لاحظ منصور النصاصرة، المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بئر السبع والباحث في جامعة ألستر في أيرلندا الشمالية، أن مدينة القدس تقدَّم عادة في الفترة الأردنية بين عامي 1948 و1967 بوصفها مدينة هامشية عانت من قيود سياسية بالتزامن مع بناء الدولة المحتلة الجديدة، وفقدت حيويتها بفعل اقتلاع مؤسساتها الحيوية التي كانت مقراتها في كل من حي الطالبية والبقعة والقطمون وشارع يافا بالشطر الغربي المحتل عام 1948.
ولأن هذه الرواية “تختزل الواقع وتغفل الكثير من التفاصيل”، قرر الأكاديمي النصاصرة إعادة النظر في روايات المقدسيين الشفوية، والسجلات الأرشيفية النادرة، واليوميات والصحف المعاصرة، وتحليل التحولات المكانية في المشهد الحضري، ليكتشف صورة مغايرة تماما، مما دفعه لإعداد دراسة نُشرت باللغة الإنجليزية في شهر أيار/أيار الماضي في مجلة “الفضاء والسياسة” (Space and Polity)، وحملت عنوان “تبلور المتروبوليس العربي.. رواية مطار القدس (1948-1967)”.
كشفت الدراسة -التي تعد جزءا من كتاب أكاديمي سيصدر عن القدس في العام المقبل- وفقا لمعدّها عن الدور المحوري لمطار القدس الدولي في تمكين سكان المدينة بعد النكبة، إذ أسهمت العلاقات المتعددة المستويات التي أتاحها هذا المرفق في صياغة “قدس متروبوليتانية” نابضة بالحياة.
وأصبح المطار بوابة حضرية تربط المدينة بشبكات المدن العربية كالكويت والجزائر وجدّة والقاهرة وبيروت وعمّان، مما عزز تنوعها الثقافي وحيويتها الاجتماعية، وفتح المجال أمام التحولات السياسية والاستثمارات النوعية، وأعاد تشكيل الأحياء، وخلق فرصا جديدة للنمو الشخصي والجماعي.
وأظهرت الدراسة أن القدس في الفترة الأردنية كان لها دور سياسي واقتصادي وتعليمي لا يقل أهمية عن العاصمة الأردنية عمّان؛ إذ كانت في تلك الحقبة حلقة اتصال مركزية مع العالم العربي.
أظهرت دراسة النصاصرة أن للقدس في الفترة الأردنية دورا مركزيا لا يقل أهمية عن العاصمة عمّان (الجزيرة)
وتركز الورقة البحثية التي أعدّها النصاصرة على مطار القدس الدولي ضمن ثلاثة محاور:
إعلان
المحور الأول: تأسيس المطار كمهبط لسلاح الجو الملكي البريطاني، وتتبُع تطوره المكاني كمطار مدني خلال فترة الحكم الأردني، وتوسعه السريع كمركز لمجموعة من شركات الطيران العربية والغربية، مما أضفى طابعا عالميا جديدا على المدينة.
المحور الثاني: دور المطار في التحول المكاني للتجمعات الاقتصادية ومناطق التنمية في هذه المنطقة الحضرية، وتأثير وكالات السفر العربية والغربية في نشوء علاقات جديدة في المشهد الحضري.
المحور الثالث: الطرق والممرات التي أُنشئت حول المطار بسبب تفاعله مع المجتمعات الدبلوماسية العربية والغربية ومؤسسات التعليم العالي، وباعتباره وسيطا للمقدسيين لتوسيع علاقاتهم التجارية.
وفي الدراسة، تطرق النصاصرة إلى أنه بعد نكبة عام 1948 تم ربط 60 ألف فلسطيني في القدس العربية بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المطار ببقية العالم العربي، واستغلوا تلك الروابط الخارجية بشكل إبداعي للتنمية الشخصية والمجتمعية.
صورة تظهر سقوط مطار القدس بقلنديا بيد القوات الإسرائيلية نشرها الباحث في دراسته (موقع “تاندف أونلاين” tandfonline)
القدس نقطة وصول وانطلاق
كما أصبح المطار بمثابة منصة عالمية وإقليمية للوصول إلى القدس العربية، وربط المدن الأخرى والمستثمرين في جميع أنحاء المنطقة، فانتقل دبلوماسيون وأكاديميون ومهنيون ورجال أعمال من المدن العربية إلى المدينة، وساهموا في التنمية الحضرية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية للمدينة.
توضح التقارير الأرشيفية والمقالات الصحفية الأردنية -وفقا للدراسة- أن الأهمية الناشئة لشارعَي صلاح الدين والزهراء كمناطق مكانية جديدة يمكن ربطها بقصة مطار القدس وتأثير الشركات ووكالات الطيران الفلسطينية والعربية والغربية.
فانتقل الاقتصاد الرئيسي للمدينة العربية شرقا نحو باب الساهرة وشارع صلاح الدين وحي المصرارة الذي كان يفصل بين حدود عامي 1948 و1967، وسرعان ما برزت هذه المناطق كمناطق تجارية جديدة ذات تأثير متتالي، مما جذب المزيد من التجار والاستثمارات والشركات إلى هذه الأماكن، وتركزت فيها مكاتب الخطوط الجوية وشركات النقل والشحن والسياحة والسفر، الأمر الذي جذب العديد من الشركات الأخرى، الجديدة والمتجددة، إلى هذه الشوارع.
ولأن حيوية مطار القدس ساهمت بشكل كبير في تنمية اقتصاد المدينة، وسّع التجار نطاق خدماتهم لتلبية الطلب المتزايد من الزوار والمسافرين، وقدمت بعض الشركات خدمات تنظيم جولات سياحية للسياح والحجاج، تضمنت رحلات استكشافية وحجوزات فنادق وسيارات خاصة وزيارات إلى المعالم.
كما ازداد عدد الفنادق الجديدة ووكالات السفر والشحن والرحلات الجوية بشكل متسارع، وكان الاستثمار في الاقتصاد وإنشاء المصانع والأسواق الصغيرة وشركات الحافلات محركا رئيسيا لجذب زوار جدد إلى المدينة.
إعلان لشركة مصر للطيران عن رحلات جوية من وإلى مطار القدس الدولي (المصدر: تاندف أونلاين)
حركة سفريات نشطة
ونشرت وسائل الإعلام الأردنية باستمرار معطيات حركة الإقلاع والهبوط في المطار الواقع ببلدة قلنديا شمال القدس، فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الركاب الذين هبطوا على متن 248 رحلة 3227 ركبا في شباط/شباط 1963، وأقلعت من المطار 252 رحلة وعلى متنها 3105 من الركاب.
إعلان
وفي عام 1966، وصل سياح من 15 دولة عربية مختلفة، مع زيادة في العدد الإجمالي إلى 10 آلاف و562 مسافرا، كما ارتفعت أعداد السياح من الدول الآسيوية بشكل ملحوظ في ذلك العام، وكانت شركات الطيران التي هبطت في القدس هي كل من الخطوط الجوية الملكية الأردنية والكويتية والسورية والمتحدة والعربية، وطيران الشرق الأوسط.
وفي أواخر العام ذاته بدأت بلدية القدس والحكومة بتنفيذ خطة لتوسعة المطار بهدف توفير الخدمات للمسافرين ليلا ونهارا، والسماح بمرافق هبوط ومغادرة أفضل وأكثر سلاسة للطائرات النفاثة الكبيرة، وضمان مرافق إضافية للمسافرين والسياح.
وهبطت آخر رحلة في مطار القدس يوم 14 نيسان/نيسان 1967 الساعة الثالثة عصرا قادمة من بيروت، أما الرحلة التالية القادمة من دمشق والمقرر هبوطها في تمام الخامسة مساء، فلم يُسمح لها بالهبوط في قلنديا، فتم تحويل مسارها إلى عمّان نتيجة لخطة الإغلاق المؤقت، وليس بسبب أي توتر متزايد في المنطقة، وفقا للدراسة.
صورة تظهر ترسيم حدود بلدة بيت صفافا بالقدس بين الجيش الأردني والجيش الإسرائيلي (المصدر: تاندف أونلاين)
تطور فانتعاش ثم اندثار قسري
لكن الاحتلال الإسرائيلي لقلنديا يوم 7 حزيران/حزيران 1967 أدى إلى إغلاق بوابة المطار المؤدية إلى القدس العربية والضفة الغربية، وجرت الرياح بما لا تشتهيه سفن سكان هذه المدينة، وهذا ما اختُتمت به الدراسة من تتبع لآثار استيلاء إسرائيل على هذه البنية التحتية الأساسية للنقل وإغلاقها عام 1967، وسلْخ الفلسطينيين عن القدس وحرمانهم من حضارتهم وتدمير فرص خلق مساحات لتوسعهم.
الجزيرة نت سألت الأكاديمي منصور النصاصرة عن السبب الذي دفعه لإعداد هذه الدراسة، فقال إنها “هبّة أيار” التي اندلعت خلالها المواجهات في مدينة القدس في أيار/أيار 2021 بعد قرار قضائي بإخلاء 7 عائلات مقدسية من منازلها في حي الشيخ جراح شرقي القدس، الذي كان يعتبر معقلا دبلوماسيا يضم القنصليات العربية والمؤسسات الدولية، وقد لعب هذا الحي دورا في الفترة الأردنية وفي العلاقة بعمّان.
“حالة الشيخ جرّاح أثارت لديّ الكثير من التساؤلات عن دور المؤسسات الدولية كوكالة الغوث ومركزية الأردن، وعن الصراع على السيادة في المدينة، وكيف يمكن أن نفهم القدس اليوم دون العودة إلى الفترة الأردنية ودراستها”.
وأكد النصاصرة أن هذه الدراسة تعتبر فرصة “لنستوعب كيف تطورت القدس وازدهرت وانفتحت على العالم إبّان الإدارة الأردنية، وكيف أصبحت اليوم مقطعة الأوصال ومنسلخة حتى عن أهلها الفلسطينيين في ضواحيها وفي الضفة الغربية وغزة بسبب سياسات الاحتلال التي حاولت وما زالت تحاول تفريغ المدينة من قياداتها السياسية وإرثها وتاريخها العربي الفلسطيني والإسلامي”.
وأشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أن إعداد هذه الدراسة استغرق ثلاثة أعوام، وهي أول دراسة علمية موثقة تحاكي قصة مطار القدس عندما كانت المدينة مفتوحة أمام العالم واستقطبت رؤساء دول وشخصيات مرموقة وعائلات عربية للعيش بها، بالإضافة للمؤسسات العربية والدولية كونها حاضرة عربية مهمة.
واختتم النصاصرة حديثه للجزيرة نت بالقول إنه استند في إعداد دراسته إلى السرديات اليومية العادية التي جُمعت من أشخاص يعيشون الآن في عمّان والقدس، بالإضافة إلى المقابلات المعمقة، ومجموعات خاصة عربية وأرشيفية، متّبعا المنهج الإثنوغرافي والسردي في بحثه.
كوالالمبورـ في الذكرى الـ68 لاستقلال بلادهم، يستحضر الماليزيون تلك اللحظة التاريخية التي أنزل فيها آخر أعلام الاستعمار، “العلم ذو الصلبان المتقاطعة بألوانه الأحمر والأزرق والأبيض”، ليرتفع مكانه علم الاستقلال رمزا للحرية والسيادة.
ذلك العلم المكون من الهلال والشمس المشرقة وأشرطة الطول الحمراء والبيضاء التي عكست في حينها عدد الولايات المشكلة لماليزيا الجديدة، وكانت يومها 11 ولاية، قبل أن تنضم إليها 3 ولايات أخرى بعد 6 سنوات.
وخلال هذه العقود، تمكنت ماليزيا من تقليص نسبة الفقر إلى 6% عام 2025، بعد أن كانت تتجاوز 50% غداة الاستقلال في 31 آب/آب 1957.
ويقول الخبير في البنك الدولي بورفا سانغي -في تصريح نقلته وكالة الأنباء الماليزية (برناما)- إن بلاده تقدمت على دول عديدة رافقتها في رحلة الاستقلال مثل الفلبين المجاورة وزامبيا في القارة الأفريقية، مشيرا إلى أن ماليزيا تطمح اليوم إلى “تصفير الفقر” اقتداء بجارتها سنغافورة.
ويذكّر هذا التاريخ الماليزيين بأن الاستعمار مهما طال أمده مصيره الزوال، وأن النهوض يمكن تحقيقه متى توافرت الإرادة الشعبية والقيادة السياسية.
ماليزيا استطاعت بناء نهضة كبيرة بعد الاستقلال (الجزيرة)
ميزات اقتصادية وسياسية
قبل قرون من الاستعمار، حكمت سلطنة ملقة -في القرن الـ14 الميلادي- الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو وجزيرة سومطرة عبر المضيق الذي حمل اسمها، وقد منحها موقعها الإستراتيجي على مضيق ملقة ميزات اقتصادية وسياسية مهمة، إذ ربطت بين شرق آسيا والشرق الأوسط.
كما عزز اعتناق السلطنة للإسلام -حكاما وشعوبا- العلاقات التجارية مع جنوب الهند والمنطقة العربية، إلى جانب الروابط التقليدية مع الصين، وكان المضيق الذي يتجاوز طوله 800 كيلومتر ويتراوح عرضه بين 50 و320 كيلومترا، صلة وصل بين المحيط الهندي وبحر جنوب الصين.
إعلان
ومن اللافت أن أحفاد المهاجرين المسلمين القدماء من الهند يهيمنون اليوم على قطاع الصيرفة في ماليزيا، وهي مهنة ورثوها عن أجدادهم الذين اعتادوا تبادل السلع وصرف العملات على متن السفن الراسية في المضيق. وكما كانت التجارة مدخلا للازدهار، كان الإسلام عامل استقرار وأمن وسلام.
ولم يفقد المضيق أهميته الإستراتيجية حتى اليوم، إذ تعبره سنويا نحو 94 ألف سفينة تمثل أكثر من 30% من التجارة العالمية. ومع صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى خلال العقود الثلاثة الماضية، ظهر مصطلح “معضلة المضيق”، حيث تمر عبره 80% من واردات وصادرات بكين.
وقد دفعت هذه المعطيات القيادة الصينية إلى البحث عن بدائل عبر ممرات في ميانمار وباكستان، وأخرى مقترحة مع تايلند لربط بحر جنوب الصين بالمحيط الهندي عبر بحر إندامان.
مضيق ملقة أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم (الجزيرة)
محطات أساسية
شكل تأسيس حزب “أمنو” (المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة) عام 1946 خطوة مركزية على طريق التحرر، إذ وفر للملايويين إطارا رسميا للتفاوض مع الاستعمار البريطاني ووضع اللبنات الأولى لدولة مستقلة. ثم جاء إعلان اتحاد الملايو عام 1948 ليجمع ولايات شبه الجزيرة الغربية.
وفي عام 1956، عقدت الأعراق الثلاثة المكونة للاتحاد (الملايو والصينيون والهنود) اجتماعا اعترف فيه زعماء الصينيين والهنود بالسيادة السياسية للملايو ممثلين بالسلاطين، مقابل منح الجنسية والمواطنة لمن وصفوا حينها بـ”الأجانب”.
وبناء على هذا التوافق، قاد تنكو عبد الرحمن وفريقه مفاوضات مع بريطانيا أفضت إلى إعلان الاستقلال في 31 آب/آب 1957.
بعد 6 سنوات، انضمت ولايات صباح وساراواك وسنغافورة إلى الاتحاد الجديد، لكن الأخيرة انسحبت لاحقا بتفاهم مشترك صادق عليه البرلمان الماليزي.
وقد اعتبر العقد الاجتماعي أساس الاستقلال، إذ بدد ذرائع الاستعمار البريطاني التي طالما اشترطت التوافق السياسي والاجتماعي قبل منح الحرية. غير أن سنوات لاحقة شهدت أعمال عنف عرقية بين الملايو والصينيين نتيجة شعور الأولين بالغبن الاقتصادي، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء الأول تنكو عبد الرحمن.
ولاحقا، انتهج خلفه عبد الرزاق بن حسين سياسة اقتصادية جديدة عام 1971 هدفت إلى معالجة التفاوت بين المكونات العرقية، عبر منح السكان الأصليين “بومي بوترا” أولوية في التعليم والاقتصاد والإدارة، في خطة استمرت 20 عاما لتجسير الهوة مع بقية المكونات.
مسجد حديث يطل على مضيق ملقة (الجزيرة)
إرث الاستعمار
بدأ الاستعمار الأوروبي لملقة عام 1511 حين أطاح البرتغاليون السلطان المحلي بعد حملة بحرية مدعومة بمدافع متطورة، وفي عام 1614، أطاح الهولنديون بالبرتغاليين، قبل أن يتنازلوا عن البلاد للبريطانيين بموجب اتفاقية عام 1824، وعلى خلاف أسلافهم، تدخل البريطانيون في الشؤون الداخلية للسكان، مما فجر سلسلة ثورات.
لكن النهضة التعليمية والثقافية مطلع القرن الـ20 أسهمت في إذكاء الروح الوطنية، خاصة مع تبادل الطلاب مع العالم العربي وبروز الصحافة المحلية مثل “رسالة السلطان”. وقد أثرت الحرب العالمية الثانية -حين احتل اليابانيون المنطقة- في تسريع الوعي بالتحرر، إذ أثار الاستعمار الجديد مشاعر رفض واسعة، قبل أن ينهزم اليابانيون ويعود البريطانيون عام 1945، لتبدأ المرحلة الحاسمة من الكفاح.
إعلان
ويشير مؤرخون إلى أن اغتيال الحاكم البريطاني هنري غورني عام 1951 مثل نقطة تحول دفعت لندن إلى التعجيل بمفاوضات الاستقلال، خاصة مع اتساع نفوذ الاشتراكيين المدعومين من الصين. وقد قايضت بريطانيا السلاطين بالاستقلال مقابل نأيهم بأنفسهم عن المقاومة الاشتراكية.
ملك ماليزيا إبراهيم إسكندر ورئيس الوزراء أنور إبراهيم أثناء الاحتفال بالذكرى 68 للاستقلال (هيئة الإعلام الماليزية)
تحديات الحاضر
رغم ما تحقق، تواجه ماليزيا اليوم جملة تحديات، من بينها تراجع الاستقرار السياسي، واستمرار الفساد، وارتفاع معدلات التضخم مقابل ضعف نمو الدخل، إلى جانب تداعيات التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر.
كما يبقى التوازن في العلاقات الخارجية تحديا محوريا، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، في ظل التوتر المتصاعد بينهما. ويزداد المشهد تعقيدا مع النزاعات الإقليمية في بحر جنوب الصين، حيث تتمسك بكين بموقفها باعتبار البحر شبه خاص بها.
على الصعيد الداخلي، ما زال خروج سنغافورة من الاتحاد الماليزي يلقي بظلاله الدستورية، حيث تنص اتفاقية انضمام الولايات الثلاث بأن تمتلك حصة الثلث في البرلمان بما يحول دون انفراد شبه جزيرة الملايو بتغيير الدستور، وبخروج سنغافورة فقدت ساراواك وصباح الشرط المعطل، حيث نقص من ممثلي الولايات الثلاث في البرلمان 15 عضوا ليصبح إلى الربع وليس الثلث.
وتستمر الخلافات حول ملكية حقول الغاز والنفط، إضافة إلى إشكاليات إدارية في مجالات الصحة والتعليم وتأخر المشاريع. وتطرح أيضا مطالب بالحفاظ على الخصوصية الثقافية والدينية للولايتين، لاسيما أن نسبة المسلمين في ساراواك لا تتجاوز 25%.
ورغم إقرار الحكومة المركزية حصة 20% من إيرادات الموارد الطبيعية للولايتين، فإن الخلافات حول آليات احتسابها ما زالت قائمة، وإلى جانب ذلك، تتجدد المطالبات بضمان الحقوق الأساسية عبر الدستور، بحيث تبقى بمنأى عن التعديل أو التغيير.
دمشق – في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سوريا، برزت حملات شعبية مثل “أبشري حوران” في درعا و”دير العز” في دير الزور كمبادرات أهلية لإحياء المناطق المنكوبة.
هذه الحملات، التي تأتي عقب نجاح “أربعاء حمص” الذي جمع 12 مليون دولار، تعكس روح التكافل الاجتماعي وتسعى إلى سد الفجوة التي خلفتها الحرب والتهميش، لكن هل تستطيع هذه الحملات أن تحل محل المشاريع الحكومية أو جهود المنظمات الدولية؟ وما الذي يدفع المجتمعات المحلية لإطلاقها؟
انطلقت حملة “أبشري حوران” السبت 30 آب 2025، في درعا، وحققت نجاحًا استثنائيًا بجمع 37 مليون دولار، متجاوزة هدفها الأولي البالغ 32.7 مليون دولار، وذلك بهدف دعم القطاعات الصحية والتعليمية والبنية التحتية.
بينما تستعد محافظة دير الزور لإطلاق حملة “دير العز” لتلبية احتياجات المدينة المنهكة. وجاءت هذه المبادرات استجابة لعوامل رئيسية:
1- التهميش التنموي: عانت درعا ودير الزور من إهمال تنموي طويل الأمد، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في إطلاق مشاريع استثمارية كبرى، مما دفع الأهالي لأخذ زمام المبادرة.
2- غياب الدعم الدولي الكافي: حيث تركز المنظمات الدولية على مناطق معينة، تاركة درعا ودير الزور خارج الأولويات بسبب التحديات الأمنية واللوجيستية.
3- الحاجة الملحة للخدمات: تدهور البنية التحتية، من مدارس ومستشفيات وشبكات مياه، دفع المجتمعات إلى البحث عن حلول ذاتية.
وتستهدف حملة “أبشري حوران” تمويل مشاريع في التعليم بقيمة (12 مليون دولار)، والصحة بقيمة (11 مليون دولار)، بينما سيتوزع باقي المبلغ على مشاريع المياه والبنية التحتية.
وفي دير الزور، تسعى حملة “دير العز” لإعادة تأهيل القطاعات الزراعية والخدمية، مثل تأهيل شعب الزراعة في القورية والعشارة، وتحسين الاقتصاد المحلي.
قال حسين النصيرات، عضو المكتب التنفيذي في درعا، في تصريحات للجزيرة نت، إن حملة “أبشري حوران… أرض الخير والشهامة”، التي انطلقت السبت برعاية المحافظ أنور الزعبي، جمعت 37 مليون دولار، متجاوزة الهدف الأولي.
إعلان
وأوضح أن الحملة تركز على ترميم المدارس، تأهيل المراكز الطبية، وصيانة آبار المياه، مؤكدًا أنها تجسد قيم الخير الحورانية، مضيفا “نسعى لجعل الحملة نموذجًا وطنيًا للتكافل والاستدامة، مع التركيز على الشفافية“.
وأشار إلى آليات تبرع مرنة، تشمل التبرعات الفورية في المساجد والتحويلات الإلكترونية عبر تطبيقات مثل شام كاش، إضافة إلى التبرع بالأسهم الخيرية بقيمة 50 ألف ليرة سورية.
وأكد توثيق التبرعات بشفافية عبر إيصالات وسجلات مصرفية، مشددا على أن الحملة تخضع لرقابة صارمة من الهيئة العامة للرقابة والتفتيش، مع لجان رقابية مجتمعية وتقارير دورية.
من جانبه، أكد مسؤول حملة “دير العز” أمين الحويش، أن الحملة تهدف إلى جمع 5 ملايين دولار لتلبية الاحتياجات الأساسية، وتشمل الأولويات ترميم المدارس، وتوفير المستلزمات الدراسية، وتحسين المراكز الصحية، وإعادة إعمار 100 منزل لعائلات الشهداء، إلى جانب إصلاح الشوارع وشبكات الصرف الصحي والكهرباء.
وأوضح أن تحسين البنية التحتية سيسهم في خفض تكاليف النقل وأسعار السلع، مما يعزز الاقتصاد المحلي. وتوقع أن تظهر التحسينات خلال ثلاثة أشهر للسلع الأساسية، وستة أشهر للمواد الإستراتيجية.
في حديث للجزيرة نت، أوضح سالم أبو السعود، معاون محافظ حمص للشؤون الإعلامية، موقف الحكومة من الحملات الشعبية مثل “أبشري حوران”، “دير العز”، و”أربعاء حمص”، قال “لا يمكن للحملات الشعبية أن تحل محل المشاريع الحكومية، نظرًا للمبالغ الضخمة المطلوبة لإعادة تأهيل بلد دمره النظام خلال 14 عامًا، ولكن الحملات الشعبية تُسهم في تعزيز التكافل الاجتماعي، وتوفير استجابة طارئة للاحتياجات الأساسية، وإعادة الأمل للمواطنين”.
وأضاف أبو السعود أن الحملات الشعبية تتميز بسرعة التنفيذ لعدم وجود بيروقراطية، مما يتيح معالجة احتياجات عاجلة مثل ترميم المدارس أو توفير الخدمات الصحية، ومع ذلك، فإن الاحتياجات تفوق قدراتها، مما يتطلب جهودًا متكاملة مع الحكومة والمنظمات الدولية.
وأشار إلى أن الحكومة تدعم هذه المبادرات كشريك في التعافي، بتسهيل العوائق الإدارية، ومنحها طابعًا رسميًا لتعزيز مصداقيتها، وتوفير إطار قانوني يضمن الشفافية واستدامة المشاريع.
وأكد أبو السعود أن الحكومة تسعى إلى تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية والمنظمات الدولية لسد الفجوة بين الاحتياجات وموارد الحملات.
وقال “نعمل على إشراك المجتمعات المحلية في تخطيط المشاريع لضمان استجابتها للاحتياجات الحقيقية، مع التركيز على القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
وأضاف أن الحكومة تشجع إنشاء لجان رقابية مجتمعية لضمان الشفافية، وتسعى لتوفير بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الخارجية لدعم التعافي طويل الأمد.
واختتم حديثه “الحملات الشعبية ليست بديلاً، بل شريكًا أساسيًا في بناء سوريا الجديدة، وتعكس إرادة الشعب في مواجهة التحديات”.
غزة- وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” الأوضاع في قطاع غزة بأنها صعبة للغاية وخطيرة جدا، واعتبرت أن دخول القطاع مرحلة التجويع جاء نتيجة الحصار المشدد وغياب المساعدات الكافية، مؤكدة أن المجاعة “صُنعت بقرار سياسي إسرائيلي”.
ويواجه السكان نقصا حادا في الغذاء والماء والدواء، ويعاني أكثر من نصف مليون شخص من جوع شديد، حسب المنظمة التي قالت إن الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، التي وثّقت إصابة أكثر من 18 ألف طفل، هي بالتأكيد أقل من الواقع.
وشددت على أنه “مع مقتل أو إصابة طفل كل 10 دقائق، فإن السبيل الوحيد لوقف قتل وتشويه الأطفال هو وقف إطلاق النار“.
وأشارت المنظمة إلى أن المدن الرئيسية في القطاع مثل غزة ودير البلح ومخيمات الوسطى وخان يونس تتجه نحو تجويع شامل، في حين تُظهر المؤشرات أن 39% من السكان يعيشون دون طعام لساعات أو أيام، بينما تواجه المنظمات العاملة صعوبات كبيرة بتوفير المساعدات والمستلزمات الضرورية للسكان بسبب قيود إسرائيل وعراقيلها.
وأكدت أن هناك “أرقاما صادمة” فيما يتعلق بالقتل والاستهداف والجوع، خصوصا بين الأطفال والنساء، مشددة على أنه “لا مجال لإنهاء المأساة في غزة إلا بوقف الحرب”.
ولمزيد من التفاصيل حاورت الجزيرة نت المتحدثة الرسمية باسم “اليونيسيف” في غزة تس إنغرام:
كيف تصفين الوضع الإنساني الحالي في غزة منذ بداية الحرب وحتى إعلان التجويع؟
منذ الأشهر الأولى للحرب، حذّرت “اليونيسيف” مرارا من أن قطاع غزة أصبح أخطر مكان في العالم على الأطفال، وأنه تحوّل إلى مكان يفتك بحياتهم. فمنذ اندلاع الحرب، يُقتل في المتوسط 27 طفلا يوميا، أي ما يعادل صفا دراسيا كاملا، ويحدث ذلك بينما يحاول الأطفال اللعب أو الدراسة أو النوم أو مجرد البحث عما يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة.
إعلان
على سبيل المثال، في 10 تموز/تموز قُتل 9 أطفال أثناء انتظارهم في طابور للحصول على مساعدات غذائية من “اليونيسيف”، وبعد 3 أيام فقط، قُتل 7 أطفال أثناء محاولتهم جلب مياه للشرب.
يُقتل الأطفال ويُصابون يوميا بالقصف، ويتعرضون لجروح دائمة وخسائر لا يمكن تعويضها، من صدمات نفسية إلى إعاقات جسدية، ويستمر ذلك بشكل يومي منذ ما يقارب عامين، والأهالي يعيشون تحت ضغط هائل وهم يحاولون حماية أطفالهم من هذا الكابوس.
وفوق ذلك، تفاقمت الأزمة الإنسانية نتيجة القيود المفروضة على دخول المساعدات والسلع التجارية إلى غزة، ولا تزال هناك فجوة كبيرة في توفر الاحتياجات الأساسية للحياة: الغذاء، والمياه، والمأوى، والدواء، والملابس.
الأطفال يعانون ويفقدون حياتهم بسبب هذه الأزمة، فقد توفي أكثر من 110 أطفال بسبب الجوع أو مضاعفاته منذ بداية الحرب، وهي وفيات كان يمكن منعها لو أُتيح للأمم المتحدة وشركائها العمل على نطاق أوسع.
المتحدثة باسم اليونيسيف تيس إنغرام (اليمين) خلال نشاط مع الأطفال في رفح جنوب غزة (اليونيسيف)
ما هي المشاهد أو القصص التي بقيت عالقة في ذهنك؟ وكيف تصفينها؟
الأطفال الذين قابلتهم وأصيبوا بجروح خطيرة هم أكثر ما يظل في ذاكرتي حتى بعد أشهر طويلة.
هذا الأسبوع مثلا، التقيت الطفلة ريتال (8 سنوات) التي أصابت قذيفة المبنى الذي كانت تختبئ فيه مع عائلتها شمال غزة، أوائل تموز/تموز الماضي، حيث قتل شقيقاها وأصيبت هي ووالدتها بجروح بالغة. وخضعت ريتال منذ ذلك الوقت لـ9 عمليات جراحية في البطن لمعالجة إصاباتها، لكن بسبب انهيار النظام الصحي في غزة لم تنجح أي منها في إنهاء معاناتها.
حين التقيتها، كانت قد أُخرجت من المستشفى لإفساح المجال لمرضى آخرين، كانت مستلقية على أرضية شقة مكتظة بعائلات نازحة، وهي تكافح عدوى في بطنها بسبب الظروف غير الصحية، والدتها تخشى ألا تنجو، بينما ريتال مصدومة لدرجة أنها توقفت عن الكلام، كانت تحدق فينا بعينيها المليئتين بالخوف والألم، عيناها قالتا أكثر من أي كلمات، هي بحاجة ماسة لإجلاء طبي خارج غزة لتلقي العلاج المنقذ لحياتها.
أجساد أطفال غزة الممزقة شهادة على الوحشية التي تُفرض عليهم (اليونيسيف)
ما أبرز الصعوبات التي تواجهونها في إيصال المساعدات للمدنيين؟
خلال وقف قصير لإطلاق النار مطلع العام الجاري، تبيّن ما يمكن أن تحققه الاستجابة الإنسانية إذا أُتيح لها الوصول وفق المبادئ، وفي تلك الفترة، تمكنت الأمم المتحدة وشركاؤها من إدخال نحو 600 شاحنة يوميا وتوزيع المساعدات عبر أكثر من 400 نقطة في أنحاء غزة.
لكن منذ 2 آذار/آذار الماضي، أدت القيود الشديدة على دخول المساعدات وعودة الحرب إلى تقليص تدفقها إلى الحد الأدنى، وتسببت بموجات نزوح جديدة، وأدت إلى انهيار النظام العام.
المساعدات التي دخلت غزة خلال الشهرين الماضيين لا تفي بالحد الأدنى لبقاء أكثر من مليوني شخص، كما أن هناك تحديات إضافية تعيق إدخال المساعدات أو نقلها من المعابر إلى داخل غزة، منها:
الرفض المتكرر أو التأخير أو العوائق التي تفرضها إسرائيل على حركة العاملين الإنسانيين، خاصة من وإلى المعابر.
حالة الخوف واليأس التي تدفع بعض الأهالي إلى محاولة أخذ المواد مباشرة من الشاحنات قبل التوزيع.
انهيار النظام العام وما يرافقه من حوادث نهب.
استمرار القتال وما يرافقه من تهديد للعاملين والمواقع الإنسانية.
ضعف الاتصالات وتضرر الطرق ونقص المعدات الأساسية داخل غزة مثل الشاحنات وقطع الغيار.
حوادث إطلاق نار أودت بحياة مدنيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات أو تفريغها.
إعلان
هذه العوامل مجتمعة تُعرّض حياة العاملين والسكان لمخاطر كبيرة، وتجبر وكالات الإغاثة، أحيانا، على تعليق نقل المساعدات من المعابر. وفي النهاية، تتضرر الأسر لأن القليل من المساعدات التي تدخل لا يصل إليهم بسرعة.
كيف تؤثر القيود على الحركة وإغلاق المعابر على عمل “اليونيسيف”؟
المعابر ليست مكانا مفتوحا نستطيع الوصول إليه بأي وقت، بل يتطلب الأمر موافقات مسبقة، وفي أحيان كثيرة تُرفض طلباتنا أو تتأخر الموافقات لساعات طويلة، مما يستهلك قدراتنا التشغيلية. وفي الجنوب، قد تستغرق رحلة شاحنة واحدة لجلب المساعدات من المعبر وإعادتها إلى القاعدة بين 10 و20 ساعة.
حتى عندما نحصل على الموافقات، قد تمنع الظروف الأمنية إتمام المهمة. ومع ذلك، استطاعت فرق “اليونيسيف” خلال الأيام الماضية جمع مئات الطرود من الأغذية العلاجية واللقاحات والحفاضات رغم كل التحديات، وهذا دليل على التزام الفرق بخدمة الأطفال، لكننا بحاجة إلى بيئة آمنة ومستقرة لإدخال المزيد من الإمدادات بشكل أسرع ودون عوائق.
غزة باتت المكان الأخطر في العالم بالنسبة للنساء والأطفال (الأناضول)
ما حجم تأثير الحرب على الأطفال من حيث التعليم والصحة النفسية والتغذية؟
التجويع يتفاقم في مدينة غزة ويهدد بالانتشار إلى مناطق أخرى، تجويع من صنع الإنسان كان يمكن تجنبه، لكنه يحصد أرواح الأطفال، لقد وصلت معدلات سوء التغذية الحاد إلى أكثر من 15% في بعض المناطق، وهو مستوى أعلى من عتبة المجاعة المعترف بها عالميا.
التعليم كذلك شبه منهار، والعام الدراسي الجديد سيبدأ الأسبوع القادم، لكن لأطفال غزة سيكون العام الثالث على التوالي دون دراسة. طفل يبلغ من العمر 9 سنوات لم يبدأ يومه الدراسي الأول بعد.
كل طفل في غزة عاش مستويات لا توصف من الخوف والمعاناة، وتقدّر “اليونيسيف” أن نحو مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي.
هل هناك بيانات حديثة عن معدلات سوء التغذية أو فقدان التعليم؟
في تموز/تموز 2025 وحده، تم تشخيص ما يقارب 13 ألف طفل بسوء تغذية حاد –أي أكثر بـ6 مرات من الحالات المسجلة في شباط/شباط الماضي، هذه الزيادة المطّردة رافقها ارتفاع في الوفيات المرتبطة بسوء التغذية.
أما المباني المدرسية المتضررة فقد بلغت نسبتها 95.5%، و88.5% منها بحاجة لإعادة بناء أو إصلاحات كبرى، و”اليونيسيف” أنشأت مراكز تعليم مؤقتة، لكنها لا تعوض عن المدارس النظامية التي يتطلع إليها الأطفال.
النساء في غزة يجدن صعوبة لإطعام وحماية أطفالهن في غياب الغذاء والدواء (اليونيسيف)
ما أبرز البرامج التي تنفذها “اليونيسيف” حاليا رغم الظروف؟
نواصل العمل رغم كل التحديات. نحن نُحصّن الأطفال باللقاحات، ونعالج حالات سوء التغذية في مراكز الاستقرار، وندعم وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة، ونوفر خدمات للأطفال المنفصلين عن ذويهم، ونقدّم دعما نفسيا للأطفال وأسرهم، وننفذ جلسات تعليمية في مراكز مؤقتة، وننقل المياه إلى أماكن النزوح ونصلح الآبار، ونقدم مساعدات نقدية للأسر الأكثر هشاشة حتى تتمكن من شراء احتياجاتها من السوق المحلية، وغير ذلك الكثير.
كيف تنظرون إلى آفاق العمل الإنساني في ظل استمرار الحرب؟
خططنا للتوسع واضحة، وكل ما نطلبه هو أن يُسمح لنا بتنفيذها. خلال فترة الهدنة أثبتنا أن ذلك ممكن وينقذ الأرواح. ومن الضروري أن تصل المساعدات المنقذة للحياة بسرعة وبكميات كافية، فالاحتياجات لا تقتصر على الغذاء فقط، بل تشمل المياه، والصرف الصحي، والأدوية، المأوى، الملابس، والوقود لتشغيل الخدمات، وغاز الطهي للأسر.
ما الرسالة التي تودون توجيهها للمجتمع الدولي اليوم؟
ندعو جميع الأطراف لإعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار باعتباره السبيل الأفضل لحماية الأطفال من القتل والإصابة. كما ندعو إلى مراجعة عاجلة لقواعد الاشتباك العسكرية لضمان حماية المدنيين، وخاصة الأطفال، ونطالب الدول الأعضاء باستخدام أدواتها الدبلوماسية لضمان احترام القانون الدولي.
لا ينبغي أن يُقتل أي طفل أثناء انتظاره في طابور للحصول على الغذاء أو المياه، نحن قلقون بشدة أيضا من احتمال تصعيد العمليات العسكرية في مدينة غزة، حيث يعيش مليون شخص في ظروف التجويع، ويجب ألا تُجبر العائلات على النزوح، بل حمايتها سواء بقيت أو غادرت.
ندعو الدول الأعضاء لزيادة جهودها بشكل عاجل ومستدام للسماح بدخول المساعدات بكامل أنواعها إلى غزة بسرعة وعلى نطاق واسع، وتهيئة الظروف لتوزيعها بأمان، ونحتاج إلى مزيد من المساعدات وبشكل عاجل لوقف تفشي المجاعة.
كما يجب حماية ما تبقى من النظام الصحي في غزة وتعزيزه بشكل عاجل، والسماح بدخول الإمدادات الطبية والوقود لتغطية الاحتياجات الحرجة، خاصة لحديثي الولادة في الحاضنات والأطفال المرضى والمصابين، وفي الوقت نفسه، يجب إجلاء الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية متخصصة غير متوفرة داخل غزة، ليحصلوا على العلاج المنقذ لحياتهم.
أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قراراً يقضي بإنهاء الحماية الأمنية من جانب جهاز الخدمة السرية لنائبة الرئيس السابقة، كامالا هاريس، بعد مضي سبعة أشهر على تركها مهام منصبها في أعقاب إخفاق حملتها الرئاسية.
وينص القانون على تولى جهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة توفير حماية أمنية تمتد لستة أشهر لنائبي الرئيس السابقين وأفراد أسرهم عقب انتهاء فترة ولايتهم.
بيد أن تلك الفترة يمكن تمديدها، وقد أفادت تقارير بأن الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، آذار هذا الحق قبل مغادرة منصبه.
وأثار الإجراء الذي اتخذه ترامب جدلاً، إذ وصفه حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، وكذلك رئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارين باس، بأنّه قرار ينطوي على دوافع سياسية.
وفيما يلي ما نعرفه عن القرار حتى الآن.
ما السبب الذي دفع بايدن إلى تمديد الحماية الأمنية لهاريس؟
نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس (يسار) والرئيس السابق جو بايدن في غرفة روزفلت في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الأحد 14 تموز/تموز 2024 (صورة أرشيفية)
لم يصدر، حتى الآن، أي تعليق من بايدن أو هاريس، بشأن أسباب تمديد الحماية الأمنية لها لمدة تتجاوز المهلة القانونية المحددة بستة أشهر، وأفادت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية بأن بايدن أصدر توجيهاً غير معلن سابقاً بتمديد الحماية لمدة عام كامل، وذلك قبيل مغادرته منصبه.
ومن الناحية القانونية يعد قرار بايدن ضمن صلاحياته المشروعة.
ويحق لجهاز الخدمة السرية، بمقتضى قانون مصدّق عليه عام 2008، تقديم الحماية الأمنية لنواب الرئيس السابقين، وأزواجهم، والأبناء الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً عقب مغادرة المنصب.
وعلى الرغم من أن القانون يحدد مدة الحماية بستة أشهر كحد أقصى، إلا أن وزير الأمن الداخلي يمتلك صلاحية تتيح له إصدار قرار يقضي بتوفير “حماية مؤقتة” في الحالات التي تستدعيها “المعلومات أو الظروف الراهنة”.
وقال رونالد كيسلر، الخبير في شؤون جهاز الخدمة السرية، لبي بي سي: “بصرف النظر عن الأبعاد السياسية، فإن ذلك يُعد إجراء روتينياً”.
هل هاريس في خطر؟
نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس خلال حديث مع مسؤولة الأمن القومي السابقة في إدارة ترامب أوليفيا تروي والناخبة الجمهورية السابقة أماندا ستراتون في 17 تموز/تموز 2024 في كالامازو بولاية ميشيغان (صورة أرشيفية)
أفادت مصادر مطلعة لشبكة “سي بي إس”، الشريك الإخباري لبي بي سي في الولايات المتحدة، بأن عمليات تقييم التهديد الأخير لهاريس لم تثبت وجود أي مؤشرات مقلقة تبرّر تمديد ترتيبات الحماية الخاصة بها.
بيد أن بعض مصادر فريق هاريس أفادت بأنه، نظراً لكونها أول امرأة وأول شخص من ذوي أصول عرقية خارجية تتبوأ منصب نائب الرئيس، وكانت مرشحة في انتخابات رئاسية محتدمة ومؤثرة، فإنها قد تتعرض لتهديدات إضافية.
وكان قد أُعلن عن عدد من التهديدات الموجهة إلى هاريس أثناء شغلها منصب نائب الرئيس وأثناء ترشحها للرئاسة في عام 2024.
كما اعتقلت السلطات عدداً من الرجال ووجهت إليهم اتهامات من بينها تهديدات إلكترونية بحق هاريس في عام 2024، وفي واقعة أخرى، اعترفت سيدة من ولاية فلوريدا في عام 2021 بتوجيه تهديدات لهاريس، وقالت السيدة إنها أرسلت مقاطع فيديو إلى زوجها الذي يقضي عقوبة السجن أظهرت فيها أسلحة نارية، وزعمت إمكانية تنفيذ “عملية اغتيال” خلال خمسين يوماً.
وفي آذار/آذار، بعد أن غادرت هاريس منصبها، اعتقلت السلطات رجلاً من فلوريدا بعد أن أفادت أنباء بأنه هدد باغتيالها ببندقية قناصة.
بيد أن كيسلر قال إنه بالمقارنة بسياسيين آخرين، فإن هاريس “لم تُحدث قدراً كبيراً من الجدل بحسب ما أراه”.
وأضاف: “أرى أنّ هذا قرار صائب لجهاز الخدمة السرية”.
ويأتي قرار رفع الحماية الأمنية عن هاريس قبل أسابيع قليلة من انطلاق جولتها في عدد من المدن للترويج لكتابها الذي يحمل عنوان “107 أيام”، والذي يركز على حملتها الرئاسية القصيرة غير الناجحة.
وبحسب كيسلر، فإن تنفيذ مثل هذه المهمة يزيد من أعباء جهاز الخدمة السرية، الذي يعاني من نقص في الموظفين والموارد، فضلاً عن تحمل الجهاز مسؤولية حماية الشخصيات الدولية وكبار الضيوف خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر أيلول/أيلول.
وقال: “سيستلزم الأمر، ربما، نشر نحو اثني عشر من جهاز الخدمة السرية في جميع أنحاء البلاد لمتابعة هاريس خلال جولتها الرئيسية، وهذا يُشكل ضغطاً كبيراً على الجهاز”.
ما هي عناصر الأمن التي يُتخذ قرار بإلغائها؟
أفراد أمن يراقبون من الأعلى بينما تستعد المرشحة الديمقراطية للرئاسة ونائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس الصعود على متن طائرة الرئاسة الثانية في مطار هاري ريد الدولي في الأول من تشرين الثاني/تشرين الثاني 2024 في لاس فيغاس، نيفادا (صورة أرشيفية)
وتتجاوز حماية جهاز الخدمة السرية حدود الأفراد المسؤولين عن قيادة السيارات ومرافقة الشخص الخاضع للحماية، وكذلك حمايته وحماية أسرته المباشرة.
علاوة على ذلك، يُناط بجهاز الخدمة السرية مهمة تأمين المنازل، مثل مقر إقامة هاريس في لوس أنجلوس، بما في ذلك تركيب أنظمة الإنذار والحماية، ويقوم أفراد الجهاز مسبقاً بتحديد ورصد التهديدات المحتملة، سواء كانت مرسلة عبر الوسائل الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي.
ولا يُعرف حجم تكاليف تلك الحمايات، كما أن جهاز الخدمة السرية لم يعلن عنها.
وقد تصل تكلفة الحماية الخاصة للمشاهير وكبار الشخصيات وقادة الأعمال إلى ملايين الدولارات سنوياً، بحسب شدة التهديدات ودرجة الحماية المطلوبة.
فعلى سبيل المثال أفادت تقارير بأن شركة “ميتا” دفعت ما يزيد على 23 مليون دولار أمريكي لتوفير الحماية الشخصية لمارك زوكربيرغ في عام 2023، بما في ذلك 9.4 مليون دولار تكاليف أمنية مباشرة.
هل هذا إجراء انتقامي من ترامب ينطوي على دوافع سياسية؟
ألغى ترامب سابقاً الحماية الأمنية المقدمة من جهاز الخدمة السرية لمؤيدين وخصوم سابقين على حد سواء
عقب الإعلان عن رفع الحماية الأمنية عن هاريس، سارع بعض مؤيديها والساسة من منتقدي ترامب إلى وصف الإجراء بأنه ينطوي على دوافع سياسية من جانب الرئيس.
وكان ترامب قد أقدم سابقاً على رفع الحماية الأمنية المقدمة من جهاز الخدمة السرية عن كل من المؤيدين والخصوم السابقين على حد سواء، ومن بينهم هانتر وآشلي بايدن، أبناء الرئيس السابق، وكذلك أنطوني فوسي، المدير السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
كما ألغى الحماية الأمنية الممنوحة لعدد من المسؤولين السابقين في إدارته وحلفائه، ومن بينهم وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو، وجون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الذي أصبح منتقداً صريحاً للرئيس.
وقال بوب سالادي، المتحدث باسم حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، لشبكة “سي إن إن” الإخبارية: “سلامة مسؤولينا لا ينبغي أن تصبح رهينة دوافع سياسية متقلبة أو انتقامية على الإطلاق”.
وأوضح كيسلر أنّ جهاز الخدمة السرية، الذي يعاني من نقص حاد في كوادر العمل، من المحتمل أن يعيد توجيه جهوده نحو التهديدات الأكثر إلحاحاً، بما في ذلك التهديدات الموجهة إلى ترامب وفريق إدارته.
وأضاف: “ربما يرضي ذلك الرئيس ترامب، إلا أنّ هناك أسباباً عملية حقيقية ومقنعة”.
وثمة اعتقاد بأن نائب الرئيس السابق، ديك تشيني، هو الشخص الوحيد الآخر الذي مُنح تمديد الحماية الأمنية له من جهاز الخدمة السرية بعد انتهاء ولايته، بموجب قرار من الرئيس الأسبق باراك أوباما.
هل تختلف اللوائح المطبقة على الرؤساء السابقين؟
على خلاف نواب الرئيس السابقين، فكل من تولّى رئاسة البلاد يتمتع بحماية أمنية دائمة مدى الحياة، ما لم يقرر التنازل عنها طواعية.
ففي عام 1994، ومن منطلق تقليل التكاليف، قرّر الكونغرس تقييد الحماية الممنوحة للرؤساء السابقين وأزواجهم بعشر سنوات عقب انتهاء ولايتهم.
بيد أن أوباما وقّع في عام 2013 قانوناً يقضي مجدداً بمنح الحماية الأمنية مدى الحياة، ويشمل هذا القانون حالياً الرؤساء السابقين، جورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، وأوباما، وبايدن.
ومن المعروف أن الرئيس الوحيد الذي اختار التنازل عن الحماية الأمنية الممنوحة له كان ريتشارد نيكسون في عام 1985.
وقال أعضاء فريقه، في ذلك الوقت، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إنه اتخذ هذا القرار لتقليل نفقات الوكالة.