“ليست البراعة أن تنتصر في مئة معركة، بل أسمى درجات البراعة أن تُخضع عدوك دون قتال”.
الفيلسوف والمنظر العسكري صن تزو – من كتاب فن الحرب
في يوم الجمعة الموافق 20 حزيران/حزيران الماضي، وقرب شعاب سكاربورو المتنازع عليها في بحر جنوب الصين، واجهت سفينة حرس حدود صينية سفينة حكومية فلبينية.
ووفقا للرواية الصينية، أُطلق تحذير واضح للسفينة الفلبينية عبر اللاسلكي بمغادرة المنطقة فورا، لكن السفينة الفلبينية تجاهلت النداء، مما دفع السفينة الصينية لإطلاق تيار مياه عالي الضغط، من مدفع المياه على متنها، ليقذف السفينة الأخرى بعيدًا.
لم يكن هذا المشهد سوى فصل جديد في سلسلة متصاعدة من المواجهات، حيث تهاجم سفن صينية قوارب وسفنا تابعة للدول التي تنازعها السيطرة على بحر جنوب الصين، وتدفعها للتراجع باستخدام مدافع المياه.
فقبل تلك الحادثة بأسابيع، شهدت منطقة قريبة من جزيرة “ساندي كاي” (وهي موطن نزاع بين بكين ومانيلا أيضا) حادثًا مشابهًا، حين أطلقت سفينة خفر سواحل صينية مدفع مياه تجاه سفينة أبحاث فلبينية، مما أدى إلى تصاعد التوتر الدبلوماسي بين البلدين.
غالبا ما تعتمد قوات خفر السواحل حول العالم على “القوة غير المميتة”، ومنها مدافع المياه عالية الضغط، لردع المنظمات الإجرامية العابرة للحدود، بمن في ذلك القراصنة ومهربو المخدرات وتجار الأسلحة والمتاجرون بالبشر، مما يسهل عملية إيقاف القطع البحرية المشتبه بها والصعود إليها وتفتيشها.
لكن الصين وحدها توسع استخدام هذا النوع من الأسلحة غير المميتة بما يتجاوز أغراضها الشائعة، إذ يذكر كيفن إديس، المحلل في مجال الأمن البحري، بأنه لا توجد قوة خفر سواحل باستثناء الصين تستخدم مدافع المياه ضد سفنٍ حكومية تابعة لدولٍ أخرى. إذ يعمد خفر السواحل الصيني إلى توجيه مدافع المياه عالية الضغط نحو السفن المعادية، مستهدفًا سفنًا من الفلبين وفيتنام على وجه الخصوص في المناطق المتنازع عليها ببحر جنوب الصين.
إعلان
لفعل ذلك، وضعت الصين إطارا قانونيا خاصا يبرر هذا النوع من العمليات. ففي كانون الثاني/كانون الثاني عام 2021، أقرّت بكين قانونًا لخفر السواحل يمنحه صلاحية اتخاذ جميع التدابير اللازمة، بما فيها استخدام الأسلحة، ضد السفن التي تُصنَّف بأنها “تنتهك السيادة الصينية” عبر الإبحار في المياه المتنازع عليها. ومؤخرًا أصبحت مدافع المياه هي التكتيك المفضل ضمن تكتيكات الحرب الرمادية الصينية، خاصة مع إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة تلك المدافع.
تعرف الحرب الرمادية بأنها ذلك النوع من الصراعات التي تقع في منطقة وسيطة بين الحرب الشاملة والسلام، وتنطوي على عمليات غير عسكرية مثل التجسس والتخريب وتقويض سلاسل الإمداد ومنع الوصول، تماما كما تفعل الصين مع خصومها في البحار.
وتتعامل بكين على نحو متزايد مع أدوات مثل مدافع المياه باعتبارها ضرورية لتعزيز قبضتها على المناطق البحرية المتنازع عليها في بحر جنوب الصين، مع تقليل احتمالات اندلاع اشتباكات مسلّحة.
وبحسب باحثين مطلعين، يُتوقع أن يتصاعد تكرار وشدة استخدام مدافع المياه في بحر جنوب الصين. ويرى هؤلاء أن مدفع مياه قوي –لا سيما حين تدعمه دقة الذكاء الاصطناعي– يمثل الأداة الأنسب لتوفير “قوة محسوبة”، وفي الوقت نفسه “رادعة” للخصوم من دون إيقاع خسائر بشرية، مما يخفض خطر اندلاع النزاعات الكبرى أو الحرب الشاملة.
مدافع مياه بالذكاء الاصطناعي
من الناحية التقنية لا يعد مدفع المياه سلاحا فتاكا، فهو جهاز ثابت أو قابل للتوجيه، موصول بخط الإطفاء الرئيسي على متن السفينة، ومُصمَّم لإطلاق تيارٍ مياه عالي الضغط. ويبلغ معدل التدفق النموذجي للمدفع نحو 20 لترًا في الثانية، وغالبا ما يُستخدم للترهيب والتشتيت والإرباك للسفن المعادية.
ولكن في بعض السيناريوهات، قد يتسبب ارتفاع ضغط الارتطام في تلف المعدات الخارجية أو إلحاق إصابات جسيمة بالأفراد المعرضين لتيار المياه مباشرة.
وبعيدا عن القدرات الميكانيكية التقليدية لمدافع المياه، يستند الجيل الأحدث لخراطيم المياه الصينية إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يمنحها قدرة دقيقة على التحكم والتصويب. وتتيح هذه الابتكارات لبكين ميزة تقنية نوعية، تجعل استجابتها أسرع وأكثر فاعلية مقارنة بمنافسيها.
وفي نيسان/نيسان عام 2024، أعلن باحثون في معهد ووهان لأبحاث الدفع الكهربائي البحري عن تطوير “أول مدفع مياه ذكي في العالم بالذكاء الاصطناعي”، ويُعدّ المعهد البحثي أبرز مورّد لمعدات الدفع الكهربائي المخصصة للسفن الحربية في الأسطول البحري الصيني، ويتولى إدارة مجموعة من المختبرات الرائدة في تطوير التكنولوجيا البحرية المتقدم.
يهدف النظام الذكي إلى زيادة دقة وفعالية هذه الاشتباكات غير القاتلة، وهو مزوّد بكاميرا كهروضوئية ومستشعرات حركة، تمكّنه من تتبع السفن واستهدافها تلقائيًا وسط الأمواج المتلاطمة، مع القدرة على تثبيت خرطوم المياه على الهدف وضبط قوة واتجاه تدفق المياه في الوقت الفعلي وفق حركة السفينة المعادية.
إعلان
ويطلق المدفع تيار مياه عالي الضغط بمدى يتجاوز 100 متر، خالقا ضغطا (الضغط فيزيائيا هو مقدار القوة العمودية المؤثرة على مساحة ما) يتجاوز 1.2 ميغاباسكال. للتقريب فإن ذلك يشبه أن يتعرض شخص للدهس بكتلة تعادل 9 أطنان، وهو وزن فيل أفريقي ضخم، مما يعني أن المدفع قادر -في أدنى الأحوال- على إيقاف أو دفع أي جسم أو شخص يعترض طريقه.
وأظهرت التجارب الصينية أن المدفع أصاب أهدافه بهامش خطأ لا يتجاوز مترين، حتى في ظروف صعبة تشمل رياحًا عاتية وأمواجًا بارتفاع 4 أمتار. ووفقًا للفريق البحثي الصيني، تمثل تلك النتيجة تحسنًا في الدقة بنسبة تتراوح بين 33% و54% مقارنة بمدافع المياه التقليدية.
ومن خلال تحسين الدقة، خصوصًا في البحار المتقلبة التي تقوّض فاعلية مدافع المياه التقليدية، يهدف النظام الذكي إلى تمكين السفن الصينية من إصابة أهدافها بدقة من دون اللجوء إلى استخدام الرصاص.
نتيجة لذلك، خلص تقرير أعدّه فريق الباحثين بأكاديمية الشرطة البحرية الصينية، أن نشر هذه المدافع الذكية يرسّخ حضور الصين في المناطق المتنازع عليها، بوصفها أدوات حاسمة تمنح قواتها البحرية تفوّقًا ميدانيًا وقدرة على “إخضاع العدو دون قتال”، انسجامًا مع إستراتيجيات الجنرال والفيلسوف العسكري التاريخي صن تزو -مؤلف كتاب فن الحرب- التي تهدف إلى تحقيق النصر من دون خوض حرب شاملة.
تصاعد المواجهات
ولأن كافة الأطراف المتنازعة “تتمسك بكل شبر من أراضيها وترفض التنازل عنه”، حذّر التقرير الصيني السابق الإشارة إليه من أن اللجوء إلى الأسلحة التقليدية المميتة في مناوشات محدودة قد يدفع نحو تصعيدها إلى نزاعات مسلّحة واسعة النطاق، وهو سيناريو لا ترغب الصين، ولا سائر دول الجوار في بحر جنوب الصين، في حدوثه.
خريطة لتايوان والبر الرئيسي للصين و”خط الوسط” بينهما (الجزيرة)
وذكر التقرير أن “الأسلحة غير المميتة لا تؤدي مباشرةً إلى وفاة الأفراد أو تدمير المعدات أو الإضرار بالبيئة، بل تعتمد وسائل تقنية محددة لحرمان الأفراد أو المعدات لدى الطرف الآخر من الفاعلية القتالية، محققة هدف قهر العدو دون قتال”، وهو ما يمكن الصين من تحقيق أهدافها في السيطرة البحرية خاصة في بحر جنوب الصين.
تشهد هذه المنطقة توترا متصاعدا منذ عام 2012، حين سيطرت الصين على شعاب سكاربورو –الغنية بمصائد الأسماك والواقعة على بعد 120 ميلا بحريًا من الفلبين. وبحلول عام 2014، كانت بكين تعمل على ترسيخ سيطرتها من خلال إبعاد الصيادين الفلبينيين فعليًا عن المنطقة.
وفي 27 كانون الثاني/كانون الثاني 2014، طردت سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني مجموعة صيادين فلبينيين احتموا بشعاب سكاربورو، بعدما رشّت قواربهم الصغيرة بتيارات مياه عالية الضغط. أثار الحادث احتجاجًا رسميًا من مانيلا، التي حذرت من أن هذا النوع من المضايقات “يؤجج التوتر في المنطقة ويهدد السلام والاستقرار”، كما أوردت وكالة رويترز حينها.
من جانبها، رفضت وزارة الخارجية الصينية تلك الشكوى بصورة قاطعة، قائلة إن السفن الصينية كانت تطبق القوانين الوطنية في مياه تقع ضمن “الولاية القضائية الصينية”. وقد شكّل حادث مدفع المياه في سكاربورو إحدى أوائل حالات الاستخدام البارز للقوة غير المميتة في هذا النزاع، مرسلا رسالة واضحة مفادها أن الصين عازمة على فرض سيادتها على هذه المياه بصورة نهائية.
إعلان
وفي 16 تشرين الثاني/تشرين الثاني عام 2021، وبعد فترة من الهدوء النسبي، أعادت الصين تفعيل تكتيك مدافع المياه ضد الفلبين، بعدما اعترضت 3 سفن تابعة لخفر السواحل الصيني قاربين فلبينيين مدنيين، مستأجرين لنقل الغذاء والماء إلى وحدة بحرية فلبينية عند شعاب توماس الثانية، وأطلقت عليهما تيارات مياه عالية الضغط أجبرتهما على التراجع. ورغم أن الحادثة لم تسفر عن إصابات، فإنها مثلت تصعيدًا لافتًا في مساعي بكين لعرقلة وصول الإمدادات إلى الموقع العسكري الفلبيني.
تسارعت وتيرة المواجهات لاحقا، وفي آب/آب 2023، أطلقت سفينة خفر سواحل صينية مدفع مياه على قارب إمداد فلبيني متجه إلى شعاب توماس الثانية، فمزقت قوة المياه هيكل القارب الخشبي وأغرقت أجهزة الملاحة، مما أجبره على التراجع. وصفت الحكومة الفلبينية الحادثة بأنها غير قانونية وخطرة، فيما سارعت الولايات المتحدة لإدانة “تصرفات بكين الخطرة” وتأكيد التزامها بدعم مانيلا.
مع اقتراب عام 2023 من نهايته، بلغت المواجهات البحرية بين الصين والفلبين مستوى لم يشهد مثله منذ سنوات. ففي 22 تشرين الأول/تشرين الأول، وقعت أخطر الحوادث قرب شعاب توماس الثانية، حين اصطدمت سفن الطرفين بشكل مباشر. أظهر مقطع مصوّر لخفر السواحل الفلبيني سفينة صينية وهي تعترض مسار قارب إمداد فلبيني أصغر بكثير، مما أدى إلى تمزيق أجزاء من ذراع التوازن وهيكل القارب، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس.
وفي آذار/آذار عام 2024، وفي نفس المنطقة السابقة، استخدمت سفن خفر السواحل الصيني مدافع المياه واصطدمت بمهمة إمداد فلبينية متجهة إلى السفينة “سييرا مادري”، مما أدى إلى إصابة بعض أفراد طواقم السفن الفلبينية وألحق بها أضرارًا واضحة.
تشير هذه الوقائع، وغيرها أن مدافع المياه أصبحت تكتيكا صينيا مفضلا في هذا النوع من المواجهات وأن بكين تستخدمه بجرأة ملحوظة، أحد أسباب ذلك هو القانون الدولي لا يعدّ هذا النوع من الهجمات “هجوما مسلحا” وهو ما يقلل من تكاليف هذه الأنشطة دبلوماسيا على بكين ويقلص كذلك من الاهتمام الإعلامي بها.
والأهم من ذلك، أن هذه الهجمات تظل منخفضة المستوى بشكل لا يسمع بتفعيل المعاهدات الدفاعية خاصة معاهدة الدفاع المتبادل بين الولايات المتحدة والفلبين “MDT” واتفاقية التعاون الدفاعي المعزز “EDCA” المكملة لها.
تكتيكات الحرب الرمادية
يشير المحلل كيفن إديس في تقريره لموقع “سي لايت” المتخصص في رصد الصراعات البحرية إلى أن استخدام الصين لمدافع المياه يندرج ضمن “تكتيكات حرب المنطقة الرمادية” التي توفر وسيلة فعّالة لفرض سيادتها البحرية، مع تقليل التكاليف السياسية والدبلوماسية.
كما أنها تضع خصومها أمام معضلة في الرد. ومن خلال الاعتماد على سفن خفر السواحل و”المليشيات البحرية” -أي السفن غير النظامية- بدلا من القطع الحربية، تمضي بكين في فرض مطالبها وهي تحافظ على هامش الإنكار وتتجنب الظهور بمظهر المعتدي العسكري المباشر، وفق التقرير.
تستثمر الصين بشكل ملحوظ في هذا النوع من القدرات. يشير تقرير صادر عام 2024 من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) إلى أن “خفر السواحل الصيني يظل الفاعل الحكومي المهيمن في المياه المتنازع عليها ببحر جنوب الصين” مشيرًا إلى الدور المحوري لهذه القوة في عمليات الصين السلمية لبسط سيطرتها على تلك المناطق. ووفق التقرير، غالبا ما ترافق تلك السفن أساطيل من قوارب الصيد المدنية التي تعمل كـ”مليشيات بحرية”، لتشكّل معًا خط المواجهة الأول في مناطق مثل شعاب سكاربورو وجزر سبراتلي.
لفعل ذلك، عززت بكين القدرات الميدانية لخفر سواحلها، من خلال إدخال سفن جديدة ضخمة قادرة على إزاحة ما بين 10 آلاف و12 ألف طن من المياه (وهو رقم هائل وغير مسبوق عالميا على صعيد قدرات خفر السواحل) بجانب أسطولها الحالي من سفن الدوريات الصغيرة والمتوسطة. ففي عام 2016، أطلقت الصين السفينة “سي سي جي – 3901” بوزن يتجاوز 12 ألف طن، لتصبح أكبر سفينة خفر سواحل في العالم، متفوقة على الطرّاد الأميركي من فئة “تيكونديروجا”.
إعلان
تزود هذه السفن الصينية بمدافع مياه ثقيلة وهياكل مدعمة للاصطدام، تمنحها تفوقًا ميدانيًا واضحًا، إذ لا تملك القوارب الفلبينية أو الفيتنامية الصغيرة سوى خيار الانسحاب أو المخاطرة بالغرق أمام سفينة عملاقة. وتشير التقارير إلى امتلاك الصين لأكثر من 150 سفينة خفر سواحل كبيرة، يتجاوز وزن الكثير منها ألف طن، مما يضمن سيطرة واسعة على الشعاب والمياه المتنازع عليها.
في الوقت الراهن، تبدو الصين عازمة على توظيف كل أداة متاحة في ترسانتها، من دون الانزلاق إلى استخدام القوة القاتلة، لترسيخ نفوذها في بحر جنوب الصين. وتحتل مدافع المياه القوية، المزودة حديثا بتقنيات الذكاء الاصطناعي، موقعًا محوريًا في هذه الترسانة. تعتمد الإستراتيجية على مبدأ الترهيب، عبر رفع كلفة المقاومة إلى حد يدفع الخصوم إلى الإذعان دون مواجهة مباشرة، تجسيدًا لما قاله صن تزو حول البراعة التي تعني إخضاع العدو دون قتال.
في غمرة احتفائه بما يعتقد أنه انتصارات تاريخية، لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باعتبار نفسه في “مهمة تاريخية وروحية”، معلنا أنه متمسك “جدا” برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضا مناطق من الأردن، ومصر، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن محاوِر قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال، الذي كان لفترة وجيزة عضوا يمينيا في الكنيست، أهدى نتنياهو تميمة على شكل “خريطة الأرض الموعودة”، وعندما سئل عن مدى ارتباطه “بهذه الرؤية” لإسرائيل الكبرى، أجاب نتنياهو: “بالتأكيد”.
فكرة أو مصطلح “إسرائيل الكبرى” استخدم بعد حرب 1967، أو ما يعرف بـ”النكسة” للإشارة إلى إسرائيل والمناطق التي احتلتها آنذاك والتي تضم القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان.
تأتي تصريحات نتنياهو لا لتؤكد فقط عقيدته الصهيونية المتطرفة التي تعبر عنها تركيبة وسياسات حكومته بشكل واضح، وإنما أيضا حجم الرهانات الشخصية التي تضخمت حد التورم لدى نتنياهو، لا سيما لما اعتبره إنجازات عسكرية مهمة في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، وحتى في اليمن، والعراق.
هذه المكاسب العسكرية التي يتباهى نتنياهو بتحقيقها، لا تبدو على المستوى الإستراتيجي كنصر حقيقي، يمكن أن يوفر لإسرائيل ضمانات الأمن وتأمين الوجود. بل قد يتحول بعضها إلى معادلات أشبه بالهزيمة لنتنياهو ولإسرائيل.
أولا: لا يستطيع نتنياهو اليوم إعلان هذا الانتصار الذي يزعم أنه حققه، لأنه بالقياس إلى الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب منذ حوالي 22 شهرا، لم يستعد الأسرى كأحد أهدافه المعلنة، ولم ينهِ حركة المقاومة الإسلامية حماس، بل فضلا عن تلقي جيش الاحتلال ضربات موجعة بكمائن نوعية من كتائب عز الدين القسام، التابعة لحماس، يعود نتنياهو في كل مرة للدخول في مفاوضات مع الحركة. بل ونجحت الحركة في فرض نفسها مفاوضا مع الولايات المتحدة الأميركية، ما يبدد فكرة القضاء عليها، مثلما خطط لذلك نتنياهو.
إعلان
والحقيقة أنه ومنذ الأشهر الأولى للحرب على غزة، تواترت التصريحات من قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن رموز المعارضة، ومن العديد من زعماء العالم بمن في ذلك الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بأنه لا يمكن هزيمة حركة حماس، لسبب بسيط لأنها ليست مجرد جماعة مسلحة، وإنما هي فكرة.
ثانيا: لا يستطيع نتنياهو أن يزعم أنه نجح بشكل نهائي، في إسكات جبهات المواجهة الأخرى، التي فتحها على نفسه، بعد 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023، سواء مع لبنان، أو اليمن، أو إيران، التي تشير التقديرات إلى أن مشروعها النووي لم يدمَر، وإنما تعرض لأضرار جزئية، قد تجعل سيناريو تسريعه أرجح من سيناريو إنهائه.
ولا تزال المنطقة كلها تنبثق عن أوضاع تنذر بحالة من التوتر والاضطراب، وليس بحالة من الاستقرار لصالح إسرائيل.
كما لا تزال الجبهة الأساسية وهي غزة تلوح كمستنقع يستدرج إليه نتنياهو فيما يشبه “المصيدة الإستراتيجية” بحسب توصيف رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الذي عبر في اجتماعات داخلية عن اعتراضه على فكرة احتلال غزة.
ثالثا: يتوهم نتنياهو أن حجم الدمار والقتل والإبادة الذي ارتكبه في غزة يمثل عنوان انتصاره، ونجاحه، بينما يرى العالم اليوم حجم الدمار غير المسبوق في قطاع غزة باعتباره جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وهي جرائم حولت إسرائيل إلى كيان بغيض ومنبوذ، يعاني من عزلة، ويفقد دائرة أصدقائه وداعميه تباعا. وتمثل التحولات المعتبرة في مواقف القادة الغربيين باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، حجم الضرر الدبلوماسي والسياسي الذي لحق بإسرائيل بسبب ما يرتكبه نتنياهو من إبادة في غزة.
فالرأي العام العالمي يتظاهر بعشرات الملايين أسبوعيا تضامنا مع غزة ورفضا للجرائم المروعة ضد الأطفال والنساء والنازحين. وقد رُفع العلم الفلسطيني في أنحاء العالم خلال العامين الماضيين، كما لم يرفع أي علم بلد في التاريخ.
وتحولت القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الدولي، شعبيا ورسميا. وتمثل خطوة العديد من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو إعلان نية الاعتراف، تحولا نوعيا في المواقف الدولية في العلاقة بالقضية الفلسطينية.
وتزداد أهمية هذه التحولات عندما تعلن دول من الوزن الثقيل وأعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي، على غرار فرنسا وبريطانيا، نية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وهو زخم بقدر ما أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، بقدر ما أربك القادة الإسرائيليين بشكل لافت، جعلهم يهاجمون تلك الدول ويعتبرونها تصطف إلى جانب حركة حماس.
وفضلا عن كل هذه العزلة الدبلوماسية، يواجه قادة إسرائيل اليوم ملاحقة من القضاء الدولي في مختلف أنحاء العالم، لا سيما محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.
رابعا: اعتبر خبراء أميركيون وغربيون أن نتنياهو بعناده وتماديه في الحرب على غزة، بل ومغامراته العسكرية على الجبهات الأخرى، إنما يورط إدارة ترامب في مستنقع مواجهات عسكرية وحروب هو لا يريدها.
وفي الوقت الذي يكافح ترامب من أجل نحت صورة له كرجل سلام وضد الحروب، واضعا نصب عينيه هدف نيل جائزة نوبل للسلام، يعمل نتنياهو عكس هذا الهدف تماما، من خلال جر ترامب لمستنقع الحرب مع إيران، بل وجر الولايات المتحدة للتورط في المنطقة وإشعال فتيل عدم الاستقرار فيها. وإذ يفعل نتنياهو ذلك يشتت تركيز واشنطن باتجاه الصين عدوا إستراتيجيا، وروسيا خطرا إستراتيجيا.
إعلان
ولقد ارتفعت أصوات عديدة في الولايات المتحدة الأميركية تحذر ترامب، وتدعوه لعدم الانجرار وراء ألاعيب نتنياهو وعناده، وضرورة النأي بنفسه عن سياسات إسرائيلية باتت اليوم قرينة الإبادة وجرائم الحرب والتجويع والتهجير.
خامسا: بدد نتنياهو ما كان يمكن أن يعتبر مكاسب عسكرية، عندما فشل في استثمارها سياسيا، مصرا بدل ذلك على التمادي في حرب تحصد أرواح الأبرياء من المدنيين، وتخلف دمارا واسعا، لا يبدو الهدف منه واضحا ولا ممكنا.
وبدا الانتشاء بتلك المكاسب العسكرية فخا ورط القادة الإسرائيليين لا سيما نتنياهو وفريق حكومته في تصريحات خطيرة، تقوض أي فرص للبناء على تلك المكاسب العسكرية والاستثمار فيها سياسيا. فقد تورط قادة إسرائيليون انتشاء بتلك المكاسب في التنظير للإبادة والتهجير القسري، واستعمال النووي ضد أهل غزة.
كما تفاخر نتنياهو بالحديث دون اعتبار لدول المنطقة، عن هدف إسرائيل في إعادة تشكيل المنطقة، وهندسة الشرق الأوسط. ومضى في أكثر من مرة إلى حد استدعاء وهْم “إسرائيل الكبرى” التي تشمل أجزاء من دول عربية كثيرة، بعضها مطبِع مع تل أبيب.
وقد أثار هذا الموقف الإسرائيلي حفيظة وغضب دول المنطقة، ووضع حظوظ إسرائيل في إقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول محل شك وتساؤل. بيد أن الغرور الإسرائيلي لا يزال يتمادى، حتى إنه نقل عن نتنياهو في أحد اجتماعات حكومته قوله إن دولا عربية ستطبع مع إسرائيل دون الحاجة لأن توقف إسرائيل حربها.
سادسا: ثمة وهم يسكن عقول وأطماع القيادة الإسرائيلية المتطرفة اليوم، سيساهم مساهمة كبيرة في تعميق أزمتها، وتبديد ما حققته مما يبدو مكاسب عسكرية وأمنية، وهي فكرة الهيمنة على المنطقة وإعادة تشكيلها على مزاجها.
فالتفوق العسكري الذي تعمل الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع دول غربية على تأمينه لإسرائيل، باتت القيادات الإسرائيلية الأخيرة تقرؤه بشكل خاطئ، وتفهمه باعتباره فرصة للهيمنة على المنطقة وصاحبة القول الفصل فيها وعليها.
وبرزت هذه النزعة في التصريحات الكثيرة التي تصدر عن نتنياهو وشخصيات إسرائيلية أخرى بما يفيد هذا الموقف. فسمعنا كثيرا من القيادات الإسرائيلية كلاما عن: إعادة تشكيل المنطقة، الاتفاقيات الأبراهامية، إسرائيل الكبرى.
وصاحب هذه المواقف والتصريحات عدوانية إسرائيلية جامحة، تستبيح دول المنطقة بهجمات عسكرية، في فلسطين، ولبنان، والعراق، وإيران، وسوريا، وشبكات تجسس نشطة. وإذ يندفع الإسرائيليون بهذا الجموح الهيمني، منتشين بالحملات العسكرية التي يستهدفون بها دول المنطقة، بما في ذلك إيران، يتناسون حقائق صلبة لا يمكن القفز عليها ولا تجاهلها في التاريخ والديمغرافيا والجغرافيا والسياسة والإستراتيجية.
فحلم التحول إلى القوة المهيمنة إقليميا، لا تكفي فيه المكاسب العسكرية الإسرائيلية المرفوعة والمدعومة بالكامل من الولايات المتحدة الأميركية، وإنما يقتضي شروطا أخرى أهم، لا يبدو أن إسرائيل في وارد توفيرها، لا حاضرا ولا مستقبلا.
فإسرائيل التي لا يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، منهم 25% من العرب، لا يمكنها أن تجعل من نفسها القوة المهيمنة في منطقة تعد حوالي 450 مليون عربي، و90 مليون إيراني، وحوالي 90 مليون تركي، مع مساحة جغرافية تزيد عن 15 مليون كيلومتر مربع، بينما لا تزيد المساحة المحتلة التي تقع عليها إسرائيل عن 23 ألف كيلومتر مربع.
ولا تبدو إسرائيل تملك من مقومات قوة إقليمية مهيمنة، وهي بطبعها، باعتبارها قوة احتلالية، تواجه إعاقة حتى في طبيعتها، وعدم قابلية اندماجها في المنطقة، وعدم قبول مكونات المنطقة بالتسليم لها كقوة إقليمية مهيمنة، كل ذلك يبدد التطلعات الإسرائيلية بالهيمنة على المنطقة، ويجعل منها مجرد أوهام.
إعلان
ففضلا عن المزاج الشعبي العام في المنطقة الرافض، بل والمعادي بشدة لإسرائيل، لا تبدو الأخيرة قادرة على القضاء أو إخضاع من تعتقد أنهم يقفون في وجهها لتنفيذ مخططها، فلا تركيا الناهضة، ولا إيران العنيدة، ولا مصر الباحثة عن نفسها، ولا سوريا القادمة من بعيد، ستقبل بمشهد إقليمي، تشكله إسرائيل، وتتحكم فيه، وتهيمن من خلاله على المنطقة.
بل ستواجه إسرائيل رغم ما تبديه من علو كعبها اليوم، تحديات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة، لن تدفعها فقط إلى الانكفاء والانحسار، وإنما ستجدد السؤال الذي يؤرقها ويلاحقها منذ القيام إلى اليوم، وهو سؤال الوجود نفسه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
تناولت صحف عالمية عزم دول غربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية والخطط الإسرائيلية للرد على ذلك، إلى جانب آخر المستجدات والتطورات الميدانية المرتبطة بالحرب على قطاع غزة.
وذكرت صحيفة معاريف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية– يبحث إمكانية تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، إضافة إلى إجراءات انتقامية ضد السلطة الفلسطينية والدول الداعمة للخطوة.
وتأتي هذه التطورات قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المقرر أن تشهد إعلانا تقوده فرنسا ودول أخرى تعترف بدولة فلسطينية، في حين تراهن إسرائيل على تحرك أميركي لعرقلة المبادرة، حسب الصحيفة.
ورأت صحيفة لوموند الفرنسية أن السلطات الإسرائيلية تناور لتدمير أي أمل في قيام دولة فلسطينية مع استمرار الاستيطان والاستيلاء على الأراضي الزراعية وموارد المياه، وقد تكثف هذا التوجه الراسخ منذ هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وتبدو النقاشات بشأن حل الدولتين -وفق الصحيفة- غير واقعية تماما، مشيرة إلى أن هذا الهدف يواجه حاليا وضعا معقدا على أرض الواقع بالنظر إلى ما يجري في الضفة الغربية.
وفي قطاع غزة، يكافح جيش الاحتلال الإسرائيلي لحشد جنود الاحتياط، إذ لجأ بعض القادة إلى أساليب غير اعتيادية للعثور على عدد كافٍ منهم، وفق ما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن الجنود الإسرائيليين منهكون بعد ما يقرب من عامين من القتال على عدة جبهات، ويتزايد عدد الذين يتساءلون عن جدوى الحرب.
ونقلت عن جندي قاتل في غزة لمدة 400 يوم قوله إن “الناس يموتون عبثا، ونتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل بقائه السياسي”.
وركز مقال في صحيفة التلغراف الضوء على تزايد الانقسام الجمهوري بشأن نتنياهو، وتحذير شخصيات محافظة بارزة للرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن دعم حرب إسرائيل في غزة يمثل عبئا سياسيا.
إعلان
ونقلت الصحيفة عن كيرت ميلز، المدير التنفيذي لمجلة “المحافظ الأميركي”، قوله إن أسباب انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تضاءلت على مر السنين، ولم يعد هناك مجال للقول إن الدفاع عن إسرائيل يصب في المصالح الوطنية الأميركية.
وناقش مقال في صحيفة هآرتس السيناريوهات المحتملة في حال فاز نتنياهو في الانتخابات المقبلة، وقال إن فوزه لن يعني مجرد استمرار الوضع الراهن فحسب.
ويعني ذلك تسريع التحول نحو دولة استبدادية دينية عنصرية، وعزلة دولية متزايدة، وتهديد المشروع الصهيوني نفسه على المدى الطويل، وتفككا داخليا واجتماعيا قد لا يكون قابلا للإصلاح، حسب المقال.
أجمع محللون سياسيون على خطط إسرائيل لتهجير سكان الضفة الغربية بعد ضمها المحتمل -كليا أو جزئيا- وتصفية القضية الفلسطينية للمضي قدما لتحقيق رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإقامة “إسرائيل الكبرى”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق أن نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- يمتلك فرصة ذهبية داخليا وخارجيا لضم الضفة لأسباب عدة مثل الهرب من فشله في غزة، وتجنب انهيار ائتلافه الحاكم، والضوء الأخضر الأميركي.
كما اعتاد نتنياهو تحويل كل مأزق إلى إنجاز شخصي وتاريخي -مثلما تحدث القيق لبرنامج “مسار الأحداث”- حيث يروج أن ضم الضفة يأتي ردا على الإعلانات الأوروبية المرتقبة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وضعف السلطة الفلسطينية.
وكان موقع أكسيوس الأميركي نقل عن مصادر أن الوزيرين الإسرائيليين جدعون ساعر ورون ديرمر أبلغا نظراءهما في عدة دول أوروبية أن إسرائيل ستضم أجزاء من الضفة إذا تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وإضافة إلى ذلك، تبرز عقلية إسرائيل التوسعية في المنطقة، إذ تدرك -وفق القيق- أنها “لا يمكن لها أن تتمدد في الإقليم طالما بقيت القضية الفلسطينية”، لذلك “تخطط لتهجير أهل الضفة”.
واقع ميداني
أما بالنسبة لمسألة الضم، فلم تكتمل الصورة بعد لدى الإسرائيليين بين من يريد ضم كل المناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ومن يريد ضم كافة المستوطنات ومناطق “ج”، حسب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي.
وتعد مناطق “ج” أكبر مناطق الضفة الغربية، وتشكلت وفق التقسيم الذي أفرزته اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، وتمثل 61% من مجموع أراضي الضفة، وتسيطر السلطات الإسرائيلية على الإدارة المدنية والأمنية فيها.
وتترجم إسرائيل خطط ضم الضفة الغربية واقعا على الأرض، حيث تقلص دور السلطة وتقيد العمران في مناطق تخضع للولاية الإدارية للفلسطينيين، وهو ما اعتبره الشوبكي “إعداما لفكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967”.
إعلان
لكن يسود انقسام في الأوساط السياسية الإسرائيلية بشأن مستقبل السلطة، إذ يريد البعض الإبقاء عليها بشكلها الحالي كأعلى سقف ممكن من أجل إعفاء تل أبيب من مهمة إدارة حياة الفلسطينيين.
ويرى آخرون بأن بقاء السلطة بالشكل الحالي مزعج -حسب الشوبكي- ويجب تفكيكها على شكل مناطق جغرافية غير متصلة ولا يوجد لديها رؤية سياسية، وتحويلها إلى بلديات تدير شؤون الفلسطينيين.
مخاوف جدية
وعمليا، لن يكون ضم الضفة صعبا بعد السكوت عما جرى في غزة، لكن العملية ستعقد حياة الفلسطينيين، إذ لا يمكن التنقل بين المناطق بعد تحويلها إلى جزر، مثلما قال الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي.
ورجح مكي انهيار السلطة وعدم قدرة الفلسطينيين على التعايش مع الواقع الجديد، لذلك تهدف إسرائيل إلى إيجاد “إدارة عميلة تابعة لها أمنيا وإداريا” ، كما لم يستبعد أن يؤدي الضم إلى تهجير سكان الضفة الغربية، التي تنظر إليها تل أبيب أنها “قضية دينية، وليست أمنية مثل غزة”.
وأعرب عن قناعته بأن الولايات المتحدة لن تمانع ضم مناطق “ج” ردا على الاعترافات الأوروبية، وسط خشية من خطط وخطوات إسرائيلية انتقامية بشأن شمالي الضفة (طولكرم، جنين، طوباس، قلقيلية، ونابلس) تدفع سكان هذه المناطق إلى التهجير.
وفي هذا الإطار، كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عن مصادرة إسرائيل مئات الدونمات من أراضي الضفة الغربية التابعة للفلسطينيين بمحافظتي نابلس وقلقيلية، مشيرة إلى أن الاحتلال يهدف إلى شرعنة أوضاع بؤرة استيطانية مقامة في المنطقة.
سلطت صحيفة غازيتا الروسية الضوء على مبادرة الحوكمة العالمية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة “منظمة شنغهاي للتعاون“، ونقلت عن نائب في مجلس الدوما الروسي قوله إن المبادرة لا تعني إنشاء نظام دولي جديد.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير الكاتبتين إيفا فيشنيفسكايا وإيرينا يوردانوفا، أن المبادرة الصينية تقوم على 5 مبادئ، هي المساواة في السيادة، والامتثال للسيادة الدولية للقانون، ومآذارة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الشعوب، والتركيز على اتخاذ إجراءات فعلية.
ونقلت عن الرئيس الصيني قوله خلال القمة: “أود أن أطرح مبادرة للحوكمة العالمية، والعمل مع جميع الدول على بناء نظام عالمي أكثر عدلا ومساواة، وبناء مصير مشترك للبشرية”.
دور قيادي لمنظمة شنغهاي
وأشار الرئيس الصيني إلى أن تسارع التغيرات العالمية غير المسبوقة يستدعي أن تتولى “منظمة شنغهاي للتعاون” دور القيادة وأن تكون نموذجا في تنفيذ مبادرات الحوكمة العالمية.
وأضاف أن “المنظمة أصبحت قوة إيجابية في بناء وإصلاح النظام العالمي، حيث تقدم وتنفذ العديد من المفاهيم الجديدة في هذا المجال”.
كما نقل التقرير عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم بلاده للمبادرة الصينية، مؤكدا أن “منظمة شنغهاي للتعاون” تلعب دورا نشطا في تعزيز “السلام والأمن” في منطقة أوراسيا منذ تأسيسها.
وأضاف بوتين أن بعض الدول لا تزال تسعى إلى فرض هيمنتها في الشؤون الدولية، مما يجعل المبادرة الصينية مهمة في هذا السياق، معتبرا أن “منظمة شنغهاي للتعاون” تملك القدرة على قيادة عملية تأسيس نظام عالمي أكثر عدلا وحيادية.
وقال الرئيس الروسي خلال القمة: “تدعم روسيا مبادرة شي جين بينغ وترغب في البدء بمناقشة المقترحات بشكل ملموس”.
الرئيس الصيني: تسارع التغيرات العالمية غير المسبوقة يستدعي أن تتولى “منظمة شنغهاي للتعاون” دور القيادة وأن تكون نموذجا في تنفيذ مبادرات الحوكمة العالمية
دعم من جميع الحاضرين
ووفقا للتقرير، حظيت مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي أكد أن “المبادرة تقوم بشكل أساسي على مبادئ المساواة والعدالة”، وهي قيم “تفتقر إليها العلاقات الدولية في الوقت الراهن”.
إعلان
وأضاف لوكاشينكو أن شي جين بينغ حدد “المبادئ الأساسية” التي يمكن من خلالها “حل المشاكل الحقيقية التي تواجه الدول والشعوب”، مشددا على أن بيلاروسيا مستعدة للمشاركة في هذه المبادرة، سواء في إطار “منظمة شنغهاي للتعاون” أو في إطار محافل أخرى مثل الأمم المتحدة.
من جانبه، صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن مبادرة شي جين بينغ كانت الحدث الأبرز في القمة، مشيرا إلى أن جميع القادة الحاضرين قدموا لها الدعم الكامل، كما أنها لاقت استجابة واسعة من المجتمع الدولي، حسب تعبيره.
ماذا تعني المبادرة؟
نقلت الكاتبتان عن النائب في مجلس الدوما الروسي، يفغيني فيدوروف، أن مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ لا تتعلق بإنشاء حكومة عالمية، مؤكدا أنها تثير اهتمام جميع الدول.
واعتبر فيدوروف أن “مبدأ الحكومة العالمية يتعارض مع القانون الدولي الذي يستند إلى 3 مبادئ تم تحديدها عقب الحرب العالمية الثانية. فهو يرتكز على عدم انتهاك الحدود الإقليمية، أي حدود عام 1945. كما يقوم على حق الأمم في تقرير مصيرها، مع مراعاة احترام تلك الحدود.. وبالتالي، فإن مبدأ سيادة الدول يتعارض مع إنشاء حكومة عالمية.. لا أحد يحب أن يكون تحت سلطة طرف آخر، وهذا يتعارض مع طبيعة الإنسان، ناهيك عن طبيعة الأمم”.
وأشار فيدوروف إلى أن شي جين بينغ يسعى إلى تعزيز التعاون بين الدول وتشكيل بنية تحتية مشتركة للتنمية، مضيفا: “لا تهدف المبادرة إلى التنسيق بشكل تقليدي مثلما تفعل الأمم المتحدة في مجالات حقوق الإنسان، والاقتصاد، وانبعاثات الكربون، وغيرها. بل تشمل أيضا إنشاء مؤسسات تعرض حلولا شاملة للتنمية المستدامة على صعيد عالمي، تقبلها الدول طواعية”.
وتابع عضو مجلس الدوما الروسي: “ستُعنى هذه المؤسسات بقضايا الأمن لضمان عدم نشوب الحروب. في الوقت ذاته، يعدّ هذا المقترح جزءا من آليات تحسين وتطوير مؤسسات الأمم المتحدة، ولا يتضمن إنشاء هيكل جديد”.