استخدم فريق من جامعة ميزوري الأميركية صور الأشعة تحت الحمراء من مرصد “جيمس ويب” الفضائي، محدّدا نحو 300 جرم شديد السطوع باعتبارها مرشّحات لمجرات مبكرة جدا.
إن تأكدت نسبة معتبرة من هذه الأجرام، فقد يحتاج الفيزيائيون إلى إعادة ضبط نظرياتهم عن سرعة تشكل المجرات بعد الانفجار العظيم، إذ يُعتقد أن هذه المجرة نشأت قبل نحو 300 مليون سنة من الانفجار العظيم، وهي فترة أقصر بكثير من أن تكفي لبناء مجرات كاملة مشرقة.
جانب من الأجرام التي حددها العلماء (جامعة ميزوري)
المجرات الأولى
فالمجرّات الأولى يُفترَض أن تكون صغيرة وخافتة لأن تكاثر النجوم وبناء الكتلة يستغرق وقتًا، ومن ثم فوجود مجرات لامعة إلى حد كبير بكثرة، قد يعني كفاءة أعلى في تشكل النجوم مما تفترضه النظريات الحالية.
ويقول هاوجينج يان، أستاذ علم الفلك في كلية الآداب والعلوم بجامعة ميزوري والمؤلف المشارك في الدراسة: “هذه الأجرام الغامضة مرشحة لتكون مجرات في بدايات الكون، ما يعني أنها قد تكون مجرات مبكرة جدًا”، حسب تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه.
ويضيف: “إذا اتضح أن بعض هذه الأجرام هو ما نعتقده، فإن اكتشافنا قد يتحدى الأفكار السائدة حول كيفية تشكل المجرات في بدايات الكون- وهي الفترة التي بدأت فيها النجوم والمجرات الأولى بالتشكّل”.
يتمكن جيمس ويب من رصد الكون البعيد بعناية (ناسا)
فيزياء جديدة
وحسب الدراسة، التي نشرها الباحثون في دورية “ذي أستروفيزكال جورنال” يوم 31 آب/آب المنصرم، انطلق الباحثون من صور جيمس ويب العميقة عبر كاميرتي “نيركام” التي تلتقط صورا في نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة و”ميري” التي تلتقط صورا في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة.
بعد ذلك، كانت التقنية الأساسية هي طريقة “الاختفاء”، إذ يظهر الجرم في المرشّحات الحمراء، لكنه يختفي في الزرقاء، بسبب ما يسمّى انقطاع لايمان، هذه البصمة ترفع احتمالية أن يكون الجرم شديد البُعد وزمنه قريبًا من فجر الكون.
إعلان
حاليا، يوجد جرم واحد مؤكَّد طيفيًا ضمن العينة على أنه مجرّة مبكرة فعلًا، وهو ما يكشف عن احتمالات كبيرة نسبيا بوجود مجرات أخرى، لكن هناك حاجة إلى مزيد من التأكيدات.
إن ثبت وجود نسبة معتبرة من هذه الأجسام في أزمنة مبكرة جدًا، فذلك يلمّح إلى واحد من احتمالين: فإما أن هناك انحيازات رصدية يغفلها العلماء، أو أن هناك فيزياء مفقودة في وصف العلماء لولادة المجرّات.
مع ظهوره عام 2014 على منصة يوتيوب، شقّ أحمد الغندور، الشاب الجامعي المتخصص في العلوم، طريقه ليصبح وجهة إعلامية مفضلة لجمهور واسع من الشباب. جاء برنامج “الدحيح” في لحظة فراغ، بعد توقف برنامج “البرنامج” لباسم يوسف، ليقدّم تجربة مختلفة تمامًا عن السائد في الإعلام المصري: محتوى علمي مُبسّط، يعتمد على سرد قصصي مشوّق، بعيد عن السياسة المباشرة. ما جذب الشباب الجامعي تحديدًا لمحتوى الدحيح كان شخصية الغندور نفسه: نموذج الطالب الباحث، الهادئ، المُجتهد، الذي يعاني تحديات التمييز داخل منظومة التعليم الحكومي التقليدية. بدا كأنه النسخة التي كان كثيرون يتمنون أن يكونوا عليها لو كانوا أكثر انطوائية أو أصغر سنًا.
بحلول أيار/أيار 2017، تطوّر البرنامج من مبادرة فردية إلى عمل شبه احترافي، مع انضمام فريق صغير وتوقيعه عقد عرض مع شبكة AJ+ كبريت التابعة للجزيرة. هذا الانتقال أتاح للدحيح مساحة انتشار أوسع، إذ صار أكثر حضورًا على الشاشات العربية والمصرية، وبدأت حلقاته تصل إلى قاعدة جماهيرية أوسع بكثير. ورغم أن طموح منافسة برامج عالمية ضخمة مثل Cosmos لم يكن حاضرًا بقوة، فإن الحلقات الأولى تميزت بتجريبية واضحة وجودة بحثية عالية، مع طرق موضوعات غير متوقعة في معارفنا الراسخة، ما جعل تلك المواسم الأولى الأهم في مسار البرنامج.
قدّم الدحيح نموذجًا جديدًا للعلوم الشعبية أو Pop Science، وهو تيار كان غائبًا عن الساحة الإعلامية المصرية. عبره، دخلت النقاشات العلمية إلى الفضاء العام، وبدأ الشباب يتداولون موضوعات فيزيائية وفلسفية وفكرية بلغة مبسطة. هذه التجربة ألهمت ظهور برامج أخرى مشابهة مثل “إيجيكولوجي” للمهندس أحمد سمير، و”الإسبتالية” للطبيبة إيمان الإمام، زميلي الغندور في الجامعة الأميركية بالقاهرة.
لاحقًا، تنقّل البرنامج بين جهات إنتاج خليجية متعددة، كان أبرزها قناة متحف المستقبل في أبوظبي. هذا التحول حمل معه تغييرات كبيرة في الهوية والجمهور المستهدف، إذ صار البرنامج أداة ترويجية لمؤسسات تسعى لبناء صورة حديثة عبر المحتوى الرقمي. ومع توسّع الانتشار، تغيّرت المعايير: صارت الأولوية هي الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين، ولو على حساب التجريب والعمق. شيئًا فشيئًا، تحوّل الدحيح إلى منتج قابل للتقطيع والنشر عبر ريلز ومقاطع قصيرة؛ صارت النكات أكثر حضورًا من المعلومة نفسها، وأصبحت مواكبة “التريند” غاية بحد ذاتها.
ظلّ الدحيح مؤديًا بارعًا، أقرب إلى الكوميديان في عرض ستاند أب، حيث يجذب المشاهد بأدائه لا بمحتواه فقط. ومع ذلك، فإن جودة الحلقات المبنية على بحث علمي عميق بدأت تتراجع لصالح قوالب مكررة يمكن لأي فريق صغير إنجازها، مثل حلقات الرياضة، والسير الذاتية للمشاهير، والحوادث التاريخية الشهيرة. المواسم الأولى، التي تميزت بالهواية والتجريبية، فقدت بريقها مع الانتقال إلى إنتاج ضخم مُوجّه، ليتحوّل البرنامج تدريجيًا إلى جزء من الإعلام السائد بعد أن بدأ كبديل عنه. ازدادت كفة الترفيه على حساب القيمة العلمية، وتراجع حضور الأفكار المركبة أو الطروحات الفلسفية العميقة.
بلغ هذا التحول ذروته مع عرض حلقة “المصارعة الحرة” بالتزامن مع وجود الغندور في الرياض، حيث أُضيف صوت خارجي مختلف عن صوت البرنامج لذكر مباريات أقيمت في “موسم الرياض” السعودي. لاحقًا، انفتح البرنامج أكثر على الجمهور السعودي، فخصص حلقات عن تاريخ حضارات الجزيرة العربية، وتطور الخط واللغة، وسير الشعراء القدماء، في انسجام مع رواية رسمية جديدة تعيد تقديم المملكة كأرض حضارات عريقة ضمن رؤية 2030.
في كتابه “الدحيح ما وراء الكواليس”، يكشف الكاتب طاهر المعتز بالله أن البرنامج دخل مرحلة الرقابة الذاتية بعد الهجوم العنيف الذي تعرّض له عام 2019، حين اتُهم بنشر أفكار “إلحادية” على يد الداعية الأردني إياد القنيبي. ورغم أن الأزمة انتهت سريعًا، فإن آثارها كانت عميقة، إذ أعادت تشكيل هوية البرنامج، ودفعته أكثر نحو الترفيه الخفيف.
قام فريق من جامعة كولورادو بولدر الأميركية بتطوير أداة ذكاء اصطناعي تمسح آلاف المجلات مفتوحة الوصول وتلتقط إشارات الانحراف عن معايير النشر الرصين.
وفي أول تشغيل واسع، فحصت الأداة نحو 15 ألف عنوان ورصدت أكثر من ألف مجلة مشبوهة بعد مراجعة بشرية، مما يسلط الضوء على مشكلة آخذة في الاتساع تهدد موثوقية الأدبيات العلمية.
توسّع المشكلة يدفع إلى فقدان الثقة في العملية العلمية (شترستوك)
بصمات الغش
هذه المجلات المشبوهة تعِد الزبائن -الذين يكونون عادة من الباحثين الراغبين في الترقي السريع أو المضغوط عليهم للنشر البحثي- بنشر سريع مقابل رسوم، من دون تحكيم حقيقي، فتُغرق الإنترنت بمقالات ضعيفة أو معيبة قد تضلل الباحثين وصانعي السياسات.
منذ سنوات تحاول مبادرات مثل “دليل المجلات مفتوحة الوصول” غربلة هذا المشهد يدويا، لكن الوتيرة الحالية لانتشار الغش العلمي تفوق قدرة البشر على المواكبة، ومن ثم كان ضروريا أن تدخل أدوات الذكاء الاصطناعي إلى هذا المضمار.
الدراسة المنشورة في دورية “ساينس أدفانسز” بتاريخ 27 آب/آب 2025 استخدمت نموذجا يتفحّص مواقع المجلات وبياناتها العامة بحثا عن “علامات حمراء” مثل:
مجالس تحرير غير موثوقة أو غامضة.
أخطاء لغوية وتنظيمية فجة على الموقع.
معدّلات استشهاد ذاتي مرتفعة.
تكرار غير معتاد لانتماءات مؤلفين متعدّدة.
أحجام نشر سنوية مبالغ فيها.
هناك حاجة لمزيد من التقصي في الأوساط العلمية (غيتي)
ناشرون كبار
مسحت الأداة نحو 15 ألف مجلة مفتوحة الوصول، وحددت مبدئيًا أكثر من 1400 عنوان على أنها عناوين مشبوهة، ثم بعد مراجعة بشرية للعينة، قدّر أن نحو 350 عنوانًا من هذه كانت إنذارات كاذبة، لكن بقي 1782 مجلة يرجح أنها “مشبوهة” حقًا.
الأغرب من ذلك، أشارت الدراسة إلى أن بعض العناوين كانت تابعة لناشرين كبار وحصلت على ملايين الاستشهادات، أي أنها ليست مجلات “هامشية في كل مرة، حسبما يُتصوَّر عادة في الوسط العلمي”.
إعلان
درّب الفريق نموذج الذكاء الاصطناعي على معايير “دليل المجلات العلمية مفتوحة الوصول”، ثم أنشأ 3 طبقات من التحقيق، تتعلق الأولى بمحتوى موقع المجلة وسياسات التحكيم، إذ يقرأ النموذج نصوص الصفحات ويستخرج مؤشرات مثل وضوح سياسة التحكيم، ومراحل التحكيم والمدد الزمنية ووجود لجنة أخلاقيات، يبحث كذلك عن وجود لغة تسويقية مبالغة، وجودة اللغة.
بعد ذلك، في المستوى الثاني، تفتش الخوارزمية في شكل الموقع وباطنه، بحثا عن بصمات “قوالب سريعة” مثلا تسهل عمليات دخول الدراسات بدون فحص حقيقي ودراسة تركيب الروابط والهيكل العام للموقع، فعادة ما تمتلك المواقع الخاصة بالمجلات الرصينة بنية معلوماتية منطقية ومتعددة الطبقات.
بعد ذلك، يجري تتبع سلوك النشر والاستشهاد، الأمر الذي يحمل عادة العلامات الحمراء السالفة الذكر، التي ترجح أن الدراسة مشبوهة، وتتطلب مزيدا من الفحص.
دور للذكاء الاصطناعي
شهدت السنوات الأخيرة ثورة في أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على توليد نصوص وصور وبيانات بسرعة وجودة لغوية عالية. هذه القفزة حملت وجهين متعاكسين، الأول وجه مضيء يعِين الباحثين على التحليل والشرح والمحاكاة، والثاني وجه معتم يسهّل على المزورين تمرير أعمال رديئة في قوالب تبدو “علمية”.
لكن لحسن حظنا، أن مزايا السرعة والتشابه الشديد مع اللغة البشرية، والتي ساعدت الغش العلمي، هي نفسها القادرة على مواجهته، فسرعة التحليل والبحث عن الأنماط، التي تميز الذكاء الاصطناعي، تمكن العلماء بسرعة من كشف الدراسات المشبوهة، وبشكل عام يساعد الذكاء الاصطناعي العلماء في:
تمشيط سريع واسع النطاق: بناء خوارزميات ترصد أنماطا مشبوهة في النصوص وتلتقط تشابهات غير عادية بين مخطوطات مختلفة، يتم ذلك بتلقائية وسرعة.
تحليل الصور والبيانات: برامج تتحقق من التلاعب في الصور، كما تفحص السلاسل الزمنية والنتائج الإحصائية لاكتشاف أنماط غير منطقية.
علم الشبكات الببليومتري: تحليل خرائط الاستشهاد، وتنوع الانتماءات المؤسسية، وتكرار الأسماء، يقدم بصمات لدوائر تلاعب ممنهجة تتبع “مصانع الأبحاث”.
مراكز نزاهة مشتركة: منصات تجمع ناشرين ومجلات لتبادل الإشارات الحمراء عبر حدود الدوريات، بحيث لا تفلت المخطوطة المريبة من مجلة إلى أخرى.
الذكاء الاصطناعي لم يخلق الغش العلمي، لكنه زاد سرعته وحجمه وقدرته على الاختباء خلف واجهات أنيقة. وفي المقابل، وفّر للمنظومة العلمية عينا رقمية واسعة تمسح النصوص والصور والشبكات بقدرة لم تكن ممكنة من قبل.
في إنجاز فلكي غير مسبوق، تمكن فريق بحثي دولي من قياس كتلة ثقب أسود “خامد” يقع في قلب مجرة عدسية تُعرف باسم “حدوة الحصان”، على بعد ما يقرب من 5 مليارات سنة ضوئية.
وقدّر العلماء أن كتلة هذا الثقب الأسود تبلغ نحو 36 مليار مرة كتلة الشمس، ما يضعه ضمن فئة الثقوب السوداء فائقة الكتلة النادرة في الكون.
وكشفت الدراسة المنشورة حديثا في دورية “مانثلي نوتس أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي” عن تقنيات رصد وقياس مبتكرة، إذ استخدمت عدسات جاذبية كونية طبيعية صنعها نسيج الزمان والمكان بذاته ودمجها مع تقنيات أخرى.
كما يوضح الاكتشاف المراحل النهائية لتطور المجرات العملاقة، ويمهد الطريق لمسح شامل للثقوب السوداء في الكون بواسطة التقنيات الجديدة.
يقول كارلوس ميلو-كارنيرو، الباحث في الجامعة الفدرالية دو ريو غراندي دو سول في البرازيل، والباحث الرئيسي في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: “اكتشافنا مثير لسببين رئيسيين: أولا، تمكنا من قياس كتلة ثقب أسود في مجرة تبعد حوالي 5 مليارات سنة ضوئية، وهذا إنجاز فائق الصعوبة لأنه لا يجذب المادة المحيطة به بنشاط ولا يتألق بشدة، وهي الطريقة التي نكتشفه بها عادة في المجرات البعيدة”.
ويضيف ميلو-كارنيرو: “وثانيا، تقع هذه المجرة في نظام يُعرف بـ’المجموعة الأحفورية’ (أي أنها عتيقة زمنيا)، وهو ناتج عن اندماج مجموعة كاملة من المجرات في مجرة هائلة واحدة. ربما نشهد في هذا النظام المرحلة النهائية لتطور المجرات والثقوب السوداء فائقة الكتلة معا”.
تخيل أن الزمكان يشبه غشاء مطاطيا أملس (شترستوك)
عين جديدة على الكون
اعتمد الفريق على تقنية مزدوجة تجمع بين عدسات الجاذبية القوية وقياس حركة النجوم القريبة من مركز المجرة. إذ تشوه كتلة المجرة وثقبها الأسود الهائل نسيج الزمكان، فتعمل كعدسة تحني الضوء القادم من المجرات الخلفية بجاذبيتها لتظهر على شكل قوس مشوه.
إعلان
تخيل أن الزمكان يشبه غشاء مطاطيا أملس، عندما تضع عليه كرة صغيرة، فإنها تحدث انحناء وهبوطا بسيطا. أما إذا وضعت كرة ضخمة وثقيلة مثل كرة بولينج، فإن الغشاء سيغوص للأسفل بشكل واضح.
أما الأجسام الصغيرة مثل كرة الجولف عندما تمر فوق الغشاء المنحني للأسفل بسبب كرة البولينج الكبيرة، ستنحني مع نسيج الغشاء بدلا من السير بخط مستقيم. هذا الانحناء هو ما تفعله الكتلة في نسيج الزمكان، حيث تشوه الأجسام الثقيلة مثل الكواكب والنجوم والثقوب السوداء نسيج الزمكان وتجعل الأجسام الأخرى، بل والضوء نفسه، يسير في مسارات منحنية.
يقول ميلو-كارنيرو: “انحناء الضوء بهذا الشكل يرتبط مباشرة بكتلة الثقب الأسود، ومن خلال تحليل هذا التشوه مع قياس سرعات النجوم حول المركز، حصلنا على أدلة مختلفة تشير جميعها إلى مدى قوة الجاذبية في مركز المجرة، وهذا يمنحنا ثقة كبيرة في النتيجة”.
عندما تمر أشعة الضوء من مجرة بعيدة، في الخلفية أثناء الرصد بجانب مجرة أو عنقود مجري ضخم في المقدمة بالنسبة للشخص الراصد، تنحني هذه الأشعة بفعل الجاذبية، وهو ما استفاد منه الباحثون كأنه “عدسة” طبيعية كونية معتمدة على جاذبية المجرة القوية.
إذا كانت المجرة الخلفية مصطفّة تقريبا خلف العدسة المجرية، أي خلف المجرة المرصودة في المقدمة، يمكن أن يتحول ضوؤها إلى شكل أقواس في الصورة.
باستخدام تلسكوب هابل الفضائي وكاميرا طيفية متخصصة على “المقراب الكبير جدا” الأوروبي في تشيلي ذو القوة البصرية الهائلة، حلّل الفريق صورة القوس الشعاعي للمجرة الخلفية وسرعات النجوم داخل المجرة، إذ تتأثر سرعة النجوم بكتلة الثقب الأسود المركزي، ثم دمجوا النتائج في نموذج مشترك. والنتيجة كانت رصد واضح لثقب أسود بكتلة تبلغ نحو 36 مليار شمس بدقة عالية إحصائيا.
وإليك مقطع فيديو يوضح عدسة الجاذبية الكونية إذ يتشوه شكل المجرة الخلفية على شكل أقواس شعاعية:
صورة من المستقبل الكوني
يضع ذلك الثقب الأسود الجديد في قائمة الأضخم على الإطلاق، وحاليا يعتقد فريق من العلماء منذ عام 2019 أن “تون 618″، هو الثقب الأسود الأكبر، إذ يزن حوالي 40 مليار كتلة شمسية، لكن لا تزال هناك حاجة للمزيد من التأكيدات.
وتُظهر الدراسة الجديدة لمحة فريدة لما يمكن أن تصبح عليه أكبر الهياكل في الكون بعد مليارات السنين من النمو. ويشرح ميلو-كارنيرو: “نحصل هنا على لقطة نادرة للنهاية المحتملة لأكبر المجرات والثقوب السوداء في الكون، وكيف قد تبدو بعد مليارات السنين من التطور والاندماج”. فالمجرة المضيفة تنتمي إلى مجموعة عتيقة، وهي مرحلة نهائية تتلاشى فيها المجرات الصغيرة داخل مجرة وحيدة ضخمة في مركز الجاذبية.
ويمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو بناء خريطة كاملة لتوزيع الثقوب السوداء العملاقة في الكون. ومع تكثيف عمليات الرصد المستقبلية، يتوقع العلماء أن تتحول هذه اللقطات النادرة إلى قاعدة بيانات ضخمة.
ويقول ميلو-كارنيرو: “بفضل هذه المسوح سنتمكن من الحصول على إحصاء أفضل لهذه الأجسام العملاقة عبر الزمن الكوني، مما سيحسن فهمنا لكيفية نموها وتطورها مع المجرات المضيفة”.
إعلان
كما تشير النتائج إلى أن المجرات العملاقة وثقوبها السوداء لا تتبع بالضرورة القواعد نفسها التي تحكم المجرات الأصغر. فالعلاقة المعروفة بين كتلة الثقب الأسود وسرعة النجوم في مركز المجرة تبدو أكثر انحدارا عند الكتل الفائقة، ما قد يعني أن آليات نمو هذه الثقوب السوداء تختلف جذريا.
يختتم ميلو-كارنيرو قائلا: “عندما نكشف المزيد من هذه الثقوب السوداء الخامدة على مسافات كبيرة، سنفهم بشكل أفضل كيف تتطور أعظم البُنى في الكون، وكيف تنتهي حياة المجرات العملاقة بعد رحلة نمو امتدت مليارات السنين”.
في قلب حقول الذرة الكثيفة، حيث تتزاحم النباتات وتتنافس على الضوء والغذاء، كشفت دراسة جديدة عن سر غير متوقع، النباتات تتحدث مع بعضها البعض عبر رائحة عطرية، وتعيد تشكيل التربة من حولها لتقوي مناعتها ضد الآفات، حتى وإن جاء ذلك على حساب نموها.
وفي الدراسة التي نشرت يوم 14 آب/آب في مجلة “ساينس”، سلط فريق بحثي دولي، الضوء على مركب عطري يسمى لينالول، ينبعث باستمرار من أوراق الذرة، ويلعب دورا محوريا في ما يشبه “شبكة إنذار جماعية” بين النباتات.
التربة التي زرعت فيها نباتات كثيفة سابقا تحتفظ بتأثير “ذاكرة بيئية” (معهد كالتك)
نباتات تتحدث والتربة تستجيب
يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة “لينغ في هو” -أستاذ علم النبات في جامعة جيجيانغ الصينية- في تصريحات لـ”الجزيرة.نت” أن زراعة المحاصيل بكثافة عالية عادة ما يرتبط بزيادة الإنتاجية، لكنها تحمل أيضا وجها آخر أكثر خطورة، وهي توفير بيئة مثالية لتكاثر الحشرات وانتشار الأمراض.
ويضيف: “وفي حين انشغل العلماء لعقود بدراسة كيف تغير النباتات أشكالها وجذورها للتأقلم مع هذه الظروف، بقي السؤال معلقا: كيف تدير هذه النباتات جهازها المناعي وسط هذا الازدحام؟”.
ويوضح “هو” أن الإجابة جاءت من الذرة، “فقد لاحظنا أن النباتات في الصفوف الداخلية من الحقول الكثيفة أقل عرضة لهجمات الحشرات من نظيراتها عند الأطراف، لكنها في الوقت نفسه تنمو بشكل أبطأ”.
ويضيف أن التجارب المخبرية أوضحت السبب في أن التربة التي زرعت فيها نباتات كثيفة سابقا تحتفظ بتأثير “ذاكرة بيئية” يقلل نمو النبات الجديد، لكنه يعزز مناعته ضد الديدان والفيروسات والفطريات.
وبتحليل الغازات المنبعثة من النباتات، حدد العلماء مركب اللينالول بوصفه الإشارة الأولى في هذه السلسلة المعقدة. فعندما تتراكم رائحته في الحقول المزدحمة، يلتقطها النبات المجاور فتنشط لديه إشارات هرمونية في الجذور تعرف بـ”إشارات الياسمونات”. هذه بدورها تحفز النبات على إفراز مركبات دفاعية خاصة من الجذور تعرف باسم البنزوكزازينويدات.
إعلان
ما يحدث بعد ذلك مذهل، إذ إن هذه المركبات تغير من تركيبة الميكروبات في التربة، بحيث تشجّع نمو أنواع من البكتيريا التي تقلل من نمو النبات لكنها ترفع قدرته على المقاومة. ومن ثم كانت النتيجة أن الأجيال اللاحقة من النباتات المزروعة في هذه التربة تجد نفسها أكثر استعدادا لمواجهة الأخطار، حتى قبل أن تهاجمها الآفات.
هذا الاكتشاف يعيد التأكيد على “المعادلة الصعبة” التي تواجهها النباتات (بيكسابي)
ثورة محتملة في الزراعة المستدامة
يؤكد المؤلف الرئيسي للدراسة أن هذا الاكتشاف يعيد التأكيد على “المعادلة الصعبة” التي تواجهها النباتات، الاستثمار في النمو أم الدفاع؟ في الظروف الطبيعية، يضع النبات إستراتيجيات متوازنة بين الاثنين. لكن في الحقول الكثيفة، تشير الدراسة إلى أن الذرة تميل لتفضيل الدفاع، حتى وإن جاء ذلك بتراجع في الكتلة الحيوية وحجم الحبوب.
“لقد فوجئنا بسرعة حدوث هذه الاستجابة. بعد 3 أيام فقط من الزراعة في ظروف مزدحمة، لاحظنا أن التربة بدأت تنقل أثرا واضحا إلى النباتات الجديدة، نمو أبطأ لكن مقاومة أكبر للحشرات والفيروسات. إنها آلية ذكية أشبه بشبكة إنذار كيميائية جماعية” كما قال الباحث.
تفتح هذه النتائج الباب أمام أفكار جديدة في تربية النباتات وإدارة المحاصيل، فإذا كان بالإمكان تعزيز قدرة النباتات على إنتاج أو الاستجابة لمركب مثل اللينالول، يمكن للمزارعين مستقبلا الاستغناء جزئيا عن المبيدات الكيميائية، والاعتماد على “مناعة طبيعية” تنشطها النباتات نفسها.
ويشير “هو” إلى ذلك بقوله: “تخيل لو استطعنا عبر التهجين أو الهندسة الحيوية أن ننتج أصنافا عالية الإنتاج وقادرة على إطلاق هذه الإشارات الدفاعية عند الحاجة. سيكون ذلك خطوة نحو زراعة أكثر أمانا للبيئة وأقل اعتمادا على المبيدات”.