دخلت محاكمة الرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، مرحلة الحسم، مع اقتراب صدور الأحكام في القضية التي يُحاكم فيها بتهمة قيادة مؤامرة لإلغاء نتائج انتخابات 2022، التي خسرها أمام الرئيس الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ومن المنتظر أن يصدر قضاة المحكمة العليا الخمسة، المكلّفون بالنظر في القضية، أحكامهم بحق بولسونارو وسبعة متهمين آخرين بحلول 12 أيلول/أيلول الحالي.
فيما يلي، نلخص بعض الأساسيات التي تحتاج إلى معرفتها حول المحاكمة.
من هو جايير بولسونارو؟
قام رجل بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
يُعد جايير بولسونارو، البالغ من العمر 70 عاماً، سياسياً برازيلياً حكم الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية من كانون الثاني/كانون الثاني 2019 إلى كانون الأول/كانون الأول 2022.
قبل دخوله عالم السياسة، كان بولسونارو جندياً مظلياً، وفي سنواته الأولى كعضو في الكونغرس، دافع بشدة عن مصالح القوات المسلحة.
خدم بولسونارو سبع فترات في الكونغرس – من عام 1991 إلى عام 2018 – لكنه لم يصبح معروفاً خارج حدود ولايته الأصلية ريو دي جانيرو حتى ترشح للرئاسة في عام 2018.
البرازيل: الرئيس السابق جاير بولسونارو يعود من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة
أعرب العديد من البرازيليين الغاضبين من ارتفاع مستويات الجريمة عن تأييدهم لنهجه المتشدد في فرض القانون والنظام.
لكن ما دفعه حقاً إلى إدراك أهمية ذلك كان الهجوم الذي تعرض له خلال تجمع انتخابي قبل شهر واحد فقط من الجولة الأولى من انتخابات عام 2018. حيث قام رجل – جرى الحكم عليه لاحقاً بأنه مريض عقلياً – بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
فقد بولسونارو 40 بالمئة من دمه خلال تلك الحادثة، ومنذ ذلك الحين يعاني من مضاعفات متكررة ناجمة عن الجروح المعوية التي أصيب بها.
متى انتُخب بولسونارو؟
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
وجاء انتصاره في وقت كان يعاني فيه حزب العمال من فضائح فساد، ما دفع العديد من البرازيليين إلى الرغبة بالتغيير بعد أربع سنوات صعبة في السياسة البرازيلية.
وكانت الرئيسة المنتخبة السابقة، ديلما روسيف من حزب العمال، قد تعرضت للعزل في عام 2016 بتهمة التلاعب بالميزانية.
وأكمل نائبها ميشيل تامر الفترة المتبقية من ولايتها، لكنه لم يحظى بشعبية كبيرة.
ومُنع السياسي الأكثر شهرة في حزب العمال، الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المعروف باسم لولا)، من الترشح لمنصب في ذلك الوقت لأنه كان قد أدين بالفساد.
وبسبب ذلك، أصبح حزب العمال في حالة من الفوضى بسبب منع مرشحه الرئيسي لولا، وانتهى به الأمر إلى الدفع بحداد غير المعروف في اللحظة الأخيرة، والذي خسر الانتخابات أمام بولسونارو.
وبعد سنوات، أُلغيت إدانات لولا بالفساد، وتمكّن من الفوز على بولسونارو في انتخابات عام 2022.
لولا دا سيلفا يؤدي اليمين رئيسا للبرازيل وبولسونارو يغادر إلى الولايات المتحدة
بماذا يشتهر بولسونارو؟
تميّزت رئاسته بأسلوب المواجهة، والذي أشاد به أنصاره ووصفوه بأنه “صريح” و”فريد”، لكن منتقديه سخروا منه ووصفوه بأنه “فظ”.
وفي وقت اعتُبرت فيه البرازيل من أكثر الدول تضرراً من تفشي فيروس كورونا، سُلطت الأضواء على تعامل بولسونارو مع وباء كورونا.
وقد أثار وصفه للفيروس بأنه “إنفلونزا خفيفة” غضباً شديداً بين من فقدوا أفراداً من عائلاتهم بسبب كورونا.
وعلى الصعيد الدولي، تعرَّض لانتقادات بسبب خفضه ميزانية الوكالات المكلفة بحماية الشعوب الأصلية والبيئة، ما دفع البعض إلى وصفه بأنه “خطر على الأمازون”.
وعلى الرغم من ذلك، حظي موقفه المحافظ بتأييد كبير بين أنصاره، وواصل العديد منهم دعمه طوال معاركه القانونية، وعقدوا اجتماعات صلاة ومظاهرات حاشدة لإظهار دعمهم المستمر له والمطالبة بتبرئته.
إلى أي حزب ينتمي؟
لقد غيّر بولسونارو انتماءه الحزبي عدة مرات خلال حياته السياسية.
بدأ كعضو في الحزب الديمقراطي المسيحي في عام 1988 عندما ترشح بنجاح لمنصب عضو مجلس المدينة في ريو دي جانيرو.
خلال فترة عضويته في الكونغرس، والذي دخله لأول مرة كعضو في حزب العمال البرازيلي، قام بتغيير حزبه أربع مرات.
ترشح للرئاسة في عام 2018 عن الحزب الليبرالي الاجتماعي، لكنه انسحب منه في عام 2019، ووعد بإطلاق حزب جديد.
وعندما فشل تحالفه “من أجل البرازيل” الذي أنشأه حديثاً في الحصول على الدعم اللازم ليصبح حزباً مسجلاً، انضم إلى الحزب الليبرالي في في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2021، ولا يزال عضواً فيه.
ما هي التهم الموجهة إليه؟
ينظر بولسونارو إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود
يواجه بولسونارو اتهامات بالتخطيط لانقلاب عسكري.
ويقول الادعاء إنه تآمر مع سبعة من مساعديه المقربين – أربعة منهم من كبار أعضاء الجيش – للبقاء في السلطة بعد أن هزمه لولا في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/تشرين الأول 2022.
وتضمنت المؤامرة المزعومة خططاً لاغتيال لولا ونائبه جيرالدو ألكمين، واعتقال وإعدام ألكسندر دي مورايس – قاضي المحكمة العليا الذي يشرف حالياً على محاكمة بولسونارو.
وقال المحققون إن المؤامرة المزعومة لم تنجح لأنها لم تحظَ على دعم قادة الجيش والقوات الجوية.
اقتحام الكونغرس البرازيلي: المحكمة العليا تضم الرئيس السابق بولسونارو في تحقيقاتها في أعمال الشغب
بدوره، أدى لولا اليمين الدستورية دون أي حوادث في الأول من كانون الثاني/كانون الثاني 2023.
لكن بعد أسبوع واحد فقط، في الثامن من كانون الثاني/كانون الثاني، اقتحم آلاف من أنصار بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا وقاموا بتخريبها. وتدخلت قوات الأمن وألقت القبض على نحو 1500 شخص.
ويزعم ممثلو الادعاء أن مثيري الشغب تم تحريضهم من قبل بولسونارو، الذي كانت خطته، هي أن يتدخل الجيش البرازيلي ويستعيد النظام ويعيده إلى السلطة.
ونفى بولسونارو بشدة جميع هذه الاتهامات، مشيراً إلى أنه كان في الولايات المتحدة حين وقوع الاقتحامات.
ماذا يقول بولسونارو؟
قال بولسونارو إنه ضحية “حملة شعواء”.
ويُشير منذ فترة طويلة إلى أن الاتهامات الموجهة إليه “ذات دوافع سياسية”، وتهدف إلى منعه من الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2026.
وفي حين أن بولسونارو ممنوع بالفعل من الترشح لمنصب عام حتى عام 2030 لادعائه كذباً بأن نظام التصويت في البرازيل عرضة للغش والاحتيال، فقد أعلن عن نيته محاربة هذا الحظر حتى يتمكن من الترشح لولاية ثانية في عام 2026.
كما شكّك هو ومحاموه في نزاهة لجنة المحكمة العليا المكلفة بمحاكمته والمتهمين معه.
وينظر بولسونارو منذ فترة طويلة إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود ووصفه بأنه “ديكتاتور”، متهماً إياه بإساءة استخدام سلطته.
وأشار أيضاً إلى أن اثنين من القضاة الآخرين في اللجنة كانت لديهما علاقات وثيقة مع الرئيس لولا.
وكان أحد هؤلاء القضاة، كريستيانو زانين، محامي الدفاع عن لولا بين عامي 2013 و2023، والذي ساعد في إلغاء إدانة لولا بالفساد.
وكان آخرهم فلافيو دينو، الذي شغل منصب وزير العدل في عهد لولا من عام 2023 إلى عام 2024.
ما الصلة بين بولسونارو وترامب؟
تربط ترامب وبولسونارو علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
قارن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين ما يحدث لبولسونارو مع معاركه القانونية بعد رفضه قبول الهزيمة في الانتخابات الأمريكية عام 2020.
وكتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي في تموز تموز الماضي: “هذا ليس أكثر أو أقل من هجوم على خصم سياسي – وهو أمر أعرفه جيداً! لقد حدث لي، أضعافاً مضاعفة”.
لكن ترامب لم يكتفِ بكلمات الدعم وحسب، بل رفع الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية إلى 50 بالمئة، مُشيراً إلى معاملة البرازيل لبولسونارو كسببٍ لهذه الزيادة.
وكرر ترامب كلمات بولسونارو، واصفاً المحاكمة أيضاً بأنها “حملة شعواء”.
ترامب يهدد بفرض قيود على دول بريكس، فما هي المجموعة؟
وأكّد أن بولسونارو “ليس مذنباً بأي شيء، باستثناء القتال من أجل الشعب” وطلب من المدعين العامين “تركه وشأنه!”.
كما أن الرجلين (ترامب وبولسونارو) تربطهما علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
أين بولسونارو الآن؟
يتابع بولسونارو المحاكمة من منزله في برازيليا.
جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية في بداية شهر آب/آب بعد أن زعم تقرير للشرطة أنه وابنه إدواردو حاولا التدخل في المحاكمة.
وقالت الشرطة إنها عثرت على وثيقة على هاتف جايير المحمول – يعود تاريخها إلى شباط/شباط 2024 – تُشير إلى أنه كان يخطط للتهرب من الإجراءات الجنائية من خلال طلب اللجوء إلى الأرجنتين.
واتهموا أيضاً إدواردو بالضغط على إدارة ترامب نيابة عن والده، ما جعلهم يمنعوا الأب والابن من التواصل مع بعضهما البعض.
إذا ثبتت إدانتُه، هل سيتم إرساله مباشرة إلى السجن؟
في حالة إدانته، قد يُحكم على بولسونارو بالسجن لمدة تزيد على 40 عاماً.
ومع ذلك، فمن غير المُرجّح أن يتم نقله إلى السجن مباشرة بعد الإعلان عن حكم الإدانة المحتمل. ففي البداية، يتعيّن على هيئة قضاة المحكمة العليا نشر الحكم.
قد يحدث هذا في أقل من شهر، وفقاً مصدر قانوني استشارته بي بي سي نيوز برازيل، ولكن بما أن الأمر يعتمد على سرعة مراجعة كل وزير لتصويته للنشر، فمن الصعب التنبؤ بالمدة التي قد يستغرقها ذلك.
وقال أحد المحامين لبي بي سي البرازيل إنه بعد نشر الحكم، سيكون أمام محاميي المُتهمين خمسة أيام لطلب التوضيحات. ويمكن للمتهمين أيضاً الاستئناف ضد الحكم – ولكن فقط إذا لم يكن بالإجماع.
أي إذا صوت اثنان من أصل خمسة قضاة في هيئة المحكمة العليا بـ “غير مذنب”، يمكن للمتهم أن يطلب من المحكمة العليا بكامل هيئتها ـ أي جميع قضاة المحكمة الأحد عشر ـ مراجعة الحكم.
تمثل عملية “عصا موسى” التي تنفذها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) استمرارا لتكتيك معين للمقاومة حتى في ظل الدمار الشامل وتسطيح المدن والمناطق الذي تقوم به قوات الاحتلال.
وأعلنت المقاومة اليوم الأربعاء إطلاق عمليات “عصا موسى” ردا على “عربات جدعون 2″ التي أطلقتها إسرائيل لاحتلال مدينة غزة.
وأكد مصدر في المقاومة للجزيرة أن باكورة هذه العمليات بدأت خلال الأيام الماضية في جباليا وحي الزيتون بعد ساعات من إعلان إسرائيل عن عربات جدعون 2.
وفي هذا السياق، نشرت كتائب القسام مشاهد لاستهداف آليات إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة ضمن سلسلة عمليات عصا موسى.
وأظهرت المشاهد 3 من مقاتلي القسام وهم يخرجون من أحد البيوت المدمرة لاستهداف دبابة ميركافا وناقلة جند في شارع الغباري، حيث استهدف أحد المقاتلين الدبابة بقذيفة “الياسين 105″، بينما وضع مقاتل آخر عبوة العمل الفدائي على ناقلة الجند قبل أن ينسحب ويعود وتنفجر العبوة.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -خلال فقرة التحليل العسكري- أن تسمية عصا موسى تحمل بُعدا دينيا يحفز المقاتلين، وتُعتبر عملية تأطير لمرحلة انتهت من عمليات “جدعون 1” التي تسربت وثائق جيش الاحتلال حول فشلها لعدة أسباب جوهرية.
وبحسب الوثائق المسربة فإن عملية “جدعون 1” فشلت لأسباب إستراتيجية محورية، إذ تقاتل المقاومة بطريقة حرب المدن بشكل احترافي، بينما عقيدة الجيش الإسرائيلي لا تناسب هذا النوع من القتال.
وقد خلق هذا التباين في طبيعة المواجهة -بحسب الخبير العسكري- تحديا حقيقيا للقوات الإسرائيلية التي وصلت لأقصى درجات جهوزيتها من حيث الألوية والجنود.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت المقاومة قدرة استثنائية على التأقلم مع عامل الدمار، واستطاعت توظيفه لصالح تكتيكاتها القتالية.
إعلان
والدليل على ذلك استمرار المعارك القوية في جباليا رغم الدمار الهائل، بينما يتركز الجهد الرئيسي حاليا في حي الزيتون كمحور أساسي للعمليات.
تحديات تواجه جدعون 2
ومن جانب آخر، تواجه عملية جدعون 2 تحديات أكبر من سابقتها، إذ يدخلها جيش الاحتلال وسط اعتراضات من جنود الاحتياط، إضافة إلى نقص حاد في أفواج الهندسة تحديدا في آليات الجرافات يصل لحدود 60%.
ويضع هذا النقص في الموارد البشرية والتقنية قيودا إضافية على فعالية العمليات الإسرائيلية.
ومن وجهة نظر حنا فإن الفصل بين عمليات جدعون 1 وجدعون 2 ليس فصلا حقيقيا بالمعنى العسكري، بل مجرد تسمية إدارية.
فرغم إعلان انتهاء جدعون 1 والموافقة على بدء جدعون 2، استمرت العمليات دون توقف حقيقي، مع وجود لواءين أو 3 في مناطق حي الزيتون والصبرة وجباليا والشجاعية وحتى حي التفاح.
وعلى صعيد متصل، تعاني المؤسسة العسكرية الإسرائيلية -وفقا لحنا- من تناقض واضح بين القرارات السياسية والعسكرية، إذ يتم استدعاء الاحتياط من دون تلبية كاملة للخطة المطلوبة.
وتقوم الإستراتيجية المستقبلية على قتال جيش الاحتلال بالخدمة الفعلية في قطاع غزة، على أن يأتي الاحتياط لاستبدالهم في وقت لاحق، وهذا يخلق إشكاليات تنظيمية وتشغيلية.
وبناءً على ما تقدم، تمثل عملية جدعون 2 استمرارا للتكتيكات السابقة من دون إدخال إستراتيجيات جديدة حقيقية.
في حين تقوم التكتيكات الحالية على التقدم الحذر والتدريجي، مع تسطيح الأرض وتدمير كافة البنى التحتية تحت شعار منع عودة المقاومة إلى المناطق التي يوجد فيها جيش الاحتلال.
وفي المقابل، ورغم حجم الدمار الهائل، أظهرت المقاومة عملية تأقلم سريعة وفعالة مع الظروف الجديدة.
ومكّنها هذا التأقلم السريع من مواصلة العمليات العسكرية بكفاءة، وتزامن ذلك مع إطلاق تسمية عصا موسى لعملياتها، وهذا يعكس قدرة على التكيف الإستراتيجي والتكتيكي في آن واحد.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 63 ألفا و633 شهيدا، و160 ألفا و914 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وآلاف المفقودين، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 367 فلسطينيا بينهم 131 طفلا.
الخرطوم- تخوض وزارة الصحة في ولاية الخرطوم تحديات كبيرة بعد تفشي الأمراض الوبائية خلال موسم الأمطار بالولاية، حيث أفادت بأن معدل تسجيل الإصابة بحمى الضنك تجاوز 7 آلاف إصابة، وبلغ معدل الإصابة الأسبوعي بالملاريا 6 آلاف بمستشفيات الخرطوم.
وبدأت الوزارة إجراءات للحد من انتشار الأوبئة في الخرطوم عبر الفرق الجوالة وحملات رش الرزاز ضمن خطتها لمكافحة الملاريا وحمى الضنك. وانطلقت أمس الثلاثاء بمطار الخرطوم حملة الرش عبر الطائرات بالعاصمة السودانية في خطوة تهدف للحد من انتشار الحشرات الناقلة للأمراض.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال مدير إدارة مكافحة نواقل الأمراض بوزارة الصحة حمزة سامي إن الحملة تأتي بالشراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية ووزارة الصحة الاتحادية وولاية الخرطوم، وأضاف أن المنظومة وفرت الدعم الفني واللوجستي عبر طائرات مخصصة للرش الجوي.
طائرات الرش تستعد للإقلاع من داخل مطار الخرطوم الدولي (الجزيرة)
وسائل فعالة
وتستهدف الحملة -وفقا لحمزة سامي- المناطق ذات الكثافة العالية، وأوضح أن الرش الجوي يعد من الوسائل الفعالة في تغطية المساحات الواسعة خلال فترة قصيرة، وأشار إلى أهمية تعاون المواطنين مع الفرق الميدانية والابتعاد عن أماكن الرش أثناء تنفيذ العمليات الجوية.
وأضاف سامي أن جهود وزارة الصحة مع شركائها تمثل دفعة قوية ستمكّنهم من السيطرة على الأمراض المنقولة مثل حمى الضنك والملاريا.
من جانبه، قال مدير مكافحة الملاريا بالوزارة بشير آدم، للجزيرة نت، إن الحملة ستستمر لمدة 3 أشهر بمحليات ولاية الخرطوم السبع، وأضاف أن العمل ارتكز على 4 محاور رئيسية من ضمنها مكافحة البعوض الناقل للملاريا وحمى الضنك وبيئة توالده.
الحملة تأتي بالشراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية ووزارة الصحة الاتحادية وولاية الخرطوم (الجزيرة)
خطة حكومية
وأضاف بشير أن الوزارة قامت بتعيين فرق متخصصة مكونة من 900 عامل للرش داخل المنازل باستخدام الماكينات الضبابية، إلى جانب الرش الرزازي عبر الماكينات المحمولة على السيارات، وأوضح أن الرش عبر استخدام الطائرات يأتي في إطار الخطة الموضعة من قِبل الوزارة لتدارك الوضع الصحي والقضاء على الوبائيات بولاية الخرطوم.
إعلان
وقدّر التكلفة المالية للحملة في الولاية بحوالي 4.5 ملايين دولار، واعتبر أنها تمثل جزءا من الجهود التي تقدمها الدولة لمكافحة الأمراض وتعزيز البيئة الصحية لمواطني العاصمة.
ونشرت وزارة الصحة الاتحادية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك إرشادات لتوعية المواطنين في الخرطوم ببرنامج الرش بالطائرات، من أبرزها ضرورة فتح الأبواب والنوافذ أثناء تحليق الطائرات، وتغطية أوعية مياه الشرب وأواني الطعام.
مواعيد
وأعلنت الوزارة عن مواعيد رش الطائرات التي قسمت على فترتين:
صباحية تبدأ من الساعة الخامسة والنصف حتى السابعة صباحا.
مسائية من الخامسة حتى السابعة مساء.
وأقلعت طائرات الرش ظهر أمس الثلاثاء من مدرج مطار الخرطوم الدولي لتعلن بداية انطلاقة الحملة مستهدفة محليتي شرق النيل وجبل أولياء في أولى طلعاتها الجوية، وستغطي بقية مدن الولاية ومحلياتها خلال الأيام المقبلة.
الخرطوم- وصف حاكم إقليم دارفور (غرب السودان) مني أركو مناوي الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر، حاضرة الإقليم، بأنها بلغت مستوى كارثيا غير مسبوق، مؤكدا أن حجم المعاناة هناك يفوق ما تشهده مناطق أخرى، وحذَّر من تجدد مخطط غربي قديم لتقسيم السودان إلى دويلات.
وخلال لقاء بشأن الأوضاع في دارفور -عُقد في القاهرة أمس الثلاثاء- مع رموز سياسية من دارفور ومسؤولين سابقين وقيادات مجتمع مدني، دعا مناوي إلى ضرورة دعم الإرادة الشعبية والعمل على حل مشاكل البلاد.
وأشار إلى أن الفاشر تعيش تحت وطأة أزمة إنسانية خانقة، تتفاقم يوما بعد آخر نتيجة استمرار القتال وتعطيل جهود الإغاثة.
تفريغ الفاشر
وأوضح أن قوات الدعم السريع تعمَّدت عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى الفاشر، إذ أوقفت أكثر من 20 قافلة تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية كانت قد انطلقت من مدينة الدبة شمالي البلاد، وأجبرتها على التوقف في منطقة مليط بشمال دارفور.
كما كشف مناوي عن قيام تلك القوات بإحراق ما يزيد على 10 قوافل إغاثية، معتبرا أن هذه الأفعال ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية، لما تمثله من استهداف مباشر للمدنيين وحرمانهم من حقهم في الحصول على المساعدات الضرورية.
وأشار إلى وجود نحو مليون مواطن داخل الفاشر يحتاجون إلى تدخلات إنسانية عاجلة، مشيرا إلى أن تفريغ المدينة من سكانها -كما تسعى قوات الدعم السريع وحلفاؤها- يعني حملهم لمواجهة الموت بيد تلك القوات مثلما حدث لكثيرين غادروا المدينة.
ودعا مناوي مجلس الأمن للتدخل العاجل لفتح الممرات الإنسانية وضمان حماية المدنيين في الإقليم، محذرا من أن التراخي في مواجهة هذه الانتهاكات قد يؤدي إلى تفاقم الكارثة، كما طالب بتطوير اللجنة القومية لفك الحصار عن الفاشر برئاسة رجل الأعمال أزهري المبارك لتحقيق الهدف المنشود.
حاكم دارفور أكد أن هناك من يسعى ويعمل لتقسيم السودان إلى دويلات (مكتب حاكم دارفور)
3 دويلات
واستنكر مناوي الدعوات المطالبة بالانفصال، وشدد على أن الوحدة بيد كل السودانيين، وتطرَّق إلى الانتهاكات الحقوقية التي لحقت بإقليم دارفور، لا سيما في الفاشر ونيالا وزالنجي التي تحولت إلى مدن أشباح، وسط صمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة على جرائم المليشيا المتمردة، حسب تعبيره.
إعلان
ورأى أن مآذارات “مليشيا الدعم السريع المتمردة” تعكس مخططا خطيرا يستهدف فصل إقليم دارفور عن السودان، وتمزيق وحدة البلاد لمصلحة جهات دولية تستفيد من استمرار حالة الفوضى والصراع، مجددا رفضه زعم المليشيا بتشكيل “حكومة موازية” في نيالا.
وأشار إلى وجود ما وصفه بمخطط غربي قديم يسعى إلى تقسيم السودان إلى 5 دول، معتبرا أن ما يجري حاليا في دارفور هو امتداد لهذا المشروع، الذي يستغل النزاعات الداخلية لتحقيق أهداف جيوسياسية على حساب وحدة البلاد واستقرارها، ومن هذه الإشارات نية خارجية لتقسيم البلاد إلى 3 دويلات.
وقال مناوي: “تلقيت اتصالا من سفير دولة عظمي يسألني عن موقفي بشأن تشكيل الحكومة في وقت كانت فيه الحرب في أصعب حالاتها”.
وأضاف: “سألني السفير عن إمكانية تشكيل 3 حكومات:
الأولى تشمل الشمال والشرق والوسط برئاسة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
حكومة الغرب برئاسة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
حكومة الجنوب برئاسة عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال”.
وعقّب مناوي على ذلك بقوله إن “استفسارا كهذا قطعا لن يكون على سبيل المزحة”.
وقلَّل مناوي من بعض الذين يحاولون نعتهم بالتماهي مع الإسلاميين “ومن يسمون بالفلول”، وقال: “إن قضية الإسلاميين هذه استهبال سياسي”.
وتحدث مناوي عن خطوات يمكن أن تضع البلاد على المسار الصحيح بواسطة السياسيين لمصلحة الشعب السوداني عبر تحقيق قدر من التوافق الوطني بشأن قضايا البلاد.
وعبَّر عن فخره باحتفالات البلاد بمرور 71 عاما على سودَنة الجيش السوداني و100 عام على تأسيسيه، كونها مناسبة ذات طابع وطني، مشددا على أنه لا بديل عن الجيش السوداني إلا هو، الذي يدافع عن الوطن.
أوضاع سكان الفاشر توصف بالكارثية بسبب الحصار والحرب التي يفرضها الدعم السريع (الجزيرة)
كما تحدث مناوي عن مخطط قوات الدعم السريع للاستيلاء على السلطة في نيسان/نيسان 2023، وقال إنه شاهد قبل اندلاع الحرب بنحو شهر متحركات تلك القوات بأعداد كبيرة وكانت تهتف بشعار “كل القوة الخرطوم جوة”.
وأضاف “كان هناك مخطط لتنفيذ عملية انقلاب علي السلطة في شهر رمضان وتزامنا مع صلاة عيد الفطر، ليقوم الانقلابيون بمآذارة الضرب واعتقال قيادات سياسية وعسكرية”.
الخليل- منذ أسبوع، يستمع مصطفى ملحم للأذان من بيته من دون أن يتمكن من الذهاب إلى المسجد للصلاة كما جرت العادة، إذ لا يزال يعاني من آلام وكدمات شديدة في جسده على إثر اعتداء مجموعة من المستوطنين عليه وعلى ابن شقيقه، أثناء قطفهما لثمار العنب في أرض العائلة في حلحول شمال الخليل.
ففي فجر 24 آب/آب 2025، باغتهما المستوطنون بالهجوم بالهراوات ما أدى إلى إصابة ملحم بشكل مباشر في رأسه، ويقول للجزيرة نت إن المستوطنين كانوا يضربونه بقصد القتل، وإنهم لم يتوقفوا عن الضرب إلا بعدما رأوا كمية الدماء التي نزفت من رأسه.
تقع أرض ملحم بين بلدتي حلحول وبيت أمر، اللتين تحاذيهما مستوطنة “كيرمي تسور”، المقامة على أراض مصادرة من البلدتين منذ عام 1984، ويبلغ تعداد المستوطنين فيها قرابة ألف مستوطن.
المزارع مصطفى ملحم الذي لا يزال يعاني من آثار اعتداء المستوطنين عليه قبل أيام أثناء قطفه للعنب في أرضه (الجزيرة)
“لهذه الأرض أصحاب”
تتوارث العائلة منذ 3 أجيال زراعة العنب وتصنيعه، إذ تعرف محافظة الخليل بإنتاجها ذي الجودة العالية لمحصول العنب، والمنتجات التي يتم تصنيعها منه كجزء من التراث الفلسطيني في الطعام، كالدبس والمَلْبَن والمربى والزبيب وغيرها، والتي تشكل مصدرا للدخل وللأمن الغذائي للعائلات الفلسطينية، إذ يتم تسويق هذه المنتجات في أسواق الضفة الغربية وتصديرها للخارج.
وقبل التضييقات التي فرضها الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة، كان ملحم يصل إلى أرضه خلال 10 دقائق، أما الآن فهو مضطر للعبور من طرق ملتفة ليصل خلال ساعة إلى أرضه.
يقول ملحم “أنا أذهب إلى هناك لأثبت لهذا المستوطن أن لهذه الأرض أصحابا، ولكن المشكلة أنه لا يوجد ظهر يحمينا ويحمي المزارعين، لا يوجد حلول”، ويستدرك بالقول “لا يوجد مع الأسف تعاون حقيقي يمكنني كمزارع من مقاومة هذا المستوطن”.
ويعود ملحم في ذاكرته إلى أكثر من 30 عاما إلى الوراء، حين قام مجموعة من المستوطنين بالهجوم على الأرض ذاتها، فقابلهم سكان البلدة بالتجمع فيها بالمئات ما دفع المستوطنين للتراجع على إثر الرهبة التي خلقها تجمع الفلسطينيين في الأرض، وهو ما يصفه ملحم بقهرٍ وحزن أنه “تلاشى في هذه الفترة، رغم أننا في زمن مواقع التواصل الاجتماعي”.
إعلان
ويضيف معلقا في حديثه للجزيرة نت “الواقع اليوم محبط، يخاف الناس من النزول إلى الأرض، ولا شيء يمكننا من مواجهتهم إلا الإيمان بالله”.
ويطالب المزارع المؤسسات الإنسانية التي توثق هذه الاعتداءات “أن تتحرك باتجاه جمع الناس، ليذهبوا بشكل جماعي لقطف المحصول، حتى لا يستفرد المستوطنون بالمزارعين، خصوصا الذين يعتمدون بشكل أساسي على محصول العنب كمصدر للدخل”.
مشيرا إلى أنه لا حماية للمزارع من الجهات الرسمية أو الأهلية بحيث يتمكن المزارعون من الوصول بأمان إلى أراضيهم، إضافة إلى عدم وجود حماية للسوق من دخول محصول العنب الإسرائيلي إلى الأسواق الفلسطينية.
المزارع محمد أبو ريان يذهب أبناء عمومته إلى أرضهم على شكل جماعات لقطف محصول العنب (الجزيرة)
تحديات متراكمة
في سوق الخضار المعروف بـ”الحسبة” في حلحول، التقت الجزيرة نت المزارعَ محمد أبو ريان، والذي ورث عن عائلته العمل في زراعة العنب، إذ يمتلك وأبناء عمومته قرابة 35 دونما، بمعدل إنتاج طن ونصف لكل دونم.
وأكد أبو ريان أن الاعتداءات لم تعد مقتصرةً على الأراضي الملاصقة للمستوطنات، بل أصبحت تمتد إلى الأراضي المحيطة بالتجمعات السكنية الفلسطينية.
ويقول أحد أبناء عمومته، الذي يعمل في سوق الخضار منذ 8 سنوات: “هناك أكثر من مزارع ناموا في المستشفيات بسبب تعرضهم لضرب مبرح من قبل المستوطنين بقصد القتل، وهذا كله يتم بغطاء من الوزير بن غفير”.
“بالمقابل السلطة الفلسطينية لا تفعل شيئا، المزارع لا يوجد له ظهر يحميه، لا أحد يهتم بدعم صمود المزارع أو تقديم تسويق مُجدٍ له، سواء من خلال المصانع أو التصدير إلى الخارج” حسب قوله.
يذهب أبو ريان وأبناء عمومته إلى أرضهم على شكل جماعات لقطف محصول العنب، ويقارب عدد الأشخاص فيها 20 شخصا وهي الطريقة الوحيدة التي يملكونها لحماية أنفسهم من هجمات المستوطنين، إذ يقول أبو ريان “لما يلاقوا في قوة قبالهم يبتعدوا، أما لما يكون العدد 2، 3، 4 بيهجموا، ما بدهم أي حدا يقرب على الأرض، بس احنا بنوقفلهم وبننزل وما بنرد على حدا”.
محصول العنب في حلحول يواجه أزمة في التسويق بسبب التضييق المستمر على المزارعين (الجزيرة)
ويُجْمِع المزارعون على أن الجيش الإسرائيلي لا يتدخل إلا لحماية المستوطنين، أو بتدخل شكلي، ثم لا يلبث أن ينسحب، ليعود المستوطنون للهجوم مرة أخرى على المزارعين.
وإلى جانب هذه التحديات، أكد أبو ريان أن هناك مشكلة إضافية تواجه مزارعي العنب على إثر قيام التجار بتسويق العنب القادم من المزارع الإسرائيلية، ما يؤثر على تسويق العنب الفلسطيني، خصوصا أن إعاقة الاحتلال لوصول المزارعين إلى أراضيهم أثر على جودة المحصول مقارنة بالسنوات السابقة.
كما يفيد المزارعون بأن المستوطنين يقومون ببيع العنب على الطريق الالتفافي بمبالغ زهيدة، إذ يبلغ سعر صندوق العنب الذي يزن قرابة 10 كيلوغرامات أقل من دولارين.
وكان مستوطنو “كرمي تسور” قد قطعوا طرق المزارعين من خلال وضع كرفانات في الطرق الواصلة بين بلدة حلحول ومزارع العنب، ويطلقون عشرات الأغنام لترعى في هذه المزارع، ما يؤدي إلى تدمير أشجار العنب، علاوةً على أن المستوطنين يقومون بقطف أجود ما في المحصول ويقدمونه طعاما للأغنام.