غزل اقتصادي بشنغهاي: شراكات بين بكين ونيودلهي… وموسكو تتحدى الغرب

غزل اقتصادي بشنغهاي: شراكات بين بكين ونيودلهي… وموسكو تتحدى الغرب

شهدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي اختتمت فعالياتها أمس الاثنين في مدينة تيانجين شمالي الصين تصريحات ودية لافتة بين قادة الصين والهند وروسيا، ما وصفه مراقبون بـ “الغزل الاقتصادي” بين القوى الآسيوية الثلاث وسط توترات متزايدة مع الغرب. فقد شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن بلاده والهند ليستا خصمين وإنما شريكان في التنمية، مؤكداً أن الحدود يجب ألا تحدد مسار العلاقات. من جهته، اعتبر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده ملتزمة بتحسين العلاقات مع بكين على أساس الاحترام المتبادل والثقة، في خطوة تعكس سعي الطرفين إلى تجاوز إرث المواجهة الحدودية التي اندلعت عام 2020.

زيارة مودي للصين، الأولى منذ سبع سنوات، عكست بدورها إدراكاً هندياً لأهمية إعادة التوازن في العلاقات مع بكين في ظل الضغوط الاقتصادية الأميركية. فقد فرضت واشنطن في آب/آب الماضي رسوماً جمركية بنسبة 50% على الصادرات الهندية بسبب استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي بكميات ضخمة وعدم إبرام اتفاق تجاري مع واشنطن، الأمر الذي دفع الهند إلى تعزيز تنويع شراكاتها وتقوية صلاتها مع جيرانها الآسيويين. 

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شي قوله إن الصين والهند تمثلان فرصاً تنموية لبعضهما البعض، لا تهديدات. وأضاف “يجب ألا ندع قضية الحدود تُحدد مسار العلاقات الصينية الهندية بشكل عام”. وأكد شي أن العلاقات الصينية الهندية يمكن أن تكون “مستقرة وواسعة النطاق” إذا ركز الجانبان على النظر إلى بعضهما البعض بصفتهما شريكين لا متنافسين.

وتضم منظمة شنغهاي للتعاون عشر دول أعضاء هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا، و16 دولة بصفة مراقب أو شريك، وتمثّل قرابة نصف سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتقدم نفسها على أنها قوّة موازنة لحلف شمال الأطلسي، كما أنها قوة اقتصادية، حيث إن بعض دولها ضمن مجموعة العشرين ذات الاقتصادات الكبرى، وأخرى غنية بمصادر الطاقة مثل النفط والغاز.

صديق عزيز

من جانبه وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الهندي، أمس الاثنين، بأنه “صديقه العزيز” وقال إن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل ديناميكي، وذلك وفقاً لمقطع فيديو نشره الكرملين. وأجرى الجانبان محادثات في مدينة تيانجين الساحلية على هامش القمة. وعبر مودي عن أمله في أن تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق لإنهاء الحرب بينهما قريباً. وتأتي هذه التصريحات الودية لتظهر بوضوح اتجاه ثلاثي آسيا الصاعد إلى تقديم نموذج جديد للتعاون في مواجهة الغرب. وبحسب رويترز، سعى الزعماء الثلاثة إلى تقديم أنفسهم محوراً اقتصادياً بديلاً قادراً على صياغة “عولمة جديدة” أكثر عدلاً، تستند إلى استخدام العملات الوطنية وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية.

وتكتسب العلاقات الروسية الهندية بعداً اقتصادياً مهماً في ظل العقوبات الغربية على موسكو. وتظهر بيانات وزارة التجارة الهندية أن التبادل التجاري مع روسيا بلغ 68.7 مليار دولار في العام المالي 2024 – 2025، مع اعتماد نيودلهي على موسكو لتأمين 37% من وارداتها النفطية. وشدد بوتين خلال تصريحاته في تيانجين على أن الهدف المشترك هو رفع هذا الرقم إلى 100 مليار دولار بحلول 2030، بينما عبر مودي عن أمله في أن تؤدي الجهود الدبلوماسية إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية قريباً، في محاولة للجمع بين التزامه بالعلاقات مع موسكو ورغبته في الحفاظ على توازن في علاقاته مع الغرب.

عولمة اقتصادية جديدة

وحث الرئيس الصيني، أمس الاثنين، أعضاء منظمة شنغهاي على التعاون على الاستفادة من “سوقهم الهائلة”، في حين أظهر الرئيس الروسي دعمه لتطلع نظيره الصيني لإرساء نظام أمني واقتصادي عالمي جديد يشكل تحدياً للولايات المتحدة، بحسب “رويترز”. وقال شي في كلمته الافتتاحية التي ألقاها، في القمة أمام أكثر من 20 من قادة العالم، إن منظمة شنغهاي للتعاون وضعت نموذجاً لنوع جديد من العلاقات الدولية. 

وأضاف “يتعين أن ندعو إلى تعددية أقطاب متكافئة ومنظمة في العالم والعولمة الاقتصادية الشاملة وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً”، موضحاً أن الصين ستقدم ملياري يوان (280 مليون دولار) من المساعدات التي لا تنطوي على أعباء على الدول الأعضاء هذا العام وعشرة مليارات يوان أخرى من القروض لكونسورتيوم بنوك تابع لمنظمة شنغهاي للتعاون. وبحسب وكالة أسوشييتد برس، تهدف هذه المبادرة إلى إظهار منظمة شنغهاي منصة للتنمية، وليس مجرد إطار أمني، وإلى منافسة مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتابع شي قائلاً: “يجب أن نستفيد من السوق الضخمة… لتحسين مستوى تيسير التجارة والاستثمار”، وحث التكتل على تعزيز التعاون في مجالات تشمل الطاقة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

ترحيب أممي

الأمم المتحدة من جانبها رحبت على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريس بالدور الصيني “الأساسي في تعزيز التعددية”، في اعتراف ضمني بوزن هذه القمة. في الوقت نفسه، حذرت تقارير غربية من أن توسع التعاون بين الصين والهند وروسيا قد يسرع من تآكل النظام الدولي القائم على المؤسسات الغربية. وتشير بيانات صادرة عن معهد الإحصاء التركي ودراسات اقتصادية آسيوية إلى أن منظمة شنغهاي تمثل أكثر من 40% من سكان العالم ونحو 30% من الناتج العالمي، ما يمنحها وزناً ديموغرافياً واقتصادياً متزايداً. ومع انضمام دول من الشرق الأوسط بصفة شركاء، من المتوقع أن تتوسع أنشطتها لتشمل مشاريع طاقة ونقل عابرة للأقاليم.

بوتين بدوره اعتبر أن القمة أحيت “التعددية الحقيقية”، لافتاً إلى أن تزايد استخدام العملات الوطنية في التسويات التجارية بين الدول الأعضاء يمثل قاعدة لنظام اقتصادي جديد في أوراسيا أكثر توازناً وعدالة. وأوضح أن النظام الأمني والاقتصادي الذي تدعو إليه موسكو وبكين سيختلف عن النماذج الأوروبية الأطلسية لأنه سيراعي مصالح مجموعة واسعة من الدول، ولن يسمح لطرف واحد بفرض أمنه أو مصالحه على الآخرين. وقالت “بلومبيرغ” إن تصريحات بوتين، التي جاءت في ظل استمرار عزلة بلاده عن الأسواق الغربية، جاءت تأكيداً على أن موسكو تسعى إلى ترسيخ نفسها جزءاً من محور اقتصادي جديد يقوده الجنوب العالمي.

وحضر حفل الافتتاح أيضاً زعماء آخرون من آسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا في استعراض كبير للتضامن بين دول الجنوب. ودعا شي أيضاً شركاء المنظمة إلى “معارضة عقلية الحرب الباردة والتصادم بين التكتلات” ودعم أنظمة التجارة متعددة الأطراف، في إشارة واضحة إلى حرب الرسوم الجمركية التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ توليه منصبه في البيت الأبيض مطلع العام الحالي، والتي أثرت بشكل غير متناسب على اقتصادات نامية مثل الهند. 

بدائل أكثر صلابة

وقال محللون إن الصين ستستخدم القمة الأكبر على الإطلاق هذا العام لإظهار رؤية بديلة للحوكمة العالمية للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في وقت يشهد فيه عدم انتظام في صنع السياسات وانسحاب واشنطن من منظمات متعددة الأطراف والتقلبات الجيوسياسية. وأضافوا: “قد تبدو القرارات التي خرجت من القمة سياسية الطابع أكثر منها اقتصادية، لكن تأثيرها العملي قد يظهر تدريجياً في السنوات المقبلة”، لافتين إلى أن تعزيز استخدام العملات الوطنية سيؤدي على المدى المتوسط إلى تقليل الاعتماد على الدولار، خاصة في التجارة الثنائية بين الهند وروسيا أو بين الصين ودول آسيا الوسطى.

كما أن المساعدات والقروض الصينية قد تفتح الباب أمام مشاريع تنموية في البنية التحتية والطاقة، ما يعزز النفوذ الاقتصادي لبكين. في المقابل، فإن استمرار تدفق النفط الروسي إلى الهند بأسعار تنافسية قد يمنح نيودلهي ميزة في الحفاظ على استقرار أسعار الطاقة رغم الضغوط الأميركية، وهو ما يعني أن الغزل الاقتصادي في تيانجين لم يكن مجرد شعارات، بل خطوة عملية لبناء بدائل اقتصادية أكثر صلابة.

صرخات قمة شنغهاي في وجه ترامب

صرخات قمة شنغهاي في وجه ترامب

نجحت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي اختتمت أعمالها اليوم الاثنين، في مدينة تيانجين شمالي الصين بحضور 20 زعيم دولة، في إرسال عدة صرخات في وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يسعى بكل قوته وبلطجته إلى تعميق سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد الدولي، والسطو على ثروات العالم، واحتلال دول وممرات مائية، وإزاحة المنافسين من المشهد، وفي المقدمة الصين والهند وروسيا.

وشكلت القمة تحولاً مهماً نحو إعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي، وصياغة بدائل عملية للنظام الحالي المليء بالعيوب، وخلخلة الواقع المر الذي صنعته الإدارات الأميركية المتلاحقة، كما سعت إلى وضع نهاية لأحادية النظام المالي الأوحد، وإعادة النظر في المنظومة القائمة على قيادة الولايات المتحدة منفردة لاقتصاد وأسواق وتجارة العالم، وفرض واشنطن الدولار عملةَ احتياط دولية لدى البنوك المركزية وعلى التعاملات المالية والتجارية وتسعير كل شيء، ومنها السلع والخدمات.

ولأول مرة يجد قادة منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم عشر دول هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا، أنفسهم أمام مخاطر اقتصادية وتجارية وسياسية بالغة الخطوة، حيث الحروب الاقتصادية الشرسة التي يشنها ترامب ضد معظم دول العالم، وحروب العملات والتقنية والرسوم الجمركية المبالغ فيها التي فرضها عقب وصوله إلى البيت الأبيض، وباتت تهدد التجارة الدولية وسلاسل التوريد بشكل مباشر، وحيث تهديدات أخرى متلاحقة، سواء تعلقت بمجموعة بريكس التي هددها ترامب بفرض عقوبات قاسية في حال استبدال الدولار والاستغناء عن العملة الأميركية في المبادلات التجارية، وتهديده دولاً كبرى أخرى في حال شراء النفط الروسي وإقامة علاقات  اقتصادية مع موسكو كما الحال مع الهند ودول جنوب شرق آسيوية، وهناك تهديدات تتعلق باستمرار هيمنة المؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين على سوق الإقراض العالمي، والتحكم في مصير الدول المتعثرة والمتعطشة للسيولة النقدية.

في ظل هذا المشهد الاقتصادي الملبد والمعقد، ومحاولة التصدي لبلطجة ترامب التي لا سقف لها، شهدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة تطورات إيجابية مهمة وملفتة، فلأول مرة يحدث تقارب صيني هندي روسي على هذا المستوى الرفيع، حيث شارك في القمة زعماء الدول الثلاث، الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، واللافت هنا هو حدوث تقارب شديد في الرؤى والتصريحات والمواقف بين الزعماء الثلاثة، والتعامل بصفتهم شركاء، وليس خصوماً أو متنافسين، ومحاولة إعادة بناء العلاقات المتصدعة، والتأكيد على الوقوف معاً “حتى في الأوقات الصعبة”، بل وتأكيد بوتين دعمه لنظيره الصيني في ضرورة إرساء نظام أمني واقتصادي عالمي جديد يشكل تحدياً للولايات المتحدة.

في قمة شنغهاي أدار مودي ظهره لترامب ولجأ إلى الصين عدوه التاريخي والغريم الأهم للولايات المتحدة، وعزز علاقته مع موسكو، وأصر على شراء النفط الروسي وتقوية علاقته التجارية مع بكين

واللافت أيضاً في قمة شنغهاي لهذا العام هو مشاركة الهند بتمثيل رفيع بعد غياب استمر سبع سنوات، والتقارب الشديد بين بكين ونيودلهي خلال القمة بعد فترة صراع دامت سنوات، والاتفاق على خطوات لطي ملف الخلافات، ومنها الحدودية، مثل استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد أكثر من خمس سنوات.

التحرك الأخير الذي تقوده العواصم الثلاث، بكين وموسكو ونيودلهي، يمكن البناء عليه في إعادة رسم خريطة اقتصاد العالم، وبناء موقف تفاوضي قوي مع الولايات المتحدة في الحرب التجارية الشرسة الحالية، وإقامة علاقات اقتصادية قوية يستفيد منها تجمع منظمة شنغهاي الذي يمثّل قرابة نصف سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمتلك ثروات ضخمة من النفط والغاز والمعادن النادرة والثروات الطبيعية والمواد الخام.

في قمة شنغهاي أدار مودي ظهره لترامب ولجأ إلى الصين عدوه التاريخي والغريم الأهم للولايات المتحدة، وعزز علاقته مع موسكو، وأصر على شراء النفط الروسي وتقوية علاقته التجارية مع بكين صاحبة ثاني أقوى اقتصاد، وبالتالي فإن ترامب لن يغرد منفرداً في حرب الرسوم والهيمنة التجارية، والتحركات الأخيرة في مدينة تيانجين قد تأكل بسرعة من رصيد الدولار والهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي.

قمة شنغهاي… 20 زعيماً يرسمون ملامح نظام مالي موازٍ

قمة شنغهاي… 20 زعيماً يرسمون ملامح نظام مالي موازٍ

تتواصل، اليوم الاثنين، في مدينة تيانجين الصينية أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون وسط حضور استثنائي يضم أكثر من 20 زعيم دولة، ما يجعلها الأكبر منذ تأسيس المنظمة عام 2001، ويمنحها وزناً سياسياً واقتصادياً غير مسبوق على الساحة الدولية. ويعكس انعقاد القمة في هذا التوقيت الحرج سعي دول الشرق، وفي مقدّمتها الصين وروسيا، إلى صياغة بدائل عملية للنظام المالي والاقتصادي العالمي الذي ظلّ طوال عقود خاضعاً للهيمنة الغربية، سواء عبر هيمنة الدولار أو عبر مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. 

اللافت في قمة شنغهاي لهذا العام كان مشاركة الهند بتمثيل رفيع بعد غياب استمر سبع سنوات، إذ جلس رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى طاولة المباحثات في تيانجين جنباً إلى جنب مع الرئيسَين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، في مشهد عكس براغماتية السياسة الهندية في لحظة إقليمية ودولية دقيقة. وأثارت عودة الهند المفاجئة اهتمام المراقبين؛ لأنها جاءت رغم استمرار الخلافات الحدودية مع بكين منذ اشتباكات وادي جالوان عام 2020، ورغم تحفظ نيودلهي سابقاً على الانخراط في قمم تستضيفها الصين، إلّا أن السياق الدولي الراهن، المتمثل في تصاعد الحرب التجارية الأميركية – الصينية وتشديد العقوبات الغربية على روسيا، دفع الهند إلى إعادة النظر في سياسة المقاطعة، واختيار الانخراط المباشر مع الجارين الكبيرين عبر منصة متعدّدة الأطراف توفر لها فرصاً اقتصادية يصعب تجاهلها، بحسب موقع “إيكونوميك تايمز” الهندي.

اجتماع صيني هندي

وعُقد الاجتماع الثنائي بعد خمسة أيام من فرض واشنطن رسوماً جمركية 50% على البضائع الهندية بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي. ويقول محلّلون، وفق رويترز، إنّ شي ومودي يسعيان لتشكيل جبهة موحّدة ضد الضغوط الغربية. وعقد الزعيمان اجتماعاً في روسيا العام الماضي بعد التوصل إلى اتفاق لتسيير دوريات على الحدود. ووافقت الصين على رفع القيود المفروضة على تصدير المواد الأرضية النادرة والأسمدة وآلات حفر الأنفاق هذا الشهر خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الهند. وتحتاج الهند، التي تسعى لترسيخ موقعها بوصفها أحد أسرع الاقتصادات نمواً عالمياً، إلى تأمين تدفقات مستقرة من الطاقة والموارد الأولية، خصوصاً المعادن النادرة التي تهيمن الصين على أكثر من 70% من إنتاجها وتكريرها.

وركز الاجتماع الثنائي بين مودي وشي على هذا الملف، مع بحث ترتيبات تتيح للهند الحصول على حصص مضمونة من تلك المعادن الحيوية لصناعات الإلكترونيات والسيارات الكهربائية. وفي المقابل، أبدت نيودلهي استعداداً لتوسيع التعاون التجاري، لكنها حرصت على ألّا يُفسر ذلك باعتباره اصطفافاً كاملاً وراء مشروع “النظام المالي الموازي” الذي تدفع إليه بكين وموسكو، وفق “إيكونوميك تايمز”، كما لا تعني مشاركة الهند في قمة شنغهاي هذا العام تحولها إلى جزء من المحور الصيني – الروسي، بحسب رويترز، فهي ما زالت متمسكة بتحالفاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وتسعى إلى إبراز نفسها قوةَ توازن قادرة على الاستفادة من جميع الأطراف دون الانخراط في اصطفافات مغلقة. 

أهداف بكين وموسكو

الملفات الاقتصادية على طاولة قمة شنغهاي لا تتوقف عند العملات والتجارة، فهناك حديث موسّع عن سلاسل التوريد التي تعرضت لاضطرابات كبيرة بسبب جائحة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وأخيراً الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. وتسعى الصين عبر “الحزام والطريق” إلى تقديم مشروعات بنية تحتية مشتركة، من سكك حديد وموانئ ومراكز لوجستية، لربط اقتصادات المنظمة في شبكة قادرة على تقليل الاعتمادية على الغرب. بينما تدفع روسيا باتجاه شراكات في قطاع الطاقة، عبر عقود طويلة الأجل للنفط والغاز مع الهند وباكستان وإيران، مستفيدة من تعطّش تلك الاقتصادات لمصادر طاقة بأسعار تنافسية بعيداً عن الأسواق الأوروبية التي باتت مغلقة نسبياً أمام موسكو. وما يلفت الانتباه هذا العام دخول ملف التكنولوجيا إلى قلب أجندة المنظمة، فقد أطلقت الصين خلال القمة مبادرة لتعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، فيما جذب الأنظار ظهور روبوت بشري يدعى “Xiao He” في المركز الإعلامي ليقدم خدمات الترجمة والمعلومات للصحافيين، كرمز لتحول المنظمة من إطار أمني إلى منصة “دبلوماسية رقمية”. ويعكس هذا البعد التقني إدراك بكين أنّ المعركة الاقتصادية المقبلة ليست حول النفط والغاز فحسب، بل حول من يضع معايير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية التي ستحدّد شكل الاقتصاد العالمي في العقدين المقبلين.

الزعماء المشاركون

شهدت قمة شنغهاي للتعاون هذا العام حضوراً غير مسبوق لأكثر من 20 زعيم دولة، منهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف. وشارك في القمة أيضاً رؤساء دول آسيا الوسطى، منهم رئيس كازاخستان كاسيم-جومارت توكاييف، ورئيس قيرغيزستان سادير جاباروف، ورئيس طاجيكستان إيمومالي رحمن، ورئيس أوزبكستان تشافكات ميرضيييف، إضافة إلى رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، كما حضر عدد من قادة الدول بصفة مراقب أو شريك في الحوار، منهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس وزراء إقليم المالديف محمد مويناز، ورئيس وزراء نيبال كي بي شارما أولي، ورئيس وزراء كمبوديا هونغ مانيت، ورئيس أرمينيا نيكول باشينيان، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، ورئيس إندونيسيا برابوو سوبيا نتو، ورئيس ميانمار مين أونغ هلاينغ. بالإضافة إلى ذلك، حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وعدد من رؤساء مؤسسات دولية إقليمية مثل رؤساء منظمة الأمن الجماعي، وآسيان، واليونسكو، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.