاريف” العبرية، يستعد الجيش الإسرائيلي لحشد نحو 60 ألف جندي احتياط، سيخضعون لتدريبات وتنظيم على مدى ثلاثة إلى أربعة أيام. وسيتم نشر بعض هذه القوات لتعويض الوحدات النظامية في الشمال، فيما ستشارك ألوية أخرى في العمليات داخل غزة أو في تعزيز الوجود العسكري في الضفة الغربية.

ميدانيا، بدأت الفرقتان 99 و162 عمليات تطويق غزة، حيث تتقدم الفرقة 162 من الشمال، فيما تتولى الفرقة 99 السيطرة على حيي الزيتون والصبرة وتطهيرهما خلال الأيام المقبلة. كما يخطط الجيش لفتح ممر جنوبي غربي المدينة لإجلاء السكان نحو مناطق إنسانية في مواسي وجنوب القطاع، قبل الانتقال إلى مرحلة تجريف الأراضي.

 

المصدر: RT

 

أزمات معيشية تطارد فلسطينيي غزة العالقين في مصر

أزمات معيشية تطارد فلسطينيي غزة العالقين في مصر

لم يتوقع غالبية الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة إلى مصر عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في تشرين الأول/تشرين الأول 2023، أن يمتد بهم البقاء كل هذا الوقت، إذ كانوا يعتقدون أنهم سيعودون بعد بضعة أشهر، لكنهم باتوا عالقين لنحو سنتين، ما خلف سلسلة من الأزمات.
ويُقدّر عدد الذين وصلوا إلى مصر من قطاع غزة بأكثر من 100 ألف شخص، جاء بعضهم للعلاج، فيما اضطر كثيرون إلى المغادرة بسبب الأوضاع الناجمة عن الحرب. وتبرز حالياً الأزمة المادية بوصفها الأكثر إلحاحاً لدى غالبيتهم في ظل غياب أية مصادر للدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى عدم تقديم أي دعم حكومي أو أهلي لهم.
وصل الفلسطيني نور الشاعر إلى مصر في بداية الحرب على غزة، وكان يظن أنه سيبقى لشهر أو شهرين ريثما تنتهي، كما جرت العادة في مرات العدوان السابقة التي صاحبتها موجات لجوء إلى مصر لم تتجاوز في أسوأ الأحوال الشهرين. لكن الحرب مستمرة منذ نحو عامين، ولا أحد يعرف متى تنتهي، ما أفقده كل ما كان يمتلكه من مال، مع غياب فرص العمل للفلسطينيين في مصر، وخسارتهم مصادر رزقهم في غزة.
ويقول الشاعر لـ”العربي الجديد”: “أعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، وأحتاج شهرياً إلى ما يقارب 40 ألف جنيه مصري (نحو 800 دولار أميركي) لتغطية إيجار المنزل والحد الأدنى من المصاريف المعيشية. أضطر إلى الاستدانة من الأقارب والمحيطين كي أتمكن من البقاء على قيد الحياة، والبقاء في الشقة التي استأجرتها، ولا يمكنني الحصول على عمل لعدم امتلاكي إقامة رسمية، شأني شأن بقية الفلسطينيين الذين يعيشون في مصر منذ بداية الحرب من دون تصاريح إقامة، في ظل غياب قرار مصري يمنحنا أي نوع من الإقامات”.
بدورها، تشير الفلسطينية مها الكفارنة، إلى أن أبرز الأزمات التي تواجهها، إلى جانب الضائقة المعيشية، هي مسألة تعليم أطفالها، إذ لم تقبل أي مدرسة مصرية تسجيلهم لغياب وثائق إقامة الوالدين، ما أدى إلى انقطاع الأبناء عن الدراسة لعامين متتاليين، مع حلول عام دراسي ثالث هذا الشهر.
وتوضح الكفارنة لـ”العربي الجديد”، أنها تعتمد بدرجة رئيسية على ما تقدمه بعض المؤسسات الخيرية المصرية، إلى جانب مبادرات بعض الجهات الفلسطينية، والتي توفر قدراً من الدعم للفلسطينيين العالقين في مصر. وتضيف: “قدمت إلى مصر لعلاج طفلي الذي أصيب في الحرب، وبعد انتهاء العلاج اضطررت إلى البقاء لعدم القدرة على العودة بسبب إغلاق معبر رفح البري منذ أيار/أيار الماضي”.

لم يتوقعوا البقاء في مصر طويلاً، تشرين الثاني 2023 (محمد عابد/ فرانس برس)

لم يتوقعوا البقاء في مصر طويلاً، تشرين الثاني 2023 (محمد عابد/ فرانس برس)

في الوقت ذاته، لا يملك الفلسطينيون مغادرة مصر لعدم حصولهم على إقامة تتيح لهم استخراج تأشيرات دخول إلى دول أخرى، وفي حال خروجهم، فإن العودة إلى مصر تتطلب دفع مبالغ مالية تُعرف بـ”تنسيقات المطار”، ما يسمح لهم بالعودة عبر مطار القاهرة الدولي.
وينتشر العالقون الفلسطينيون في عدد من مدن مصر، أبرزها العاصمة القاهرة، والإسكندرية، ومدينة العريش في محافظة شمال سيناء، وتوجه بعضهم إلى المدن الصغيرة في دلتا النيل بحثاً تكاليف معيشة أدنى وإيجارات سكن أقل.
ويشكو فلسطينيون من تقصير سفارة بلادهم لدى القاهرة في تقديم الدعم لهم، سواء المادي أو المعنوي، رغم حاجتهم الماسة إلى الدعم مع استمرار مكوثهم القسري في مصر، بينما يقول مصدر في السفارة الفلسطينية بالقاهرة لـ”العربي الجديد”، إن “الإمكانات المادية للسلطة الفلسطينية لا تسمح بدعم العالقين في أي من دول العالم، الأمر الذي يضطر هؤلاء إلى الاعتماد على المبادرات الفردية والمؤسسات الخيرية في البلدان التي يوجدون بها”.
ويشير المصدر الدبلوماسي إلى أن “عمل السفارة يتركز بالأساس على دعم الفلسطينيين في القضايا المرتبطة بالوثائق الرسمية، وما يحتاجون إليه من مؤسسات السلطة في رام الله، وذلك من خلال التنسيق مع الوزارات المصرية المعنية، ما يسهل إصدار الوثائق أو الشهادات وغيرها”.
ويؤكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، صلاح عبد العاطي، لـ”العربي الجديد”، أن “أبرز احتياجات الفلسطينيين العالقين في مصر تتمثل في دفع إيجارات السكن، وتغطية رسوم تعليم الأبناء، إضافة إلى المصروفات اليومية، وكلفة العلاج، وعدد كبير منهم بحاجة ماسّة إلى المساعدة والدعم لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة”.

وبدأت معاناة الفلسطينيين العالقين في مصر منذ لحظة محاولتهم مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح البري، والذي يشكل المنفذ البري الوحيد في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر. وبعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع، شهد المعبر حركة واسعة شملت عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين سعوا إلى دخول مصر بحثاً عن الأمان، أو العلاج، أو التوجه إلى بلد ثالث، في ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة.
ورغم السماح بدخول أعداد كبيرة من أهالي غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب، إلا أن الإجراءات المعقدة، وطول فترات الانتظار، والتكاليف الباهظة للتنسيقات التي تفرضها السلطات المصرية على المسافرين، جعلت الرحلة محفوفة بالصعوبات. ومع احتلال إسرائيل المعبر وإغلاقه بشكل كامل في أيار/ أيار 2024، تزايدت الأزمة حدة، إذ انقطع العالقون في مصر عن ذويهم في غزة، وفقد بعضهم الأمل في العودة، كما تعذر على آلاف آخرين الخروج من القطاع.

تهجير مدينة غزة… عشرات الآلاف ينزحون غرباً لا جنوباً

تهجير مدينة غزة… عشرات الآلاف ينزحون غرباً لا جنوباً

اضطرت آلاف العائلات الفلسطينية إلى ترك منازلها الواقعة قرب مناطق توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في شرق مدينة غزة وشمالها، إلى المناطق الغربية، تحت وطأة التهديد بالقتل.

لم يعد النزوح في قطاع غزة مجرّد انتقال مكاني، بل تحوّل إلى رحلة معاناة يومية، خصوصاً في مدينة غزة، حيث يدفع المدنيون أثماناً باهظة للبقاء على قيد الحياة، وسط حرب تلتهم كل شيء. وينزح الغالبية قسراً إلى مناطق ضيقة للغاية غربي المدينة، بالقرب من شاطئ البحر، بحثاً عن أدنى المقومات من مياه وطعام وأمان.
ورغم أنّ جيش الاحتلال يحاول عبر قنابله وخرائطه دفع الأهالي قسراً نحو مناطق جنوب القطاع ووسطه، يصرّ الآلاف في مدينة غزة وشمالي القطاع على البقاء، رافضين الانصياع لمخططات التهجير القسري التي باتت تمثل إحدى أبرز سمات الحرب، وسياسة ممنهجة ضد سكان القطاع منذ ما يقارب العامين.
وبسبب ضيق المساحة الجغرافية المتاحة للتنقل، وجدت العائلات الفلسطينية ضالتها في الانتقال إلى المناطق الغربية لمدينة غزة، حيث نصبت خيامها في الشوارع، وفوق ركام المباني المدمرة، وفي مناطق غالبيتها خطرة أمنياً، في حين اضطرت أعداد أخرى إلى النزوح إلى المحافظة الوسطى، والبقاء في دير البلح والنصيرات والزوايدة، لكن عدداً من العائلات التي نزحت إلى تلك المناطق لم تجد لها مأوى هناك، فاضطرت للعودة إلى مناطق غربي مدينة غزة مجدداً.
وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن ما يعيشه هؤلاء النازحون ليس مجرد حوادث فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة، إذ ينسف الجيش الإسرائيلي يومياً نحو 300 وحدة سكنية في مدينة غزة ومناطق شمال القطاع، مستخدماً عربات وآليات مفخخة تحمل المتفجرات، وهذه التفجيرات، التي تجري بوتيرة غير مسبوقة، تهدف إلى تدمير الأحياء السكنية بالكامل، وبالتالي إجبار السكان على النزوح.
وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بأن الاحتلال فجر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية أكثر من 80 روبوتاً مفخخاً وسط أحياء سكنية مكتظة، ما أدى إلى دمار واسع، وعرّض حياة المدنيين للخطر المباشر. ويترافق ذلك مع سياسة تجويع ممنهجة، إذ يمنع الاحتلال دخول الغذاء ومياه الشرب، الأمر الذي أدى إلى استشهاد 330 على الأقل، من بينهم 124 طفلاً، من جراء الجوع وسوء التغذية.
يعيل الفلسطيني أبو محمد حجازي، أسرة من خمسة عشر فرداً، ويتحدث بمرارة عن النزوح الذي عاشه أكثر من مرة خلال الشهور الماضية، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “كنا نعيش في منطقة مشروع بيت لاهيا، ونزحنا قبل ثلاثة أشهر إلى منطقة أبو إسكندر شمال شرقي مدينة غزة، ثم اضطررنا قبل عشرة أيام إلى مغادرة المكان بعدما باتت الطائرات المسيّرة تطلق النار عشوائياً، وبات الأطفال يعيشون حالة رعب دائمة”.

في الطريق إلى غربي مدينة غزة، 31 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/الأناضول)

في الطريق إلى غربي مدينة غزة، 31 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/الأناضول)

ويضيف حجازي: “استقررنا بداية في منطقة الجلاء في خيام بدائية، لكننا لم نجد الماء ولا الطعام، فانتقلنا إلى قرب شاطئ البحر غربي مدينة غزة، وما زلنا نعاني من عدم توفر المياه التي تصلنا مرة كل ثلاثة أيام. رحلة النزوح بالنسبة لي ليست مجرد انتقال، بل تكلفة باهظة، إذ أضطر لدفع مبلغ 500 شيكل أجرة لنقل عائلتي تحت الرصاص المتطاير. رغم كل تلك المخاطر والصعوبات قررت أني لن أنزح إلى الجنوب. أريد أن أبقى في أرضي حتى تنتهي الحرب، أو أستشهد”.
لم يكن الثلاثيني أكرم عياد، وهو أب لطفلين، أفضل حظاً، ويصف قرار مغادرة منزله في منطقة أبو إسكندر، شرقي حي الشيخ رضوان، بمدينة غزة، بأنه كان الأصعب في حياته. يقول لـ”العربي الجديد”: “قبل يوم واحد من نزوحنا، اقتربت الروبوتات المفخخة من بيتنا، وفجّرت عدة منازل مجاورة. شعرت بأن حياتي وحياة عائلتي في خطر، فتركنا المكان، وانتقلنا إلى مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، مع يقين كامل بأنه لا يوجد مكان آمن. لا أستطيع التوجّه جنوباً حيث الاكتظاظ والفوضى. نعيش بلا أمان، لكننا نرفض مغادرة مدينتنا، ونصر على حقنا في البقاء فيها”.
وتشير تقارير منظمات دولية إلى تعقيدات كبيرة تصاحب إخلاء مدينة غزة، وأن بضعة آلاف من الفلسطينيين غادروا بالفعل، من بين أكثر من مليون نسمة. ويعتبر التهجير القسري جريمة حرب بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، وينفذه الاحتلال الإسرائيلي تحت القصف، ومن دون أية ضمانات بالعودة.
وبحسب البيانات الرسمية الفلسطينية، يرفض أكثر من مليون فلسطيني في مناطق مدينة غزة وشمال القطاع النزوح نحو الجنوب، إدراكاً منهم أن الهدف الحقيقي هو تفريغ المنطقة من سكانها ضمن سياسة تطهير عرقي ممنهجة.

ينزح الآلاف في غزة تحت التهديد، 1 أيلول 2025 (عبود سلامة/ فرانس برس)

ينزح الآلاف في غزة تحت التهديد، 1 أيلول 2025 (عبود سلامة/ فرانس برس)

وصادقت حكومة الاحتلال على قرار احتلال مدينة غزة، وبدأت التحشيد العسكري واستدعاء الآلاف من جنود الاحتياط، ويتزامن ذلك مع استمرار العمليات العسكرية في المناطق الشرقية من المدينة، وتكثيف الاحتلال القصف والتدمير والتفجيرات للضغط على السكان، وإجبارهم على ترك مدينة غزة والنزوح نحو الجنوب.
وتجسد قصة الفلسطيني أحمد خلّة (43 سنة) مأساة آلاف الأسر التي هجّرها القصف العشوائي من الدبابات والطائرات الحربية، إضافة إلى إطلاق الطائرات المُسيرة، وتحديداً “الكواد كابتر”، النار على كل ما يتحرك، ما دفعه إلى النزوح قسراً من جباليا النزلة إلى خيمة قرب المدينة المصرية شمال غربي مدينة غزة.
يقول خلّة لـ”العربي الجديد”: “كانت الطائرات الحربية تقصف بلا توقف، والمدفعية لا تتوقف عن دكّ بيوتنا، ما اضطرنا إلى المغادرة بحثاً عن مقومات حياة معدومة أصلاً. نعيش الآن وسط مئات الأسر في خيام مزدحمة، لكننا نرفض النزوح جنوباً لأننا نرى في ذلك استسلاماً لمخططات الاحتلال الرامية إلى تهجيرنا”.
بدوره، يروي محمد مهدي (37 سنة) تفاصيل اللحظة المرعبة التي أجبرته على ترك منزله الواقع في شارع أحمد ياسين، شمالي مدينة غزة، إذ اخترقت رصاصات قناص إسرائيلي جدران شقته الكائنة في الطابق السادس. ويقول: “نجونا بأعجوبة، وعندها أدركت أن البقاء بات مستحيلاً، وغادرت مع أسرتي إلى مخيم الشاطئ. أثق أنه لا توجد مناطق آمنة كما يزعم الاحتلال، فالقصف يطاول كل مكان. قرار النزوح كان قاسياً، والرحلة كانت صعبة، إذ خرجنا تحت الرصاص بعدما تقطعت بنا السُّبل، ولم تعد تتوفر لنا أدنى مقومات الحياة من مياه وغذاء. رغم ذلك، لن أنزح إلى جنوبي القطاع مهما كلفني الأمر من ثمن”.
يعيل مهدي سعيد مرزوق (64 سنة) أسرة من ستة أفراد، ويقول بصوت منهك لـ”العربي الجديد”: “نزحت من بيتي القريب من بركة الشيخ رضوان إلى مخيم الشاطئ بعدما اشتدت وتيرة القصف. لم أجد مكاناً لنصب الخيمة بسبب الاكتظاظ، كما بتنا عاجزين عن توفير الماء والطعام. نعيش في انتظار المجهول، ونرجو أن تنتهي هذه الحرب قبل أن تحتل قوات الاحتلال مدينة غزة بالكامل”.

بعد سلسلة من النزوح المتكرر، وجد الفلسطيني إبراهيم المدهون ضالته في البقاء بمدينة دير البلح في المحافظة الوسطى، حيث نصب خيمته على مساحة صغيرة داخل إحدى الأراضي الخالية إلى جانب عشرات النازحين. ويوضح لـ”العربي الجديد”، أنه يواجه صعوبات بالغة في التنقل من منطقة إلى أخرى نتيجة الازدحام في المنطقة، كما يعاني لتوفير احتياجات عائلته. 
يقول المدهون إن “الحياة صعبة للغاية في المحافظة الوسطى، ولا تخلو أيضاً من القصف رغم ادعاء الاحتلال أنها ضمن المناطق الآمنة، كما لا تتوفر المياه الصالحة للشرب، ولا الكميات الكافية من مياه الاستخدام اليومي. انتقلت من معاناة شمالي غزة إلى معاناة أخرى في المحافظة الوسطى، وقد قررت عدم البقاء هنا، والعودة إلى الشمال. السبب الرئيسي الذي دفعني إلى النزوح للمحافظة الوسطى، هو اقتراب موعد ولادة زوجتي، إذ خشيت من تنفيذ الاحتلال خطة احتلال المدينة، وعدم التمكن من الوصول إلى المستشفى عند موعد الولادة. لكن الأوضاع في الوسطى صعبة أيضاً، وسأعود إلى شمال غزة خلال الأيام القليلة القادمة”.
ويدّعي الاحتلال أن مناطق جنوب القطاع تتسع لاستقبال موجات النزوح الجديدة، لكن الحقائق على الأرض تنفي ذلك تماماً. ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي أن محافظتي الجنوب والوسطى مكتظتان بأكثر من 1.25 مليون نسمة، يعيش غالبيتهم في خيام عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، والمناطق التي يشير إليها الاحتلال بأنها “مناطق بديلة”، مثل المواصي وبعض أراضي الوسطى، غير مهيأة ولا آمنة، وجميعها مهددة بالقصف.

حرب الإبادة على غزة | شهداء بقصف محطة بترول بالنصيرات وحرق خيام النازحين بالشيخ رضوان

حرب الإبادة على غزة | شهداء بقصف محطة بترول بالنصيرات وحرق خيام النازحين بالشيخ رضوان

في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة المحاصر، من خلال غارات كثيفة تؤدي إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى يوميا، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن أربعة مسؤولين مطلعين، أمس الثلاثاء، قولهم إن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية منقسمة بشأن إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء حرب غزة. وقالت الصحيفة إن عددا من الشخصيات القيادية في الجيش وجهاز (الموساد) والحكومة دعوا إلى العودة إلى النهج التدريجي لحل النزاع، بدءًا بهدنة مؤقتة، مضيفة أن نتنياهو ووزراء كبار آخرون يفضلون الآن اتفاقًا أكثر صعوبة يهدف إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين دفعة واحدة وإنهاء الحرب بشروط وضعتها إسرائيل، وهي شروط رفضتها حركة حماس حتى الآن.

في موازاة ذلك، قال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير لجنود الاحتياط، أمس الثلاثاء، إن الجيش سيعمّق عملياته في غزة ولن يتوقف حتى الحسم. جاء ذلك خلال زيارته قاعدة نحشونيم، رفقة قائد الفرقة 99 يوآف برونير وقائد اللواء 11 في يوم تجنيد قوات الاحتياط للواء 11. وبحسب بيان صادر عن الجيش، قال زامير: “تكاتف أعداؤنا في كل أنحاء الشرق الأوسط في السابع من تشرين الأول (تشرين الأول 2023) ومنذ ذلك الحين لضربنا ولإبادتنا. نعمل بحزم ضدهم جميعاً باستمرار وبدون هوادة، إذ نلحق بهم ضربات قاسية وندمرهم ونحسم ضدهم وننتصر عليهم. تمتد أعمالنا إلى كل أرجاء الشرق الأوسط. لن تجد حماس أي مكان يمكنها اللجوء إليه، وفي أي مكان نعثر فيه عليهم، سواء إذا كانوا مسؤولين أو أفراد، نضربهم جميعاً طول الوقت. إننا نستعد لاستمرار الحرب، وسنكثّف ونعمّق أعمالنا القتالية، وبالتالي استدعيناكم. لقد بدأنا في مناورتنا في قطاع غزة وأقول ذلك لإبعاد الشكوك. أصبحنا ندخل إلى أماكن لم ندخل إليها لغاية الآن ونعمل فيها بكل حزم وقوة وشجاعة وبروح قتالية عالية. أود أن أقول لكم إن الجيش الإسرائيلي لا يعرض في أي مكان شيئاً إلا الحسم. لن نوقف الحرب إلى أن نحسم هذا العدو”.

وتزداد الظروف الإنسانية صعوبة وتعقيدا إثر إحكام الاحتلال حصاره على غزة ومنع دخول المساعدات الكافية لسكان القطاع، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة، أمس الثلاثاء، أنها سجّلت خلال الـ24 ساعة الماضية، 13 حالة وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينها 3 أطفال، ليرتفع إجمالي وفيات سوء التغذية إلى 361 شهيداً، منهم 130 طفلاً. ومنذ إعلان المجاعة، سُجّلت 83 حالة وفاة، من بينها 15 طفلاً. وتتكشف يوما بعد يوم صور مأساوية لمعاناة الغزيين الذين وجدوا أنفسهم بلا مصدر دخل وبلا عمل أو قدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم، في ظل حرب ممتدة تلتهم مقومات الحياة، وتتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وغلاء الأسعار نتيجة شح البضائع.

“العربي الجديد” يتابع تطورات حرب الإبادة على غزة أولاً بأول..