في مدينة غزة (شمالي القطاع) والتي صارت مسرحا لمجازر يومية، لا تبدو الأبراج السكنية هدفا عسكريا بقدر ما تحولت إلى رموز لنهج جديد في هذه الحرب الدامية، قائم على التدمير المنهجي لكل مقومات الحياة.
فإسقاط برج تلو آخر لا يعكس فقط إصرارا إسرائيليا على توسيع نطاق الدمار، بل يكشف عن إستراتيجية أعمق هدفها إفراغ المدينة من سكانها وقطع الطريق على أي تسوية سياسية محتملة.
وفي حديثه لبرنامج “مسار الأحداث” يذهب الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى إلى أن هذا النهج لا يفسَّر بالضرورات العسكرية، بل يرتبط بمشروع أيديولوجي يهدف إلى محو البنية المدنية الفلسطينية.
فيوميا يُهدم ما يقارب 300 مبنى، في عملية تُدار من وحدات خاصة داخل الجيش الإسرائيلي وبالتعاون مع مقاولين مدنيين، في أمر الذي يحيل -حسبه- إلى نموذج “الإبادة الجماعية” عبر استهداف البنية التحتية والثقافية للمجتمع، وليس فقط أرواح المدنيين.
والمثير أن هذا التدمير يُقدَّم بغطاء دعائي يزعم استهداف مواقع للمقاومة، لكن الخبير العسكري اللواء فايز الدويري يرى أن هذه مجرد ذرائع، فالمقاومة -كما يؤكد- لا يمكن أن تغامر بحياة مئات الأسر عبر تحويل أبراج شاهقة إلى مقرات عسكرية مكشوفة.
وحتى الإنذارات التي تُمنح للسكان قبل القصف، لا تعدو كونها عملية إخراج قسري إلى العراء، في مسرحية لا تترك للنازحين إلا خيام العراء والطرقات.
رسالة “تلفزيونية”
أما الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي فيجد في مشهد الأبراج المتهاوية بُعدا سياسيا بقدر ما هو عسكري، إذ يرى أن إسرائيل تسعى لتوجيه رسالة “تلفزيونية” واضحة: أن أبواب التفاوض أُغلقت.
فبعد أن فقدت غزة عمرانها وحياتها المدنية، لم يعد ثمة ما يمكن لحركة حماس أن تفاوض عليه، إذ تحولت المدينة إلى ركام يفرغ أي مسار سياسي من مضمونه.
إعلان
وتبرز في المقارنة مع حروب التاريخ مفارقة لافتة، ففي الحرب العالمية الثانية، ورغم تدمير مدن أوروبية ويابانية بالكامل، أعيد إعمارها وعاد إليها أهلها.
وأما في غزة، فيُراد للدمار أن يكون مدخلا للتهجير، على غرار ما جرى عام 1948، حيث استُخدم الرعب لاقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين. والهدف الآن -كما يوضح مكي- دفع الناس إلى النزوح الجماعي ثم إبقاؤهم بلا أفق عودة أو إعمار.
وتكتسب المقاربة بين النكبتين القديمة والجديدة بعدا أكثر خطورة لدى مصطفى الذي يميز بين التهجير عام 1948 والإبادة الجماعية الراهنة.
ففي الأولى، كان المشروع الصهيوني يركز على إفراغ الأرض لاستيطانها، أما اليوم فإن إسرائيل -بحسب رأيه- تسعى إلى محو الوجود الفلسطيني نفسه، عبر الجمع بين التهجير والقتل الجماعي وتفكيك المخيمات في الضفة الغربية المحتلة، وهي بذلك تتجاوز كل “الخطوط الحمراء” التي التزمت بها سابقا.
قرار إستراتيجي
ومن واشنطن، يقدم مسؤول الاتصالات السابق في البيت الأبيض مارك فايفل زاوية مختلفة، إذ يرى أن ما يجري ليس مجرد خيار عسكري بل هو قرار إستراتيجي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقوم على إعلاء السيطرة على غزة فوق أي مسار تفاوضي.
وبحسب فايفل، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تتجه نحو تسوية أو صفقة بقدر ما تدفع الأمور إلى مرحلة استسلام كامل للمقاومة، حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير البنية التحتية المدنية وجرّ المآسي على السكان.
ويضيف أن غياب موقف أميركي حاسم يعزز هذا النهج، فالإدارة الحالية -برأيه- تتعامل مع الحرب في غزة كملف ثانوي مقارنة بأولويات مثل أوكرانيا، مما يمنح إسرائيل ضوءا أخضر لمواصلة التصعيد.
ووصف فايفل اجتماعات البيت الأبيض التي ناقشت مستقبل القطاع -بمشاركة شخصيات مثل جاريد كوشنروتوني بلير بأنها بدت منفصلة تماما عن الواقع الميداني، حيث يواجه الفلسطينيون مجاعة وقصفا يوميا بلا انقطاع.
وتكشف تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، المنقولة في الإعلام الإسرائيلي، عن إدراك ضمني لغياب أي جدوى عسكرية مباشرة من التدمير الواسع.
أهداف مؤجلة
غير أن الدويري يفسر ذلك باعتباره جزءا من خطة تهجير ممنهجة، تبدأ بالقصف المكثف ثم دفع السكان تدريجيا نحو مناطق أكثر اكتظاظا، قبل فتح الطريق أمام اجتياح بري أعمق. وفي هذا السياق، يصبح البحث عن الأسرى أو ضرب الأنفاق أهدافا مؤجلة، وليست السبب الحقيقي في هدم الأبراج.
ورغم الموقف المصري الحازم الرافض لأي تهجير عبر أراضيه، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحا -بحسب مكي- هو البحث عن منافذ بديلة لاقتلاع الفلسطينيين، سواء عبر الموانئ أو بلدان بعيدة.
غير أن غياب توافق دولي على استقبال المهجرين يعيق تنفيذ الخطة، ويجعل التدمير أداة لإبقاء السكان في دوامة الجوع والنزوح الداخلي بانتظار فرصة لترحيلهم.
وفي هذا المشهد المأزوم، تُختزل المفاوضات إلى طرح إسرائيلي وحيد: وقف الحرب مقابل استسلام كامل لحماس ونزع سلاحها، وهو ما يعادل إلغاء وجودها السياسي والعسكري.
ومع رفض حركة المقاومة الإسلامية لهذه الشروط، يتضح -كما يرى مصطفى- أن نتنياهو لا يريد أي اتفاق شامل، لأن ذلك سيمنح الفلسطينيين فرصة لإعادة بناء ما تهدم، وهو ما يناقض جوهر الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية.
رفضت 3 منظمات فلسطينية، اليوم الجمعة، قرار واشنطن فرض عقوبات عليها، وأكدت أن القرار لن يردعها عن مواصلة العمل لملاحقة مرتكبي الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقال شعوان جبارين مدير عام “مؤسسة الحق” الفلسطينية، إحدى المنظمات الثلاث، إن من دفع لاتخاذ القرار الأميركي هو وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يعمل على وضع مؤسسات حقوقية على قوائم أميركا للإرهاب.
اقرأ أيضا
list of 2 items
list 1 of 2خبراء يطالبون الأمم المتحدة بمنع كارثة إنسانية أكبر بغزة
list 2 of 2البرلمان اليوناني يقر قانونا جدليا يعيد “قسريا” المهاجرين غير النظاميين
end of list
وأضاف “أنهم لجؤوا إلى محاربة جهودنا في المحكمة الجنائية الدولية، لأنه ليس لديهم أي حجة يتحدثون فيها عن الإرهاب”، مؤكدا استمرار عمله أمام الجنائية الدولية وأمام أي منصة أخرى، لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية، بما فيها جريمة الإبادة الإسرائيلية في غزة.
وبينما أكد أن القرار لن يخيفهم، وأن التهديد أو إغلاق الطرق أمامهم لن يردعهم، اعتبر القرار الأميركي “منطق عصابات” وليس منطق دول تسمي نفسها “ديمقراطية”، ورأى فيه تدميرا إضافيا للقانون الدولي يجب أن يدفع الحريصين على القانون في العالم للتحرك.
وبدوره، وصف مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني العقوبات بأنها “مخزية”، قائلا إنها لن تشكل رادعا.
وأوضح الصوراني للصحفيين بعد اجتماعه بنائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن رد فعلهم سيكون العمل كالمعتاد، مشددا على أنهم في المحكمة يقومون فقط بما يتوجب عليهم القيام به.
ويجتمع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بانتظام مع المنظمات غير الحكومية التي قدمت ملفات قانونية للمحكمة.
وطلبت المنظمات الثلاث من المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2023 التحقيق في اتهامات جرائم الحرب بما في ذلك الإبادة الجماعية بقصف قطاع غزة وحصاره.
وبعد ذلك بعام، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، الأمر الذي تنفيه إسرائيل.
إعلان
والخميس، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه فرض عقوبات على مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، لمشاركتها بشكل مباشر في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع مواطنين إسرائيليين، أو اعتقالهم، أو احتجازهم، أو محاكمتهم، دون موافقة إسرائيل.
وتشمل العقوبات حظر تقديم أي أموال أو سلع أو خدمات لذه المنظمات.
كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية في شباط/شباط عقوبات على المدعي العام لـ”الجنائية الدولية” كريم خان، بعد أيام من توقيع الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بمعاقبة المحكمة لإصدارها مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2024، لارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة.
وترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 64 ألفا و300 شهيد، و162 ألفا و5 مصابين من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 376 فلسطينيا بينهم 134 طفلا، حسب أحدث إحصاء لوزارة الصحة في غزة.
قال خبراء في منظمة الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، إن الصمت والتقاعس ليسا خيارا في مواجهة الفظائع الإسرائيلية في قطاع غزة، ودعوا الجمعية الأممية لعقد اجتماع طارئ واتخاذ موقف حاسم لتفادي كارثة أكبر في القطاع.
وفي نداء عاجل، طالب الخبراء الأمميون المجتمع الدولي بالتحرك فورا قبل الموعد النهائي في 17 أيلول/أيلول للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ أيضا
list of 2 items
list 1 of 2منظمات فلسطينية ترفض عقوبات واشنطن وتؤكد استمرار ملاحقة إسرائيل
list 2 of 2البرلمان اليوناني يقر قانونا جدليا يعيد “قسريا” المهاجرين غير النظاميين
end of list
كما طالبوا الأمم المتحدة بأداء دورها في العمل على احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، ووقف العنف، وضمان وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى سكان غزة دون عرقلة أو تأخير، واعتبروا أن أي شيء أقل من ذلك يجعل المجتمع الدولي “شريكا في هذه الانتهاكات الجسيمة”.
ويأتي نداء الخبراء الأمميين في وقت تتكشف فيه حرب الإبادة الجماعية والتجويع الإسرائيلية على سكان القطاع، وقالوا “يجب على إسرائيل أن تنهي فورا عرقلتها لوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال وكريم. ولكن رفع هذه القيود وحده لن يكون كافيا لإنقاذ سكان غزة المنكوبين”.
تهافت على وجبات طعام إنسانية في مدينة غزة (رويترز)
لحظة حرجة
وشدد الخبراء على أن المطلوب بشكل عاجل هو إنهاء الحصار وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، معتبرين أن اللحظة الحرجة التي يعيشها تحتاج إلى الجمعية العامة بصفتها أعلى هيئة في الأمم المتحدة، كي تتخذ “قيادة حاسمة وتتصرف لمنع وقوع كارثة أكبر”.
وبلغت حالة الطوارئ الإنسانية في قطاع غزة مستويات مأساوية، إذ يواجه كامل السكان خطر الموت جوعا تحت الحصار، في حين يتقدم الجيش الإسرائيلي نحو مدينة غزة بعد التأكيد الأممي الرسمي للمجاعة.
حملة التجويع الإسرائيلية بحق سكان غزة بلغت مستويات غير مسبوقة (رويترز)
وأوضح الخبراء أن الدولة المسؤولة عن خلق ظروف إبادة جماعية تهدف إلى “تدمير الفلسطينيين في غزة كجماعة من خلال تجويعهم ولا يمكنها ولن يُسمح لها بالسيطرة على وصول المساعدات الإنسانية أو توزيعها أو الإشراف عليها”.
إعلان
وذكّر الخبراء بأن القانون الإنساني الدولي يلزم القوى المحتلة بضمان بقاء السكان الواقعين تحت سيطرتها على قيد الحياة، مؤكدين أن هذا الالتزام هو “ما لا تفعله إسرائيل”.
وقالوا إن “العرقلة المتعمدة لوصول الغذاء والماء والدواء والمأوى وغيره من المساعدات مقترنة بالهجمات المميتة على المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، أثناء تجمعهم عند نقاط توزيع المساعدات”، واعتبروا أن عمليات النزوح القسري المتكررة حولت الجوع إلى “سلاح حرب”.
محاسبة إسرائيل
كما أكد الخبراء على وجوب محاسبة إسرائيل وألا تُمنح المزيد من الأعذار للإفلات من المسؤولية، وأشاروا إلى أن أكثر من 2000 فلسطيني قُتلوا في مواقع توزيع المساعدات؛ 70% منهم في مناطق “مؤسسة غزة الإنسانية” في الأشهر الأخيرة، غالبا في حوادث تضمنت إطلاق نار عشوائي أو مستهدف، كما تعرض العديد من الفلسطينيين للاختفاء القسري من مواقع التوزيع.
وأفاد الخبراء بأن هذا الواقع يُظهر أن الآليات القائمة قد “فشلت تماما”، وأبرزوا أن الاعتماد على مؤسسة غزة الإنسانية يشكل “انتهاكا صارخا للمادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة ويتضمن جرائم دولية”.
وأضافوا “يجب على الجمعية العامة أن تتحرك دون تأخير لوقف آلة الموت”، كما دعوا الجمعية العامة إلى عقد اجتماع طارئ من أجل دعوة الدول الأعضاء للتحرك في إطار “الاتحاد من أجل السلام” وفقا لقرار الجمعية العامة “في 377” والتوصية بعملية سلام.
مأساة المجوعين في غزة تقتضي تدخلا أمميا عاجلا حسب الخبراء (رويترز)
كما حثوا الجمعية العامة على المطالبة بفتح جميع المعابر أمام وصول إنساني غير مقيد تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة، والمطالبة بالوقف الفوري للآليات الفاشلة أو الخطيرة، بما في ذلك تلك التي أدت إلى عمليات قتل واسعة النطاق في مواقع توزيع المساعدات.
كما نادى الخبراء الأمميون بدعوة الدول الأعضاء التي لديها موانئ على البحر الأبيض المتوسط إلى نشر أساطيل طوارئ تحمل مساعدات إنسانية بشكل عاجل، وطلب تفويض قوافل إنسانية دولية تقودها الأمم المتحدة تتمتع بالسلطة الكاملة للتنسيق والإشراف على جميع المعابر إلى غزة.
وشدد الخبراء على ضرورة المطالبة بوقف إطلاق نار فوري ودائم وإطلاق سراح الفلسطينيين والإسرائيليين المحتجزين بشكل تعسفي على حد سواء، مؤكدين أن الوضع في غزة “لا يُحتمل وغير مقبول”.
نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، اليوم الجمعة، تحقيقا فندت فيه مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن قصفه مستشفى ناصر في قطاع غزة أواخر الشهر الماضي، والذي استشهد جراءه 22 شخصا بينهم 5 صحفيين.
وقالت الوكالة الأميركية إن الهجوم يثير تساؤلات جدية حول دوافع إسرائيل والطريقة التي تم تنفيذه بها، مشيرة إلى أن من بين الشهداء مريم دقة، التي عملت لصالح وكالة أسوشيتد برس ومؤسسات إعلامية أخرى.
واستهدفت القوات الإسرائيلية موقعا يتجمع فيه الصحفيون، بسبب كاميرا مثبتة على السطح اعتقد الاحتلال أنها تُستخدم من قِبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لمراقبة جنود الجيش الإسرائيلي.
صورة بعدسة الشهيدة مريم دقة تظهر الدرج الذي تعرض للقصف بمستشفى ناصر (أسوشيتد برس)
وبرر مسؤول إسرائيلي القصف بـ”سلوك مشبوه” ومعلومات استخباراتية غير محددة، ولكن التفاصيل الوحيدة التي تم تقديمها هي وجود قطعة قماش على الكاميرا وشخص كان بجانبها، وهو ما فسره الاحتلال على أنه حيلة لتفادي التعرف عليه.
وذكرت أسوشيتد برس أنها جمعت أدلة جديدة تشير إلى أن الكاميرا المعنية تخص المصور الصحفي المصري حسام المصري من وكالة رويترز، والذي استشهد في الضربة الأولى، وكان يغطي بانتظام معداته بقطعة قماش بيضاء بهدف حمايتها من حرارة الشمس والغبار.
صورة تظهر آثار القصف على الدرج وقذيفة ثانية قبيل بلوغها ذات الهدف (أسوشيتد برس)
مراقبة وقصف
ووفقا لشهود، كانت إسرائيل تراقب الموقع بشكل متكرر باستخدام مسيّرة، وقبل حوالي 40 دقيقة من الهجوم، مما أتاح لها فرصة للتعرف على حسام المصري بشكل صحيح، حسب الشهود.
وبعد الضربة الأولى بوقت قصير، استهدف الاحتلال نفس الموقع مرة أخرى، بعد وصول الطواقم الطبية وفرق الطوارئ إلى المكان لإسعاف الجرحى، وذلك خلال وصول الصحفيين، بمن فيهم دقة، لتغطية الحدث.
إعلان
وأثار هذا الهجوم اتهامات بأنها “ضربة مزدوجة”، وهي نوع من الهجمات يُقصد من ورائها قتل من يسعفون المصابين، وتصنف جريمة حرب محتملة وفقا لخبراء القانون الدولي.
وقالت أسوشيتد برس إن جيش الاحتلال استخدم قذائف دبابات شديدة الانفجار لاستهداف المستشفى، بدلا من أسلحة موجهة أكثر دقة كان من الممكن أن تقلل من الخسائر، وفي المجمل، استهدفت إسرائيل المستشفى 4 مرات، دون تحذير في كل مرة.
واعتمد تحقيق أسوشيتد برس على معلومات من مسؤولين عسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين، ومسؤولين آخرين، وخبراء حروب وروايات من حوالي 20 شاهدا كانوا في أو بالقرب من المستشفى وقت الهجوم.
فرق الإسعاف خلال نقل جثامين شهداء وجرحى الضربة (أسوشيتد برس)
الدرج والقماش
وقبل الهجوم، كان حسام المصري متمركزا مع كاميرته على سلم خارجي في مستشفى ناصر. وتظهر صورة التقطتها دقة في منتصف آب/آب المصري في نفس السلم بجوار كاميرته، مع قطعة قماش بيضاء تغطيها.
وفي الأسابيع التي سبقت الضربات، كان المصري يبث بشكل مباشر يوميا تقريبا من الدرج، وفقا لصحفيين آخرين عملوا هناك ومسؤولين في المستشفى.
وأكد 5 صحفيين لأسوشيتد برس أنه كثيرا ما استخدم قطعة القماش. ومن المعتاد أن يستخدم صحفيو الفيديو حول العالم، بما في ذلك في غزة، مواقع مرتفعة مثل هذه ويغطوا كاميراتهم لحمايتها من العوامل الجوية.
كاميرا الشهيدة أبو دقة مضرجة بدمائها (أسوشيتد برس)
ويستخدم المصورون الدرج الخارجي لمبنى المستشفى على مدار أشهر للحصول على منظر جوي لمدينة خان يونس، وفي حالة وكالات الأخبار العالمية مثل رويترز وأسوشيتد برس، يستخدم الدرج لتوفير لقطات فيديو حية ترسل إلى غرف الأخبار حول العالم، علما أن أسوشيتد برس أبلغت الاحتلال عدة مرات بأن صحفييها موجودون في الموقع.
واستنادا إلى تحليل اللقطات في وقت الهجوم، وبالحديث مع شهود عيان متعددين، قالت أسوشيتد برس إنه لا يوجد أي دليل على أن أي شخص استهدف في الضربات واستشهد خلالها، كان مسلحا.
للأسبوع الـ92 على التوالي، شهدت مدن مغربية عدة وقفات أمام المساجد تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ودعماً لـ”أسطول الصمود العالمي” المتجه نحو قطاع غزة وتنديداً بحرب الإبادة المستمرة وما يرافقها من تجويع ممنهج وحصار ومنع للمساعدات من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي. وشارك آلاف المغاربة، عقب صلاة الجمعة أمام المساجد في أرجاء مختلفة من البلاد، في وقفات احتجاجية دعت إليها “الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة” (غير حكومية) في جمعة طوفان الأقصى رقم 92، تحت شعار “على خطى محمد صلى الله عليه وسلم ماضون… وبأسطول الصمود لغزة مناصرون”، فيما ينتظر أن تنظم وقفات مماثلة بعد صلاتي المغرب والعشاء، ووقفة أمام مقر البرلمان في العاصمة الرباط مساء.
وطالب المشاركون في الوقفات المسجدية بوقف حرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ نحو عامين، وبسياسة التجويع الممنهج والحصار المضروب على القطاع، في خرق سافر لكل الأعراف والمواثيق. كما شجب المتظاهرون الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية الصمت والتخاذل العربيين والدوليين الرسميين تجاه ما يقع في كل فلسطين، واستمرار بعض الأنظمة في سياسة التطبيع مع دولة الاحتلال.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، قال الكاتب العام للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة محمد الرياحي الإدريسي إن 58 مدينة مغربية أعلنت خروجها في 110 تظاهرات في “جمعة طوفان الأقصى” رقم 92، مؤكداً أن فعاليات اليوم “تأتي للتأكيد على استمرار الشعب المغربي في دعمه وإسناده غزة من جراء ما تتعرض له من تقتيل وتجويع ومحاولات للتهجير من طرف الكيان الصهيوني المجرم المدعوم من طرف أميركا وباقي قوى الاستكبار العالمي، في ظل صمت دولي رسمي رهيب غير مبرر”.
وأكد الإدريسي أن “المغاربة يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم المركزية، لأنها قضية عادلة ومشروعة في ظل مجابهة مشروعة للمحتل المجرم الذي لا يزال يرتكب أبشع المجازر في كل فلسطين، ومنها التقتيل والتهويد والإبعاد والاعتقال والتجويع والاستيطان والمنع من أبسط الحقوق التي يكفلها القانون الدولي والمواثيق الدولية الأممية المتعارف عليها”. وقال: “ما نقوم به من دعم وإسناد لغزة ولكل القضايا العادلة هو استجابة لنداء الله عز وجل بنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم، ولنداء المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي نحتفل بذكراه العطرة بأن يهتم المسلم بأخيه المسلم وأن يهب للدفاع عنه ودفع الظلم عنه”.
واعتبر أن الفعاليات المستمرة هي “استفتاء شعبي على الرفض المطلق لكل أشكال التطبيع مع هذا الكيان المجرم الفاسد الملطخة يداه بدماء الشهداء من الأطفال والنساء، وأن أي تطبيع معه هو خيانة مباشرة لتضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة التي ما زالت صامدة في مواجهة الكيان المدعوم من طرف أميركا وقوى الاستكبار العالمي”. وتابع: “نؤكد أنه بالرغم مما نشاهده من مجازر ومن آلام، فلا بد أن يتحقق النصر الموعود ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد أن ينتصر صاحب الأرض على الظالم المجرم”.
وفيما ينتظر أن تنظم وقفات احتجاجية أخرى أمام المساجد بعد صلاتي المغرب والعشاء، أعلنت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين (غير حكومية)، في سياق مواصلة الحراك الشعبي المغربي الداعم “طوفانَ الأقصى” بمواجهة الاحتلال وحرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، مساء اليوم الجمعة، تحت شعار “صمود وطوفان متواصل… لكسر الحصار عن غزة.. وكسر التطبيع.. حتى تحرير فلسطين كل فلسطين”.
ويشهد المغرب منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، في تشرين الأول/ تشرين الأول 2023، تظاهرات حاشدة معارضة للحرب ومنددة بجرائم الاحتلال، وشهدت مدينة الدار البيضاء، السبت الماضي، تظاهرة حاشدة شارك فيها آلاف المغاربة تنديداً بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تجويع وإبادة جماعية وتهجير، وعبر المشاركون فيها عن رفضهم الصمت الدولي والخذلان العربي إزاء ما يقع في قطاع غزة من جرائم، واستنكارهم مواصلة التطبيع المغربي مع دولة الاحتلال.