غزة- مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانقطاع الكهرباء منذ الأيام الأولى، اتجه مستثمرون محليون لإحياء مشاريع تشغيل مولدات كهربائية كبيرة، بهدف إنشاء شبكات توزيع للمنازل والمحلات مقابل رسوم مالية.
وليست هذه المشاريع جديدة تماماً، فقد وُجدت قبل الحرب لكنها توقفت نتيجة القصف وتعطل شبكاتها، لتعود اليوم بقوة، خصوصاً المنطقة الوسطى الأكثر أماناً نسبياً.
ويعكس إقبال المواطنين على هذه المولدات الحاجة الماسة إلى التيار الكهربائي ولو لساعات محدودة يومياً، لتمكين العائلات من شحن الهواتف وتشغيل الأجهزة الأساسية، والسماح للمحلات والورش بإنجاز أعمالها.
وبرغم التكلفة المرتفعة، اعتبر كثيرون هذه المولدات “شريان حياة” لا غنى عنه في ظل الظلام المستمر.
أرقام تكشف حجم التحدي
في مخيم النصيرات وسط القطاع، أعادت شركات محلية مثل “أبناء فارس أبو زايد للتجارة والمولدات الكهربائية” و”أبو خوصة للمولدات” النور إلى الشوارع والمحال بعد عتمة طويلة.
ويعتمد المشروع على تشغيل شبكة مولدات كبيرة تعمل بالسولار الصناعي من الثامنة صباحاً حتى الساعة 11 ليلاً، رغم المخاطر الأمنية والتكاليف العالية.
مناطق وأحياء كاملة بالنصيرات مضاءة من خلال مولدات شركة أبو زايد (الجزيرة)
ويوجد في المنطقة 5 مولدات بقدرة إنتاجية تبلغ 1.5 ميغاواط، ويحتاج تشغيلها في الساعة الواحدة إلى 120 لتر سولار بتكلفة 60 شيكلاً (نحو 18 دولاراً) للتر الواحد، مما يعني كلفة تشغيلية إجمالية تصل إلى 7800 شيكل (نحو 2200 دولار) يومياً.
ورغم الأعباء المالية، فإن تشغيل هذه المولدات أسهم في إعادة بعض النشاط الاقتصادي للأسواق والأحياء.
شهادات من قلب الأزمة
انعكست هذه الخطوة مباشرة على حياة الناس. ويقول للجزيرة نت أبو إبراهيم خليفة (صاحب محل خياطة بسوق النصيرات) إنه بعد أن كان يعتمد على العمل اليدوي المرهق وقليل الإنتاجية “أصبحت أعتمد على كهرباء المولدات التي صارت شريان الحياة بالنسبة لي. الماكينات تنجز العمل بسرعة، وأي انقطاع يتسبب في توقف رزقي”.
إعلان
وأضاف أبو إبراهيم “الرسوم مرتفعة بلا شك، لكنها تظل مقبولة قياساً بالمردود الذي يغطّي التكلفة ويحافظ على زبائني وسمعتي”.
لكن الصورة ليست وردية للجميع، فمحمد عبد الفتاح، الذي اشترك بخط كهرباء بسعة 4 أمبيرات، قال “السعر مرتفع جداً. الحد الأدنى 100 شيكل أسبوعياً (نحو 30 دولاراً) أي أكثر من 400 شيكل شهرياً، وهذا عبء ثقيل على العائلات البسيطة”.
ويضيف المواطن “كثيرون يضطرون للتقشف في احتياجاتهم كي يدفعوا مقابل الكهرباء”.
موقف رسمي ورؤية اقتصادية
واعتبرت بلدية النصيرات عودة المولدات “حلاً إسعافياً مؤقتاً” بعد توقف محطة الكهرباء نتيجة الاستهداف الإسرائيلي.
وقال مصدر مسؤول بالبلدية إن هذه المشاريع “ساهمت في تخفيف المعاناة اليومية وتوفير احتياجات أساسية، لكنها في المقابل تسبب ضوضاء وتلوثاً وتفرض تكاليف باهظة”.
إضاءة سوق النصيرات ليلا يمنح المواطنين شعورا بالراحة النفسية (الجزيرة)
وأوضح أن أصحاب المولدات يقدمون خدمات مجانية مثل إنارة الشوارع وتشغيل آبار المياه، مشيرا إلى أن البلدية تقدم تسهيلات لهؤلاء تتعلق بتحديد أماكن التشغيل ومنح إرشادات فنية، لكنها تراها حلولاً طارئة لا يمكن أن تكون بديلاً دائماً عن الشبكة العامة.
واقتصادياً، أوضح الأكاديمي سمير أبو مدللة أن سعر الكيلو من كهرباء المولدات يصل إلى 35 شيكلاً (10 دولارات) مع حد أدنى أسبوعي يبلغ 50 شيكلاً (15 دولاراً).
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن التكلفة تشمل الوقود والكوابل وأجور العمال ونقل المولدات، إلى جانب المخاطر العالية، مما يجعل الأسعار مرتفعة ولا تناسب غالبية الأسر الفقيرة، وإن كانت مقبولة للمحال التجارية التي تستطيع تحميلها على أسعار السلع.
أبعاد إنسانية ونفسية
وبدا الأثر النفسي لهذه المشاريع جلياً أيضاً، ويقول استشاري الصحة النفسية نعيم العبادلة -للجزيرة نت- إن عودة الكهرباء ولو لساعات قليلة تبعث الأمل لدى الأسر “وتخفف القلق والتوتر، خاصة بين الأطفال والنساء، وتعيد لهم شعوراً نسبياً بالأمان”.
لكن العبادلة حذر من أن “ارتفاع الكلفة وعدم استدامة هذه المشاريع قد يؤديان إلى انتكاسات نفسية واجتماعية متتالية”.
ومن جانب آخر، شدد القائمون على هذه المشاريع على أن الدافع الأساسي كان الحاجة الإنسانية الملحّة.
ويقول أحمد أبو زايد المدير العام لشركة “أبناء فارس أبو زايد للتجارة والمولدات الكهربائية” أن حاجة الناس الملحة للكهرباء بعد انقطاع طويل كانت الدافع الأساسي لإعادة تشغيل المولدات رغم المخاطر الكبيرة والظروف الأمنية الصعبة.
وقال للجزيرة نت “ارتفاع التكلفة يعود إلى عدم توفر السولار الطبيعي، واللجوء لاستخدام الصناعي الذي يبلغ سعر اللتر منه 60 شيكلاً (18 دولاراً) إضافة إلى الحاجة لتوفير أسلاك وكوابل جديدة لشبكات التوزيع المتضررة بفعل القصف والتجريف”.
ومن جانبه دعا فهد أبو زايد مدير المشاريع بالشركة المؤسسات الدولية والمحلية للمساهمة في دعم هذا المشروع من أجل تخفيف التكلفة على المواطنين قدر الإمكان.
مولدات كبيرة تعمل بالسولار الصناعي لإنارة مخيم النصيرات (الجزيرة)
أما خالد أبو خوصة مدير شركة “أبو خوصة للمولدات” فأكد أن التحديات كانت جسيمة لكن “الإصرار على التخفيف عن المواطنين” كان الحافز الأكبر.
إعلان
وأضاف “سمحنا لعدة منازل بالاشتراك في خط واحد لتوزيع التكلفة، واعتمدنا أنظمة دفع مرنة عبر التطبيقات البنكية أو النقد المباشر للمحال التجارية”.
وبهذا المشهد، تبدو مولدات غزة استثماراً محفوفاً بالمخاطر لكنه في الوقت ذاته شريان حياة مؤقتاً يعيد للناس بعض تفاصيل يومهم المفقودة، وسط حرب أطفأت الكهرباء وأثقلت كاهل السكان بتكاليف لا طاقة لهم بها.
واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، نسف المباني السكنية في مدينة غزة ضمن خطته لتهجير السكان واحتلال المدينة، في حين وثقت المصادر الطبية استشهاد وإصابة فلسطينيين في غارات جديدة.
وأفاد مراسل الجزيرة بأن الجيش الإسرائيلي ينفّذ حاليا عمليات نسف ضخمة للمباني السكنية شمالي مدينة غزة، ويأتي هذا بعدما دمرت قواته أمس الجمعة برج مشتهى غربي المدينة.
في غضون ذلك، أفاد مجمع الشفاء الطبي باستشهاد 5 أشخاص بينهم طفلة، في حين أصيب آخرون في قصف إسرائيلي على منزل بمخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.
وكانت مصادر طبية قد وثقت استشهاد 51 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال في مناطق عدة بقطاع غزة منذ فجر الجمعة، بينهم 36 في مدينة غزة.
وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة، تصعيد العملية العسكرية في قطاع غزة، وقال “الآن تفتح أبواب الجحيم”، وهو ما أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنه اعتراف بجرائم الإبادة.
ومنذ بضعة أسابيع، تدمر إسرائيل مربعات سكنية كاملة في مدينة غزة وفي جباليا شمالي القطاع ضمن خطتها لاجتياح المدينة، واحتلالها في عملية أسمتها “عربات جدعون 2″.
وأدانت دول عديدة ومنظمات حقوقية وإنسانية عمليات الجيش الإسرائيلي، محذرة من تصعيد دموي جديد وتهجير واسع لسكان مدينة غزة، الذين يناهز عددهم مليون نسمة.
وقالت الأمم المتحدة إن آلاف الفلسطينيين نزحوا نحو ساحل غزة مع تصاعد القتل والمجاعة.
إعلان
ومنذ تشرين الأول/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل -بدعم أميركي- حرب إبادة على سكان قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية لوقف الحرب وأوامر محكمة العدل الدولية بهذا الصدد.
وخلّفت الإبادة أكثر من 64 ألف شهيد و162 ألف مصاب، كما استشهد جراء التجويع 376 فلسطينيا، بينهم 134 طفلا، وفق أحدث إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة.
في مدينة غزة (شمالي القطاع) والتي صارت مسرحا لمجازر يومية، لا تبدو الأبراج السكنية هدفا عسكريا بقدر ما تحولت إلى رموز لنهج جديد في هذه الحرب الدامية، قائم على التدمير المنهجي لكل مقومات الحياة.
فإسقاط برج تلو آخر لا يعكس فقط إصرارا إسرائيليا على توسيع نطاق الدمار، بل يكشف عن إستراتيجية أعمق هدفها إفراغ المدينة من سكانها وقطع الطريق على أي تسوية سياسية محتملة.
وفي حديثه لبرنامج “مسار الأحداث” يذهب الأكاديمي والخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى إلى أن هذا النهج لا يفسَّر بالضرورات العسكرية، بل يرتبط بمشروع أيديولوجي يهدف إلى محو البنية المدنية الفلسطينية.
فيوميا يُهدم ما يقارب 300 مبنى، في عملية تُدار من وحدات خاصة داخل الجيش الإسرائيلي وبالتعاون مع مقاولين مدنيين، في أمر الذي يحيل -حسبه- إلى نموذج “الإبادة الجماعية” عبر استهداف البنية التحتية والثقافية للمجتمع، وليس فقط أرواح المدنيين.
والمثير أن هذا التدمير يُقدَّم بغطاء دعائي يزعم استهداف مواقع للمقاومة، لكن الخبير العسكري اللواء فايز الدويري يرى أن هذه مجرد ذرائع، فالمقاومة -كما يؤكد- لا يمكن أن تغامر بحياة مئات الأسر عبر تحويل أبراج شاهقة إلى مقرات عسكرية مكشوفة.
وحتى الإنذارات التي تُمنح للسكان قبل القصف، لا تعدو كونها عملية إخراج قسري إلى العراء، في مسرحية لا تترك للنازحين إلا خيام العراء والطرقات.
رسالة “تلفزيونية”
أما الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي فيجد في مشهد الأبراج المتهاوية بُعدا سياسيا بقدر ما هو عسكري، إذ يرى أن إسرائيل تسعى لتوجيه رسالة “تلفزيونية” واضحة: أن أبواب التفاوض أُغلقت.
فبعد أن فقدت غزة عمرانها وحياتها المدنية، لم يعد ثمة ما يمكن لحركة حماس أن تفاوض عليه، إذ تحولت المدينة إلى ركام يفرغ أي مسار سياسي من مضمونه.
إعلان
وتبرز في المقارنة مع حروب التاريخ مفارقة لافتة، ففي الحرب العالمية الثانية، ورغم تدمير مدن أوروبية ويابانية بالكامل، أعيد إعمارها وعاد إليها أهلها.
وأما في غزة، فيُراد للدمار أن يكون مدخلا للتهجير، على غرار ما جرى عام 1948، حيث استُخدم الرعب لاقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين. والهدف الآن -كما يوضح مكي- دفع الناس إلى النزوح الجماعي ثم إبقاؤهم بلا أفق عودة أو إعمار.
وتكتسب المقاربة بين النكبتين القديمة والجديدة بعدا أكثر خطورة لدى مصطفى الذي يميز بين التهجير عام 1948 والإبادة الجماعية الراهنة.
ففي الأولى، كان المشروع الصهيوني يركز على إفراغ الأرض لاستيطانها، أما اليوم فإن إسرائيل -بحسب رأيه- تسعى إلى محو الوجود الفلسطيني نفسه، عبر الجمع بين التهجير والقتل الجماعي وتفكيك المخيمات في الضفة الغربية المحتلة، وهي بذلك تتجاوز كل “الخطوط الحمراء” التي التزمت بها سابقا.
قرار إستراتيجي
ومن واشنطن، يقدم مسؤول الاتصالات السابق في البيت الأبيض مارك فايفل زاوية مختلفة، إذ يرى أن ما يجري ليس مجرد خيار عسكري بل هو قرار إستراتيجي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقوم على إعلاء السيطرة على غزة فوق أي مسار تفاوضي.
وبحسب فايفل، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تتجه نحو تسوية أو صفقة بقدر ما تدفع الأمور إلى مرحلة استسلام كامل للمقاومة، حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير البنية التحتية المدنية وجرّ المآسي على السكان.
ويضيف أن غياب موقف أميركي حاسم يعزز هذا النهج، فالإدارة الحالية -برأيه- تتعامل مع الحرب في غزة كملف ثانوي مقارنة بأولويات مثل أوكرانيا، مما يمنح إسرائيل ضوءا أخضر لمواصلة التصعيد.
ووصف فايفل اجتماعات البيت الأبيض التي ناقشت مستقبل القطاع -بمشاركة شخصيات مثل جاريد كوشنروتوني بلير بأنها بدت منفصلة تماما عن الواقع الميداني، حيث يواجه الفلسطينيون مجاعة وقصفا يوميا بلا انقطاع.
وتكشف تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، المنقولة في الإعلام الإسرائيلي، عن إدراك ضمني لغياب أي جدوى عسكرية مباشرة من التدمير الواسع.
أهداف مؤجلة
غير أن الدويري يفسر ذلك باعتباره جزءا من خطة تهجير ممنهجة، تبدأ بالقصف المكثف ثم دفع السكان تدريجيا نحو مناطق أكثر اكتظاظا، قبل فتح الطريق أمام اجتياح بري أعمق. وفي هذا السياق، يصبح البحث عن الأسرى أو ضرب الأنفاق أهدافا مؤجلة، وليست السبب الحقيقي في هدم الأبراج.
ورغم الموقف المصري الحازم الرافض لأي تهجير عبر أراضيه، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحا -بحسب مكي- هو البحث عن منافذ بديلة لاقتلاع الفلسطينيين، سواء عبر الموانئ أو بلدان بعيدة.
غير أن غياب توافق دولي على استقبال المهجرين يعيق تنفيذ الخطة، ويجعل التدمير أداة لإبقاء السكان في دوامة الجوع والنزوح الداخلي بانتظار فرصة لترحيلهم.
وفي هذا المشهد المأزوم، تُختزل المفاوضات إلى طرح إسرائيلي وحيد: وقف الحرب مقابل استسلام كامل لحماس ونزع سلاحها، وهو ما يعادل إلغاء وجودها السياسي والعسكري.
ومع رفض حركة المقاومة الإسلامية لهذه الشروط، يتضح -كما يرى مصطفى- أن نتنياهو لا يريد أي اتفاق شامل، لأن ذلك سيمنح الفلسطينيين فرصة لإعادة بناء ما تهدم، وهو ما يناقض جوهر الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية.
رفضت 3 منظمات فلسطينية، اليوم الجمعة، قرار واشنطن فرض عقوبات عليها، وأكدت أن القرار لن يردعها عن مواصلة العمل لملاحقة مرتكبي الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقال شعوان جبارين مدير عام “مؤسسة الحق” الفلسطينية، إحدى المنظمات الثلاث، إن من دفع لاتخاذ القرار الأميركي هو وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي يعمل على وضع مؤسسات حقوقية على قوائم أميركا للإرهاب.
اقرأ أيضا
list of 2 items
list 1 of 2خبراء يطالبون الأمم المتحدة بمنع كارثة إنسانية أكبر بغزة
list 2 of 2البرلمان اليوناني يقر قانونا جدليا يعيد “قسريا” المهاجرين غير النظاميين
end of list
وأضاف “أنهم لجؤوا إلى محاربة جهودنا في المحكمة الجنائية الدولية، لأنه ليس لديهم أي حجة يتحدثون فيها عن الإرهاب”، مؤكدا استمرار عمله أمام الجنائية الدولية وأمام أي منصة أخرى، لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية، بما فيها جريمة الإبادة الإسرائيلية في غزة.
وبينما أكد أن القرار لن يخيفهم، وأن التهديد أو إغلاق الطرق أمامهم لن يردعهم، اعتبر القرار الأميركي “منطق عصابات” وليس منطق دول تسمي نفسها “ديمقراطية”، ورأى فيه تدميرا إضافيا للقانون الدولي يجب أن يدفع الحريصين على القانون في العالم للتحرك.
وبدوره، وصف مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني العقوبات بأنها “مخزية”، قائلا إنها لن تشكل رادعا.
وأوضح الصوراني للصحفيين بعد اجتماعه بنائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن رد فعلهم سيكون العمل كالمعتاد، مشددا على أنهم في المحكمة يقومون فقط بما يتوجب عليهم القيام به.
ويجتمع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بانتظام مع المنظمات غير الحكومية التي قدمت ملفات قانونية للمحكمة.
وطلبت المنظمات الثلاث من المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2023 التحقيق في اتهامات جرائم الحرب بما في ذلك الإبادة الجماعية بقصف قطاع غزة وحصاره.
وبعد ذلك بعام، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، الأمر الذي تنفيه إسرائيل.
إعلان
والخميس، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه فرض عقوبات على مؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، لمشاركتها بشكل مباشر في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع مواطنين إسرائيليين، أو اعتقالهم، أو احتجازهم، أو محاكمتهم، دون موافقة إسرائيل.
وتشمل العقوبات حظر تقديم أي أموال أو سلع أو خدمات لذه المنظمات.
كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية في شباط/شباط عقوبات على المدعي العام لـ”الجنائية الدولية” كريم خان، بعد أيام من توقيع الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بمعاقبة المحكمة لإصدارها مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2024، لارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة.
وترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 64 ألفا و300 شهيد، و162 ألفا و5 مصابين من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 376 فلسطينيا بينهم 134 طفلا، حسب أحدث إحصاء لوزارة الصحة في غزة.
قال خبراء في منظمة الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، إن الصمت والتقاعس ليسا خيارا في مواجهة الفظائع الإسرائيلية في قطاع غزة، ودعوا الجمعية الأممية لعقد اجتماع طارئ واتخاذ موقف حاسم لتفادي كارثة أكبر في القطاع.
وفي نداء عاجل، طالب الخبراء الأمميون المجتمع الدولي بالتحرك فورا قبل الموعد النهائي في 17 أيلول/أيلول للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ أيضا
list of 2 items
list 1 of 2منظمات فلسطينية ترفض عقوبات واشنطن وتؤكد استمرار ملاحقة إسرائيل
list 2 of 2البرلمان اليوناني يقر قانونا جدليا يعيد “قسريا” المهاجرين غير النظاميين
end of list
كما طالبوا الأمم المتحدة بأداء دورها في العمل على احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، ووقف العنف، وضمان وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى سكان غزة دون عرقلة أو تأخير، واعتبروا أن أي شيء أقل من ذلك يجعل المجتمع الدولي “شريكا في هذه الانتهاكات الجسيمة”.
ويأتي نداء الخبراء الأمميين في وقت تتكشف فيه حرب الإبادة الجماعية والتجويع الإسرائيلية على سكان القطاع، وقالوا “يجب على إسرائيل أن تنهي فورا عرقلتها لوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال وكريم. ولكن رفع هذه القيود وحده لن يكون كافيا لإنقاذ سكان غزة المنكوبين”.
تهافت على وجبات طعام إنسانية في مدينة غزة (رويترز)
لحظة حرجة
وشدد الخبراء على أن المطلوب بشكل عاجل هو إنهاء الحصار وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، معتبرين أن اللحظة الحرجة التي يعيشها تحتاج إلى الجمعية العامة بصفتها أعلى هيئة في الأمم المتحدة، كي تتخذ “قيادة حاسمة وتتصرف لمنع وقوع كارثة أكبر”.
وبلغت حالة الطوارئ الإنسانية في قطاع غزة مستويات مأساوية، إذ يواجه كامل السكان خطر الموت جوعا تحت الحصار، في حين يتقدم الجيش الإسرائيلي نحو مدينة غزة بعد التأكيد الأممي الرسمي للمجاعة.
حملة التجويع الإسرائيلية بحق سكان غزة بلغت مستويات غير مسبوقة (رويترز)
وأوضح الخبراء أن الدولة المسؤولة عن خلق ظروف إبادة جماعية تهدف إلى “تدمير الفلسطينيين في غزة كجماعة من خلال تجويعهم ولا يمكنها ولن يُسمح لها بالسيطرة على وصول المساعدات الإنسانية أو توزيعها أو الإشراف عليها”.
إعلان
وذكّر الخبراء بأن القانون الإنساني الدولي يلزم القوى المحتلة بضمان بقاء السكان الواقعين تحت سيطرتها على قيد الحياة، مؤكدين أن هذا الالتزام هو “ما لا تفعله إسرائيل”.
وقالوا إن “العرقلة المتعمدة لوصول الغذاء والماء والدواء والمأوى وغيره من المساعدات مقترنة بالهجمات المميتة على المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، أثناء تجمعهم عند نقاط توزيع المساعدات”، واعتبروا أن عمليات النزوح القسري المتكررة حولت الجوع إلى “سلاح حرب”.
محاسبة إسرائيل
كما أكد الخبراء على وجوب محاسبة إسرائيل وألا تُمنح المزيد من الأعذار للإفلات من المسؤولية، وأشاروا إلى أن أكثر من 2000 فلسطيني قُتلوا في مواقع توزيع المساعدات؛ 70% منهم في مناطق “مؤسسة غزة الإنسانية” في الأشهر الأخيرة، غالبا في حوادث تضمنت إطلاق نار عشوائي أو مستهدف، كما تعرض العديد من الفلسطينيين للاختفاء القسري من مواقع التوزيع.
وأفاد الخبراء بأن هذا الواقع يُظهر أن الآليات القائمة قد “فشلت تماما”، وأبرزوا أن الاعتماد على مؤسسة غزة الإنسانية يشكل “انتهاكا صارخا للمادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة ويتضمن جرائم دولية”.
وأضافوا “يجب على الجمعية العامة أن تتحرك دون تأخير لوقف آلة الموت”، كما دعوا الجمعية العامة إلى عقد اجتماع طارئ من أجل دعوة الدول الأعضاء للتحرك في إطار “الاتحاد من أجل السلام” وفقا لقرار الجمعية العامة “في 377” والتوصية بعملية سلام.
مأساة المجوعين في غزة تقتضي تدخلا أمميا عاجلا حسب الخبراء (رويترز)
كما حثوا الجمعية العامة على المطالبة بفتح جميع المعابر أمام وصول إنساني غير مقيد تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة، والمطالبة بالوقف الفوري للآليات الفاشلة أو الخطيرة، بما في ذلك تلك التي أدت إلى عمليات قتل واسعة النطاق في مواقع توزيع المساعدات.
كما نادى الخبراء الأمميون بدعوة الدول الأعضاء التي لديها موانئ على البحر الأبيض المتوسط إلى نشر أساطيل طوارئ تحمل مساعدات إنسانية بشكل عاجل، وطلب تفويض قوافل إنسانية دولية تقودها الأمم المتحدة تتمتع بالسلطة الكاملة للتنسيق والإشراف على جميع المعابر إلى غزة.
وشدد الخبراء على ضرورة المطالبة بوقف إطلاق نار فوري ودائم وإطلاق سراح الفلسطينيين والإسرائيليين المحتجزين بشكل تعسفي على حد سواء، مؤكدين أن الوضع في غزة “لا يُحتمل وغير مقبول”.