“فايب هاكينغ”.. كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في تنامي أنشطة القرصنة؟

“فايب هاكينغ”.. كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في تنامي أنشطة القرصنة؟

صارت الهجمات المعلوماتية التي كانت حكرًا على المتخصصين والمحترفين، قابلة للتنفيذ على نطاق واسع أو متاحة للمبتدئين، عن طريق تسخير روبوتات الدردشة لغايات غير وظيفتها الأصلية، ما يثير مخاوف من تحوّل الذكاء الاصطناعي أداة في يد القراصنة.

وتلفت هذه الظاهرة التي تُعرف باسم “فايب هاكينغ” – في إشارة إلى “فايب كودينغ” أي إنشاء كود برمجي من جانب مستخدمين غير مُلِمّين – إلى “تطوّر مُقلق في الجرائم الإلكترونية التي تتم بمساعدة الذكاء الاصطناعي، بحسب شركة “أنثروبيك” الأميركية.

وفي تقرير نُشر الأربعاء، أعلنت الشركة المُنافسة لـ”أوبن إيه آي” مُبتكرة أداة “تشات جي بي تي“، أنّ “مجرمًا إلكترونيًا استخدم أداة “كلود كود” لتنفيذ عملية ابتزاز بالبيانات واسعة النطاق”.

وبالتالي، استُغلّ روبوت الدردشة “كلود كود”، المُتخصص في الكود البرمجي، لتنفيذ هجمات “يُحتمل” أن تؤثر على 17 مؤسسة على الأقل على مدار شهر.

“إجراءات السلامة المتطورة”

وأتاحت الأداة التي استُخدمت لإنشاء برامج ضارة للمهاجم جمع بيانات شخصية وطبية، بالإضافة إلى معلومات عن عمليات تسجيل الدخول، ثم تصنيفها وإرسال طلبات فدية تصل إلى 500 ألف دولار.

ولم تمنع “إجراءات السلامة المتطورة” التي تزعم “أنثروبيك” تطبيقها من حدوث هذه العملية.

وليس ما حصل مع “أنثروبيك” استثنائيًا، بل يعكس المخاوف التي تهز قطاع الأمن السيبراني منذ الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية.

وفي حديث إلى وكالة “فرانس برس”، يقول رودريغ لو بايون، رئيس مركز التنبيه والاستجابة للهجمات الحاسوبية التابع لشركة “أورانج سايبرديفينس”، إنّ “المجرمين الإلكترونيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي اليوم بنفس القدر الذي يستعمله باقي المستخدمين”.

وأشارت “أوبن إيه آي” في تقرير نُشر في حزيران/ حزيران إلى أنّ “تشات جي بي تي” ساعد أحد المستخدمين في تطوير برمجيات ضارة.

مع أنّ النماذج مُصممة لمنع استغلال قدراتها لتغذية أنشطة غير قانونية، ثمة تقنيات “تتيح للمستخدم تجاوز ضمانات نماذج اللغة الرئيسية بحيث تُنتج محتوى لا ينبغي لها إنتاجه”، على ما يقول الخبير فيتالي سيمونوفيتش لوكالة “فرانس برس”.

سرقة كلمات المرور

وفي آذار/ آذار، أعلن هذا الباحث الذي يعمل في شركة “كاتو نتوورك” الإسرائيلية للأمن السيبراني، عن اكتشافه نهجًا جديدًا يتيح للأفراد عديمي الخبرة إنشاء برامج قادرة على سرقة كلمات المرور.

ويتمثل أسلوبه الذي أطلق عليه اسم “العالم الغامر”، في وصف عالم خيالي لروبوت محادثة، حيث “يُعدّ إنشاء البرمجيات الخبيثة فنًّا”، والطلب من النموذج تجسيد إحدى الشخصيات.

ويوضح سيمونوفيتش الذي فشل في مواجهة “جيميناي” (من غوغل) و”كلود” (من أنثروبيك)، لكنه نجح في توليد برمجيات ضارة في “تشات جي بي تي” و”كوبايلت” (من مايكروسوفت) “كانت هذه طريقتي لاختبار حدود النماذج اللغوية الحالية”.

ويضيف أن “ارتفاع التهديدات من جانب جهات عديمة الخبرة سيمثل خطرًا متزايدًا على المنظمات”.

ويرى رودريغ لو بايون أن الخطر المباشر يكمن في “ارتفاع عدد الضحايا” بدلًا من رؤية الجهات الفاعلة الضارة تتزايد، خصوصًا وأننا “لن نمتلك برمجيات معقدة جدًا تُنشأ مباشرة بواسطة روبوتات المحادثة”.

كيف يعاقب عمالقة التكنولوجيا الموظفين الرافضين لدعم الإبادة على غزة؟

كيف يعاقب عمالقة التكنولوجيا الموظفين الرافضين لدعم الإبادة على غزة؟

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، وما أعقبها من حملة إبادة وتجويع، ضد أكثر من مليوني فلسطيني، لم يكن دور الشركات الأميركية الكبرى، خاصة عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون، يقتصر على العلاقات التجارية مع إسرائيل، بل كان مزيجاً من دور الشريك الفاعل والشاهد المتواطئ.

سخرت تلك الشركات برمجياتها أداة لدى الجيش الإسرائيلي، ووفرت قواعد بياناتها وخدماتها السحابية، التي استخدمها مدنيون فلسطينيون ببراءة، لتعقب و”اصطياد” المستخدمين في بيوتهم ومقاهي الإنترنت وشوارعهم.

قائمة طويلة من الاتهامات المؤكدة والضمنية تلاحق عمالقة التكنولوجيا وتوجِب مقاطعتهم، في مقدمتها، توفير خدمات الحوسبة السحابية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن والمخابرات في تعقب الفلسطينيين والتوجس على بياناتهم واتصالاتهم، خاصة بعدما وقعت أمازون وغوغل مشروعاً مشتركاً مع الحكومة الإسرائيلية “مشروع نيمبوس” بقيمة 1.2 مليار دولار في عام 2021. إضافة إلى ذلك توفر خدمات الحوسبة السحابية مقترنة بأدوات الذكاء الاصطناعي وسيلة للجيش الإسرائيلي لمراقبة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية واغتيالهم، وهي اتهامات تطاول مايكروسوفت وبرنامجها المعروف “أزور“.

 تصاعد الحرب ودور عمالقة التكنولوجيا فيها، أدى إلى تصعيد من قبل النشطاء المناهضين للإبادة والموظفين في هذه الشركات الذين يعارضون سياساتها المتواطئة مع الحرب الإسرائيلية، وعلى مدى شهور تعرض عشرات العاملين في غوغل ومايكروسوفت للفصل أو الاعتقال من مقار عملهم بسبب ما أنشطتهم المناهضة لإمدادات إسرائيل بالمعلومات والبيانات أو عدم منعها من استخدام تطبيقاتها المتطورة أدواتٍ للقتل. كانت ذروة تلك الاحتجاجات هذا الأسبوع عندما اقتحم موظفون مناهضون للحرب مقر رئاسة مايكروسوفت في ريدموند بولاية واشنطن على الساحل الغربي واحتلوا مكتب رئيسها التنفيذي براد سميث احتجاجاً على السماح لإسرائيل باستخدام تطبيق “أزور” السحابي. بعد استدعاء الشرطة والقبض على بعض الموظفين، أعلن سميث أن الشركة ستفتح من جديد تحقيقاً في تلك “المزاعم”، وهو وعد رددته مايكروسوفت مراراً من دون أن تنفذه. فماذا تغير في تلك المواجهة؟

معايير مزدوجة

لطالما منحت شركات التكنولوجيا العملاقة موظفيها هامشاً واسعاً للتعبير عن المواقف السياسية في أماكن العمل، لكن موجة النشاط الأخيرة الناهضة للحرب على غزة وضعت بعض العاملين بقطاع التكنولوجيا في مواجهة مع أرباب عملهم. فقد أعلنت مايكروسوفت أمس الأربعاء أنها فصلت موظفَين شاركا في اقتحام مكاتبها هذا الأسبوع. وفي العام الماضي، فصلت غوغل عشرات الموظفين بعدما نظموا اعتصامات مشابهة.

وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها عن تلك المواجهة، إن النقاشات المتعلقة بحرب غزة تضع سياسات العمل في مايكروسوفت وغوغل التابعة لشركة ألفابت على المحك. وتنقل الصحيفة عن موظفين حاليين وسابقين، بالإضافة إلى مراسلات داخلية اطّلعت عليها، أن المشرفين على لوحات النقاش الداخلية حذفوا مرارًا تعليقات مرتبطة بالنزاع. كما تُظهر لقطات اطّلعت عليها الصحيفة أن مشرفي مايكروسوفت حذفوا أسئلة وسجلات نقاش تتعلق بالحرب في غزة وبعمل الشركة مع إسرائيل. ففي لوحة نقاش عامة على مستوى الشركة، كتب أحد الموظفين عن تأثير نقص الغذاء والهجمات على سكان غزة: “إلى متى علينا أن نتحمّل قبل أن نقول كفى؟”. ورد أحد المشرفين على المحتوى بتذكير الكاتب بضرورة الالتزام بقواعد المجموعة التي تحدد ضوابط الحوار باحترام داخل الشركة. وأضاف: “نغلق الآن هذا النقاش أمام التعليقات.”

يوم الثلاثاء الماضي، وبعد اختراق مكتبه، قال براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت، إن الشركة تراجع مزاعم تفيد باستخدام تقنياتها لاستهداف أشخاص في غزة. وكانت الشركة قد حققت سابقًا في ادعاءات باستخدام برامجها للإضرار بالناس، لكنها قالت إنها لم تجد أي دليل على ذلك. لكن سميث كان غاضباً من الاحتجاج الذي وصل إلى مكتبه الشخصي، ووصف أفعال المحتجّين بأنها “لا تمثل السلوك المعتاد للموظفين”، وأكد أن الشركة تراجع تصرّفات المنظمين من الموظفين بالإضافة إلى مراجعة بروتوكولات أمن مبانيها. وقد تم توقيف مهندسي البرمجيات من قبل الشرطة، وتم فصلهما لاحقًا، لينضموا بذلك إلى موظف سابق في غوغل وأربعة موظفين سابقين في مايكروسوفت كانوا ضمن الاحتجاجات.

وقال عبدو محمد، وهو موظف سابق في مايكروسوفت ساهم في تنظيم الاحتجاجات، إنه لاحظ العام الماضي العديد من الحالات التي تدخّل فيها مشرفو المحتوى عندما طرح الموظفون أسئلة على التنفيذيين بشأن عمل الشركة في إسرائيل. وأضاف “مايكروسوفت بذلت قصارى جهدها لاستخدام الأدوات المتاحة لديها للتقليل من أي مخاوف أُثيرت.” وقالت مايكروسوفت إنها تتخذ إجراءات عندما ينتهك محتوى المناقشات سياسات الشركة وإرشاداتها، وأنها تتيح منتديات مخصصة للنقاشات التي قد تكون مثيرة للجدل. وجاء في بيانها “لدينا مسؤولية والتزام بخلق بيئة عمل رقمية آمنة وشاملة.”

جدل متصاعد

ويُعتبر الجدل السياسي الداخلي مسألة معقدة بالنسبة لقواعد العمل في الشركات، خاصة في صناعات مثل التكنولوجيا حيث يمتلك الموظفون تاريخًا من النشاط والمشاركة. لكن بعض الشركات اكتسبت مزيدًا من السيطرة على النقاشات بين موظفيها في سوق عمل يشهد تغيّرات، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا المثيرة للجدل.

في غوغل، احتج الموظفون على العقود المرتبطة بالجيش الأميركي، وفي عام 2018 أقنعوا الشركة بالتوقف عن التعاون مع وزارة الدفاع الأميركية في تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي لتحديد أهداف الطائرات المسيّرة. ومنذ ذلك الحين، اتخذت الشركة خطوات للحد من النقاشات حول السياسة والمواضيع الخلافية الأخرى، من بينها تعيين موظفين لإدارة تلك المحادثات.

وفي إبريل الماضي، فصلت غوغل 28 موظفاً بعد احتجاجهم على عقد بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية، ثم أقالت بعد ذلك بأيام 20 موظفًا آخرين. وكانت غوغل وأمازون قد وقعتا العقد مع إسرائيل عام 2021.

كما ألقت الشرطة في نيويورك وكاليفورنيا القبض على بعض موظفي غوغل عقب اعتصامات داخل مكاتبها. وقالت غوغل إن الموظفين الذين تم فصلهم عطلوا سير العمل وجعلوا زملاءهم يشعرون بعدم الأمان. وفي أثناء مناقشة الحرب في غزة وعقد الحوسبة السحابية بين غوغل والحكومة الإسرائيلية، أظهرت لقطات اطّلعت عليها “وول ستريت جورنال” أن الموظفين الذين أشاروا إلى “الإبادة الجماعية” في رسائل البريد الإلكتروني أو المنتديات الداخلية تم إغلاق أو حذف مشاركاتهم. كما تلقى بعضهم رسائل من مشرفي المحتوى تشرح أسباب ذلك.

وتقول غوغل إن من المآذارات الروتينية لفريق الإشراف على المحتوى لديها القدرة على إزالة المنشورات التي تنتهك سياسات الشركة المتعلقة بالمحتوى التخريبي، والتي تشمل مجموعة واسعة من الموضوعات إلى جانب مسألة الإبادة الجماعية. وقالت المتحدثة باسم الشركة كورتني منسيني”لقد كنا واضحين بأن مكان العمل لدينا ليس ساحة لمناقشة السياسة أو لإجراء نقاشات تخريبية حول أي موضوع خلافي. لقد ذكّرنا موظفينا بذلك باستمرار ونتخذ بانتظام خطوات لتطبيق السياسات في الحالات النادرة التي يخرق فيها الموظفون القواعد.”

وأبلغ المشرفون موظفة سابقة في غوغل، أعدّت وثيقة تشرح فيها مشاعرها تجاه الصراع في غزة وأرفقت روابط لتغطية إعلامية حول عقد الشركة مع إسرائيل، بأن الوثيقة اعتُبرت مزعزعة للاستقرار في بيئة العمل. كما أزال المشرفون نقاشات أخرى تناولت قضايا مثل استخدام تقنيات المراقبة خلال النزاع. وتركّزت العديد من حالات تدخل المشرفين على سير المحادثات العامة في هذه الشركات على استخدام كلمة “إبادة جماعية”.  فقد ظلّ الجدل محتدمًا حول كيفية ومتى يُستخدم هذا المصطلح، وكان تطبيقه على نزاعات مثل أرمينيا ورواندا وغيرها مثيرًا للخلاف.

وعندما استخدم أحد موظفي غوغل كلمة “إبادة جماعية” في محادثة الشهر الماضي، تدخّل المؤسس المشارك سيرغي برين بتحذير شديد، وفقًا للقطات اطّلعت عليها “وول ستريت جورنال”، ونشرتها واشنطن بوست أيضًا في وقت سابق. وتطرّق النقاش إلى التقرير الذي صدر عن مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، الذي أشار إلى أن أعمال عدد من الشركات، من بينها غوغل، تُسهم في دعم حرب إسرائيل على غزة، والتي وصفها التقرير بأنها “حملة إبادة جماعية”.

وكتب الموظف”الشيء الإيجابي الوحيد هنا هو أننا ننفق أموالنا ونمضي كل وقتنا على (جيميني) وليس على شيء أكثر فائدة للإبادة الجماعية”، في إشارة إلى نموذج الذكاء الاصطناعي وروبوت المحادثة الخاص بغوغل. وردّ برين قائلاً”مع كامل الاحترام، التلاعب بمصطلح إبادة جماعية أمر مسيء بعمق لكثير من الناس الذين عانوا إبادة حقيقية. كما أنني أحذّر من الاستشهاد بجهات ذات توجهات معادية للسامية بشكل واضح مثل الأمم المتحدة في هذه القضايا”.