المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل لـ”موبي”

المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل لـ”موبي”

عبّر المخرج الأميركي جيم جارموش أمس الأحد عن “خيبة أمل” لقبول منصة عرض الأفلام “موبي” تمويلا من صندوق استثماري على صلة بإسرائيل.

“موبي” المنافسة لمنصة “نتفليكس” هي إحدى الجهات الموزّعة لفيلم جارموش الجديد “فاذر ماذر سيستر براذر” (Father Mother Sister Brother)، الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي.

وتلقت المنصة تمويلا قدره 100 مليون دولار من “سيكويا كابيتال”، ومقرها في الولايات المتحدة، وهي تضم في محفظتها الاستثمارية شركة “كيلا” الإسرائيلية العاملة في المجال الدفاعي.

ودفع الأمر جارموش وفنانين آخرين إلى توقيع عريضة احتجاجا على ذلك، فقال المخرج الأميركي للصحافيين “بدأت علاقتي مع موبي قبل ذلك بكثير، وكان العمل معهم رائعا في هذا الفيلم”، مضيفا “بالطبع، شعرت بخيبة أمل وارتباك إزاء هذه العلاقة”.

وأوضح مخرج فيلم “بروكن فلاورز” (Broken Flowers) أن صُنّاع الأفلام المستقلين يُجبَرون أحيانا على قبول تمويل من مصادر لا يحبذونها، مضيفا “أعتبر أن كل أموال الشركات تقريبا هي أموال قذرة”، حسب تعبيره.

وتابع “إذا تعمّقت في تحليل شركات الإنتاج السينمائي وهياكل تمويلها، ستجد كثيرا من الأمور المشبوهة والمثيرة للشك”.

وسبق لمؤسس “موبي” ورئيسها التنفيذي إيفي كاكاريل أن نفى في بيان أن تكون الشركة “متواطئة في الأحداث الجارية في غزة”، مؤكدا أن شركة “سيكويا” مجرد مساهم.

أُسست “موبي” في عام 2007، وتُعدّ موزّعا ومنتجا متزايد التأثير للأفلام المستقلة ذات الطابع الفني.

يتناول فيلم “فاذر ماذر سيستر براذر”، وهو من بطولة كيت بلانشيت وآدم درايفر وتوم ويتس، العائلات المفككة من خلال 3 قصص منفصلة تدور أحداثها في شمال نيويورك ودبلن وباريس.

ساراندون وثونبرغ وكانينغهام يبحرون نحو غزة ويشاركون في “أسطول الصمود العالمي”

ساراندون وثونبرغ وكانينغهام يبحرون نحو غزة ويشاركون في “أسطول الصمود العالمي”

انطلقت نحو 20 سفينة ضمن ما يعرف بـ”أسطول الصمود العالمي” من ميناء برشلونة الإسباني، في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وحمل المساعدات الإنسانية إلى سكانه.

ويضم الأسطول آلاف الناشطين من 44 دولة، وينضوي تحت مظلة اتحاد أسطول الحرية، وحركة غزة العالمية، وقافلة الصمود، ومنظمة “صمود نوسانتارا” الماليزية. ومن المقرر أن يبحر من تونس الخميس المقبل بعد مغادرته إسبانيا أمس الأحد.

ويحمل الأسطول مساعدات إنسانية تشمل مواد غذائية وأدوية ومياها وحليب أطفال وأطرافا صناعية، إلى جانب مشاركة شخصيات بارزة مثل الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ، والممثلة الأميركية الحائزة على الأوسكار سوزان ساراندون، والممثل السويدي غوستاف سكارسغارد، والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام.

المشاركون: فلسطين هي القصة

قالت ثونبرغ في مؤتمر صحفي عقدته في برشلونة، “القصة هنا تتعلق بفلسطين. القصة هي كيف يُحرم الناس عمدا من أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة”.

أما كانينغهام فأكد أن مشاركته تأتي من منطلق إنساني قبل أي اعتبار آخر، موضحا “قبل كل شيء، أنا إنسان، وبصفتي إنسانا لا أقبل ما يحدث للفلسطينيين. لهذا السبب أنا هنا”.

إعلان

وأضاف: “البريطانيون استخدموا ضدنا أساليب مشابهة، لكن ما يعانيه الفلسطينيون أسوأ بكثير. نحن اليوم نواجه حصارا يشبه حصار العصور الوسطى، وكأننا نعيش داخل قلعة منذ 500 عام”.

كما وجّه كانينغهام انتقادا حادا لمواقف الاتحاد الأوروبي وبعض الحكومات الغربية قائلا: “تقول بعض الدول إن توزيع السلاح لقتل الفلسطينيين ليس بالأمر الفظيع. أشعر كأنني وصلت إلى عالم غريب وغير مألوف. جبن هؤلاء السياسيين يثير اشمئزازي”.

نجوم في قلب القضية

كما انضمت الممثلة الأميركية ساراندون، الحائزة على جائزة الأوسكار عام 1996، إلى رحلة الأسطول، وتداول ناشطون صورها على متن السفينة. كما شارك محارب أميركي قديم في الرحلة، مؤكدا رفضه “رؤية غزة تُدمَّر”، في حين حرص الممثل الإيطالي ميشيل ريوندينو، الذي كان يشارك في مهرجان البندقية السينمائي، على رفع علم فلسطين أمام عدسات الكاميرات، مؤكدا “من واجبنا أن نكون هناك. المهرجان فرصة لتسليط الضوء على أولئك الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم”.

وتأتي هذه الرحلة بعد أن اعترضت القوات الإسرائيلية، في التاسع من حزيران/حزيران الماضي، سفينة “مادلين” الشراعية التي كانت تقل 12 ناشطا من دول عدة بينها فرنسا وألمانيا وتركيا والبرازيل والسويد وإسبانيا وهولندا، وذلك على مسافة نحو 185 كيلومترا من ساحل غزة.

ويتزامن تحرك الأسطول مع تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، إذ حذّر خبراء الغذاء هذا الشهر من أن غزة تواجه مستويات كارثية من الجوع، وأن نصف مليون شخص مهددون بالمجاعة.

وتشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن الحرب المستمرة منذ نحو 23 شهرا خلّفت أكثر من 63 ألفا و459 قتيلا و160 ألفا و256 مصابا، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين. كما تسببت المجاعة في وفاة 339 فلسطينيا، بينهم 124 طفلا، حتى الأحد الماضي.

“قصتي المجهولة في سول”.. حكاية عائلية دافئة وسط أسئلة عميقة

“قصتي المجهولة في سول”.. حكاية عائلية دافئة وسط أسئلة عميقة

في زحام الإنتاجات الكورية التي تتنافس على شاشات المنصات العالمية، يطل مسلسل “قصتي المجهولة في سول” ليقدم تجربة درامية متفردة، تجمع بين دفء الحكاية العائلية وعمق التساؤلات الوجودية. فمن خلال شخصيتين متطابقتين شكلا ومتناقضتين جوهرا، تفتح لنا الكاتبة لي كانغ نافذة على حياة مزدوجة تتأرجح بين طموحات المدينة القاسية وهدوء الريف الحالم.

العمل الذي أخرجه بارك شين-وو، وامتد عبر 12 حلقة، لا يكتفي باستعراض قصة تبادل الأدوار بين شقيقتين، بل يطرح رؤية أوسع حول معنى الانكسار الداخلي، وكيف يمكن للإنسان أن يكتشف صورة جديدة لذاته.

وربما لهذا السبب حظي منذ عرضه على نتفليكس باهتمام واسع جعله يتصدر قائمة الأكثر مشاهدة ضمن الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشات والمنصات الرقمية متجاوزا في شعبيته العديد من الإنتاجات الضخمة، بوصفه دراما صادقة تنبض بالإنسانية وتعيد تعريف مفهوم الذات في مواجهة ضغوط الحياة الحديثة.

قصتي المجهولة في سول

يدور المسلسل حول” مي جي” و”مي راي” (تلعب الدورين بارك بو-يونغ) التوأمين المتماثلتين من حيث الملامح الخارجية لكنهما طالما كانتا مختلفتين على مستوى التفكير والأحلام، ففي حين تهوى الأولى مآذارة الجري وتسعى للحصول على منحة رياضية تفضل الثانية القراءة والمذاكرة.

ومع بلوغهما الثلاثين، لا تزال مي جي تعيش مع والدتها في الريف متنقلة بين وظائف مؤقتة تمنحها شعورا بالاغتراب والضياع، أما مي راي فتعيش في سول وتشغل وظيفة مرموقة تمكنها من الإنفاق على العائلة ومع ذلك تعاني من التنمر الوظيفي وضغط العمل الذي يؤدي بها إلى الانهيار الداخلي والكثير من الاكتئاب.

إعلان

وأمام تأزم الوضع، يتفتق ذهن الشقيقتين عن القيام بلعبة تبادل الأدوار التي اعتاداها صغارا للتغلب على نقاط ضعفهما، ورغم صعوبتها هذه المرة فإنها تتيح لكل منهما فرصة رؤية ذاتها وشقيقتها من منظور مختلف، كذلك تجبرهما على مواجهة الماضي ومعالجة جروحه التي لم تندمل.

مسلسل Our Unwritten Seoul المصدز: IMDB
التقنيات الحديثة ساعدت على سهولة دمج الممثلين داخل المشهد الواحد بسلاسة (آي إم دي بي)

هل وقع العمل في فخ الكليشيه؟

بالتدقيق عن كثب في ما يجري من أحداث، يبدو العمل أشبه بمرآة عكسية، فالشابة التي بدأت حياتها تائهة ومشوشة بعيدا عن العاصمة انتهى بها الوضع وقد استقرت في سول، بعكس شقيقتها التي بدأت بين ناطحات السحاب والأنوار البراقة وانتهى بها الأمر في أحد الحقول تقوم بالزراعة.

ومع أن البعض قد يرى ذلك تكرارا مفتعلا للصراعات أو عملا كليشيهيا عن تبادل الهوية، خاصة أن تطور الشخصيات يبدو كما لو أنه يسير في تصاعد مستمر بشكل أقرب إلى الإعجاز من الطبيعي، إلا أن تركيز السرد على التضاد رسخ لفكرة دورات الحياة المستمرة وجعل الحكاية أكثر تأثيرا وقدرة على بث الأمل وفتح الأعين على المعاناة الداخلية، موضحا كيف يمكن للألم أن ينتقل من جيل إلى آخر عبر أنماط سلوك متوارثة تستلزم كسر الدائرة للشفاء.

أداء تمثيلي يتحدى التصنيف

تميز العمل بالأداء التمثيلي المبدع من بطلته بارك بو-يونغ التي جسدت 4 شخصيات هي: مي-جي، مي-راي، إضافة إلى كل واحدة منهما وهي تحاول تقمص حياة الأخرى، ومن شدة تميزها ظن البعض أن كل شخصية تؤديها ممثلة مختلفة، خاصة أنها لم تتميز فقط من خلال المظهر أو الأسلوب بل امتد الأمر ليشمل لغة الجسد، ونبرة الصوت، والنظرات، كذلك أظهرت قوة موهبتها بالمشاهد العاطفية المعقدة ولحظات الانهيار النفسي.

يذكر أن التقنيات الحديثة ساعدت على سهولة دمج الممثلين داخل المشهد الواحد بسلاسة وطبيعية من دون الحاجة إلى انقسام الشاشة أو الاستعانة بممثلين بدلاء.

بالإضافة إلى بارك بو-يونغ، جسد الممثل بارك جين يونغ شخصية “لي هو سو” مضفيا عليها قدرا هائلا من الصدق، إذ أتقن التعبير عن الصراعات الداخلية للشخصية بكثير من الصمت ولغة العيون. كذلك أضافت كل من جانغ يونغ نام في دور الأم وتشا مي كيونغ في دور الجدة أبعادا إنسانية وعززتا من الواقعية وكسرتا نمط البطولات الفردية.

بين الواقعية والرمزية

من جهته، نجح المخرج بارك شين-وو باختيار مواقع تصوير زادت من الطابع الواقعي والحميمي للمسلسل مثل البيوت الريفية، والمكاتب الضيقة، وحقول الفراولة، كما لجأ إلى الاستخدام الرمزي للسلالم والجسور للتعبير عن التواصل والمسافة بين الشخصيات.

واستخدمت ألوان باهتة لمشاهد الماضي، وألوان أكثر دفئا وحيوية للحاضر تعكس التحول الداخلي للشخصيات جراء تطور الأحداث. كذلك أبرز التباين بين مشاهد سول الباردة والعامرة بالسكان والسيارات، وبين مشاهد الريف حيث الطبيعة والهدوء، الصراع بين طموحات المدينة وجذور القرية.

إعلان

وأخيرا مع الموسيقى التصويرية التي تراوحت بين مقطوعات حزينة وأخرى رومانسية لتصبح مكملة للأحداث خالقة توازنا بين النص والمشاعر.

“قصتي المجهولة في سول” ليس مجرد دراما سطحية عن توأم يتبادلان حياتهما؛ بل هو عمل عن التقدير الذاتي، والتعاطف مع الآخر، وكيف يمكن للإنسان أن يعيد تعريف نفسه من جديد. إنه مسلسل يذكر المشاهد بأن اللطف مع الذات شرط أساسي للشفاء، وأن الروابط الإنسانية أقوى من الانكسارات الفردية.

يذكر أن العمل دراما قصيرة من 12 حلقة، من كتابة لي كانغ، وإخراج بارك شين-وو، وبطولة كل من بارك بو يونغ، بارك جين يونغ، ريو كيونغ سو، وجانغ يونغ نام.

“صوت هند رجب” يفضح جريمة أرادت إسرائيل دفنها للأبد

“صوت هند رجب” يفضح جريمة أرادت إسرائيل دفنها للأبد

أعاد فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية القصة المأساوية للطفلة الغزية وعائلتها، التي قتلتها إسرائيل، إلى الواجهة من خلال مهرجان فينيسيا السينمائي، وذلك بعد أكثر من عام ونصف على حدوثها.

وكانت إسرائيل تأمل دفن جريمتها إلى الأبد، عندما قتل جيشها المسلح بأعتى تكنولوجيا طفلة السنوات الست بعد تصفية عائلتها، لكن صوت هند واستغاثاتها -عندما ظلت في السيارة وحيدة بعد مقتل من كان معها من أقاربها- تحول إلى صدى تردد في أكثر من ساحة عالمية، حتى وصلت إلى مهرجان فينيسيا السينمائي.

وفي 29 كانون الثاني/كانون الثاني 2024 كانت هند برفقة بعض أقاربها في سيارة بمنطقة تل الهوا في قطاع غزة، عندما هاجمتهم دبابات إسرائيلية وبدأت تطلق النيران تجاه السيارة، فقتلت أقارب هند الستة الذين كانوا معها.

ولم يتبقَّ سوى الطفلة ذات الأعوام الستة، والتي ظهر صوتها للعالم في مكالمة هاتفية مع والدتها وهي تتوسل إليها أن تأتي وتخرجها من السيارة ومن المكان الذي تتواجد فيه.

أخبرت هند خلال المكالمة الهاتفية والدتها أن جميع من في السيارة قد قتلوا وأنها الناجية الوحيدة، وعبرت لها عن خوفها، وتوسلت لأمها أن لا تنهي المكالمة قبل أن يصل أحد ما وينقذها، توسلت هند كثيرا لأمها أن تأتي إليها.

بدورها، حاولت الأم طمأنتها بأن الدفاع المدني سيصل إليها وينقذها ووعدتها بأن لا تنهي المكالمة، وأن تظل معها وطلبت منها الدعاء لله وسؤاله أن يحميها، استمرت المكالمة نحو 70 دقيقة، وبعدها غاب صوت هند، ليتبين لاحقا أن دبابات الاحتلال أسكتت هند وغيّبت صوتها للأبد.

لكن يبدو أن صدى صوت هند سيتردد في كل العالم رغما عن إرادة إسرائيل، وقد انضم كبار نجوم هوليوود بمن فيهم براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا، وغيرهم إلى فريق الإنتاج التنفيذي لفيلم “صوت هند رجب”، في دعم غير مسبوق لهند رجب، وبشكل لم يحظَ به أي إنتاج سينمائي عن القضية الفلسطينية من قبل.

إعلان

ومن المقرر أن يُعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان فينيسيا يوم الثالث من أيلول/أيلول المقبل، قبل أن يتوجه إلى مهرجان تورونتو السينمائي الدولي لعرضه الأول في أميركا الشمالية.

كما سيعرض الفيلم في كل من إسبانيا واليابان وبولندا والبرتغال وتايلند وتركيا ودول البلطيق وهونغ كونغ.

وقالت مخرجة الفيلم كوثر بن هنية إنها شعرت، فور سماعها مقطعا صوتيا لهند رجب من 70 دقيقة، بمزيج من العجز والحزن الشديد، مشيرة إلى أنها شعرت أن الأرض بدت تهتز من تحتها.

وبعد ذلك، سارعت للاتصال بالهلال الأحمر الفلسطيني لسماع التسجيل الصوتي كاملا، ووصفته بالمؤلم، لتقرر بعد ذلك المخرجة التونسية التخلي عن كل شيء من أجل صناعة فيلم هند رجب.

يذكر أن مؤسسة تحمل اسم “هند رجب” تأسست في شباط/شباط 2024، وتتخذ من بروكسل مقرا رئيسيا لها، وتنشط في ملاحقة مسؤولين وعسكريين إسرائيليين عبر دعاوى قضائية بأنحاء العالم بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

كابوس اسمه المهجر في “بوغوتا: مدينة الضائعين”

كابوس اسمه المهجر في “بوغوتا: مدينة الضائعين”

لا تكتفي سينما كوريا الجنوبية بالتعاطي مع الواقع الاجتماعي للشعب الكوري داخل حدوده، وإنما تتجاوزها لرصد التحولات التي تطرأ على هؤلاء الذين يهاجرون من البلاد بحثا عن فرص لحياة أفضل، وفي المهجر قد يتغير السياق العام الذي يعيش فيه المهاجر، لكن تظل التقاليد والقيم المهيمنة في مجتمع المهجر هي تلك التي تركها خلفه في الوطن، وكأن ذلك الوطن يسكن الشخص، وليس العكس.

في الفيلم الكوري الجنوبي “بوغوتا: مدينة الضائعين” (Bogota: City of the Lost)، والذي يعرض حاليا على منصة نتفليكس، تستطيع أن تلمح ظلالا كثيفة للفيلم البرازيلي الأيقوني “مدينة الرب” 2002 (City of God) للمخرج فرناندو ميريليس، فالمكان (الدرامي) في العملين هو مدينة تكاد تحكم نفسها بقوانينها الخاصة التي تقترب من قوانين الغابة، لكن “بوغوتا”، العاصمة الكولومبية، تساهم بالمكان مع كثير من التسهيلات ليتخذ المهمشون و المهاجرون مساراتهم المخالفة للقانون والتي تبدأ من الرشوة إلى التهريب مرورا بالقتل أحيانا، ليحقق البعض أهدافهم في الثروة والسيطرة.

رحلة مهاجر

يبدأ فيلم “بوغوتا: مدينة الضائعين” بوصول “كوك هي”، أو الممثل سونغ جونغ كي، إلى العاصمة الكولومبية عام 1997 بعد الأزمة المالية الآسيوية، كان الشاب يبحث عن ملجأ مع أسرته، لكنه يتعرض للسرقة في المطار. يُكافح من أجل البقاء وسط الفقر وعدم الاستقرار، ويبدأ العمل في السوق السوداء، مُتكيفا بسرعة مع واقع حياة الشوارع القاسي.

مع مرور الوقت، يبني نفوذا في الاقتصاد غير الرسمي، ليصبح شخصية رئيسية في التجارة غير المشروعة، ويخلق صعوده إلى السلطة أعداء ومنافسين خطرين من العصابات المحلية والمسؤولين الفاسدين. يواجه الخيانة وتقلب الولاءات، وعلى الرغم من نجاحه، يبقى دخيلا، مُمزقا بين الطموح وندوب المنفى. تُضيف قصة حب هشة ثقلا عاطفيا إلى رحلته، لكن الحب أيضا يصبح غارقا في الدم، وبينما تنحدر المدينة إلى الفوضى، يواجه الحساب الأخير مع الحياة التي بناها، حيث يدفع ثمن البدء من جديد.

إعلان

من البداية، تتحدى مدينة بوغوتا في العمل خيال المهاجرين، وبينما يصوّر والد “كوك هي” كولومبيا كنقطة انطلاق إلى أميركا، يحولها الفيلم إلى مصيدة تلتهم الأحلام. تصل العائلات بأمل وتغادر وقد انعدم، أو يمتصهم سوق البشر والأرواح، ليصبح البقاء فيها خضوعا، جسديا وأخلاقيا ونفسيا.

Bogota, Colombia - كانون الثاني 1, 2023: Mural on the wall of a house in the district of La Candelaria
التصوير السينمائي تجنب الألوان الصفراء المبتذلة التي تُستخدم غالبا في مشاهد أميركا اللاتينية (شترستوك)

شوارع الخوف

يتجنب التصوير السينمائي الألوان الصفراء المبتذلة التي تُستخدم غالبا في مشاهد أميركا اللاتينية. بل تظهر بوغوتا بألوان زرقاء ورمادية قاتمة وحادة، توحي بمكان يفتقر إلى الدفء أو الترحيب. يؤكد الفيلم مبكرا أن المدينة نفسها ليست مجرد خلفية، بل هي خصم – متاهة مترامية الأطراف وقمعية من الأزقة المتهالكة والأسواق المزدحمة ونقاط التفتيش الفاسدة. تُثبت بوغوتا نفسها كشخصية رئيسية طوال الساعة الأولى من الفيلم من خلال تفاصيل بصرية وعلامات واضحة، حيث تعج الشوارع بالتجارة السرية، ويجمَع ممثلو السلطة الرشاوى من الأكشاك المتراصة في السوق، وتتردد أصداء الصفقات الهامسة في الحانات المضاءة بالنيون، دو أي محاولة للتعتيم أو الإخفاء أو الإنكار.

تتمتع الشخصيات الثانوية -سو يونغ (لي هي جون)، والرقيب بارك (كوون هاي هيو)- بمصداقية من خلال أدائهم، إلا أنها تبقى سطحية، بسبب نمطيتها. تقاوم بوغوتا التكفير عن خطاياها. حتى عندما تتجه الحبكة نحو طموح “كوك هي”، ولكن عندما تنهار التحالفات. يُضفي تصميم الإنتاج على بوغوتا طابعا مميزا: طلاء متقشر، وجدران مكتظة، وأضواء متذبذبة، وضوضاء محيطة لا يحتملها شخص طبيعي. كل هذه العناصر تخلق توترا حادا، يظهر المدينة وكأنها تخاصم رغبات سكانها وترغب في المقابل في إسكاتهم. تسهّل بوغوتا الانهيار الأخلاقي لـ”كوك هي”، الذي تطور من مهاجر خجول إلى شخصية قاسية في عالم الجريمة من خلال تهريب الملابس الكورية تحت إشراف حراس مثل “الرقيب بارك” و”السمسار سو يونغ”. بين الصمت والصوت، تستخدم الموسيقى التصويرية إيقاعات خفيفة وهدير منخفض التردد، تتخلله صفارات إنذار أو طلقات نارية مفاجئة يتردد صداها في الشقوق الخرسانية وبين البيوت، بينما يعكس المشهد الصوتي عقلا محاصرا. يصوّر الفيلم المدينة باستمرار على أنها كابوس حي، حيث يُنذر كل مشهد بصري بالخطر.

حسابات العنف والهمس

يستخدم السرد تخطيط المدينة المادي لرسم خريطة صعود البطل. في البداية خطوات مترددة على الأطراف، ثم دخول إلى أعماق بوغوتا. يُبرز هذا التطوّر المدينة كمعمل إفساد، إذ تستدرج البشر، وتستهلك الهويات، وتُشكّل الطموح بالإكراه. ومع ذلك، يفشل سيناريو الفيلم في استيعاب هذا التحول عاطفيا.

يرتفع الغطاء عن الخيانات التي تتم في مستودعات مظلمة، وأقبية تحت الأرض دون عواقب عاطفية، وهي إشارة إلى افتقاد هؤلاء الخونة إلى السلامة النفسية أو افتقاد السيناريست إلى أبسط قواعد العدالة الشاعرية في الدراما. في النهاية، تصبح الشخصيات باهتة، ويبدو التهديد الذي يقع على المدينة بسيطا، ولا يستحق فيلما.

يلعب المونتاج، أيضا، دورا محوريا في تشكيل سرد الفيلم المتوتر والمتشعب عاطفيا. منذ البداية، يحافظ على إيقاع ديناميكي يعكس إلحاح بقاء البطل وبيئة بوغوتا غير المستقرة في التسعينيات. ينتقل الفيلم بسرعة بين لحظات من التأمل الهادئ ونوبات العنف المفاجئة، ويربط المونتاج بين هذه التحولات اللونية بسلاسة ملحوظة. من أبرز خيارات التحرير في الفيلم استخدامه للتصوير المتقاطع لخلق التشويق وإبراز تناقضات الشخصيات. تكشف المشاهد التي تتناوب بين تعاملات البطل المتواضعة في السوق السوداء وعملياته الباذخة في المؤسسات الإجرامية الكبرى عن حجم طموحه والمخاطر التي يواجهها، حيث لا تخدم هذه المقارنات القصة فحسب، بل تعزز أيضا تعليق الفيلم على السلطة والمنفى والهوية.

إعلان

تتداخل مشاهد الفلاش باك بسلاسة مع السرد، مقدمة لمحات من حياة البطل في كوريا الشمالية دون أن تعيق تسلسل الأحداث. ومن خلال الاختفاء اللطيف، أحيانا، والتلاشي في مساحات زمنية محسوبة بدقة. يدمج المونتاج الماضي والحاضر بطريقة تعمّق تطور الشخصية وتناغمها العاطفي. يبدو إيقاع هذه اللقطات متعمدا دون إفراط في استخدامه مما يسمح للجمهور بفهم صراع البطل الداخلي دون إفراط في الشرح.

في مشاهد الصراع أو المطاردة، استُخدمت تقطيعات سريعة وتأطير محكَم لزيادة التوتر دون إثقال كاهل المشاهد. والأهم من ذلك، أنه يتجنب الفوضى التي غالبا ما نجدها في أفلام الحركة، ويحافظ على الوضوح، ضامنا بقاء الجوانب العاطفية محور التركيز. بشكل عام، يتميز المونتاج في فيلم “بوغوتا: مدينة الضائعين” بإتقان تقني وهدف عاطفي. فهو يدعم السرد من خلال الحفاظ على الزخم، وتعزيز التباين الموضوعي، ومنح المشاهدين شعورا عميقا بالتشرد والخطر والتحول، وهي نقطة قوة أساسية في التجربة السينمائية.

في النهاية، فيلم “بوغوتا: مدينة الضائعين” ليس رحلة تحركها الشخصيات، وإنما اتهام مكاني. يكمن نجاح الفيلم الأبرز في تصويره بوغوتا كبوتقة: ليست مسرحا، بل عاملا فاعلا في الخوف والتحول. على الرغم من العيوب الهيكلية، يدعو الفيلم المشاهدين إلى الشعور بما يشعر به “كوك هي”؛ الاحتجاز، وخيبة الأمل، والانهيار الأخلاقي. وهو ما يجعل المدينة نفسها حضورا متوترا لا يرحم وكابوسا حيا.