في غمرة احتفائه بما يعتقد أنه انتصارات تاريخية، لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باعتبار نفسه في “مهمة تاريخية وروحية”، معلنا أنه متمسك “جدا” برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضا مناطق من الأردن، ومصر، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن محاوِر قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال، الذي كان لفترة وجيزة عضوا يمينيا في الكنيست، أهدى نتنياهو تميمة على شكل “خريطة الأرض الموعودة”، وعندما سئل عن مدى ارتباطه “بهذه الرؤية” لإسرائيل الكبرى، أجاب نتنياهو: “بالتأكيد”.
فكرة أو مصطلح “إسرائيل الكبرى” استخدم بعد حرب 1967، أو ما يعرف بـ”النكسة” للإشارة إلى إسرائيل والمناطق التي احتلتها آنذاك والتي تضم القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان.
تأتي تصريحات نتنياهو لا لتؤكد فقط عقيدته الصهيونية المتطرفة التي تعبر عنها تركيبة وسياسات حكومته بشكل واضح، وإنما أيضا حجم الرهانات الشخصية التي تضخمت حد التورم لدى نتنياهو، لا سيما لما اعتبره إنجازات عسكرية مهمة في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، وحتى في اليمن، والعراق.
هذه المكاسب العسكرية التي يتباهى نتنياهو بتحقيقها، لا تبدو على المستوى الإستراتيجي كنصر حقيقي، يمكن أن يوفر لإسرائيل ضمانات الأمن وتأمين الوجود. بل قد يتحول بعضها إلى معادلات أشبه بالهزيمة لنتنياهو ولإسرائيل.
أولا: لا يستطيع نتنياهو اليوم إعلان هذا الانتصار الذي يزعم أنه حققه، لأنه بالقياس إلى الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب منذ حوالي 22 شهرا، لم يستعد الأسرى كأحد أهدافه المعلنة، ولم ينهِ حركة المقاومة الإسلامية حماس، بل فضلا عن تلقي جيش الاحتلال ضربات موجعة بكمائن نوعية من كتائب عز الدين القسام، التابعة لحماس، يعود نتنياهو في كل مرة للدخول في مفاوضات مع الحركة. بل ونجحت الحركة في فرض نفسها مفاوضا مع الولايات المتحدة الأميركية، ما يبدد فكرة القضاء عليها، مثلما خطط لذلك نتنياهو.
إعلان
والحقيقة أنه ومنذ الأشهر الأولى للحرب على غزة، تواترت التصريحات من قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن رموز المعارضة، ومن العديد من زعماء العالم بمن في ذلك الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بأنه لا يمكن هزيمة حركة حماس، لسبب بسيط لأنها ليست مجرد جماعة مسلحة، وإنما هي فكرة.
ثانيا: لا يستطيع نتنياهو أن يزعم أنه نجح بشكل نهائي، في إسكات جبهات المواجهة الأخرى، التي فتحها على نفسه، بعد 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، سواء مع لبنان، أو اليمن، أو إيران، التي تشير التقديرات إلى أن مشروعها النووي لم يدمَر، وإنما تعرض لأضرار جزئية، قد تجعل سيناريو تسريعه أرجح من سيناريو إنهائه.
ولا تزال المنطقة كلها تنبثق عن أوضاع تنذر بحالة من التوتر والاضطراب، وليس بحالة من الاستقرار لصالح إسرائيل.
كما لا تزال الجبهة الأساسية وهي غزة تلوح كمستنقع يستدرج إليه نتنياهو فيما يشبه “المصيدة الإستراتيجية” بحسب توصيف رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الذي عبر في اجتماعات داخلية عن اعتراضه على فكرة احتلال غزة.
ثالثا: يتوهم نتنياهو أن حجم الدمار والقتل والإبادة الذي ارتكبه في غزة يمثل عنوان انتصاره، ونجاحه، بينما يرى العالم اليوم حجم الدمار غير المسبوق في قطاع غزة باعتباره جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وهي جرائم حولت إسرائيل إلى كيان بغيض ومنبوذ، يعاني من عزلة، ويفقد دائرة أصدقائه وداعميه تباعا. وتمثل التحولات المعتبرة في مواقف القادة الغربيين باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، حجم الضرر الدبلوماسي والسياسي الذي لحق بإسرائيل بسبب ما يرتكبه نتنياهو من إبادة في غزة.
فالرأي العام العالمي يتظاهر بعشرات الملايين أسبوعيا تضامنا مع غزة ورفضا للجرائم المروعة ضد الأطفال والنساء والنازحين. وقد رُفع العلم الفلسطيني في أنحاء العالم خلال العامين الماضيين، كما لم يرفع أي علم بلد في التاريخ.
وتحولت القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الدولي، شعبيا ورسميا. وتمثل خطوة العديد من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو إعلان نية الاعتراف، تحولا نوعيا في المواقف الدولية في العلاقة بالقضية الفلسطينية.
وتزداد أهمية هذه التحولات عندما تعلن دول من الوزن الثقيل وأعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي، على غرار فرنسا وبريطانيا، نية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وهو زخم بقدر ما أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، بقدر ما أربك القادة الإسرائيليين بشكل لافت، جعلهم يهاجمون تلك الدول ويعتبرونها تصطف إلى جانب حركة حماس.
وفضلا عن كل هذه العزلة الدبلوماسية، يواجه قادة إسرائيل اليوم ملاحقة من القضاء الدولي في مختلف أنحاء العالم، لا سيما محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.
رابعا: اعتبر خبراء أميركيون وغربيون أن نتنياهو بعناده وتماديه في الحرب على غزة، بل ومغامراته العسكرية على الجبهات الأخرى، إنما يورط إدارة ترامب في مستنقع مواجهات عسكرية وحروب هو لا يريدها.
وفي الوقت الذي يكافح ترامب من أجل نحت صورة له كرجل سلام وضد الحروب، واضعا نصب عينيه هدف نيل جائزة نوبل للسلام، يعمل نتنياهو عكس هذا الهدف تماما، من خلال جر ترامب لمستنقع الحرب مع إيران، بل وجر الولايات المتحدة للتورط في المنطقة وإشعال فتيل عدم الاستقرار فيها. وإذ يفعل نتنياهو ذلك يشتت تركيز واشنطن باتجاه الصين عدوا إستراتيجيا، وروسيا خطرا إستراتيجيا.
إعلان
ولقد ارتفعت أصوات عديدة في الولايات المتحدة الأميركية تحذر ترامب، وتدعوه لعدم الانجرار وراء ألاعيب نتنياهو وعناده، وضرورة النأي بنفسه عن سياسات إسرائيلية باتت اليوم قرينة الإبادة وجرائم الحرب والتجويع والتهجير.
خامسا: بدد نتنياهو ما كان يمكن أن يعتبر مكاسب عسكرية، عندما فشل في استثمارها سياسيا، مصرا بدل ذلك على التمادي في حرب تحصد أرواح الأبرياء من المدنيين، وتخلف دمارا واسعا، لا يبدو الهدف منه واضحا ولا ممكنا.
وبدا الانتشاء بتلك المكاسب العسكرية فخا ورط القادة الإسرائيليين لا سيما نتنياهو وفريق حكومته في تصريحات خطيرة، تقوض أي فرص للبناء على تلك المكاسب العسكرية والاستثمار فيها سياسيا. فقد تورط قادة إسرائيليون انتشاء بتلك المكاسب في التنظير للإبادة والتهجير القسري، واستعمال النووي ضد أهل غزة.
كما تفاخر نتنياهو بالحديث دون اعتبار لدول المنطقة، عن هدف إسرائيل في إعادة تشكيل المنطقة، وهندسة الشرق الأوسط. ومضى في أكثر من مرة إلى حد استدعاء وهْم “إسرائيل الكبرى” التي تشمل أجزاء من دول عربية كثيرة، بعضها مطبِع مع تل أبيب.
وقد أثار هذا الموقف الإسرائيلي حفيظة وغضب دول المنطقة، ووضع حظوظ إسرائيل في إقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول محل شك وتساؤل. بيد أن الغرور الإسرائيلي لا يزال يتمادى، حتى إنه نقل عن نتنياهو في أحد اجتماعات حكومته قوله إن دولا عربية ستطبع مع إسرائيل دون الحاجة لأن توقف إسرائيل حربها.
سادسا: ثمة وهم يسكن عقول وأطماع القيادة الإسرائيلية المتطرفة اليوم، سيساهم مساهمة كبيرة في تعميق أزمتها، وتبديد ما حققته مما يبدو مكاسب عسكرية وأمنية، وهي فكرة الهيمنة على المنطقة وإعادة تشكيلها على مزاجها.
فالتفوق العسكري الذي تعمل الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع دول غربية على تأمينه لإسرائيل، باتت القيادات الإسرائيلية الأخيرة تقرؤه بشكل خاطئ، وتفهمه باعتباره فرصة للهيمنة على المنطقة وصاحبة القول الفصل فيها وعليها.
وبرزت هذه النزعة في التصريحات الكثيرة التي تصدر عن نتنياهو وشخصيات إسرائيلية أخرى بما يفيد هذا الموقف. فسمعنا كثيرا من القيادات الإسرائيلية كلاما عن: إعادة تشكيل المنطقة، الاتفاقيات الأبراهامية، إسرائيل الكبرى.
وصاحب هذه المواقف والتصريحات عدوانية إسرائيلية جامحة، تستبيح دول المنطقة بهجمات عسكرية، في فلسطين، ولبنان، والعراق، وإيران، وسوريا، وشبكات تجسس نشطة. وإذ يندفع الإسرائيليون بهذا الجموح الهيمني، منتشين بالحملات العسكرية التي يستهدفون بها دول المنطقة، بما في ذلك إيران، يتناسون حقائق صلبة لا يمكن القفز عليها ولا تجاهلها في التاريخ والديمغرافيا والجغرافيا والسياسة والإستراتيجية.
فحلم التحول إلى القوة المهيمنة إقليميا، لا تكفي فيه المكاسب العسكرية الإسرائيلية المرفوعة والمدعومة بالكامل من الولايات المتحدة الأميركية، وإنما يقتضي شروطا أخرى أهم، لا يبدو أن إسرائيل في وارد توفيرها، لا حاضرا ولا مستقبلا.
فإسرائيل التي لا يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، منهم 25% من العرب، لا يمكنها أن تجعل من نفسها القوة المهيمنة في منطقة تعد حوالي 450 مليون عربي، و90 مليون إيراني، وحوالي 90 مليون تركي، مع مساحة جغرافية تزيد عن 15 مليون كيلومتر مربع، بينما لا تزيد المساحة المحتلة التي تقع عليها إسرائيل عن 23 ألف كيلومتر مربع.
ولا تبدو إسرائيل تملك من مقومات قوة إقليمية مهيمنة، وهي بطبعها، باعتبارها قوة احتلالية، تواجه إعاقة حتى في طبيعتها، وعدم قابلية اندماجها في المنطقة، وعدم قبول مكونات المنطقة بالتسليم لها كقوة إقليمية مهيمنة، كل ذلك يبدد التطلعات الإسرائيلية بالهيمنة على المنطقة، ويجعل منها مجرد أوهام.
إعلان
ففضلا عن المزاج الشعبي العام في المنطقة الرافض، بل والمعادي بشدة لإسرائيل، لا تبدو الأخيرة قادرة على القضاء أو إخضاع من تعتقد أنهم يقفون في وجهها لتنفيذ مخططها، فلا تركيا الناهضة، ولا إيران العنيدة، ولا مصر الباحثة عن نفسها، ولا سوريا القادمة من بعيد، ستقبل بمشهد إقليمي، تشكله إسرائيل، وتتحكم فيه، وتهيمن من خلاله على المنطقة.
بل ستواجه إسرائيل رغم ما تبديه من علو كعبها اليوم، تحديات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة، لن تدفعها فقط إلى الانكفاء والانحسار، وإنما ستجدد السؤال الذي يؤرقها ويلاحقها منذ القيام إلى اليوم، وهو سؤال الوجود نفسه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
تناولت صحف عالمية عزم دول غربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية والخطط الإسرائيلية للرد على ذلك، إلى جانب آخر المستجدات والتطورات الميدانية المرتبطة بالحرب على قطاع غزة.
وذكرت صحيفة معاريف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية– يبحث إمكانية تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، إضافة إلى إجراءات انتقامية ضد السلطة الفلسطينية والدول الداعمة للخطوة.
وتأتي هذه التطورات قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المقرر أن تشهد إعلانا تقوده فرنسا ودول أخرى تعترف بدولة فلسطينية، في حين تراهن إسرائيل على تحرك أميركي لعرقلة المبادرة، حسب الصحيفة.
ورأت صحيفة لوموند الفرنسية أن السلطات الإسرائيلية تناور لتدمير أي أمل في قيام دولة فلسطينية مع استمرار الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الزراعية وموارد المياه، وقد تكثف هذا التوجه الراسخ منذ هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وتبدو النقاشات بشأن حل الدولتين -وفق الصحيفة- غير واقعية تماما، مشيرة إلى أن هذا الهدف يواجه حاليا وضعا معقدا على أرض الواقع بالنظر إلى ما يجري في الضفة الغربية.
وفي قطاع غزة، يكافح جيش الاحتلال الإسرائيلي لحشد جنود الاحتياط، إذ لجأ بعض القادة إلى أساليب غير اعتيادية للعثور على عدد كافٍ منهم، وفق ما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الجنود الإسرائيليين منهكون بعد ما يقرب من عامين من القتال على عدة جبهات، ويتزايد عدد الذين يتساءلون عن جدوى الحرب.
ونقلت عن جندي قاتل في غزة لمدة 400 يوم قوله إن “الناس يموتون عبثا، ونتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل بقائه السياسي”.
وركز مقال في صحيفة التلغراف الضوء على تزايد الانقسام الجمهوري بشأن نتنياهو، وتحذير شخصيات محافظة بارزة للرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن دعم حرب إسرائيل في غزة يمثل عبئا سياسيا.
إعلان
ونقلت الصحيفة عن كيرت ميلز، المدير التنفيذي لمجلة “المحافظ الأميركي”، قوله إن أسباب انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تضاءلت على مر السنين، ولم يعد هناك مجال للقول إن الدفاع عن إسرائيل يصب في المصالح الوطنية الأميركية.
وناقش مقال في صحيفة هآرتس السيناريوهات المحتملة في حال فاز نتنياهو في الانتخابات المقبلة، وقال إن فوزه لن يعني مجرد استمرار الوضع الراهن فحسب.
ويعني ذلك تسريع التحول نحو دولة استبدادية دينية عنصرية، وعزلة دولية متزايدة، وتهديد المشروع الصهيوني نفسه على المدى الطويل، وتفككا داخليا واجتماعيا قد لا يكون قابلا للإصلاح، حسب المقال.
أجمع محللون سياسيون على خطط إسرائيل لتهجير سكان الضفة الغربية بعد ضمها المحتمل -كليا أو جزئيا- وتصفية القضية الفلسطينية للمضي قدما لتحقيق رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإقامة “إسرائيل الكبرى”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق أن نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- يمتلك فرصة ذهبية داخليا وخارجيا لضم الضفة لأسباب عدة مثل الهرب من فشله في غزة، وتجنب انهيار ائتلافه الحاكم، والضوء الأخضر الأميركي.
كما اعتاد نتنياهو تحويل كل مأزق إلى إنجاز شخصي وتاريخي -مثلما تحدث القيق لبرنامج “مسار الأحداث”- حيث يروج أن ضم الضفة يأتي ردا على الإعلانات الأوروبية المرتقبة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وضعف السلطة الفلسطينية.
وكان موقع أكسيوس الأميركي نقل عن مصادر أن الوزيرين الإسرائيليين جدعون ساعر ورون ديرمر أبلغا نظراءهما في عدة دول أوروبية أن إسرائيل ستضم أجزاء من الضفة إذا تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وإضافة إلى ذلك، تبرز عقلية إسرائيل التوسعية في المنطقة، إذ تدرك -وفق القيق- أنها “لا يمكن لها أن تتمدد في الإقليم طالما بقيت القضية الفلسطينية”، لذلك “تخطط لتهجير أهل الضفة”.
واقع ميداني
أما بالنسبة لمسألة الضم، فلم تكتمل الصورة بعد لدى الإسرائيليين بين من يريد ضم كل المناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ومن يريد ضم كافة المستوطنات ومناطق “ج”، حسب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي.
وتعد مناطق “ج” أكبر مناطق الضفة الغربية، وتشكلت وفق التقسيم الذي أفرزته اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، وتمثل 61% من مجموع أراضي الضفة، وتسيطر السلطات الإسرائيلية على الإدارة المدنية والأمنية فيها.
وتترجم إسرائيل خطط ضم الضفة الغربية واقعا على الأرض، حيث تقلص دور السلطة وتقيد العمران في مناطق تخضع للولاية الإدارية للفلسطينيين، وهو ما اعتبره الشوبكي “إعداما لفكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967”.
إعلان
لكن يسود انقسام في الأوساط السياسية الإسرائيلية بشأن مستقبل السلطة، إذ يريد البعض الإبقاء عليها بشكلها الحالي كأعلى سقف ممكن من أجل إعفاء تل أبيب من مهمة إدارة حياة الفلسطينيين.
ويرى آخرون بأن بقاء السلطة بالشكل الحالي مزعج -حسب الشوبكي- ويجب تفكيكها على شكل مناطق جغرافية غير متصلة ولا يوجد لديها رؤية سياسية، وتحويلها إلى بلديات تدير شؤون الفلسطينيين.
مخاوف جدية
وعمليا، لن يكون ضم الضفة صعبا بعد السكوت عما جرى في غزة، لكن العملية ستعقد حياة الفلسطينيين، إذ لا يمكن التنقل بين المناطق بعد تحويلها إلى جزر، مثلما قال الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي.
ورجح مكي انهيار السلطة وعدم قدرة الفلسطينيين على التعايش مع الواقع الجديد، لذلك تهدف إسرائيل إلى إيجاد “إدارة عميلة تابعة لها أمنيا وإداريا” ، كما لم يستبعد أن يؤدي الضم إلى تهجير سكان الضفة الغربية، التي تنظر إليها تل أبيب أنها “قضية دينية، وليست أمنية مثل غزة”.
وأعرب عن قناعته بأن الولايات المتحدة لن تمانع ضم مناطق “ج” ردا على الاعترافات الأوروبية، وسط خشية من خطط وخطوات إسرائيلية انتقامية بشأن شمالي الضفة (طولكرم، جنين، طوباس، قلقيلية، ونابلس) تدفع سكان هذه المناطق إلى التهجير.
وفي هذا الإطار، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عن مصادرة إسرائيل مئات الدونمات من أراضي الضفة الغربية التابعة للفلسطينيين بمحافظتي نابلس وقلقيلية، مشيرة إلى أن الاحتلال يهدف إلى شرعنة أوضاع بؤرة استيطانية مقامة في المنطقة.
سلطت صحيفة غازيتا الروسية الضوء على مبادرة الحوكمة العالمية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة “منظمة شنغهاي للتعاون“، ونقلت عن نائب في مجلس الدوما الروسي قوله إن المبادرة لا تعني إنشاء نظام دولي جديد.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير الكاتبتين إيفا فيشنيفسكايا وإيرينا يوردانوفا، أن المبادرة الصينية تقوم على 5 مبادئ، هي المساواة في السيادة، والامتثال للسيادة الدولية للقانون، ومآذارة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الشعوب، والتركيز على اتخاذ إجراءات فعلية.
ونقلت عن الرئيس الصيني قوله خلال القمة: “أود أن أطرح مبادرة للحوكمة العالمية، والعمل مع جميع الدول على بناء نظام عالمي أكثر عدلا ومساواة، وبناء مصير مشترك للبشرية”.
دور قيادي لمنظمة شنغهاي
وأشار الرئيس الصيني إلى أن تسارع التغيرات العالمية غير المسبوقة يستدعي أن تتولى “منظمة شنغهاي للتعاون” دور القيادة وأن تكون نموذجا في تنفيذ مبادرات الحوكمة العالمية.
وأضاف أن “المنظمة أصبحت قوة إيجابية في بناء وإصلاح النظام العالمي، حيث تقدم وتنفذ العديد من المفاهيم الجديدة في هذا المجال”.
كما نقل التقرير عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم بلاده للمبادرة الصينية، مؤكدا أن “منظمة شنغهاي للتعاون” تلعب دورا نشطا في تعزيز “السلام والأمن” في منطقة أوراسيا منذ تأسيسها.
وأضاف بوتين أن بعض الدول لا تزال تسعى إلى فرض هيمنتها في الشؤون الدولية، مما يجعل المبادرة الصينية مهمة في هذا السياق، معتبرا أن “منظمة شنغهاي للتعاون” تملك القدرة على قيادة عملية تأسيس نظام عالمي أكثر عدلا وحيادية.
وقال الرئيس الروسي خلال القمة: “تدعم روسيا مبادرة شي جين بينغ وترغب في البدء بمناقشة المقترحات بشكل ملموس”.
الرئيس الصيني: تسارع التغيرات العالمية غير المسبوقة يستدعي أن تتولى “منظمة شنغهاي للتعاون” دور القيادة وأن تكون نموذجا في تنفيذ مبادرات الحوكمة العالمية
دعم من جميع الحاضرين
ووفقا للتقرير، حظيت مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي أكد أن “المبادرة تقوم بشكل أساسي على مبادئ المساواة والعدالة”، وهي قيم “تفتقر إليها العلاقات الدولية في الوقت الراهن”.
إعلان
وأضاف لوكاشينكو أن شي جين بينغ حدد “المبادئ الأساسية” التي يمكن من خلالها “حل المشاكل الحقيقية التي تواجه الدول والشعوب”، مشددا على أن بيلاروسيا مستعدة للمشاركة في هذه المبادرة، سواء في إطار “منظمة شنغهاي للتعاون” أو في إطار محافل أخرى مثل الأمم المتحدة.
من جانبه، صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن مبادرة شي جين بينغ كانت الحدث الأبرز في القمة، مشيرا إلى أن جميع القادة الحاضرين قدموا لها الدعم الكامل، كما أنها لاقت استجابة واسعة من المجتمع الدولي، حسب تعبيره.
ماذا تعني المبادرة؟
نقلت الكاتبتان عن النائب في مجلس الدوما الروسي، يفغيني فيدوروف، أن مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ لا تتعلق بإنشاء حكومة عالمية، مؤكدا أنها تثير اهتمام جميع الدول.
واعتبر فيدوروف أن “مبدأ الحكومة العالمية يتعارض مع القانون الدولي الذي يستند إلى 3 مبادئ تم تحديدها عقب الحرب العالمية الثانية. فهو يرتكز على عدم انتهاك الحدود الإقليمية، أي حدود عام 1945. كما يقوم على حق الأمم في تقرير مصيرها، مع مراعاة احترام تلك الحدود.. وبالتالي، فإن مبدأ سيادة الدول يتعارض مع إنشاء حكومة عالمية.. لا أحد يحب أن يكون تحت سلطة طرف آخر، وهذا يتعارض مع طبيعة الإنسان، ناهيك عن طبيعة الأمم”.
وأشار فيدوروف إلى أن شي جين بينغ يسعى إلى تعزيز التعاون بين الدول وتشكيل بنية تحتية مشتركة للتنمية، مضيفا: “لا تهدف المبادرة إلى التنسيق بشكل تقليدي مثلما تفعل الأمم المتحدة في مجالات حقوق الإنسان، والاقتصاد، وانبعاثات الكربون، وغيرها. بل تشمل أيضا إنشاء مؤسسات تعرض حلولا شاملة للتنمية المستدامة على صعيد عالمي، تقبلها الدول طواعية”.
وتابع عضو مجلس الدوما الروسي: “ستُعنى هذه المؤسسات بقضايا الأمن لضمان عدم نشوب الحروب. في الوقت ذاته، يعدّ هذا المقترح جزءا من آليات تحسين وتطوير مؤسسات الأمم المتحدة، ولا يتضمن إنشاء هيكل جديد”.
أنقرة- قضت محكمة مدنية في إسطنبول، اليوم الثلاثاء، بإبطال نتائج مؤتمر حزب الشعب الجمهوري في أكبر فروعه الحزبية على مستوى البلاد، والذي كان قد عُقد يوم 8 تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وبموجب هذا القرار، جرى عزل أوزغور تشيليك (رئيس فرع الحزب في إسطنبول) مع كامل أعضاء إدارته المنتخبين. كما تقرر تكليف لجنة مؤقتة من 5 أشخاص لتولي إدارة شؤون الفرع إلى حين انعقاد مؤتمر جديد، وضمت شخصيات بارزة في الحزب بينهم النائب السابق غورسل تكين الذي أسندت إليه رئاسة الفرع بالإنابة.
وقد أصدرت المحكمة المدنية الابتدائية الـ45 في إسطنبول حكمها، بعد نظر دعوى رفعها عدد من أعضاء الحزب للطعن في شرعية المؤتمر الانتخابي الأخير لفرع إسطنبول.
تفاصيل القرار
وجاء في منطوق الحكم: إلغاء جميع النتائج المترتبة على مؤتمر 8 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 وما أفرزه من هيئات حزبية، ليُعتبر بذلك تشيليك مفصولا من رئاسة الفرع، ومعه كامل أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين في ذلك المؤتمر.
وشمل القرار أيضا تعليق عضوية 196 مندوبا شاركوا في المؤتمر المذكور وانتخبوا خلاله، في خطوة وصفت بأنها إجراء احترازي يمنعهم من مآذارة أي مهام تنظيمية حتى إشعار آخر.
وعلى الصعيد المركزي، بادرت قيادة “الشعب الجمهوري” إلى عقد اجتماع طارئ في أنقرة برئاسة أوزغور أوزال، لبحث التداعيات المترتبة على القرار القضائي ووضع خطة للتعامل مع الأزمة، في محاولة لاحتواء آثارها على تماسك الحزب واستقراره التنظيمي.
وأعلن أوزال طرد غورسل تكين من عضويته بالحزب بعد قبوله منصب رئيس فرع الحزب في إسطنبول بالوصاية خلفا للرئيس المنتخب المعزول بقرار قضائي تشيليك.
رئيس الفرع المكلف غورسل تكين (الأناضول)
صراع وأزمات
وجاء قرار المحكمة ليشكل فصلا جديدا في سلسلة الأزمات الداخلية التي يعيشها حزب الشعب الجمهوري منذ عام 2023.
ففي 8 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، انعقد مؤتمر فرع الحزب في إسطنبول وسط أجواء تنافسية حادة بين جناحين بارزين: الأول إصلاحي مدعوم من رئيس بلدية إسطنبول آنذاك أكرم إمام أوغلو، والثاني تقليدي قريب من الزعيم السابق للحزب كمال كليتشدار أوغلو.
إعلان
وفي هذا السياق، خاض تشيليك -وهو قيادي شاب يحظى بتأييد إمام أوغلو- سباق رئاسة الفرع في مواجهة المخضرم جمال جانبولات الذي اعتُبر ممثلا للجناح التقليدي، وانتهى التصويت بفوز تشيليك بأغلبية أصوات مندوبي إسطنبول، ليصبح رئيسا للفرع خلفا لجانان كفتانجي أوغلو التي أُبعدت بقرار قضائي فرض عليها حظرا سياسيا.
غير أن نتائج المؤتمر سرعان ما تحولت إلى موضع شك، إذ تقدم معارضو تشيليك بطعون حول نزاهة العملية، وفتحت النيابة العامة في إسطنبول تحقيقا واسعا بشبهة حدوث تلاعب واحتيال بالانتخابات الداخلية.
وفي كانون الثاني/كانون الثاني 2024، أصدرت النيابة لائحة اتهام تضمنت مزاعم بتقديم رشاوى لعدد من المندوبين لضمان تصويتهم لصالح تشيليك، مشيرة إلى محاولة دفع 150 ألف ليرة (نحو 3 آلاف و660 دولارا) لكل مندوب، مع طلب لاحق برفع المبلغ إلى 750 ألف ليرة (نحو 18 ألفا و290 دولارا) إلى 3 مندوبين.
وبناء على هذه المزاعم، وُجِّهت اتهامات إلى تشيليك و9 من مسؤولي الحزب الآخرين، قد تصل عقوبتها إلى السجن 3 سنوات حال ثبوت التلاعب.
وإلى جانب التحقيقات الجنائية، لجأت المجموعة الخاسرة في المؤتمر -والمقربة من جانبولات وكليتشدار أوغلو- إلى القضاء المدني للطعن في شرعية النتائج، مستندة إلى ما اعتبرته مخالفات إجرائية وانتهاكا للوائح الداخلية للحزب.
وبعد مداولات قضائية استمرت نحو عامين، جاء قرار المحكمة الأخير ليُبطل رسميا نتائج مؤتمر إسطنبول، وليمنح فريق الطاعنين انتصارا قضائيا أنهى ولاية تشيليك وأعضاء إدارته.
تماسك الحزب ووحدته
وقد أحدث قرار المحكمة ردود فعل متسارعة داخل حزب الشعب الجمهوري، في وقت يسعى قادته لاحتواء تداعياته والحفاظ على تماسك الصفوف.
فقد بادر تشيليك -الذي أُبطل انتخابه رئيسا لفرع إسطنبول- إلى التعليق بحذر، موضحا أن الحكم لم يُبلَّغ رسميا بعد، وأنه وفريقه بصدد الاطلاع على تفاصيله، ودعا أنصاره إلى التزام الهدوء ريثما تتضح الصورة، مؤكدا عبر رسالة على حساباته بوسائل التواصل الاجتماعي أنه سيتابع التطورات من مقر الحزب.
وفي المقابل، برز تكين -المكلف برئاسة فرع إسطنبول مؤقتا- ليؤكد عزمه على الحفاظ على وحدة التنظيم وضمان استمرار نشاطاته، وقال في تصريح صحفي “لن أسمح بأن يبقى حزبنا بلا قيادة. سأتحمل المسؤولية كاملة لإخراج الحزب من أروقة المحاكم وإعادته إلى مساره الديمقراطي”.
مؤيدو “الشعب الجمهوري” المعارض الرئيسي بتركيا خلال مظاهرة بإسطنبول أواخر الشهر الماضي (رويترز)
ومن جانبه، قال مراد جان إيشيلداق نائب رئيس لجنة الانضباط بـ”الشعب الجمهوري” إن قرار المحكمة إبطال مؤتمر فرع الحزب بإسطنبول وعزل قيادته المنتخبة ينبغي التعامل معه في إطار مبدأ سيادة القانون.
وأوضح -في تصريح للجزيرة نت- أن النهج الاجتماعي الديمقراطي لا يقوم فقط على احترام أحكام القضاء، بل أيضا تشغيل الآليات الداخلية للحزب بصورة ديمقراطية وشفافة وتشاركية لمعالجة الخلافات، مضيفا “علينا أن نحرص على ألا تؤدي هذه العملية إلى الإضرار بالهوية المؤسسية للحزب أو بثقة أعضائنا بتنظيمهم”.
إعلان
وأشار إيشيلداق إلى أن الحفاظ على وحدة الحزب يتطلب تغليب القيم المشتركة، والمسؤولية الاجتماعية، على المصالح الفردية أو النزعات الفئوية.
وقال إيشيلداق “أي تطور تنظيمي يطرأ في إسطنبول -وهي ولاية محورية في السياسة التركية- يملك بطبيعته القدرة على التأثير في مجمل الحزب، لكن الأهم أن يقودنا هذا الوضع إلى تعزيز ثقافة الديمقراطية، وإيجاد آليات أوسع وأكثر شرعية تعكس إرادة أعضائنا”.
وأكد أن تركيا تمر بمرحلة سياسية حرجة، والمجتمع يتوقع من المعارضة أن تقدم الحلول والثقة والأمل، وأضاف “واجبنا الأساسي إدارة النقاشات الداخلية بعقلانية، وتعزيز وحدة الصف، والعمل بعقل جماعي”.
وتابع إيشيلداق “القضية بالنسبة لنا ليست مجرد نزاع حول مؤتمر إقليمي، بل هي اختبار حقيقي لمدى استيعابنا لقيم الديمقراطية وقدرتنا على أن نكون نموذجا يحتذى به أمام المجتمع”.
المحلل السياسي علي أسمر: رمزية إسطنبول لا يستهان بها بالنسبة لـ”الشعب الجمهوري” (الجزيرة)
خيارات الحزب
في السياق، قال المحلل السياسي علي أسمر إن قرار المحكمة لا يمكن اعتباره مجرد إجراء قانوني عابر، بل يُمثِّل تطورا سياسيا مهما يمس أكبر فروع الحزب المعارض وأكثرها رمزية في المشهد التركي.
وأوضح أسمر -للجزيرة نت- أن اتهامات التلاعب والمخالفات في اختيار المندوبين، إضافة إلى شبهات تأثير المال، جعلت المؤتمر مثار جدل حتى قبل صدور الحكم القضائي، الأمر الذي يعكس عجز الحزب عن بناء آلية انتخابية داخلية مستقرة وشفافة.
وشدد على أن رمزية إسطنبول لا يمكن الاستهانة بها بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، فهي المدينة التي منحت المعارضة فوزها الأكبر عام 2019 عبر إمام أوغلو، كما أنها القاعدة الأكثر تنظيما وتمويلا ونفوذا داخل الحزب، مؤكدا أن أي اهتزاز في إدارة هذا الفرع ينعكس مباشرة على الهيكل التنظيمي العام، مما يمنح قرار الإبطال أهمية مضاعفة.
وختم أسمر بالقول: إن الحزب يقف اليوم أمام خيارين حاسمين:
تحويل الأزمة إلى فرصة الحزب لإعادة ترتيب بيته الداخلي عبر انتخابات أكثر شفافية وتوافقا.
الانزلاق نحو مسار من الانقسامات التي قد تضعف موقع حزب الشعب الجمهوري بالساحة السياسية خلال المرحلة المقبلة.