قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل الشكوك والظنون التي تطلعت لضغوط داخلية ورهانات خارجية تعيده إلى طاولة التفاوض معلنا الذهاب نحو احتلال مدينة غزة والقبول بصفقة شاملة وفق شروط تل أبيب.
ويأتي تمسك نتنياهو بهذا التوجه في ظل سياسته لتكريس الخيار العسكري، إذ يعتبر احتلال غزة الحلقة الأخيرة لإخضاع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.
ويمضي رئيس الوزراء الإسرائيلي -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية– بعيدا في هذا التوجه غير آبهٍ بالضغوط الإسرائيلية والدولية، في ظل دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتيار يميني أيديولوجي في إسرائيل، مثلما يقول مصطفى لبرنامج “مسار الأحداث”.
كما تبرز “نفسية” نتنياهو -الذي يعتقد أن حرب غزة تختلف عن حروب لبنان وسوريا وإيران- إذ يراها “مسألة حياة أو موت”، لذلك “لا يهتم للاحتجاجات الشعبية ومطالب النخب السياسية والعسكرية لوقف الحرب”.
تفاوض “تكتيكي”
وإضافة إلى هذا التوجه، لجأ نتنياهو إلى المفاوضات كخيار تكتيكي لكي يخدم حرب الإبادة الجماعية وتخدير الرأي العام في فلسطين وإسرائيل والعالم، وفق الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي.
وفي ضوء مشهد الاستسلام الذي يريده نتنياهو، فإن لا خيار أمام حماس وفصائل المقاومة سوى المواجهة حسب عرابي، خاصة أن عملية “عربات جدعون 1″ فشلت بإسقاط حماس سياسيا والقضاء عليها عسكريا.
ومع استحضار نتائج العمليات العسكرية السابقة خلال الحرب، تتصاعد المخاوف في إسرائيل “من الاستمرار بحرب لا تحقق الأهداف”، في ظل استمرار كمائن المقاومة وقدرتها على التكيف مع الواقع الميداني المتغير رغم أن موازين القوى تصب بالكامل لصالح الاحتلال.
في المقابل، يقف الشعب الفلسطيني وحيدا في لحظة تاريخية، في وقت تريد فيه إسرائيل حسم المعركة عسكريا وسياسيا، في ظل مفهوم “النصر المطلق” الذي يتبناه نتنياهو وشروطه الخمسة.
إعلان
وفي هذا السياق، ذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية أن الخطة الوحيدة المطروحة هي إخضاع حماس وإبرام صفقة شاملة وفق الشروط الـ5.
وكان مكتب نتنياهو قد أعلن -قبل 10 أيام- أن الحكومة متمسكة بشروط نزع سلاح حماس وقطاع غزة وإعادة المحتجزين وسيطرة أمنية إسرائيلية وحكم مدني بديل لحماس والسلطة الفلسطينية.
“فشل متوقع”
وبنظرة عسكرية، قد يكون الفشل مصير خطة احتلال مدينة غزة -التي أطلق عليها الاحتلال “عربات جدعون 2”- بعد فشل “خطة الجنرالات” و”عربات جدعون 1″، وفق كلام الخبير العسكري اللواء فايز الدويري.
وهدفت خطة الجنرالات للسيطرة على المنطقة الشمالية بأكملها انطلاقا من محور نتساريم، في حين كانت “عربات جدعون 1” أكثر شمولا ومحورها التهجير إلى جنوبي محور موراغ ومدينة رفح ومن ثم السيطرة على الأرض والقضاء على حماس.
وأعرب الدويري عن قناعته بأن خطة احتلال غزة -التي بدأت مرحلتها التمهيدية- سيكون مصيرها الفشل، معتبرا أنها أقرب لـ”خطة الجنرالات” من “عربات جدعون 1”.
وتعود الأسباب -حسب الخبير العسكري- إلى عدم قدرة جيش الاحتلال على مواكبة التغييرات التي تجريها المقاومة في طريقة إدارة المعركة، فضلا عن تعارض الأهداف والإطار العملياتي بين العمل العسكري واستعادة الأسرى.
وشدد على أن ورقة الأسرى تبقى ورقة القوة الأساسية بيد حماس إضافة إلى البندقية، مشيرا إلى أن نتنياهو ووزراءه يعتقدون أنه لا قيمة لحياة الأسرى في سبيل تحقيق الأهداف الأيديولوجية خلافا لمطالب الشارع الإسرائيلي.
مع مرور 23 شهرا على الحرب الدائرة بين إسرائيل ومحور المقاومة بقيادة إيران، انهارت جميع الركائز السياسية والأمنية التقليدية في الشرق الأوسط، من اتفاقية “سايكس- بيكو” (1916)، و”اتفاق الطائف” (1989)، و”اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974″ بين سوريا وإسرائيل، وغيرها.
وفي الوقت نفسه، يسعى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني، بالتنسيق مع واشنطن، إلى إعادة صياغة النظام السائد في منطقة “المشرق العربي”.
فبعد أن تكبد نتنياهو إحدى أعنف الهزائم الاستخباراتية والعسكرية في تاريخ إسرائيل خلال عملية “طوفان الأقصى” 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، قرر الدخول في “معركة وجودية” مع إيران وحلفائها، معلنا عزمه على “تغيير وجه الشرق الأوسط”، كما قال في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الهدف المركزي للحملة العسكرية الإسرائيلية، هو إعادة تشكيل النظام الإقليمي عبر إضعاف أو تفكيك محور المقاومة، وربط شرق المتوسط بجنوب الخليج من خلال توسيع اتفاقيات “أبراهام”، وتفعيل مشروع “ممر آيمك”.
لكن بعد “الحرب الحديثة” في حزيران/حزيران بين طهران وتل أبيب، تخلت إيران عن سياسة “الهروب من فخ الحرب”، وبدأت بإحداث تغييرات واسعة على مستوى البنى السياسية والقيادات، استعدادا لموجة تهديدات جديدة من جانب الكيان الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، جاء تعيين علي لاريجاني أمينا جديدا للمجلس الأعلى للأمن القومي، وإنشاء “المجلس الأعلى للدفاع”، كإشارتين بارزتين إلى مرحلة جديدة في السياسة الإيرانية الهادفة إلى “استعادة الردع” في مواجهة التهديدات الخارجية.
ومن هنا تفهَم زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق إلى العراق ولبنان، بوصفها جزءا من سياسة ميدانية تهدف إلى ترميم وإحياء محور المقاومة، كما تؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، وقادة فصائل المقاومة، والمستجدات الميدانية الأخيرة.
سعي لإحياء “حلقة النار” حول إسرائيل
لقد أدت حربا جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان، وامتلاك إسرائيل السلاح النووي، والعلاقة الإستراتيجية الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب، إلى دفع إيران نحو البحث عن توازن إقليمي من خلال سياسة تعزيز وتنظيم القوى “المناهضة للهيمنة”، المعروفة باسم محور المقاومة، وفق إستراتيجية “الحرب غير المتماثلة”.
إعلان
وفي السنوات الأولى من هذه السياسة، صرح ملك الأردن عبدالله الثاني عام 2004 بظهور ما سماه “الهلال الشيعي” في الشرق الأوسط. أما المسؤولون ومراكز التفكير الإسرائيلية، فقد أطلقوا على هذه الإستراتيجية مصطلح “حلقة النار”.
تقوم هذه المقاربة على إبقاء الحرب بعيدة عن الحدود الإيرانية عبر استنزاف القوات الأميركية على الجبهتين الشرقية والغربية، وخلق حالة من “الحصار” في البيئة المحيطة بإسرائيل، بحيث تعتمد على “حرب استنزاف” في “المجال الرمادي” لمنع الماكينة العسكرية الإسرائيلية من التوغل شرقا نحو المشرق ثم إيران.
وقد شكلت حرب لبنان 2006 (حرب الـ33 يوما) محطة فارقة، إذ نجح حزب الله لأول مرة في وقف تقدم الجيش الإسرائيلي ومنع احتلال بيروت بالكامل، مما مهد لانكسار القوات الإسرائيلية. هذا التطور أثبت قدرة إيران ومحور المقاومة على فرض توازن يمنع إسرائيل من العبث بالحدود الدولية بشكل كامل.
لكن أحداث “الربيع العربي” خلقت معضلة “الأمن الإقليمي” بالنسبة للدول العربية تجاه الدور الإيراني، بل وحتى تجاه قوى غير عربية مثل تركيا. هذا الشعور بالخطر تجسد في العقد الثاني من القرن الـ21 عبر اتفاقيات “أبراهام”.
إعادة ضبط العلاقة بين فصائل المقاومة والدول المحلية
بلغت سياسة “حلقة النار” ذروتها خلال معركة “طوفان الأقصى” وتفعيل إستراتيجية “وحدة الساحات”:
الحلقة الأولى: غزة والضفة الغربية.
الحلقة الثانية: لبنان واليمن.
الحلقة الثالثة: إيران والعراق.
ومن تشرين الأول/تشرين الأول 2023 حتى أيلول/أيلول 2024، كان الهدف الضغط على إسرائيل لفرض وقف الحرب في غزة وإقرار هدنة. لكن مع اندلاع “الحرب الثالثة في لبنان” تغيرت المعادلة.
فقد أطلق نتنياهو، بالاعتماد على قدرات الجيش والاستخبارات، “لعبة عالية المخاطر” ضد محور المقاومة عبر حملة اغتيالات وضربات جوية واسعة، وألحق أضرارا جسيمة بالقيادة السياسية والعسكرية لحزب الله.
كما أن سقوط نظام الأسد، وتضييق قنوات الإمداد اللوجيستي بين إيران وحزب الله أفضيا إلى معادلة جديدة على “الجبهة الشمالية”. وهكذا وجد حزب الله نفسه، بعد القبول بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 لمجلس الأمن، في موقع دفاعي، يواجه تحدي “نزع السلاح” ضمن تسوية مع الدولة اللبنانية.
في هذا السياق بالذات، جاءت زيارة علي لاريجاني إلى بغداد وبيروت. هذه الزيارة أثارت تساؤلات لدى الرأي العام العراقي، واللبناني حول أهدافها في ظل الظروف الحساسة.
وخلال لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، قال لاريجاني في مؤتمر صحفي: “أنا مسؤول الأمن القومي في إيران، وأؤكد أن إيران لا تنوي التدخل في شؤون الدول، خصوصا لبنان. على الدولة اللبنانية أن تتحاور مع جميع الطوائف للوصول إلى اتفاق.
من يتدخل في شؤونكم هو ذاك الذي يأتيكم من آلاف الكيلومترات ليقدم خططا وجداول زمنية. نحن لم نفرض خطة عليكم. لا تخلطوا بين العدو والصديق. المقاومة هي رصيد وطني لكم ولكل الدول الإسلامية”.
هذا التصريح يعكس مرحلة جديدة في علاقة إيران بمحور المقاومة، حيث تسعى طهران إلى تقليل “شيطنة” أذرع المقاومة عبر تقديم نفسها وسيطا يمكّن بغداد وبيروت من إدارة هذه القوى.
إعلان
وبحسب هذه الرؤية، يصبح “الحشد الشعبي” جزءا من البنية الرسمية للدولة العراقية، فيما يتحول حزب الله إلى ذراع عسكرية- أمنية ضمن الدولة اللبنانية في مواجهة التهديدات الخارجية.
الهدف ليس الاندماج الكامل لهذه القوى في القوات المسلحة أو نزع سلاحها، بل جعلها كيانات طليعية منضبطة تعمل تحت إشراف الدولة، وتظل جاهزة لمواجهة أي عدوان خارجي.
هذه المقاربة الجديدة تعتبر امتدادا للتفاهمات التي أبرمت في “اتفاق بكين” (آذار/آذار 2023) بين إيران والسعودية، وما نتج عنه من مناخ جديد في المشرق العربي.
هل يمتد لهيب الحرب المقبلة إلى المنطقة بأسرها؟
أدت المشاركة المحدودة لحلفاء إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوما إلى عجز طهران عن استخدام كامل إمكاناتها في التصدي للعدوان الإسرائيلي، ومنع انجرار الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية جديدة.
لكن دروس حرب حزيران/حزيران دفعت إيران إلى تعزيز دعمها لحزب الله كقوة مسلحة في مواجهة “التهديد الوجودي” الإسرائيلي، وإلى تزويد جماعة أنصار الله اليمنية بصواريخ جديدة، الأمر الذي غير توازن القوى مجددا.
ومع تفعيل آلية “سناب باك” من جانب الترويكا الأوروبية بهدف إعادة العقوبات الأممية ضد إيران، ارتفعت احتمالات نشوب جولة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل.
وفي حال أقدم نتنياهو على مغامرة عسكرية جديدة، يتوقع أن تتسع رقعة الحرب لتقترب أكثر من كابوس “الحرب الإقليمية الشاملة”. ولا يمكن للكيان الإسرائيلي وحلفائه احتواء المواجهة مع إيران إلا إذا تمكنوا، قبل بدء أي حرب مباشرة، من توجيه ضربات قاسية إلى أذرع محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق.
أما في ظل مرحلة الترميم وإعادة بناء القدرات، فإن عامل الزمن يعمل لصالح إيران ومحور المقاومة، فيما يتعين على إسرائيل عاجلا أم آجلا اتخاذ قرار بشأن “الشوط الثاني” من هذه الحرب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
برشلونة- في تمام الساعة الثالثة من عصر الأحد، اشتعلت المحركات، وأطلقت السفن أبواقها، معلنة بدء المهمة، لكن هذه المرة ليست سفينة واحدة منفردة، بل العشرات من سفن أسطول الصمود العالمي، التي تزينت بالأعلام الفلسطينية، واعتلاها المئات من المشاركين.
ومُلئت السفن بمساعدات إنسانية وغذائية وطبية عاجلة، ومن قبل ذلك بالهمة العالية والحماس الذي لا يتوقف، والوجهة واحدة؛ غزة، والهدف، كسر الحصار عنها.
ومن ورائهم، وعلى طول رصيف ميناء برشلونة الإسباني وقف آلاف الأشخاص الذين قدموا من مختلف الجنسيات والمناطق الإسبانية، لوداع ومؤازرة زملائهم، وعائلاتهم، أو لنشطاء لا يعرفونهم، لكنهم قدموا لإظهار دعمهم لحرية فلسطين، وللمطالبة بكسر الحصار عن غزة.
هنا، علت أصوات المشاركين بهتافات لطالما صدحوا بها في الشوارع، “الحرية لفلسطين، من النهر للبحر”، “إنها ليست حربا، إنها إبادة“، “إسرائيل ليست دولة، إنها احتلال”.
المودعون لأسطول الصمود في برشلونة هتفوا بالحرية لفلسطين ونددوا بالإبادة في غزة (الجزيرة)
بكل اللغات
أصوات الحضور لم تتوقف على مدى 5 ساعات كاملة، فالكل يهتف رغم درجة الحرارة المرتفعة، أما أشد ما يلفت الانتباه فكان تنوع لغات الحاضرين، فهذا شخص يهتف باللغة الإنجليزية، وتلك فتاة تصرخ بالعربية، ومجموعة على الطرف الآخر بالفرنسية، وأخرى بالإيطالية.. لقد بدا الوداع عالميا بامتياز.
ولم يقتصر الأمر على الهتافات، فاللوحات الموسيقية بمختلف أشكالها الشعبية كانت حاضرة أيضا، وكان الجميع يحاول أن يوصل رسالة واحدة، ولسان حالهم يقول: إننا مهما اختلفت ثقافاتنا وأشكالنا وجنسياتنا، نحن هنا متفقون على شيء واحد؛ الحرية لفلسطين، وأن تتوقف الإبادة في غزة، وأن يكسر الحصار الإسرائيلي عنها.
بالدموع والهتاف ودّع الآلاف أسطول الصمود في ميناء برشلونة (الجزيرة)
دموع الفخر
“غزة.. نحن قادمون ولن نتوقف، وإذا أوقفونا سنعود مرة أخرى، وسنستمر حتى نكسر الحصار، نحن لا يمكن إيقافنا”، بهذه الجملة أنهى المشارك الفرنسي آدريان بيردهيل لحظاته الأخيرة في الميناء قبل صعوده نحو أحد قوارب الأسطول.
إعلان
وأضاف للجزيرة نت “إبحارنا لا يعني أنه لا يمكن عمل شيء إضافي، علينا أن نعمل معا، وأن نستمر بالضغط على الحكومات المتواطئة في الإبادة، القوارب شيء مهم، لكن التحرك المجتمعي هو أمر مهم أيضا، وعلينا أن نستمر بالحراك”.
وإلى جانبه وقفت الطبيبة الفرنسية جويل تسشاتسير، والتي سبق أن زارت غزة 3 مرات، وقالت للجزيرة نت إن ما شاهدته خلال الحرب دفعها لبذل مزيد من الجهد لمحاولة فك الحصار عن غزة، وأنها تتمنى أن تصل إلى هناك مرة أخرى.
ودَّع كل من آدريان وجويل ذويهم ومحبيهم، ومضوا إلى سفنهم، ليتكرر مشهد الوداع المؤثر المليء بدموع الفخر مع العشرات من المتطوعين والمشاركين الآخرين، لكن تصفيق الجمهور وتشجيعهم كان كفيلا برفع حماس المشاركين وتحفيزهم ليستمروا بما بدؤوا به.
حرص العديد من الإسبان المقيمين في محافظات ومدن أخرى أن يكونوا جزءا من لحظات الوداع الأخيرة للأسطول، فاحتشدوا منذ ساعات الصباح الباكر في الميناء، رافعين أعلام فلسطين ولافتات كتبوا فيها شعارات الدعم والتحفيز للأسطول، بينها لوحة كتب عليكم “شكرا لأنكم كنتم صوتنا”.
تقول آنا سانشيز، القادمة من مدريد، للجزيرة نت “كان الأمر مؤثرا للغاية، شعرت وكأنني أعيش لحظة تاريخية، لم أستطع حبس دموعي، كل ما أتمناه أن يصلوا بسلامة”.
أما صديقتها جوليا فتذكرت تلك اللحظات التي كانت فيها ضمن المسيرة العالمية نحو غزة في حزيران/حزيران الماضي، وقالت للجزيرة نت إنه مقارنة بين الفعالتين “فالأمور هنا أكثر إثارة وحماسة، أعلام فلسطين في كل مكان، إنه شعور لا يمكن وصفه، لم نشعر بذلك عندما كنا على بُعد عدة كيلومترات قليلة من غزة”، مؤكدة أن مستوى التضامن في الميناء كان عظيما جدا.
تزامنا ووداع أسطول الصمود نظمت في مدن إسبانية أخرى أنشطة تضامنية عدة مع غزة (الجزيرة)
وتزامنا مع انطلاق عشرات السفن من ميناء برشلونة نحو المياه الدولية في البحر المتوسط باتجاه غزة، نظم نشطاء في عدة مدن إسبانية الأنشطة تضامنية أخرى، جمعت أولئك الذين لم يتمكنوا من السفر إلى برشلونة لوداع الأسطول.
وكانت أحد هذه الأنشطة التضامنية بعنوان “من نهر مدريد إلى بحر غزة” والتي حرص فيها المشاركون على إرسال رسائلهم التضامنية أيضا من مدنهم.
تصاعدت التساؤلات حول جدية التهديدات الأميركية بالانسحاب من الوساطة في الأزمة الأوكرانية الروسية، وذلك بعد تصريحات حول انزعاج البيت الأبيض من عدم إبداء الطرفين مرونة في المواقف.
وكان مسؤول بالبيت الأبيض قد كشف أن الرئيس دونالد ترامب يبحث جديا التراجع عن جهود وساطته في الحرب الروسية الأوكرانية، ما لم يبد أحد الطرفين مرونة إضافية.
فلماذا قد يتخلى ترامب عن دور الوساطة بهذه الأزمة؟ ومن وجهة نظر الخبير بالشؤون الدولية الدكتور بول ديفيس فإن ترامب يسعى لضمان التوازن والتقدم من الجانبين منذ بداية عهده في كانون الثاني/كانون الثاني، لكنه يواجه تحدياً كبيراً في عدم استعداد أوكرانيا للتراجع عن أراضيها، كما لم تغير روسيا مطالبها منذ بداية العملية العسكرية.
وفي ظل الوضع الراهن وجد ترامب نفسه عالقا بين الموقفين المتصلبين، ويأمل في تدخل الدول الأوروبية بشكل أكثر فعالية لاستئناف المفاوضات.
وكان ترامب قد تعهد عند وصوله للبيت الأبيض بحل الحروب الكبرى التي اندلعت في عهد سلفه جو بايدن، ومن أبرزها الحرب الأوكرانية الروسية والتي حمل بايدن مسؤولية اندلاعها.
وسبق لترامب أن حمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مسؤولية استمرار الحرب وطالبه بتقديم مزيد من التنازلات، وشهدت العلاقة توترا كبيرا بين الطرفين، قبل أن تخف حدته لاحقا بعد أن عقد صفقات اقتصادية مربحة بين واشنطن وكييف.
ورغم التهديدات الأميركية بالانسحاب من الوساطة، إلا أن ديفيس يستبعد ذلك ويرى أنها تندرج في سياق السياسات التكتيكية التي يعتمدها ترامب في عقد الصفقات التجارية، وعليه فإنه سيواصل مآذارة الضغوط على كلا الطرفين.
ومع أن ترامب أظهر نوعا من الميل إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، إلا أنه آذار في أحيان عدة ضغوطات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطالبه بتقديم تنازلات من جانبه لوضع حد للحرب مع أوكرانيا.
الانسحاب سيكون كارثة
لكن ماذا عن موقف أوروبا فيما لو نفذ ترامب تهديداته وانسحب من الوساطة؟ وهي التي ساندت أوكرانيا بحربها ضد بوتين بكل ما أوتيت من قوة، ولم تبخل بالدعم العسكري والمادي والمعنوي لكييف، وتكبدت في سبيل ذلك أعباء اقتصادية جمة انعكست على المستوى المعيشي لمواطنيها.
إعلان
ومن وجهة نظر أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حسني عبيدي فإن أي انسحاب أميركي من الوساطة سيكون كارثياً بالنسبة للدول الأوروبية وأوكرانيا، خاصة أن أوروبا تواجه صعوبة في توفير الضمانات الأمنية الكاملة، وتحديداً في المجال الجوي.
ويتفق الباحث السياسي والإستراتيجي رولاند بيجاموف مع الرأي القائل إن التهديدات الأميركية بالانسحاب من الوساطة مجرد تكتيك، فترامب يسعى للحفاظ على الهيمنة الأميركية، والوساطة بهذا الصراع تمنحه جانبا كبيرا من الهيمنة.
وبالنسبة لموسكو فإنها تتمنى انسحاب واشنطن، لأنها تدرك أن أوروبا لا تستطيع مقاومة روسيا في أوكرانيا بدون الدعم الأميركي، وفق بيجاموف.
وكانت الدول الأوروبية قد نجحت في تغيير الهندسة الدبلوماسية من خلال إقحام نفسها في المفاوضات بعد أن كانت تخشى من الثنائية بين بوتين وترامب على حساب المصالح الأوروبية، لكن هذا الإقحام يبدو أنه لم يرق لسيد البيت الأبيض الذي كان يريد احتكار أي صيغة للحل النهائي.
كما أن ترامب لم يخف ضيقه من تشجيع الأوروبيين للرئيس الأوكراني على رفض التنازلات الكبيرة، في حين يطالبون واشنطن بتقديم المزيد من الضمانات الأمنية والمساعدات العسكرية.
وكانت صحيفة تلغراف البريطانية قد نقلت عن مسؤولين غربيين أن ترامب يبحث مع الأوروبيين نشر قوات خاصة تضم متعاقدين أميركيين لإعادة بناء دفاعات أوكرانيا، وحماية مصالح بلاده.
وبحسب الصحيفة فإن نشر المتعاقدين الأميركيين في أوكرانيا يتعلق بخطة سلام طويلة الأمد يتواصل بحثها، وإنه سيشكل رادعا فعليا لبوتين.
لكن هذا الأمر لن تقبله موسكو التي أكدت مرارا رفضها وجود قوات أجنبية في الأراضي الأوكرانية.
كما أنه سيطرح إشكاليات قانونية للدول الأوروبية التي تحتاج للتفكير مليّاً بهذا الاقتراح، خاصة وكما أشار ديفيس فإن المتعاقدين العسكريين لن يكونوا في مواقع تسمح لهم بالاشتباك المباشر، بل سيركزون على تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية وتدريبهم على استخدام الأنظمة الأميركية والأوروبية.
القدرة على الإيلام
على أرض المعركة أظهرت أوكرانيا مقدرتها على ضرب العمق الروسي بنجاح، خاصة الفترة الأخيرة من خلال استهداف مصانع ومرافق النفط الروسية، مما أدى إلى اضطرابات في أنظمة الصواريخ ومصانع الطائرات المسيّرة.
ومن وجهة نظر كثيرين فإن الضربات الأوكرانية لمصافي النفط أهداف عسكرية مشروعة تؤثر على قدرات الجيش الروسي، بينما الرد الروسي استهدف أهدافاً مدنية.
وفي دليل على الألم الذي لحق بالروس جراء الضربات الأوكرانية، اعتبر ديفيس حضور بوتين قمة شنغهاي دليلا واضحا على تأثر الاقتصاد الروسي، وحاجتها لتعزيز الصادرات النفطية للصين وتقوية العلاقات مع الهند.
وفي تقييمه للوضع الراهن، شبّه ديفيس الوضع الراهن بما كان الأمر عليه خلال الحرب العالمية الأولى، حيث لا يستطيع أي من الطرفين التحرك بطريقة حاسمة ضد الآخر.
لذلك فإن الحل من وجهة نظره يكمن في تنازلات متبادلة، بحيث تقبل أوكرانيا بضياع شبه جزيرة القرم وتتقبل روسيا سيادة أوكرانيا مع ضمانات أمنية معينة.
لكن البعض يرى أن الرئيس الروسي قد يكون غير مستعد لأي صفقة سلام في الوقت الراهن، مفضلاً التوسع أكثر للدخول في مفاوضات من موقع أقوى، مما سيكلف الأوكرانيين والأوروبيين ثمناً باهظاً.
لسنوات طويلة كانت الشرعية الدولية تخذل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورفاق أوسلو، إذ واصلت إسرائيل تحطيم مستقبل الدولة الفلسطينية عبر توسيع الاستيطان واستباحة مدن الضفة بالاعتداءات والاعتقالات.
واليوم يتعرض عباس لخذلان آخر من القانون الدولي، إذ رفضت الولايات منحه تأشيرة لحضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في نيويورك في أيلول/أيلول.
تقول اتفاقية المقر إنه يجب منح التأشيرة لكل الوفود والشخصيات الراغبة في حضور اجتماعات الأمم المتحدة، ولو كانت تنتمي لدول تنخرط في حروب ضد الولايات المتحدة.
وقد ناشدت السلطة الفلسطينية السلطات الأميركية العدول عن قرارها وطلبت منها منح عباس ووفده الحق في الوصول إلى نيويورك.
ويبدو أن التأشرة الأميركية أصبحت حلما بعيد المنال، إذ ردت الخارجية الأميركية بالرفض المطلق وتعهدت بمحاسبة السلطة الفلسطينية.
فماذا تريد الولايات المتحدة من سلطة عباس؟
بالنسبة لمدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، يمثل الموقف الأميركي إعلان حرب على الشعب الفلسطيني.
ويؤكد الرنتاوي أن “السلطة حاربت حماس وقاتلتها في الضفة الغربية ليل نهار، وقطعت شوطا كبيرا في الاتساق والتساوق مع الموقفين الأميركي والإسرائيلي في ملف إعانة أسر الشهداء”، حسب تعبيره.
وكانت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة أطلقت حملة أمنية في جنين بالضفة الغربية منتصف كانون الأول/كانون الأول 2024 بهدف “استعادة السيطرة الأمنية على المخيم”، ووصفت المقاومين بـالخارجين عن القانون واتهمتهم بتلقي دعم من إيران.
ووفق عباس الذي يكبر إسرائيل بـ13 عاما، فإن حماس ألحقت ضررا كبيرا بالقضية الفلسطينية، “ووفرت للاحتلال ذرائع مجانية لمؤامراته وجرائمه في الضفة وغزة”.
ومع ذلك لم ترض عن عباس إسرائيل ولا الولايات المتحدة، بل تريدان منه حاليا ثمنا يتجاوز التخلي عن الكفاح المسلح ومحاربة المقاومة، إلى التخلي عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي طالما زيّن الغربيون والأميركيون لرهط أوسلو التعويل عليها في تحقيق حلم الدولة والتوصل لاتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل.
إعلان
ويطالب الرنتاوي السلطة بالدعوة لكلمة سواء، ومواجهة الاحتلال بكل أطياف الشعب الفلسطيني، بدل مواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل.
مطالب واضحة
أما المسؤول السابق بالخارجية الأميركية توماس واريك فيذكّر في حديث للجزيرة بوجود تعاون أمني يجري خلف الكواليس بين السلطة وإسرائيل.
لكنه يرى أن هذا التنسيق لا يكفي، فالمطوب من عباس “التخلي عن الوسائل القانونية لتحدي إسرائيل، وعدم السعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
وبالفعل، فإن الخارجية الأميركية اتهمت الفلسطينيين بشن “حرب قانونية” عن طريق لجوئهم إلى المحكمة الجنائية الدوليةومحكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل.
ولم تتوقف عند هذا الحد بل استنكرت جهودهم للحصول على ما سمته “اعترافا أحاديا بدولة فلسطينية افتراضية”.
ومع ذلك يشدد واريك على عدم قانونية الإجراء الأميركي لأن اتفاقية المقر تنص على وجوب منح التأشيرات لكل الوفود الرسمية الأممية، حتى لو كانت تنتمي لحكومات معادية لواشنطن أو في حرب معها.
وسبق للولايات المتحدة أن اتخذت إجراء مماثلا عام 1988 ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ما جعل الأمم تعقد اجتماعا في جنيف للاستماع إلى خطاب الزعيم الفلسطيني هناك.
ولا يشكل التحول لجنيف بديلا مقبولا حاليا لأن الفلسطينيين “مصرون على الوصول لنيويورك لإحراج واشنطن التي تريد من الفلسطيني البقاء تحت الاحتلال مدى الحياة”، وفق الباحث محمد المصري.
ويرى محمد المصري -الذي يرأس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات برام الله– أن السياسة الأميركية جزء من العدوان على الشعب الفلسطيني. وتتماهى مع حرب الإبادة”.
وهذا هو ما يفسر الموقف الأميركي الجديد، إذ لا يوجد مبرر، فـ”أبو مازن معلّب ومنتج سلام ولا يؤمن باستخدام السلاح”.
قرابين رفضتها أميركا وإسرائيل
وكان عباس الحاصل على الدكتوراه في تاريخ الصهيونية، دان في أكثر من مناسبة عملية طوفان الأقصى التي شنتها كتائب عز الدين القسام ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وفي رسالة بعثها للرئيس الفرنسي، قال عباس إن “ما فعلته حماس في تشرين الأول/تشرين الأول 2023 من قتل وأسر مدنيين أمر غير مقبول”، داعيا الحركة إلى الإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين.
ووفق محمد المصري فإن “السلطة مستهدفة ويراد تهميشها وتحطيمها لأنها تمثل الشرعية الفلسطينية”، على المسرح الدولي.
وتنوي دول عدة في مقدمتها فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتزامن مع استمرار إسرائيل في حرب الإبادة والتجويع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وسعيها لضم الضفة الغربية المحتلة.
وبينما يواصل عباس طرق الباب الأميركي ليؤذن له بالدخول، أقرت إسرائيل خططا لبناء مستوطنات جديدة، وأدلى قادتها بمن فيهم بنيامين نتنياهو برفضهم مبدأ حل الدولتين الذي مثل ركيزة أساسية في مواقف ساسة الغرب من صراع الشرق الأوسط.
ولم تكتف إسرائيل عند هذا الحد، إذ أفادت تقارير عزمها خلع السلطة الفلسطينية وتنصيب زعامات عشائرية موالية لها في الضفة.
ورغم عزم أميركا منع السلطة من مواصلة عزف سيمفونية الشرعية الدولة، يشدد المصري على أنه لا بديل عن مواصلة النضال في المحافل والمنظمات الدولية لعزل إسرائيل.