في المضمون، استند القرار الأميركي لمنع الرئيس الفلسطيني وفريقه، من دخول الولايات المتحدة، إلى جملة من الأسباب، أو قل الذرائع: التحريض على الإرهاب والتردد في مقاومته، نشر ثقافة الكراهية، ملاحقة إسرائيل جنائيا، وحث دول العالم على الاعتراف من جانب واحد، بدولة فلسطينية.
واشنطن لم تكتفِ بعدم منح الفريق الرئاسي الفلسطيني تأشيرات دخول، بل عمدت إلى إلغاء الصالح منها، لتنتهي إلى تعميم القرار على الشعب الفلسطيني بأسره، مع استثناءات قليلة للغاية.
في الشكل، القرار الأميركي يُعد إهانة للسلطة والرئاسة واستخفافا بهما، نهجا ورهانات، مثلما يعتبر ضربة جديدة للشعب الفلسطيني برمته. والأخطر، أنه جاء بمثابة صفعةٍ للمنتظم الدولي، وانتهاكٍ لاتفاقية المقر، ولكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.
في السياق، القرار جاء في ذروة حرب الإبادة على غزة، وانفلات غول الضم والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية، من عقاله، وسط مباركة أميركية، تتخطى الضوء الأخضر، إلى الشراكة في دعم وإسناد وحماية التوحش الإسرائيلي. وليغذي الشهية العدوانية التوسعية لحكومة اليمين الفاشي، ويحفزها على المضي قدما في مقارفة مختلف صنوف جرائم الحرب.
في التوقيت المباشر، القرار جاء بعد ثلاثة اجتماعات هامة، الأول، في البيت الأبيض، وبمشاركة توني بلير وجاريد كوشنر إلى جانب الفريق الأميركي برئاسة ترامب، للبحث في مستقبل غزة و”اليوم التالي”. وحين تذكر أسماء كهذه، يتعين على الفلسطينيين دوما، “تحسس مسدساتهم”. فالأول عمل طوال فترة ولايته في الضفة الغربية ممثلا للرباعية الدولية (2007 – 2015) على هندسة “الإنسان الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في المقاومة عدوا وفي إسرائيل حليفا أو مشروع حليف على أقل تقدير.
والثاني، الذي ارتبطت باسمه، أسوأ صفقة تعرضها إدارة أميركية لحل القضية الفلسطينية: صفقة القرن، والتي تضمنت فيما تضمنت، الاعتراف بالقدس الموحدة، عاصمة “أبدية” لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، و”منح” إسرائيل 30٪ من أراضي الضفة، في منطقة الغور ومحيط القدس أساسا، وإسقاط ملف اللاجئين. قديما قيل، المكتوب يُقرأ من عنوانه، وعنوان الإستراتيجية الأميركية الجديدة لفلسطين، يتصدره هذان الاسمان.
إعلان
الاجتماعان، الثاني والثالث، في مقر الحكومة الإسرائيلية، الأول بحث في إنشاء “إمارة الخليل” بتجريدها من أي وجود للسلطة ونقلها لرموز عشائرية ومحلية مرتبطة بالإدارة المدنية الاحتلالية. والثاني، شرع في رسم خرائط الضم القادم للضفة أو لأجزاء واسعة منها، البحث لم يكتمل بقرارات قطعية، لكنه جارٍ على قدم وساق.
نظرة للذرائع الأميركية
في نظرة تحليلية للائحة “الأسباب/الذرائع الموجبة” للقرار الأميركي، يمكننا الاستنتاج أن الأمر لا يتعلق بما تقوم به السلطة، بل بما لا تقوم به، على نحو فعّال وناجز. القول مثلا، إنها تدعم الإرهاب، وإنها لم تدن هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول، متهافت تماما.
فالسلطة التي ترددت في البدء أن تعلي صوت النقد والإدانة للمقاومة وحماس، عادت في سياق حرب السنتين، وعبر سلسلة من قادتها والناطقين باسمها، للتنديد بالطوفان ومن قام بإطلاقه. “شيطنة” حماس وإحراجها؛ سعيا لإخراجها من مسرح السياسة والإدارة والجغرافيا الفلسطينية، مسار لا يتوقف.
السلطة لم تكتفِ بإدانة حماس، بل قاتلتها في جنين وطولكرم وعموم الضفة الغربية. السلطة بقراراتها الأخيرة، لم تُخفِ نيتها في إخراج حماس من المنظومة السياسية الفلسطينية، فمن يشترطُ التزام الفصائل بأوسلو والتزاماته ومندرجاته، يريد غلق باب المشاركة في وجه حماس وفصائل المقاومة. دور السلطة في الحرب على حماس، أكثر مضاءً من غيره من الأدوار، كونه يصدر عن جهة فلسطينية أدرى بشعاب المشهد الداخلي بتفاصيله وتلافيفه.
واشنطن تريد للسلطة أن تلعب دورا، لا أقل من دور فصيلة متقدمة لجيش الاحتلال في اقتلاع كل نفس مقاوم للاحتلال، والانقلاب على تاريخ الشعب الفلسطيني ومستقبله. هنا، وهنا بالذات، تندرج الضغوط لشيطنة أيقونات الشعب الفلسطيني من شهداء وأسرى.
وفي هذا الملف، بالذات، “لم تقصر السلطة” في الاستجابة للضغوط، إذ أحالت هؤلاء وعائلاتهم، إلى “الشؤون الاجتماعية” بوصفهم “طالبي معونة وطنية”، وليس بوصفهم طلائع متقدمة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.
شهية واشنطن لانتزاع المزيد من التنازلات من السلطة والمنظمة، كشهية إسرائيل، “نقول لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد”. مثل هذه المقاربة، تحيل حياة السلطة وقيادتها، إلى جحيم لا يطاق، فهي تكتشف اليوم، أن لا قعر مرئيا لخط النهاية في لعبة تقديم التنازلات والمزيد منها، على “مذبح الدولة” وقربان “حل الدولتين”، وهم كما كل أعمى وبصير، يرى رأي العين، أن لا دولة في الأفق، وأن سرابها يزداد ابتعادا كلما ظن القوم، أنها باتت على مرمى حجر.
في تحليل مغزى ومضامين القرار، نتوقف عند ما هو أكثر خطورة مما ذهبنا إليه. واشنطن، لا تريد للسلطة أن تكون شريكا في محاربة المقاومة واستئصالها فحسب، بل تريد أن تنزع من يدها ورقة “المقاومة الشعبية السلمية” التي طالما تغنى بأهميتها أركان السلطة، فالأمر هنا يندرج في سياق التحريض على الكراهية.
وإسرائيل لا تريد للسلطة أن تكون محركا لـ”تسونامي” الاعترافات الدولية بفلسطين – وهي ليست كذلك على أية حال– بل تريدها “سدّا” منيعا في وجه هذا السيل من الاعترافات. والولايات المتحدة، لا تريد للسلطة أن تلاحق إسرائيل جنائيا وقضائيا أمام المحاكم الدولية، وهي لم تفعل الكثير على هذا المضمار، منذ “توصية الجدار” و”تقرير جولدستون”، بل تريدها “حاجبا” يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمنع المتقدمين إليها بدعاوى ضد مجرمي الحرب من قادة إسرائيل.
إعلان
خلاصة التحليل للقرار الأميركي، واشنطن الوالجة في حرب إبادة ضد المقاومة وشعبها، تآذار تكتيك “أقصى الضغوط” على السلطة، لتجريدها من ورقة “الكفاح السلمي”، غير المفعّلة أصلا، وتريد نزع سلاح الدبلوماسية والقانون الدولي من يدها. فما الذي تبقى ويمكن فعله، في وجه عدو بلغ أوج توحشه وفاشيته، في غزة كما في الضفة، وصولا لبقاع وساحات عربية أبعد؟
الصورة الكبرى
لا يمكن فهم القرار الأميركي بمعزل عن “الصورة الكبرى” لمشتركات الموقفين الأميركي الإسرائيلي. لا مطرح في قاموس الحليفتين الإستراتيجيتين لدولة فلسطينية قابلة للحياة، دع عنك سيّدة ومستقلة. لا مطرح لـ”حل الدولتين”، وترامب لم يأتِ على ذكر هذا الأمر، ولو من باب “زلة لسان”. المطلوب تدمير كل فرصة لقيام الدولة، والقضاء على كل “رمز” يشي باحتمال قيامها، وإن بعد حين.
توازيا مع حرب الإبادة في غزة ضد المقاومة وشعبها، تنظر واشنطن بعين إسرائيلية إلى السلطة، التي على هزالها وهشاشتها، ما زالت ترمز لفرصة قيام دولة، أي دولة. هذا ناقوس خطر يقرع بقوة في غرف القرار في تل أبيب، ويتردد صداه في واشنطن، والمطلوب الإجهاز على هذه “الرمزية”، تماما مثلما جاء في النقاشات الإسرائيلية حول “إمارة الخليل”، وانسجاما مع تهديدات قادة اليمين الأكثر تطرفا، بضم الضفة، وتهجير سكانها، وحشر من سيتبقى منهم في “سبع إمارات/ مدن” فلسطينية، غير متحدة.
وإن كان ثمة من فرصة لبقاء السلطة في رام الله، فهي أن ترتضي، وترتضي قيادتها، بأن تكون واحدة من هذه الإمارات السبع، لا أكثر ولا أقل، وربما إلى حين.
لا يمكن فهم القرار الأميركي، الإسرائيلي في منشئه، بمعزل عن هجمة الاستيطان الزاحف في القدس والخان الأحمر وغور الأردن، ومنطقة “E1″، وعمليات هدم وإزالة مخيمات الشمال، ومشروع إمارة الخليل، والسطو على أموال المقاصة (10 مليارات شيكل)، والحبل على الجرار.
لا يمكن فهم هذا القرار، بمعزل عن التصريحات الأميركية التي تترك لإسرائيل حرية التصرف، إنْ في غزة وحرب الإبادة، أو في الضفة، ومشاريع الضم، والتهويد، والتهجير.
مأزق السلطة وخياراتها
في غمرة انشغالها بعزل المقاومة و”شيطنة” حماس، جاء القرار الأميركي ليلقي بالسلطة في أتون مأزق عميق. لقد أمل قادتها بـ “وراثة” مكتسبات الطوفان وصمود غزة وتضحياتها. عرضوا أنفسهم بديلا لحماس، وليس شريكا في مشروع وطني أكبر وأوسع.
وانتقلوا لفرط سذاجتهم، من الضغط لإحراج حماس وإخراجها من غزة، إلى تقطيع كل السبل التي يمكن أن توصلها إلى منظمة التحرير. خرج ناطقون باسمها يعرضون بسذاجة مشبوهة، حلا سحريا لاستعصاء “اليوم التالي”: على حماس أن تسلم سلاحها للسلطة وأن تقبل بـ”سلطة واحدة، شرعية واحدة، سلاح واحد”. ولم يصغوا كفاية إلى تأكيدات نتنياهو وفريقه من اليمين المأفون الرافضة لحماس وعباس، حماسستان وفتحستان.
لم يتأملوا كثيرا في “صمت إدارة ترامب” المريب عن الإدلاء بأي تصريح عن “دولة ” أو “حل الدولتين”، أو ملاحظة أي دور للسلطة في اليوم التالي للحرب على غزة.
ظنوا أن خماسية عربية أو ترويكا أوروبية، كفيلة بتعويمهم، إلى أن صدموا (إن صدموا)، بأن الموقف العربي لم يتخطَّ حدود “الأسف” للقرار الأميركي، وأن أوروبا كعادتها، تصمت وتقلق، وأحيانا تدين (ليس بأشد العبارات كما هي العادة التي درج عليها بعض العرب مؤخرا) المواقف والقرارات الأميركية والإسرائيلية.
ستحاول السلطة أن تحشد تأييدا عربيا ودوليا لثني الولايات المتحدة عن قرارها، وربما تفكر في تكرار سيناريو 1988 عندما نجح ياسر عرفات في نقل الجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف، لتخطي حاجز “التأشيرة الأميركية”، وربما الاكتفاء بقيام “من حضر” من دبلوماسييها في نيويورك بتمثيلها في المؤتمر المنتظر لحل الدولتين.
إعلان
هذه هي الخيارات المتاحة لسلطة وضعت نفسها في “صندوق أوسلو والتزاماته”، وجميعها لا ترقى إلى مستوى التحدي ولا تشكل استجابة لمهام المرحلة المقبلة.
في مراحل سابقة من عمر المنظمة والسلطة، كانت “الدولة” هي المقابل الفلسطيني للتنازلات المطلوبة أميركيا وإسرائيليا. اليوم، تقلص هذا المقابل، وصارت “التأشيرة” هي الثمن الذي ستتحصل عليه السلطة، إن هي قبلت بـ”دفتر الشروط الأميركية”.. أي ذُلٍ هذا، وأي قعر بلغه هذا المسار؟!
لست من “هواة” الدعوات الفارغة للحوار والمصالحة والإصلاح واستعادة الوحدة، فقد أغلق “القوم” السبل بإحكام في طريق هذه الأهداف الرومانسية (سمها النبيلة إن شئت). أحسب أن الاستقالة على “الطريقة الهولندية” هي أولى خطوات المراجعة والإنقاذ.. استقالة الرئيس وفريقه، وتسليم السلطة والمنظمة لقيادة جماعية مؤقتة “يمكن أن تكون الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير”.
على أن يصار إلى التداعي لعقد ورشة عمل وطنية فلسطينية تحت عنوان “ما العمل؟” بعد أكثر من طوفان: طوفان المقاومة، طوفان الإبادة والتطهير والتهجير، طوفان الاستيطان، طوفان صفقة القرن الجديدة، التي تبني على القديمة وتتوسع في أعطياتها لإسرائيل.
هذه نقطة البدء، التي تعكس قدرا من الاعتراف بالفشل المتمادي والمتراكم، ومن دونها، سنعود إلى الدوامة ذاتها: مزيد من التنازلات، مزيد من سياحة المؤتمرات، مزيد من فعل الشيء ذاتها، سلوك الطريق نفسه، وانتظار الوصول إلى وجهة أخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
وجه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) -الأربعاء- رسالة تحذير من أن تكثيف الهجوم الإسرائيلي المستمر على مدينة غزة سيدفع المدنيين إلى كارثة أعمق في ظل المجاعة المستمرة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “تصاعد الأعمال العدائية في مدينة غزة يخلف عواقب إنسانية مروعة على الأشخاص الذين يعيشون في هذه المواقع”، مؤكدا أن الكثير منهم نزحوا سابقا من شمال غزة.
وأضاف دوجاريك نقلا عن العاملين في مجال دعم مواقع النزوح أن العديد من الأسر “غير قادرة على الانتقال بسبب ارتفاع التكاليف ونقص المساحات الآمنة”، مسجلا تأثر كبار السن وذوي الإعاقة بشكل خاص.
أوضاع مزرية
ونقل دوجاريك عن الشركاء في المجال الإنساني أنه بين 14 و31 آب/آب الماضي، تم تسجيل أكثر من 82 ألف حالة نزوح جديدة، بما في ذلك 30 ألف شخص نزحوا من الشمال إلى الجنوب.
كما وصفوا الأوضاع في مواقع النزوح بأنها “مزرية” مع تراكم الأنقاض والنفايات بالقرب من مناطق السكن أو داخلها.
وأضاف الشركاء أن درجات الحرارة المرتفعة فاقمت الظروف غير الصحية، مما أدى إلى انتشار واسع النطاق للقوارض والحشرات، وزيادة الأخطار الصحية، وإصابة الأطفال بطفح جلدي.
وسجل دوجاريك أن إمدادات المياه غير كافية، مما يؤدي إلى ازدحام كبير حول نقاط التوزيع، الأمر الذي يصعب على الأشخاص الأكثر حاجة والفئات الأضعف الحصول على المياه.
وأوضح أن شاحنات النقل تعجر في أحايين كثيرة عن الوصول إلى مواقع النزوح، مما يجبر العائلات على قطع مسافات طويلة للحصول على المياه.
وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن تنقلات الأمم المتحدة وشركائها داخل غزة “لا تزال تواجه عوائق”، مبرزا أن من بين 16 مهمة تم التنسيق لها مع السلطات الإسرائيلية أمس الثلاثاء، واجهت 5 منها تأخيرات طويلة للغاية قبل الحصول على الموافقة من السلطات الإسرائيلية للتحرك، بما في ذلك جهود جمع الإمدادات من المعابر.
لم يعد أمام الفلسطينيين سوى الالتفاف حول خطة وطنية جامعة لمواجهة مخطط الضم الذي تحاول إسرائيل تنفيذه على غالبية مساحة الضفة الغربية المحتلة، بعد سنوات من محاولات السلطة إبداء حسن النية والرغبة في السلام.
ففي الوقت الذي تستعد فيه العديد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية في وقت لاحق من الشهر الجاري، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، مهما كانت التحديات، مؤكدا أن الإدارة الأميركية تؤيد هذا التوجه.
ووفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت، فقد اقترح سموتريتش ما سماه بسط السيادة على 82% من أراضي الضفة الغربية، وإسناد إدارة ما تبقى منها للسلطة الفلسطينية.
بيد أن هذا الحديث عن ضم إسرائيل للضفة المحتلة ليس جديدا، ولكنه مشروع قديم خضع لقياس ردات الفعل الدولية والإقليمية طيلة الأعوام الـ20 الماضية، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
فقد كان البعد الأمني هو المحرك الأساسي لأي مخطط إسرائيلي، لكن هذا الوضع تغير بعد الانتفاضة الثانية وخصوصا في عهد بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- الذي تحول إلى قتل اتفاقية أوسلو بكل الطرق، حسب ما قاله جبارين لبرنامج “ما وراء الخبر”.
صورة لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خلال مؤتمر صحفي وفي الخلفية خريطة للضفة الغربية المحتلة (الجزيرة)
قتل أوسلو
وخلال السنوات الماضية، حاولت إسرائيل، وفق جبارين، تطبيق نموذج مصغر في القدس والخط الأخضر، لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في الضفة الغربية بعد ضمها، بحيث لا يمكنهم إقامة أي مجتمع مدني أو نشاط اقتصادي.
وبالتالي، ستحصر إسرائيل الفلسطينيين في مساحة الـ18% التي ستخضع لإدارة السلطة الفلسطينية، بينما ستكون محاصرة بالمستوطنات من كل اتجاه.
وسيكون التحدي الديمغرافي هو المهدد الأكبر لمشروع إسرائيل، الذي يقول جبارين إنه “يقوم على تخيير الفلسطيني بين الاعتراف بسيادتها أو القتل”.
إعلان
أما الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فيرى أن حديث سموتريتش “يؤكد فشل أي رهان على موقف الولايات المتحدة، التي لا تخفي دعمها لإسرائيل بل وتدفعها دفعا لإبادة قطاع غزة“.
كما أن الحديث عن وضع 18% من مساحة الضفة الغربية تحت يد السلطة الفلسطينية، ليس إلا محاولة لإقامة نظام فصل عنصري استعماري دون تحمل أي مسؤوليات تجاه الفلسطينيين الذين سيتم إخراجهم وحشرهم في هذه المساحة الصغيرة، حسب البرغوثي.
وإذا قبلت السلطة بهذا الأمر سيجعلها “حارسا لمعسكر اعتقال، نيابة عن إسرائيل”، وفق المتحدث، الذي قال إن ما يقوله سموتريتش، هو نفسه ما يريده نتنياهو، لكنه لا يعلنه بنفسه حتى يجس نبض المنطقة والعالم.
فتعزيز الاحتلال بضم الضفة، برأي البرغوثي، ليس ردا على سعي عدد من الدول للاعتراف بفلسطين، ولكنه محاولة لتدمير أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية فعلية في المستقبل.
وتتطلب مواجهة هذه الخطة خطوات جدية وعقوبات وخصوصا من الدول العربية والإسلامية التي لا يزال بعضها يطبع مع تل أبيب، حسب البرغوثي، الذي قال إن التنديد والتهديد لن يغيرا شيئا على أرض الواقع.
والمطلوب من السلطة حاليا، برأي البرغوثي، هو رفض العمل كوكيل للاحتلال، وأن تكون هناك إستراتيجية وطنية شاملة يلتف حولها الفلسطينيون لمواجهة هذا المشروع الاستعماري.
السلطة تراهن على الفلسطينيين
لكن رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية محمد المصري، يرى أن حفاظ السلطة الفلسطينية على شرعيتها الدولية وتمكنها من الحصول على اعتراف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية المستقلة هو الذي أشعر واشنطن وتل أبيب بالخطر، لأن هذه الاعترافات ستثبت الفلسطينيين في أرضهم سواء في غزة أو الضفة.
كما أن السلطة، حسب المصري، ليست مستسلمة لإسرائيل كما يتهمها البعض ولكنها كانت تراهن على حراك الشعب الفلسطيني منذ عودتها من تونس في تسعينيات القرن الماضي، فإسرائيل “لم تلتزم باتفاقاتها حتى مع مصر والأردن، وما يجري حاليا هو أنها تحاول الوصول بالسياسة لما فشلت في الوصول له بالقوة”.
وسيكون من الصعب على السلطة الفلسطينية مواجهة هذا التغول الإسرائيلي وحدها، ولكنها بحاجة لموقف فلسطيني موحد، حتى يمكنها مواجهة الضغوط التي ستتزايد عليها قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية أيلول/أيلول الجاري، كما يقول المصري، الذي قال إن طموحات سموتريتش ستواجه بطوفان فلسطيني في الضفة كما هي الحال في غزة.
وبناء على ذلك، فإن المطلوب حاليا هو التفاف كافة الفلسطينيين حول خطة واحدة لمواجهة طموحات إسرائيل، خصوصا وأن زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المرتقبة لتل أبيب “ستحدد ملامح الفترة المقبلة”، برأي المصري.
بات 21 ألف طفل على الأقل في غزة يعانون من إعاقات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، بحسب ما أعلنت لجنة تابعة للأمم المتحدة اليوم الأربعاء.
وقالت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة، إن نحو 40 ألفا و500 طفل تعرّضوا إلى إصابات مرتبطة بالحرب خلال فترة العامين التي مرّت منذ اندلاع الحرب، بات أكثر من نصفهم يعانون من إعاقات.
وفي مراجعة للوضع في القطاع الفلسطيني، قالت اللجنة إن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في السمع أو النظر لم يعلموا في أحيان كثيرة بأوامر الإخلاء الإسرائيلية، مما جعل مسألة النزوح “مستحيلة” بالنسبة لهم.
وأورد العضو في اللجنة مهنّد العزة خلال مؤتمر صحفي كمثال على ذلك، حادثة مقتل أم صماء في رفح مع أولادها، دون أن تعلم بتعليمات الإخلاء.
وقالت اللجنة إن “التقارير تحدثت أيضا عن أشخاص من ذوي الإعاقات يجبرون على الفرار في ظروف غير آمنة ولا تحفظ كرامتهم، كالزحف في الرمل أو الوحل من دون مساعدة على التنقل”.
ولفتت اللجنة إلى أن القيود على المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة تؤثر بشكل غير متناسب على ذوي الإعاقات.
وأضافت أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يواجهون انقطاعات كبيرة في المساعدة، مما يترك العديد منهم من دون غذاء أو مياه نظيفة أو نظافة ومعتمدين على الآخرين للبقاء على قيد الحياة.
قيود على المساعدات
وحذّرت اللجنة من أن قرار تركيز توزيع المساعدات في نقاط محددة بغزة جعل من الصعب جدا على الأشخاص ذوي الإعاقات الوصول إلى مساعدات هم في أمسّ الحاجة إليها.
ورغم أن لدى مؤسسة غزة الإنسانية الخاصة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل 4 نقاط توزيع مساعدات في القطاع، فإن شبكة الأمم المتحدة كانت تقيم نحو 400 نقطة.
وقال العزّة “لا يمكن أن نتوقع من أطفال من ذوي الإعاقات… الركض إلى نقاط (توزيع المساعدات)”.
إعلان
وأضاف “لهذا السبب فإن إحدى توصياتنا الرئيسية هي ضرورة التواصل مع الأطفال ذوي الإعاقة”، كأولوية قصوى للمساعدات الإنسانية.
ومنعت عقبات مادية مثل الأنقاض التي خلفتها الحرب وفقدان المعدات التي تساعد على التنقل تحت الأنقاض الأشخاص بدرجة إضافية من الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات.
وأفادت اللجنة بأن 83% من ذوي الإعاقات خسروا المعدات التي تساعدهم مع عدم تمكن معظمهم من تحمل تكاليف معدات بديلة على غرار العربات التي تجرها الحمير.
وعبرت عن قلقها من اعتبار إسرائيل معدات مثل الكراسي المتحركة والمشايات والعكازات والدعامات والأطراف الصناعية “أدوات مزدوجة الاستخدام” وبالتالي فهي تمنع دخولها.
ودعت اللجنة إلى إيصال مساعدات إنسانية كبيرة للأشخاص من ذوي الإعاقات المتضررين بالحرب.
وأفادت اللجنة بأنها أُبلغت عن تعرّض 157 ألفا و114 شخصا بين السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023 و21 آب/آب من هذا العام لإصابات، في حين يواجه 25% منهم خطر التعرّض لإعاقات تستمر مدى حياتهم.
وتحدّثت عن وجود 21 ألف طفل على الأقل يعانون من إعاقات في غزة نتيجة جروح أصيبوا بها منذ بداية الحرب.
وقالت اللجنة إن على إسرائيل تبني إجراءات محددة لحماية الأطفال الذين يعانون إعاقات من الهجمات وتطبيق أنظمة إخلاء تأخذ في الاعتبار ذوي الإعاقات.
وأضافت بأن على إسرائيل ضمان السماح للمعاقين بالعودة الآمنة إلى منازلهم وحصولهم على المساعدة للقيام بذلك”.
تمثل عملية “عصا موسى” التي تنفذها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) استمرارا لتكتيك معين للمقاومة حتى في ظل الدمار الشامل وتسطيح المدن والمناطق الذي تقوم به قوات الاحتلال.
وأعلنت المقاومة اليوم الأربعاء إطلاق عمليات “عصا موسى” ردا على “عربات جدعون 2″ التي أطلقتها إسرائيل لاحتلال مدينة غزة.
وأكد مصدر في المقاومة للجزيرة أن باكورة هذه العمليات بدأت خلال الأيام الماضية في جباليا وحي الزيتون بعد ساعات من إعلان إسرائيل عن عربات جدعون 2.
وفي هذا السياق، نشرت كتائب القسام مشاهد لاستهداف آليات إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة ضمن سلسلة عمليات عصا موسى.
وأظهرت المشاهد 3 من مقاتلي القسام وهم يخرجون من أحد البيوت المدمرة لاستهداف دبابة ميركافا وناقلة جند في شارع الغباري، حيث استهدف أحد المقاتلين الدبابة بقذيفة “الياسين 105″، بينما وضع مقاتل آخر عبوة العمل الفدائي على ناقلة الجند قبل أن ينسحب ويعود وتنفجر العبوة.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -خلال فقرة التحليل العسكري- أن تسمية عصا موسى تحمل بُعدا دينيا يحفز المقاتلين، وتُعتبر عملية تأطير لمرحلة انتهت من عمليات “جدعون 1” التي تسربت وثائق جيش الاحتلال حول فشلها لعدة أسباب جوهرية.
وبحسب الوثائق المسربة فإن عملية “جدعون 1” فشلت لأسباب إستراتيجية محورية، إذ تقاتل المقاومة بطريقة حرب المدن بشكل احترافي، بينما عقيدة الجيش الإسرائيلي لا تناسب هذا النوع من القتال.
وقد خلق هذا التباين في طبيعة المواجهة -بحسب الخبير العسكري- تحديا حقيقيا للقوات الإسرائيلية التي وصلت لأقصى درجات جهوزيتها من حيث الألوية والجنود.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت المقاومة قدرة استثنائية على التأقلم مع عامل الدمار، واستطاعت توظيفه لصالح تكتيكاتها القتالية.
إعلان
والدليل على ذلك استمرار المعارك القوية في جباليا رغم الدمار الهائل، بينما يتركز الجهد الرئيسي حاليا في حي الزيتون كمحور أساسي للعمليات.
تحديات تواجه جدعون 2
ومن جانب آخر، تواجه عملية جدعون 2 تحديات أكبر من سابقتها، إذ يدخلها جيش الاحتلال وسط اعتراضات من جنود الاحتياط، إضافة إلى نقص حاد في أفواج الهندسة تحديدا في آليات الجرافات يصل لحدود 60%.
ويضع هذا النقص في الموارد البشرية والتقنية قيودا إضافية على فعالية العمليات الإسرائيلية.
ومن وجهة نظر حنا فإن الفصل بين عمليات جدعون 1 وجدعون 2 ليس فصلا حقيقيا بالمعنى العسكري، بل مجرد تسمية إدارية.
فرغم إعلان انتهاء جدعون 1 والموافقة على بدء جدعون 2، استمرت العمليات دون توقف حقيقي، مع وجود لواءين أو 3 في مناطق حي الزيتون والصبرة وجباليا والشجاعية وحتى حي التفاح.
وعلى صعيد متصل، تعاني المؤسسة العسكرية الإسرائيلية -وفقا لحنا- من تناقض واضح بين القرارات السياسية والعسكرية، إذ يتم استدعاء الاحتياط من دون تلبية كاملة للخطة المطلوبة.
وتقوم الإستراتيجية المستقبلية على قتال جيش الاحتلال بالخدمة الفعلية في قطاع غزة، على أن يأتي الاحتياط لاستبدالهم في وقت لاحق، وهذا يخلق إشكاليات تنظيمية وتشغيلية.
وبناءً على ما تقدم، تمثل عملية جدعون 2 استمرارا للتكتيكات السابقة من دون إدخال إستراتيجيات جديدة حقيقية.
في حين تقوم التكتيكات الحالية على التقدم الحذر والتدريجي، مع تسطيح الأرض وتدمير كافة البنى التحتية تحت شعار منع عودة المقاومة إلى المناطق التي يوجد فيها جيش الاحتلال.
وفي المقابل، ورغم حجم الدمار الهائل، أظهرت المقاومة عملية تأقلم سريعة وفعالة مع الظروف الجديدة.
ومكّنها هذا التأقلم السريع من مواصلة العمليات العسكرية بكفاءة، وتزامن ذلك مع إطلاق تسمية عصا موسى لعملياتها، وهذا يعكس قدرة على التكيف الإستراتيجي والتكتيكي في آن واحد.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 63 ألفا و633 شهيدا، و160 ألفا و914 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وآلاف المفقودين، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 367 فلسطينيا بينهم 131 طفلا.