أحد أكثر الأماكن قدسية في العالم يتحول إلى منتجع سياحي ضخم

أحد أكثر الأماكن قدسية في العالم يتحول إلى منتجع سياحي ضخم

على مدى سنوات، اعتاد الزوار على التوجّه إلى جبل سيناء برفقة مرشد بدوي لمشاهدة شروق الشمس فوق المرتفعات الطبيعية الصخرية، أو المشاركة في جولات بقيادة البدو في المنطقة.

والآن أصبح أحد أكثر الأماكن قدسية في مصر – الذي يبجّله اليهود والمسيحيون والمسلمون – في قلب نزاع – بعيداً عن قدسيته – حول خطط لتحويله إلى مشروع سياحي ضخم جديد.

يُعرف جبل سيناء باسم جبل موسى، ويُقال إنه المكان الذي أُعطي فيه موسى الوصايا العشر، ويعتقد كثيرون أيضاً أن هذا المكان هو الذي كلم الله فيه النبي موسى من العُليّقة المشتعلة، وفقاً للكتاب المقدس والقرآن.

ويقع هناك أيضاً دير سانت كاترين الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، والذي تديره الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، ويبدو أن رهبان الدير سيظلون هناك في الوقت الحالي بعد أن نفت السلطات المصرية – تحت ضغط يوناني – رغبتها في إغلاقه.

ومع ذلك، لا يزال القلق العميق يلفّ مستقبل هذا الموقع الصحراوي المعزول منذ زمن طويل، والمُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، الذي يضم الدير والمدينة والجبل، حيث يجري الآن بناء فنادق وفيلات وأسواق تجارية فاخرة هناك.

  • كيف استخدم ملوك مصر القديمة الفن “أداة حكم” سياسية ودينية؟
  • رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب
صورتان جويتان ملتقطتان من فوق جبل سيناء، تُظهران التغير الذي طرأ على المكان.
يجري تغيير معالم الموقع الصحراوي المعزول منذ فترة طويلة

كما أن المنطقة تُعدّ موطناً لقبيلة الجبالية، وهي قبيلة بدوية تقليدية. وقد هُدمت منازل سكانها المعروفين باسم “حرّاس سانت كاترين”، ومخيماتها السياحية البيئية دون أي تعويض يُذكر. بل وأُجبروا على إخراج جثث موتاهم من قبورهم في المقبرة المحلية لإفساح المجال لموقف سيارات جديد.

وربما يكون المشروع قد قُدم على أنه مشروع تنمية مستدامة ضروري للغاية، من شأنه أن يعزز السياحة، لكنه فُرض على البدو بطريقة تخالف إرادتهم، كما يقول بن هوفلر، الكاتب والرحالة البريطاني الذي عمل مع قبائل سيناء.

وقال هوفلر لبي بي سي إن “هذه ليست التنمية التي يراها أبناء قبيلة الجبالية أو يطالبون بها، بل هو شكل تنمية تُفرض من أعلى إلى أسفل لخدمة مصالح الغرباء على حساب مصالح المجتمع المحلي”.

وأضاف: “عالم حضريٌّ جديد يُبنى حول قبيلةٍ بدويةٍ ذات تراثٍ ترحالي. إنه عالمٌ اختاروا دائماً البقاءَ منفصلين عنه، ولم يرضوا ببنائه، وهو عالم سيغيّر مكانتهم في وطنهم إلى الأبد”.

ويرفض السكان المحليون، الذين يبلغ عددهم نحو 4 آلاف نسمة، التحدث بشكل مباشر عن التغييرات في منطقتهم.

  • اكتشاف مذهل لوشوم معقدة على جسد مومياء عمرها 2,500 عام
صورة تظهر أحد مشاريع التطوير قيد الإنشاء في وادي الراحة جنوبي سيناء.
أعمال البناء في وادي الراحة سنة 2024

حتى الآن، تعتبر اليونان هي الطرف الأجنبي الأعلى صوتاً بشأن الخطط المصرية، بسبب ارتباطها بالدير.

وتصاعدت التوترات بين أثينا والقاهرة بعد أن قضت محكمة مصرية في أيار/أيار الماضي، بأن دير سانت كاترين – أقدم دير مسيحي مازال مستخدماً في العالم – يقع على أرض تابعة للدولة.

وبعد نزاع استمر عقوداً من الزمن، قال القضاة إن الدير كان له فقط “حق استخدام” الأرض التي يقع عليها، والمواقع الأثرية الدينية المنتشرة في محيطه.

وسارع رئيس أساقفة أثينا ورئيس كنيسة اليونان إيرونيموس الثاني، إلى التنديد بالحكم.

وقال في بيان: “ممتلكات الدير تتعرض للمصادرة. إن هذه المنارة الروحية للأرثوذكسية والهيلينية تواجه الآن تهديداً وجودياً”.

  • جدل كبير بعد ظهور زاهي حواس مع جو روغان في حلقة وصفها المذيع الأمريكي بـ “الأسوأ”
  • السر المقدّس: لماذا بنى المصريون القدماء الأهرامات؟

وفي مقابلة نادرة، صرّح داميانوس، رئيس أساقفة سانت كاترين منذ فترة طويلة، لصحيفة يونانية، بأن القرار كان “ضربة موجعة لنا… وعاراً”. وقد أدى تعامله مع القضية إلى انقسامات حادة بين الرهبان، وإلى قراره الأخير بالتنحي.

وأشارت بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس إلى أن الموقع المقدس الذي تقع عليه سلطتها الكنسية، حصل على خطاب حماية من النبي محمد نفسه.

وقالت إن الدير البيزنطي، الذي يضم كذلك بشكل غير اعتيادي مسجداً صغيراً بني في العصر الفاطمي، كان “تجسيداً للسلام بين المسيحيين والمسلمين، وملجأ للأمل في عالم غارق في الصراعات”.

وفي حين لا يزال حكم المحكمة المثير للجدل قائماً، فإن موجة من الدبلوماسية انتهت في نهاية المطاف إلى إعلان مشترك بين اليونان ومصر، يضمن حماية الهوية اليونانية الأرثوذكسية والتراث الثقافي لموقع سانت كاترين.

صورة تظهر قمة جبل سيناء.
جبل سيناء، المعروف باسم جبل موسى، هو المكان الذي يُقال إن النبي موسى تلقى فيه الوصايا العشر

“هدية خاصة” أم تدخل لا يراعي الحساسيات؟

بدأت مصر مشروع “التجلي الأعظم” للسياح الذي ترعاه الدولة في عام 2021. وتتضمن الخطة افتتاح فنادق ومنتجعات صديقة للبيئة ومركز كبير للزوار، بالإضافة إلى توسيع المطار الصغير القريب، وتوفير عربة تلفريك إلى جبل موسى.

وتروج الحكومة لهذا المشروع باعتباره “هدية مصر للعالم أجمع ولكل الأديان”.

وقال وزير الإسكان، شريف الشربيني، العام الماضي: “سيوفر المشروع جميع الخدمات السياحية والترفيهية للزوار، وسيعزز تنمية بلدة سانت كاترين والمناطق المحيطة بها، مع الحفاظ على الطابع البيئي والبصري والتراثي للطبيعة النقية، وسيوفر أماكن إقامة للعاملين في مشاريع سانت كاترين”.

وبينما يبدو أن العمل قد توقف، مؤقتاً على الأقل، بسبب مشاكل في التمويل، إلا أن وادي الراحة، المواجه للدير، قد شهد تغييرات بالفعل، كما أن العمل مستمر على إنشاء طرق جديدة.

ويُقال في المعتقدات الدينية إن أتباع موسى – بني إسرائيل – انتظروه هناك خلال فترة وجوده على جبل سيناء. ويقول النقاد إن الخصائص الطبيعية المميزة للمنطقة تتعرض للتدمير.

وفي تفصيل للقيمة العالمية المتميزة للموقع، تشير اليونسكو إلى أن “المناظر الطبيعية الجبلية الوعرة المحيطة… تشكل خلفية مثالية للدير”.

وتقول إن “موقعه يمثّل محاولة متعمدة لإقامة رابط حميم بين الجمال الطبيعي والعزلة من جهة، والالتزام الروحي الإنساني من جهة أخرى”.

صورة تظهر تشكيلات جبلية متعددة في منطقة سانت كاترين.
تشتهر المنطقة بجمالها الطبيعي ومناظرها الجبلية الوعرة

وفي عام 2023، سلطت اليونسكو الضوء على مخاوفها، ودعت مصر إلى وقف عمليات التطوير، والتحقق من تأثيرها وإعداد خطة للحفاظ على المنطقة.

لكن ذلك لم يحدث.

وفي شهر تموز/تموز الماضي، أرسلت منظمة مراقبة التراث العالمي “وورلد هيرتيج ووتش”، رسالة مفتوحة تدعو فيها لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو إلى إدراج منطقة سانت كاترين على قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر.

وتواصل الناشطون أيضاً مع الملك تشارلز بصفته راعياً لمؤسسة سانت كاترين، التي تجمع التبرعات للمساعدة في الحفاظ على تراث الدير ودراسته من خلال مجموعة من المخطوطات المسيحية القديمة القيّمة. ووصف الملك الموقع بأنه “كنز روحي عظيم ينبغي الحفاظ عليه للأجيال القادمة”.

ولا يعد هذا المشروع الضخم الأول في مصر الذي يثير انتقادات بسبب افتقاره إلى مراعاة الحساسية تجاه التاريخ الفريد للبلاد.

لكن الحكومة ترى أن خططها الضخمة تشكل مفتاحاً لإنعاش الاقتصاد المتعثر.

  • العلماء يكتشفون أول دليل على قتال الإنسان مع الأسد كنوع من الترفيه
  • كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز “أقدس” قطعة قماش عرفها التاريخ وتظهر “وجه المسيح”؟

وبدأ قطاع السياحة المصري، الذي كان مزدهراً في السابق، بالتعافي من آثار كوفيد-19، حين تلقى ضربة على إثر الحرب الشرسة في قطاع غزة، وموجة جديدة من غياب الاستقرار الإقليمي. وقد أعلنت الحكومة عن هدفها المتمثل في الوصول إلى 30 مليون زائر للبلاد بحلول عام 2028.

وفي ظل الحكومات المصرية المتعاقبة، نُفّذت مشاريع التنمية في سيناء دون التشاور مع المجتمعات البدوية الأصلية.

وقد احتلت إسرائيل شبه الجزيرة خلال حرب عام 1967، ثم عادت لمصر بعد أن وقعت الدولتان معاهدة سلام عام 1979. ومنذ ذلك الحين اشتكى البدو من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

وقد بدأ بناء وجهات مصر السياحية الشهيرة على البحر الأحمر، بما فيها شرم الشيخ في جنوب سيناء، في ثمانينيات القرن الماضي. وهو ما يُقارنه الكثيرون مع ما يحدث في سانت كاترين الآن.

وقال الصحفي المصري، مهند صبري: “كان البدو هم أهل المنطقة، وكانوا هم المرشدين والعمال والأشخاص الذين نستأجر منهم”.

وأضاف: “ثم جاءت مشاريع السياحة، فتم دفعهم للخارج، ليس فقط خارج المجال، ولكن تم إخراجهم بالفعل، من البحر إلى العمق”.

صورة تظهر فندقاً تحت الإنشاء في منطقة سانت كاترين.
فندق تحت الإنشاء في وادي الراحة عام 2024

كما هو الحال في مواقع البحر الأحمر، من المتوقع استقدام مصريين من أنحاء البلاد للعمل في مشروع سانت كاترين الجديد. ومع ذلك، تُصرّح الحكومة بأنها تعمل أيضاً على “تطوير” المناطق السكنية للبدو.

وشهد دير سانت كاترين العديد من الاضطرابات على مدى ألف وخمسمئة عام مضت، ولكن عندما انتقل إليه الرهبان الذين مكثوا فيه، ظل الدير ملاذاً نائياً.

ولكن هذا الحال بدأ يتغير مع توسع المنتجعات المطلة على البحر الأحمر، الأمر الذي أدى إلى استقطاب آلاف الحجاج في رحلات يومية في أوقات الذروة.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع رؤية حشود كبيرة تزور ما يقال إنها بقايا العُليّقة المشتعلة، أو تزور متحفاً يعرض صفحات من مخطوطة سيناء، أقدم نسخة كاملة تقريباً مكتوبة بخط اليد للعهد الجديد.

والآن، ورغم أن الدير والأهمية الدينية العميقة للموقع سيظلان قائمين، إلاّ أن محيطه وأساليب الحياة التي استمرت قروناً تبدو في طريقها إلى التغير بشكل لا رجعة فيه.

كارلو أكوتيس: من هو أول قديس من جيل الألفية؟

كارلو أكوتيس: من هو أول قديس من جيل الألفية؟

أصبح فتى من لندن أول قديس من جيل الألفية، بعد مراسم تقليدية عريقة ترأسها البابا ليو الرابع عشر يوم الأحد.

قام كارلو أكوتيس خلال حياته القصيرة، بإنشاء مواقع إلكترونية لتوثيق “المعجزات” بهدف نشر التعاليم الكاثوليكية، مما جعل البعض يطلقون عليه لقب “مؤثر الله”.

وكان من المقرر إعلان قدسيته في أواخر نيسان/ نيسان، ولكن تم تأجيل المراسم بسبب وفاة البابا فرنسيس.

ويُقدّر أن أكثر من مليون شخص قاموا برحلة حج إلى مدينة أسيزي الإيطالية الواقعة على قمة تل، حيث يرقد جسد كارلو محفوظاً بطبقة من الشمع.

  • مراهق توفي بسبب سرطان الدم يصبح أول قديس كاثوليكي من جيل الألفية
  • نقل نعش البابا فرانسيس إلى داخل كاتدرائية القديس بطرس

هناك أيضاً موقع حج آخر مرتبط بكارلو أكوتيس شهد زيادة في عدد الزوار منذ الإعلان عن قداسته، وهو كنيسة سيدة الآلام في لندن.

بجانب الكنيسة، تم تحويل غرفة اعتراف قديمة إلى ضريحٍ مخصص له، يحتوي بداخله على حامل للآثار يضم خصلة واحدة من شعر كارلو.

يقول الأب بول أديسون، الراهب في الكنيسة: “كانت عائلته تعمل في مجال الاقتصاد، وعاشوا في لندن لفترة مؤقتة فقط”.

ويضيف: “رغم أنهم لم يترددوا على الكنيسة كثيراً، إلا أنهم قرروا طلبوا تعميد الطفل هنا. وهكذ، أصبح كارلو نجماً ساطعاً، وبارزاً في حياة أبناء الكنيسة”.

يقف راهب مرتدياً عباءة داكنة ممسكاً بغطاء حوض المعمودية، بين صورة مؤطرة لصبي يرتدي قميصاً أحمر وشهادة معمودية مؤطرة.
يعرض الأب بول أديسون حوض المعمودية الذي تم فيه تعميد كارلو عام 1991.

لم يتجاوز كارلو ستة أشهر عندما عاد والداه إلى موطنهما الأصلي في إيطاليا، حيث قضى بقية حياته في ميلانو.

هناك، كان معروفاً بحبه للتكنولوجيا، ويُقال إنه كان يحبّ ألعاب الفيديو.

رغم أن بعض من عرفوا كارلو أكوتيس يقولون إنه لم يكن متديناً، إلا أنه عندما كان مراهقاً أسس موقعاً إلكترونياً – تُعرض صفحات منه في إطار داخل كنيسة تشيلسي – يوثق المعجزات.

لقطة لممر يحيط به أعمدة وكراسي مصطفة، مع تركيز الكاميرا على سلسلة من صفحات الويب المطبوعة والمؤطرة.
وُضعت صفحات موقع كارلو الإلكتروني داخل إطار في كنيسة سيدة الآلام في تشيلسي
  • البابا فرنسيس والشرق الأوسط: شغف قد لا يتكرر
  • أيام حاسمة لاختيار البابا الجديد، ماذا يحدث خلف الأبواب الموصدة في الفاتيكان؟

وتوفي كارلو بسبب سرطان الدم عن عمر يناهز 15 عاماً.

وبعد وفاته، بدأت والدته، أنطونيا سالزانو، بجولة في كنائس متعددة حول العالم، داعية إلى إعلان قداسته.

وكجزء من الإجراءات اللازمة لذلك، كان لا بد أن تُثبت أن ابنها قام بـ”معجزات”.

تقول والدة كارلو: “أول معجزة حدثت كانت في يوم جنازته”.

وتضيف: “صلّت امرأة مصابة بسرطان الثدي من أجل كارلو، وبعد أن بدأت العلاج الكيميائي، اختفى السرطان تماماً”.

امرأة ترتدي نظارة بنية اللون ومعطفًا بنيًا ووشاحًا برتقاليًا، تنظر إلى جانب الكاميرا وتقف أمام سياج.
قضت أنطونيا سالزانو عدة سنوات لمساندة مسيرة قداسة ابنها.

ونسب البابا فرنسيس معجزتين إلى كارلو أكوتيس، وبالتالي تم اجتياز الاختبار وكان من المقرر أن يُعلن قديساً في 27 نيسان/ نيسان.

لكن البابا فرنسيس توفي.

وشارك بعض الذين توجهوا إلى روما في جنازة البابا الراحل بدلاً من حضور مراسم القداسة التي كانت مقررة هناك، مع عشرات الآلاف من المشيعين، ومن بينهم دييغو ساركسيسيان، شاب كاثوليكي من لندن.

يقول إنه يشعر بارتباط خاص بكارلو أكوتيس ومتحمس لإعلان قداسته.

ويضيف ساركسيسيان: “كان يلعب ألعاب سوبر ماريو على أجهزة نينتندو القديمة، لقد أحب ألعاب الفيديو”.

ويوضح: “فكرة أن قديساً يمكن أن يفعل نفس الأشياء التي تفعلها، ويرتدي الجينز أيضاً، تجعل الأمر أقرب بكثير مما كان عليه القديسون في الماضي”.

وعادة ما تستغرق الموافقة على قداسة شخص ما عقوداً أو حتى قروناً، لكن هناك اعتقاداً بأن الفاتيكان سرّع إعلان قداسة كارلو أكوتيس كوسيلة لتحفيز وإلهام الإيمان لدى الشباب.

وتأمل الكنيسة الكاثوليكية أن يحقق إعلان يوم الأحد هذا الهدف.

مراهق توفي بسبب سرطان الدم يصبح أول قديس كاثوليكي من جيل الألفية

مراهق توفي بسبب سرطان الدم يصبح أول قديس كاثوليكي من جيل الألفية

أصبح مراهق توفي بسبب سرطان الدم عام 2006 أول قديس كاثوليكي من جيل الألفية، خلال احتفال بالفاتيكان بقيادة البابا لاون الرابع عشر، وحضره ما يقدر بنحو 70 ألفا من المصلين الشباب من عشرات البلدان.

الليلة الكبيرة: الأوبريت الذي وثق مظاهر احتفال المصريين بالمولد النبوي جيلاً بعد جيل

الليلة الكبيرة: الأوبريت الذي وثق مظاهر احتفال المصريين بالمولد النبوي جيلاً بعد جيل

بالطبول والدفوف والصاجات، تهل علينا ألحان صوفية نسجها الموسيقار المصري سيد مكاوي على نُول مقام الراست الشرقي الأصيل، لتكون فاتحة أشهر صورة غنائية رسمت ملامح الاحتفالات الشعبية المصرية بالمولد النبوي، منذ ستين عاماً، ولا تزال متوارثة جيلاً بعد جيل، غناءً وطقوساً.

كانت كلمات الشاعر صلاح جاهين، العدسة التي سجلت مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في مختلف محافظات مصر، والتي استطاع صلاح السقا تجسيدها ببساطة للأطفال كمخرج لمسرح العرائس.

ويصف الدكتور مسعود شومان، المتخصص في الدراسات الشعبية والأنثروبولوجية، الأوبريت بأنه “عمل فني مبني على معرفة صلاح جاهين نفسه بالعادات والتقاليد من خلال تنقله في ربوع مصر، راصداً ما يحدث في الموالد كشاعر، محاولاً خلق صورة بصرية بل وكاريكاتيرية للمولد وزواره”.

وتقول سامية جاهين، ابنة الشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين، لبي بي سي عربي، إن والدها تنقل مع جدها الذي كان يعمل قاضياً بين معظم محافظات مصر من شمالها إلى صعيدها، منذ طفولته إلى أن بلغ نحو التاسعة عشرة من عمره، قبل استقراره في القاهرة.

وفي النهاية، تبلورت تجربته وهو في أواخر العشرينيات من عمره، كما حكى بنفسه، لتخرج في هيئة أوبريت يصوّر مظاهر احتفال شعبي بالصوت والصورة، في تسجيل سبق عصر “الفيديو كليب”.

صورة "أوبريت الليلة الكبيرة" من مقدمة العمل الفني الذي نُفِّذ على مسرح العرائس
أوبريت الليلة الكبيرة عمل فني فريد نُفِّذ على مسرح العرائس
لقطة من أوبريت الليلة الكبيرة المجسدة بالعرائس
من أوبريت “الليلة الكبيرة” المنفذ بالعرائس

“ما أحلى البيارق”

ممثلون عن مختلف الطرق الصوفية يتجهون إلى الجامع الأزهر في القاهرة، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، يحملون راياتهم التي كتبت عليها آيات من القرآن الكريم، 1966.
موكب الاحتفال بالمولد النبوي يتجه إلى الجامع الأزهر في القاهرة في عام 1966

قُبة سِيدنا الولي دول نوّروها

مَحْلى البيارق والناس بيزوروها

قبة سِيدنا الولي في الجو عالية

مَحْلى البيارق لما دوّروها

بالأنوار التي تُعلّق فوق مساجد الأولياء في الموالد، بدأ صلاح جاهين أيقونته الخالدة، مُوثقاً خروج المصريين في مواكب تُزينها “البيارق” أو الأعلام ورايات الطرق الصوفية التي ترفرف وهي تجوب شوارع مصر.

و”سِيدنا الولي” يشير إلى كل من عُرف بأنه من “أولياء الله الصالحين”، سواء من آل البيت أو ممن تتلمذ على أيديهم وسار على نهجهم، وهؤلاء يحتلون مكانة روحية خاصة لدى المصريين.

فلدى المتصوفين خاصة، والكثير من مختلف فئات الشعب عامة، ملاذٌ روحيٌّ يتمثل في أحد أولئك الأولياء المنتشرين في مختلف ربوع مصر، يخصه المحب أو “المُرِيد” بالولاء الخاص، ويكون من المقربين منه أو من “محاسبيه”؛ (أي من المحبين والمنتسبين له)، فهذا من “محاسيب” سيدنا الحسين، وذاك من “محاسيب” السيدة زينب أو السيدة نفيسة، وهكذا. ولكل “ولي” من هؤلاء مولد خاص يشهد طقوساً متشابهة.

ويأتي يوم المولد النبوي ليجتمع كل هؤلاء “المحاسيب” تحت اللواء الأكبر أو “مصدر إشعاع الدين” كما وصف جاهين النبي محمد، قائلاً في لقاء تلفزيوني نادر إن المصريين جميعاً “من محاسيب النبي”.

المولد النبوي: كيف يحتفل به المسلمون حول العالم؟

“من الريف والبنادر”

سيدة ريفية مصرية تحمل أمتعتها فوق رأسها، وتسير في موكب الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة، في 26 شباط/شباط 2010.
سيدة ريفية جاءت إلى القاهرة لإحياء المولد النبوي عام 2010

الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة

ماليين الشوادر يابا مِ الريف والبنادر

في مولد النبي وموالد الأولياء، اعتاد المصريون منذ زمن، إقامة احتفالات تشمل الذكر والمديح وإطعام الطعام على مدى أسبوع يُختتم بـ “الليلة الكبيرة”؛ وهو يوم المولد ذاته الذي يشهد ذروة الأحداث ويكون “مسك الختام” لهذه المناسبة الدينية.

وخلال هذا الأسبوع، يتدفق الناس من القرى “الريف” ومن المدن “البندر”، نحو المساجد الكبرى التي تحتضن أضرحة الأولياء؛ في مختلف ربوع مصر.

هذا بخلاف المولد النبوي، الذي يبدأ الاحتفال به في مصر مع غُرَّة شهر ربيع الأول، وينتهي بـ “الليلة الكبيرة” في اليوم الثاني عشر، اليوم الأشهر لمولد النبي محمد بحسب أهل السنة.

“حُمّص .. حُمّص .. حُمّص”

مصريون يتسوقون في أحد شوادر بيع حلوى المولد في القاهرة، مصر، في 18 تشرين الثاني/تشرين الثاني 2018.
أحد شوادر بيع حلوى المولد النبوي في القاهرة في 2018

تعد فترة المولد موسماً تجارياً بامتياز؛ حيث يعرض التجار بضاعتهم في خيام مؤقتة أو “شوادر” ينصبونها في الشوارع، حيث يصطف الكبار والصغار داخل الشوادر لشراء المأكولات والمشروبات، لعل أشهرها حلوى المولد التي لا يكاد يخلو منها بيت مصري في موسم المولد النبوي.

وهناك أيضاً الدمى الأشهر: “عروسة المولد” و”الحصان”، وهي دمى تُصنع من السكاكر ويمكن أكلها، أو من البلاستيك للذكرى، إلى جانب بعض المكسرات أو “التسالي” كالحمص، والفول السوداني.

كما كان ينتشر في الموالد بيع الحُليّ للنساء، وكذلك السمك المملح، وشراب البوظة – وهو مزيج من الطحين والخميرة- والمثلجات التي كان يُطلق عليها قديماً “الدَندورمة” أو “الجيلاتي”.

ويعلق الدكتور مسعود شومان، بأن الجانب الاقتصادي يحتل أهمية خاصة في الموالد؛ فهو مصدر رزق للكثير من التجار، كما أن رواد الموالد يهتمون بالشراء عموماً “تبركاً” بالوليّ المجاور لمكان إقامة الاحتفال.

السمك مقلي

كل وبرّق لي

صنف زي الفُل

استخار واختار: فشة أو ممبار

يلا سمي وكُل!

“خد لك صُورة 6×9”

صورة للمصور ميشيل فولكو التقطها مصور شوارع القاهرة عام ١٩٧٨
المصور ميشيل فولكو أراد أن تُلتقط له صورة شخصية في شوارع القاهرة عام 1978 من خلال أحد مصوري الشارع.

في الصورة الغنائية، يتداخل صوت رجل مسن يحاول أن يشق طريقه وسط الزحام قائلاً “اسعى .. اسعى”، مع نداء مصور “أرْزُقِي” – يتكسب رزقه من خلال عرض التقاط صور تذكارية على رواد المولد قائلا “خدلك صورة 6 × 9”.

ولربما كان يشير جاهين إلى الكاميرا المُستخدمة آنذاك للتصوير الفوتوغرافي الفوري كبيرة الحجم، وتُسمى “كاميرا الماء”؛ حيث كان المُصور يلتقط بها الصورة وهو يضع بطاقة تطبع عليها الصورة لحظة التقاطها، قبل أن يغطي رأسه بقماش، ويضع الكارت في محلول لـ”تحميض” الصور، بحيث تظهر ملامحها ويسلمها لصاحبها في غضون دقائق.

وكانت وظيفة “المصوراتي الأرزُقي” حاضرة في كل المناسبات والأعياد المهمة لتوثيق أجمل اللحظات، قبل أن يتوارى دوره في الشوارع المصرية خلف عدسات الهواتف الجوالة التي غدت توثق الذكريات بمختلف الطرق، وأضافت طريقة تصوير الذات، “السيلفي”.

“يا حضرة الأراجوز قل لي”

أطفال ورجال يحضرون عرضاً للأراجوز في الشارع عام 1910
عرض للأراجوز في مصر عام 1910.

في الأوبريت، نرى الأراجوز، الذي يرتدي جلباباً بلدياً ويعتمر قبعة مخروطية أو “طرطوراً” ويَصدر عنه صوت يشبه الصوت الصادر من الأنف، وهو يتحدث إلى “العمدة” الغريب الذي يحاول أن يسترشد به، فيضلله الأراجوز ساخراً منه.

والحقيقة أن من يحرك هذا الأراجوز، يضع في سقف حلقه قطعة معدنية تُسمى “الأمانة”، وتحتاج مهارة خاصة لتلافي ابتلاع تلك القطعة خلال الكلام أثناء العرض.

هذه الدمية، كانت عنصراً أساسياً في الموالد والأعياد في مصر؛ حيث يُنصب في الشوارع مسرح صغير مغطى بستارة، يختفي خلفها الفنان الذي يلبس الأراجوز في كفه ويحركه بأصابعه.

رجل يمسك بأراجوز يرتدي جلباباً أحمر وطرطوراً.
رجل يمسك بأراجوز يرتدي جلباباً أحمر وطرطوراً.

ولقد كان الأراجوز بوابة لخيال الأطفال الذين يلتفون حوله ويدفعون القروش مقابل “الفُرجة” عليه، للاستماع إلى دعاباته ونظرته الساخرة للأحداث المجتمعية من حوله، وانتقاد من لا يُمكن انتقاده.

وعلى الرغم من أن فن الأراجوز يكاد يندثر وجوده في موالد القاهرة، إلا أن أوبريت “الليلة الكبيرة” نجح في توثيق حضوره القوي في الموالد المصرية، قبل أن توثقه قوائم اليونسكو للتراث غير المادي بعد ذلك بنصف قرن.

“نشِّن! وَسْطن إيدَك وَسْطَن!”

شباب يآذارون الرماية أو "النشان" بالبندقية تجاه لوح مليء بالمفرقعات الصغيرة، خلال احتفالات المولد النبوي الشريف في مصر حوالي عام 1950.
الرماية أو “النشان” خلال احتفالات المولد النبوي الشريف في مصر حوالي عام 1950

الرماية أو “النَشَان” بالعامية المصرية، متعة أساسية في الموالد، سواء للرامي أو الجمهور.

والرامي يكون من رواد المولد، حيث يتوقف عند هذا التحدي الذي يرعاه “لاعب البخت”، ليجرب الرامي حظه ويحاول إثبات مدى دقته في التصويب بالبندقية باتجاه هدف ما.

ويحصل الفائز على جائزة رمزية قد تكون قطعة من حلوى المولد، كما جاء في الأوبريت؛ بيْد أن جائزته الأكبر يحصدها من عيون الجماهير وتهليلاتهم وتصفيقهم الحار، في لعبة تجمع بين المتعة ومحاولة كسب مزيد من الثقة في النفس.

ورّينا القوة .. يا ابني انت وهو

مين عنده مروّة .. وعامللي فتوّة

يقدَر بقدارة على زق الطارة

ويفرقع بُمبة

كما وثق أوبريت “الليلة الكبيرة” لعبة “الطارة” التي تقيس قوة اللاعب في دفع كتلة حديدية على شكل مدفع، تسير على عجل صغير في مسار صاعد لتقاوم الدفع.

وعندما ينجح اللاعب في دفع الطارة، يستطيع إضافة أثقال عليها ويدفعها مرة أخرى، والفائز من يستطيع دفعها لنهاية المسار و”يفرقع البُمبة” وهي كرة صغيرة من البارود، توضع في مقدمة المدفع.

“فُريرة للعيّل”

لعبة عليها أعلام دول عربية مختلفة في إطار الاحتفال بالمولد النبوي في محافظة المنوفية شمال القاهرة، في 23 كانون الأول/كانون الأول 2015.
أحد الألعاب في مولد النبي في المنوفية 2015

فريرة للعيّل

يا ابو العيال ميّل

خُد لك سَبَع فرارير

زُمّارة شُخلِيلة

عَصفُورة يا حليلة

طراطير يا واد طراطير

بما أن الأطفال هم الجمهور الأبرز في الموالد، فقد وجد تجار الألعاب في هذه المناسبات فرصة لعرض بضاعتهم، التي يصبو إليها كل طفل يسير مع أهله.

وقد ذُكِرت مجموعة من الألعاب اليدوية التي تصدر أصواتاً مختلفة، وثقها جاهين في “الليلة الكبيرة”، في زمن لم يكن فيه مكان لألعاب الفيديو ولا لعالم الإلكترونيات المغري اليوم.

فالفُريرة هي مزمار صغير به جسم صغير يتحرك سريعاً وقت النفخ، ما يميز الفريرة بالصوت الذي نسمعه في الأوبريت مع نداء بائع اللعبة.

والزُمارة؛ صفارة بلاستيكية بأحجام مختلفة، بها جزء معدني يصدر صوتاً قوياً عند النفخ فيها، وعادة ما تكون مخروطية الشكل.

أما الشُخلِيلَة فهي غالباً ما تكون للأطفال الُرضّع، وهي عصا تُمسك باليد تتصل بها دائرة مجوفة ملونة وبداخل تلك الدائرة أشياء تُصدر صوتاً عند اهتزازها. والعصفورة هي صفارة تصدر صوتاً يشبه زقزقة العصافير.

كيف تحيي دول عربية ذكرى المولد النبوي؟

وكان الأطفال يجدون في اللعب بها متعة خاصة وهم يرتدون “الطراطير” المخروطية المصنوعة من الكرتون المغلف بورق الزينة الملوّن بألوان مبهجة.

هذا بخلاف الألعاب البسيطة الثابتة في الموالد للفتيان والفتيات؛ كـ”المراجيح” التي يكون بعضها دواراً بحيث يصنع بها اللاعب لفة كاملة، و”الزحاليق” و”الساقية الدوارة” بحجم صغير، التي توفر للصغار تجربة مرحة مثيرة بأبسط التكاليف.

“في السيرك شجيع يهجم على السبع”

رجل قوي يستعرض قوته أمام حشد من المتفرجين خلال احتفالات ذكرى المولد النبوي الشريف في مصر عام 1966.
رجل يستعرض قوته أمام المتفرجين في احتفالات المولد النبوي عام 1966

إلى جانب الحلوى والألعاب ومشاهدة الأراجوز، كانت إحدى المتع التي يكون فيها الأطفال على استعداد لإنفاق ما ادخروه، الدخول إلى خيمة السيرك.

في السيرك، يجلس الأطفال على أحر من الجمر في انتظار مشاهدة رجل ضخم الجثة “الشجيع” وهو يستعرض قوة عضلاته المفتولة أو يصارع أسداً دون أن يتأذى، أو ليداعبوا المهرج “البلياتشو”.

ويقول شومان، الذي يصف نفسه بأنه “مَوَالدي” أي عاشق للموالد، إن الأسود كانت على الأغلب في سيرك الموالد الكبيرة التي كانت تقام في القاهرة، لكن في بقية ربوع مصر، كان السيرك يشهد حضور الحيوانات الأليفة ككلب يرتدي فستاناً وما إلى ذلك.

كما كانت خيام السيرك تشهد أحياناً رقصة لـ”الغَازِيّة” التي فضل كاتب الأوبريت أن يضع لها محلاً من الإعراب في أحد المقاهي.

ويشرح الدكتور شومان بعض المظاهر البعيدة عن المناسبة الدينية، بأن للمولد جوانب عدة “يكتمل فيها الروحي بالنفعي؛ فهناك جانب اقتصادي وجانب ترويحي بالإضافة إلى الاعتقادي”.

وأضاف الباحث في الفولكلور المصري لبي بي سي أن “المصريين دائماً ما يربطون الدين بالسعادة؛ فأي طقس شعائري لديهم، إذا لم يكن فيه سعادة، فهو ليس من الدين عندهم”.

“يا أم المطاهر رشي الملح سبع مرات”

سيدات يزغردن ويحتفلن بالمولد النبوي في القاهرة 9 آذار/آذار 2009.
الاحتفال بالمولد النبوي في مصر له طقوس خاصة ومختلفة، كما في هذه الصورة التي التقطت في القاهرة عام 2009

يا عريس يا صغير

علقة تفوت ولا حد يموت

لابس ومغيّر

وهتشرب مرقة كتكوت

كان المولد وما زال موسماً لختان الذكور، في طقس يحاولون من خلاله التخفيف عن الطفل بعد الختان أو “المطاهرة”، بالاحتفال بكونه صار أهلاً للرجولة والزواج، من خلال رقصة للخيل على أنغام المزمار البلدي، وبالغناء.

يا ام المطاهر رشي الملح سَبَع مرات

في مقامه الطاهر خشي وقيدي سَبَع شمعات

سيدة تلقي الحلوى خلال مرور موكب الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة 27 أيلول/أيلول 2023
سيدة تلقي الحلوى خلال مرور موكب الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة عام 2023

“يا غزال يا غزال!”

كان الغناء بمختلف ألوانه عنصر استمتاع أساسياً في المقاهي، التي تتحول في الموالد إلى ما يشبه الكازينوهات الفنية لكن على نطاق شعبي.

ولم يكن يقتصر الغناء على الإنشاد الديني المناسب بالأساس للمولد؛ بل كانت مقاهي الموالد ساحة للغناء العاطفي حتى لمن يتغزلون بغنائهم في مفاتن المرأة ويتحدثون عن النار والأشواق. ومن أمثلة ذلك المقطع الغنائي الشهير:

طار في الهوا شاشي .. وانت ما تدراشي

كما كانت المقاهي مسرحاً لـ”الغوازي” الغجريات اللائي يزيد رقصهن وغناؤهن من إقبال الزبائن وزيادة إيرادات المقهى.

وعلى الرغم من أن أوبريت الليلة الكبيرة ذكر الرقص مرتين؛ مرة في الاحتفال بختان الأطفال من خلال دمية تتمايل على ألحان مكاوي الراقصة، ومرة أخرى في المقهى بشكل صريح، إلا أن الدكتور نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث، تقول إن هذا الطقس كان بعيداً عن الاحتفال بالمولد النبوي.

المولد النبوي..حفل إنشاد بالدفوف ورقص “المولوية” في مسجد مصري يثير الجدل

وأضافت إمام، أستاذة “العادات الشعبية والمعتقدات والمعارف التقليدية”، لبي بي سي أن موالد الأولياء كانت بمثابة “كرنڤال شعبي” يضم، إلى جانب الشق الديني، الشق الاقتصادي والاجتماعي والترفيهي، الذي يأتي في إطاره الرقص والغناء، أما المولد النبوي “فعادة يُحاط بقدسية، وبهجته تقتصر على الإنشاد الديني وإقامة الولائم وحلوى المولد العروسة والحصان”.

ويعلق شومان بأن “الغازيّة” حدث لها تطور؛ فأصبحت الراقصات أو يرتدين ملابس تشبه الغجريات “الغوازي” قديماً، كنوع من الدعايا لجذب الشباب للعب بعض الألعاب التي تظهر مدى فتوتهم كدفع الطارة.

أما رقص الغازية، فلم يعد موجوداً، وهو ما عزاه شومان إلى ما حدث للمجتمع من “السلفَنَة”، نسبة إلى الفكر السلفي، الذي أدى إلى إلغاء بعض الموالد أو بعض مظاهره، في إشارة إلى أن الكثير ممن يعرّفون أنفسهم بالسلفيين، يرون الموالد بِدعة في الدين.

“انشد ولعلع يا وَلَه”

أحد المنشدين في المولد النبوي في محافظة المنوفية شمالي مصر 2015
أحد المنشدين في المولد النبوي في محافظة المنوفية شمالي مصر 2015

بعد كل هذا الصخب، يختتم الأوبريت بفن التحطيب المصري الذي يظهر من خلال الإخراج في مسرح العرائس لا من خلال الكلمات، في توثيق لفن لم يعد له مكان في موالد القاهرة أو شمال مصر بشكل عام، فيما لا يزال حياً في موالد صعيد مصر حتى يومنا هذا.

شفت ف منام .. صاحب المقام

ده أُبّهة

ويمامة حايمة عليه

تسبّح ربّها

يا نور النبي! يا نور النبي!

أما الكلمات والألحان، فجاء الختام مرآة لمواكب النور في البداية، بالإنشاد الديني على إيقاع الدفوف والصاجات، وبذكر الذاكرين الهائمين الذين يتمايلون يمنة ويسرة.

أحد الذاكرين الهائمين في أحد الموالد في القاهرة في 9 شباط/شباط 2016.
أحد الذاكرين الهائمين في أحد الموالد في القاهرة في 9 شباط/شباط 2016.

وأسدل الستار على الأوبريت بصوت سيد مكاوي وهو يؤذن، في إشارة إلى عادة لم تنقطع حتى يومنا هذا، وهي أن الاحتفال بـ”الليلة الكبيرة” يستمر حتى طلوع الفجر.

وتعلق سامية جاهين على أوبريت الليلة الكبيرة بأنه أكبر من مقدرة أي أحد على شرح “مدى عبقرية” هذا العمل الفني الذي أمسى “أيقونياً لا شبيه له في العالم”، مضيفة أنها لا تعتقد أن هناك أي عمل فني استطاع أن يرسم هذا المشهد البديع بالتفاصيل والتعقيد والبساطة التي تسمح للأطفال بحفظه وترديده، بفضل براعة صلاح جاهين وسيد مكاوي.

وقالت: “لم أذهب إلى أي مدرسة أو حضانة إلا وسمعت فيه أوبريت الليلة الكبيرة؛ سواء في مدرستي وأنا صغيرة أو في مدرسة أبنائي بعد أن كبرت وأصبحت أماً”، موضحة أن أغنية “الليلة الكبيرة” تأتي دائماً في السياق الثقافي للأطفال؛ “فهي جزء لا يتجزأ من وجدان مصر الثقافي، وكون أبي من كتب هذا الأوبريت، فهذا أمر تعجز كلماتي عن وصف ما يعنيه لي”.

الحاوي والدوسة وزفة الحرفيّين

حاوي يستعرض امام الجمهور خلال احتفالات المولد النبوي الشريف في القاهرة عام 1966
حاوي يستعرض أمام الجمهور خلال احتفالات المولد النبوي عام 1966

هناك طقوس ومآذارات أخرى كانت تحدث خلال الاحتفال في المولد النبوي، لم يسجلها أوبريت “الليلة الكبيرة”، بعضها كان خطراً كدور “الحاوي” الذي يؤدي عروضاً غريبة كترويض الحيّات “الثعابين”، في طقس ارتبط بالطريقة الصوفية الرفاعية.

ومنها أيضاً اللعب بالأسياخ، بأن يُدخل أحدهم السيخ الحديدي من خده ليخرج من الجهة الأخرى دون أن تخرج دماء، فيما يعد من الخوارق أو “كرامة” لبعض الطرق الصوفية، وهي مآذارات لم يُكتب لها الاستمرار منذ مدة.

ومن الطقوس العجيبة المندثرة طقس “الدُّوسة” الذي كانت تآذاره إحدى الطرق الصوفية؛ حيث ينبطح “الدراويش” من أتباع الطريقة على وجوههم على الأرض في ترتيب دقيق واتجاه موحد وهم يذكرون الله، ليمتطي شيخ الطريقة حصانه المُدرب بعناية، ويطأ أو “يدوس” به على ظهورهم.

كان ذلك في الموالد الكبرى في القاهرة بحضور السلاطين وكبار رجال الدولة، كما حكى شومان، وكانت خطوات الحصان تركز على كتف وفخذ الدرويش، وبعد انتهاء مروره ينهض الدراويش مُرددين لفظ الجلالة، فيما يُعد معجزة أو “كرامة” من الكرامات.

رسمة نُشرت في "أخبار لندن المصورة" عام 1861 توثق طقس "الدوسة" الذي اندثر، بعد سنوات من مآذارته خلال الاحتفال السنوي بالمولد النبوي في القاهرة في حضور الحرس الملكي والدين.
رسمة تعود إلى عام 1861 توثق طقس “الدوسة” الذي لم يعد معهوداً منذ مدة طويلة

كانت الموالد تشهد طقوساً أخرى لا تتسم بالخطورة؛ لكنها لم تعد تشهدها الموالد اليوم، كـ”زَفَّة الحِرفيّين” التي وصفها شومان بأنها فرصة لاستعراض كل ذي حرفة حرفته.

وأوضح لبي بي سي أن صاحب الحرفة يركب عربة يجرها الحمار “عربة كارّو”، ويستعرض حرفته في شوارع القرية أو المدينة، وبجواره “السَيّيط” أو المنشد الذي يُحيّي صاحب الحرفة ويركز على الدعاء بالخير والبركة أملاً في أن تشمل صاحب الحرفة.

وهناك أيضاً “شِيكو بِيكو العجيب” وهو دمية خشبية قديمة سمراء اللون بحجم الإنسان، كانت تُستخدم كنوع من الدعاية والدعوة لدخول السيرك.

أما “المِرماح” أو سباق الخيل مع إمساك الفارس برمح أو عصا خشبية، فهو طقس لم يُذكر في “الليلة الكبيرة” أيضاً لكنه لا يزال ينتظره أهل الصعيد بفارغ الصبر حتى اليوم.

عروض المرماح في أحد موالد الأقصر بصعيد مصر 2025
عروض المرماح في أحد موالد الأقصر بصعيد مصر 2025

في هذا الطقس، يتبارى الفرسان الشباب في إظهار مدى قدرتهم على السيطرة على خيولهم المزينة بأبهى الحلل، فيما يبدو وكأنه استذكار للمعارك التاريخية القديمة التي خاضتها القبائل في تلك المنطقة.

والموالد حتى يومنا هذا فرصة لسرد “السيرة الهلالية” الملحمة الشعبية العربية التي تحكي سيرة بني هلال، وعلى رأسهم أبو زيد الهلالي، من خلال المتخصصين في حكيها بالغناء بمصاحبة آلة الربابة والإيقاع.

ويحكي الدكتور شومان أيضاً أن الموالد تُعَد أيضاً فرصة لحل المشكلات؛ حيث يجتمع فيها أصحاب المشكلة مع بعض الوجهاء والقضاة العُرفيين في جلسة عُرفية على أمل نيل بركة الوليّ في إصلاح ذات البين.