قال الصحفي كلودي بيريز -في مقال له بصحيفة إلباييس الإسبانية- إن الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبيجوزيب بوريل دعا الدول الأعضاء إلى مقاضاة مؤسسات الاتحاد بسبب تقاعسها عن التحرك تجاه الحرب على غزة.
وأضاف أن عدة دول أبدت دعمها لإقامة دولة فلسطينية أو تستعد لاتخاذ هذه الخطوة قبيل الاجتماع المقبل للأمم المتحدة.
ويأتي تصريح بوريل -وفق ما أورده المقال- في وقت تتصاعد فيه قناعة الشعوب الأوروبية، ولا سيما إسبانيا، بأن ما يجري في قطاع غزة يرقى إلى مستوى “الإبادة الجماعية” وسط دعوات متزايدة لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه إسرائيل.
المسار القانوني
ولفت بيريز إلى أن آلاف الأكاديميين والمفكرين في أوروبا والولايات المتحدة وصفوا التصعيد العسكري بأنه “إبادة” ولكن بروكسل تواصل التزام الصمت، فلا العلاقات التجارية قُطعت ولا مبيعات السلاح توقفت.
وفي هذا السياق، قال بوريل إن “هناك إرادة واضحة لإبادة الشعب الفلسطيني، وإذا كانت إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان -وكل المؤشرات تدل على ذلك- فإن بإمكان أي دولة عضو مثل إسبانيا رفع الأمر إلى المحاكم الأوروبية لتفعيل معاهدات حقوق الإنسان“.
وشدد بوريل على أن “غزة كشفت إفلاس أوروبا الأخلاقي، وحان الوقت للتحرك، وهذه اللامبالاة غير مقبولة، فإن المعاهدات واضحة بشأن عواقب خرق القانون الإنساني”.
ووفق ما أورده المقال، استنكر بوريل تقاعس أوروبا تجاه معاناة الفلسطينيين، مؤكدا أن الصورة التي تقدمها القارة عن قيمها الأخلاقية والإنسانية لا تعكس الواقع، خاصة بعد إعلان عدد من القادة الأوروبيين صراحة دعمهم لإسرائيل.
أغلب الشعوب الأوروبية ترى أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية وفق مقال إلباييس (وكالات)
عجز وتقاعس
ووجه بوريل أصابع الاتهام إلى القيادات الأوروبية قائلا “إن جيل السياسيين الألمان الذين وُلدوا بعد الحرب العالمية الثانية وما زالوا في السلطة محكومون بعقدة ذنب تجاه دور ألمانيا التاريخي في المحرقة، ويعتقدون أن الصواب يعني دوما حماية إسرائيل”.
إعلان
وأضاف أن إرث المحرقة التاريخي “الذي يمتد إلى دول مثل النمسا وسلوفاكيا يشلّ الموقف الأوروبي، وتدعم قلة من الدول الأعضاء إسرائيل بلا شروط”.
وأشار كاتب المقال إلى أن أوروبا تواجه مأزقا أخلاقيا متشابها في أوكرانيا، حيث أخّر خوف القارة التاريخي من التهديد النووي الروسي وصول المساعدة العسكرية لكييف وفاقم الحرب.
وخلص بوريل -حسب المقال- إلى ضرورة أن تلجأ الدول الأعضاء الـ27 إلى استخدام المحاكم الأوروبية أداة لوقف انتهاكات إسرائيل في غزة، مؤكدا أن الوقت قد حان للتحرك لإنهاء الجمود السياسي والأخلاقي في أوروبا.
تسعى الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية لتعزيز عمل المحاكم الدولية ضد إسرائيل وحسم الجدل الدائر بشأن توصيف ما تقوم به في قطاع غزة، ودفع الدول لمعاقبتها ووقف تسليحها حتى تتوقف عن إبادة الفلسطينيين.
فقد أكد نائب رئيس الجمعية تيموثي وليامز -في مقابلة مع الجزيرة- أنهم حصلوا خلال العامين الماضيين على أدلة دامغة تؤكد أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يشكل إبادة جماعية واضحة.
وستعمل الجمعية -وفق وليامز- على دفع الدول لمعاقبة تل أبيب ووقف تزويدها بالأسلحة، بعدما تأكد لها وجود نية واضحة ومعلنة لتدمير الفلسطينيين في غزة والقضاء عليهم.
ولا يقف الأمر عند قتل عشرات آلاف المدنيين، ولكنه يمتد -وفق المتحدث- إلى تدمير سبل الحياة والزراعة والرعاية الصحية ومنع الوصول لمياه الشرب والتجويع الممنهج الذي يستهدف تدمير الشعب الفلسطيني.
والأهم من ذلك أن تصريحات قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين تحمل تصريحا واضحا بسعيهم لتدمير الفلسطينيين، وهذا هو جوهر جريمة الإبادة من الناحية القانونية، كما قال وليامز.
وتأمل الجمعية أن تدخل بعد هذا القرار في الجدل العالمي الدائر بشأن التوصيف النهائي لما يحدث في غزة، وأن تساعد في تعزيز عمل محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين ومعاقبة قادة إسرائيل.
كما تأمل الجمعية في دفع الدول لتفعيل القانون الدولي الذي يحظر على الحكومات مساعدة الدول التي ترتكب إبادة جماعية، وذلك من أجل وقف تسليح إسرائيل والضغط عليها لإنهاء جرائمها.
التفكير في مستقبل الفلسطينيين
وإلى جانب عملها على وقف الحرب ومعاقبة إسرائيل، ستعمل الجمعية على دفع الدول للتفكير في مستقبل الفلسطينيين بطريقة ترفض الخطط التي تخرق ما تبقى من حقوق الفلسطينيين، على غرار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تستهدف تهجير سكان القطاع، على حد قول وليامز.
إعلان
ولفت المتحدث إلى التحول الذي ظهر على مواقف بعض الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، واصفا إياه بأنه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنه أكد أن الأمر يتطلب بذل مزيد من أجل وقف هذه الإبادة ومعاقبة إسرائيل وجيشها.
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت رئاسة أكبر رابطة من العلماء المتخصصين في أبحاث الإبادة الجماعية حول العالم أنها أقرت قرارا ينص على استيفاء المعايير القانونية لإثبات ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.
وأيّد 86% من المصوتين في الجمعية -البالغ عددهم 500 عضو- القرار، الذي ينص على أن سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة تفي بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948.
وقد رحب المكتب الإعلام الحكومي في غزة بالقرار، ووصفه بأنه علمي مرموق يعزز الأدلة أمام المحاكم الدولية.
غزة- لولا الحرب لكانت الطفلة “ناي” على مقعد الدراسة في الصف الأول الابتدائي، لكنها اليوم نازحة مشردة مع أسرتها المكونة من 4 أفراد في خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
ولا تعرف ناي المسارعي (6 أعوام) عن المدرسة شيئا سوى أنها “مركز إيواء” قضت فيها شهورا في مدينة رفح جنوب القطاع، عندما نزحت وأسرتها في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، من منزلها في مخيم جباليا للاجئين في شماله، واضطرت عشية اجتياح المدينة لمغادرتها نحو مدينة دير البلح.
وكانت ناي آنذاك في الرابعة من عمرها، ونتيجة تداعيات الحرب والنزوح تقول والدتها نيرمين يحيى (27 عاما) -للجزيرة نت- إنها لم تتح لها فرصة تسجيلها في روضة أطفال لتعلم أبجديات القراءة والكتابة.
مصير مجهول
وتوشك المدارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة على فتح أبوابها للموسم الدراسي الجديد، في حين يواجه طلبة غزة مصيرا تعليميا مجهولا للعام الثالث على التوالي من توقف المسيرة التعليمية.
ناي المسارعي ومئات آلاف الطلبة في غزة محرومون من التعليم للعام الثالث على التوالي (الجزيرة)
وتنظر نيرمين إلى طفلتها ناي، وتقول بحسرة “لا أعلم متى سأرى ناي بزي المدرسة واقفة في طابور الصباح تستمع إلى جرس المدرسة بدلا من أصوات انفجارات الصواريخ والقنابل”.
وباءت بالفشل محاولات الأم في تعليم طفلتها الإمساك بالقلم، وتعليمها الأرقام والحروف. وتشير إلى خيمتها وسط خيام متهالكة ومترامية على مد البصر، وهي تتحدث عن ظروف حياتية بائسة لا تتوفر فيها البيئة المناسبة للتعليم.
“كيف نعلمهم وهم جوعى؟ وكيف سيتعلمون وهم ونحن لا نمتلك اليقين أن نبقى على قيد الحياة، وقد نكون في لحظة في عداد الشهداء؟” هكذا تتساءل “أم ناي” بحزن وألم.
وتسببت الحرب في تدمير البيئة التعليمية، فوفقا للمكتب الإعلامي الحكومي فإنها حرمت أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من التعليم في المراحل المختلفة، وأدت إلى استشهاد أكثر من 13 ألفا و500 طالب وطالبة.
إعلان
وتشير بيانات المكتب الحكومي إلى أن جيش الاحتلال دمر 156 مدرسة كليا، و382 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية لحق بها دمار جزئي.
“وحتى بعد توقف الحرب فإن العودة للتعليم لن تكون سهلة، وقد دمرت الحرب شوارعنا ومنازلنا ومدارسنا، وتنتظرنا معركة طويلة وقاسية مع إعادة الإعمار والعودة لحياتنا الطبيعية” حسبما تعتقد نيرمين.
اغتيال الأمل
ولمريم حماد رأي مماثل، إذ تقول للجزيرة نت إن “الحرب قتلت في نفوسنا مساحة الأمل والحياة والتعليم”.
ولدى هذه الأم الثلاثينية طفلان: جاد (6 أعوام) وكنان (4 أعوام) ويعيشان منذ عامين ويلات الحرب من موت وجوع ونزوح، ويدركان اليوم مفردات الحرب ومعانيها أكثر بكثير مما يعرفان عن المدرسة والحروف والأرقام.
أحلام عبد العاطي: الحرب أثرت على قدرات الطلبة بالتركيز والرغبة في التعليم (الجزيرة)
وقد اندلعت الحرب وكان جاد لتوه التحق بروضة قريبة من منزله في مخيم خان يونس جنوب القطاع، متلمسا أولى خطواته نحو الإمساك بالقلم وتعلم أبجديات القراءة والكتابة.
وعلى صغر عمره، يدرك جاد ما يدور من حوله، ويقول للجزيرة نت “الروضة سكرت (أغلقت) بسبب الحرب والنزوح”.
واضطرت أسرة جاد آنذاك للنزوح نحو مدينة رفح المجاورة إثر الاجتياح الإسرائيلي لمدينة خان يونس مطلع كانون الأول/كانون الأول 2023، واستمر لنحو 4 شهور.
وما لبثت هذه الأسرة أن عادت إلى منزلها حتى اضطرت للنزوح مجددا نحو منطقة المواصي، وتقول والدة الطفل “حياتنا غير مستقرة فكيف سيتعلم جاد وأطفالنا؟”.
وبدلا من انتظامهم بمدارسهم يتحمل هؤلاء الأطفال أعباء لا تقوى عليها أجسادهم الغضة، ويقومون بمهام يومية مرهقة وشاقة، بحثا عن المياه والطعام لأسرهم، وتتحدث مريم بقهر عن طفلها الذي لا يعرف شيئا عن المدرسة ولا يسأل عنها، لكنه يزاحم من أجل الحصول على المياه، والقليل من الطعام من تكايا خيرية.
معوقات وتدمير هائل
في مثل هذا الوقت تستعد المدارس لاستقبال الطلبة، لكنها أغلبيتها في غزة مدمرة، وما تبقى منها تحول لمراكز إيواء لنازحين ضاقت بهم السبل، حتى أنهم حطموا مقاعد الدراسة واستخدموها وقودا للنيران في ظل أزمة غاز طهي حادة.
وتظهر صور صادرة عن مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة أن 9 من كل 10 مدارس، بما فيها مدارس تابعة لوكالة الأونروا في غزة، في حاجة إما إلى إعادة بناء كاملة أو أعمال ترميم كبيرة لتعود صالحة للاستخدام.
هيئات محلية ودولية تقدر أن 9 من كل 10 مدارس بغزة تعرضت للتدمير الكلي أو البليغ (الجزيرة)
ويقدر الدكتور مجدي برهوم رئيس قسم التقنيات التربوية بوزارة التربية والتعليم في غزة والناطق باسمها أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية التعليمية أدى لتدمير أكثر من 95% من مدارس ومرافق، فضلا عن استشهاد أكثر من 800 معلم وعضو في العمل التربوي والإداري.
وكان لتوقف المسيرة التعليمية أثرها الأكثر خطورة على الأطفال في مرحلة رياض الأطفال، والمرحلة الأساسية الدنيا من الصف الأول وحتى الرابع الابتدائي، والذين يعانون بشدة من “فاقد تعليمي”. وتعاني هذه الشريحة في مرحلة متقدمة من خطر الأمية الأبجدية، وهذه أدنى درجات الأمية، والتي كانت نسبتها في قطاع غزة ما قبل الحرب من أقل الدول بالإقليم، غير أنها اليوم ارتفعت على نحو ملحوظ وخطير نتيجة الحرب التي تقترب من دخول عامها الثالث على التوالي، وفقا لبرهوم.
إعلان
ويقول للجزيرة نت إن الوزارة تجتهد رغم الظروف المعقدة في توفير بدائل متاحة، عبر إقامة نقاط تعليمية في خيام داخل مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، تركز على الطلبة في مرحلتي “البستان والتمهيدي” والمرحلة الأساسية الدنيا، إدراكا منها بقيمة “التعليم الوجاهي” لهذه الشريحة لتمكينها من كسب المهارات والمعارف.
ولمن لا يتمكن من الوصول لهذه النقاط، إما لبعد المسافة أو لخشية الأسر على أطفالها من الاستهداف الإسرائيلي للتجمعات، يوضح برهوم أن الوزارة نسقت -مع “أونروا” و”خلية الأزمة” في رام الله- بإنشاء “فصول افتراضية” للتعلم عن بعد عبر تطبيقات الإنترنت.
ولكن هذه البدائل غير كافية، وبرأي برهوم فإنها “محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه” وتعترضها الكثير من المعوقات سواء المرتبطة بمخاطر الاستهداف الإسرائيلي، أو تلك الناجمة عن أزمة انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود وتردي خدمات الإنترنت، وعدم امتلاك الكثير لأجهزة حديثة لمتابعة تعليمهم إلكترونيا.
تجهيل وأمية
وبموازاة الجهد الرسمي، تنتشر مبادرات فردية لمعلمين يشرفون على مدارس صغيرة من الخيام في مخيمات النزوح، وتقول المعلمة أحلام عبد العاطي للجزيرة نت “نصارع الظروف الصعبة والمعقدة من أجل إنقاذ أطفالنا”.
وقد افتتحت أحلام مدرسة خيرية من خيام ملاصقة لخيمة نزوحها في مدينة خان يونس، قبل أن تضطر للنزوح بها لمدينة دير البلح، غير أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية لاحقتها واضطرت لتفكيك المدرسة والعودة إلى منزلها في مدينة غزة، وتواجه حاليا مع سكان هذه المدينة مخاطر النزوح الجبري نحو جنوب القطاع مجددا.
مدرسة تابعة للأونروا بمدينة خان يونس تحولت ومئات غيرها لمراكز إيواء للنازحين (الجزيرة)
وعن تجربتها مع الطلبة، تقول أحلام للجزيرة نت “أغلبيتهم يجهلون القراءة والكتابة، وحتى أنهم لا يميزون الحروف، ولا يستطيعون التعامل مع أبسط المسائل الحسابية”.
ويسيطر القلق والخوف عليهم، وكثيرون يعانون من صدمات نفسية، وتحذر المعلمة من “ارتفاع معدلات الجهل والأمية في أوساط الأطفال بمرحلة التعليم الأساسي كلما طالت فترة الحرب والغياب عن المدارس التقليدية والتعليم الوجاهي”.
وتقول أحلام إن الحرب تركت آثارا سلبية خاصة على الأطفال من عمر 4 إلى 10 أعوام، وأفقدتهم القدرة على التركيز، وأصابتهم بضعف بالذاكرة وتشتت الانتباه، وتجزم بأنه “لا يوجد طفل في غزة سليم جسديا ونفسيا”.
الطفل وليد المريدي (10 أعوام) كان ملتحقا بمدرسة أحلام، وتصفه بأنه كان ذكيا ومجتهدا، غير أنه أصيب بانتكاسة ويتملكه الحزن واليأس بعد إصابة والده بالشلل نتيجة عيار ناري إسرائيلي أصابه في رأسه خلال محاولته الحصول على مساعدات إنسانية لإطعام أسرته.
وليد المريدي يعيش حياة صعبة إثر إصابة والده بالشلل أثناء محاولته الحصول على مساعدات إنسانية (الجزيرة)
وكان وليد يحلم بأن يصبح طبيبا، غير أنه اليوم طفل بائس فاقد للأمل، ويتحمل مسؤولية أسرته (7 أفراد) وبدا في حديثه مع الجزيرة نت وكأن الحرب أضافت أعواما إلى عمره، ويتساءل “أبي أصبح مشلولا، والحرب دمرت منازلنا ومدارسنا، وطوال اليوم أبحث عن الماء والطعام، فكيف سأصبح طبيبا؟”.
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن القرار الذي أصدرته أكبر رابطة من العلماء المتخصصين في أبحاث الإبادة الجماعية، يمثل توثيقا جماعيا جديدا للإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.
وقالت إن تقرير الرابطة يضاف للتقارير والشهادات الدولية التي وثّقت ما يتعرض له شعبنا من إبادة جماعية تجري أمام مرأى ومسمع العالم.
وأكدت أن “عدم تحرك المجتمع الدولي ضد الكيان الصهيوني وصمة عار وعجز غير مبرر”.
وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكافة الأطراف المعنية بضرورة التحرك العاجل لوقف جرائم الإبادة والتهجير والتطهير العرقي التي يرتكبها الاحتلال.
وكانت رئاسة أكبر رابطة من العلماء المتخصصين في أبحاث الإبادة الجماعية حول العالم قد أعلنت اليوم الاثنين أنها أصدرت قرارا ينص على استيفاء المعايير القانونية لإثبات ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.
وأيّد 86% من المصوتين من بين 500 عضو في الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية القرار، الذي ينص على أن سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة تفي بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948.
جرائم واسعة
وذكرت الرابطة في تقريرها أن الحكومة الإسرائيلية انخرطت منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 في جرائم ممنهجة واسعة النطاق ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، بما في ذلك هجمات عشوائية ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية التي تشمل المستشفيات والمنازل والمباني التجارية وغيرها، فضلا عن جرائم التعذيب والحرمان من الطعام والمياه.
ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي قتل أو جرح أكثر من 50 ألف طفل، وذلك ما يعتبر عاملا من عوامل الإبادة الجماعية لأنه يهدد بقاء مجموعة بكاملها، إضافة إلى مهاجمة عمال الإغاثة والطواقم الطبية والصحفيين.
إعلان
وأكد تقرير الرابطة أن إجراءات إسرائيل للرد على هجوم 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 لم تكن موجهة ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فحسب، بل استهدفت أيضا سكان غزة بأكملهم.
وقال التقرير إن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية منع الإبادة الجماعية من خلال الوفاء بالتزاماته بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وأقر التقرير بأن التدابير الأمنية المزعومة ضد أعضاء جماعة ما، إشارة إلى ما تقول إسرائيل إنها أعمال أمنية ضد حماس، غالبا ما تكون ذريعة للقتل الجماعي والإبادة الجماعية.
مرجعية عالمية
وتعليقا على ذلك، قال أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية للجزيرة نت إن التقرير الصادر عن الجمعية الدولية لعلماء الإبادة يمثل محطة مهمة ومرجعية علمية عالمية، مشيرا إلى أن هذه الجمعية تعد أبرز رابطة متخصصة في دراسات الإبادة منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي على خلفية ما جرى في رواندا وحروب البلقان.
وأوضح أبو بدوية أن الجمعية ليست جسما سياسيا أو قضائيا، بل مؤسسة أكاديمية تضم باحثين في القانون الدولي والتاريخ والعلوم السياسية والإنسانية، ولذلك فإن صدور تقرير عنها يصف ما يجري في قطاع غزة بأنه “إبادة جماعية” يمنحه وزنا خاصا واعتبارا مرجعيا لا يمكن تجاهله.
وبيّن أن التقرير استند إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة لعام 1948، مما يوفّر أساسا قانونيا للمحامين والباحثين العاملين على ملف جرائم الإبادة سواء أمام المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي أو أمام المحاكم الدولية.
وأكد أن التقرير سيشكل سندا مهما لمحكمة العدل الدولية التي تنظر في الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وكذلك للمحكمة الجنائية الدولية التي فتحت تحقيقا في جرائم غزة وأصدرت مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
وأضاف أبو بدوية أن التقرير يذكّر المجتمع الدولي بالتزاماته القانونية في منع التواطؤ أو المشاركة المباشرة وغير المباشرة في جريمة الإبادة، مشددا على أن أي دولة أو جهة تدعم إسرائيل في هذا السياق قد تُعد شريكا في الجريمة. كما أن لهذا التقرير أثرا سياسيا هاما يتمثل في نزع الشرعية عن الرواية الإسرائيلية التي تبرر ما يجري في غزة باعتباره “إجراءات أمنية”، مؤكدا أن الرواية الحقيقية هي وقوع إبادة جماعية.
ولفت إلى أن التقرير يعزز الزخم السياسي ضد إسرائيل داخل المؤسسات الدولية والإقليمية، ويشكل أداة قانونية وسياسية للدبلوماسية الفلسطينية والعربية في المحافل الدولية.
وختم بالقول إن صدوره من جهة مستقلة ومرموقة يضفي عليه أهمية خاصة، فهو يشكل سندا يمكن أن تتسلح به الدول والمنظمات والأفراد لمواجهة جريمة الإبادة في قطاع غزة على المستويات القضائية والسياسية والدبلوماسية كافة.
رفض مسؤولان في حركة حماس ما يُحكى عن خطة أميركية لسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإخلائه من سكانه وتحويله إلى منطقة اقتصادية وسياحية.
جاء ذلك ردا على تقارير في هذا الشأن وردت مؤخرا في صحيفة “واشطن بوست” الأميركية.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن الخطة تتألف من 38 صفحة وتنصّ على مغادرة “طوعية” للسكان إلى دولة أخرى، أو إلى مناطق داخل القطاع تخضع لقيود، وذلك خلال فترة إعادة الإعمار.
وذكرت الصحيفة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس هذه الخطة. وتابعت أن الخطة وُضعت بناء على رؤية ترامب المعلنة لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط“.
ووفق الخطة، سيوضع القطاع، خلال فترة الإعمار، تحت إدارة صندوق باسم “إعادة إعمار غزة، صندوق الإنعاش الاقتصادي والتحوّل” (GREAT Trust).
خطة لا قيمة لها
لكن عضو المكتب السياسي لحركة حماس باسم نعيم رد على هذه التسريبات بالقول “انقعوها واشربوا ماءها، كما يقول المثل الفلسطيني بالعامية”، مضيفا “غزة ليست للبيع”.
وأضاف أن غزة “ليست مدينة على الخريطة أو جغرافيا منسية، بل هي جزء من الوطن الفلسطيني الكبير”.
وأكد نعيم “رفض حماس ورفض شعبنا” للخطة التي تنص بحسب الصحيفة الأميركية على نقل كل سكان القطاع الفلسطيني إلى خارج غزة الذي يوضع تحت إشراف أميركي لمدة 10 سنوات لتحويله إلى منطقة سياحية ومركز للتكنولوجيا المتقدّمة.
وقال مسؤول آخر في حماس إن الحركة “ترفض “كل هذه الخطط التي تهجّر أبناء شعبنا وتبقي المحتل على أرضنا. إنها خطط بدون قيمة وظالمة”.
وأضاف أن حماس “لم تتلقَّ أي شيء رسمي بشأن مثل هذه الخطط. سمعنا عنها في وسائل إعلام”.
ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية على طلب للتعليق على هذا التقرير.