أعلن نادي غزة الرياضي استشهاد مديره العام لؤي استيتة بقصف إسرائيلي استهدف منتظري مساعدات شمالي القطاع.
وقال النادي الذي يعتبر الأقدم بالقطاع، في بيان -أمس الأحد- استشهاد استيتة.
وكانت وسائل إعلام فلسطينية قالت مساء أمس إن استيتة (46 عاماً) قتل جراء قصف إسرائيلي استهدف منتظري المساعدات في منطقة محور زكيم، شمالي القطاع.
وقد شغل استيتة منصب المدير الإداري لنادي غزة الرياضي، منذ 2015، وكان نجماً سابقاً في كرة اليد.
وقال رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب إن الرياضة الفلسطينية تعيش كارثة غير مسبوقة بعد فقدها 774 شهيدا جراء الحرب الإسرائيلية (الإبادة بغزة).
وأضاف الرجوب: من بين هؤلاء، 355 من لاعبي كرة القدم، و277 من الاتحادات الرياضية، و142 شهيدا من الكشافة الفلسطينية، إضافة إلى 119 مفقودا.
وتابع: كما بلغ عدد شهداء الإعلام الرياضي 15 شهيدا، موضحا أن منشأة رياضية في الضفة الغربية (المحتلة) وقطاع غزة تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي (جراء القصف الإسرائيلي).
ويأتي مقتل الرياضيين الفلسطينيين في سياق إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وقد خلّفت هذه الإبادة 63 ألفا و557 شهيدا، و160 ألفا و660 مصابا من الفلسطينيين معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 348 فلسطينيا بينهم 127 طفلا.
استشهد عشرات الفلسطينيين بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، اليوم الاثنين، كما استشهد آخرون جراء المجاعة، بينما تواصل القوات الإسرائيلية تدمير مربعات سكنية كاملة في مدينة غزة ضمن خططها لاحتلال المدينة.
وأفادت مصادر في مستشفيات قطاع غزة باستشهاد 59 فلسطينيا منذ فجر اليوم، بينهم 35 شهيدا في مدينة غزة وحدها. وذكرت المصادر أن من بين الشهداء 12 من منتظري المساعدات جنوبي القطاع.
وقال مصدر طبي في مجمع الشفاء إن شخصين استشهدا وأصيب 10 آخرون جراء قصف مسيّرة إسرائيلية مجموعة مواطنين قرب مركز إيواء مدرسة غزة الجديدة بحي النصر غربي مدينة غزة.
كما أفاد مصدر في المستشفى المعمداني باستشهاد شخصين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على حي الصبرة جنوبي مدينة غزة.
وشيّع الفلسطينيون من مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة جثامين 18 شهيدا بعد استهداف منازل للمواطنين وخيام للنازحين في مخيم الشاطئ ومحيط أبراج الفيروز وشقق سكنية في عدة مناطق بمدينة غزة.
شهداء التجويع
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة استشهاد 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال جراء المجاعة خلال 24 ساعة. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لشهداء التجويع منذ بداية الحرب إلى 348 شهيدا بينهم 127 طفلا.
من جهته قال المدير العام لجمعية العودة الصحية والمجتمعية في غزة رأفت المجدلاوي، إن الإعلان الأممي الرسمي عن المجاعة في القطاع لم يؤد إلى تدخلات إنسانية فعالة.
وأشار إلى أن قدرة المنظومة الصحية في غزة لا تتجاوز 30%، محذرا من تفاقم الوضع الإنساني، ووصوله إلى مرحلة كارثة.
وأضاف المجدلاوي أن “الموت في غزة مستمر بسبب المجاعة والقصف الإسرائيلي.. الوضع كارثي بسبب نقص الغذاء والدواء”.
إعلان
كما قالت سونام دراير، قائدة الفريق الطبي لمنظمة “أطباء بلا حدود” في مدينة غزة للجزيرة، إنه لم يحدث أي تغيير في القطاع بعد إعلان الأمم المتحدة المجاعة رسميا هناك.
وأكدت أن الناس في غزة لا يزالون يتضورون جوعا بسبب نقص الإمدادات.
تدمير الأحياء
ويواصل جيش الاحتلال تدمير المباني السكنية في عدة أحياء بمدينة غزة، وقد رصدت كاميرا الجزيرة آثار القصف على حي الشيخ رضوان شمال غربي المدينة.
ووفقا لأهالي الحي فإن الجيش يستخدم سياسة محو المربعات السكنية بأكملها من دون سابق إنذار.
وفي هذا السياق، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل “بدأت فعليا بمحو مدينة غزة، ولا تحركات دولية فعالة لمنع الجريمة الكبرى”.
وأوضح المرصد أن جيش الاحتلال يدمر يوميا في مدينة غزة وبلدة جباليا نحو 300 وحدة سكنية كليا أو جزئيا، باستخدام نحو 15 عربة مفخخة تُحمل بقرابة 100 طن من المتفجرات.
وينفذ الجيش الإسرائيلي حاليا المراحل الأولى من خطة اجتياح مدينة غزة واحتلالها وقد دمر مئات المباني في أحياء الشجاعية والزيتون والصبرة.
ودانت دول عديدة ومنظمات حقوقية وإنسانية عمليات الجيش الإسرائيلي، محذرة من تصعيد دموي جديد وتهجير واسع لسكان مدينة غزة الذين يناهز عددهم مليون نسمة.
ومنذ تشرين الأول/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل -بدعم أميركي- حرب إبادة على سكان قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية لوقف الحرب وأوامر محكمة العدل الدولية بهذا الصدد. وخلفت الإبادة أكثر من 63 ألف شهيد و160 ألف مصاب، وفقا لأحدث الإحصاءات.
قال الصحفي كلودي بيريز -في مقال له بصحيفة إلباييس الإسبانية- إن الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبيجوزيب بوريل دعا الدول الأعضاء إلى مقاضاة مؤسسات الاتحاد بسبب تقاعسها عن التحرك تجاه الحرب على غزة.
وأضاف أن عدة دول أبدت دعمها لإقامة دولة فلسطينية أو تستعد لاتخاذ هذه الخطوة قبيل الاجتماع المقبل للأمم المتحدة.
ويأتي تصريح بوريل -وفق ما أورده المقال- في وقت تتصاعد فيه قناعة الشعوب الأوروبية، ولا سيما إسبانيا، بأن ما يجري في قطاع غزة يرقى إلى مستوى “الإبادة الجماعية” وسط دعوات متزايدة لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه إسرائيل.
المسار القانوني
ولفت بيريز إلى أن آلاف الأكاديميين والمفكرين في أوروبا والولايات المتحدة وصفوا التصعيد العسكري بأنه “إبادة” ولكن بروكسل تواصل التزام الصمت، فلا العلاقات التجارية قُطعت ولا مبيعات السلاح توقفت.
وفي هذا السياق، قال بوريل إن “هناك إرادة واضحة لإبادة الشعب الفلسطيني، وإذا كانت إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان -وكل المؤشرات تدل على ذلك- فإن بإمكان أي دولة عضو مثل إسبانيا رفع الأمر إلى المحاكم الأوروبية لتفعيل معاهدات حقوق الإنسان“.
وشدد بوريل على أن “غزة كشفت إفلاس أوروبا الأخلاقي، وحان الوقت للتحرك، وهذه اللامبالاة غير مقبولة، فإن المعاهدات واضحة بشأن عواقب خرق القانون الإنساني”.
ووفق ما أورده المقال، استنكر بوريل تقاعس أوروبا تجاه معاناة الفلسطينيين، مؤكدا أن الصورة التي تقدمها القارة عن قيمها الأخلاقية والإنسانية لا تعكس الواقع، خاصة بعد إعلان عدد من القادة الأوروبيين صراحة دعمهم لإسرائيل.
أغلب الشعوب الأوروبية ترى أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية وفق مقال إلباييس (وكالات)
عجز وتقاعس
ووجه بوريل أصابع الاتهام إلى القيادات الأوروبية قائلا “إن جيل السياسيين الألمان الذين وُلدوا بعد الحرب العالمية الثانية وما زالوا في السلطة محكومون بعقدة ذنب تجاه دور ألمانيا التاريخي في المحرقة، ويعتقدون أن الصواب يعني دوما حماية إسرائيل”.
إعلان
وأضاف أن إرث المحرقة التاريخي “الذي يمتد إلى دول مثل النمسا وسلوفاكيا يشلّ الموقف الأوروبي، وتدعم قلة من الدول الأعضاء إسرائيل بلا شروط”.
وأشار كاتب المقال إلى أن أوروبا تواجه مأزقا أخلاقيا متشابها في أوكرانيا، حيث أخّر خوف القارة التاريخي من التهديد النووي الروسي وصول المساعدة العسكرية لكييف وفاقم الحرب.
وخلص بوريل -حسب المقال- إلى ضرورة أن تلجأ الدول الأعضاء الـ27 إلى استخدام المحاكم الأوروبية أداة لوقف انتهاكات إسرائيل في غزة، مؤكدا أن الوقت قد حان للتحرك لإنهاء الجمود السياسي والأخلاقي في أوروبا.
تسعى الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية لتعزيز عمل المحاكم الدولية ضد إسرائيل وحسم الجدل الدائر بشأن توصيف ما تقوم به في قطاع غزة، ودفع الدول لمعاقبتها ووقف تسليحها حتى تتوقف عن إبادة الفلسطينيين.
فقد أكد نائب رئيس الجمعية تيموثي وليامز -في مقابلة مع الجزيرة- أنهم حصلوا خلال العامين الماضيين على أدلة دامغة تؤكد أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يشكل إبادة جماعية واضحة.
وستعمل الجمعية -وفق وليامز- على دفع الدول لمعاقبة تل أبيب ووقف تزويدها بالأسلحة، بعدما تأكد لها وجود نية واضحة ومعلنة لتدمير الفلسطينيين في غزة والقضاء عليهم.
ولا يقف الأمر عند قتل عشرات آلاف المدنيين، ولكنه يمتد -وفق المتحدث- إلى تدمير سبل الحياة والزراعة والرعاية الصحية ومنع الوصول لمياه الشرب والتجويع الممنهج الذي يستهدف تدمير الشعب الفلسطيني.
والأهم من ذلك أن تصريحات قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين تحمل تصريحا واضحا بسعيهم لتدمير الفلسطينيين، وهذا هو جوهر جريمة الإبادة من الناحية القانونية، كما قال وليامز.
وتأمل الجمعية أن تدخل بعد هذا القرار في الجدل العالمي الدائر بشأن التوصيف النهائي لما يحدث في غزة، وأن تساعد في تعزيز عمل محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين ومعاقبة قادة إسرائيل.
كما تأمل الجمعية في دفع الدول لتفعيل القانون الدولي الذي يحظر على الحكومات مساعدة الدول التي ترتكب إبادة جماعية، وذلك من أجل وقف تسليح إسرائيل والضغط عليها لإنهاء جرائمها.
التفكير في مستقبل الفلسطينيين
وإلى جانب عملها على وقف الحرب ومعاقبة إسرائيل، ستعمل الجمعية على دفع الدول للتفكير في مستقبل الفلسطينيين بطريقة ترفض الخطط التي تخرق ما تبقى من حقوق الفلسطينيين، على غرار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تستهدف تهجير سكان القطاع، على حد قول وليامز.
إعلان
ولفت المتحدث إلى التحول الذي ظهر على مواقف بعض الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، واصفا إياه بأنه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنه أكد أن الأمر يتطلب بذل مزيد من أجل وقف هذه الإبادة ومعاقبة إسرائيل وجيشها.
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت رئاسة أكبر رابطة من العلماء المتخصصين في أبحاث الإبادة الجماعية حول العالم أنها أقرت قرارا ينص على استيفاء المعايير القانونية لإثبات ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.
وأيّد 86% من المصوتين في الجمعية -البالغ عددهم 500 عضو- القرار، الذي ينص على أن سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة تفي بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948.
وقد رحب المكتب الإعلام الحكومي في غزة بالقرار، ووصفه بأنه علمي مرموق يعزز الأدلة أمام المحاكم الدولية.
غزة- لولا الحرب لكانت الطفلة “ناي” على مقعد الدراسة في الصف الأول الابتدائي، لكنها اليوم نازحة مشردة مع أسرتها المكونة من 4 أفراد في خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
ولا تعرف ناي المسارعي (6 أعوام) عن المدرسة شيئا سوى أنها “مركز إيواء” قضت فيها شهورا في مدينة رفح جنوب القطاع، عندما نزحت وأسرتها في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، من منزلها في مخيم جباليا للاجئين في شماله، واضطرت عشية اجتياح المدينة لمغادرتها نحو مدينة دير البلح.
وكانت ناي آنذاك في الرابعة من عمرها، ونتيجة تداعيات الحرب والنزوح تقول والدتها نيرمين يحيى (27 عاما) -للجزيرة نت- إنها لم تتح لها فرصة تسجيلها في روضة أطفال لتعلم أبجديات القراءة والكتابة.
مصير مجهول
وتوشك المدارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة على فتح أبوابها للموسم الدراسي الجديد، في حين يواجه طلبة غزة مصيرا تعليميا مجهولا للعام الثالث على التوالي من توقف المسيرة التعليمية.
ناي المسارعي ومئات آلاف الطلبة في غزة محرومون من التعليم للعام الثالث على التوالي (الجزيرة)
وتنظر نيرمين إلى طفلتها ناي، وتقول بحسرة “لا أعلم متى سأرى ناي بزي المدرسة واقفة في طابور الصباح تستمع إلى جرس المدرسة بدلا من أصوات انفجارات الصواريخ والقنابل”.
وباءت بالفشل محاولات الأم في تعليم طفلتها الإمساك بالقلم، وتعليمها الأرقام والحروف. وتشير إلى خيمتها وسط خيام متهالكة ومترامية على مد البصر، وهي تتحدث عن ظروف حياتية بائسة لا تتوفر فيها البيئة المناسبة للتعليم.
“كيف نعلمهم وهم جوعى؟ وكيف سيتعلمون وهم ونحن لا نمتلك اليقين أن نبقى على قيد الحياة، وقد نكون في لحظة في عداد الشهداء؟” هكذا تتساءل “أم ناي” بحزن وألم.
وتسببت الحرب في تدمير البيئة التعليمية، فوفقا للمكتب الإعلامي الحكومي فإنها حرمت أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من التعليم في المراحل المختلفة، وأدت إلى استشهاد أكثر من 13 ألفا و500 طالب وطالبة.
إعلان
وتشير بيانات المكتب الحكومي إلى أن جيش الاحتلال دمر 156 مدرسة كليا، و382 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية لحق بها دمار جزئي.
“وحتى بعد توقف الحرب فإن العودة للتعليم لن تكون سهلة، وقد دمرت الحرب شوارعنا ومنازلنا ومدارسنا، وتنتظرنا معركة طويلة وقاسية مع إعادة الإعمار والعودة لحياتنا الطبيعية” حسبما تعتقد نيرمين.
اغتيال الأمل
ولمريم حماد رأي مماثل، إذ تقول للجزيرة نت إن “الحرب قتلت في نفوسنا مساحة الأمل والحياة والتعليم”.
ولدى هذه الأم الثلاثينية طفلان: جاد (6 أعوام) وكنان (4 أعوام) ويعيشان منذ عامين ويلات الحرب من موت وجوع ونزوح، ويدركان اليوم مفردات الحرب ومعانيها أكثر بكثير مما يعرفان عن المدرسة والحروف والأرقام.
أحلام عبد العاطي: الحرب أثرت على قدرات الطلبة بالتركيز والرغبة في التعليم (الجزيرة)
وقد اندلعت الحرب وكان جاد لتوه التحق بروضة قريبة من منزله في مخيم خان يونس جنوب القطاع، متلمسا أولى خطواته نحو الإمساك بالقلم وتعلم أبجديات القراءة والكتابة.
وعلى صغر عمره، يدرك جاد ما يدور من حوله، ويقول للجزيرة نت “الروضة سكرت (أغلقت) بسبب الحرب والنزوح”.
واضطرت أسرة جاد آنذاك للنزوح نحو مدينة رفح المجاورة إثر الاجتياح الإسرائيلي لمدينة خان يونس مطلع كانون الأول/كانون الأول 2023، واستمر لنحو 4 شهور.
وما لبثت هذه الأسرة أن عادت إلى منزلها حتى اضطرت للنزوح مجددا نحو منطقة المواصي، وتقول والدة الطفل “حياتنا غير مستقرة فكيف سيتعلم جاد وأطفالنا؟”.
وبدلا من انتظامهم بمدارسهم يتحمل هؤلاء الأطفال أعباء لا تقوى عليها أجسادهم الغضة، ويقومون بمهام يومية مرهقة وشاقة، بحثا عن المياه والطعام لأسرهم، وتتحدث مريم بقهر عن طفلها الذي لا يعرف شيئا عن المدرسة ولا يسأل عنها، لكنه يزاحم من أجل الحصول على المياه، والقليل من الطعام من تكايا خيرية.
معوقات وتدمير هائل
في مثل هذا الوقت تستعد المدارس لاستقبال الطلبة، لكنها أغلبيتها في غزة مدمرة، وما تبقى منها تحول لمراكز إيواء لنازحين ضاقت بهم السبل، حتى أنهم حطموا مقاعد الدراسة واستخدموها وقودا للنيران في ظل أزمة غاز طهي حادة.
وتظهر صور صادرة عن مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة أن 9 من كل 10 مدارس، بما فيها مدارس تابعة لوكالة الأونروا في غزة، في حاجة إما إلى إعادة بناء كاملة أو أعمال ترميم كبيرة لتعود صالحة للاستخدام.
هيئات محلية ودولية تقدر أن 9 من كل 10 مدارس بغزة تعرضت للتدمير الكلي أو البليغ (الجزيرة)
ويقدر الدكتور مجدي برهوم رئيس قسم التقنيات التربوية بوزارة التربية والتعليم في غزة والناطق باسمها أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية التعليمية أدى لتدمير أكثر من 95% من مدارس ومرافق، فضلا عن استشهاد أكثر من 800 معلم وعضو في العمل التربوي والإداري.
وكان لتوقف المسيرة التعليمية أثرها الأكثر خطورة على الأطفال في مرحلة رياض الأطفال، والمرحلة الأساسية الدنيا من الصف الأول وحتى الرابع الابتدائي، والذين يعانون بشدة من “فاقد تعليمي”. وتعاني هذه الشريحة في مرحلة متقدمة من خطر الأمية الأبجدية، وهذه أدنى درجات الأمية، والتي كانت نسبتها في قطاع غزة ما قبل الحرب من أقل الدول بالإقليم، غير أنها اليوم ارتفعت على نحو ملحوظ وخطير نتيجة الحرب التي تقترب من دخول عامها الثالث على التوالي، وفقا لبرهوم.
إعلان
ويقول للجزيرة نت إن الوزارة تجتهد رغم الظروف المعقدة في توفير بدائل متاحة، عبر إقامة نقاط تعليمية في خيام داخل مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، تركز على الطلبة في مرحلتي “البستان والتمهيدي” والمرحلة الأساسية الدنيا، إدراكا منها بقيمة “التعليم الوجاهي” لهذه الشريحة لتمكينها من كسب المهارات والمعارف.
ولمن لا يتمكن من الوصول لهذه النقاط، إما لبعد المسافة أو لخشية الأسر على أطفالها من الاستهداف الإسرائيلي للتجمعات، يوضح برهوم أن الوزارة نسقت -مع “أونروا” و”خلية الأزمة” في رام الله- بإنشاء “فصول افتراضية” للتعلم عن بعد عبر تطبيقات الإنترنت.
ولكن هذه البدائل غير كافية، وبرأي برهوم فإنها “محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه” وتعترضها الكثير من المعوقات سواء المرتبطة بمخاطر الاستهداف الإسرائيلي، أو تلك الناجمة عن أزمة انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود وتردي خدمات الإنترنت، وعدم امتلاك الكثير لأجهزة حديثة لمتابعة تعليمهم إلكترونيا.
تجهيل وأمية
وبموازاة الجهد الرسمي، تنتشر مبادرات فردية لمعلمين يشرفون على مدارس صغيرة من الخيام في مخيمات النزوح، وتقول المعلمة أحلام عبد العاطي للجزيرة نت “نصارع الظروف الصعبة والمعقدة من أجل إنقاذ أطفالنا”.
وقد افتتحت أحلام مدرسة خيرية من خيام ملاصقة لخيمة نزوحها في مدينة خان يونس، قبل أن تضطر للنزوح بها لمدينة دير البلح، غير أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية لاحقتها واضطرت لتفكيك المدرسة والعودة إلى منزلها في مدينة غزة، وتواجه حاليا مع سكان هذه المدينة مخاطر النزوح الجبري نحو جنوب القطاع مجددا.
مدرسة تابعة للأونروا بمدينة خان يونس تحولت ومئات غيرها لمراكز إيواء للنازحين (الجزيرة)
وعن تجربتها مع الطلبة، تقول أحلام للجزيرة نت “أغلبيتهم يجهلون القراءة والكتابة، وحتى أنهم لا يميزون الحروف، ولا يستطيعون التعامل مع أبسط المسائل الحسابية”.
ويسيطر القلق والخوف عليهم، وكثيرون يعانون من صدمات نفسية، وتحذر المعلمة من “ارتفاع معدلات الجهل والأمية في أوساط الأطفال بمرحلة التعليم الأساسي كلما طالت فترة الحرب والغياب عن المدارس التقليدية والتعليم الوجاهي”.
وتقول أحلام إن الحرب تركت آثارا سلبية خاصة على الأطفال من عمر 4 إلى 10 أعوام، وأفقدتهم القدرة على التركيز، وأصابتهم بضعف بالذاكرة وتشتت الانتباه، وتجزم بأنه “لا يوجد طفل في غزة سليم جسديا ونفسيا”.
الطفل وليد المريدي (10 أعوام) كان ملتحقا بمدرسة أحلام، وتصفه بأنه كان ذكيا ومجتهدا، غير أنه أصيب بانتكاسة ويتملكه الحزن واليأس بعد إصابة والده بالشلل نتيجة عيار ناري إسرائيلي أصابه في رأسه خلال محاولته الحصول على مساعدات إنسانية لإطعام أسرته.
وليد المريدي يعيش حياة صعبة إثر إصابة والده بالشلل أثناء محاولته الحصول على مساعدات إنسانية (الجزيرة)
وكان وليد يحلم بأن يصبح طبيبا، غير أنه اليوم طفل بائس فاقد للأمل، ويتحمل مسؤولية أسرته (7 أفراد) وبدا في حديثه مع الجزيرة نت وكأن الحرب أضافت أعواما إلى عمره، ويتساءل “أبي أصبح مشلولا، والحرب دمرت منازلنا ومدارسنا، وطوال اليوم أبحث عن الماء والطعام، فكيف سأصبح طبيبا؟”.