تونس.. نقص الأدوية يثير الانتقاد ويفاقم معاناة المرضى

تونس.. نقص الأدوية يثير الانتقاد ويفاقم معاناة المرضى

تونس- بعد أن قطع مسافات طويلة ذهابا وإيابا من محافظة زغوان (شمال شرق تونس) إلى مستشفى صالح عزيز المتخصص في معالجة الأمراض السرطانية في العاصمة طيلة 3 أشهر، لم يفلح المواطن عبد الله رواغ في الحصول على دواء أو تحديد موعد يفتح باب العلاج الكيميائي لأخته المريضة.

ويعج المستشفى بالمرضى المصابين بأورام خبيثة، فمنذ بزوغ الفجر يأتي الكثيرون من مناطق متفرقة وبعيدة من العاصمة تونس، ويقضي بعضهم الليل في الممرات، وينتظر الجميع ساعات طويلة لمقابلة الأطباء أو الحصول على دواء أو متابعة حصص العلاج الكيميائي.

لم يستطع عبد الله إحضار شقيقته “ربح” هذه المرة معه لمقابلة الطبيب لإعادة فحصها، إذ فقدت القوة على الحركة وحتى الجلوس على الكرسي، وكان يأمل الحصول على دواء لها أو موعد للعلاج الكيميائي، لكن الطبيب طلب حضورها مرة أخرى مضيفا ساعات جديدة من المعاناة والانتظار.

معاناة متواصلة

خارج المستشفى يمسك عبد الله رواغ هاتفه بيد مرتعشة واضعا تحت إبطه ملف أخته الممتلئ بالتحاليل والتقارير الطبية وهو يخاطب أهله بمحافظة زغوان بصوت متلعثم ومرتبك لإرسال أخته في سيارة أجرة على جناح السرعة، خشية أن يغادر الطبيب وتفقد موعدها معه.

ويقول عبد الله للجزيرة نت “هذه المرة العاشرة التي أتنقل فيها بين زغوان والعاصمة برفقة أختي، تم تحديد موعد اليوم مع الطبيب لتمكينها من دواء مسكّن وأخذ موعد العلاج الكيميائي، لكن لم نحصل على شيء، وطلب الطبيب إحضارها ثانية أو أنه سيؤخر موعدها”.

يعيل عبد الله زوجته وأبناءه الثلاثة عبر عمله اليومي غير المنتظم، لكن رغم ظروفه الصعبة ترك مشاغله وانكب على رعاية أخته التي فاجأها المرض قبل 4 أشهر وجعلها طريحة الفراش تتألم، بعد أن كانت تكسب قوت يومها بعرق الجبين كعاملة فِلاحة كادحة.

مع الاحتكاك بالمرضى أصبح عبد الله يعيش حالة نفسية متأزمة انعكست بوضوح على وجهه الشاحب وعينيه الباهتتين وجسده المرهق، وزاد إحباطه أكثر مشاهد الاكتظاظ والطوابير الطويلة والانتظار لساعات وتحديد المواعيد لفترات متباعدة ونقص في الأدوية.

إعلان

وحسب المراقبين فقد تفاقمت أزمة نقص الأدوية منذ السنوات الأخيرة، خصوصا بالنسبة للأدوية الحيوية والمستحضرات اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة، بما في ذلك السرطانات وألزهايمر، مما يجعل متابعة العلاج لكثير من المرضى صعبة ويضاعف معاناتهم اليومية.

المواطن عبد الله رواغ يمسك بملف أخته المريضة/مستشفى صالح عزيز
عبد الله رواغ يمسك بملف أخته المريضة محاولا الحصول على أدويتها وموعد العلاج (الجزيرة)

وفي السياق نفسه يروي الموظف الحكومي محمد نواويري للجزيرة نت معاناة والده الثمانيني المصاب بمرض ألزهايمر، الذي أدى لتدهور قدراته الذهنية وفقدانه الذاكرة، مما جعله يتوه في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، ما ضاعف مشقة رعايته وأثقل كاهل الأسرة.

ويشير مختصون إلى أن العديد من مرضى ألزهايمر يواجهون تحديات إضافية، حيث يصابون أحيانا بنوبات صرع تستوجب علاجا بأدوية خاصة، لكن هذه الأدوية غالبا ما تنقطع من الصيدليات والمستشفيات العمومية، وهو ما يفاقم معاناتهم ويجعل الرعاية اليومية أكثر صعوبة.

يقول محمد للجزيرة نت: إن فقدان الدواء الخاص بالصرع جعل والده يدخل في وضع مربك، إذ تتكرر النوبات بشكل يهدد حياته. ويضيف “أحيانا نبحث في كل مكان عن الدواء لكننا لا نجده، وفي النهاية نضطر لإعطائه حبوب نوم حتى يهدأ قليلا، وهذا الخيار الوحيد لدينا”.

ترشيد أم تقشف؟

وعاد الجدل بشأن نقص الأدوية ليطفو من جديد على سطح الأحداث في تونس، مع تزايد شكاوى المواطنين من صعوبة الحصول على علاجات حياتية وأخرى مخصصة للأمراض المزمنة.

وتعمّق الجدل بعد دعوة وزارة الصحة الأطباء، في بلاغ رسمي، إلى ترشيد الوصفات الطبية لضمان استمرارية التزويد وتفادي انقطاعات قد تهدد حياة المرضى.

وأثارت هذه الدعوة موجة استياء واسعة على منصات التواصل، حيث اعتبرها البعض خطوة للتقشف على حساب صحة المرضى، في حين أوضحت وزارة الصحة أن الهدف من الترشيد ليس الحد من حصول المرضى على العلاج، بل تحسين حوكمة المنظومة الدوائية.

وشددت الوزارة على أن ما تم تداوله من تأويلات حول نيتها “خاطئ ومضلل”، داعية المواطنين لتفهم الإجراءات في إطار معالجة أزمة التزويد.

ويرى مراقبون أن الوزارة لم تتطرق إلى جذور الأزمة الحقيقية في قطاع الأدوية، واكتفت بإصدار بلاغات اعتُبرت مجرد مسكنات إعلامية.

وعاد النقص الحاد في الأدوية ليطفو منذ أيام، خاصة بعد وفاة شابين تونسيين من مرضى السرطان، إثر رفض الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الذي يُعنى بتغطية تكاليف العلاج الطبي للمنخرطين) قبول ملفاتهم للحصول على العلاج اللازم.

ويشتكي المواطنون من:

  • طول اجراءات استرجاع مصاريف أدويتهم.
  • رفض ملفاتهم للحصول على الأدوية.
  • عدم وجود أدوية في صيدليات المستشفيات العمومية وحتى بعض أنواع الأدوية الدقيقة في الصيدليات الخاصة.
  • ارتفاع أسعار الأدوية.
وزارة الصحة تدعو إلى ترشيد الوصفات الطبية
وزارة الصحة تدعو إلى ترشيد الوصفات الطبية (الجزيرة)

“حلقة مفرغة”

ويؤكد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن أزمة نقص الأدوية في تونس ليست مجرد خلل لوجستي أو إداري، بل تعود أساسا إلى أزمة سيولة خانقة تعيشها الصيدلية المركزية، نتيجة تراكم ديونها لدى الصناديق الاجتماعية التي تعاني بدورها من عجز مالي مزمن.

إعلان

ويقول للجزيرة نت “أزمة نقص الدواء مرتبطة مباشرة بأزمة السيولة المالية لدى الصيدلية المركزية، التي تعانيها بسبب عدم حصولها على مستحقاتها من الصندوق الوطني للتأمين على المرض الذي يعاني بدوره من عدم حصول مستحقاته من بقية الصناديق الاجتماعية”.

ويضيف أن هذا الوضع خلق حلقة مفرغة أثّرت مباشرة على التزود بالأدوية وأدخلت البلاد في دوامة انقطاعات متكررة.

[bni_tweet url=”https://twitter.com/Tunigate/status/1960330136798347278?ref_src=twsrc%5Etfw”]

ويشير الشكندالي إلى أن ما يثير الاستغراب هو الارتفاع المستمر في أسعار الأدوية، رغم ما يسميه “المفارقة المالية”، إذ إن الدينار التونسي حافظ نسبيا على استقراره في الفترة الأخيرة بفضل تراجع سعر الدولار عالميا، ما كان يفترض أن يخفف كلفة التوريد بدل زيادتها.

كما أشار إلى أن الدولة أقرت في قانون المالية إعفاءات ضريبية وجمركية لفائدة الصيدلية المركزية عند توريد الأدوية، ما يجعل ارتفاع الأسعار غير مبرر من الناحية الاقتصادية، وفق تقديره.

كاتب إسرائيلي: أعمال الأشرار تُنجز على أيدي أشرار آخرين

كاتب إسرائيلي: أعمال الأشرار تُنجز على أيدي أشرار آخرين

نشرت صحيفة “زمن إسرائيل” العبرية، مقالا للكاتب الإسرائيلي، دورون ماينرت كشف فيه تحولا عميقا في طبيعة الجيش الإسرائيلي الذي لم يعد -بحسب تعبيره- “جيش الدولة” بل “جيش المستوطنين”، يخدم مصالحهم وينفذ مخططاتهم على حساب الفلسطينيين وأرضهم ومقدراتهم.

ويصف الكاتب حادثة اقتلاع الجيش أكثر من 3100 شجرة زيتون في قرية المغير شمال رام الله نهاية الأسبوع الماضي، باعتبارها “برهانا صارخا” على أن الانتقام تحوّل من استثناء مستتر إلى سياسة رسمية معلنة، لا تكتفي بذرائع “الأمن” كما كان الحال سابقا، بل تآذار العقاب الجماعي علنا، مع مصادرة الأرض وتجريفها، وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم متواصل.

ويوضح الكاتب أن اقتلاع الأشجار لم يكن مجرد عمل عابر، بل جرى بقرار مباشر من قائد المنطقة الوسطى اللواء آفي بلوط، الذي قال بوضوح “كل قرية يخرج منها هجوم ستدفع ثمنا باهظا: عزلا، حصارا، واقتلاعا”.

ويؤكد الكاتب أن الهدف الحقيقي لم يكن حماية المستوطنين من “خطر الأشجار”، بل فرض معادلة ردع جماعية، عبر وصف 3 آلاف إنسان في المغير بأنهم “أعداء” وتجريدهم من مصدر رزقهم الأساسي، وهو الزيتون الذي ينتظرونه في موسم قصير لتأمين جزء من قوتهم.

تواطؤ الجيش والمستوطنين

ويشير الكاتب إلى أن الجيش لم يعد فقط يغض الطرف عن اعتداءات المستوطنين، بل تبنى أساليبهم كما هي. فبينما كان الجنود يقتلعون الأشجار، كانت مجموعات مسلحة من المستوطنين تجوب القرية ترويعا واعتداء على الأهالي، في تكرار مفضوح لسياسات الاقتلاع والتهجير القسري.

ويروي الكاتب سلسلة من الحوادث التي تابعها ميدانيا خلال السنوات الأخيرة: منع الرعاة من الوصول إلى المراعي، وعرقلة موسم الحصاد عبر إقامة بؤر استيطانية عشوائية على الطرق المؤدية للحقول، وفرض وقائع جديدة على الأرض بحماية الجيش. ويقول “كلما تراجع الفلسطينيون تحت الضغط، تقدم المشروع الاستيطاني خطوة إلى الأمام”.

المصدر: حساب الجرمق الإخباري @aljarmaqnet على منصة إكس جانب من وداع شهداء قرية كفر مالك شرق رام الله، في مجمع فلسطين الطبي، عقب استشهادهم برصاص المستوطنين. الرابط: https://x.com/aljarmaqnet/status/1937960089752899792
جانب من وداع شهداء قرية كفر مالك شرق رام الله، في مجمع فلسطين الطبي، عقب استشهادهم برصاص المستوطنين (وسائل التواصل الاجتماعي)

تهجير ممنهج

وبحسب الكاتب، فإن ما جرى للمغير ليس معزولا، فقبلها كانت هناك 3 تجمعات رعي بدوية اُجبرت على الرحيل تحت ضغط المستوطنين، وانتقل أهلها إلى أطراف قرى مجاورة. وما إن تم إفراغ هذه المناطق حتى انتقل المستوطنون للمرحلة التالية: تضييق الخناق على القرى نفسها.

إعلان

ويذكر الكاتب أن ذروة هذا التصعيد كانت في نيسان/نيسان الماضي بعد مقتل مستوطن في المنطقة، حيث اقتحم آلاف المستوطنين قريتي دومة والمغير ونفذوا اعتداءات واسعة لثلاثة أيام متتالية، أسفرت عن مقتل فلسطينيين وتدمير ممتلكات واسعة، وسط صمت إسرائيلي عام بعد صدمة أحداث السابع من تشرين الأول/تشرين الأول.

دورون ماينرت: سموتريتش يطمح إلى حصر القرى الفلسطينية في نطاق المباني السكنية فقط، بينما تُصادر كل الأراضي الزراعية والمراعي المحيطة، تمهيدا لضمها للمستوطنات.

مشروع استيطاني واسع

ويربط الكاتب هذه السياسات برؤية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يطمح -وفق الكاتب- إلى حصر القرى الفلسطينية في نطاق المباني السكنية فقط، بينما تُصادر كل الأراضي الزراعية والمراعي المحيطة، تمهيدا لضمها للمستوطنات.

ويضيف أن الجيش بات أداة تنفيذية لتحقيق هذا “الحلم الاستيطاني”، عبر اقتلاع الزرع وتقييد الحركة وفرض الحصار.

ويقول الكاتب “الجيش اليوم لا يسعى إلى التهدئة، بل إلى التصعيد، مهمته لم تعد توفير حياة طبيعية للسكان، بل دفعهم نحو الانفجار، حتى يتسنى سحقهم وإتمام مشروع السيطرة على الأرض”.

ويلفت الكاتب إلى أن الرواية الإسرائيلية الرسمية تصف كل فلسطيني يُقتل خلال هذه الأحداث بأنه “مخرّب”، حتى وإن كان ضحية بريئة.

ويضيف “نعم، تقع أحيانا هجمات فردية من فلسطينيين كرد فعل على هذا الواقع، لكن كيف يمكن مقارنتها بمشروع استيطاني ضخم وغير قانوني، ينهب الأرض ويجوّع المزارعين ويمنعهم من الوصول إلى حقولهم، بينما يحظى بدعم الدولة والجيش؟”.

جيش المستوطنين

ويخلص الكاتب إلى أن إسرائيل باتت أمام جيش جديد: “جيش المستوطنين”. لم يعد الجيش الذي يقدَّم للرأي العام كـ “حام للدولة”، بل تحول إلى ذراع تنفيذية لمشروع اليمين الديني القومي.

ويشبّه الكاتب هذا التحول بمعلّم سيئ يشجع المتنمرين على حساب الضعفاء، قائلا “كل قائد عسكري يعرف أن الاستقرار يتحقق حين يُتاح للناس العيش الكريم. لكن هذا الجيش لا يريد استقرارا، بل حسما يقوم على إذلال الفلسطينيين”.

ويختم الكاتب مقاله بجملة لافتة قال فيها “لقد اقتلعوا الأشجار هذا العام، فلا حاجة بعد الآن لإرسال الجنود لحماية المزارعين في موسم الزيتون. لقد أنجز الأشرار مهمتهم، لكن بأيدي أشرار آخرين”.

لوبوان: قيس سعيد مستبد الظلام التونسي

لوبوان: قيس سعيد مستبد الظلام التونسي

قالت مجلة لوبوان الفرنسية إن قصر قرطاج يحكم تونس بعد غروب الشمس، حيث تطبق العدالة وتتحرك السياسة فجرا، وتكون الزيارات الميدانية عند منتصف الليل، وتعلن القرارات عند الرابعة فجرا.

وذكرت المجلة -في تقرير بقلم بنوا دلماس- أن البيان الصحفي الصادر عن الرئاسة التونسية عبر صفحة الرئاسة على فيسبوك، صدر عند الساعة 3:48 فجرا من ليلة الخميس، وتضمن هجوما لاذعا على من يدبرون ​​المؤامرات في الخفاء.

وجاء في هذا البيان الذي صدر بعد منتصف الليل، أن “ضمير الشعب التونسي وإدراكه لكل الحقائق والتفاصيل (سيحبطان) محاولات زرع الشك واليأس والإحباط”.

ومنذ أن استولى الرئيس قيس سعيد -كما تقول المجلة الفرنسية- على جميع السلطات، بما فيها السلطة القضائية في 25 تموز/تموز 2022، انطوت تونس تدريجيا على نفسها بعد عقد من الحراك الديمقراطي.

الرئيس الذي يحكم بلاده ليلا، قد يكون عنوان رواية خيالية، وحكاية رمزية عن السلطة وإساءة استخدامها، والطبيعة المربكة لنظام الرئيس سعيد.

وقالت المجلة إن هذا الأكاديمي الذي يعلن نفسه شخصيةً متقشفة، وواعظا يعلي من شأن الفضيلة كنموذجٍ للمجتمع، ورجلَ دين قوميا عربيا بارزا، يحكم البلاد بسلطان تام بدعم من وزارة الشرطة والجيش، ويعتبر الليل ملكه، فيستدعى وزراءه بعد العشاء، وتبث حوارات ذاتية له ليلا من مكتبه في قرطاج، وتصدر بيانات اتهامية في الثانية صباحا.

ورأت لوبوان أن “الرئيس الذي يحكم بلاده ليلا”، قد يكون عنوان رواية خيالية، وحكاية رمزية عن السلطة وإساءة استخدامها، والطبيعة المربكة للنظام التونسي، مع أن معظم القادة يتجولون بعد غروب الشمس، ولكنهم لا يحكمون بلدانهم ليلا، ولكن الليل قد حل على تونس مع قيس سعيد كما يبدو.

وفي الأسبوع الماضي اضطرت وسائل الإعلام العامة إلى تعديل جداولها عندما أعلنت نشرة أخبار منتصف الليل زيارة الرئيس عند منتصف الليل لمنطقة حلق الوادي للاطمئنان على سير مشروع صرف صحي هناك.

وقد أصبح القمع ليليا أيضا -كما تقول المجلة- إذ حُكم في 19 نيسان/نيسان، على حوالي 40 شخصا متهمين “بالتآمر على الدولة” بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و66 عاما في محكمة تونس عند الساعة 4:30 صباحا.

إعلان

واُبلغت وكالة الأنباء التونسية الرسمية بالأمر بعد 20 دقيقة، في وقت لم يكن فيه أي من المتهمين ولا محاميهم حاضرا، وقال رضا إدريس، أحد المحكوم عليهم غيابيا بالسجن 33 عاما: “تونس الآن في العصور الوسطى”.

وفي الوقت الذي تعمل فيه قرطاج ليلا، وتطارد المؤامرات عند الثالثة فجرا، يكافح المجتمع مع الحياة اليومية نهارا، وبين قصر قرطاج الليلي المنغلق على نفسه، ومجتمعٍ يعمل نهارا، تعيش البلاد واقعين متوازيين، وتبدو المواجهة بينهما حتمية، في ظل ركود الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

تركيا وإسرائيل بعد قطع العلاقات.. مواجهة مسلحة أم تنافس إقليمي؟

تركيا وإسرائيل بعد قطع العلاقات.. مواجهة مسلحة أم تنافس إقليمي؟

تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية توترا أصبح مزمنا خلال 15 عاما الماضية، إذ تتداخل فيه عناصر القوة العسكرية مع الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية، لتشكّل خطوط مواجهة غير مباشرة وتتخللها ملفات الأقليات بالمنطقة وحسابات العلاقات مع الدول الغربية.

ورغم امتلاك الدولتين قوة عسكرية صلبة وضخمة، فإن الخبراء الذين تحدث إليهم الجزيرة نت يؤكدون أن أهمية هذه القوة تبرز في ميدان الردع أكثر من استعداد الطرفين لاستخدامها فعليا، فكل دولة تدرك ثمن التصعيد ومخاطر المواجهة المباشرة.

ومع الإعلانات الإسرائيلية المتكررة عن أحلامها في التوسع الإقليمي، وتعدد الجبهات التي تصل إليها القوة العسكرية الإسرائيلية، في إيران وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، يبرز قلق أنقرة من هذه التحركات على مساحة كبيرة من حدودها، بما يمثل تهديدا للأمن القومي التركي.

ولم يكن إعلان تركيا أخيرا قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل وإغلاق كافة الموانئ أمام السلع الإسرائيلية بعيدا عن هذا النسق، بما يمثله من تصعيد حاد جاء ردا على العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة؛ لتعيد أنقرة التأكيد على أن الصدام مع تل أبيب لم يعد مستبعدا، رغم تفضيل الطرفين إبقاء المنافسة ضمن حدود غير مباشرة.

ويناقش هذا التقرير مع عدد من الخبراء أبرز نقاط القوة التي يتمتع بها الطرفان، ومدى المواجهات التي يمكن أن تنشأ بينهما، وأوراق الضغط التي يمتلكها كل طرف، سواء الأقليات أو الملفات الاقتصادية والجيوسياسية، واستثمار العلاقات المباشرة والمتداخلة مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة.

دور القوة العسكرية

قد تنصرف الأنظار مباشرة إلى أهمية ما تمتلكه تركيا وإسرائيل من قوة عسكرية ضخمة، وأنها تمثل حجر الزاوية في الصراع بين الطرفين، لكن الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي يرى أنها تعد أقل أهمية مقارنة بعوامل النفوذ الأخرى.

إعلان

ويبين مكي أن الأهمية العسكرية تكمن في أنها تمثل قوة للردع وتلعب دورا أساسيا في منع أي صدام مباشر. “لا أعتقد أن الطرفين مستعدان لاستخدام القوة العسكرية في مواجهة بينهما حاليا، لكنها تظل ورقة ضغط مرتبطة بإظهار القوة أكثر من الاستعداد للاستخدام الفعلي”.

وفي إطار تقييم نقاط القوة هذه، يوضح الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي عمر أوزكيزيلجيك أن تركيا وإسرائيل من الدول القليلة التي تستطيع مآذارة النفوذ خارج حدودهما. لكنه يعود ويعقد مقارنة بين الدولتين بشأن طبيعة تطبيق هذا النفوذ على الأرض.

فتركيا عند أوزكيزيلجيك تملك ميزة الاستمرارية والاندماج في المناطق التي تآذار نفوذا فيها، بسبب تفوقها في القوة الناعمة وما تتمتع به من قبول إقليمي. أما إسرائيل -فرغم تفوقها الجوي والسيبراني- فإنها تفتقر إلى القدرة على تثبيت نفوذ مستدام خارج حدودها.

أما الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد فيعقد مقارنة دقيقة لما يتمتع به الطرفان من قدرات عسكرية على النحو التالي:

مقدرات تركيا العسكرية

  • قدرات في مجال الدفاع الجوي ومنظومات الاعتراض وكشف الأهداف (الإنذار المبكر).
  • قدرات في الاستخبارات حيث تتمتع بقدرة على العمل في الساحات الخارجية.
  • قوة سياسية قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها من خلال مؤسسات عديدة.
  • قدرات في مجال سلاح الجو وتحديدا الطيران المسير بأنواعه.
  • قدرات في المجال الصاروخي والبحري مقارنة بدول أخرى بالمنطقة.
  • عمق جغرافي كبير بعكس إسرائيل.
  • عمق ديمغرافي كبير وممتد، يوفر خزانا بشريا من المقاتلين والجنود لمواجهة طويلة من الحرب.

نقاط القوة العسكرية عند إسرائيل

  • قدرات سيبرانية هائلة، وتُعد القوة الكبرى والأضخم بالشرق الأوسط.
  • قدرات استخباراتية خاصة في مجال الاختراق البشري والتجنيد والوصول للأروقة الخاصة في دول خصومها.
  • قدرات في مجال الدفاع الجوي وسلاح الجو كذراع طويلة ضاربة مع تقدم في مجال التخفي عن منظومات الاعتراض والتعقب، وكذلك منظومات اعتراض بمنظومة طبقات دفاع جوي هو الأحدث في العالم.
  • قدرات صاروخية كبيرة مع مديات تبلغ معظم الأهداف حولها.
  • وحدات نخبوية وخاصة قادرة على العمل خلف خطوط خصومها بكل مهنية وكفاءة.
  • قوة سياسية قادرة على اتخاذ القرار وتنفيذه وتوفير الغطاء الداعم لها، ومستغلة للفرص من دون تردد.

ومن أجل ذلك، فإن تركيا اتخذت في الأسابيع الأخيرة 3 خطوات عملية استعدادا لمواجهة محتملة مع إسرائيل، شملت تعزيز أنظمة الدفاع الجوي، وتقوية الجبهة الداخلية، وبناء ملاجئ متطورة مضادة للتهديدات النووية. وبالإضافة إلى ذلك، تسلم الجيش التركي منظومة “القبة الفولاذية” محلية الصنع، واتجهت أنقرة نحو اقتناء طائرات “يوروفايتر” الأوروبية لتعزيز القوة الجوية، وهو ما يمثل رسالة مباشرة بأن تركيا تستفيد من نقاط ضعف حالة الردع في المنطقة وتستعد لأي تغيير مفاجئ في موازين القوى.

أوراق الضغط السياسية والاقتصادية

تمثل قدرة تركيا وإسرائيل على تحريك الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة عنصرا أساسيا في حسابات التنافس بينهما. ولذلك يقول الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات إن “لإسرائيل قدرة على إزعاج تركيا عبر علاقاتها مع أطراف كالأكراد في شمال سوريا، كما لها تأثير من خلال دعم الأقليات في مناطق أخرى، بينما تحتفظ تركيا بنفوذ واسع في ملفات حيوية كالعلاقات مع أذربيجان وأرمينيا وتحالفاتها مع قوى إقليمية بارزة”.

إعلان

وفيما يتعلق بالنواحي الاقتصادية، فإن مكي يلفت النظر إلى أن قطع العلاقات التجارية يؤثر على الطرفين، خاصة أن تركيا تصدّر مواد زراعية ومنتجات متعددة لإسرائيل، لكنها مع قطع العلاقات وجدت آليات تصدير عبر طرف ثالث، وعلى الطرف الآخر تأثر القطاع السياحي التركي بتوقف السياح الإسرائيليين.

والنتيجة التي تتأتى من ذلك أن الضغط الاقتصادي متبادل بين الطرفين لكنه لا يصل لدرجة الحسم من جهة أخرى.

ويشير مكي كذلك إلى ما كان يمثله التحالف الإسرائيلي المصري اليوناني القبرصي في ملف غاز شرق المتوسط من ورقة ضغط كبيرة ضد تركيا، إلا أن تحسن علاقات أنقرة مع القاهرة ودول الخليج أضعف فعالية هذه الورقة وأغلق بعض المنافذ أمام تل أبيب.

ومن وجهة نظر أوزكيزيلجيك، فإن الحراك الدبلوماسي التركي في المنطقة جعلها قوة مرحبا بها، لكن إسرائيل -وبسبب سياساتها في المنطقة- تواجه عزلة نسبية في دول الجوار، وذلك رغم محاولاتها بناء تحالفات سياسية واقتصادية قد تصل إلى حد التطبيع.

Turkish troops return after a joint U.S.-Turkey patrol in northern Syria, as it is pictured from near the Turkish town of Akcakale, Turkey, أيلول 8, 2019. REUTERS/Murad Sezer
تركيا يمكِنها المحافظة على نفوذها الخارجي بفضل قوتها الناعمة، حسب الخبراء (رويترز)

ورقة الأقليات بالمنطقة

يمكن القول إنه على مدى 15 عاما الأخيرة تحولت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى نمط من المواجهات المتقطعة غير المباشرة، تبرز فيه أوراق القوة والتأثير الجيوسياسي أكثر من القدرات العسكرية.

وفي هذا السياق، تتقاطع أوراق الأقليات الكردية والدروز في سوريا مع حسابات النفوذ بين أنقرة وتل أبيب، ويوضح لقاء مكي أن العلاقة الإسرائيلية مع الأكراد ليست واضحة المعالم، فهناك إشارات إلى صلات مع حزب العمال الكردستاني، في حين يعد دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية من تل أبيب أكثر وضوحا، رغم أن “قسد” تتلقى أيضا دعما من جهات متعددة، وبينها واشنطن وطهران؛ لذا تبقى الحسابات معقدة وغير مباشرة.

أما الدروز (جنوبي سوريا)، فرغم بعدهم عن الجغرافيا التركية، فإن دعم إسرائيل لهم يمثل محاولة مستمرة لزعزعة الأمن القومي التركي عبر الورقة السورية، وتظل هذه الورقة حاضرة كلما اشتد التنافس على النفوذ في سوريا، حسب ما قاله الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات.

ويستدرك عمر أوزكيزيلجيك على الطرح السابق بأن ورقة الأقليات في سوريا “لا تمثل صراع أقليات، فالنزاع التركي الإسرائيلي في سوريا هو تصادم رؤى: تركيا تفضل دولا قوية ومستقرة في الجوار، بينما إسرائيل ترى أمنها في وجود دول ضعيفة أو مفككة، لذلك لا تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات إنسانية مع الدروز أو الأكراد، بل تستخدمهم كورقة في النزاع الجيوسياسي”.

ويضيف أسامة خالد إلى وجهتي النظر السابقتين أن “الدعم الإسرائيلي لقسد والدروز في السويداء يثير مخاوف تركيا من استنزاف نفوذها وإحداث تغييرات ديمغرافية وأمنية في ساحتها السورية، لكن الرد التركي يأتي عبر تحصين الجبهة الداخلية وحل مشكلات مزمنة كحزب العمال الكردستاني، مما يجعل ورقة الأقليات ذات أثر مرحلي أكثر من كونها قادرة على قلب المواجهة تماما”.

ويتركز الأكراد بأغلبية كثيفة في شمال شرقي سوريا (في محافظتي الحسكة والرقة وجزء من حلب)، في حين يوجد الدروز في محافظة السويداء (جنوبي سوريا)، وكلا المنطقتين تمثلان نقاط تماس نفوذ، فالأكراد على تماس مع تركيا وحدودها الجنوبية، والدروز في الخاصرة الجنوبية لسوريا قرب الجولان المحتل ومناطق النفوذ الإسرائيلي.

هل تنجح أنقرة في تحصيل مطالبها مقابل التزاماتها في الناتو؟ المصدر: الرئاسة التركية
تُعد تركيا من أهم الدول المشاركة في حلف شمال الأطلسي (الرئاسة التركية)

العلاقة مع الغرب

الموقف الغربي له تأثير واضح في طبيعة العلاقات بين تركيا وإسرائيل، والأفضل عدم جمع الدول الغربية تحت مظلة واحدة، فأوروبا الحالية قد تتقاطع علاقاتها من الأطراف الخارجية على نحو مغاير لما تذهب إليه المواقف الأميركية، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب منها أو من الدعم الأميركي المقدم لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تمثِل تركيا ثاني قوة عسكرية فيه.

إعلان

لذلك يقول الخبير الأمني والعسكري إن أوروبا تسعى للعب دور براغماتي في المنطقة، إذ تهدف إلى دعم الاستقرار وحماية مصالحها، مضيفا أن “تركيا عضو رئيسي في الناتو وقوة دفاعية كبيرة في أوروبا، لذلك تحرص العواصم الأوروبية على عدم خسارتها لصالح إسرائيل مهما بلغت حدة التصعيد”.

بيد أن الموقف الأوروبي قد ينقسم في حال مواجهة مفتوحة بين تركيا وإسرائيل، فتميل بعض الدول الأوروبية إلى إسرائيل فيما تحاول دول أخرى الوساطة والتهدئة، حسب قول المتحدث نفسه.

وفي المقابل، يعد الموقف الأميركي أكثر تعقيدا؛ إذ تدفع واشنطن لضمان مصالحها عند الطرفين، لكنها تظل منحازة لإسرائيل بشكل واضح إذا اضطر الأمر إلى صدام، وذلك بفعل نفوذ إسرائيل في الأروقة الأميركية والشراكة الإستراتيجية بينهما، حسب قول الخبير الأمني والعسكري.

وحسب خالد، فإن الجغرافيا التركية وحجم المجتمع التركي الممتد وحيوية موقع أنقرة تمنح كلها تركيا هامش قوة في التفاوض مع واشنطن، كما أن أميركا تحرص على عدم فقدان أنقرة كحليف مهم في مواجهة روسيا.

وقريب من الطرح السابق، يؤكد الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي أن الغرب عموما لا يرغب في مواجهة مباشرة بين الطرفين، بل تميل أوروبا وأميركا إلى الوساطة وتخفيف التصعيد وخفض منسوب التوتر قدر الإمكان، خاصة أن رؤية تركيا للمنطقة أكثر اتساقا مع الرؤية الغربية من منظور بناء الدول، بينما تفضِل إسرائيل بيئة مفككة تعزز أمنها.

ومنذ حادثة السفينة “مافي مرمرة” عام 2010 التي أسفرت عن مقتل نشطاء أتراك على يد الجيش الإسرائيلي خلال محاولة كسر الحصار البحري عن غزة، تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية بشكل كبير، وتبع ذلك قطيعة دبلوماسية وشد وجذب استمر سنوات.

ورغم محاولات التهدئة، ظلت العلاقات تشهد تذبذبا حادا بين التقارب النسبي والخلافات المتكررة، مع تصاعد التوتر في كل محطة رئيسية إقليمية، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ تشرين الأول/تشرين الأول 2023، وقرار تركيا الأخير قطع العلاقات التجارية وإغلاق الموانئ.

ولا تزال منطقة الشرق الأوسط مرشحة لمزيد من التحولات على وقع المنافسة بين أنقرة وتل أبيب، إذ يدرك الطرفان أن الصدام العسكري هو السيناريو الأسوأ على الإطلاق، لكن المعادلة تظل مفتوحة على مفاجآت إقليمية جديدة كلما احتدمت الصراعات المحلية والدولية.

مقال بهآرتس: كيف نفهم تصرفات ترامب المتناقضة تجاه غزة؟

مقال بهآرتس: كيف نفهم تصرفات ترامب المتناقضة تجاه غزة؟

استعرض مقال رأي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية التناقضات العميقة في نهج إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه غزة والشرق الأوسط، واصفا سياساته بأنها “انتهازية اندفاعية ومتناقضة”.

وذكر المقال أن اللقاء الذي جمع ترامب الأسبوع الماضي بمستشاره السابق جاريد كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لمناقشة “اليوم التالي” في غزة، يثير تساؤلات حقيقية: هل الاجتماع بداية جهود جادة لإنهاء الحرب، أم استمرار لنهج ترامب المتناقض؟

وأشار المقال إلى أن تعيين ترامب شخصيات مؤيدة للمستوطنات -مثل السفير الأميركي بإسرائيل مايك هاكابي– يمثل إشارة مبكرة لتبنيه أجندة استيطانية تعرقل جهود السلام.

تناقضات

واستعرض لاري غاربر -وهو زميل في مركز جي ستريت للسياسات والمدير السابق لبعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة– ازدواجية مواقف الولايات المتحدة، إذ أعلن ترامب عن وجود خطة لإعادة إعمار القطاع، لكنها تضمنت بندا متناقضا وهو “التهجير الطوعي” للفلسطينيين.

وذكر غاربر تناقض سياسة المساعدات الأميركية، فقد تم تفكيك بعثة الوكالة الأميركية للتنمية في الضفة وغزة بعد 3 عقود من العمل، ولكن السفارة الأميركية أنشأت في الوقت ذاته “وحدة جديدة لتنسيق المساعدات” تضم موظفي الوكالة المذكورة.

كما لفت الكاتب إلى تقلب علاقة واشنطن بالسلطة الفلسطينية، إذ ألغت واشنطن الجمعة الماضية تأشيرات الرئيس الفلسطيني محمود عباس و80 مسؤولا فلسطينيا آخر بحجة عدم إدانتهم هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول.

وأشار المقال في المقابل إلى مؤشرات تدل على تقارب محدود بين السلطة وواشنطن، منها مشاركة السلطة الشهر الماضي في إعداد “إعلان نيويورك” الذي تضمن إدانة واضحة للهجمات.

وذكّر الكاتب بأن قرار إلغاء التأشيرات جاء بعد لقاءات أجراها هاكابي في تموز/تموز مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية وقادة القطاع الخاص.

إعلان

ويتجلى تناقض نهج ترامب، حسب المقال، في أنه “ينتقد بشدة” وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بينما يسعى للتنسيق معها لتسهيل أعمال مؤسسة غزة الإنسانية التي فرضتها الولايات المتحدة على القطاع بالتعاون مع إسرائيل.

محمود عباس
الولايات المتحدة حرمت كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بمن فيهم الرئيس محمود عباس من الحصول على تأشيرات لدخول البلاد (الجزيرة)

عواقب

ويرى الكاتب أن هذا التذبذب في المواقف دفع دولا أوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، إلى إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة في ظل غياب رؤية أميركية واضحة لإنهاء النزاع أو معالجة تبعاته الإنسانية.

وأكد غاربر أن طبيعة التدخل الأميركي في غزة الأسابيع القادمة ستعتمد على مقدرة الدول الأوروبية والخليجية على إقناع ترامب بأن لديه فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، مع تقديمهم ضمانات أمنية ومالية لجهود إعادة الإعمار.

وحذر الكاتب من أن “تأجيل القرارات المصيرية لم يعد مقبولا وسط كارثة غزة والغضب العالمي المتصاعد”، وخلص إلى أن “الشراكة والتعاون يتطلبان مستوى من الثبات والثقة”، داعيا واشنطن لتبنّي “رؤية واضحة ومتماسكة” تجاه غزة قبل فوات الأوان.