عن أزمة فرنسا وأوروبا المذعورة

عن أزمة فرنسا وأوروبا المذعورة

استردت الذاكرة الأوروبية الأسبوع الجاري مصطلحات مزعجة مثل الإفلاس والتعثر المالي والهشاشة الاقتصادية وانهيارات البورصات وتهاوي البنوك والشركات الكبرى، ومعها تهاوي التصنيف الائتماني لدول، وتفشي الغموض واللايقين وانعدام الثقة والركود والفقاعة العقارية.

والسبب ما يحدث في فرنسا هذه الأيام، والتي تصدرت أخبارها المشهد السياسي والاقتصادي، ليس داخل أوروبا فقط، بل في العالم، وباتت ذاكرة أسواق المال والبورصات الكبرى داخل القارة العجوز وغيرها تسترجع تلك الأزمات المالية التي مرت بها في سنوات سابقة، ومنها أزمة الديون السيادية الشهيرة في 2008، ومعها عادت مفردات مثل التدخل الطارئ لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي للحيلولة دون حدوث انهيارات اقتصادات أوروبية، وتدخل دول كبرى مثل ألمانيا لعلاج مأزق تعثر دول مثل قبرص واليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا ولوكسمبورغ، والتي عجزت حكوماتها قبل سنوات عن سداد أعباء الديون.

باريس قد تفقد سيادتها إذا وجدت نفسها مهددة بالوصاية من قبل الدائنين

ببساطة أعاد المشهد السياسي الحالي في فرنسا تلك الذاكرة، وتذكرت المؤسسات المالية والإعلامية الكبرى في العالم أن هناك أزمة اقتصادية حادة في فرنسا، صاحبة ثاني أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، والتي باتت تعاني من أزمة مالية واقتصادية هيكلية ساهمت فيها أزمات سياسية متتالية ومعقدة، وهناك تحذيرات متلاحقة حتى من ساسة أوروبيين وفرنسيين من أن باريس قد تفقد سيادتها إذا وجدت نفسها مهددة بالوصاية من قبل الدائنين وفي المقدمة صندوق النقد الدولي. بل إن وزير المالية الفرنسي إيريك لومبار، تحدث منتصف هذا الأسبوع عن خطر محتمل يتمثل في الحاجة إلى تدخل صندوق النقد إذا لم تُعالج فرنسا أوضاعها المالية المتردية.

فرنسا تمر بلحظات حرجة، مع اقتراب موعد 8 أيلول/أيلول المقبل، حيث يلوح في الأفق احتمال سقوط الحكومة مجدداً، ومع احتمال حدوث هذا الانقلاب، تتزايد المخاوف من اندلاع أزمة اقتصادية كبرى تُفاقمها الديون الضخمة، حيث يتوقع تجاوز الدين الحكومي أربعة تريليونات يورو (نحو 4.64 تريليونات دولار).

فرنسا ليست اليونان أو قبرص، لكنها في المقابل تعاني من أزمات هيكلية جوهرية

كما تزداد المخاوف من دخول الدولة في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة مع تفاقم أزمات الاختناق الضريبي وتآكل الطبقة الوسطى وقفزات الديون والتباطؤ المزمن للاقتصاد وتسارع الشيخوخة. والأخطر تصاعدت التوترات الاجتماعية والسياسية مؤخراً، إذ شهدت 2023 أكثر من 12 ألف مظاهرة بزيادة 18% عن 2022، وهو من الأعلى في أوروبا. إضافة إلى تراجع النفوذ الفرنسي في العالم، خاصة في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط رغم الخطوات الأخيرة في الملف الفلسطيني، ما انعكس على موقعها الاقتصادي.

نعم فرنسا ليست اليونان أو قبرص، لكنها في المقابل تعاني من أزمات هيكلية جوهرية يمكن أن تدخل البلاد في أزمات سياسية واقتصادية حادة، بل وفي حالة من الفوضى غير المسبوقة على المستوى الأوروبي.