قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي

قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي

في الأول من أيلول/ أيلول 1969 أطاح انقلاب عسكري بقيادة معمر القذافي بالنظام الملكي في ليبيا بينما كان الملك محمد إدريس السنوسي يتلقى العلاج في تركيا، فمن هو محمد إدريس السنوسي؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن محمد إدريس السنوسي أو إدريس الأول وُلد في 13 آذار/ آذار من عام 1890 في جغبوب في برقة بليبيا، وتوفي في 25 أيار/ آيار من عام 1983 في العاصمة المصرية القاهرة، وكان أول ملك لليبيا عندما نالت استقلالها عام 1951.

  • إعلان استقلال ليبيا وتتويج الملك السنوسي 1951
  • “ليبيا إدريس”.. حكاية شابة كان اسمها ممنوعا في عهد القذافي

البدايات والاستعمار الإيطالي

ترعرع محمد إدريس المهدي السنوسي في جغبوب، المعقل الروحي للطريقة السنوسية، وهو الابن الأكبر لمحمد المهدي السنوسي وحفيد مؤسس الطريقة الإمام محمد بن علي السنوسي.

ويقول الكاتب علي عبد اللطيف حميدة في كتاب “المجتمع والدولة والاستعمار في ليبيا” إن السنوسي نشأ في بيئة دينية متأثرة بالتصوف والإصلاح الإسلامي، حيث كان للسنوسية دور كبير في نشر الدعوة والتعليم الديني في الصحراء الكبرى وربط القبائل الليبية بروابط دينية واجتماعية وثيقة.

ومنذ صغره، تشرّب إدريس قيم الزهد والالتزام الديني والانضباط التي ميّزت رجال الدعوة السنوسية، وهو ما هيأه لاحقاً لقيادة الحركة في مرحلة دقيقة من تاريخ ليبيا.

وفي عام 1902، توفي الأب لكن الأبن لم يتول الزعامة مباشرة لأنه كان صغيراً، فقد انتقلت زعامة الطريقة أولاً إلى ابن عمه، أحمد الشريف.

وبعد أن تولى إدريس القيادة بمفرده بعد عام 1916، كانت أول مشكلة واجهها هي التعامل مع الإيطاليين، الذين غزوا ليبيا في عام 1911 في محاولة لإنشاء إمبراطورية شمال أفريقية، لكنهم لم يتمكنوا من بسط سلطتهم إلى ما وراء الساحل.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه بعد احتلال الإيطاليين لليبيا عام 1911 واجهوا مقاومة طويلة الأمد من قبل السنوسيين في برقة، وهي المقاومة التي حرمتهم من السيطرة التامة على البلاد حتى عام 1931، عندما أسروا وأعدموا قائد المقاومة السنوسية المسلحة لأكثر من 20 عاما عمر المختار.

وقد شهدت ليبيا عقب الاحتلال الإيطالي عددا من المعارك الكبيرة بين المقاومة بقيادة المختار والقوات الإيطالية، منها معركة درنة فى أيار/آيار عام 1913 التي دامت يومين، وانتهت بمقتل 70 جندياً إيطالياً وإصابة نحو 400 آخرين، ومعركة بوشمال عند عين ماره فى تشرين الأول/تشرين الأول عام 1913، فضلا عن معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة في شباط/شباط عام، 1914 والتي كان يتنقل خلالها المختار بين جبهات القتال ويقود المعارك.

وكان إدريس السنوسي رغم صغر سنه في عام 1911، مرجعية معنوية للمجاهدين، غير أن موقعه كزعيم ديني جعله أكثر ميلاً للتفاوض أحياناً من خوض المعارك المباشرة، وهو ما ظهر في اتفاقياته مع الإيطاليين لاحقاً.

تولى عمر المختار قيادة المقاومة المسلحة ضد الإيطاليين
تولى عمر المختار قيادة المقاومة المسلحة ضد الإيطاليين
  • حقائق ومعلومات عن ليبيا
  • ليبيا: التاريخ الاستعماري الايطالي ملطخ بالدماء

وبموجب صلح عكرمة في عام 1917 ضمن إدريس وقف إطلاق النار، وبالتالي تأكيد سلطته في برقة الداخلية، وأُبرمت اتفاقية أخرى عام 1919، وأُنشئ بموجبها برلمان برقة، وحصل إدريس وأتباعه على منحة مالية.

وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى، تحولت السنوسية إلى قوة إقليمية بعد أن دخلت في تحالف مع الدولة العثمانية وألمانيا ضد بريطانيا وإيطاليا، ولعب إدريس السنوسي دوراً سياسياً مهماً في إدارة هذا الوضع، خاصة وأن السنوسيين دخلوا في مواجهة مع القوات البريطانية في مصر والسودان.

لكن مع نهاية الحرب، أدرك إدريس أن موازين القوى العالمية قد تغيرت وأن الاستعمار الأوروبي أصبح واقعاً لا يمكن هزيمته بسهولة، وهو ما دفعه لاحقاً إلى انتهاج سياسة أكثر براغماتية مع إيطاليا وبريطانيا.

وفي عام 1920، وقّع إدريس معاهدات مع الإيطاليين اعترفت به أميراً على برقة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الوطنيين الليبيين، فالبعض اعتبر ذلك تنازلاً، فيما رأى آخرون أنها خطوة ذكية لحماية برقة والحفاظ على نوع من الحكم الذاتي.

وبالفعل، استطاع إدريس أن يؤسس نظاماً إدارياً منظماً في برقة، مستنداً إلى المؤسسات السنوسية والتقاليد القبلية، مما جعل برقة تتمتع بشيء من الاستقرار مقارنة ببقية ليبيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال المباشر. وذلك بحسب الكاتب محمد الطيب الأشهب في “كتابه السنوسية وحركة التحرر في ليبيا”.

الفاشية والحرب العالمية الثانية

غير أن هذا التوازن لم يدم طويلاً، فمع صعود الفاشية في إيطاليا بقيادة موسوليني وإحكام قبضته على الحكم في تشرين الأول/ تشرين الأول من عام 1922 انهارت التفاهمات السابقة، وشنّ الإيطاليون حرباً شرسة على المقاومة الليبية، خاصة في برقة بقيادة عمر المختار.

وفي هذه المرحلة، غادر إدريس السنوسي إلى مصر عام 1923، ليعيش في المنفى لسنوات طويلة، ولكنه ظل يمثل القيادة السياسية، فيما تولى عمر المختار قيادة الكفاح المسلح، وهكذا توزعت أدوار القيادة بين المنفى والميدان لكن الهدف ظل واحداً وهو مقاومة الاستعمار.

وعلى الأرض في ليبيا، أرادت إيطاليا أن تمنع طريق الإمداد على المقاومة فاحتلت واحة جغبوب، لكن ذلك لم يحل دون تصاعد عمليات المقاومة، مما دفع موسولينى لتعيين بادوليو حاكما عسكريا لليبيا في كانون الثاني/كانون الثاني عام 1929.

موسوليني يلقي خطبة في حشد من مؤيديه في روما عام 1936
موسوليني يلقي خطبة في حشد من مؤيديه في روما عام 1936

وقد أعرب بادوليو عن رغبته في التفاوض مع المختار الذي استجاب لذلك وتم إبرام هدنة مدتها شهرين.

وفي كتابه “عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء” يقول محمد محمود إسماعيل، إن المختار نشر رسالة إلى الليبيين في ذلك الوقت قال فيها، إنه وافق على تلك الهدنة مقابل عودة الأمير محمد إدريس السنوسي، وانسحاب الإيطاليين من جغبوب، والعفو العام عن كل المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم.

ولم ينفذ الإيطاليون بنود الهدنة، وقبل نهايتها طالبوا بتمديدها بحجة سفر بادوليو لروما، فمددت لعشرة أيام وعشرين يوما.

وهكذا عندما اكتشف عمر المختار أن الإيطاليين يريدون كسب الوقت صعد من عمليات المقاومة فعين موسولينى الجنرال غراتسيانى محل بادوليو ، وفى 1931 سقطت منطقة الكفرة بأيدي الإيطاليين الذين شددوا ضغوطهم على المختار.

وفي 11 أيلول / أيلول 1931 نجح الإيطاليون في أسر عمر المختار بعد معركة قتل فيها جواده وتحطمت نظارته.

وبعدها بثلاثة أيام في 14 أيلول / أيلول، وصل القائد الإيطالي غراتسياني إلى بنغازي، وأعلن على عجل انعقاد المحكمة الخاصة في 15 أيلول / أيلول 1931، وفي الساعة الخامسة مساء اليوم المحدد لمحاكمة عمر المختار صدر الحكم عليه بالإعدام شنقا.

  • موسوليني: قصة حليف هتلر الذي اعتبره الكثيرون “رجلا خارقا

أما في مصر، فقد أقام إدريس شبكة علاقات سياسية ودبلوماسية مهمة، إذ استطاع بصفته أمير برقة وزعيماً للسنوسية أن يكسب ود الحكومة المصرية والبريطانيين.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، عاد إلى الواجهة من جديد، حيث تحالف مع بريطانيا ضد إيطاليا وألمانيا، وقد شكّلت القوات السنوسية المعروفة بـ “الجيش السنوسي” جزءاً من قوات الحلفاء في شمال أفريقيا، ولعبت دوراً في المعارك ضد قوات المحور.

وقد عزز هذا التحالف مع بريطانيا موقع إدريس السياسي، ومهّد الطريق لاعتراف دولي به كزعيم ليبي بعد الحرب.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت ليبيا تحت إدارة بريطانية وفرنسية مؤقتة، وكانت قضية استقلالها مطروحة على طاولة الأمم المتحدة.

الاستقلال وقيام المملكة

الملك إدريس الأول ملك ليبيا يفتتح في بنغازي مراسم أول برلمان ليبي في آذار 1952
الملك إدريس الأول ملك ليبيا يفتتح في بنغازي مراسم أول برلمان ليبي في آذار 1952

وقد برز آنذاك إدريس السنوسي باعتباره الشخصية الأقدر على جمع شتات الليبيين والتحدث باسمهم.

وبالفعل، استطاع أن يقود المسار التفاوضي في الأمم المتحدة، حيث صدر القرار التاريخي بمنح ليبيا استقلالها في 21 تشرين الثاني/ تشرين الثاني من عام 1949، لتصبح أول دولة في أفريقيا تنال استقلالها عبر الأمم المتحدة، وقد كان هذا الإنجاز ثمرة سنوات طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي الذي قاده إدريس بحنكة وهدوء، وذلك بحسب ما ورد في كتاب “ليبيا بين الماضي والحاضر” لمحمد يوسف المقريف.

وفي 24 كانون الأول/ كانون الأول من عام 1951، أُعلن استقلال ليبيا رسمياً تحت اسم “المملكة الليبية المتحدة”، ونُصّب محمد إدريس السنوسي ملكاً عليها.

وبذلك، أصبح أول ملك لليبيا الحديثة، جامعاً بين ولاياتها الثلاث وهي برقة وطرابلس وفزان، وقد تميز حكمه منذ البداية بالسعي لتحقيق التوازن بين الأقاليم الثلاثة التي كانت مختلفة في تركيبتها السياسية والاجتماعية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه في عهد إدريس، كان للعرش نفوذٌ مُهيمنٌ على البرلمان وسيطرةٌ مُطلقةٌ على الجيش، وكانت الحكومة من سكان المدن الأثرياء وزعماء القبائل الأقوياء الذين تقاسموا المناصب الإدارية المهمة فيما بينهم ودعموا الملك.

وهذا الوضع، إلى جانب الدعم الخارجي من القوى الغربية والدعم العسكري الداخلي من رجال القبائل الموالين له، مكّن إدريس من السيطرة على شؤون الحكومة المركزية.

التحديات وانقلاب القذافي

وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، واجه الملك إدريس تحديات صعبة، أبرزها ضعف البنية الاقتصادية وندرة الموارد قبل اكتشاف النفط، فقد كانت ليبيا من أفقر دول العالم آنذاك، وتعتمد على المساعدات الدولية، خصوصاً البريطانية والأمريكية.

وقد سمح إدريس بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية على الأراضي الليبية مقابل الدعم المالي، ورغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه السياسة، إلا أنها ساعدت على استقرار المملكة حتى اكتشاف النفط في أواخر الخمسينيات.

ومع اكتشاف النفط، شهدت ليبيا تحولاً جذرياً، حيث تدفقت الثروات وبدأت مشاريع تنمية واسعة، غير أن ضعف المؤسسات، وانتشار الفساد في بعض الدوائر، إضافة إلى تمسك الملك بالأسلوب المحافظ في الحكم، جعلت الإصلاحات محدودة، كما أن تراجع صحة الملك وتقدمه في السن جعلاه أكثر اعتماداً على الدائرة الضيقة من مستشاريه، وهو ما خلق فجوة بين السلطة والشباب المتطلع إلى التغيير.

القذافي عقب انقلابه عام 1969
القذافي عقب انقلابه عام 1969

وفي السياسة الخارجية، تبنى الملك إدريس خطاً معتدلاً، معتمداً على التحالف مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنه في الوقت نفسه لم يعارض التعاون مع العالم العربي، إذ انضمت ليبيا إلى جامعة الدول العربية وشاركت في بعض المواقف القومية، وإن كانت بحذر شديد، وقد جعل هذا الموقف المتوازن ليبيا في منأى عن الصراعات الإقليمية الكبرى، لكنه عرّضها أيضاً لانتقادات التيار القومي العربي الذي كان يرى في إدريس ملكاً محافظاً قريباً من الغرب أكثر من اللازم.

  • معمر القذافي: أين انتهى المطاف بأفراد أسرته؟
  • شجرة عائلة معمر القذافي

ومع هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران/ حزيران من عام 1967، تصاعدت الضغوط الداخلية على النظام الملكي في ليبيا، فقد خرجت المظاهرات في طرابلس وبنغازي مطالبة بإغلاق القواعد الأجنبية، وهو ما استجاب له الملك إدريس، إذ أعلن إلغاء القواعد البريطانية والأمريكية بحلول 1970، غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاحتواء الغضب الشعبي، خاصة وأن المد القومي الناصري كان في أوجه.

وفي أيلول/أيلول 1969، بينما كان إدريس يتلقى العلاج في منتجع تركي، انقلب الجيش بقيادة معمر القذافي على الحكومة، فسافر إدريس أولًا إلى اليونان، ثم مُنح اللجوء السياسي في مصر.

وفي عام 1974، حوكم غيابيًا بتهم فساد، وأُدين، وظل في المنفى في القاهرة حتى وفاته في في 25 أيار/ آيار من عام 1983.

إرث متناقض

لقد رحل الملك إدريس السنوسي تاركاً إرثاً متناقضاً، فقد كان بطل الاستقلال ورمز توحيد ليبيا، لكنه في الوقت نفسه عُرف بحكم محافظ لم يحقق إصلاحات سياسية كبرى.

إن إرث إدريس يعكس التناقضات التي عاشتها ليبيا في القرن العشرين بين الدين والسياسة، وبين القبيلة والدولة، وبين الشرق والغرب، وبين المحافظة والتجديد، فقد جاء من بيئة سنوسية صوفية محافظة، لكنه تعامل ببراغماتية مع القوى الكبرى، وحكم في زمن يهيمن عليه الخطاب القومي الثوري، لكنه ظل متمسكاً بالاعتدال والتحالف مع الغرب.

وهكذا، بعد أكثر من نصف قرن على سقوط حكمه، ما زال اسم إدريس السنوسي يعود إلى النقاش كلما طرحت مسألة الشرعية والهوية الوطنية في ليبيا، فالبعض يستحضر ذكراه بوصفه رمزاً للاستقرار والوحدة، في مقابل عقود من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا بعده، والبعض الآخر يعتبر أن عهده كان بداية ضياع فرصة بناء دولة حديثة قوية.

وبين هذا وذاك، تبقى سيرته شاهداً على مرحلة تأسيسية في تاريخ ليبيا، حين خرج بلد فقير ممزق من سيطرة الاستعمار ليولد كدولة مستقلة.

ولعل كل ذلك ما يجعل صورته معقدة، فهو ليس بطلاً ثورياً على شاكلة عبد الناصر، لكنه أيضاً لم يكن مجرد دمية بيد الاستعمار، بل رجل توازنات حاول أن يحمي بلاده بأدوات السياسة الواقعية.

بريطانيا تغلق سفارتها في القاهرة “مؤقتاً” بعد إزالة السلطات المصرية الحواجز الأمنية من أمامها. فما القصة؟

بريطانيا تغلق سفارتها في القاهرة “مؤقتاً” بعد إزالة السلطات المصرية الحواجز الأمنية من أمامها. فما القصة؟

أعلنت المملكة المتحدة إغلاق سفارتها في القاهرة مؤقتاً بعد أن أزالت السلطات المصرية الحواجز الأمنية أمام المبنى.

وأفادت وزارة الخارجية البريطانية بأن المبنى الرئيسي لسفارتها في حي جاردن سيتي بالعاصمة سيبقى مغلقاً “إلى أن يُستكمل تقييم أثر هذه التغييرات”، موضحة في ذات الوقت أن السفارة ستواصل أداء مهامها.

وأفادت أنباء أن القرار جاء عقب تزايد مطالب داخل مصر باتخاذ إجراءات رداً على طريقة تعامل المملكة المتحدة مع احتجاج نُظم في لندن في وقت سابق.

وذكرت صحيفة “ديلي نيوز إيجيبت” أن ناشطاً موالياً للحكومة المصرية أُعتُقل الأسبوع الماضي، وأُفرج عنه لاحقاً بعد تصديه، على ما يبدو، لمحتجّين أمام السفارة المصرية في المملكة المتحدة.

ونقلت التقارير أن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أجرى اتصالاً هاتفياً الأسبوع الماضي مع مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، وطلب توضيحاً بشأن واقعة الاعتقال.

كما صرّح عبد العاطي في وقت سابق بأن لمصر “حق الرد بالمثل” تجاه الدول التي “لم تضمن الحماية للسفارات المصرية وفق أحكام اتفاقية فيينا”.

وأثار هذا الاعتقال جدلاً في مصر، إذ حث بعض المسؤولين السياسيين السلطات المصرية على رفع الحواجز أمام سفارة المملكة المتحدة في القاهرة.

وعلمت بي بي سي أن الحكومة البريطانية تواصل الحوار مع المسؤولين المصريين بشأن تأمين السفارة في القاهرة وضمان سلامة موظفيها.

وخصصت وزارة الخارجية البريطانية أرقاماً هاتفية للتواصل مع قسم نصائح السفر إلى مصر على موقعها الإلكتروني لمن قد يحتاج مساعدة قنصلية، ولم توجه الصفحة نصيحة بتجنب السفر إلى القاهرة، لكنها حذرت من السفر إلى بعض المناطق الأخرى في مصر.

وكانت السلطات المصرية قد نصبت حواجز ضخمة في محيط سفارتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة بالقاهرة منذ سنوات، وقال بعض المعارضين في مصر إن هذه الحواجز أدت إلى إعاقة حركة المرور في الشوارع المحيطة.

وسبق أن علّقت سفارة المملكة المتحدة في القاهرة نشاطها مؤقتاً في عامي 2013 و2014 لأسباب أمنية مختلفة.

كيف استخدمت إسرائيل الحراس الشخصيين كحلقة لاستهداف قادة إيران؟ في نيويورك تايمز

كيف استخدمت إسرائيل الحراس الشخصيين كحلقة لاستهداف قادة إيران؟ في نيويورك تايمز

نتناول في عرض الصحف الأحد، مقالاً في صحيفة “نيويورك تايمز” يتحدث عن آلية اغتيال إسرائيل لمسؤولين إيرانيين، ومقالا في الغارديان يتطرق إلى “الوضع الاستبدادي” الذي تعيشه الولايات المتحدة تحت حكم دونالد ترامب، ومقالا في الفايننشال تايمز عن كيف تلعب عملة البيتكوين دوراً في الثراء الجديد ورحلات السفر الفاخرة.

ونبدأ جولتنا من صحيفة “نيويورك تايمز” التي عنونت تقريرها المشترك لعدد من الصحفيين بـ “استهداف قادة إيران: إسرائيل وجدت الحلقة الأضعف في حراسهم الشخصيين”.

تذكر الصحيفة أن المسؤولين الإيرانيين كانوا حذرين فيما يتعلق باستخدام الهواتف النقالة، لكن وبحسب مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين، فإن الاستخدام المتهور لحراس الأمن الإيرانيين للهواتف النقالة على مدار عدة سنوات، بما في ذلك النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لعب دوراً محورياً “في السماح للمخابرات العسكرية الإسرائيلية بمطاردة العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، وللقوات الجوية الإسرائيلية بالانقضاض عليهم وقتلهم بالصواريخ والقنابل خلال الأسبوع الأول من حرب حزيران/حزيران”.

تشير الصحيفة إلى السادس عشر من حزيران/حزيران الماضي، وهو اليوم الرابع من حرب إيران مع إسرائيل، حين اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بشكل طارئ في مخبأ على عمق 100 قدم تحت منحدر جبلي في الجزء الغربي من طهران.

وعلى مدار أيام، أدى هجوم جوي إسرائيل متواصل إلى تدمير مواقع عسكرية وحكومية ونووية حول إيران، وأدى إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، حسب الصحيفة.

وتضيف: “وصل المسؤولون، ومن بينهم الرئيس مسعود بزشكيان، ورئيسا السلطة القضائية ووزارة الاستخبارات، وكبار القادة العسكريين، في سيارات منفصلة. لم يكن أي منهم يحمل هواتف محمولة، لعلمهم أن المخابرات الإسرائيلية قادرة على تتبعهم”.

لكن رغم جميع الاحتياطات، أسقطت طائرات إسرائيلية ست قنابل على المخبأ بعد بدء الاجتماع بقليل، مستهدفةً بابي الدخول والخروج.

تلفت الصحيفة إلى أنه “لم يُقتل أحدٌ في المخبأ. وعندما خرج القادة لاحقاً من المخبأ، عثروا على جثث بعض الحراس، قُتلوا بسبب الانفجارات”، إلا أنها أشارت أيضاً إلى إصابة بزشكيان حينها بجروح طفيفة.

ونقل التقرير عن بيزشكيان تصريحاته حول تفاصيل الهجوم في اجتماع مع كبار رجال الدين، قائلا: “لم يكن هناك سوى ثقب واحد، ورأينا الهواء يتسلل، فقلنا: لن نختنق. الحياة تتوقف على لحظة واحدة. لو نجحت إسرائيل في قتل كبار المسؤولين في البلاد، لخلقت حالة من الفوضى في البلاد، ولفقد الناس الأمل”.

أدى الهجوم إلى حالة من الفوضى في جهاز المخابرات الإيراني، وسرعان ما اكتشف المسؤولون الإيرانيون ثغرة أمنية فادحة، إذ تمكن الإسرائيليون من اختراق هواتف الحراس الشخصيين الذين رافقوا القادة الإيرانيين إلى الموقع وانتظروا في الخارج. في حين لم يُبلّغ سابقاً عن تتبع إسرائيل للحراس.

وتنقل الصحيفة عن المحلل السياسي ساسان كريمي، الذي شغل سابقاً منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإيرانية الحالية، قوله: “نعلم أن كبار المسؤولين والقادة لم يحملوا هواتف، لكن محاوريهم وحراس أمنهم وسائقيهم كانوا يحملون هواتف، لم يأخذوا الاحتياطات على محمل الجد، وهذه هي الطريقة التي تم بها تعقب معظمهم”.

تقول “نيويورك تايمز” إن إسرائيل استهدفت مجموعة واسعة من القادة الإيرانيين، بمن فيهم رؤساء فروع الحكومة في اجتماع الأمن القومي، وقتلت ما لا يقل عن 30 من كبار القادة العسكريين، من بينهم قائد القوات الجوية للحرس الثوري الجنرال حاجي زاده.

ترامب مرتدياً بدلة رسمية كحلية اللون وقميص أبيض وربطة عنق كحلية منقطة بالأحمر، ودبوس بالعلم الأمريكي. نظرات حادة تبرز من وجهه العابس في تلك اللحظة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماع وزاري مع أعضاء إدارته في قاعة مجلس الوزراء في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، بتاريخ 26 آب/آب 2025
  • بسبب إيران، البنتاغون يقيل رئيس وكالة الاستخبارات، فما القصة؟
  • لماذا ارتفع سعر بيتكوين وكيف تعمل العملات المشفرة؟

“ربما نريد ديكتاتوراً”

وفي صحيفة الغارديان، يقول الكاتب جوناثان فريدلاند إن “سلوك ترامب الأشبه بالديكتاتورية صار واضحاً، ونحن للمفارقة نتجاهله، لكن حان الوقت الآن لنسميه بما هو عليه”.

ويرى الكاتب أن أفعال ترامب لو كانت في إحدى دول أمريكا اللاتينية لكان الخطاب الموجه ضدها أكثر صرامة، مشيرا إلى أن “مسيرة دونالد ترامب نحو الاستبداد ثابتة للغاية، إذ تتقدم خطوة أو خطوتين كل يوم، مما يُسهل التعود عليها ـ إذ لا يُمكن أن تبقى في حالة صدمة دائمة”.

ويذكر فريدلاند أمثلة على سياسات ترامب الاستبدادية من بينها، “نشر ترامب الحرس الوطني في شوارع واشنطن العاصمة، ليصل عدد الجنود المدججين بالسلاح إلى 2000 جندي، يقومون بدوريات في العاصمة، تحت ذريعة مكافحة الجريمة، لكن جرائم العنف في العاصمة كانت في أدنى مستوياتها منذ 30 عاماً عندما اتخذ الرئيس الأمريكي قراره”.

كما أرسل في حزيران/حزيران “الحرس الوطني ومشاة البحرية إلى لوس أنجليس لقمع الاحتجاجات ضد سياساته المتعلقة بالهجرة، وهي احتجاجات وصفتها الإدارة بأنها ترقى إلى التمرد”. أما “وكالة الهجرة التي، بفضل ترامب، أصبحت ميزانيتها تُضاهي ميزانية أكبر جيوش العالم، فإنها تختطف الناس من الشوارع أو تسحبهم من سياراتهم”، وفق كاتب المقال.

ومن الأمثلة التي ذكرها المقال أيضاً أن “ترامب خالف جميع الأعراف، وربما القانون الأمريكي، بمحاولته إقالة ليزا كوك من مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي بتهم احتيال غير مثبتة في مجال الرهن العقاري”.

وفي نهاية مقاله، يعتقد الكاتب أن “المشكلة تكمن في أن الناس لا يريدون أن يروا هذا يحدث في الولايات المتحدة، والخوف من مواجهة واقع يغيّر موازين الاستراتيجيات العالمية. وإذا انزلقت أمريكا نحو الاستبداد المفرط، فإن موقع بريطانيا والاتحاد الأوروبي سيتأثر جذرياً بعد 80 عاماً من الاعتماد على فكرة الغرب بقيادة أمريكية ديمقراطية مستقرة”.

“الأثرياء الجدد”

وإلى صحيفة الفايننشال تايمز التي تحدثت في مقال للكاتبين ماري نوفيك ونيكو أسغري، عن طفرة البيتكوين التي تدفع الأثرياء الجدد إلى “الإسراف في السفر الفاخر”.

يذكر المقال أن رواد الأعمال الشباب الأثرياء، أحدثوا طفرة في سوق السفر العالمي الفاخر، إذ أنفق “الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاماً 28 مليار دولار على السفر الفاخر في عام 2023، ومن المتوقع أن ينفقوا 54 مليار دولار في عام 2028″، وفقاً لتحليل شركة ماكنزي، التي تعد واحدة من أكبر شركات الاستشارات الإدارية في العالم.

ويعزو المقال ذلك إلى بدء شركات الطيران الخاص الفاخرة، وكذلك رحلات السفن السياحية الفاخرة، في قبول الدفع بالعملات المشفرة، مع ازدياد الطلب من جيل جديد من الأثرياء ممن كوّنوا ثرواتهم من ارتفاع أسعار البيتكوين.

يعود ذلك أيضاً إلى تسجيل عملة البيتكوين أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 124,000 دولار أمريكي في الأسابيع الأخيرة، بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذا القطاع وتعهده بجعل أمريكا “عاصمة العملات المشفرة” في العالم، بحسب المقال.

ويلفت المقال أيضاً إلى إقرار “الكونغرس تشريعات تاريخية، بينما عيّن ترامب جهاتٍ تنظيميةً داعمةً للعملات المشفرة، ودعم العديد من شركات الأصول الرقمية. وإلى جانب أسعار العملات المشفرة، وصلت أسهم شركات مثل بورصة كوين بيس، ومشغل العملات المستقرة سيركل، إلى مستويات قياسية”.

وبسبب كل ذلك “يمكن الآن شراء بطاقة السفر السنوية لشركة “فيرجن فوياجيز” للرحلات البحرية الفاخرة، والتي تبلغ قيمتها 120,000 دولار أمريكي، بمدفوعات العملات المشفرة”، حسب المقال.

ويستشهد المقال بتصريحات لرئيس قسم الطيران التجاري والفضاء في بنك جيفريز الاستثماري، نيك فازيولي، قال فيها إن “رواد أعمال البيتكوين والتكنولوجيا يمتلكون موارد غير محدودة، وأموالاً غير محدودة، وطموحات لا حصر لها”، لكن “العنصر الأهم الذي ينقصهم هو الوقت”. وبحسب فازيولي فإن الطائرات الخاصة تتيح للمسافرين “أن يكونوا في ثلاث مدن في يوم واحد، والعودة مساء لرؤية أسرهم. بمجرد أن تعتاد على السفر الخاص، من الصعب جداً أن تعود إلى غيره”.

ما الذي يحدث بين إسرائيل وسوريا؟

ما الذي يحدث بين إسرائيل وسوريا؟

أفادت وسائل إعلام سورية رسمية، فجر الخميس، أنّ الجيش الإسرائيلي نفّذ إنزالاً جوياً في موقع عسكري قرب العاصمة دمشق بعدما استهدفه بغارات جوية يومي الثلاثاء والأربعاء.

وكان الجيش الإسرائيلي قصف الثلاثاء هذا الموقع القريب من مدينة الكسوة في ريف دمشق، ما أسفر عن مقتل ستة جنود سوريين، وفقاً لوزارة الخارجية السوري.

وصعّدت إسرائيل من توغلاتها في جنوب سوريا، وتتزامن الغارات الأخيرة مع محادثات أمنية بين إسرائيل وسوريا بهدف التوصل إلى اتفاق لخفض التوترات.

فما الذي يحدث في سوريا؟

سوريا وإسرائيل: بين التسريبات والنفي، تكهنات تُطرح حول مستقبل العلاقة بين الجانبين

سوريا وإسرائيل: بين التسريبات والنفي، تكهنات تُطرح حول مستقبل العلاقة بين الجانبين

في وقت تتزايد فيه التسريبات الإعلامية حول اقتراب اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، ولقاء حصل بالفعل بين وزير الخارجية السوري ووفد إسرائيلي في باريس، تنفي دمشق وجود أي مفاوضات أو اتفاق وشيك مع إسرائيل، مؤكدة أن الموقف السوري “ثابت ولم يتغير”. فماذا نعرف حتى الآن؟

في حزيران/ حزيران الماضي، نشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية بياناً حكومياً ينفي “وجود أي اتصالات مباشرة أو اتفاقات سرية مع إسرائيل”. ووصف التسريبات الإعلامية بأنها “مفبركة”، كما قالت مصادر رسمية لوكالة الأنباء إن أي حديث عن سلام أو تطبيع مع إسرائيل “سابق لأوانه”.

بعد هذا النفي الحكومي، التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في 19 آب/آب ، وفداً إسرائيلياً في باريس لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري.

وركزت النقاشات على خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاق 1974.

أما رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع فأكد خلال اجتماع مع وفد إعلامي عربي في 24 آب/آب أن أي اتفاق مع إسرائيل سيُبنى على أساس خط الهدنة لعام 1974، وإن دمشق لن تتردد في اتخاذ أي قرار أو خطوة من شأنها خدمة مصلحة سوريا والمنطقة.

من الجانب الإسرائيلي تحدثت القناة 12 الإسرائيلية عن اتفاق أمني وشيك بين سوريا وإسرائيل بوساطة أمريكية – خليجية يتضمّن تنازلات سورية مقابل مساعدات وإعمار.

وتتصدّر في الإعلام الإسرائيلي تغطيات حول الاتصالات الجارية بين الجانبين، حيث نشرت صحف مثل “يديعوت أحرونوت” و”تايمز أوف إسرائيل” تقارير تتحدث عن محادثات سرية تديرها أطراف ثالثة، منها الإمارات والولايات المتحدة، لإشراك سوريا في مسار “الاتفاقيات الإبراهيمية”.

  • هل يوقّع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟

فهل نحن أمام ملامح اتفاقية جديدة تعيد رسم خريطة الصراع في سوريا والمنطقة، أم أن ما يُطرح لا يتجاوز تسريبات عابرة في ظل واقع جيوسياسي متقلّب ومعقّد؟

“اتفاق مرتبط بظروف إقليمية أوسع”

يرى خبير العلاقات الدولية، الدكتور أشرف عُكة، أن ما يجري حتى الآن هو “حديث عن اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، وليس عن اتفاق شامل أو سلام كامل”، إذ أن “الحكومة السورية تُنكر وجود مسار نحو اتفاق شامل، وما يُطرح لا يتجاوز كونه محاولة للعودة إلى ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، خصوصاً في الجولان وجنوب سوريا. أي صيغة أخرى، لن يكون اتفاقاً حقيقياً”، على حد قوله.

ويعتبر عُكة أن أي اتفاق أمني تُقدِم عليه الحكومة السورية دون أن يراعي مسألة الجولان أو السيادة بالحد الأدنى يُعتبر ضعيفاً.

وحول احتمالية توسط دول في المنطقة لجمع الجانبين السوري والإسرائيلي، يقول عكة إن السؤال الأهم هو: إلى أي مدى يمكن للوساطات الخليجية والأمريكية أن تلبي ما تسميه إسرائيل “متطلبات أمنها”، خاصة أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على إقامة مناطق عازلة ليست مجرد حائط صد، بل مناطق انتشار وسيطرة فعلية؟

ويرى عُكة أنه “علينا أن نُدرك أن الملف السوري لا ينفصل عن بقية ملفات المنطقة: لبنان وغزة والضفة الغربية، وحتى اليمن وإيران وتركيا. فكل المسارات مترابطة”.

ويضيف: “من هنا، فإن أي اتفاق أمني محتمل مع سوريا سيظل ناقصاً، مرهوناً بتطورات أكبر في المنطقة. وإن أقدمت دمشق على اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار مستقبل الجولان وسيادة البلاد، فسيكون ذلك اتفاقاً محفوفاً بالمخاطر على النظام والدولة السورية معاً”.

  • ” لماذا يحق لسوريا في عهد الشرع التواصل مع إسرائيل؟” – عرض الصحف

“مساحة مفتوحة”

بينما يقول الخبير في المجال الجيوسياسي والأمني، الدكتور عامر السبايلة: “دعونا ننطلق من حقيقة أن التحولات في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ سقوط النظام في سوريا، أثبتت أن الدولة السورية لم تعد قائمة بالمعنى الحقيقي. وبالتالي، فإن إسرائيل لا ترى نفسها مضطرة للدخول في سلام مع كيان تعتبره منهاراً أو غير موجود. هذه نقطة أساسية لفهم ديناميكيات التحركات الإسرائيلية في المنطقة”.

ويرى السبايلة أن إسرائيل تنظر إلى الجغرافيا السورية على أنها مساحة مفتوحة “قد تتعرض للاستغلال”، وكانت قد حاولت فرض واقع جديد من خلال تدخلات عسكرية متكررة، وصولاً إلى تبني خطاب حماية مكونات سورية معينة.

ويضيف: “إذا تحدثنا عن اتفاقية أمنية محتملة، فالأمر بالنسبة لإسرائيل يقوم على عدة أسس واضحة: أولاً، الحفاظ على المكاسب التي حققتها على الأرض كجزء من استراتيجيتها الأمنية. ثانياً، تكريس فكرة حماية المكونات التي ترتبط بها، كالمسألة الدرزية أو الممرات الإنسانية. ثالثاً، تعزيز قدرتها على العمل داخل سوريا، وتحويل النظام القائم هناك إلى شريك في هذه المعادلة”.

  • ماذا نعرف عن “جبل الشيخ” الذي سيطرت عليه إسرائيل؟
  • قصة هضبة الجولان المحتلة من الكنعانيين وحتى المُستوطنين

يضيف، يجب أن نكون واضحين: التسريبات التي تطرح عن صفقة محتملة اليوم ليست اتفاق سلام بين طرفين متكافئين، بل اتفاق يفرضه طرف يملك اليد العليا، مقابل نظام مضطر للقبول به من أجل شرعنة بقائه. وبالنسبة لإسرائيل، لا توجد حاجة حقيقية لأي اتفاق، لكنها قد تراه مدخلاً للتطبيع الإجباري مع سوريا، ونموذجاً يُعلن لاحقاً، بحسب رأيه.

ويرى الخبير الجيوسياسي أنّه لهذا السبب، لا يمكن مقارنة أي اتفاق – إن كانت هناك محاولات في هذا الاتجاه – باتفاقية فض الاشتباك عام 1974؛ فالظروف مختلفة تماماً. باعتبار أن “إسرائيل تعتقد أن لديها اليوم مساحة واسعة لفرض شروطها ومعادلاتها على الحكومة السورية، دون الحاجة إلى اتفاقيات تقليدية بين جيوش نظامية كما كان في الماضي”، كما يقول.

ما هو اتفاق عام 1974؟

إذاً، لماذا يعود الحديث حول “اتفاقية فض الاشتباك” لعام 1974؟

ينص اتفاق فصل القوات بين سوريا وإسرائيل عام 1974، الذي تمّ التوصل إليه بوساطة أمريكية بعد حرب تشرين الأول/تشرين الأول من عام 1973، على وقف إطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من بعض المناطق، وإقامة منطقة فصل تحت إشراف الأمم المتحدة، مع قيود على التسليح العسكري.

وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق جَمّد القتال، إلاّ أنه لم يكن سلاماً سياسياً ولم ينهِ الاحتلال أو اعتراف أي طرف بالآخر بشكل رسمي.

أبرز التحليلات حول هذا الاتفاق خلال المرحلة الحالية:

  • الاهتمام المتجدد باتفاق 1974 ينبع أولاً من التصعيد الإقليمي المتزايد على الجبهة الشمالية لإسرائيل، خصوصاً مع تصاعد التوتر في الجنوب السوري، وتكثيف الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية.
  • إعادة طرح الاتفاق تأتي في إطار الترتيبات الإقليمية الأوسع، مع اتساع رقعة الاتفاقيات الإبراهيمية ومحاولة واشنطن تثبيت الاستقرار على الجبهة الشمالية لإسرائيل، في وقت تشهد فيه سوريا منذ أواخر 2024 تحوّلاً في موقعها الإقليمي، مع عودة تدريجية لاعتراف دبلوماسي عربي وغربي بها.
  • قد يُستخدم اتفاق 1974 كورقة ضغط على دمشق. فإما الالتزام بخطوطه الأمنية لضمان التهدئة، أو مواجهة احتمالات أكبر للتصعيد الإسرائيلي.
  • من زاوية قانونية ودبلوماسية، فإن اتفاق 1974 هو آخر وثيقة دولية مُعترف بها من الطرفين (ولو ضمنياً)، وهو ما يمنحه قيمة تفاوضية عالية الآن.
  • بينما لا تعترف سوريا بضم إسرائيل للجولان، لا تزال تعتبِر هذا الاتفاق هو القاعدة الوحيدة السارية ميدانياً، ويمكن البناء عليه كمخرج سياسي مقبول دولياً إذا ظهرت مبادرة جادة للتسوية أو التطبيع لاحقاً.

السويداء “نقطة مفصلية”

رجال دين دروز يحملون لافتات خلال مظاهرة تضامنية مع المجتمع الدرزي من مدينة السويداء جنوب سوريا في 19 تموز/تموز
رجال دين دروز يحملون لافتات خلال مظاهرة تضامنية مع المجتمع الدرزي من مدينة السويداء جنوب سوريا في 19 تموز/تموز

في ظل هذه التسريبات والتطورات على الأرض، دعا الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، إلى تدخل دولي لدعم مطالبتهم بـ”إقليم مستقل” في السويداء.

ففي مقطع فيديو نُشر يوم الاثنين 25 آب آب، قال الهجري: “نناشد المجتمع الدولي والدول الحرة الوقوف إلى جانب الطائفة الدرزية لإعلان إقليم مستقل يضمن حمايتنا”.

وأضاف: “بدأنا مساراً جديداً بعد المحنة الأخيرة، التي كانت تهدف إلى القضاء على الطائفة الدرزية”، معرباً عن تقديره للدول التي ساندت الطائفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.

تحدثت تسريبات إعلامية إسرائيلية عن أن أي اتفاق أمني محتمل مع دمشق قد يتضمن إنشاء “ممر إنساني” يصل إلى محافظة السويداء، باعتبارها منطقة ذات حساسية خاصة بسبب وجود المكوّن الدرزي. هذا الممر يُطرح في سياق ما تراه إسرائيل “التزامات أمنية” مرتبطة بحماية الأقليات، وضمان تدفق المساعدات أو التسهيلات الإنسانية ويمكن أن تُستثمر سياسياً وأمنياً في المرحلة المقبلة.

في المقابل، ترى أوساط سورية أن إدخال بند “الممر الإنساني” قد يشكّل مدخلاً لتكريس “نفوذ إسرائيلي” في الجنوب السوري، وربطه مباشرة بالوضع الداخلي للسويداء، وهو ما يُخشى أن يُستخدم كورقة ضغط على الحكومة السورية، أو كأداة لفرض ترتيبات ميدانية جديدة تتجاوز اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، بما يمنح إسرائيل “اليد العليا” في الجنوب السوري، بحسب خبير العلاقات الدولية أشرف عُكة.

وكانت محافظة السويداء قد شهدت منذ 13 تموز تموز ولمدة أسبوع اشتباكات بين مسلحين دروز ومقاتلين من البدو، قبل أن تتصاعد الأحداث إلى مواجهات دموية مع تدخل القوات الحكومية وانضمام مسلحين من العشائر.

وتتواصل إدانات الخارجية السورية للهجمات الإسرائيلية على ريف القنيطرة، وتندد بتوغّل قوات إسرائيلية في بلدة سويسة الجنوبية واستمرار تمركزها في قمة جبل الشيخ والمنطقة العازلة، مؤكدة أن هذه المآذارات تشكل خرقاً للقانون الدولي وتهديداً للسلم الإقليمي، بحسب بيان حكومي نُشر يوم الثلاثاء 26 آب آب.

ما مصير الجولان المحتل في حال الوصول لاتفاق؟

القيادة الإسرائيلية لا تزال حذرة في ما يتعلق بالعلاقات بين الجانبين، حيث صرّح وزير الخارجية جدعون ساعر أن التقدم مع سوريا مرهون باعترافها بـ”الواقع الجديد”، مؤكداً أن السيادة الإسرائيلية على الجولان “ليست مطروحة للنقاش”.

وركّزت تقارير إسرائيلية مؤخراً على تمسّك إسرائيل بالسيادة على الجولان كشرط غير قابل للتفاوض، مع تداول تسريبات حول مقترحات “حلول وسط”، مثل إقامة منطقة منزوعة السيادة أو “منتزه سلام” يُدار بشكل مشترك، مع بقاء السيطرة الأمنية والعسكرية لإسرائيل.

بحسب اتفاقية جنيف الرابعة وقرار مجلس الأمن 497 (1981)، يُعتبر ضم الجولان “باطلاً” بالقانون الدولي.

تشير دراسة قانونية نُشرت في تموز تموز 2025، للباحث علي عثمان قراوغلو في “Law and Justice Review”، أن فرض إسرائيل قوانينها على الجولان يخالف مبدأ “عدم الاعتراف” في القانون الدولي، ويُشير الكاتب إلى أن سوريا “لا يمكنها قانونياً التنازل النهائي عن الجولان، حتى ضمن تسوية سياسية، لأن ذلك قد يُفسَّر كـ”شرعنة للاحتلال”.

ويقترح الباحث أن أي تسوية يجب أن تقوم إما على انسحاب إسرائيلي كامل، أو على حلول انتقالية بإشراف دولي (مثل الإدارة المشتركة أو التأجير المؤقت)، مع الحفاظ على السيادة القانونية لسوريا، كما يطرح خيار مطالبة سوريا بتعويضات عن سنوات الاحتلال.