قطار العودة الطوعية للسودانيين.. ألم فراق القاهرة وأمل عناق الخرطوم

قطار العودة الطوعية للسودانيين.. ألم فراق القاهرة وأمل عناق الخرطوم

القاهرة- ما إن استقر قطار العودة على الرصيف رقم 11 بمحطة مصر في القاهرة حتى جرى عزوز علي وهو يجر أمتعته، تساعده زوجته وابنتاه في دفعها باتجاه القطار، وهن يحملن على ظهورهن أمتعتهن الأقل حجما، وينظرن وراءهن كأنما يودعن القاهرة التي قضوا بها نحو 3 أعوام.

وانطلقت مطلع الأسبوع الحالي صفارة القطار العاشر للعودة الطوعية المجانية للسودانيين بمصر، حاملا نحو 1200 سوداني باتجاه أسوان جنوبا، ليستكمل المسافرون رحلتهم إلى الخرطوم برا.

وجد علي بصعوبة مقاعد لأسرته الصغيرة في القطار وقد فاتته القطارات السابقة، إذ سبقه نحو آلاف من رفاق النزوح والاغتراب من أبناء وطنه، حجز مقاعد ضمن قوائم انتظار طويلة للعائدين، مما استدعى قيام هيئة السكك الحديدية بتشغيل قطار ثان خلال الشهر الحالي، ودراسة تشغيل قطار ثالث.

أيادٍ تحمل أثقالها وقلوبها في وقت واحد.
أيادٍ تحمل أثقالها وقلوبها في وقت واحد (الجزيرة)

يوم الوداع

يوم انطلاق القطار الأسبوعي، يتحول رصيف محطة رمسيس إلى مسرح كبير تختلط فيه المشاعر، أمهات يودعن صديقات مصريات صنعتهن الغربة، وأطفال يتشبثون بحقائب أكبر من أجسادهم، ورجال يوزّعون نظرات مترددة بين القاهرة التي احتضنتهم عامين، والوطن الذي يعودون إليه بعد أن أنهكته الحرب.

تنهمر الدموع في صمت، ليست كلها دموع فراق، بل دموع أمل مشوب بالقلق، فالقطار الذي يقف على الرصيف ليس مجرد وسيلة مواصلات، إنه جسر بين بلد استقبلهم وآخر ينتظر من يعيد بناءه.

وتحولت القاهرة الكبرى -خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة- إلى عاصمة ثانية للسودانيين، حيث غصّت أحياؤها بالنازحين.

في السابعة من صباح ذلك اليوم، وصل عزوز علي إلى رصيف محطة مصر، المحطة الكبرى والرئيسية بالقاهرة، وسط مئات السودانيين، حاملين أمتعتهم بانتظار أن يهل القطار على المحطة في موعده المقرر في الحادية عشر صباحا، وتهللت وجوه الكبار والصغار حينما لاح القطار على الرصيف المخصص له بالمحطة.

إعلان

وما إن استقر حتى دبت فوضى عارمة، حاول منظمو الرحلة من الجانبين المصري والسوداني تنظيمها لدقائق ترتيبا لتسجيل الأمتعة وأصحابها وركوب القطار الروسي المصنف من فئة الدرجة الثالثة المكيفة، الذي لا يفضله كثير من المصريين في الرحلات الطويلة لخشونة وصلابة واستواء مقاعده، ومواجهة الراكبين بعضهم بعضا.

أما السودانيون فواصلوا السفر لمدة تقارب 15 ساعة على تلك المقاعد غير المريحة، لكنهم في حكم المضطر، حيث خُصص القطار لمن يريد العودة ولا يملك كلفتها، خاصة لمن لديه أسرة كبيرة.

يقول علي -الذي كان يعمل موظفا حكوميا بالخرطوم- إن “الإقامة بمصر، مع التضخم وارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل المناسبة، استنفدت معظم المدخرات التي جاء بها من السودان“.

أما المقتدرون، فهم إما يظلون في مصر لتنمية مشاريع بدؤوها، وإما يستقلون حافلات جماعية أو فردية خاصة تكون تحت طوعهم طوال الرحلة، فيرتاحون قليلا في الطريق ثم يستأنفون السفر، لكن قطار العودة الطوعية بلا محطات توقف من القاهرة إلى أسوان.

وتقول زوجته مروة عثمان، وهي تحتضن ابنتها الصغرى، “سأفتقد دفء العلاقة مع جاراتي المصريات، لم نشعر يوما أننا غرباء”، لكنها تعترف بقلقها “هناك، في الخرطوم، الحياة لا تزال صعبة، كما أخبرنا من وصلوا من أسابيع، لكن وجودنا وسط أهلنا يهوّن كل شيء”.

ازدحام عند باب العربة، تختلط فيه لهفة العودة مع خوف المجهول.
ازدحام عند باب العربة تختلط فيه لهفة العودة مع الخوف من المجهول (الجزيرة)

ضوابط للرحلة

تعقدت الرحلة أمام علي وغيره بسبب متطلبات كثيرة للسفر نظرا لسوء استغلال بعض المسافرين للقطار المجاني، فمنهم من يستغل القطار للسفر مجانا لزيارة أقاربه في جنوب مصر والعودة، وبعضهم الآخر يستغله لنقل البضائع للسودان مع المسافرين، مما استدعى ضوابط لتحديد أمتعة كل راكب.

والتسجيل للرحلة يتم عبر موقع على الإنترنت وأرقام هواتف خصصتها السفارة السودانية، وفي بعض الحالات، وفرت السفارة حافلات من تجمعات السودانيين في المحافظات لإيصالهم إلى القاهرة.

بدأ مشروع العودة الطوعية في نيسان/نيسان 2025 برعاية رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبإشراف منظومة الصناعات الدفاعية السودانية.

واعتمدت المرحلة الأولى على الحافلات، حيث تم نقل 10 آلاف سوداني عبر 187 حافلة، لكن مع تزايد أعداد الراغبين في العودة، تحولت الوسيلة إلى القطارات لتوفير الراحة والتنظيم.

يقول عمر برهان -وهو من المتطوعين لتنظيم الرحلة- إن “المشكلة الأساسية في الفوضى التي تدب أحيانا على الرصيف عند قدوم القطار تكمن في الأمتعة، لا الأشخاص، لأن العائدين يحملون ما جاؤوا به، وفوقه ما اشتروه من مصر بعد بيع ما ثقل وزنه وانخفضت قيمته”.

جلوسهم على الرصيف يحاكي وطنًا مؤقتًا، يرحل معهم حيثما رحلوا.
جلوسهم على الرصيف يحاكي وطنًا مؤقتا يرحل معهم حيثما رحلوا (الجزيرة)

في أسوان

ووفقا للقنصل السوداني في أسوان جنوبا السفير عبد القادر عبد الله محمد، في تصريحات صحفية، فقد عاد أكثر من 200 ألف سوداني منذ بداية 2025، وسجل شهر حزيران/حزيران الماضي أعلى معدل للعودة برقم يقارب نحو 27 ألف سوداني، هذه الأرقام تعكس حجم التحدي اللوجستي والإنساني الذي تواجهه الجهات المنظمة.

إعلان

وفي أسوان، يتولى -محافظ أسوان اللواء إسماعيل كمال- الإشراف على استقبال العائدين بمحطة ميناء السد العالي، حيث تُجهز حافلات لنقلهم إلى مدينة أبو سمبل تمهيدا لعبورهم إلى السودان عبر معبر قسطل بإشراف القوات المسلحة المصرية.

وهناك صنفان من النازحين لا يعتزمون العودة حاليا إلى السودان، أولهما غير المضطرين للبقاء بمصر لكنهم مرتبطون بأعمال بدؤوها فيها، أما الصنف الثاني فهم مضطرون للبقاء رغم ارتفاع كلفة المعيشة عليهم، وهم الذين لا تزال مناطقهم تقع تحت خط النار.

بكاء على رصيف الرحيل من القاهرة، دموع ألم الفراق لمصر وأمل العناق للسودان.
بكاء على رصيف الرحيل من القاهرة ودموع ألم الفراق لمصر وأمل العناق للسودان (الجزيرة)

أصوات من قلب الرحلة

يقول معتز يوسف، وهو مختص بالتسويق، إن “الدافع وراء مسارعة البعض للعودة هو كلفة المعيشة المرتفعة في مصر بالنسبة للسودانيين مقارنة بكلفة المعيشة في السودان، فكلفة السكن في مصر تضاعفت بقدوم السودانيين، في حين يوفر المسكن في السودان بأقل القليل، ثم تأتي مسألة قلة فرص العمل بمصر، لتضاعف مأساة المقيمين فيها، الذين عاشوا على بقايا مدخرات جلبوها معهم وبدأت تنفد، ويضطر بعضهم للعمل في مهن لا تناسبه”.

أحد هؤلاء كان فنانا تشكيليا في السودان، واليوم يعمل في ورشة لتشكيل الألومنيوم خلاف ما كان يعمله في بلده الأصلي، لذلك فبساطة سبل المعيشة في السودان تغريهم بالعودة.

السابقون الذين غامروا في البداية وسبقوا إلى هناك، أغروا اللاحقين، يقول يوسف “تؤكد الاتصالات بمن وصلوا واستقروا أن الأمور على ما يرام”.

ورغم بعض المنغصات بمصر، والتي يعاني منها المصريون أنفسهم، سيحمل عزوز علي وأسرته ذكريات عزيزة عن القاهرة، مثل سودانيين كثر لم يشعر أحدهم يوما بالغربة، ولا بالتمييز ضده، وجرت معاملتهم كأصحاب بلد ببساطة وسلاسة وترحيب ومحاولة تقديم يد العون المساعدة لمن لجؤوا لمصر.

وجوه ترقب القطار وكأنها تقرأ مصيرًا جديدًا.
وجوه ترقب القطار وكأنها تقرأ مصيرا جديدا (الجزيرة)

تأثيرات إنسانية

رحلة العودة ليست مجرد قرار اقتصادي أو سياسي، إنها إعادة فتح جروح قديمة، وكثير من العائدين يصفون الرحلة بأنها “اقتلاع ثان” من وطن ثان بعد سنوات الغربة، لكنهم يصرون على أن بناء المستقبل يستحق التضحية.

المشهد على محطة مصر شارك في تشكيله مصريون حضروا إلى المحطة لوداع أصدقائهم السودانيين، ومن بينهم الفنان محمد رياض الذي شارك في الوداع.

“السودانيون أهلنا، عشنا معهم في بيوتنا وأسواقنا وقهاوينا، وسنبقى أشقاء مهما بعدت المسافات”، يقول مصطفى حسنين، وهو طالب مصري، خلال وداعه زميل دراسة سودانيا، جاء ليصافحه ويعانقه العناق الذي يرجو ألا يكون الأخير، “على أمل في لقاء قريب في الخرطوم هذه المرة”، يعلق سعيد بشير ضاحكا، ليرد مصطفى مبتسما “زائرين لا لاجئين لا قدر الله يا سعيد”.

ستبقى آلاف المشاهد عالقة في قلوب أسرة علي الذي قال “سأفتقد بالطبع زحمة الونس، والقعدة الحلوة على المقاهي الشعبية، وأكل الفول والطعمية المصرية”.

ينظر علي بمزيج من الحنين لمصر والسودان معا، وابنتاه تلوحان بالوداع للقاهرة من خلف زجاج القطار الذي بدأ في الإقلاع.

كيف كان حي الشيخ رضوان بغزة وماذا أصبح؟

كيف كان حي الشيخ رضوان بغزة وماذا أصبح؟

غزة- بعد أن كان نابضا بالحياة، ومزدحما بالمارة وضجيج الباعة، بدا حي الشيخ رضوان (شمال مدينة غزة) مدينة أشباح: شوارعه خاوية وصوته خافت، ولا يبدد سكونه إلا دوي القذائف وأزيز الطائرات المسيّرة.

ومنذ نحو أسبوع، أخذت اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحي تتصاعد بوتيرة متسارعة: قصف عشوائي يطال المنازل والأزقة، ومدرعات محشوة بأطنان من المتفجرات تم توجيهها عن بُعد لتسوية مربعات سكنية كاملة بالأرض، ومن جانبها راحت الطائرات المسيّرة الصغيرة تستهدف السكان مباشرة لبث الرعب في نفوسهم ودفعهم إلى النزوح.

وفجر أمس الأربعاء، امتد الهجوم ليطال عيادة الشيخ رضوان الرسمية ومحيطها، حيث أُلقيت القنابل الحارقة لتلتهم النيران سيارات إسعاف كانت متوقفة في المكان، إضافة إلى عشرات الخيام التي احتمى بها نازحون.

منى جِلّو نزحت من منزلها في الشيخ رضوان تحت القصف الإسرائيلي، وتخشى أن تُجبر مجددا على النزوح إلى جنوب القطاع.
منى جِلّو نزحت من منزلها في حي الشيخ رضوان وتخشى أن تُجبر مجددا على النزوح إلى الجنوب (الجزيرة)

منطقة أشباح

وفي قلب الحي، بدا شارع الجلاء -أحد أهم شوارع مدينة غزة وأكثرها حيوية- صامتا على غير عادته: السيارات تجنبت المرور به خشية رصدها واستهدافها من الطائرات المسيّرة فتحولها إلى منطقة أشباح. وهو يُعد من أكثر أحياء غزة اكتظاظا بالسكان، فضلا عن كونه ملجأ استقبل آلاف النازحين من مناطق شمال القطاع المحاذية له.

ومع اشتداد الخطر، أخذت عائلات بأكملها قرار الرحيل، فشوهدت موجات نزوح جديدة تضاف إلى ما شهده الحي من قبل. ومن بينها أسرة منى جِلّو التي كانت تقيم في غرفة استصلحتها من منزلها المدمر بعد أن عادت من رحلة نزوح طويلة وسط قطاع غزة.

وفي الأيام الأخيرة، انقلبت حياة آل جلّو من جديد، فمع كل ليل يهبط يبدأ الرعب: قصف متواصل من المدافع، أزيز الطائرات، طلقات نارية عشوائية من المسيّرات. وأصوات الانفجارات والرصاص لا تنقطع، والأكثر رعبا كان المدرعات الصغيرة التي تتحرك بلا سائق، مملوءة بأطنان المتفجرات، تدفعها إسرائيل إلى قلب الأحياء ثم تفجرها عن بُعد.

إعلان

وما أن تنفجر هذه المدرعات حتى تهتز الأرض، فتختفي العشرات من المنازل، ويتشقق الإسفلت، وتتناثر الحجارة، وتتهدم الجدران في محيط واسع. ومن على بعد كيلومترات، يمكن الإحساس بارتجاج الأرض تحت الأقدام.

وفي الليلة الأخيرة قبل النزوح الجديد، جلست منى وأسرتها في الغرفة المهدّمة ينتظرون الصباح، وكلهم يظنون أنهم لن يبقوا أحياء حتى يروا ضوء النهار. ومع أول خيط للفجر، لم يجدوا سبيلا سوى الهرب فخرجوا بلا متاع أو طعام أو أي شيء.

- خلود أبو فارة نزحت من الشيخ رضوان هربا من العدوان الإسرائيلي، وما تزال تبحث عن ابنها المفقود منذ أسبوعين دون جدوى
خلود أبو فارة نزحت من الحي هربا من العدوان الإسرائيلي ولا تزال تبحث عن ابنها المفقود (الجزيرة)

كابوس لا ينتهي

في خيمة صغيرة نُصبت على عجل، وضعت خلود أبو فارة بعض الأثاث الذي استطاعت إخراجه من بيتها قبل يومين. ولم يكن المنزل بعيدا عن القصف، وكانت الانفجارات في البداية تسمع من جهة “جباليا النزلة” المحاذية، لكنها اقتربت شيئا فشيئا من حي الشيخ رضوان.

ودخلت المسيّرات الأزقة كضيوف غير مرحب بهم، تقترب من الشبابيك وتوجه تهديدات وشتائم بذيئة عبر مكبرات صوت، ثم تطلق النار بشكل عشوائي.

ولم تهدأ القذائف طوال النهار والليل الذي كان أشبه بكابوس لا ينتهي. فالقصف يتواصل بلا توقف، والانفجارات تهز الأرض، وأصوات المدرعات المفخخة تعلن عن دمار قادم. وعندما تنفجر، تتمايل الجدران يمينا ويسارا وتتساقط الأبواب والشبابيك وتكاد الأسقف تنهار.

تحوّل شارع الجلاء في حي الشيخ رضوان إلى شارع "أشباح" بعدما كان من أكثر شوارع غزة ازدحاما، بفعل العدوان الإسرائيلي.
التصعيد الإسرائيلي يجبر عائلات على النزوح القسري من الحي (الجزيرة)

خلود رحلت بأسرتها المكونة من 5 أفراد، لكنها تركت خلفها جرحا مفتوحا، ابنها الشاب الذي فُقد منذ أسبوعين، لا خبر عنه، ولا أثر يدل عليه.

وفي بيت آخر، كانت أسرة عالقة بين عالمين، فالزوجة دينا محمد عاشت مع زوجها في الأردن، وعادت إلى غزة لزيارة أهلها قبل الحرب، لكنها لم تتمكن من المغادرة منذ عامين وبقيت عالقة وتقيم في بيت العائلة بالشيخ رضوان الذي شهد ولادتها.

ومنذ أن بدأ العدوان على الحي، حاولت الأسرة الصمود، لكن على مدار أسبوع كامل لم يتوقف شيء: روبوتات مفخخة تنفجر وتقتلع بيوتا بأكملها، وقناصة يترصدون، ومسيّرات تقصف وتبث الشتائم، وقذائف دبابات تدك المنازل. ومع كل انفجار، كانت الأبواب تتهاوى والنوافذ تتكسر والجدران تتشقق.

يعيش سكان حي الشيخ رضوان حالة ترقب وحذر شديد خشية نيران القناصة.
جيش الاحتلال يستخدم روبوتات مفخخة تدمر المنازل والأحياء السكنية بالكامل (الجزيرة)

نزوح قسري

وفي الخارج جثث في الشوارع، وبعض الجيران الذين استشهدوا لم يجدوا من يدفنهم بكرامة، فقد مزقت الكلاب أجسادهم.

وأعدت دينا حقيبة صغيرة للطوارئ ووضعت فيها ما استطاعت. وعندما طلع الصباح، حملتها وخرجت مع أسرتها، لكنها أدركت لاحقا أن جواز سفر ابنها الصغير (أردني الجنسية) لم يكن في الحقيبة.

والآن، حتى لو فُتحت المعابر، فلن تتمكن دينا من مغادرة غزة، دون الجواز الذي ما زال في بيتها ولا تدري إن كان قد دُمّر أم لا.

وعلى أطراف الحي، كان عبد دلول وزوجته إكرام، مع 10 أطفال، يقيمون بعد أن فقدوا منزلهم الأول في حي الزيتون، فانتقلوا ليستضيفهم قريب بالشيخ رضوان، لكن النار لحقت بهم مجددا.

الزوجان عبد وإكرام دلول نزحا من الشيخ رضوان برفقة أسرتهما المكوّنة من 12 فردا، ويعانيان أوضاعا قاسية بسبب الفقر.
الزوجان عبد وإكرام نزحا من الحي ويعانيان أوضاعا قاسية بسبب الفقر (الجزيرة)

ومع كل ليلة، يقترب القصف أكثر والأطفال يزداد خوفهم، وأصوات الانفجارات تعلو والأرض تهتز والجدران تتصدع، وعيونهم لا تهدأ من الذعر، ولم يعد البقاء ممكنا.

إعلان

ويقول الأب “لا نملك المال كي ننزح جنوبا، فلا دخل لنا، فأنا مقاول بناء، ومنذ بداية الحرب توقفت أعمالي كلها”. وتتدخل زوجته وتقول “القذائف تنهال على المنازل، والقصف عشوائي لا يستثني أحدا، حتى العائلة التي استضافتنا كانت تفكر بالرحيل، لكنها شعرت بالحرج من طرد النازحين الذين احتموا عندها”.

ورحلت الأسرة تحت القصف، ولم يجدوا مأوى سوى خيمة عند قريب في منطقة غرب غزة، بانتظار أن تُنصب لهم خيمة أخرى.

يسخر من ترامب ويهدد بغزو كينيا.. من ابن موسيفيني الطامح لرئاسة أوغندا خلفا لوالده؟

يسخر من ترامب ويهدد بغزو كينيا.. من ابن موسيفيني الطامح لرئاسة أوغندا خلفا لوالده؟

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تقريرا مطولا عن الجنرال موهوزي كاينروغابا (نجل الرئيس الأوغندي المخضرم يوري موسيفيني) حيث يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره الوريث الأقرب لخلافة والده بعد 4 عقود من الحكم.

وفي تحليله لشخصية موسيفيني الابن، رسم مايكل فيليبس (مراسل الصحيفة للشؤون الأفريقية) ملامح شخصية متناقضة وقلقة لموهوزي، تجمع بين السخرية والتهكم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبين نزعة سلطوية مفرطة تصل حد التفاخر بالتعذيب والتهديدات العلنية.

ففي حين يشبّه موهوزي نفسه أحياناً بالمهاتما غاندي الأب الروحي للهند “لكن من دون اللاعنف” ويسخر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب مدّعياً أنه هو شخصيا أكثر وسامة وطولا وجاذبية منه، أو يتحدى مغني الراب جاي زي في مبارزة يظفر الفائز فيها بالمغنية والممثلة الأميركية بيونسيه، فإنه في الوقت ذاته لا يتردد في التباهي بتعذيب إدوارد سيبوفو حارس زعيم المعارضة الرئيسي في أوغندا في قبو منزله.

ونقلت الصحيفة عن 3 أشخاص -أطلعهم سيبوفو على المحنة التي مرّ بها- أن موهوزي أجبره على الركوع وأداء قسم الولاء لموهوزي القائد العام للقوات المسلحة الأوغندية، ولوالده.

وتباهى موهوزي بأنه استخدم بوبي واين الحارس الشخصي لزعيم المعارضة ككيس ملاكمة بعد احتجازه في قبو، حيث تعرّض للإيهام بالغرق والضرب والصعق الكهربائي، قبل أن يُجبر على إعلان ولائه للرئيس ونجله -بحسب المراسل فيليبس- الذي أفاد بأنه رغم استنكار منظمات حقوقية محلية ودولية، فإن الجنرال لم يتراجع بل وصف ما حدث بأنها مجرد “مقبّلات فاتحة للشهية”.

WINDSOR, ENGLAND - APRIL 20: President of Uganda Yoweri Museveni arrives at Windsor Castle for a retreat with other Commonwealth leaders on the final day of the 'Commonwealth Heads of Government Meeting' (CHOGM) on نيسان 20, 2018 in Windsor, England. The UK is hosting the heads of state and government from the Commonwealth nations this week. (Photo by Jack Taylor/Getty Images)
الرئيس الأوغندي الحالي يوري موسيفيني (غيتي إيميجز)

الإرث العائلي وطموحات الخلافة

يعود تاريخ صعود عائلة موسيفيني إلى عام 1986 حينما قاد الرئيس الحالي تمردا مسلحا أطاح بسلفه ميلتون أوبوتي، حيث رحب به العالم كزعيم شعبي ديمقراطي التوجّه، أوقف المجازر العرقية التي ارتُكبت في عهد النظام المخلوع.

إعلان

وفي خطابه تنصيبه آنذاك، قال موسيفيني “إن مشكلة أفريقيا عموما وأوغندا خصوصا ليست في الشعوب، بل في القادة الذين يرغبون في البقاء بالسلطة أكثر مما ينبغي”.

KAMPALA, UGANDA - CIRCA SEPTEMBER 2016: View of the city of Kampala
العاصمة الأوغندية كامبالا (شترستوك)

بيد أن 4 عقود في سدة الحكم حوّلته -برأي الصحيفة الأميركية- إلى نموذج للقائد الذي يتلاعب بالضوابط القانونية ويرفض مغادرة السلطة، إذ عدّل الدستور أكثر من مرة لضمان استمراره. ورغم إعلانه الترشح مجددا لانتخابات 2026، فإن المؤشرات كلها تدل على أنه يُعدّ نجله لخلافته.

ومع ذلك، لم يفعل الرئيس الكثير لثني موهوزي (51 عاما) -المعروف على نطاق واسع باسمه الأول فقط- عن التفكير في أنه الخليفة المنتظر، فقد كتب الأخير على منصة إكس في تموز/تموز الماضي “باسم يسوع المسيح إلهي، سأكون رئيس هذه البلاد بعد والدي”.

وتصف الصحيفة سلوكيات موهوزي بالمتقلبة وتثير قلق الكثير من الأوغنديين والمسؤولين الغربيين بشأن مستقبل بلدٍ ساهم والده في استقراره بمنطقة مضطربة، وإن كان ذا نزعة قمعية ويسعى لتحقيق مصلحته الاقتصادية الشخصية.

نشأته ودراسته

بينما كان موسيفيني يقاتل في الأدغال خلال مراحل من طفولة موهوزي، كان ابنه يتنقل بين تنزانيا حيث وُلد، وكينيا حيث درس، والسويد حيث عاش، قبل أن يستقر أخيرا في أوغندا بعد استيلاء والده على السلطة، طبقا لتقرير فيليبس.

وتلقى موهوزي تعليمه في مدارس نخبوية داخلية أنجليكانية وكاثوليكية، عُرف فيها بالخجل والهدوء، قبل أن يسلك مسار التعليم العسكري المرموق في كلية ساندهيرست العسكرية البريطانية وكلية القيادة والأركان الأميركية.

Lt. General Muhoozi Kainerugaba, the son of Uganda's President Yoweri Museveni, who leads the Ugandan army's land forces, looks on during his birthday party in Entebbe, Uganda أيار 7, 2022. REUTERS/Abubaker Lubowa
الفريق موهوزي كاينروجابا نجل الرئيس الأوغندي موسيفيني (رويترز)

ومع أن مقربين منه يشككون -بحسب الصحيفة- في شغفه الحقيقي بالعمل العسكري، فإنه ترقّى سريعا في الرتب حتى وصل إلى قيادة القوات الخاصة ثم القوات البرية، ليعيّنه والده لاحقا قائدا أعلى لقوات الدفاع.

شخصية مثيرة للجدل

ما يجعل موهوزي شخصية إشكالية -في تقدير المراسل فيليبس- ليس موقعه العسكري فقط بل أسلوبه في مخاطبة الداخل والخارج.

فهو يطلق تهديدات سياسية عبر منصة إكس، وتارة يتوعد باعتقال “كل الحمقى في البرلمان” وتارة أخرى يهدد بمعاقبة أي ضابط شرطة لا يُنهي الاجتماعات التي تُنتقد فيها عائلته. وفي مواقف أخرى أمر بتفتيش وسائل الإعلام، أو سخر من معارضين دخلوا في إضراب عن الطعام، متمنيا لهم الموت العاجل.

غير أن الأكثر خطورة -برأي الصحيفة- كانت تغريداته عام 2022 حول غزو كينيا، حيث قال إنه قادر على السيطرة على نيروبي خلال أسبوعين فقط، بل أخذ يفكر علنا في الحي الذي سيقطنه بعد الاستيلاء على العاصمة.

ورغم محاولة مستشاريه تفسير الأمر على أنه “مزحة” فإن والده شعر بالحرج الشديد، فقام بعزله من منصبه كقائد للقوات البرية مع تقديم اعتذار رسمي إلى الكينيين، لكنه في الوقت ذاته رقّاه إلى رتبة جنرال، في خطوة تمزج بين العقاب والمكافأة.

خصم موسيفيني وموهوزي اللدود

في قلب هذا الصراع يبرز اسم بوبي واين، النجم الموسيقي الذي تحوّل إلى رمز معارضة جماهيرية، وحصد رسميا 35% من الأصوات بانتخابات 2021، رغم ما شابها من تزوير وترهيب، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال.

زعيم المعارضة الأوغندية والمغني روبرت كياغولاني سينتامو المعروف باسم بوبي واين (رويترز)

وطبقا للتقرير، فإن شعبية واين بين الشباب تشكِّل تهديدا مزدوجا لموسيفيني وابنه معا، ولذلك يتعامل معه الأخير بعدائية لافتة، إذ وصفه بـ”البابون” و”بوبي الصغير” وتحداه في مباراة ملاكمة، ووعد بمكافأة مالية لأي جندي يقوم بخصيه.

إعلان

وتعكس هذه العدائية -بحسب واين نفسه- شخصية ابن مدلل لدكتاتور نشأ وهو يرى السلطة المطلقة وسوء استخدامها، فاعتاد أن يفعل ما يشاء بلا محاسبة، وذكرت الصحيفة أن موهوزي لم يستجب لطلبها مقابلته، كما لم يرد على الأسئلة المكتوبة التي وُجِّهت له.

ما السيناريوهات المحتملة لعملية عسكرية أميركية كبيرة ضد فنزويلا؟

ما السيناريوهات المحتملة لعملية عسكرية أميركية كبيرة ضد فنزويلا؟

هل ستنفذ الولايات المتحدة بالفعل هجمات واسعة النطاق على فنزويلا، بعد التصعيد العسكري والدبلوماسي غير المسبوق بين البلدين في الآونة الأخيرة، أو حتى تغزوها؟

هذا هو السؤال الكبير الذي طرحته مجلة نيوزويك في تقرير إخباري، وجاءت الإجابة المرجحة عنه بالنفي، مشيرة إلى أن الخبراء يشكون في أن التعزيزات العسكرية الأميركية الجارية في جنوب منطقة البحر الكاريبي والمياه القريبة تمثل خطوات أولى نحو غزو، غير أن المجلة ترى أن نشر 3 مدمرات على الأقل وغواصة ومجموعة إنزال برمائية “إيه آر جي” (ARG) محمّلة بمشاة البحرية يعد تصعيدا جديدا في العلاقات المتدهورة أصلا بين واشنطن وكاراكاس، مما أثار قلق الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن الثلاثاء الماضي أن الولايات المتحدة استهدفت سفينة قرب فنزويلا، وألقى اللوم مباشرة على مادورو، الذي كان قد صرح قبلها بيوم بأن بلاده في حالة “جهوزية قصوى” ومستعدة للرد على أي تحرك عسكري أميركي محتمل.

جمهورية مسلّحة

أفاد مسؤولون أميركيون الشهر الماضي بأن واشنطن نشرت 3 مدمرات مجهزة بصواريخ متطورة وآلاف الجنود في المياه المقابلة لفنزويلا ضمن حملة لمكافحة عصابات المخدرات والجماعات الإجرامية في أميركا اللاتينية.

ونقلت المجلة الأميركية عن مادورو قوله أيضا إنه سيعلن “جمهورية مسلّحة” إذا هاجم الجيش الأميركي بلاده، متعهدا بحشد 4.5 ملايين مقاتل من المليشيات للدفاع عن فنزويلا. وفي المقابل، برر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحشود العسكرية بأنها جزء من حربه على عصابات المخدرات، متهما نظيره الفنزويلي بإدارة شبكة “إرهاب مخدرات” عابرة للحدود.

وأشارت إلى أنه لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين واشنطن وكاراكاس، والعلاقات بينهما متوترة للغاية، ولا يبدو أن هناك أي ودّ شخصي بين ترامب ومادورو.

هل ستغزو الولايات المتحدة فنزويلا؟

تعتقد المجلة في معرض إجابتها عن هذا السؤال بأن احتمال وقوع غزو ضعيف، إذ لم تُبدِ واشنطن نية واضحة على الغزو، وعلى الرغم من أن مادورو اعتبر الانتشار العسكري “تهديدا تاريخيا”، فإن خبراء عسكريين يرونه مجرد “استعراض للقوة” أكثر منه مقدمة لغزو فعلي، بحسب نيوزويك.

إعلان

ووفقا للتقرير، فإن هؤلاء الخبراء يستبعدون أن تخاطر واشنطن بعملية عسكرية واسعة في بلد معقد التضاريس مثل فنزويلا، التي تتميز بجبال وأدغال ومراكز حضرية يصعب السيطرة عليها، خاصة وأن القوة الأميركية المتمركزة لا تتجاوز بضعة آلاف من الجنود، وهو عدد غير كافٍ لغزو شامل.

واقتبست نيوزويك تصريحا أدلى به كريستوفر ساباتيني -الباحث في شؤون أميركا الجنوبية في مركز “تشاتام هاوس” في لندن– لصحيفة غارديان البريطانية، قال فيه “لا أحد سليم العقل يظن أن 4500 جندي قادرون على غزو بلد يضم جبالاً وأدغالاً وعدة مراكز حضرية، هذا كله مجرد استعراض من الطرفين”.

ومن جانبه، أوضح الباحث في الأمن القومي في “مجلس الجيوإستراتيجية” البريطاني ويليام فريير لنيوزويك أن “قراءة النوايا دائما صعبة، لكن إدارة ترامب، رغم انزعاجها من دور فنزويلا في تدفق المخدرات، لم تُظهر حتى الآن أي نية واضحة للتدخل العسكري المباشر”.

CARACAS, VENEZUELA - JANUARY 7: Militia members march in support of president Nicolas Maduro on كانون الثاني 7, 2025 in Caracas, Venezuela. Nicolas Maduro will take oath as president of Venezuela on كانون الثاني 10 for another 6 years amidst tension in the country after the last presidential election on تموز 28, 2024. Maduro claims to have won the election while the opposition leader Edmundo Gonzalez affirms he has won and, consequently, he is the legitimate president of Venezuela. (Photo by Jesus Vargas/Getty Images)
أعضاء مليشيا يتظاهرون في كاراكاس دعما لمادورو (غيتي)

السيناريوهات المحتملة للتدخل الأميركي

تقول المجلة إن السيناريوهات عادة ما تتخيل إنزال مشاة البحرية الأميركية في فنزويلا، لكن كارلوس سولار -الباحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن- صرح لها بأنه “إن حدثت مثل هذه العملية، فستكون في مرحلة متأخرة جدا”.

ويتوقع سولار أن يبدأ التدخل -على الأرجح- عبر هجمات بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى لتدمير الدفاعات الفنزويلية ومقدراتها العسكرية، مع استهداف مواقع الإمداد ومستودعات الذخيرة والرادارات ومراكز الاتصالات ومنصات الطائرات المسيّرة.

ويضيف أن الولايات المتحدة نفذت هذا العام عمليات مماثلة في الشرق الأوسط بدقة وفعالية لافتة ضد خصوم أكثر تجهيزا من القوات المسلحة الفنزويلية، معتبرا أن هذه المقاربة تقلّل خسائر الأميركيين المادية والبشرية وتُضعف قدرات الخصم بشدة.

أما فنزويلا، فستجد صعوبة في الرد نظرا لأن أسطولها الجوي “محدود القدرات وضعيف الكفاءة وفرقاطاتها غير مُصانة وغواصتها عتيقة،” على حد تعبير سولار، الذي يزعم أن القوات الأميركية ستتفوق في المرحلة الثانية باستخدام الطوربيدات والذخائر الموجّهة والصواريخ المضادة للطائرات.

الموسوعة - epa04412737 (FILE) A file handout picture made available by the US Department of Defense (DoD) on 23 آذار 2003 shows a US Navy Tomahawk Land Attack Missile (TLAM) being launched from the guided missile cruiser USS Cape St. George at sea in the Mediterranean Sea. The Pentagon said late 22 أيلول 2014, the United States and allied forces launched airstrikes against Islamic State (IS) militants in Syrian territory for the first time. The military was 'using a mix of fighter, bomber and Tomahawk Land Attack Missiles,' in the ongoing operation. The bombings were the first against Islamic State militants in Syria. The US had previously bombed Islamic State targets in Iraq, but said that it would pursue the group in Syria if necessary. The possibility of expanding airstrikes to Syria has drawn condemnation from Russia and Iran. Syrian President Bashar al-Assad has said he would see any intervention in his country as an act of aggression. EPA/US NAVY/KENNETH MOLL HANDOUT EDITORIAL USE ONLY
صاروخ توماهوك وهو ينطلق من سفينة (وكالة الأنباء الأوروبية)

ووفقا للتقرير الإخباري، فإن هذا الجدل أعاد إلى الأذهان عملية الغزو الأميركي لبنما عام 1989 التي أذن بها الرئيس جورج بوش الأب بزعم جلب رئيسها مانويل نورييغا إلى العدالة، حينها نشرت واشنطن أكثر من 20 ألف جندي، وهو عدد يفوق بأضعاف مضاعفة القوات الأميركية الموجودة حاليا في محيط فنزويلا.

وعلى الصعيد الإقليمي، قوبلت التعزيزات الأميركية بانتقادات شديدة من عدة دول في أميركا الجنوبية، خصوصا من كوبا التي وصفت تلك التعزيزات بأنها “استعراض عدواني للقوة ضد سيادة شعوب القارة”.

وأكدت “هافانا” أن مزاعم الولايات المتحدة بربط الحكومة الشرعية لفنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو بمنظمات إجرامية متورطة في تهريب المخدرات مجرد ذريعة سخيفة لا أساس لها.

لكن في الوقت ذاته، تلفت نيوزويك الانتباه إلى أن الولايات المتحدة، ومعها دول أوروبية وأميركية جنوبية، لا تعترف بفوز مادورو في انتخابات تموز/تموز 2024.

إعلان
لماذا يحرص الاحتلال على إزالة صور الشهداء في نابلس؟

لماذا يحرص الاحتلال على إزالة صور الشهداء في نابلس؟

نابلس- زائر البلدة القديمة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لا يرى فقط الحجارة العتيقة والطراز العثماني العريق، بل تستوقفه صور الشهداء التي تملأ الجدران، والجداريات التي توثق أسماء العشرات ممن ارتقوا داخل البلدة دفاعا عن حجارتها.

فالحجارة هنا تروي حكاية انتفاضتين، وعشرات العمليات العسكرية، وليس انتهاء بشهداء “عرين الأسود” مجموعات المقاومة المسلحة التي نشطت بين عامي 2022 و2023 في أزقة البلدة القديمة.

والدة الشهيد ابراهيم النابلسي تستعرض قبعته التي كان يرتديها بمواجهته الأخيرة وتشمها وتجلس بين صوره ومقتنياته
والدة الشهيد إبراهيم النابلسي تؤكد أن الاحتلال يخاف من صور الشهداء (الجزيرة)

أكثر من مجرد صورة

في المخيال الجمعي الفلسطيني، لا تقف صور الشهداء عند حدود الذكرى العائلية أو التوثيق الشخصي، بل تتحول إلى أيقونات للمقاومة والذاكرة، فكل صورة معلّقة على جدار هي شهادة حيّة على استمرارية الكفاح، ورسالة بأن الغائب حاضر بروحه وقضيته.

تقول هدى جرار، والدة الشهيد إبراهيم النابلسي، أحد أبرز رموز مجموعة “عرين الأسود” للجزيرة نت “عندما أمشي في البلدة القديمة أو في أي مكان وأرى صورة إبراهيم، أقول الحمد لله، إبراهيم ما زال معنا، وشهداؤنا جميعهم أحياء” وتضيف “أنا ما دفنت إبراهيم، بل زرعته في الأرض مثل الزيتونة، وهذا الزرع أثمر، وسنحصد منه النصر إن شاء الله”.

وبالنسبة لأهالي نابلس وسكان البلدة القديمة، لا تمثل هذه الصور مجرد ملامح لأبناء رحلوا، بل وعدا بالوفاء لدمائهم وتجسيدا لمعاني التضحية والكرامة، ولهذا تتحول الصور إلى ميدان مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، الذي يدرك معنى بقائها.

تؤكد جرار “الاحتلال يخاف من صور الشهداء لأنه يعرف أن الشهداء فكرة، والفكرة لا تموت، الفكرة تُزرع في الأرض وتنمو، ومنها سيأتي جيل التحرير والنصر إن شاء الله”.

لقطات من البلدة القديمة بشكل عام
البلدة القديمة في مدينة نابلس تتميز بحجارتها العتيقة وطرازها العثماني العريق (الجزيرة)

في كل اقتحام للبلدة القديمة، لا يكتفي جنود الاحتلال بدهم البيوت أو استهداف الأحياء، بل يوجّهون بنادقهم نحو صور الشهداء المعلّقة على الجدران، يطلقون الرصاص على الوجوه المرسومة بالدهان، ويمزّقون الملصقات، وفي زوايا الأزقة، ما زالت آثار الرصاص محفورة على صور الشهداء، شاهدة على هذا الاستهداف الممنهج للذاكرة.

إعلان

هناك عند باب الساحة، وبالقرب من برج الساعة الذي يتوسط المكان، حيث اعتاد الشهيد إبراهيم النابلسي الجلوس والتُقطت له صور عديدة، كانت معلّقة صورة كبيرة له، لكن في أحد الاقتحامات الأخيرة أزالها جنود الاحتلال، كما مزّقوا عشرات الصور الأخرى المنتشرة في أزقة البلدة القديمة.

تعلق جرار على ذلك بالقول “عندما يزيل الاحتلال صور الشهداء، فهذا دليل على أن شهداءنا أحياء وأثرهم باق، وما زالوا يرعبون العدو. هم يأتون بالجنود والطائرات المسيّرة فقط ليمسحوا صور شهداء، وهذا وحده يؤكد أن أطياف الشهداء ما زالت تقاتل وتخيفهم”.

محاولة طمس الهوية

يشرح الأكاديمي والباحث في الذاكرة والهوية الفلسطينية عقل صلاح أن إسرائيل تعمل بشكل ممنهج لمحاربة كل ما يرمز للشهداء، سواء الصور أو النصب التذكارية، كونها جزءا من “حرب مسعورة” ضد الثقافة الوطنية الفلسطينية وكل ما يمت للأصل والذاكرة، بهدف محوها.

ويشير صلاح إلى أن هذه السياسة لم تبدأ بعد السابع من تشرين الأول، بل سبقتها بسنوات طويلة، فقد سبق أن استهدفت جداريات وصورا مماثلة في مدن وقرى عديدة، منها الجدارية المرسومة على جدار مدرسة البنات في قرية برقة شمال نابلس، التي كان الجيش يطلق النار عليها في كل اقتحام، حتى بقيت محفّرة بالرصاص.

“وهذا دليل على أن معركتهم ضد الرموز الوطنية ليست إلا انتقامًا من الشهداء، ومحاولة لطمس الذاكرة الفلسطينية” يقول صلاح، ويضيف أن إسرائيل تبرر هذه الأفعال بالقول إن هؤلاء “أيديهم ملطخة بالدماء” -على حد وصفها- وبالتالي تسعى لمحاربتهم أحياء وأمواتا.

ويعقب قائلا إن “محاربة الصور والنصب لا تقتصر على الشارع، بل تمتد إلى السينما والفنون، وحتى منع بعض الأفلام التي تتناول الشهداء، الهدف النهائي هو طمس الهوية الفلسطينية وإحلال هوية استعمارية جديدة مكانها”.

والدة الشهيد ابراهيم النابلسي تستعرض قبعته التي كان يرتديها بمواجهته الأخيرة وتشمها وتجلس بين صوره ومقتنياته
والدة الشهيد إبراهيم النابلسي تستعرض قبعته التي كان يرتديها في مواجهته الأخيرة وتشتمّها (الجزيرة)

مصدر إلهام وتحفيز

يرى صلاح أن صور الشهداء والنصب التذكارية تحمل معاني أساسية تجعلها مصدر خطر دائم على الاحتلال “فهي تضفي شرعية على المقاومة، وتخلّد الأفكار النضالية، وتحوّل الشهداء إلى نماذج يُحتذى بها، مما يمنح الفعل المقاوم شرعية مستمرة”.

ويضيف أن هذه الصور تخلق تضامنًا وتعبئة شعبية، إذ تذكّر الناس بالمهام المقدسة التي استشهد الشهداء من أجلها: التحرير والخلاص من الاحتلال، “وهذا التضامن الشعبي هو ما تخشاه إسرائيل” كما يقول.

ويؤكد أن صور الشهداء “تمثل مصدر إلهام للتنظيمات والحركات السياسية، إذ تحرّض الناس على المقاومة وتشكل أداة قوية في فترات الانتفاضات وأوقات التصعيد، بما يعزز الاستقلالية الوطنية ويحرض على الفعل الجهادي”.

صور الشهداء على جدران البلدة القديمة ونصب تذكارية قام بتمزيقها جنود الاحتلال خلال اقتحاماته الأخيرة أو تخريبها وكسرها ومنها مرسوم عليه نجمة داوود
تخريب وتشويه صور الشهداء يظهر مدى تأثر الجيش الإسرائيلي بوجودها (الجزيرة)

ويلفت كذلك إلى أن تخليد الشهداء عبر الصور يسهل عملية التواصل الفكري بين الأجيال، ويجعل من الرموز نقطة التقاء موحدة ومقدسة للشعب الفلسطيني، معتبرا أن “صورة واحدة لشهيد قد تختصر تاريخ الثورة وحركاتها”.

ويختم صلاح بقوله إن “رؤية صورة شهيد تثير مشاعر الوفاء والاحترام، وتدفع الشباب إلى الاقتداء بهم والسير على خطاهم، هذا الجانب العاطفي هو ما تخشاه إسرائيل، لأنه يولد جيلا جديدا يتطلع للشهادة والمقاومة”.

إعلان

لهذا، يرى الباحث أن إسرائيل تحارب كل الرموز الوطنية، سواء الصور، أو الأعلام، أو الأسماء، وحتى الزيتون والحجر، في محاولة لإحلال ثقافة استعمارية بديلة، على أنقاض الثقافة الوطنية الفلسطينية.