“لن يبقى قريباً أحد لينقل ما يحدث” هذا الاقتباس جزء من رسالة بثتها مؤسسات إعلامية دولية في حملة تشارك فيها، الاثنين، للتنديد بقتل إسرائيل عدداً كبيراً من الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
الحملة التي تأتي بمبادرة من منظمتي “مراسلون بلا حدود” و”آفاز” غير الحكوميتين، تنظم “للمرة الأولى في التاريخ الحديث” بمشاركة أكثر من 250 وسيلة إعلامية من قرابة 70 بلداً.
وعبرت هذه الوسائل عن تضامنها مع الصحفيين القتلى سواء بشريط أسود على الصفحة الأولى، ورسالة على الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني، أو بافتتاحيات ومقالات رأي.
وتقول لجنة حماية الصحفيين الدولية إن 191 صحفياً قتلوا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بين عامي 2023 و2025، غالبيتهم فلسطينيون في قطاع غزة.
من هم أبرز الصحفيين الذين قُتلوا في حرب غزة منذ عام 2024؟
كيف تفاعلت وسائل الإعلام المشاركة؟
واستخدمت وسائل إعلام، رسالة موحدة، عُرضت على خلفية سوداء على الصفحات الأولى لصحف مثل لومانيتيه في فرنسا، وبوبليكو في البرتغال، ولا ليبر في بلجيكا ومؤسسة أريج للتحقيقات الاستقصائية، تقول “بالمعدل الذي يقتل فيه الجيش الإسرائيلي الصحفيين في غزة، لن يبقى قريباً أحد لينقل ما يحدث”.
وعرض موقع الجزيرة الإلكتروني باللغة الإنجليزية على صفحته الأولى مقطعاً مصوراً تجاوزت مدته 5 دقائق، يتضمن أسماء صحفيين فلسطينيين قتلوا في غزة، بعضهم كان يعمل مع المؤسسة القطرية، التي فقدت عدداً من مراسليها في القطاع على خلفية الحرب.
وقالت الجزيرة “إسرائيل تقتل الصحفيين”، داعية إلى “إبقاء أصواتهم”.
ونشر موقع ميديابارت الإلكتروني وموقع صحيفة لا كروا الإلكتروني مقالا خُصص للحملة.
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود في بيان، “تندد هذه المنظمات وهيئات التحرير بالجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الصحافيين الفلسطينيين دون عقاب، وتدعو إلى حمايتهم وإجلائهم على نحو عاجل، وتطالب بالسماح بدخول الصحافة الدولية إلى القطاع باستقلالية”.
وأضافت المنظمة المعنية بحقوق الصحافة، أنها رفعت أربعة شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد الجيش الإسرائيلي بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” ضد الصحفيين في قطاع غزة على مدار الاثنين وعشرين شهراً الماضية.
وقال المدير العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، تيبو بروتان، إن “الحرب لسيت ضد غزة فحسب بل ضد الصحافة. يُستهدف الصحفيون ويقتلون وتشوه سمعتهم”.
وتساءل بروتان، في بيان عبر موقع المنظمة الإلكتروني، “بدون (الصحفيين) من سينبهنا إلى المجاعة؟ من سيكشف جرائم الحرب؟ من سيظهر لنا الإبادة الجماعية؟”.
من جانبه، قال مدير الحملات في منظمة “آفاز”، أندرو ليغون، إن “من الواضح جداً أن غزة تُحوّل إلى مقبرة للصحفيين لسبب وجيه”، متهماً “الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بمحاولة إنهاء عملها سراً، بعيداً عن رقابة الصحافة”.
“إذا أُسكت آخر الشهود، فلن يتوقف القتل – بل سيمضي بدون أن يراه أحد”، وفق ليغون في بيان قال فيه “لهذا السبب، نتحد مع غرف الأخبار حول العالم اليوم لنقول ‘لا يمكننا، ولن نسمح بحدوث ذلك‘”.
أما الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، أنتوني بيلانجر، فقال إن الصحفيين في غزة “خاطروا بكل شيء لينقلوا الحقيقة للعالم، ودفعوا حياتهم ثمن ذلك”، مشيراً إلى أن “حق الجمهور في المعرفة تضرر بشدة نتيجة الحرب”.
إرهاق وجوع ورعب: هكذا يعيش ويعمل الصحفيون في غزة
وقفة تضامنية لصحفيين في دبلن تضامناً مع زملائهم في غزة في 27 آب/آب 2025
وفي تموز/ تموز الماضي، أعربت وكالات أنباء دولية، بينها بي بي سي ورويترز وأسوشيتد برس وفرانس برس، عن “قلقها العميق” إزاء الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعانيها الصحفيون العاملون في قطاع غزة، في ظل استمرار الحرب.
منذ بداية الحرب، لم يُسمح للصحافة الدولية بالعمل بحرية في الأراضي الفلسطينية. ودخلت قلة مختارة من وسائل الإعلام قطاع غزة، برفقة الجيش الإسرائيلي، وخضعت تقاريرها لرقابة عسكرية صارمة، وفق وكالة فرانس برس.
والشهر الماضي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه أعطى أوامره للجيش للسماح لمزيد من الصحفيين الأجانب بدخول القطاع.
وتأتي الحملة التي تشارك فيها أيضا صحيفة “لوريان لو جور” (لبنان)، و”ذا إنترسبت” (مؤسسة إعلامية استقصائية أمريكية)، وصحيفة “دي تاغس تسايتونغ” (ألمانيا)، بعد أسبوع من ضربات إسرائيلية أودت بعشرين شخصا بينهم خمسة صحافيين في مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب القطاع.
ووثّقت بي بي سي مقاطع مصورة تُظهر غارتين إسرائيليتين على مستشفى ناصر. وقال فريق بي بي سي لتقصي الحقائق إن أحد هذه المقاطع، صُور عبر بث مباشر على قناة الغد، أظهر عدداً من رجال الطوارئ وهم يهبون لنجدة ضحايا الغارة الأولى بالقرب من الطابق العلوي من مستشفى ناصر، بينما يلتقط عدد من الصحفيين في الخلفية المشهد.
وقال الجيش الإسرائيلي أن قواته استهدفت كاميرا تابعة لحماس في الضربتين اللتين نفذتا على مستشفى ناصر.
في حين، دعت لجنة حماية الصحفيين إلى إجراء “تحقيق شامل”.
ماذا قالت حماس وإسرائيل عن الحملة؟
وعلق القيادي في حركة حماس، عزت الرشق، على الحملة، قائلاً إنها تشكل “فضحاً لسياسة الاحتلال الإجرامية في استهداف وقتل الصحفيين الفلسطينيين، ومحاولاته الممنهجة للنيل من الإعلام والسردية الفلسطينية، بهدف تغييب حقيقة جرائم الإبادة والتجويع التي يرتكبها بحق شعبنا في قطاع غزّة”.
في المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مبادرة “مراسلون بلا حدود”، أنها “منحازة” ضد إسرائيل.
وقالت الوزارة في بيان، “عندما تختار 150 وسيلة إعلامية، بشكل متزامن، التوقف عن نقل الأخبار، وإلقاء قيم الصحافة وتعددية الآراء في سلة المهملات، وتنشر بياناً سياسياً موحداً مُعداً مسبقاً ضد إسرائيل، فإن ذلك يوضح الانحياز الكبير ضد إسرائيل في وسائل الإعلام العالمية”.
قال مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إن الجيش الإسرائيلي قصف “داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى للمرة الــ14 على التوالي”.
وأوضح المكتب في بيان له، إن طائرات إسرائيلية قصفت “خيمة للنازحين داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، وتحديداً قرب العيادة الخارجية بالمستشفى، ما أدى إلى وقوع إصابات في مكان القصف وإلحاق أضرار مادية وتهديد حياة عشرات المرضى داخل المستشفى لخطر الموت بشكل مباشر”.
ودان المكتب بـ”أشد العبارات” ما وصفه بـ”العدوان الهمجي والمستمر ضد المستشفيات، والذي يمثل خرقاً فاضحاً لكافة المواثيق الدولية والإنسانية”، محملاً إسرائيل والإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن “هذه الجرائم المُمنهجة، التي تندرج ضمن سياسة واضحة لتدمير البنية الصحية”.
ولم تعلّق إسرائيل على قصف المستشفى حتى الآن.
بينما أدانت حركة حماس في بيان لها قصف مبنى العيادات الخارجية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، معتبرة ذلك “جريمة حرب موصوفة، تهدف إلى تدمير ما تبقى من القطاع الطبي والمرافق المدنية في قطاع غزة”.
ودعة الحركة في البيان الذي نشرته على تلغرام، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة ومؤسساتها، إلى التحرّك لــ”وقف جرائم الإبادة”، والتدخّل لفرض الحماية للمدنيين والمستشفيات والمؤسسات العامة.
وفي مدينة غزة، أكدت مصادر طبية فلسطينية مقتل الصحافية إسلام عابد مراسلة قناة القدس برفقة زوجها وأبنائها، في قصف جوي إسرائيلي استهدف شقة سكنية بمدينة غزة مساء الأحد.
غزة تودّع صحفييها: حسام يوصي بعلاج زوجته مريضة السرطان، ومريم تترك كليتها لوالدها قبل رحيلها
يأتي ذلك في وقت أكدت فيه وكالة الأنباء الفلسطينية مقتل 90 فلسطينياً على الأقل في قطاع غزة منذ فجر الأحد، جراء العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
ونقلت الوكالة عن مصادر طبية، أن القتلى وصلوا إلى مستشفيات القطاع، إذ استقبل مستشفى الشفاء 20 جثة، وعيادة الشيخ رضوان 6 قتلى، ومستشفى الهلال- السرايا 7 قتلى، ومستشفى العودة 9 قتلى، ومستشفى الأقصى 21 قتيلاً، ومستشفى ناصر 27 قتيلاً على الأقل.
وأوضحت المصادر الطبية أن من بين القتلى، 38 شخصاً قتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى مساعدات إنسانية.
محاولة جديدة لكسر الحصار عن غزة
وانطلقت الأحد، سفن محملة بالمساعدات من برشلونة الإسبانية، متجهة إلى غزة، في محاولة جديدة لكسر الحصار البحري الإسرائيلي على القطاع وإيصال الغذاء والإمدادات الإنسانية الأخرى إليه.
نشطاء خليجيون يخططون للإبحار نحو غزة لكسر الحصار
وقالت عضوة اللجنة التوجيهية ياسمين عكار، إن المزيد من القوارب ستنضم إلى الأسطول من اليونان وإيطاليا وتونس.
ويقول المنظمون إنه تمّ جمع حوالي 250 طن من المساعدات في ميناء جنوة شمال غرب إيطاليا، تم تحميل بعضها على متن قوارب انطلقت من جنوة الأحد، بينما سيتم إرسال الباقي إلى ميناء كاتانيا في صقلية، حيث من المقرر أن تنطلق المزيد من السفن إلى غزة في 4 أيلول/أيلول.
دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الحكومة، الخميس، إلى البدء في ضم مناطق من قطاع غزة إذا استمرت حركة حماس في رفض نزع سلاحها.
وخلال مؤتمر صحفي في القدس، قدم الوزير اليميني المتطرف الذي يعارض بشدة أي اتفاق مع حماس لإنهاء الحرب الدائرة في القطاع منذ نحو عامين، خطته لـ”الانتصار في غزة بحلول نهاية العام”.
وبموجب مقترح سموتريتش، سُيوجه إنذار نهائي إلى حماس لتسليم أسلحتها والتخلي عنها، وإطلاق سراح الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في غزة منذ هجوم الحركة في تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
كما صرح سموتريتش بأنه في حال رفض حماس، يجب على إسرائيل ضم جزء من القطاع كل أسبوع لمدة أربعة أسابيع، مما يجعل معظم قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، مطالباً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “اعتماد هذه الخطة كاملة وفوراً”.
ولا يزال في قطاع غزة 49 رهينة من أصل 251، اُحتجزوا ونقلوا إلى غزة في هجوم السابع من تشرين الأول/تشرين الأول، ويقول الجيش الإسرائيلي إن 27 منهم لقوا حتفهم.
الاستيطان الإسرائيلي: هل تسعى إسرائيل إلى منع إمكانية إقامة دولة فلسطينية؟
نتنياهو ينفى “المماطلة” في إنهاء حرب غزة، و24 دولة تدعو إسرائيل للسماح بدخول “غير مُقيّد” للمساعدات إلى غزة
وخلال تلك الفترة، سيُطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى جنوب غزة، ثم ستفرض إسرائيل حصاراً على شمال ووسط القطاع لهزيمة أي مقاتلين متبقين من حماس.
وتأتي تصريحات سموتريتش هذه، في وقت يُكثف فيه الجيش الإسرائيلي هجماته في محيط مدينة غزة، تمهيداً للسيطرة عليها، وسط تزايد قلق المنظمات الإنسانية حول مصير المدنيين هناك.
وتُقدر الأمم المتحدة أن الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، اضطروا للنزوح مرة واحدة على الأقل خلال نحو عامين من الحرب هرباً من القصف والموت.
من جهتها، نددت حماس بهذا الاقتراح وقالت في بيان إنه “إقرار صريح بمشروع التهجير القسري والتطهير العرقي ضد شعبنا، ودليل دامغ لإدانة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية”.
وقد أقرت إسرائيل، الأسبوع الماضي، مشروعاً استيطانياً شرق القدس من شأنه فصل شمال الضفة الغربية المحتلة عن جنوبها، رغم تحذير المجتمع الدولي من أنه سيقوض فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة مستقبلاً.
وقال سموتريتش إن هذا المشروع المسمى E1 يهدف إلى “القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية”.
صورة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتاريخ 26 آب/آب.
مقترحات لإدارة غزة “بدون حماس”
وفي سياق متصل، قال مصدران مطلعان لموقع “أكسيوس” الأمريكي إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، ومبعوث ترامب السابق للشرق الأوسط، جاريد كوشنر، شاركا في اجتماع بشأن غزة في البيت الأبيض، يوم الأربعاء، وقدما للرئيس الأمريكي ترامب أفكاراً لخطة ما بعد الحرب.
كما قال مصدر لـ “أكسيوس” إن بلير وكوشنر خططا لمناقشة أفكار حول كيفية إدارة حكم غزة، دون وجود حماس في السلطة.
ووفقاً للمصدرين، فإن مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكو يناقش، خطة ما بعد الحرب في غزة، مع كوشنر وبلير منذ عدة أشهر.
حرب غزة: ما كلفة سيطرة إسرائيل الكاملة على قطاع غزة؟
من هو سمير حليلة المرشح لحكم قطاع غزة؟
وكان مسؤول في البيت الأبيض قد قال قبيل الاجتماع: “أكد الرئيس ترامب رغبته في إنهاء الحرب، ويريد السلام والازدهار للجميع في المنطقة. ليس لدى البيت الأبيض أي معلومات إضافية يُشاركها بشأن الاجتماع في الوقت الحالي”.
كما قال المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف لشبكة فوكس نيوز الأمريكية، يوم الثلاثاء: “إنها خطة شاملة للغاية نضعها في اليوم التالي (في غزة)، وسيشاهد كثير من الناس مدى قوتها ومدى حسن نواياها ومدى انعكاسها على الدوافع الإنسانية للرئيس ترامب”.
أقارب لفلسطينيين لقوا حتفهم، نتيجة لهجمات إسرائيلية على أجزاء مختلفة من مدينة غزة، 27 آب/آب 2025.
موظفون أمميون يطالبون بوصف حرب غزة بأنها”إبادة جماعية”
على جانب آخر، قالت وكالة رويترز إنها اطلعت على رسالة أرسلها مئات من موظفي الأمم المتحدة في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى المفوض السامي، يطلبون منه فيها وصف حرب غزة صراحة بأنها” إبادة جماعية متواصلة”.
وجاء في الرسالة التي وُجهت يوم الأربعاء، أن الموظفين يعتبرون أن “المعايير القانونية للإبادة الجماعية في الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين بين إسرائيل وحماس في غزة قد استوفت المعايير القانونية للإبادة”، مشيرين إلى حجم ونطاق وطبيعة الانتهاكات الموثقة هناك.
وأضافت الرسالة أن “الفشل في إدانة الإبادة الجماعية المتواصلة يقوض مصداقية الأمم المتحدة ونظام حقوق الإنسان نفسه”.
كما أشارت الرسالة كذلك إلى الفشل الأخلاقي الملحوظ للهيئة الدولية، لعدم بذل المزيد من الجهود لوقف الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي أودت بحياة أكثر من مليون شخص.
كيف نميز بين جريمة الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى؟
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك: “إن وصف حدث ما بأنه إبادة جماعية أمر متروك لسلطة قانونية مختصة”.
وعلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية، قائلة إنها لا ترد على رسائل موظفي الأمم المتحدة الداخليين “حتى لو كانت كاذبة، ولا أساس لها من الصحة، ومغطاة بالكراهية المفرطة تجاه إسرائيل”.
يمضي فضل كراز معلم لغة الإشارة من مكان لآخر حسبما يقدر في قطاع غزة المدمر، محاولاً الوصول إلى من يعرفهم من ذوي الإعاقة السمعية. يصل فضل إلى خيمة إيمان شلح أو أم محمد، التي تحكي لنا عن أبنائها الصم أيضاً، بلغة إشارة يترجمها لنا فضل: “أخاف عليهم كثيراً… لو هناك قصف قريب لا يسمعونه وبالتالي من الممكن أن يتعرضوا للأذى”.
بهذه الكلمات البسيطة والموجعة اختزلت إيمان شلح مأساة 20 ألف شخص من فاقدي السمع في قطاع غزة بحسب منظمة الصحة العالمية. بالنسبة لهؤلاء، الخطر لا يُسمع مقدما، بل يظهر فجأة، تاركاً إياهم الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للأذى.
مأساة إيمان ليست فقط في أنها فاقدة للسمع، ولا تستطيع سماع أصوات القصف والانفجارات لحماية نفسها وأبنائها منه، بل في أنها فقدت زوجها المعيل الوحيد للعائلة في هذه الحرب، وفقدت معه ابنتها، لتجد نفسها وحيدة في خيمة نزوح في مدينة غزة، مع ثلاثة أطفال، اثنان منهم فاقدان للسمع مثلها.
فضل كراز يرافق الصم والبكم في غزة ويعلمهم استشعار خطر القصف الذي لا يسمعون صوته
تواصل إيمان وصف معاناتها اليومية قائلة: “ما نعيشه في الحرب صعب صعب جدًا، أحاول أن أصرخ على أبنائي إذا رأيتهم يحاولون مغادرة الخيمة، لكن الصرخة لا تخرج مني لأنني لا أتحدث، ولا تصل لهم لأنهم لا يسمعون، هذا الخوف الدائم يجبرني على إبقائهم سجناء في مساحتهم الضيقة داخل الخيمة، خوفًا من عالم خارجي لا يستطيعون فك شفرة مخاطره الصوتية، دائما ما أسأل نفسي: إذا تركتهم يخرجون، وكان هناك قصف لا نسمع صوته، ماذا سيحدث لهم؟
أذن من لا يسمع
من رحم هذه المعاناة ولد دور فضل الذي يعمل في مجال تعليم لغة الإشارة في عدة جمعيات خيرية في قطاع غزة منذ 33 عاماً، ومع اندلاع الحرب، تطوع لمساعدة هذه الفئة بالمجان، ولم يتردد لحظة في تقديم خدماته.
يقول فضل: “عملي الطويل في مجال لغة الإشارة خلق علاقة وطيدة بيني وبين الصم والبكم، وأصبحت ارتاد مخيمات النزوح، وأقوم بزيارات لهم، كي أعلمهم بعض النصائح والتعليمات المنقذة للحياة، مثل كيفية تمييز وقت القصف من حركات المحيطين”.
ويضيف: “الاستجابة المثلى التي يجب أن يفعلوها في هذا الوقت للنجاة والحفاظ على حياتهم، كذلك بادرت بفكرة تعليم الأشخاص المحيطين بالصم والبكم في مخيمات النزوح أساسيات لغة الإشارة، كي يكونوا قادرين على التواصل معهم وإنقاذهم وقت الحاجة”.
“الأطفال ينامون على بطون فارغة”، شهادات تكشف تفاقم المجاعة في قطاع غزة المنكوب
ويضيف فضل: “من بين من أعرفهم جيداً أم محمد وأبنائها، بدأت معرفتي بها حينما رأيتها ترتاد إحدى الجمعيات التي أعمل بها طلبا للمساعدة، فرق قلبي لحالها، خاصة بعدما خسرت معيلها الوحيد، فهذا هو أكثر وقت تحتاج فيه لمن يمد لها ولصغارها يد العون”.
يدرك فضل أن التحديات التي نتجت عن الحرب تتجاوز خطر القصف المباشر، فهي تمس أبسط تفاصيل الحياة، ويروي لنا موقفًا يكشف مدى عمق الأزمة: “في إطار مبادرتي لزيارة النازحين من الصم والبكم، وتقديم يد العون لهم، عندما كنت أزور أم محمد و أبنائها يوماً في خيمتهم داخل إحدى المدارس التي تحولت لدار إيواء، كانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، فطلبت منها شربة ماء، فصدمتني بقولها إنه لا يوجد لديها ولا لدى صغارها قطرة ماء”.
عندما سألتها عن السبب أخبرتني أن السيارة المخصصة لنقل وتوزيع المياه حينما تصل للمخيم، يقوم سائقها بالضغط على بوقها أكثر من مرة لتنبيه النازحين، فيتزاحمون بدورهم للحصول على المياه، أما أنا فلا أسمع صوت البوق، وبالتالي دائما ما يفوتني نصيبي من مياه الشرب”، وفق فضل.
فضل كراز معلم لغة الإشارة مع عائلة أم محمد
يضيف مدرب الإشارة: “هذا الوضع كان يجعل أم محمد مضطرة للذهاب لخيام جيرانها النازحين، وسؤالهم بعض الماء، ما أثر في بشكل عميق، وجعلني أفكر في إيجاد طريقة لمساعدتها، ومن هنا جاءت مبادرتي بتعليم جيران الصم والبكم أساسيات لغة الإشارة، كي يتواصلوا مع أم محمد وينبهونها بقدوم صهريج المياه لتأخذ حصتها منها، كذلك أحرص على الحضور بنفسي أحيانا لأعبئ لها ما تحتاجه من مياه، لكنني لا أقوى على فعل هذا دائما، فكان الحل الأمثل هو إيجاد لغة تواصل بينها وبين الآخرين.”
“غزة لم تعد جحيماً فقط، بل أصبحت أسوأ”
من هنا، بات دور فضل كراز لا يقتصرعلى التواصل، بل يمتد لتعليم استراتيجيات البقاء، يقول عنه الطفل محمد شلح البالغ من العمر 12 عاما بوعي يفوق عمره: “الأستاذ فضل علمني الكثير، علمني عندما أشاهد الناس تجري وقت القصف ألا أخرج إلى الشارع، وأظل في مكاني حتى يكون المكان آمنًا لأنني لا أسمع، أنا لا أستطيع تخيل مصيري أنا وأمي وأختي في هذه الحرب إن لم يكن الأستاذ فضل موجودا”.
ورغم إدراكه للخطر المحيط، يصر فضل على مواصلة الطريق الذي اختاره لنفسه، كمتطوع لغة إشارة في هذه الحرب، يقول عن اختياره: “أحيانًا وأنا في الطريق لزيارة أسرة نازح من الصم والبكم، تراودني أفكار مثل: ماذا لو حدث قصف هنا أو هناك؟ بالتأكيد أشعر بالخوف”.
“لكن ثمة شعور آخر يزاحم الخوف بداخلي، شعور بالرغبة الحقيقية في تنفيذ هذه المبادرة، في إنقاذ هؤلاء البشر، وإن كان على تعريض حياتي للخطر أن ذهبت لمكان ما، فالخطر في قطاع غزة كله”، بحسب فضل.
“أطفالنا للصم”: يد تساعد من تحت الركام
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”
هذا الصمود الفردي لفضل كراز تدعمه جهود مؤسسية، تكاد تكون الوحيدة الصامدة في غزة، “جمعية أطفالنا للصم” التي لم تكن مجرد جمعية من جمعيات المجتمع المدني، بل كانت شريان حياة لهذه الفئة، فهي الوحيدة التي ما زالت تقدم خدماتها لفاقدي السمع في قطاع غزة، رغم تعرض مقرها للقصف.
يؤكد مدير الجمعية فادي عابد ل بي بي سي، أن الجمعية واجهت نفس مصير الكثيرين: “مقرنا، حاله كحال باقي المؤسسات، تعرض لضرر بالغ جدًا أدى إلى توقف الخدمات”.
لكن الإرادة كانت أقوى من الدمار، حيث يضيف عابد: “نظرًا للحاجة الكبيرة، تمكنت جمعية “أطفالنا للصم” من إيجاد مكان جديد لاستمرار عملها وعدم توقف الخدمات الأساسية، هذا الإصرار على البقاء لم يكن مجرد رد فعل، بل كان فلسفة عمل في وجه حرب طويلة المدى، ولا نعلم متى ستضع أوزارها، وإصرار الناس على البقاء والعودة للروتين اليومي، كان دافعاً أساسياً لنا، رغم اقتراب الحرب من عامها الثاني.”
ما تداعيات احتلال إسرائيلي كامل لغزة على سكانها وحماس؟
أمام واقع المدارس المدمرة ومراكز الإيواء المكتظة، ابتكرت الجمعية حلولاً من رحم الأزمة كما يقول مديرها: “البديل كان إيجاد نقاط تعليمية أو صفوف دراسية في الخيام لتعليم الصم والبكم، والأمر الأكثر إلهامًا، هو أن من قام بتجهيز هذه الفصول، هم الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم”.
وتابع: “بعد أن فقدوا فرص عملهم بسبب الحرب، قمنا بإعادة استيعابهم وتأهيل الورش اللازمة لهم، هم من قاموا بتصنيع الأثاث والطاولات والكراسي للطلاب، ليكونوا نموذجًا وقصة صمود يحتذى بها، وهؤلاء الطلاب كانوا قبل الحرب من المترددين على الجمعية، وممن حصلوا بداخل أروقتها على العديد من الأنشطة التعليمية التي مكنتهم من أداء مهمتهم في الحرب بنجاح”.
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”
خلف هذه القصص الإنسانية، يسلط فادي عابد الضوء على أرقام وصفها بالصادمة، حسب مسوحات ميدانية قامت بها الجمعية، تكشف عن أزمة صحية متفاقمة يعانيها فاقدو السمع في قطاع غزة، فبحسب الجمعية، هناك35 ألف شخص في غزة، بينهم أطفال وبالغون، يعانون من فقدان السمع بشكل مؤقت أو دائم نتيجة الانفجارات المتواصلة، والتلوث البيئي، وغياب الرعاية الطبية اللازمة.
كما تضاعف معدل الإصابات بمشاكل السمع ثلاث مرات -بحسب جمعية “أطفالنا للصم”- عما كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في مشاكل السمع لدى الأطفال حديثي الولادة الذين وُلدوا أثناء الحرب، ما يتطلب تدخلات عاجلة.
“ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد”؟ غزيون يستحضرون كلمات وداع أحبتهم
كما تشير مسوحات الجمعية بحسب مديرها فادي عابد، إلى أن 83% من ذوي الإعاقة السمعية فقدوا أدواتهم المساعدة، كالسماعات الطبية، نتيجة النزوح المتكرر وعدم وجود صيانة أو قطع غيار، ويزيد الطين بلة، بحسب عابد، منع إسرائيل لدخول أدوات مساعدة جديدة إلى القطاع، رغم الحاجة الماسة لها.
تتشابك خيوط هذه القصة لترسم لوحة واقعية لواقع الصامتين في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، الأم إيمان التي تحاول أن تكون درعاً حامياً لأطفالها، والطفل محمد الذي يواجه الخطر بوعي بصري نافذ، ومدرب لغة الإشارة فضل الذي يمد جسور التواصل بيديه لكل من يحتاجه، وفادي الذي يقود مؤسسة تحاول إعادة بناء الحياة من تحت أنقاض الحرب، جميعهم بدوره ومن موقعه يروي فصلاً مختلفاً من فصول الحرب، وشهادات حية.
“ماما أين جوري؟ اذهبي يا ماما وأحضري جوري”، لا تفارق ذكرى الطفلة جوري التي رحلت متأثرة بمعاناتها من الجوع في قطاع غزة، ذهن شقيقتها التي تسأل والدتها بخوف: “أنا يا ماما سأموت مثل جوري؟”.
تقول والدة جنى عياد إن ابنتها: “بين الحياة والموت، ووضعها صعب للغاية. وأتمنى أن تخرج ابنتي للعلاج في الخارج لتصبح مثل أي طفلة”.
فقدت الأم ابنتها جوري ذات العام ونصف العام “بسبب الجوع”، والمضاعفات الصحية الخطيرة التي ترتبت عليه، مضيفة: “أنا لا أقوى على فقد ابنتي الثانية”.
ويعاني قطاع غزة من جوع جماعي في ظل الحرب المستمرة منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وتفرض إسرائيل حصاراً محكماً على القطاع شددته في الثاني من آذار/آذار الماضي بمنع دخول أي مساعدات أو سلع تجارية، ما تسبب بأزمة إنسانية.
وفي أواخر أيار/أيار بدأت بالسماح بدخول كميات محدودة من المواد الغذائية تولت توزيعها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، وترفض الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة التعاون مع خطط المؤسسة، التي يرون أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية، و”تستخدم المساعدات كسلاح”.
“الجوع هو الشعور الأقذر في الكون”، فلسطينيون يقضون أياماً بلا طعام في قطاع غزة
التجويع كـ”سلاح حرب”: ماذا يعني ومتى استُخدم في التاريخ؟
مجاعة “حقيقية لدرجة الرعب”
تقول والدة جنى عياد لبي بي سي، إن المجاعة التي يمر بها قطاع غزة حقيقية لدرجة الرعب، وأنا لا أعمل ومسؤولة عن أبنائي مسئولية تامة لأن والدهم سافر إلى مصر قبل الحرب في رحلة علاجية مع والده، واندلعت الحرب ولم نره منذ ذلك الحين”.
تتساءل الأم: كيف لي أن أقدر على الأسعار المرتفعة جداً لأبسط السلع؟ كيف لي أن أوفر قوت أبنائي؟
وتعتمد والدة جنى بشكل أساسي على التكيات (المؤسسات الخيرية)، وتقول: “إذا لم تتوافر التكية لا نأكل، بالكاد أستطيع أن أوفر لأبنائي قطعة خبز مع دقة (أكلة شعبية في القطاع هي مزيج من البهارات والأعشاب والمكونات المجففة) أو صحن عدس على مدار اليوم”.
تعود الأم بالذاكرة لما قبل الحرب، وتصف كيف كانت جنى تتمتع بـ”حالة صحية جيدة للغاية”، لكن “بسبب سوء التغذية وضعها الصحي تدهور وفقدت الكثير من وزنها حتى صارت هيكلاً عظمياً”.
وترتب على ذلك “مضاعفات صحية خطيرة”، لتنقل الأم جنى لمستشفى أصدقاء المريض ليُبلغ الأطباء أن جنى في “حالة حرجة للغاية وتتطلب إمكانيات علاجية ليست متوفرة في القطاع”.
الدجاج والسمك.. أمنية جنى
تتمالك والدة جنى أعصابها مجدداً لتكمل الحديث وتسترجع ذكرياتها مع ابنتها الراحلة: “جوري كان عمرها سنة ونصف عندما رحلت عن عالمنا، وكانت شديدة التعلق بجنى، دائماً كانتا تلعبان معاً، وفجأة غابت عنها”.
ترى الأم أن رحيل جوري “أثر كثيراً على على حالة جنى النفسية فأصبحت تُكثر من تصفح صورهما المشتركة ثم تتساءل بخوف، إن كانت ستلقى مصير شقيقتها.
“لم تعد قادرة على المشي، طوال الوقت نائمة على ظهرها، لا تقوى على أداء أبسط حركة، وبطنها منتفخ للغاية، ومضاعفات الجوع أثرت على قدرتها على الرؤية والحركة، والأطباء يقولون إن حالتها خطيرة للغاية”.
تتمنى جنى أن تعيش حتى ترى أباها وتعانقه مرة أخرى، أن تأكل الدجاج والسمك، وتطلب أشياء لا تقوى الأم على تحقيقها رغم بساطتها، بحسب الأم التي تسأل، هل تطيق أي أم أن تتحمل لساعة ما احتمله أنا كل يوم؟
ووفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية، توفي 266 من سكان غزة نتيجة “المجاعة وسوء التغذية” في الحرب.
الجسم يأكل نفسه
وللوقوف على تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة الأطفال الذين يموتون جوعاً يقول الطبيب أحمد الفرا رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي في قطاع غزة إن الجسم “يبدأ بأكل نفسه ويتغذى على النسيج الشحمي تحت الجلد”.
وبعد استهلاك النسيج الشحمي تحت الجلد، يلجأ الجسم للعضلات، فلا يتبقى من جسد الطفل المريض سوى العظام التي تكسو الجلد، وهنا يحصل مشهد الأطفال كهياكل عظمية، ويصل الجسم إلى مرحلة من الجفاف الشديد، وفق الفرا.
وكذلك يحدث تراجع العينين إلى الداخل، وتتحول نظراتها إلى ما يُطلق عليه بلغة الطب “miserable” أو “misery look” أي نظرة مأساوية.
ويضيف: “يميل الطفل إلى الاكتئاب، ويحدث لديه إسهالات بسبب قلة الإنزيمات التي يفرزها البنكرياس للهضم، وتنخفض درجة حرارة الجسم، وينخفض الضغط، وينخفض عدد ضربات القلب، ويدخل الجسم في مرحلة من الكمون أو السكون”.
وفي هذه المرحلة يصل جهاز المناعة إلى أدنى مستوياته، ويحدث انتفاخ شديد في البطن، واختلال في أملاح الدم، وبطء شديد في ضربات القلب، وقد يحدث التهاب بكتيري في الدم نظراً لضعف المناعة لدى الطفل.
وبعد مرور الجسم بكل هذه المراحل يدخل في غيبوبة لمحاولة الحفاظ على ما تيسر من تغذية إلى الدماغ، وما لم يحدث تدخل في هذه اللحظة تتوقف عضلة القلب إلى الأبد، بحسب الطبيب.
مسؤول أممي لبي بي سي: “المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب”
واتّهمت منظمة العفو الدولية، إسرائيل باتّباع سياسة تجويع “متعمّدة” في غزة.
وكانت منظمة العفو اتهمت إسرائيل في نيسان/نيسان بارتكاب “إبادة جماعية على الهواء مباشرة” في غزة، واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه الاتهامات “كاذبة وعارية عن الأساس”.
وفي 12 آب/آب نفت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) التابعة لوزارة الدفاع والمشرفة على الشؤون المدنية، وجود مؤشرات إلى سوء تغذية واسع النطاق في قطاع غزة.
الطفلة الفلسطينية زينب أبو حليب، التي توفيت بسبب سوء التغذية في مستشفى ناصر في خان يونس، جنوب قطاع غزة
ولا ينسى الطبيب الفرا حالة طفلة اسمها زينب أبو حليب، التي يقول عنها إنها وُلدت جميلة لم تكن تشكو من شيء، لكن والدتها كانت تعاني من سوء تغذية حاد فلم تستطع إرضاعها، وبالتالي لجأت إلى الحليب الاصطناعي، لكن أمعاء زينب تعرضت للتحسس من ذلك الحليب، وهو ما يُطلق عليه “حساسية الحليب البقري”.
وأصبحت الطفلة تعاني من القيء والإسهال حتى دخلت في حالة شديدة من سوء التغذية، وانتهى بها الأمر إلى أن أصيبت بجلطة في الدم شفيت منها بالمضادات الحيوية، لكن بعد ذلك باتت ضعيفة، غير قادرة على الحركة، وأصبح لديها انتفاخ شديد في البطن، وبدأت في فقدان العضلات والنسيج الشحمي، ما أدى إلى وفاتها.
واختتم الفرا حديثه لبي بي سي عن هذه الطفلة قائلا: “حتى الوفود الدولية عندما دخلت وشاهدت الحالة، صُعقت من هول ما رأت”.