القدس المحتلة- يرفض الجيش الإسرائيلي الكشف عن عدد جنود الاحتياط الذين التحقوا بالخدمة هذا الأسبوع، رغم دخول نحو 60 ألف أمر استدعاء بموجب “الأمر 8” حيز التنفيذ، في إطار التحضير لشن عملية “عربات جدعون 2” الهادفة لاحتلال مدينة غزة.
وتأتي هذه الاستعدادات وسط حالة من الإرهاق الكبير في صفوف القوات، وتآكل المعدات العسكرية، خاصة المركبات المصفحة من طراز “النمر” ودبابات “ميركافا“، إضافة إلى نقص حاد في الجرافات والمعدات الثقيلة.
واعترفت المؤسسة العسكرية بوجود “تآكل هائل” في القوى البشرية والوسائل القتالية، مؤكدة أن النقص الحاد في الجرافات يعود إلى الحظر الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وفق ما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، ومع ذلك، أشارت المؤسسة العسكرية إلى أن 65 جرافة وصلت إلى إسرائيل بعد بدء ولاية إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وعلى صعيد تعزيز القدرات الميدانية وسد النقص بالمعدات العسكرية، كشف الجيش الإسرائيلي عن خطة لشراء عشرات آلاف الطائرات المسيّرة الصغيرة، بينها مسيّرات انتحارية تحمل شحنة متفجرة تزن نحو كيلوغرامين.
كما كشف الجيش الإسرائيلي عن نية شراء وسائل رؤية ليلية متطورة، وعشرات آلاف الخوذ والدروع الواقية، إلى جانب أكثر من ألف مركبة عسكرية من طراز “هامر”.
الجيش الإسرائيلي يتكتم على نسب الاستجابة لأوامر الاستدعاء لقوات الاحتياط (الجيش الإسرائيلي)
أزمة قوات الاحتياط
وبالتوازي مع تحضيرات الجيش لسد النقص بالمعدات الحربية، أعلن مئات من جنود الاحتياط توقيع عريضة ضد قرار المجلس الوزاري المصغر “الكابينت” المتعلق باحتلال غزة.
وخلال مؤتمر صحفي في تل أبيب، أكد هؤلاء الجنود عزمهم على تصعيد احتجاجاتهم ضد حكومة بنيامين نتنياهو، مطالبين بإبرام صفقة تبادل ووقف القتال.
وتصاعدت المظاهرات في الشوارع رفضا لخطة الاحتلال الجديدة واستدعاء المزيد من القوات، معتبرين أن القرار “غير قانوني” ويهدد حياة المختطفين الإسرائيليين في غزة، فضلا عن الجنود والسكان المدنيين.
إعلان
وسعيا لإدارة أزمة قوات الاحتياط، منح الجيش الإسرائيلي قادة الكتائب والألوية صلاحيات واسعة لإدارة الاستدعاءات، بما في ذلك تسجيل الجنود الذين يخدمون لبضعة أيام على أنهم أكملوا كامل الفترة المستحقة مع صرف الرواتب كاملة.
وتجمع التحليلات الإسرائيلية على أن الجيش يواجه أزمة متفاقمة في القوى البشرية، إذ قد تصل نسبة عدم الامتثال لأوامر الاحتياط إلى 40%، بالتزامن مع نقص متزايد في المعدات، ويرى المحللون أن لهذه الأوضاع تداعيات مباشرة على مسار العمليات العسكرية وخطة احتلال غزة ضمن “عربات جدعون 2”.
الجيش يواجه مشاكل تآكل بالمعدات الثقيلة جراء إعطابها خلال العلميات البرية في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)
نقص بالمعدات
وكشف المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” يانيف كوبوفيتش، أن الجيش الإسرائيلي أقر بتراجع حاد في عدد الجرافات بحوزته منذ بداية الحرب، فبينما امتلك الجيش 200 جرافة مع اندلاع الحرب، انخفض العدد الآن إلى النصف تقريبا، بعد أن دمرت أو أُعطبت خلال العمليات البرية في قطاع غزة.
ولتعويض هذا النقص، اشترى الجيش 165 جرافة جديدة، وصل منها 65 فقط، على أن تبدأ عملية تحصينها في تشرين الأول/تشرين الأول المقبل، وهو ما يعني أنها لن تكون متاحة لاستخدامها في العملية العسكرية المخططة لاحتلال مدينة غزة ضمن “عربات جدعون 2”.
وفي خضم الاستعدادات للعملية، أشار كوبوفيتش إلى أن قائد القوات البرية اللواء نداف لوتان، وجّه توبيخا للعميد غاي هازوت، رئيس نظام التعلم العملياتي في القوات البرية، بعدما قدم وثيقة عرض فيها إخفاقات عملية “عربات جدعون” الأولى.
ففي 3 شرائح عرضها أمام الجنود والضباط بالخدمة الإلزامية، قال هازوت صراحة إن العملية “فشلت” وإن إسرائيل ارتكبت “كل الأخطاء الممكنة” خلالها، وأشارت الوثيقة إلى أن أهداف الحرب لم تتحقق، إذ لم تهزم حماس، ولم يُستعَد المحتجزين، لا عبر العمليات العسكرية ولا من خلال صفقة تبادل.
فقدان الثقة
في مقالها بصحيفة “يديعوت أحرونوت” بعنوان “10 أسباب لإنهاء الحرب”، أكدت الصحفية الإسرائيلية ميراف بتيتو، أن استمرار الحرب يبدد ما تبقى من الثقة والأمل داخل المجتمع الإسرائيلي، موضحة أن “الناس يفقدون ثقتهم بالإنسان، وبالشعب، وبالطريق المشترك”.
وأشارت بتيتو إلى أن “القيم الدينية اليهودية والأخلاقية تضررت بشدة، إذ تحولت الحرب إلى طقوس عبثية يضحى فيها بالأجيال، بينما يثبت التاريخ أن الحروب الطويلة -مثل حرب فيتنام– لا تجلب الانتصارات، بل تزيد الكلفة والمعاناة”.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي نفسه يواجه إنهاكا ونقصا في الجاهزية، في وقت تراجعت قدرة المؤسسات الرقابية والقضائية على حماية الديمقراطية، وبينت أن الأزمة النفسية باتت عامة، حيث يعاني واحد من كل 3 إسرائيليين من اضطرابات نفسية بسبب الحرب.
كما نبهت الكاتبة إلى الأعباء الاقتصادية المتفاقمة، إذ توجه الميزانيات نحو الحرب بدل الخدمات العامة، ما أدى إلى تضخم وركود استثماري، في حين تتعرض قيم التعليم والانتماء إلى التآكل نتيجة استمرار القتال.
وختمت بتيتو بالتحذير من عزلة إسرائيل المتزايدة على الساحة الدولية، معتبرة أن الخطر الأكبر يتمثل في “تآكل الأمل في الغد”، إذ تبتلع الحرب الموارد وتنهك “الروح الوطنية”، وهو ما يجعل إنهاءها والتوجه إلى صفقة تبادل شاملة ضرورة لا مفر منها.
الجيش الإسرائيلي منح قادة الكتائب والألوية صلاحيات واسعة لإدارة استدعاءات قوات الاحتياط (الجيش الإسرائيلي)
الفشل الجديد
وكتب المحرر في الموقع الإلكتروني “والا” نير كيبنيس، مقالا بعنوان “احتلال غزة: من قال إن نتنياهو لم يتعلم شيئا من 7 تشرين الأول؟”، تناول فيه تعامل رئيس الوزراء مع معركة غزة المقبلة على ضوء إخفاقات الماضي.
إعلان
واستذكر كيبنيس أن نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- لم يتحمل يوما المسؤولية عن الخطأ الجسيم والفشل المدوي الذي وقع في السابع من تشرين الأول، حين عجزت إسرائيل عن منع عملية “طوفان الأقصى“، لكنه تساءل في الوقت ذاته “هل يعني ذلك أن نتنياهو سيفاجأ مرة أخرى؟”.
وأجاب بالقول إن “نتنياهو قد لا يكرر المفاجأة ذاتها، لأن عملية الدخول إلى غزة لم تبدأ بعد، ولديه اليوم من يحمله مسؤولية أي فشل جديد، وكذلك رئيس الأركان إيال زامير، حيث “باتوا الواجهة التي يمكن اتهامها” بحسب كيبنيس.
ولفت الكاتب إلى أن نتنياهو، يتقن نقل اللوم إلى القادة والجنود، بدل مواجهة حقيقة أن الأهداف الكبرى للحرب لم تتحقق، ويقول إن “نتنياهو لا يحضر للنصر بقدر ما يحضر لتبرير الفشل المقبل، على حساب الجيش وعائلات المحتجزين، في إطار حساباته السياسية والشخصية الضيقة”.
انتشرت في الأيام الماضية وثيقة داخلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، سربتها وسائل إعلام إسرائيلية، تكشف عن الإقرار “بالفشل الكامل” في عملية “عربات جدعون”، وأن العملية لم تحقق شيئا من أهدافها حتى الآن، لا فيما يتعلق باستعادة الرهائن ولا بهزيمة حماس. وقد جاءت الرسالة موقعة من رئيس جهاز التدريب في القوات البرية، العميد في قوات الاحتياط غاري هازوت.
ليس الحديث مفاجئا عن فشل “عربات جدعون”؛ فكل متابع لما يجري في غزة يعلم أن الأهداف التي أعلنها الجيش الإسرائيلي للعملية لم تتحقق، كما أن المقاطع التي نشرتها كتائب القسام لمقاتليها، وهم يضعون العبوات الناسفة في قمرات دبابات الجيش الإسرائيلي، أكدت هذا الفشل، لكن هذه الوثيقة تثبت الإقرار الرسمي بالفشل.
الطريقة التي ظهرت بها تلك الوثيقة للعلن تضفي عليها أهمية أخرى. فقد كان هناك قصد لتسريبها إلى وسائل الإعلام، وهو ما يشير إلى أن أطرافا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وربما مرتبطة برئيس الأركان إيال زامير، لا تزال تعول على إيجاد عوامل جديدة، ربما بتحريض الشارع، أو النخب للضغط على نتنياهو لمنعه من تكرار عملية فاشلة.
وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي توعد بفتح تحقيق في التسريب، مشيرا إلى أن نشر المحتوى تم من دون تفويض وموافقة الجهات المختصة، وأن الجيش حقق أهدافا محددة في إطار العملية، ووصل إلى كثير من “الإنجازات”، إلا أن هذا يأتي في سياق الرواية الرسمية، بينما ينسجم التسريب مع الموقف الحقيقي لزامير نفسه، والذي صرح علنا بأن هناك صفقة مطروحة على الطاولة، ولا بد من التعامل معها.
كما أن زامير اعترض على بدء المرحلة الثانية من “عربات جدعون” ودخل في تصادم مع بنيامين نتنياهو، وقد احتدم الخلاف إلى درجة توقع بعض المحللين أن يذهب زامير إلى الاستقالة.
ولكن مثل هذه التسريبات في هذه الوثيقة وغيرها، والبطء في الحركة في الميدان، يشيران إلى أن زامير يحاول انتهاج أسلوب آخر في الاعتراض على ما يريده نتنياهو؛ لمنع استنزاف جنوده في معركة لا يرى فيها جدوى، أو على الأقل ليبعد عن نفسه المسؤولية في حال تكرر الفشل مرة أخرى.
إعلان
وفي ذات السياق، هناك مؤشرات أخرى تتعلق بتدابير زامير، تؤكد الخشية من الفشل مرة أخرى؛ وهو ما كُشف عنه بأن 60 ألف جندي احتياط جديد لن يزَج بهم في غزة؛ بسبب الضغط والجدل داخل المجتمع الإسرائيلي حول جدوى العملية؛ إذ سيوجه نحو نصف الذين سيستدعون إلى المقرات، بينما سيلتحق النصف الآخر بالكتائب التي ستحل محل الوحدات النظامية المنتشرة حاليا في الضفة الغربية.
وفي المقابل يخطط رئيس الأركان لإلقاء أغلبية القوات النظامية المقاتلة في جبهة القطاع، وخصوصا في العملية داخل مدينة غزة، وذلك وفق ما ذكره عاموس هرئيل في مقاله في “هآرتس” قبل أيام.
كما أن التسريب، من زاوية أخرى، جاء قبيل اجتماعات المجلس الأمني المصغر لحكومة الاحتلال الإسرائيلي الذي رفض إدراج بند لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حركة حماس منذ أسابيع، مما يشير إلى رغبة في وضع ملف قدرة الجيش واحتمال الوصول إلى صفقة على طاولة النقاش في المجلس الأمني المصغر.
وقد حمل محتوى الوثيقة المسربة ما يؤكد رغبة الجيش في العودة إلى طاولة المفاوضات؛ إذ أشار العميد هازوت إلى أن المرحلة الثانية من عملية “عربات جدعون” كانت تهدف إلى ردع حماس؛ بغية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، ولم تكن تعمل على هزيمة حماس، وأن حماس أدركت هذا الهدف، وبنت عليه مواقفها وأسلوبها القتالي. وهذا الأمر يبين أن الجيش يحمّل المستوى السياسي تبعات الفشل.
ويتفق مع ما سبق، ما ذكره الجيش حول عدم تناسب أساليب القتال التي اتبعت مع أسلوب كتائب القسام في المعركة.
ويتأكد هنا أن تسريب الوثيقة يتعلق بالجدل الداخلي بين المستويين: السياسين والعسكري في دولة الاحتلال، حيث إن الجيش الإسرائيلي فشل في ردع حماس وفي هزيمتها.
فبرغم كل ما قام به الجيش الإسرائيلي لم يستطع القضاء على المقاومة التي لا تزال تكبده الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات إلى حد الاستنزاف.
وعلى الجانب الآخر، حمّلت الوثيقة المسربة المسؤولية للمستوى السياسي في ملف آخر؛ ففيما يتعلق بملف المساعدات الإنسانية، أشارت الوثيقة إلى الفشل في التخطيط وإدارة هذا الملف، مما ولد- من وجهة نظر الوثيقة- انطباعا بوجود مجاعة في غزة، وأدى إلى وضع دولة الاحتلال في موقف دولي صعب، وفقدانها الشرعية في العمل.
وعند هذه النقطة، من الواضح أن تكرار الوثيقة لمسألة “الانطباع بوجود مجاعة”، دليل واضح على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يهتم لتجويع النساء والأطفال ولا لمصائد الموت التي يساهم فيها، بقدر ما يهتم بالصورة والانطباع الدولي، وهذا يشير إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه جيش وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
على مستوى الزمن الذي أخذته العملية، لفتت الوثيقة إلى أن الإطار الزمني للعملية كان غير محدد، وأن الأولوية في المعركة كانت لأمن الجنود، وفي هذا السياق كان التقدم أبطأ بكثير من المتوقع، بالرغم من أنها ركزت على مناطق سبق أن اجتاحها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى استنزاف القوات والموارد، ودفع ما سمّته “المنطق الإستراتيجي للاجتياح” إلى الانهيار.
إعلان
من زاوية أخرى، تبرز الوثيقة فشل عمليات “عربات جدعون” في تحقيق أهدافها، وأنها لم تحقق السيطرة الكاملة على القطاع ولا هزيمة حماس عسكريا، كما تكشف التحديات والتعقيدات الكبيرة التي تواجهها في الميدان، وبشكل غير مباشر قوة المقاومة الفلسطينية وصلابتها وقدرتها على إفشال مخططات الاحتلال على مدار عامين كاملين تقريبا.
العمليات في الخارج تغطية على الفشل
أمام التعثر المعترف به في غزة، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي حاول صرف الأنظار عن فشله من خلال ضربات في جبهات أخرى- حتى لو كانت موجهة إلى شخصيات مدنية- كما حصل في اغتيال رئيس الحكومة الحوثية وعدد من الوزراء في اليمن، إضافة إلى عمليات عسكرية شملت إنزالا جويا في منطقة في سوريا تبعد 20 كيلومترا عن العاصمة دمشق.
وقد جاءت الضربات في كل من سوريا، ولبنان، واليمن متزامنة مع الجدل الدائر في دولة الاحتلال حول الفشل في تحقيق أهداف عملية “عربات جدعون”؛ لتحويل الأنظار بعيدا عن الفشل، وكذلك لتخفيف الضغط النفسي، وتعزيز معنويات أفراد الجيش في ظل استمرار المقاومة الشديدة في غزة منذ عامين.
وقد حصل الجيش على إشادة من النخب في دولة الاحتلال الإسرائيلي على عملياته في سوريا، واليمن؛ وفي هذا السياق وصف يسرائيل زيف عمليات الجيش هناك بـ”الاستثنائية”، وأشار إلى الفجوة الهائلة بين قدرات الجيش ومسؤولية المستوى السياسي الذي يختبئ خلف مبادرات الجيش وينسبها إلى نفسه.
دعوة لتغيير الإستراتيجية
شملت الوثيقة دعوة ضمنية لتغيير إستراتيجية الجيش في غزة، وأن الأساليب المستخدمة لا تنسجم مع الأهداف، ولا مع أسلوب حركة حماس في القتال التي باتت طريقة عمل الجيش الإسرائيلي مكشوفة لديها.
كما أن إرادة القتال لدى عناصر المقاومة الفلسطينية لم تنكسر، بل هي في مستويات عالية، ويمكن الاستدلال بآخر عمليتين نفذتا في الأسبوعين الأخيرين من شهر آب/آب في رفح وحي الزيتون، حيث شارك فيهما عدد كبير من المقاتلين، وأوقعتا خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكادتا تنجحان في أسر جنود إسرائيليين.
من الواضح أن نتنياهو يواجه معارضة من الجيش، وأن الجيش يواجه تحديات وتعقيدات كبيرة، ولكن نتنياهو لا يزال يعتمد في إصراره على المضي في هذه العملية العسكرية على دعم المتطرفين في الداخل، وعلى دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب له من الخارج.
وهذا الأمر فتح الباب على انتقادات في دولة الاحتلال الإسرائيلي تشير إلى تخبط في عملية صنع القرار، وأن كل ما يتعلق بالقرارات الإستراتيجية لا يتم إلا بمصادقة من ترامب الذي يتهم بعدم معرفة التفاصيل، وتؤكدها رغبته في حرب لا تزيد عن أسبوعين، بينما يريدها سموتريتش حربا أبدية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أجمع خبراء عسكريون وإستراتيجيون على وجود خلافات جذرية بين المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي حول إدارة العمليات في قطاع غزة، وسط تصاعد التحديات العملياتية والإستراتيجية التي تواجه قوات الاحتلال.
هذه الخلافات كشفتها القناة 13 الإسرائيلية التي نشرت أنباء عن توجيه رئيس الأركان إيال زامير انتقادات لاذعة وغاضبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية– وإلى عدد من الوزراء خلال اجتماع الكابينت مساء الأحد الماضي.
وحاول زامير الضغط على الوزراء الحاضرين للنظر في الصفقة التي وافقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، محذرًا من أن قرار الاستيلاء على غزة سيؤدي لاحتلال عسكري كامل للقطاع وتحمل إسرائيل المسؤولية عن سكانه.
وحدد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى خلال برنامج “مسار الأحداث” 5 محاور أساسية للخلاف بين المؤسستين.
الأثمان الباهظة
تتركز النقطة الأولى حول الأثمان الباهظة التي سيدفعها الجيش الإسرائيلي، حيث يدرك القادة العسكريون حجم التكلفة الحقيقية في حين يتجاهلها المستوى السياسي تماما.
وفي الشأن الزمني، يعتقد الجيش أن العملية ستستمر أشهرا طويلة مع تقديرات تشير إلى أن احتلال مدينة غزة سيستغرق 8 أشهر، في حين يطالب المستوى السياسي بعملية سريعة استجابة لطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويثير الجيش الإسرائيلي مخاوف جدية حول غياب الأفق السياسي بعد احتلال مدينة غزة، خاصة احتمالية اضطراره لفرض حكم عسكري على القطاع، وهو أمر يرفضه الجيش قطعيا.
ويقابل هذا القلق غياب تام للرؤية السياسية الواضحة من جانب الحكومة، التي تكتفي بطرح أفق أيديولوجي دون تفاصيل واقعية أو سياسات موضوعية.
كما يخشى الجيش من أن تؤدي العملية إلى مقتل أسرى إسرائيليين في غزة، وهي نقطة لا تحظى باهتمام المستوى السياسي.
إعلان
أما المحور الخامس فيتعلق بمسألة المسؤولية، حيث يتحمل الجيش مسؤولية تجاه الرأي العام الإسرائيلي في حين يتهرب نتنياهو من تحمل أي مسؤولية عن الإخفاقات المحتملة.
وفيما يتعلق بفشل عمليتي “جدعون 1″ و”جدعون 2” يشير الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إلى أن الخوف الحقيقي ينبع من النهايات المحتملة للعملية.
فخلال العام الماضي شهدت إسرائيل 3 عمليات رئيسية فشلت جميعها: خطة الجنرالات، وعمليات “جدعون 1” التي أكدت تقارير الجيش الإسرائيلي فشلها، والآن “جدعون 2” التي بدأت وسط تحديات أكبر.
صعوبات متزايدة
وتواجه العملية الجديدة صعوبات متزايدة تتمثل في اعتراضات جنود الاحتياط ونقص حاد في أفواج الهندسة، تحديدا في آليات الجرافات التي تصل نسبة النقص فيها إلى 60%. هذا الوضع يضع قيودا إضافية على فعالية العمليات في وقت تحتاج فيه القوات لمواردها كاملة.
في المقابل، أعلن مصدر قيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحماس في تصريح للجزيرة إطلاق سلسلة عمليات تحمل اسم “عصا موسى” ردًا على عملية عربات جدعون 2.
وانتقد اللواء الدويري بشدة أداء زامير، مشيرا إلى أنه لو كان رئيس أركان حقيقيا لاستطاع استخدام أي من النقاط الخمس الجوهرية التي أشار إليها الدكتور مصطفى لفرض رأيه على المستوى السياسي.
وقارنه برؤساء أركان سابقين مثل إسحاق رابين الذي كان رأيه يعلو على رأي رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير في المواقف الحاسمة.
وعلى صعيد آخر، لفت الدويري إلى أن الحديث عن “اليوم التالي” كان يدور دائما في أفق عمليات التهجير، خاصة بعد حديث ترامب عن “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وتشمل المخططات الحالية نصب 100 ألف خيمة في المنطقة الجنوبية كخطوة أولى نحو التهجير، في حين كلّف نتنياهو الموساد بتحديد الدول التي ستوافق على استيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوات في إطار رؤية توسعية أوسع تتحدث عن “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.
من جانبه، لفت الكاتب والباحث في الشؤون الدولية حسام شاكر إلى وجود تململ متزايد في صفوف جنود الاحتياط الإسرائيليين، حيث يفضل بعضهم الذهاب إلى السجن على المشاركة في الهجوم على مدينة غزة.
ويعكس هذا التململ بداية وعي لدى بعض الأوساط العسكرية بوحشية ما يُطلب منهم تنفيذه.
في المضمون، استند القرار الأميركي لمنع الرئيس الفلسطيني وفريقه، من دخول الولايات المتحدة، إلى جملة من الأسباب، أو قل الذرائع: التحريض على الإرهاب والتردد في مقاومته، نشر ثقافة الكراهية، ملاحقة إسرائيل جنائيا، وحث دول العالم على الاعتراف من جانب واحد، بدولة فلسطينية.
واشنطن لم تكتفِ بعدم منح الفريق الرئاسي الفلسطيني تأشيرات دخول، بل عمدت إلى إلغاء الصالح منها، لتنتهي إلى تعميم القرار على الشعب الفلسطيني بأسره، مع استثناءات قليلة للغاية.
في الشكل، القرار الأميركي يُعد إهانة للسلطة والرئاسة واستخفافا بهما، نهجا ورهانات، مثلما يعتبر ضربة جديدة للشعب الفلسطيني برمته. والأخطر، أنه جاء بمثابة صفعةٍ للمنتظم الدولي، وانتهاكٍ لاتفاقية المقر، ولكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.
في السياق، القرار جاء في ذروة حرب الإبادة على غزة، وانفلات غول الضم والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية، من عقاله، وسط مباركة أميركية، تتخطى الضوء الأخضر، إلى الشراكة في دعم وإسناد وحماية التوحش الإسرائيلي. وليغذي الشهية العدوانية التوسعية لحكومة اليمين الفاشي، ويحفزها على المضي قدما في مقارفة مختلف صنوف جرائم الحرب.
في التوقيت المباشر، القرار جاء بعد ثلاثة اجتماعات هامة، الأول، في البيت الأبيض، وبمشاركة توني بلير وجاريد كوشنر إلى جانب الفريق الأميركي برئاسة ترامب، للبحث في مستقبل غزة و”اليوم التالي”. وحين تذكر أسماء كهذه، يتعين على الفلسطينيين دوما، “تحسس مسدساتهم”. فالأول عمل طوال فترة ولايته في الضفة الغربية ممثلا للرباعية الدولية (2007 – 2015) على هندسة “الإنسان الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في المقاومة عدوا وفي إسرائيل حليفا أو مشروع حليف على أقل تقدير.
والثاني، الذي ارتبطت باسمه، أسوأ صفقة تعرضها إدارة أميركية لحل القضية الفلسطينية: صفقة القرن، والتي تضمنت فيما تضمنت، الاعتراف بالقدس الموحدة، عاصمة “أبدية” لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، و”منح” إسرائيل 30٪ من أراضي الضفة، في منطقة الغور ومحيط القدس أساسا، وإسقاط ملف اللاجئين. قديما قيل، المكتوب يُقرأ من عنوانه، وعنوان الإستراتيجية الأميركية الجديدة لفلسطين، يتصدره هذان الاسمان.
إعلان
الاجتماعان، الثاني والثالث، في مقر الحكومة الإسرائيلية، الأول بحث في إنشاء “إمارة الخليل” بتجريدها من أي وجود للسلطة ونقلها لرموز عشائرية ومحلية مرتبطة بالإدارة المدنية الاحتلالية. والثاني، شرع في رسم خرائط الضم القادم للضفة أو لأجزاء واسعة منها، البحث لم يكتمل بقرارات قطعية، لكنه جارٍ على قدم وساق.
نظرة للذرائع الأميركية
في نظرة تحليلية للائحة “الأسباب/الذرائع الموجبة” للقرار الأميركي، يمكننا الاستنتاج أن الأمر لا يتعلق بما تقوم به السلطة، بل بما لا تقوم به، على نحو فعّال وناجز. القول مثلا، إنها تدعم الإرهاب، وإنها لم تدن هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول، متهافت تماما.
فالسلطة التي ترددت في البدء أن تعلي صوت النقد والإدانة للمقاومة وحماس، عادت في سياق حرب السنتين، وعبر سلسلة من قادتها والناطقين باسمها، للتنديد بالطوفان ومن قام بإطلاقه. “شيطنة” حماس وإحراجها؛ سعيا لإخراجها من مسرح السياسة والإدارة والجغرافيا الفلسطينية، مسار لا يتوقف.
السلطة لم تكتفِ بإدانة حماس، بل قاتلتها في جنين وطولكرم وعموم الضفة الغربية. السلطة بقراراتها الأخيرة، لم تُخفِ نيتها في إخراج حماس من المنظومة السياسية الفلسطينية، فمن يشترطُ التزام الفصائل بأوسلو والتزاماته ومندرجاته، يريد غلق باب المشاركة في وجه حماس وفصائل المقاومة. دور السلطة في الحرب على حماس، أكثر مضاءً من غيره من الأدوار، كونه يصدر عن جهة فلسطينية أدرى بشعاب المشهد الداخلي بتفاصيله وتلافيفه.
واشنطن تريد للسلطة أن تلعب دورا، لا أقل من دور فصيلة متقدمة لجيش الاحتلال في اقتلاع كل نفس مقاوم للاحتلال، والانقلاب على تاريخ الشعب الفلسطيني ومستقبله. هنا، وهنا بالذات، تندرج الضغوط لشيطنة أيقونات الشعب الفلسطيني من شهداء وأسرى.
وفي هذا الملف، بالذات، “لم تقصر السلطة” في الاستجابة للضغوط، إذ أحالت هؤلاء وعائلاتهم، إلى “الشؤون الاجتماعية” بوصفهم “طالبي معونة وطنية”، وليس بوصفهم طلائع متقدمة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.
شهية واشنطن لانتزاع المزيد من التنازلات من السلطة والمنظمة، كشهية إسرائيل، “نقول لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد”. مثل هذه المقاربة، تحيل حياة السلطة وقيادتها، إلى جحيم لا يطاق، فهي تكتشف اليوم، أن لا قعر مرئيا لخط النهاية في لعبة تقديم التنازلات والمزيد منها، على “مذبح الدولة” وقربان “حل الدولتين”، وهم كما كل أعمى وبصير، يرى رأي العين، أن لا دولة في الأفق، وأن سرابها يزداد ابتعادا كلما ظن القوم، أنها باتت على مرمى حجر.
في تحليل مغزى ومضامين القرار، نتوقف عند ما هو أكثر خطورة مما ذهبنا إليه. واشنطن، لا تريد للسلطة أن تكون شريكا في محاربة المقاومة واستئصالها فحسب، بل تريد أن تنزع من يدها ورقة “المقاومة الشعبية السلمية” التي طالما تغنى بأهميتها أركان السلطة، فالأمر هنا يندرج في سياق التحريض على الكراهية.
وإسرائيل لا تريد للسلطة أن تكون محركا لـ”تسونامي” الاعترافات الدولية بفلسطين – وهي ليست كذلك على أية حال– بل تريدها “سدّا” منيعا في وجه هذا السيل من الاعترافات. والولايات المتحدة، لا تريد للسلطة أن تلاحق إسرائيل جنائيا وقضائيا أمام المحاكم الدولية، وهي لم تفعل الكثير على هذا المضمار، منذ “توصية الجدار” و”تقرير جولدستون”، بل تريدها “حاجبا” يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمنع المتقدمين إليها بدعاوى ضد مجرمي الحرب من قادة إسرائيل.
إعلان
خلاصة التحليل للقرار الأميركي، واشنطن الوالجة في حرب إبادة ضد المقاومة وشعبها، تآذار تكتيك “أقصى الضغوط” على السلطة، لتجريدها من ورقة “الكفاح السلمي”، غير المفعّلة أصلا، وتريد نزع سلاح الدبلوماسية والقانون الدولي من يدها. فما الذي تبقى ويمكن فعله، في وجه عدو بلغ أوج توحشه وفاشيته، في غزة كما في الضفة، وصولا لبقاع وساحات عربية أبعد؟
الصورة الكبرى
لا يمكن فهم القرار الأميركي بمعزل عن “الصورة الكبرى” لمشتركات الموقفين الأميركي الإسرائيلي. لا مطرح في قاموس الحليفتين الإستراتيجيتين لدولة فلسطينية قابلة للحياة، دع عنك سيّدة ومستقلة. لا مطرح لـ”حل الدولتين”، وترامب لم يأتِ على ذكر هذا الأمر، ولو من باب “زلة لسان”. المطلوب تدمير كل فرصة لقيام الدولة، والقضاء على كل “رمز” يشي باحتمال قيامها، وإن بعد حين.
توازيا مع حرب الإبادة في غزة ضد المقاومة وشعبها، تنظر واشنطن بعين إسرائيلية إلى السلطة، التي على هزالها وهشاشتها، ما زالت ترمز لفرصة قيام دولة، أي دولة. هذا ناقوس خطر يقرع بقوة في غرف القرار في تل أبيب، ويتردد صداه في واشنطن، والمطلوب الإجهاز على هذه “الرمزية”، تماما مثلما جاء في النقاشات الإسرائيلية حول “إمارة الخليل”، وانسجاما مع تهديدات قادة اليمين الأكثر تطرفا، بضم الضفة، وتهجير سكانها، وحشر من سيتبقى منهم في “سبع إمارات/ مدن” فلسطينية، غير متحدة.
وإن كان ثمة من فرصة لبقاء السلطة في رام الله، فهي أن ترتضي، وترتضي قيادتها، بأن تكون واحدة من هذه الإمارات السبع، لا أكثر ولا أقل، وربما إلى حين.
لا يمكن فهم القرار الأميركي، الإسرائيلي في منشئه، بمعزل عن هجمة الاستيطان الزاحف في القدس والخان الأحمر وغور الأردن، ومنطقة “E1″، وعمليات هدم وإزالة مخيمات الشمال، ومشروع إمارة الخليل، والسطو على أموال المقاصة (10 مليارات شيكل)، والحبل على الجرار.
لا يمكن فهم هذا القرار، بمعزل عن التصريحات الأميركية التي تترك لإسرائيل حرية التصرف، إنْ في غزة وحرب الإبادة، أو في الضفة، ومشاريع الضم، والتهويد، والتهجير.
مأزق السلطة وخياراتها
في غمرة انشغالها بعزل المقاومة و”شيطنة” حماس، جاء القرار الأميركي ليلقي بالسلطة في أتون مأزق عميق. لقد أمل قادتها بـ “وراثة” مكتسبات الطوفان وصمود غزة وتضحياتها. عرضوا أنفسهم بديلا لحماس، وليس شريكا في مشروع وطني أكبر وأوسع.
وانتقلوا لفرط سذاجتهم، من الضغط لإحراج حماس وإخراجها من غزة، إلى تقطيع كل السبل التي يمكن أن توصلها إلى منظمة التحرير. خرج ناطقون باسمها يعرضون بسذاجة مشبوهة، حلا سحريا لاستعصاء “اليوم التالي”: على حماس أن تسلم سلاحها للسلطة وأن تقبل بـ”سلطة واحدة، شرعية واحدة، سلاح واحد”. ولم يصغوا كفاية إلى تأكيدات نتنياهو وفريقه من اليمين المأفون الرافضة لحماس وعباس، حماسستان وفتحستان.
لم يتأملوا كثيرا في “صمت إدارة ترامب” المريب عن الإدلاء بأي تصريح عن “دولة ” أو “حل الدولتين”، أو ملاحظة أي دور للسلطة في اليوم التالي للحرب على غزة.
ظنوا أن خماسية عربية أو ترويكا أوروبية، كفيلة بتعويمهم، إلى أن صدموا (إن صدموا)، بأن الموقف العربي لم يتخطَّ حدود “الأسف” للقرار الأميركي، وأن أوروبا كعادتها، تصمت وتقلق، وأحيانا تدين (ليس بأشد العبارات كما هي العادة التي درج عليها بعض العرب مؤخرا) المواقف والقرارات الأميركية والإسرائيلية.
ستحاول السلطة أن تحشد تأييدا عربيا ودوليا لثني الولايات المتحدة عن قرارها، وربما تفكر في تكرار سيناريو 1988 عندما نجح ياسر عرفات في نقل الجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف، لتخطي حاجز “التأشيرة الأميركية”، وربما الاكتفاء بقيام “من حضر” من دبلوماسييها في نيويورك بتمثيلها في المؤتمر المنتظر لحل الدولتين.
إعلان
هذه هي الخيارات المتاحة لسلطة وضعت نفسها في “صندوق أوسلو والتزاماته”، وجميعها لا ترقى إلى مستوى التحدي ولا تشكل استجابة لمهام المرحلة المقبلة.
في مراحل سابقة من عمر المنظمة والسلطة، كانت “الدولة” هي المقابل الفلسطيني للتنازلات المطلوبة أميركيا وإسرائيليا. اليوم، تقلص هذا المقابل، وصارت “التأشيرة” هي الثمن الذي ستتحصل عليه السلطة، إن هي قبلت بـ”دفتر الشروط الأميركية”.. أي ذُلٍ هذا، وأي قعر بلغه هذا المسار؟!
لست من “هواة” الدعوات الفارغة للحوار والمصالحة والإصلاح واستعادة الوحدة، فقد أغلق “القوم” السبل بإحكام في طريق هذه الأهداف الرومانسية (سمها النبيلة إن شئت). أحسب أن الاستقالة على “الطريقة الهولندية” هي أولى خطوات المراجعة والإنقاذ.. استقالة الرئيس وفريقه، وتسليم السلطة والمنظمة لقيادة جماعية مؤقتة “يمكن أن تكون الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير”.
على أن يصار إلى التداعي لعقد ورشة عمل وطنية فلسطينية تحت عنوان “ما العمل؟” بعد أكثر من طوفان: طوفان المقاومة، طوفان الإبادة والتطهير والتهجير، طوفان الاستيطان، طوفان صفقة القرن الجديدة، التي تبني على القديمة وتتوسع في أعطياتها لإسرائيل.
هذه نقطة البدء، التي تعكس قدرا من الاعتراف بالفشل المتمادي والمتراكم، ومن دونها، سنعود إلى الدوامة ذاتها: مزيد من التنازلات، مزيد من سياحة المؤتمرات، مزيد من فعل الشيء ذاتها، سلوك الطريق نفسه، وانتظار الوصول إلى وجهة أخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
دخلت محاكمة الرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، مرحلة الحسم، مع اقتراب صدور الأحكام في القضية التي يُحاكم فيها بتهمة قيادة مؤامرة لإلغاء نتائج انتخابات 2022، التي خسرها أمام الرئيس الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ومن المنتظر أن يصدر قضاة المحكمة العليا الخمسة، المكلّفون بالنظر في القضية، أحكامهم بحق بولسونارو وسبعة متهمين آخرين بحلول 12 أيلول/أيلول الحالي.
فيما يلي، نلخص بعض الأساسيات التي تحتاج إلى معرفتها حول المحاكمة.
من هو جايير بولسونارو؟
قام رجل بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
يُعد جايير بولسونارو، البالغ من العمر 70 عاماً، سياسياً برازيلياً حكم الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية من كانون الثاني/كانون الثاني 2019 إلى كانون الأول/كانون الأول 2022.
قبل دخوله عالم السياسة، كان بولسونارو جندياً مظلياً، وفي سنواته الأولى كعضو في الكونغرس، دافع بشدة عن مصالح القوات المسلحة.
خدم بولسونارو سبع فترات في الكونغرس – من عام 1991 إلى عام 2018 – لكنه لم يصبح معروفاً خارج حدود ولايته الأصلية ريو دي جانيرو حتى ترشح للرئاسة في عام 2018.
البرازيل: الرئيس السابق جاير بولسونارو يعود من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة
أعرب العديد من البرازيليين الغاضبين من ارتفاع مستويات الجريمة عن تأييدهم لنهجه المتشدد في فرض القانون والنظام.
لكن ما دفعه حقاً إلى إدراك أهمية ذلك كان الهجوم الذي تعرض له خلال تجمع انتخابي قبل شهر واحد فقط من الجولة الأولى من انتخابات عام 2018. حيث قام رجل – جرى الحكم عليه لاحقاً بأنه مريض عقلياً – بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
فقد بولسونارو 40 بالمئة من دمه خلال تلك الحادثة، ومنذ ذلك الحين يعاني من مضاعفات متكررة ناجمة عن الجروح المعوية التي أصيب بها.
متى انتُخب بولسونارو؟
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
وجاء انتصاره في وقت كان يعاني فيه حزب العمال من فضائح فساد، ما دفع العديد من البرازيليين إلى الرغبة بالتغيير بعد أربع سنوات صعبة في السياسة البرازيلية.
وكانت الرئيسة المنتخبة السابقة، ديلما روسيف من حزب العمال، قد تعرضت للعزل في عام 2016 بتهمة التلاعب بالميزانية.
وأكمل نائبها ميشيل تامر الفترة المتبقية من ولايتها، لكنه لم يحظى بشعبية كبيرة.
ومُنع السياسي الأكثر شهرة في حزب العمال، الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المعروف باسم لولا)، من الترشح لمنصب في ذلك الوقت لأنه كان قد أدين بالفساد.
وبسبب ذلك، أصبح حزب العمال في حالة من الفوضى بسبب منع مرشحه الرئيسي لولا، وانتهى به الأمر إلى الدفع بحداد غير المعروف في اللحظة الأخيرة، والذي خسر الانتخابات أمام بولسونارو.
وبعد سنوات، أُلغيت إدانات لولا بالفساد، وتمكّن من الفوز على بولسونارو في انتخابات عام 2022.
لولا دا سيلفا يؤدي اليمين رئيسا للبرازيل وبولسونارو يغادر إلى الولايات المتحدة
بماذا يشتهر بولسونارو؟
تميّزت رئاسته بأسلوب المواجهة، والذي أشاد به أنصاره ووصفوه بأنه “صريح” و”فريد”، لكن منتقديه سخروا منه ووصفوه بأنه “فظ”.
وفي وقت اعتُبرت فيه البرازيل من أكثر الدول تضرراً من تفشي فيروس كورونا، سُلطت الأضواء على تعامل بولسونارو مع وباء كورونا.
وقد أثار وصفه للفيروس بأنه “إنفلونزا خفيفة” غضباً شديداً بين من فقدوا أفراداً من عائلاتهم بسبب كورونا.
وعلى الصعيد الدولي، تعرَّض لانتقادات بسبب خفضه ميزانية الوكالات المكلفة بحماية الشعوب الأصلية والبيئة، ما دفع البعض إلى وصفه بأنه “خطر على الأمازون”.
وعلى الرغم من ذلك، حظي موقفه المحافظ بتأييد كبير بين أنصاره، وواصل العديد منهم دعمه طوال معاركه القانونية، وعقدوا اجتماعات صلاة ومظاهرات حاشدة لإظهار دعمهم المستمر له والمطالبة بتبرئته.
إلى أي حزب ينتمي؟
لقد غيّر بولسونارو انتماءه الحزبي عدة مرات خلال حياته السياسية.
بدأ كعضو في الحزب الديمقراطي المسيحي في عام 1988 عندما ترشح بنجاح لمنصب عضو مجلس المدينة في ريو دي جانيرو.
خلال فترة عضويته في الكونغرس، والذي دخله لأول مرة كعضو في حزب العمال البرازيلي، قام بتغيير حزبه أربع مرات.
ترشح للرئاسة في عام 2018 عن الحزب الليبرالي الاجتماعي، لكنه انسحب منه في عام 2019، ووعد بإطلاق حزب جديد.
وعندما فشل تحالفه “من أجل البرازيل” الذي أنشأه حديثاً في الحصول على الدعم اللازم ليصبح حزباً مسجلاً، انضم إلى الحزب الليبرالي في في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2021، ولا يزال عضواً فيه.
ما هي التهم الموجهة إليه؟
ينظر بولسونارو إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود
يواجه بولسونارو اتهامات بالتخطيط لانقلاب عسكري.
ويقول الادعاء إنه تآمر مع سبعة من مساعديه المقربين – أربعة منهم من كبار أعضاء الجيش – للبقاء في السلطة بعد أن هزمه لولا في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/تشرين الأول 2022.
وتضمنت المؤامرة المزعومة خططاً لاغتيال لولا ونائبه جيرالدو ألكمين، واعتقال وإعدام ألكسندر دي مورايس – قاضي المحكمة العليا الذي يشرف حالياً على محاكمة بولسونارو.
وقال المحققون إن المؤامرة المزعومة لم تنجح لأنها لم تحظَ على دعم قادة الجيش والقوات الجوية.
اقتحام الكونغرس البرازيلي: المحكمة العليا تضم الرئيس السابق بولسونارو في تحقيقاتها في أعمال الشغب
بدوره، أدى لولا اليمين الدستورية دون أي حوادث في الأول من كانون الثاني/كانون الثاني 2023.
لكن بعد أسبوع واحد فقط، في الثامن من كانون الثاني/كانون الثاني، اقتحم آلاف من أنصار بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا وقاموا بتخريبها. وتدخلت قوات الأمن وألقت القبض على نحو 1500 شخص.
ويزعم ممثلو الادعاء أن مثيري الشغب تم تحريضهم من قبل بولسونارو، الذي كانت خطته، هي أن يتدخل الجيش البرازيلي ويستعيد النظام ويعيده إلى السلطة.
ونفى بولسونارو بشدة جميع هذه الاتهامات، مشيراً إلى أنه كان في الولايات المتحدة حين وقوع الاقتحامات.
ماذا يقول بولسونارو؟
قال بولسونارو إنه ضحية “حملة شعواء”.
ويُشير منذ فترة طويلة إلى أن الاتهامات الموجهة إليه “ذات دوافع سياسية”، وتهدف إلى منعه من الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2026.
وفي حين أن بولسونارو ممنوع بالفعل من الترشح لمنصب عام حتى عام 2030 لادعائه كذباً بأن نظام التصويت في البرازيل عرضة للغش والاحتيال، فقد أعلن عن نيته محاربة هذا الحظر حتى يتمكن من الترشح لولاية ثانية في عام 2026.
كما شكّك هو ومحاموه في نزاهة لجنة المحكمة العليا المكلفة بمحاكمته والمتهمين معه.
وينظر بولسونارو منذ فترة طويلة إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود ووصفه بأنه “ديكتاتور”، متهماً إياه بإساءة استخدام سلطته.
وأشار أيضاً إلى أن اثنين من القضاة الآخرين في اللجنة كانت لديهما علاقات وثيقة مع الرئيس لولا.
وكان أحد هؤلاء القضاة، كريستيانو زانين، محامي الدفاع عن لولا بين عامي 2013 و2023، والذي ساعد في إلغاء إدانة لولا بالفساد.
وكان آخرهم فلافيو دينو، الذي شغل منصب وزير العدل في عهد لولا من عام 2023 إلى عام 2024.
ما الصلة بين بولسونارو وترامب؟
تربط ترامب وبولسونارو علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
قارن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين ما يحدث لبولسونارو مع معاركه القانونية بعد رفضه قبول الهزيمة في الانتخابات الأمريكية عام 2020.
وكتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي في تموز تموز الماضي: “هذا ليس أكثر أو أقل من هجوم على خصم سياسي – وهو أمر أعرفه جيداً! لقد حدث لي، أضعافاً مضاعفة”.
لكن ترامب لم يكتفِ بكلمات الدعم وحسب، بل رفع الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية إلى 50 بالمئة، مُشيراً إلى معاملة البرازيل لبولسونارو كسببٍ لهذه الزيادة.
وكرر ترامب كلمات بولسونارو، واصفاً المحاكمة أيضاً بأنها “حملة شعواء”.
ترامب يهدد بفرض قيود على دول بريكس، فما هي المجموعة؟
وأكّد أن بولسونارو “ليس مذنباً بأي شيء، باستثناء القتال من أجل الشعب” وطلب من المدعين العامين “تركه وشأنه!”.
كما أن الرجلين (ترامب وبولسونارو) تربطهما علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
أين بولسونارو الآن؟
يتابع بولسونارو المحاكمة من منزله في برازيليا.
جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية في بداية شهر آب/آب بعد أن زعم تقرير للشرطة أنه وابنه إدواردو حاولا التدخل في المحاكمة.
وقالت الشرطة إنها عثرت على وثيقة على هاتف جايير المحمول – يعود تاريخها إلى شباط/شباط 2024 – تُشير إلى أنه كان يخطط للتهرب من الإجراءات الجنائية من خلال طلب اللجوء إلى الأرجنتين.
واتهموا أيضاً إدواردو بالضغط على إدارة ترامب نيابة عن والده، ما جعلهم يمنعوا الأب والابن من التواصل مع بعضهما البعض.
إذا ثبتت إدانتُه، هل سيتم إرساله مباشرة إلى السجن؟
في حالة إدانته، قد يُحكم على بولسونارو بالسجن لمدة تزيد على 40 عاماً.
ومع ذلك، فمن غير المُرجّح أن يتم نقله إلى السجن مباشرة بعد الإعلان عن حكم الإدانة المحتمل. ففي البداية، يتعيّن على هيئة قضاة المحكمة العليا نشر الحكم.
قد يحدث هذا في أقل من شهر، وفقاً مصدر قانوني استشارته بي بي سي نيوز برازيل، ولكن بما أن الأمر يعتمد على سرعة مراجعة كل وزير لتصويته للنشر، فمن الصعب التنبؤ بالمدة التي قد يستغرقها ذلك.
وقال أحد المحامين لبي بي سي البرازيل إنه بعد نشر الحكم، سيكون أمام محاميي المُتهمين خمسة أيام لطلب التوضيحات. ويمكن للمتهمين أيضاً الاستئناف ضد الحكم – ولكن فقط إذا لم يكن بالإجماع.
أي إذا صوت اثنان من أصل خمسة قضاة في هيئة المحكمة العليا بـ “غير مذنب”، يمكن للمتهم أن يطلب من المحكمة العليا بكامل هيئتها ـ أي جميع قضاة المحكمة الأحد عشر ـ مراجعة الحكم.