هل ستنفذ الولايات المتحدة بالفعل هجمات واسعة النطاق على فنزويلا، بعد التصعيد العسكري والدبلوماسي غير المسبوق بين البلدين في الآونة الأخيرة، أو حتى تغزوها؟
هذا هو السؤال الكبير الذي طرحته مجلة نيوزويك في تقرير إخباري، وجاءت الإجابة المرجحة عنه بالنفي، مشيرة إلى أن الخبراء يشكون في أن التعزيزات العسكرية الأميركية الجارية في جنوب منطقة البحر الكاريبي والمياه القريبة تمثل خطوات أولى نحو غزو، غير أن المجلة ترى أن نشر 3 مدمرات على الأقل وغواصة ومجموعة إنزال برمائية “إيه آر جي” (ARG) محمّلة بمشاة البحرية يعد تصعيدا جديدا في العلاقات المتدهورة أصلا بين واشنطن وكاراكاس، مما أثار قلق الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن الثلاثاء الماضي أن الولايات المتحدة استهدفت سفينة قرب فنزويلا، وألقى اللوم مباشرة على مادورو، الذي كان قد صرح قبلها بيوم بأن بلاده في حالة “جهوزية قصوى” ومستعدة للرد على أي تحرك عسكري أميركي محتمل.
جمهورية مسلّحة
أفاد مسؤولون أميركيون الشهر الماضي بأن واشنطن نشرت 3 مدمرات مجهزة بصواريخ متطورة وآلاف الجنود في المياه المقابلة لفنزويلا ضمن حملة لمكافحة عصابات المخدرات والجماعات الإجرامية في أميركا اللاتينية.
ونقلت المجلة الأميركية عن مادورو قوله أيضا إنه سيعلن “جمهورية مسلّحة” إذا هاجم الجيش الأميركي بلاده، متعهدا بحشد 4.5 ملايين مقاتل من المليشيات للدفاع عن فنزويلا. وفي المقابل، برر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحشود العسكرية بأنها جزء من حربه على عصابات المخدرات، متهما نظيره الفنزويلي بإدارة شبكة “إرهاب مخدرات” عابرة للحدود.
وأشارت إلى أنه لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين واشنطن وكاراكاس، والعلاقات بينهما متوترة للغاية، ولا يبدو أن هناك أي ودّ شخصي بين ترامب ومادورو.
هل ستغزو الولايات المتحدة فنزويلا؟
تعتقد المجلة في معرض إجابتها عن هذا السؤال بأن احتمال وقوع غزو ضعيف، إذ لم تُبدِ واشنطن نية واضحة على الغزو، وعلى الرغم من أن مادورو اعتبر الانتشار العسكري “تهديدا تاريخيا”، فإن خبراء عسكريين يرونه مجرد “استعراض للقوة” أكثر منه مقدمة لغزو فعلي، بحسب نيوزويك.
إعلان
ووفقا للتقرير، فإن هؤلاء الخبراء يستبعدون أن تخاطر واشنطن بعملية عسكرية واسعة في بلد معقد التضاريس مثل فنزويلا، التي تتميز بجبال وأدغال ومراكز حضرية يصعب السيطرة عليها، خاصة وأن القوة الأميركية المتمركزة لا تتجاوز بضعة آلاف من الجنود، وهو عدد غير كافٍ لغزو شامل.
واقتبست نيوزويك تصريحا أدلى به كريستوفر ساباتيني -الباحث في شؤون أميركا الجنوبية في مركز “تشاتام هاوس” في لندن– لصحيفة غارديان البريطانية، قال فيه “لا أحد سليم العقل يظن أن 4500 جندي قادرون على غزو بلد يضم جبالاً وأدغالاً وعدة مراكز حضرية، هذا كله مجرد استعراض من الطرفين”.
ومن جانبه، أوضح الباحث في الأمن القومي في “مجلس الجيوإستراتيجية” البريطاني ويليام فريير لنيوزويك أن “قراءة النوايا دائما صعبة، لكن إدارة ترامب، رغم انزعاجها من دور فنزويلا في تدفق المخدرات، لم تُظهر حتى الآن أي نية واضحة للتدخل العسكري المباشر”.
أعضاء مليشيا يتظاهرون في كاراكاس دعما لمادورو (غيتي)
السيناريوهات المحتملة للتدخل الأميركي
تقول المجلة إن السيناريوهات عادة ما تتخيل إنزال مشاة البحرية الأميركية في فنزويلا، لكن كارلوس سولار -الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن- صرح لها بأنه “إن حدثت مثل هذه العملية، فستكون في مرحلة متأخرة جدا”.
ويتوقع سولار أن يبدأ التدخل -على الأرجح- عبر هجمات بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى لتدمير الدفاعات الفنزويلية ومقدراتها العسكرية، مع استهداف مواقع الإمداد ومستودعات الذخيرة والرادارات ومراكز الاتصالات ومنصات الطائرات المسيّرة.
ويضيف أن الولايات المتحدة نفذت هذا العام عمليات مماثلة في الشرق الأوسط بدقة وفعالية لافتة ضد خصوم أكثر تجهيزا من القوات المسلحة الفنزويلية، معتبرا أن هذه المقاربة تقلّل خسائر الأميركيين المادية والبشرية وتُضعف قدرات الخصم بشدة.
أما فنزويلا، فستجد صعوبة في الرد نظرا لأن أسطولها الجوي “محدود القدرات وضعيف الكفاءة وفرقاطاتها غير مُصانة وغواصتها عتيقة،” على حد تعبير سولار، الذي يزعم أن القوات الأميركية ستتفوق في المرحلة الثانية باستخدام الطوربيدات والذخائر الموجّهة والصواريخ المضادة للطائرات.
صاروخ توماهوك وهو ينطلق من سفينة (وكالة الأنباء الأوروبية)
ووفقا للتقرير الإخباري، فإن هذا الجدل أعاد إلى الأذهان عملية الغزو الأميركي لبنما عام 1989 التي أذن بها الرئيس جورج بوش الأب بزعم جلب رئيسها مانويل نورييغا إلى العدالة، حينها نشرت واشنطن أكثر من 20 ألف جندي، وهو عدد يفوق بأضعاف مضاعفة القوات الأميركية الموجودة حاليا في محيط فنزويلا.
وعلى الصعيد الإقليمي، قوبلت التعزيزات الأميركية بانتقادات شديدة من عدة دول في أميركا الجنوبية، خصوصا من كوبا التي وصفت تلك التعزيزات بأنها “استعراض عدواني للقوة ضد سيادة شعوب القارة”.
وأكدت “هافانا” أن مزاعم الولايات المتحدة بربط الحكومة الشرعية لفنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو بمنظمات إجرامية متورطة في تهريب المخدرات مجرد ذريعة سخيفة لا أساس لها.
لكن في الوقت ذاته، تلفت نيوزويك الانتباه إلى أن الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية وأميركية جنوبية، لا تعترف بفوز مادورو في انتخابات تموز/تموز 2024.
نابلس- زائر البلدة القديمة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لا يرى فقط الحجارة العتيقة والطراز العثماني العريق، بل تستوقفه صور الشهداء التي تملأ الجدران، والجداريات التي توثق أسماء العشرات ممن ارتقوا داخل البلدة دفاعا عن حجارتها.
فالحجارة هنا تروي حكاية انتفاضتين، وعشرات العمليات العسكرية، وليس انتهاء بشهداء “عرين الأسود” مجموعات المقاومة المسلحة التي نشطت بين عامي 2022 و2023 في أزقة البلدة القديمة.
والدة الشهيد إبراهيم النابلسي تؤكد أن الاحتلال يخاف من صور الشهداء (الجزيرة)
أكثر من مجرد صورة
في المخيال الجمعي الفلسطيني، لا تقف صور الشهداء عند حدود الذكرى العائلية أو التوثيق الشخصي، بل تتحول إلى أيقونات للمقاومة والذاكرة، فكل صورة معلّقة على جدار هي شهادة حيّة على استمرارية الكفاح، ورسالة بأن الغائب حاضر بروحه وقضيته.
تقول هدى جرار، والدة الشهيد إبراهيم النابلسي، أحد أبرز رموز مجموعة “عرين الأسود” للجزيرة نت “عندما أمشي في البلدة القديمة أو في أي مكان وأرى صورة إبراهيم، أقول الحمد لله، إبراهيم ما زال معنا، وشهداؤنا جميعهم أحياء” وتضيف “أنا ما دفنت إبراهيم، بل زرعته في الأرض مثل الزيتونة، وهذا الزرع أثمر، وسنحصد منه النصر إن شاء الله”.
وبالنسبة لأهالي نابلس وسكان البلدة القديمة، لا تمثل هذه الصور مجرد ملامح لأبناء رحلوا، بل وعدا بالوفاء لدمائهم وتجسيدا لمعاني التضحية والكرامة، ولهذا تتحول الصور إلى ميدان مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، الذي يدرك معنى بقائها.
تؤكد جرار “الاحتلال يخاف من صور الشهداء لأنه يعرف أن الشهداء فكرة، والفكرة لا تموت، الفكرة تُزرع في الأرض وتنمو، ومنها سيأتي جيل التحرير والنصر إن شاء الله”.
البلدة القديمة في مدينة نابلس تتميز بحجارتها العتيقة وطرازها العثماني العريق (الجزيرة)
في كل اقتحام للبلدة القديمة، لا يكتفي جنود الاحتلال بدهم البيوت أو استهداف الأحياء، بل يوجّهون بنادقهم نحو صور الشهداء المعلّقة على الجدران، يطلقون الرصاص على الوجوه المرسومة بالدهان، ويمزّقون الملصقات، وفي زوايا الأزقة، ما زالت آثار الرصاص محفورة على صور الشهداء، شاهدة على هذا الاستهداف الممنهج للذاكرة.
إعلان
هناك عند باب الساحة، وبالقرب من برج الساعة الذي يتوسط المكان، حيث اعتاد الشهيد إبراهيم النابلسي الجلوس والتُقطت له صور عديدة، كانت معلّقة صورة كبيرة له، لكن في أحد الاقتحامات الأخيرة أزالها جنود الاحتلال، كما مزّقوا عشرات الصور الأخرى المنتشرة في أزقة البلدة القديمة.
تعلق جرار على ذلك بالقول “عندما يزيل الاحتلال صور الشهداء، فهذا دليل على أن شهداءنا أحياء وأثرهم باق، وما زالوا يرعبون العدو. هم يأتون بالجنود والطائرات المسيّرة فقط ليمسحوا صور شهداء، وهذا وحده يؤكد أن أطياف الشهداء ما زالت تقاتل وتخيفهم”.
محاولة طمس الهوية
يشرح الأكاديمي والباحث في الذاكرة والهوية الفلسطينية عقل صلاح أن إسرائيل تعمل بشكل ممنهج لمحاربة كل ما يرمز للشهداء، سواء الصور أو النصب التذكارية، كونها جزءا من “حرب مسعورة” ضد الثقافة الوطنية الفلسطينية وكل ما يمت للأصل والذاكرة، بهدف محوها.
ويشير صلاح إلى أن هذه السياسة لم تبدأ بعد السابع من تشرين الأول، بل سبقتها بسنوات طويلة، فقد سبق أن استهدفت جداريات وصورا مماثلة في مدن وقرى عديدة، منها الجدارية المرسومة على جدار مدرسة البنات في قرية برقة شمال نابلس، التي كان الجيش يطلق النار عليها في كل اقتحام، حتى بقيت محفّرة بالرصاص.
“وهذا دليل على أن معركتهم ضد الرموز الوطنية ليست إلا انتقامًا من الشهداء، ومحاولة لطمس الذاكرة الفلسطينية” يقول صلاح، ويضيف أن إسرائيل تبرر هذه الأفعال بالقول إن هؤلاء “أيديهم ملطخة بالدماء” -على حد وصفها- وبالتالي تسعى لمحاربتهم أحياء وأمواتا.
ويعقب قائلا إن “محاربة الصور والنصب لا تقتصر على الشارع، بل تمتد إلى السينما والفنون، وحتى منع بعض الأفلام التي تتناول الشهداء، الهدف النهائي هو طمس الهوية الفلسطينية وإحلال هوية استعمارية جديدة مكانها”.
والدة الشهيد إبراهيم النابلسي تستعرض قبعته التي كان يرتديها في مواجهته الأخيرة وتشتمّها (الجزيرة)
مصدر إلهام وتحفيز
يرى صلاح أن صور الشهداء والنصب التذكارية تحمل معاني أساسية تجعلها مصدر خطر دائم على الاحتلال “فهي تضفي شرعية على المقاومة، وتخلّد الأفكار النضالية، وتحوّل الشهداء إلى نماذج يُحتذى بها، مما يمنح الفعل المقاوم شرعية مستمرة”.
ويضيف أن هذه الصور تخلق تضامنًا وتعبئة شعبية، إذ تذكّر الناس بالمهام المقدسة التي استشهد الشهداء من أجلها: التحرير والخلاص من الاحتلال، “وهذا التضامن الشعبي هو ما تخشاه إسرائيل” كما يقول.
ويؤكد أن صور الشهداء “تمثل مصدر إلهام للتنظيمات والحركات السياسية، إذ تحرّض الناس على المقاومة وتشكل أداة قوية في فترات الانتفاضات وأوقات التصعيد، بما يعزز الاستقلالية الوطنية ويحرض على الفعل الجهادي”.
تخريب وتشويه صور الشهداء يظهر مدى تأثر الجيش الإسرائيلي بوجودها (الجزيرة)
ويلفت كذلك إلى أن تخليد الشهداء عبر الصور يسهل عملية التواصل الفكري بين الأجيال، ويجعل من الرموز نقطة التقاء موحدة ومقدسة للشعب الفلسطيني، معتبرا أن “صورة واحدة لشهيد قد تختصر تاريخ الثورة وحركاتها”.
ويختم صلاح بقوله إن “رؤية صورة شهيد تثير مشاعر الوفاء والاحترام، وتدفع الشباب إلى الاقتداء بهم والسير على خطاهم، هذا الجانب العاطفي هو ما تخشاه إسرائيل، لأنه يولد جيلا جديدا يتطلع للشهادة والمقاومة”.
إعلان
لهذا، يرى الباحث أن إسرائيل تحارب كل الرموز الوطنية، سواء الصور، أو الأعلام، أو الأسماء، وحتى الزيتون والحجر، في محاولة لإحلال ثقافة استعمارية بديلة، على أنقاض الثقافة الوطنية الفلسطينية.
موسكو- أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، زيارة رسمية إلى بكين امتدت 4 أيام بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، حيث شارك كذلك في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وحضر عرضا عسكريا بمناسبة الذكرى الـ80 للانتصار على اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية.
وفي مؤتمر صحفي لخص فيه نتائج الزيارة، وصف بوتين مبادرة الرئيس الصيني لضمان المشاركة المتساوية لجميع الدول في الحوكمة العالمية بغض النظر عن حجمها وقوتها، بأنها جاءت بالوقت المناسب، في وقت بدأت تتبلور فيه معالم عالم متعدد الأقطاب، مضيفا أن “هذا لا يعني بالضرورة ظهور قوى مهيمنة جديدة”.
وشدد على أن دول منظمة شنغهاي لا تفكر في “التغلب” على أحد، بل تسعى إلى تنظيم عملها على أفضل وجه ممكن، وأن وحدة جميع الدول المجتمعة في الصين تُظهر موقفا إيجابيا وثقة في تحقيق الأهداف، وأن الوثائق التي اعتُمدت خلال الزيارة تستهدف المستقبل، وأنه يجب حل اختلالات التجارة العالمية من خلال المفاوضات.
توقيت حرج
وبخصوص أوكرانيا، قال بوتين إن “جميع محاولات روسيا لحل القضية سلميا قد فشلت، وإن أولئك الذين تجاهلوا تماما مصالح موسكو في المجال الأمني هم المسؤولون عن المأساة في كييف”.
وأضاف أنه “إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستعدا، فليأتِ إلى موسكو وسيُعقد الاجتماع”، وأنه لم يستبعد أبدا إمكانية عقده”، وتساءل “ولكن هل هناك أي جدوى منه، كون الدستور الأوكراني لا ينص على أي سبيل لتمديد صلاحيات زيلينسكي، والأحكام العرفية لا تعني تمديدها؟”.
وجاءت زيارة بوتين إلى بكين في وقت حرج بالنسبة للتسوية السياسية بخصوص أوكرانيا، واستمرت 4 أيام، وهي مدة طويلة على غير العادة بالنسبة للرئيس الروسي. كما أن الكرملين وصفها بأنها “غير مسبوقة حقا” لحليف موسكو الأهم.
إعلان
ويرى محللون روس أن أهم أهدافها هو توحيد مواقف البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا في ظل جهود أميركية لإنهاء القتال، ولكن بموازاة تهديدات بتشديد العقوبات على روسيا في حال واصلتها.
الرئيس الصيني (يمين) أثناء ترحيبه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
طوق نجاة
وحسب محلل الشؤون الدولية، ديمتري كيم، فإن الزيارة جاءت في توقيت مهم بالنسبة لموسكو وبكين للحديث عن مسار الحرب ومدى احتمالية توقفها في المستقبل القريب. وأضاف للجزيرة نت أن روسيا تريد معرفة ما إذا كان بإمكانها توقع أي مساعدة إضافية من الصين، وكيف سترد بكين إذا طلبت الولايات المتحدة منها الضغط عليها لإنهاء القتال.
ويرى أن على الرئيسين الروسي والصيني مقارنة وجهات النظر والتأكد من توافقهما، وهو أمر في بالغ الأهمية والحساسية لأن الحرب أصبحت إحدى الركائز الأساسية لعلاقتهما.
وأشار إلى أن بكين برزت كطوق نجاة اقتصادي لروسيا خلال الحرب على أوكرانيا، وقد زادت كييف صراحة من تصريحاتها بشأن ما تصفه بالمساعدة الصينية المباشرة للمجهود الحربي لموسكو.
وازدادت أهمية الصين بالنسبة لروسيا -وفق المحلل كيم- في ظروف الحرب والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، كشريك إستراتيجي في السياسة الخارجية والأمن على المستوى العالمي، فضلا عن الجانب الاقتصادي حيث تُعد الشريك الأكبر في هذا المجال.
في الوقت ذاته، يشير المتحدث إلى أن الصين أيضا تحتاج إلى روسيا كشريك جيوسياسي واقتصادي، مع أنه يجب الاعتراف بأن دور موسكو في وضعها الراهن أقل بكثير في سياسة بكين بالمقارنة مع الدور الصيني في السياسة الروسية.
مصلحة الصين
من جانبه، يقول الباحث في المجلس الروسي للعلاقات الدولية ديمتري سوسلوف إن الصين -ولعدة أسباب- مهتمة بروسيا مستقرة وقوية وقادرة على أن تصبح مركز قوة مستقلا وثقلا موازنا في علاقات الشراكة والتنافس المعقدة مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وكأحد ضامني سياستها الخارجية المستقلة والمكتفية ذاتيا، ولذلك هي معنية بدعم موسكو بمختلف الأشكال بما يحفظ لها هذا الوضع.
ووفقا له، فإن روسيا تُعد مصدرا رئيسيا لبعض السلع للصين التي لا تستطيع شراءها من دول أخرى على الإطلاق مثل الأسلحة، أو بكميات كافية مثل النفط والأخشاب وأنواع أخرى من المواد الخام. ولهذا السبب، فإن بكين -حسب تقديره- لن تتخلى عن موسكو كشريك اقتصادي أيا تكن التهديدات تجاه مواصلة التعاون معها ودعمها.
وأشار الباحث سوسلوف إلى أن الصين لا تساعد روسيا على تجاوز العقوبات فحسب، بل تعتبر بمثابة سوق بديلة لها. ويمكن لموسكو أن تقول للغرب “إذا كنت لا ترغب في الشراء، فسيشتري الصينيون، وإذا كنت لا ترغب في البيع، فسيبيع الصينيون، أي أن بكين حلت محل أوروبا وواشنطن بالنسبة لروسيا”.
ويخلص إلى أن زيارة بوتين إلى بكين من المرجح أن تضيف أساسا جديدا للتحالف والتعاون المتبادل بين البلدين، في سعيهما نحو بلورة أسس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وقادر على مواجهة محاولات فرض الهيمنة الغربية، بما في ذلك ما يخص الرؤية الغربية لحل النزاع مع أوكرانيا.
غزة- في جنح الليل المظلم يفزع الغزيون على صوت قضم المدينة والتهام إسرائيل لها شيئا فشيئا، وعندما يحل النهار تلاحقهم أخبار المكائد التي تحاك ضدهم وتفاصيل الجداول الزمنية والخرائط الجديدة لاجتياح الفتات الأخير، حيث يُحشر أكثر من مليون إنسان في أقل من 20% من المساحة الأصلية لمدينة غزة وشمالها.
وبينما يترنَّح الغزيون بين ليل يُقضَم فيه المكان، ونهار يتبخَّر فيه الأمل، تآذار إسرائيل مخطط الاقتلاع على مرأى العالم ومسمعه تنفيذا لمخططها لسحق غزة واحتلالها وطرد مَن فيها، في حين يجد الغزيون أنفسهم مجبرين على الهرب من أجل البقاء.
فلم يكن النزوح لأهالي غزة محل اختيار أو قرار، إنه أمر واجب يندفعون فيه تحت وطأة المسؤولية لحفظ أرواحهم وحياة صغارهم والنجاة بهم، يندفعون مذعورين، بينما يُصبُّ فوق رؤوسهم الحميم.
نزوح تحت النار
عند مفترق الصاروخ في شارع الجلاء أقرب نقطة يمكن الوصول إليها رصدت الجزيرة نت نزوح مئات المواطنين من منطقة جباليا النزلة وحي الصفطاوي وبركة الشيخ رضوان شمال غزة، يهرولون هربا من الضرب العشوائي للمدافع تحت زخات رصاص طائرات الكواد كابتر المُسيّرة التي تسيطر بالنار على تلك المناطق وتجبر قاطنيها على النزوح.
من بعيد اتضحت ملامح سيدة حامل تحمل فوق كتفها كيسا من الدقيق تهرول بخفة تدفعها فيها “حلاوة الروح” كما تقول، وتُعلِّق للجزيرة نت “يستكثرون علينا خيمة مهترئة وحياة ذليلة فيلاحقوننا هناك، خيمةٌ فوق ركام بيتنا بجوار مكب النفايات، كنا قد رضينا بها”.
وتضيف السيدة مستدلة بالمثل الشعبي “رضينا بالهم والهم لم يرض بنا”، ولا تلتفت إلينا السيدة وهي تطوي الطريق، تلمع عيناها كجمرتين وهي تسأل “هل يوجد امرأة في العالم تكون على مشارف الولادة، تركض بكيس طحين يا عالم؟!”.
سيدة حامل تحمل على كتفها كيس طحين وهي تنزح قسرا من شمال مدينة غزة (الجزيرة)
يبدو المشهد كيوم القيامة، رجال يدفعون عربات فيها متاع قليل، ونساء يختزلن بيوتا كاملة في حقائب على ظهورهن، وأطفالٌ يركضون بزجاجات ماء وبأكياس فيها ملابسهم أو بعض أخشاب سيستخدمونها آنفا لإذكاء النار، الكل يبحث عن شبر آمن لا تصل له يد إسرائيل.
إعلان
وعلى الرصيف تجلس أم محمد البطش لالتقاط أنفاسها بعد ركض مسافة طويلة من منطقة أبو إسكندر في الشمال الشرقي للمدينة، وتقول للجزيرة نت “خرجت بعباءتي، لم أستطع حمل شيء، متى سنتوقف عن هذا الشتات المستمر؟”.
سألت الجزيرة نت عددا من الفارِّين من حمم الموت عن الوجهة التي يسيرون إليها، فأجابوا “غربا باتجاه البحر!”، ثم تستدرك بسؤال آخر “لكن الاحتلال أمركم بالتوجه جنوبا” يشيح رجل مسنٌّ يجرّ وزنا أثقل منه بطرف لحظه ويقول “بدناش (لا نريد) نروح إلى الجنوب!”.
نازحون ينصبون خيامهم في مناطق غرب غزة ويرفضون النزوح جنوب القطاع رغم الخطر المحدق (الجزيرة)
هي إرادة رفض واضحة وثَّقتها الجزيرة نت التي توجّهت إلى منطقة غرب غزة، حيث وجهةُ معظم النازحين الذين ينصبون خيامهم في مناطق الكرامة والسودانية وحيي الرمال والنصر، والميناء والشاطئ وامتداد البحر قبل الوصول إلى مفترق النابلسي على مشارف الحد الفاصل بين غزة ووسط القطاع.
“لماذا لا تخرجون جنوبا؟” سألنا رجلا ينصب خيمته في مكان ضيّق بمنطقة ميناء غزة، أجاب بتهكم “هل تظنين أننا نملك في جيوبنا أجرة الطريق لنصل هناك، نحتاج كي نصل ونستأجر أرضا لنصب الخيمة عليها أكثر من 2000 دولار” ضحك بسخرية ثم تابع “لا يوجد في جيبي 50 دولارا حتى!”.
وهم الأمان
ليس النزوح مجانيا، بل بكلفة تفوق قدرة معظم العائلات التي فقدت كل شيء، أما من استطاع الوصول فلم ينعم بالأمان الذي تروج له إسرائيل، حيث يتعامل الاحتلال مع قطاع غزة بأنه قطعةٌ واحدةٌ تتلقّى الموت على حد سواء دون تفريق.
ففي مدينة خان يونس جنوبا، حيث أمر الاحتلال الأهالي بالخروج إلى المناطق الآمنة التي روّج لها، وصلت عائلة محمد أبو جراد النازحة من جباليا النزلة شمال القطاع، لم يكد يمرّ يومان على نصب خيمتهم في ميناء المدينة، حتى استهدفتها غارة إسرائيلية لتستشهد العائلة، الأب والأم وطفلاهما.
التقت الجزيرة نت والدة محمد أبو جراد، التي قالت بحسرة “كنا نظن الجنوب مكانا آمنا، نزحنا للهرب من الموت فوجدناه يتربص بنا هناك”، وتابعت “هذه كذبة كبيرة اسمها مناطق آمنة لا أمان ولا نجاة فيها”.
والدة الشهيد محمد أبو جراد الذي ارتقى مع عائلته في خان يونس بعد نزوحه من شمال غزة (الجزيرة)
هي دروس يتلقاها الغزيّ تباعا، وكُلفَة تعلُّمها يكون بالدم، وخلاصتها أن الأمان في غزة ليس إلا وهما قاتلا -كما يقولون- ويبررون رفضهم النزوح جنوبا، فليست الكلفة المادية وانعدام الأمان ما يحول دون اندفاع الغزي إلى جنوب القطاع فحسب، فخلال وجودنا في طريق البحر حيث الطريق الذي يسلكه النازحون إلى جنوبه كانت عربة تنزح عكسيا إلى غزة.
أوقفت الجزيرة نت صاحبها حسام أحمد، الذي قال والعرق يتصبب من وجهه “اتبعت المناطق الزرقاء في الخرائط التي روّج لها الاحتلال بأنها متاحة وآمنة، هي إمّا متكدسة بالخيام، أو بمحاذاة المواقع العسكرية الإسرائيلية أو أنها أراض جبلية لا تصلح لنصب الخيام عليها، ومنها مكب نفايات وبرك للصرف الصحي!”، صمت مستنكرا ثم ختم حديثه “هذا ذل ما بعده ذل، لذا عدت هنا لنموت في ديارنا أكرم!”.
النازحون يعانون أوضاعا كارثية ببقائهم ونزوحهم بسبب قصف الاحتلال (الجزيرة)
البحر ملاذهم
يولّي الغزيون وجوههم قِبل الغرب، يتمسكون بالبحر كأنه آخر بقعة ممكنة والحد المتاح الذي لم يغلقه الاحتلال بعد، غير أنهم يدركون أن عبور الخط الفاصل بين شمال وجنوب القطاع قد يكون هذه المرة خروجا أخيرا بلا عودة.
إعلان
وبينما يتشبثون بظل البحر كآخر فضاء مفتوح لهم، تتكشف أمامهم حقيقة أن النزوح لم يعد مجرّد انتقال مؤقت من مكان إلى آخر، بل هو صراع يومي مع البقاء، وامتحان لإرادة الحياة أمام آلة تقتلعهم من كل زاوية، إنهم لا يغادرون بيوتهم فقط، بل يُقتلعون من الوجود ذاته وجغرافيا الذاكرة.
سارت مئات النساء مرتديات ملابس وردية وحاملات عصيّ المكنسة إلى البرلمان في العاصمة الإندونيسية يوم الأربعاء احتجاجاً على انتهاكات الشرطة وإهدار الإنفاق الحكومي.
امتدت الاحتجاجات في جاكرتا ومدن رئيسية أخرى إلى أسبوعها الثاني، مدفوعةً بالغضب من غلاء المعيشة والامتيازات السخية للنواب.
واندلعت أعمال عنف بعد مقتل سائق دراجة نارية شاب يُدعى أفّان كورنياوان، حين دهسته مركبة للشرطة.
ومع اشتداد الاحتجاجات، صرّح الرئيس برابوو سوبيانتو بأنه سيلغي رحلته إلى بكين لحضور العرض العسكري الضخم للصين، ورغم ذلك شوهد وهو يلتقط صورة جماعية يوم الأربعاء، إلى جانب شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قبل رحلته إلى الصين، صرّح برابوو خلال عطلة نهاية الأسبوع بأنه سيُلغى الامتيازات الممنوحة للنواب، وهي إحدى المطالب الأساسية للمحتجين.
خلال مسيرة يوم الأربعاء، قالت متظاهرات يرتدين ملابس وردية من تحالف النساء الإندونيسيات إن أعواد المكنسة ترمز إلى رغبتهن في “التخلص من مخلفات الدولة والعسكرة وقمع الشرطة”.
كما لوّحت المتظاهرات بلافتات كُتب عليها “إصلاح الشرطة”.
وقالت إحدى المتظاهرات، موتيارا إيكا، لبي بي سي إندونيسيا: “الاحتجاجات ليست جرائم، بل حقوق ديمقراطية متأصلة في كل مواطن”.
وصل برابوو إلى بكين بعد إلغاء رحلته في البداية
يتكون التحالف النسائي الإندونيسي من مجموعة سياسية تضم 90 منظمة وحركة نسائية، إلى جانب مجموعات مختلفة من المجتمع المدني، بما في ذلك النقابات العمالية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمجتمعات الأصلية.
للحركة النسائية تاريخ طويل في مواجهة الأنظمة في إندونيسيا، حيث لعبت دوراً محورياً في موجات الاحتجاج السابقة.
ومثل المظاهرات الحالية، وقفت النساء في وجه حكم سوهارتو الاستبدادي وصولاً إلى حركة الإصلاح عام 1998.
ويقول التحالف النسائي الإندونيسي إن اختيار اللون الوردي يرمز إلى الشجاعة.
وقد اختار متظاهرون آخرون اللون الأخضر – لون زي شركة النقل التي كان يعمل فيها أفّان – كإشارة للتضامن.
وعبر الإنترنت، أطلق الناس على الألوان تسمية “الأخضر البطولي” و”الوردي الشجاع”، وقام كثيرون بتغيير صور حساباتهم الشخصية باستخدام فلاتر تحمل هذين اللونين.
ودعا مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى “تحقيقات سريعة وشاملة وشفافة” بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في تعامل جاكرتا مع الاحتجاجات.
وقال مدير منظمة العفو الدولية في إندونيسيا، عثمان حامد: “على الدولة أن تلبي فوراً جميع مطالب الشعب خلال المظاهرات قبل وقوع المزيد من الضحايا”.
وبحسب بيانات مؤسسة المساعدة القانونية الإندونيسية، قُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص خلال موجة المظاهرات في أواخر آب – بعضهم قيل إنهم قضوا جراء عنف الشرطة – فيما نُقل ما لا يقل عن 1,042 شخصاً إلى المستشفيات في مختلف أنحاء الأرخبيل.
إن إف تي: كيف ستحمي هذه التقنية مستقبل السياحة في إندونيسا؟
اتهام ساحر أندونيسي بقتل 12 شخصا على الأقل بعدما أوهمهم بمضاعفة أموالهم
وقالت رئيسة لجنة حقوق الإنسان الوطنية، أنيس هداية، إن الوضع الحالي مقلق، خاصة بسبب العنف الذي ترتكبه السلطات والذي استمر طوال فترة المظاهرات.
وأضافت في مؤتمر صحفي في جاكرتا يوم الثلاثاء: “هذه الأفعال هي نتيجة لضيق شديد في مساحة الحوار، فعندما يريد الناس التعبير عن مشاكلهم وصعوباتهم، يبدو أن هناك مساحة لذلك لكنها ليست متاحة بسهولة”.
وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات التي عمّت البلاد، أعلن الرئيس برابوو، الأحد، عن تقليص بعض المزايا الممولة من الدولة الممنوحة للسياسيين، بما في ذلك حجم بعض المخصصات.
ورغم أن الخطوة لاقت ترحيباً من جانب المتظاهرين، إلا أن بعضهم رأى أنها غير كافية.
وقال هيريانتو، المنسق المركزي السابق لاتحاد طلاب إندونيسيا، لبي بي سي: “المسألة لا تتعلق بقضية واحدة فقط، بل بمخاوف قديمة متصلة بعدم المساواة، والحوكمة، والمساءلة”.
وأضاف: “التغييرات الرمزية مهمة، لكن الناس يتوقعون إصلاحات أعمق، خصوصاً في مجالات تمس المواطنين العاديين مثل السياسة الزراعية، والتعليم، والفرص الاقتصادية العادلة”.
وتابع: “الهدف النهائي هو الدفع نحو حوكمة أكثر مساءلة وشفافية، تضع الناس في مركز الاهتمام”.