
غلاف الكتاب العربي بين التكلف والأناقة
اعتادت دور نشر كبرى على منح أغلفة كتبها هوية بصرية ثابتة تميزها على الرفوف. فمثلاً، اشتهرت سلسلة “بينغوين كلاسيك” بالغلاف البرتقالي والاقتباسات المميزة، بينما ميّزت سلسلة “بينغوين مودرن” ألوانها المتناسقة وتصميماتها البسيطة. في دور نشر عالمية أخرى مثل غاليمار الفرنسية أو أليانزا الإسبانية، يشكّل تصميم الغلاف جزءاً من استراتيجية تسويق متكاملة، تُنفّذ على يد فرق من المصممين والمصورين والمسوّقين، مع عناية بالخامات والألوان والنقوش البارزة، وحتى عناصر إضافية مثل شرائط تحمل اقتباسات لافتة من النقاد أو الكتّاب، سواء على الغلاف الأمامي أو الخلفي.
يؤكد هذا كلّه أنَّ غلاف الكتاب في عالم النشر ليس مجرد قشرة تحمي الصفحات، بل هو بوابة جمالية أولى تفتح شهية القارئ وتدخله في علاقة مع النص، كما أنه يبني هوية الناشر. من هذا المنطلق، يصبح السؤال عن موقع الأغلفة في النشر العربي أكثر إلحاحاً، لا سيما أن الساحة العربية لا تزال تتأرجح بين نماذج رائدة وواقع عام متباين.
في لبنان، على سبيل المثال، برزت تجارب لافتة في الاهتمام بأغلفة الكتب، إذ يُنظر إلى الكتاب منتجاً ثقافياً متكاملاً، لا مجرد وعاء للنص. هناك تعاون مع مصممين وفنانين تشكيليين، وحرص على اختيار ألوان وخطوط وأوراق تخدم روح العمل. وفي بعض الدور، نشأت مدارس بصرية واضحة المعالم، بحيث يمكن التعرف إلى هوية الدار أو كتاب المؤلف من مجرد النظر إلى الغلاف.
نشأت مدارس بصرية يمكن من خلالها التعرف إلى هوية الدار أو الكاتب
شهد الخليج محاولات مماثلة، فقد بدأ وعي دور النشر يتنامى تجاه أهمية تصميم الغلاف وتأسيس هوية بصرية مميزة للكتب. أغلفة دور مثل “كلمة” في الإمارات، و”أثر” في السعودية، و”كتارا” في قطر خير مثالٍ على ذلك، من باب التمثيل لا الحصر.
في المغرب، منذ أن أثار غلاف رواية “الخبز الحافي” الصادر عن دار الفنك، جدلاً واسعاً بسبب “الخبزة الفرنجية” التي اختيرت رمزاً للرواية على الغلاف الأمامي، صارت دور النشر تولي اهتماماً بأغلفتها، وبدأت تظهر دور جديدة تعطي هوية الكتاب البصرية اهتماماً أكبر.
لا يختلف الأمر في مصر كثيراً، سواء في القطاع العام أو الخاص، وقد تختزل الآراء المتباينة بين معجب وناقد، والتي أثارتها أغلفة أعمال محفوظ الصادرة عن دار “ديوان للنشر”، مشهد “زي الكتاب” في بلد مركزي بصناعة الكتاب العربي.
أما سورية، فلا شك أن أصحاب دور النشر يواجهون تحدياتٍ جسيمة، بين نظام سابق كان يراقب مضمون الكتب، ونظام راهن يمنع الموديل العاري. فأي أغلفة سيوافق عليها إذاً؟
قد يكون العائق الأكبر أمام كثير من دور النشر العربية، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، الجانب الاقتصادي. فتصميم غلاف احترافي يراعي الهوية البصرية، مع إضافة عناصر تكميلية مثل الشرائط التعريفية، يتطلب ميزانية قد تفوق إمكانات هذه الدور، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الطباعة والتوزيع. أمام هذا الواقع، يلجأ بعض الناشرين إلى قوالب تصميمية جاهزة أو صور مجانية، ما يقلل من فرص بروز الكتاب بصرياً وسط منافسة محتدمة.
في ظل هذا المشهد المتباين عربياً، يبقى الغلاف، في نهاية المطاف، الواجهة الأولى للكتاب ووسيلة الناشر لمخاطبة القارئ قبل الكلمات. وبين نماذج رائدة وتجارب متعثرة، لعلّ التحدي الحقيقي الذي يواجه الناشر العربي هو إدراك أهمية الغلاف والاستثمار فيه جمالياً وفكرياً.