في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، رسم الكاتب يوعانا غونين صورة لما وصفه بالقسوة التي أصبحت متجذرة في المجتمع الإسرائيلي من خلال 3 مشاهد مختلفة.
وقال الكاتب إن الصور الثلاث تعكس “تعفن القوة والسلطة والقلب” في إسرائيل، وتوضح حجم الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع ومدى الاستهانة بحياة الآخرين وكرامتهم.
غطرسة القوة
الصورة الأولى عبارة عن مشهد التقطه نشطاء منظمة “حاخامات من أجل حقوق الإنسان”، يُظهر جنديا إسرائيليا في الضفة الغربية مرتديا خوذة وسترة واقية ونظارة شمسية، مغطيا وجهه بقناع في شكل جمجمة.
وحسب الكاتب، فإن هذا الجندي يجسد الموت وليس الإنسانية، ووجوده لا يهدف لحماية النظام أو الأمن، بل يساند المستوطنين في طرد الفلسطينيين من أراضيهم في بلدة الخضر قرب بيت لحم، رغم أن المزارعين يمتلكون تصاريح رسمية.
ويرى الكاتب أن ارتداء القناع ليس مجرد نزوة شخصية، بل هو تعبير صارخ عن الهدف الحقيقي للاحتلال، وهو تحويل حياة الفلسطينيين اليومية إلى رعب مستمر بالاعتقالات الليلية، والحواجز الخانقة، والاعتداءات المتكررة، وتوفير الحماية للمستوطنين المتطرفين.
يوعانا غونين: فساد القوة وفساد السلطة وفساد القلب، تمثّل “بورتريها للمجتمع الإسرائيلي المعاصر”
سخرية مقيتة
الصورة الثانية هي عبارة عن مقطع انتشر قبل أيام في إسرائيل، حيث يظهر والد وزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان وهو يسخر من امرأة مسنّة تعاني من الرعاش، وذلك أثناء مشاركتها في وقفة احتجاجية قرب بيت الوزيرة للمطالبة بالإفراج عن الأسرى.
حين واجهته بقولها “ألا تخجل من ابنتك؟” رد عليها بتقليد رعشتها بطريقة ساخرة ومهينة، في مشهد يجسد -وفقا للكاتب- ثقافة سياسية تُعلي من شأن السلطة وتحتقر التعاطف، وهي سمةٌ مُميّزة للحركات الفاشية.
ويقارن الكاتب بين سلوك والد الوزيرة والجندي المقنّع، مؤكدا أن كليهما يتلذذ بتجريد الآخر من إنسانيته، سواء عبر قناع يثير الخوف، أو من خلال إهانة الآخرين والسخرية منهم.
إنكار المعاناة
أما الصورة الثالثة فقد نشرها الصحفي الإسرائيلي حانوخ داوم للتشكيك في التقارير عن انتشار المجاعة في غزة، وتُظهر الصورة المولّدة بالذكاء الاصطناعي امرأة فلسطينية بأربع أياد، وقطتين برأس واحد، وديناصورا في الخلفية.
إعلان
علق داوم ساخرا بأن “المجاعة في غزة تزداد سوءا”، وأضاف “شخصيا، أشفق بشكل خاص على الدجاجة الغريبة في الخلفية”.
ويؤكد الكاتب أن هذه الصورة التي حظيت بآلاف التعليقات الساخرة ورسائل الإعجاب بين الإسرائيليين على مواقع التواصل، ليست مجرد نكتة، لكنها انعكاس لثقافة إنكار واسعة تحوّل المعاناة إلى موضوع للضحك والتسلية.
ويخلص الكاتب إلى أن هذه المشاهد الثلاثة التي تعكس فساد القوة وفساد السلطة وفساد القلب، تمثّل “بورتريها للمجتمع الإسرائيلي المعاصر، الذي حوّل القسوة إلى أيديولوجيا وأصبح غارقا في هاوية مظلمة”.
لندن- منذ أيام تستيقظ الشوارع البريطانية على ظهور غير متوقع لأعلام “صليب القديس جورج” ورايات الاتحاد البريطاني منتصبة بشكل غير معهود على الطرق الرئيسة وفي الساحات العامة وعند مداخل البيوت، في مشهد تبدو معه مدن البلاد، التي عاشت طوال هذا الصيف على إيقاع احتجاجات عارمة ضد المهاجرين، وكأنها تستعد للاحتفاء بحدث استثنائي.
يُعتبر علم “صليب القديس جورج” رمزا وطنيا لإنجلترا، ويحرص الإنجليز على رفعه خاصة في المناسبات الكروية والأحداث الكبرى حيث يكون الشعور الوطني في ذروته. لكن هذا الرمز يختزن أيضا تاريخا من الصراع السياسي والعقائدي، حيث كان يشهره المحاربون المجندون للقتال في الحروب الصليبية خلال القرون الوسطى، وراية يرفعها المقاتلون الإنجليز أثناء حملات الغزو.
ومع إعلان الاتحاد البريطاني في القرن الـ17 دمج “صليب القديس جورج” إلى جانب صلبان أخرى تمثل كلا من أيرلندا وأسكتلندا لتشكيل علم الاتحاد، توارى هذا الرمز قبل أن تستأثر به الحركات اليمينية المتطرفة الصاعدة خلال القرن الـ20.
ارتفاع منسوب خطابات الهوية في بريطانيا بسبب الاستقطاب السياسي الحاد بشأن أزمة الهجرة (الجزيرة)
استقطاب سياسي
وفي الوقت الذي اعتاد فيه البريطانيون على شوارعهم الهادئة التي يحافَظ فيها على الحياد ولا يفسح فيها لإشهار رموز قد يعدها البعض مستفزة أو حاملة لرسائل سياسية عدائية، لا تبدو عودة هذه الأعلام إلى الفضاء العام مجرد استعادة لرمز يجسد وحدة البريطانيين وأمجادهم الوطنية، وإنما أصبحت مصدر إزعاج للبعض ومثار استقطاب سياسي حاد.
قبل أسابيع ظهرت مجموعات تدعى “محاربو وويولي” على وسائل التواصل تقول إنها تضم “رجالا إنجليزا فخورين ومعتزين بهويتهم ووطنيتهم الإنجليزية”، دعت لرفع الرايات في المدن والبلدات البريطانية إحياء لهذا التقليد. ومع مبادرة بعض المجالس البلدية لإزالتها، تأججت موجة غضب ضد القرار وبدأت تنتشر عرائض إلكترونية مطالبة بمنعه.
إعلان
كما انطلقت صفحات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي في حشد التبرعات لشراء رايات “القديس جورج” وتعليقها في بعض المدن البريطانية، في ظل انتشار خطابات هوياتية حادة على تلك المنصات تدعو إلى حماية “الجذور الأصيلة” للبريطانيين البيض ونموذج الحياة الإنجليزية المهدد في نظرهم بمد المهاجرين المتدفق الذي فشلت الحكومة في محاصرته.
وأضحت رايات “صليب القديس جورج” رمزا احتجاجيا بارزا يرفعه أنصار اليمين الشعبوي بفخر في وجه الأقليات واللاجئين، في سياق حملة تظاهرات منسقة للحشد ضد المهاجرين أمام الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء بشكل مؤقت، وتضييق الخناق على الحكومة العمالية لدفعها لتشديد سياسات الهجرة.
وفي خضم تلك الاحتجاجات، رفع المشاركون أيضا شعارات معادية للمهاجرين مثل “أنت على أرضنا” و”أوقفوا القوارب”، إلى جانب عبارات مستوحاة من حركة ماغا الأميركية اليمينية “لنجعل إنجلترا عظيمة مرة أخرى”.
صفحات على مواقع التواصل حشدت من أجل التبرع لشراء رايات “القديس جورج” (الجزيرة)
ساحات اشتباك
وأصبحت “فنادق المهاجرين” على مدى الأسابيع الماضية ساحات اشتباك دائمة مع الشرطة البريطانية ومتظاهرين آخرين مؤيدين لحقوق المهاجرين، حيث يطالب أنصار اليمين الشعبوي بإخلائها وطرد اللاجئين منها.
ويتعاطى الساسة البريطانيون بحذر مع استيقاظ هذه النزعة القومية في ظل تصاعد حدة الاستقطاب السياسي الذي يجعل من قضية الهجرة مادة رئيسية له تتغذى عليها سردية الأحزاب اليمينية، خاصة حزب الإصلاح المتطرف بعد أن رسخ حضوره كقوة انتخابية صاعدة في البلاد إثر تحقيقه نتائج غير مسبوقة في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وانبرت بعض المجالس البلدية البريطانية كمجلسي مدينة برمنغام وتاور هامليتس لإزالة تلك الأعلام من الشوارع معللة ذلك بـ”اعتبارات السلامة” دون أن تمانع في تعليقها في البيوت أو الحدائق الخاصة.
بعض المجالس البلدية أزالت الأعلام ما أثار موجة انتقادات (الجزيرة)
لكن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لم يعارض حملة رفع الأعلام في الشوارع، مؤكدا على “أهمية احترام تعبير البريطانيين عن وطنيتهم”، بينما رفضت زعيمة حزب المحافظينكيمي بادينوك قرار إزالة تلك الأعلام، ووصفت الخطوة بأنها “أمر مخز ومستفز”.
ولم يتردد أيضا زعيم حزب الإصلاح اليميني نايجل فاراج الذي يقود تعبئة إعلامية غير مسبوقة مناوئة للاجئين في الاحتفاء برفع الأعلام، وقدم خطة لترحيل جماعي للمهاجرين حال وصوله للسلطة. وانضم إليه الملياردير الأميركي إيلون ماسك مرحبا بحملة الأعلام ونشر صورة لعلم “القديس جورج” على حسابه في منصة “إكس” التي يملكها.
وبينما تعهد فاراج بالتشجيع على مواصلة رفع الأعلام في المجالس التي يسيطر عليها، فتحت الشرطة البريطانية تحقيقات بدعوى الإضرار بالممتلكات العامة بعد ظهور صلبان حمراء وطلاء أعلام “القديس جورج” على جدران عامة.
سلوك إقصائي
وظهرت تلك الصلبان إلى جانب عبارات محرضة على كراهية المسلمين أيضا على جدار مسجد في مدينة باسلدون، وسط مخاوف من أن تغذي هذه الحملات ظاهرة الإسلاموفوبيا وكراهية الأقليات والأجانب.
إعلان
ويرى طاهر عباس أستاذ التطرف والعدالة الاجتماعية في جامعة برمنغهام البريطانية، في حديث للجزيرة نت، أن انتشار هذه الحملات على نحو منظم عائد بالأساس إلى ارتفاع منسوب الخطابات اليمينية على شبكات التواصل والحيز الذي توفره للحشد عبر تشكيل ما يشبه “غرف صدى” تضخ داخلها الدعاية الراديكالية، وتستعاد فيها الأمجاد الوطنية تجييشا للنعرات القومية.
ويضيف عباس أن هذا السلوك “الإقصائي” الذي يحاول احتلال مساحات في الفضاء العام المشترك يبعث برسائل تخويف للأقليات خاصة المسلمين الذين يعدون فئات هشة تستهدفها الدعاية اليمينية المتطرفة.
بدورها، تحذر شاكونتالا باناجي أستاذة الإعلام والتغيير الاجتماعي بجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في حديث للجزيرة نت، من محاولة اختزال الهوية المركبة لمجتمع متعدد الأعراق كبريطانيا في رموز هوياتية مثيرة للانقسامات وتحاول إلغاء الآخر المختلف وتهدد نموذج العيش المشترك.
وترى باناجي أن صعود هذه التيارات اليمينية من الهامش السياسي إلى مركز التأثير في صناعة القرار ومحاولتها احتكار رموز الهوية، يهدد التعددية الديمقراطية ويحتمي بالخطابات القومية لصرف النظر عن أسباب تصاعد موجات الهجرة إلى بريطانيا والتي تتحمل السياسات الاستعمارية للدول الغربية وإذكاؤها للنزاعات والحروب المسؤولية عنها.
أصبحنا الآن نُدرك بشكل أكبر أهمية أنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات لأمننا. إذا كان لديهم (إسرائيل) قبة حديدية، فسيكون لدينا قبة فولاذية.. لن ننظر إليهم ونقول لماذا لا نمتلكها؟
بواسطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقر صناعات الفضاء الجوي التركية (TUSAS) في 29 تشرين الأول/ تشرين الأول 2024
في 27 آب/آب الماضي، حضر الرئيس التركي أردوغان مراسم تسليم الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوي “القبة الفولاذية” إلى الجيش التركي، وتشمل 47 مركبة مجهزة بنظامي حصار وسيبر، وهما أول نظامين صاروخيين قصيري وطويلي المدى تُنتجهما تركيا محليًا، بتكلفة 460 مليون دولار.
طرحت تركيا مشروع “القبة الفولاذية” في 6 آب/ آب 2024 بوصفها منظومة دفاع جوي متكاملة، تعتمد على شبكة متعددة الطبقات قادرة على التعامل مع طيف واسع من التهديدات.
وكانت بعض المكونات التي أُدمجت ضمن مشروع القبة قد بدأ العمل عليها في 2018، مثل منظومات KORKUT و HİSAR. وبخلاف “القبة الحديدية” الإسرائيلية، التي تركز على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، فمن المخطط له أن يغطي المشروع التركي المجال الجوي بمختلف تهديداته، من المسيّرات منخفضة الارتفاع إلى المقاتلات الهجومية، مرورًا بالصواريخ الباليستية، وعلى امتداد الأراضي الوطنية.
تعمل المنظومة على دمج أسلحة متنوعة مع منظومات استشعار متطورة في بنية واحدة أشبه بدرع شبكي. كل طبقة تؤدي وظيفة محددة، لتواجه نوعًا معينًا من المخاطر. وعندما تعمل تلك الطبقات معًا، تشكّل مظلة متكاملة للحماية، أقرب إلى شبكة متراصة تلتقط مختلف التهديدات بدلًا من الاعتماد على حل واحد محدود الفاعلية.
إستراتيجيًا، تعزّز تلك المنظومة المتطورة سيادة تركيا العسكرية، وتقلّص من اعتمادها على أسلحة الحلفاء الدفاعية، وتضع أنقرة في موقع فاعل رئيسي ضمن أسواق السلاح العالمية، بحسب تقرير منصة ناشونال إنترست. فما القبة الفولاذية، وما طبقاتها المتعددة للدفاع الجوي؟ وكيف تستفيد تركيا منها عسكريًا ودبلوماسيًا؟
حضر الرئيس التركي أردوغان مراسم تسليم الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوي “القبة الفولاذية” (وكالة الأناضول)
ولادة الدرع الوطني
في 6 آب/آب 2024، اتخذت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية (SSİK) قرار إطلاق مشروع “القبة الفولاذية”، وأوضحت التصريحات السياسية اللاحقة أن المشروع سيُنفذ على أساس “محلي ووطني”، أي أن تصميم وتصنيع المواد بالكامل سيجري داخل تركيا من شركات وطنية. تعتمد الشركات الرئيسية المختارة للمشروع، وهي أسيلسان، وروكيتسان، وتوبيتاك ساجي، وMKE، على مقاولين محليين من الباطن، لكنها قد تلجأ إلى موردين أجانب عند الضرورة، مع الحفاظ على مشاركتهم في أدنى مستوى ممكن لإبراز الهوية التركية للمواد.
إعلان
قبل ذلك، وخلال أعوام 2019–2022، دخلت منظومات HİSAR وKORKUT إلى الخدمة تدريجيًا بوصفها اللبنات الأولى للطبقات القصيرة والمتوسطة، قبل دمجها في الشبكة الموحدة المدعومة بخوارزميات ذكاء اصطناعي، ضمن المشروع الجديد.
وكانت قد أعلنت تركيا أخيرًا عن مشروع ضخم بقيمة 1.5 مليار دولار، وُصف بأنه “أكبر استثمار في تاريخ الصناعة العسكرية التركية”، وهي قاعدة “أوغول بي” للتكنولوجيا، قاعدة عسكرية ضخمة تهدف إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية لمكوّنات منظومة “القبة الفولاذية”.
ومن المفترض أن تبدأ قاعدة “أوغول بي” عملها في منتصف عام 2026، غير أن شركة “أسيلسان” أكدت أنها شرعت فعلًا في تزويد القوات المسلحة التركية بمكوّنات المنظومة. الصحفيون الذين زاروا الموقع، قبل يوم من الإعلان الرسمي عن المنظومة، شاهدوا 47 منصة متنقلة جاهزة للتسليم، تتعلق بالقبة الفولاذية ومزوّدة برادارات وأنظمة مرافقة. وشملت هذه الدفعة منظومات “سيبر” (SİPER) للدفاع الصاروخي بعيد المدى، ومنظومة “حصار” (HİSAR) متوسطة المدى، و”كوركوت” (KORKUT) قصيرة المدى، إضافة إلى رادارات الاستطلاع الجوي وأنظمة الاتصالات والحرب الإلكترونية.
طبقات حماية متعددة
تبدأ أولى مستويات الحماية بالطبقة قصيرة المدى، ومهمتها التصدي للتهديدات القريبة والمنخفضة، مثل المسيّرات الهجومية أو قذائف الهاون والصواريخ الموجهة نحو أهداف مدنية أو عسكرية. وتعتمد تركيا في هذا المستوى على مدافع “كوركوت” عيار 35 ملم المثبتة على عربات مدرعة، إلى جانب صواريخ “سونغور” (Sungur) المحمولة على الكتف، فضلا عن أنظمة أخرى. وتتيح هذه الأسلحة تحييد المسيّرات والمروحيات والصواريخ ضمن مجال بضعة كيلومترات، ما يوفر الحماية اللازمة للقواعد العسكرية والمدن.
ثاني طبقة هي الطبقة متوسطة المدى، مستهدفة الطائرات الهجومية المقاتلة وصواريخ الكروز والأهداف الأسرع والأعلى ارتفاعًا. وتضطلع منظومات “حصار” بهذا الدور، بنسختيها البرية والبحرية. وتتمتع هذه المنظومات بقدرة إصابة أهداف على ارتفاعات ومسافات متوسطة تصل إلى عشرات الكيلومترات، ما يجعلها قادرة على حماية مساحات واسعة ووحدات قتالية متحركة.
أما الثالثة؛ فهي الطبقة بعيدة المدى، وهنا تعتمد القبة على المنظومة الدفاعية التركية “سيبر” (Siper)، المصممة للتعامل مع التهديدات البعيدة والمعقدة، من مقاتلات تحلق في طبقات الجو العليا إلى المسيّرات الثقيلة والصواريخ الباليستية في مراحلها النهائية. وقد بدأت القوات المسلحة التركية فعلًا في تسلم النسخ الأولى، بينما يجري تطوير إصدارات أكثر تطورًا يُتوقع أن يصل مداها إلى 100 كيلومتر أو أكثر. وتمنح منظومة “سيبر” تركيا قدرات دفاعية مقاربة لمنظومتي “باتريوت” الأميركية و”إس-400″ الروسية، مع هدف أساسي هو حماية المدن والبنى التحتية الحيوية من التهديدات الكبرى.
المنظومة الدفاعية التركية “سيبر” (الأناضول)
القبة الفولاذية.. ابتكار يطارد التهديدات
رغم أن كل طبقة دفاعية في “القبة الفولاذية” تمتلك قدراتها الخاصة، فإن القوة الحقيقية للنظام تتجلى عند ربطها جميعًا ضمن شبكة موحدة متطورة. فالرادارات، ومنصات الإطلاق، ووحدات الاعتراض تحتاج إلى العمل بتكامل عبر نظام مركزي للقيادة والسيطرة.
إعلان
ولأن أساليب الهجوم الجوي الراهنة لم تعد تقتصر على هدف منفرد يسهل رصده واعتراضه، بل تطورت إلى مواجهة أسراب من المسيّرات منخفضة التكلفة أو وابل من الصواريخ يُطلق دفعة واحدة، فمثل تلك التهديدات تتجاوز قدرة أي مشغّل بشري على الاستجابة السريعة والفعالة. من هنا جاء الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في منظومة القيادة والسيطرة، إذ يتولى معالجة كميات هائلة من البيانات لحظة بلحظة، ويُنسّق بين مختلف طبقات الدفاع سريعًا.
وهنا يأتي دور منظومة “حكيم”؛ مركز قيادة وسيطرة يعتمد على برمجيات متطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال؛ تشير معلومات شركة “أسيلسان” إلى أن منظومة “حكيم” يمكنها ربط الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي المحلية بمصادر خارجية، مثل طائرات الناتو والسفن الحربية ومنظومة “إس-400” الروسية، لتؤسس شبكة موحّدة عابرة للأنظمة.
تدمج المنظومة البيانات الفورية من مختلف المستشعرات لإنتاج صورة جوية موحّدة، تمنح القادة رؤية شاملة ودقيقة للموقف في السماء. إذ تعتمد على خوارزميات متطورة لتقييم طبيعة التهديدات وترتيب أولوياتها، ثم توزيع مهام الاعتراض على المنظومات المناسبة، بما يضمن سرعة الاستجابة ودقة القرار في مواجهة أي هجوم جوي.
ومن الابتكارات اللافتة في فكرة “القبة الفولاذية” دخول الأنظمة غير المأهولة إلى ميدان الدفاع الجوي. ومن أبرزها منصة “غورز” (Gürz) وهي مركبة دفاعية يمكن تشغيلها من بُعد أو الاعتماد على عملها الذاتي بالكامل. فعلى عكس البطاريات الصاروخية التقليدية التي تتطلب طاقم تشغيل بشري، صُممت “غورز” لتعمل بحد أدنى من الإشراف البشري، فبإمكانها إعادة التموضع ذاتيًا، والتعامل مع التهديدات ضمن الشبكة الدفاعية فور ظهورها، وفقًا لما تذكره شركة أسيلسان.
بذلك تمثل منصة “غورز” جيلًا جديدًا من وحدات الدفاع الجوي القصيرة المدى الآلية بالكامل، وتكشف عن توجه أوسع لتوظيف الأنظمة غير المأهولة في عملية الدفاع، ولا تقتصر على الهجوم فحسب كما هو الحال مع استخدام المسيّرات. إذ يمكن نشر المنصة في مناطق عالية الخطورة دون تعريض الجنود للمخاطر المباشرة، مع الاستفادة من سرعة استجابتها بفضل ارتباطها المباشر بشبكة القيادة والسيطرة الموحدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
منصة “غورز” (أرمي ريكوجنشن)
منظومة متكاملة
وفقا لتصريحات المدير العام لشركة أسيلسان فإن “التكامل بين المكونات التقليدية والأنظمة المستحدثة يجعل من القبة الفولاذية منظومة ديناميكية قابلة للتطوير والتحديث المستمر، وقادرة على مواجهة أخطر التهديدات الحديثة في بيئة جغرافية وأمنية معقدة بما فيها الطائرات المسيرة الصغيرة والصواريخ الجوالة والصواريخ الباليستية التكتيكية والهجمات السيبرانية”.
إذ لا تقتصر فكرة “القبة الفولاذية” على الصواريخ الاعتراضية وحدها، بل تُجهز أيضًا لمواجهة التهديد المتسارع للطائرات المسيّرة، ولهذا تُدمج تقنيات الحرب الإلكترونية مع الأسلحة الموجّهة بالطاقة. في تموز/تموز الماضي، كشفت شركة “أسيلسان” عن إدخال جيل جديد من الأنظمة الدفاعية ضمن منظومة “القبة الفولاذية”، وذلك استجابةً لتغير طبيعة التهديدات، وعلى رأسها “أسراب المسيّرات الصغيرة” و”الهجمات المتزامنة المعقدة”. ومن أبرز تلك الإضافات نظام “أجدرها”، وهو سلاح ليزري محلي الصنع يعتمد على الموجات الدقيقة لتحييد المسيّرات الصغيرة والطائرات الانتحارية بدقة وسرعة، خصوصا في المسافات القصيرة، مما يعزز قدرة حماية المنشآت الحيوية.
تدعم تلك المنظومات السابقة رادارات متطورة متعددة المهام، وتتميز بقدرتها على تتبع مئات الأهداف المختلفة، سواء كانت جوية أم برية أم بحرية، مع دقة عالية في الرصد والتصنيف. بالإضافة إلى أنظمة الحرب الإلكترونية “إخطار”، المصممة للكشف والتشويش على إشارات التحكم والتوجيه الخاصة بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، مما يعطل قدرتها على إصابة الأهداف. كما تتوافر البنية السيبرانية الدفاعية اللازمة لتأمين حماية إلكترونية شاملة لبنية المنظومة، وتضمن استمرارية التشغيل عند التعرض لهجمات سيبرانية معقدة.
إعلان
هذا النمط من الدفاع الجوي يوازي ما يُعرف في الولايات المتحدة وحلف الناتو بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، لكنه قد يكتسب في الحالة التركية دلالة خاصة، إذ يجري تطويره بالاعتماد على تقنيات محلية في المقام الأول، وبذلك يشكّل هذا المشروع محطة مفصلية في مسار أنقرة نحو بناء قدرات دفاعية مستقلة.
المقاتلة الشبحية الأميركية “إف-35” (غيتي إيميجز)
درع السيادة ورسائل التوقيت
قبل أقل من شهر على تسليم الدفعة الأولى من منظومة “القبة الفولاذية”، صدر تقرير عن أكاديمية الاستخبارات التركية تناول بالتفصيل وقائع حرب الاثني عشر يومًا بين إسرائيل وإيران، وهي المواجهة التي شكّلت اختبارًا عمليًا لنظم الدفاع والهجوم في المنطقة. وقد انتهى التقرير بجملة توصيات أبرزها ضرورة أن تعمل أنقرة على بناء منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات، تحسبًا لأي مواجهة عسكرية محتملة مع تل أبيب، ولضمان سد الثغرات التي أظهرتها تلك الحرب في موازين القوى الدفاعية.
ورغم أن مشروع “القبة الفولاذية” كان قد قررته أنقرة منذ آب/ آب 2024، وقبل ذلك بدأ العمل في بعض المكونات التي أدمجت فيه منذ عام 2018، إلا أن توصيات الدراسة الأخيرة تطابقت مع أهداف القبة الفولاذية واعتبرتها أحد أهم الأركان الدفاعية التي يجب أن تمتلكها تركيا استعدادا لأي تدهور أمني وعسكري في الإقليم أو أي مواجهة قد تقع مع اسرائيل.
بيد أن مشروع “القبة الفولاذية” لا يتوقف عند بعده العسكري أو التقني، بل يتجاوز ذلك ليحمل أبعادًا دبلوماسية وإستراتيجية أوسع. فمشاركة تركيا في مبادرة “الدرع الجوي الأوروبي” –وهو إطار تعاون متعدد الجنسية لتطوير قدرات دفاع جوي مشتركة– تعكس رغبة أنقرة في الانخراط ضمن مشاريع الأمن الجماعي، والاستفادة من خبرات الحلفاء، وفي الوقت نفسه الإسهام في صياغة مفاهيم دفاعية جديدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد حرص الرئيس رجب طيب أردوغان على التأكيد أن بلاده تعمل على إتاحة أنظمتها الدفاعية لحلفائها وأصدقائها، معتبرًا أن ذلك يعزز النشاط الدبلوماسي التركي ويضيف إلى نفوذها السياسي.
في المقابل، فإن امتلاك تركيا درعًا متكاملًا خاصًا بها يمنحها قدرًا أكبر من الاستقلالية، ويقلّص اعتمادها الكامل على قدرات الناتو في بعض السيناريوهات الحساسة. فالتجربة التاريخية لا تزال حاضرة في ذاكرة صانعي القرار؛ ففي العقد الأول من الألفية، حاولت أنقرة مرارًا شراء بطاريات الدفاع الصاروخي الأميركية “باتريوت” لتأمين أجوائها، لكنها قوبلت بالرفض بسبب خلافات جيوسياسية عميقة مع واشنطن. هذا الرفض دفع تركيا عام 2019 إلى اتخاذ خطوة مثيرة للجدل بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-400″، وهو القرار الذي ترتب عليه استبعادها من برنامج المقاتلة الشبحية الأميركية “إف-35” كإجراء عقابي، ما شكّل ضربة إستراتيجية لطموحاتها الجوية.
تلك التجربة رسخت لدى القيادة التركية قناعة راسخة مفادها أنه إذا أرادت أنقرة درعًا جويًا موثوقًا يضمن حمايتها في بيئة إقليمية معقدة، فلا بد أن تبنيه بقدراتها الذاتية. من هنا، جاء تطوير “القبة الفولاذية” بوصفه خطوة فارقة تضع تركيا في موقع مختلف، إذ تمنحها استقلالية أكبر في إطار الناتو، وتمكّنها ليس فقط من تقليل اعتمادها على المنظومات الغربية، بل من أن تكون مصدّرًا للأمن الدفاعي داخل الحلف. وفي هذا السياق، سعى المسؤولون الأتراك إلى طمأنة الحلفاء بأن المنظومة الجديدة ستكون متوافقة مع أنظمة الناتو الدفاعية، وقابلة للتشغيل البيني، بما يضمن تكاملها ضمن بنية الأمن الجماعي للحلف، ويجنّب أنقرة أي اتهامات بتكرار سيناريو “إس-400”.
الصورة الأوسع للصعود العسكري التركي
في نهاية شهر آب/آب الماضي، عقد في أنقرة مؤتمر دولي حمل عنوان “من الجذور إلى الآفاق: قصة صعود الصناعات الدفاعية التركية”، نظمته دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية. وقد شكّل المؤتمر مناسبة لاستعراض الإنجازات التي حققتها أنقرة في بناء قاعدة صناعية عسكرية متكاملة، ولإبراز التحول الإستراتيجي الذي نقلها من خانة المستورد إلى خانة المنتج والمصدّر الفاعل في أسواق السلاح العالمية. حضر المؤتمر مسؤولون حكوميون بارزون إلى جانب قادة كبرى الشركات العاملة في قطاع الصناعات الدفاعية، في إشارة واضحة إلى أن المشروع لم يعد مجرد بعد اقتصادي أو أمني، بل صار ركيزة من ركائز رؤية تركيا لمكانتها الدولية.
إعلان
أكد المسؤولون الأتراك خلال جلسات المؤتمر أن نسبة الاكتفاء الذاتي في قطاع الصناعات الدفاعية وصلت إلى نحو 83%، وهو رقم يعكس حجم القفزة مقارنة بالعقود الماضية. ويستند هذا النجاح إلى شبكة وطنية واسعة تضم أكثر من 3500 شركة توظف ما يقارب 100 ألف موظف من مهندسين وفنيين وخبراء، يعملون في تنفيذ وتطوير ما يزيد على 1380 مشروعًا محليًا.
وفي جانب الصادرات، أشار المشاركون إلى أن صادرات الدفاع والطيران التركي تجاوزت 7.1 مليارات دولار في عام 2024، مسجلة زيادة بلغت 29% مقارنة بالعام السابق. وتُعزى هذه الطفرة –بحسب الخطاب الرسمي– إلى الاعتماد المتزايد على حلول وطنية متقدمة تشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي، أنظمة الحرب الإلكترونية، الهندسة عالية المستوى، إضافة إلى برامج الفضاء. هذه العوامل مجتمعة عززت قدرة الشركات التركية على المنافسة في الأسواق العالمية التي تبحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر مرونة من المنظومات الغربية.
أما على صعيد تطوير الأسلحة النوعية، فقد أوضح المدير العام لشركة “توساش” أن مشروع المقاتلة الشبح “قآن” يواصل تقدمه بخطوات ثابتة، مع خطة لتحليق النموذج الثاني في نيسان/نيسان 2026، بما يمثّل نقلة كبرى في مسار الصناعات الجوية التركية. كما استعرض مشروع الطائرة المسيّرة النفاثة “عنقاء-3″، مشيرًا إلى خصوصية تصميمها الذي تطلّب تجاوز تحديات هندسية بالغة التعقيد. ووفق ما طرحه مسؤولو الشركة، فإن هذه المشاريع تضع تركيا على مسار الانضمام إلى نادي الدول الرائدة في تطوير مقاتلات الجيل السادس، وهو ما سيساهم في سد الفجوة القائمة مع القوى الكبرى في مجال الطيران الحربي.
من جانبه، أعلن المدير العام لشركة “روكيتسان” أن شركته أنتجت الصواريخ الأساسية لمنظومة “القبة الفولاذية”، إلى جانب تطوير الصاروخ الباليستي بعيد المدى “طيفون”، وهو ما يشكل نقلة في قدرات الردع بعيدة المدى لتركيا.
أما شركة “بايكار” فقد استعرضت سلسلة من إنجازاتها التي رسخت حضورها عالميًا، بدءًا من المسيرة “بيرقدار تي بي 2” التي أصبحت رمزًا للتكنولوجيا التركية الحديثة، وصولًا إلى المسيرة الثقيلة “آقنجي” التي أثبتت فعاليتها في أكثر من ساحة حرب، بما فيها أوكرانيا. كما جرى تسليط الضوء على المقاتلة النفاثة “قزل إلما” التي يُنتظر أن تدخل الخدمة على متن السفينة البرمائية “أناضولو”، لتمنح تركيا قدرة إسقاط قوة بحرية وجوية متقدمة. وأكد مسؤولو الشركة أن النجاحات العملياتية لهذه المسيرات –من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية– رسخت مكانة تركيا كأحد أبرز مصدّري الطائرات المسيرة عالميًا، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنسيق أسراب من المسيّرات في مهام قتالية مشتركة.
وبالعودة إلى المشهد العام، فإن العقدين الماضيين شهدا تحولًا جذريًا في مسار الصناعات الدفاعية التركية. فبعد أن كانت أنقرة تعتمد بصورة شبه كاملة على الاستيراد الخارجي لتلبية احتياجاتها العسكرية، أصبحت اليوم في موقع المصدّر الذي تنافس منتجاته في أسواق متعددة. ويؤكد مسؤولو الدفاع أن تركيا صارت الأولى عالميًا في تطوير ذخائر المسيّرات الذكية، بفضل قدرتها على تزويد طائراتها بمجموعة متنوعة من الأسلحة، تشمل الصواريخ المضادة للدروع، وصواريخ جو–جو، وصواريخ كروز فرط صوتية.
وصورة عامة؛ تؤشر هذه التطورات إلى رؤية إستراتيجية أوسع تسعى منها أنقرة إلى تعزيز استقلالها العسكري وتقليص اعتمادها على شركاء الخارج، مع تحويل الصناعات الدفاعية إلى رافعة للنفوذ السياسي والاقتصادي. فالصادرات العسكرية لم تعد تدر أرباحًا مالية فحسب، بل باتت أداة دبلوماسية تمنح تركيا قدرة على التغلغل في أسواق وتحالفات جديدة، وتفتح أمامها مساحات أوسع للمناورة على الخريطة الجيوسياسية العالمية.
تناول تقرير نشرته مجلة تايم الأميركية الجدل المتصاعد في صحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ الشكوك في حالته الجسدية والعقلية تهدد مصداقيته السياسية وتثير قلقا واسعا في الأوساط الأميركية.
وأوضح مراسل المجلة فيليب إيليوت، أن هذه الشكوك جاءت بعد أيام من تداول شائعات على مواقع التواصل تزعم أن ترامب على فراش الموت، أو أن صحته تدهورت، مما دفعه إلى عقد اجتماع أول أمس الثلاثاء في المكتب البيضاوي عده كثيرون “عرضا” لتبديد الشكوك.
ولفت التقرير إلى أن الأميركيين لم يكترثوا لما قاله الرئيس، بل اتجهت أنظارهم إلى هيئته وحالته الجسدية، لمعرفة ما إذا كان يستخدم مساحيق تجميل أكثر من العادة، أو يخفي كدمات جديدة بوجهه ويديه.
ما وراء الإشاعات
وأكدت المجلة أن نظريات وفاة ترامب الوشيكة لاقت رواجا واسعا لأن مصداقية أطبائه مشكوك فيها.
وأشار التقرير إلى أن ترامب، خلال ولايته الأولى، أبقى أطباءه وزنه على بعد نصف كيلوغرام فقط من تصنيفه على أنه بدين، مؤكدين أنه “آلة لا تتوقف عن العمل”.
كما نسب رون جاكسون -طبيب البيت الأبيض في 2018 والذي حصل لاحقا على منصب في الكونغرس- صحة ترامب إلى “جيناته العظيمة”، بل ادعى أن الرئيس قد يعيش حتى الـ200 عام، حسب التقرير.
وأثناء حملة 2016 الانتخابية، يضيف التقرير، أصدر طبيب ترامب هارولد بورنشتاين رسالة طمأن فيها الناس بشأن صحة الرئيس، ثم اعترف بعد ثلاث سنوات بأن ترامب هو من كتبها بنفسه.
وحسب التقرير، تستند الشائعات الأخيرة إلى تشخيص ترامب بقصور وريدي مزمن أدى إلى انتفاخ كاحليه، وظهور كدمات على يديه فُسرت رسميا بأنها نتيجة “قوة مصافحته”، رغم محاولات لاحقة بتغطيتها باستخدام مساحيق التجميل.
كما أثارت مشية ترامب المتأرجحة أثناء قمة ألاسكا الشهر الماضي تساؤلات كثيرة، وأخيرا جاء لقاء يوم الثلاثاء بعد غياب دام أسبوعا تقريبا عن الكاميرات، مما يفسر انتشار الإشاعات، وفق التقرير.
شكوك مستمرة
وأوضح مراسل تايم أن تصريحات ترامب في مواجهة أسئلة الجمهور يوم الثلاثاء بدت غير مقنعة، إذ قال إنه لم يسمع شيئا عن الإشاعات، وهو أمر يصعب تصديقه بالنسبة لرئيس له حضور كبير على شبكة الإنترنت.
إعلان
وأشار إلى أن الأزمة الحالية تتزامن مع تراجع ثقة الأميركيين في رئيسهم، فقد أظهرت استطلاعات “يوغوف” أن 56% لا يصدقون ما يقوله الآن، مقارنة بنسبة 49% في 2017.
وذكر التقرير أن أنصار ترامب أيضا بدأوا يتساءلون عن حالته، إذ كتب القومي نيك فوينتيس على وسائل التواصل: “شيء ما يحصل مع ترامب والبيت الأبيض يخفيه… هذا بالضبط ما حصل مع جو بايدن“.
وأكدت المجلة أن مقارنة ترامب بالرئيس السابق جو بايدن تزعج فريق ترامب، ولكنها تلقى رواجا واسعا، مضيفا أن ترامب نفسه استهزأ بالرئيس بايدن سابقا، واستغل لحظة تعثر المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أثناء انتخابات 2016 وسخر من قدرتها على إكمال مسيرتها الرئاسية.
ورغم أن طبيبة كلينتون أعلنت أنها كانت تعاني التهابا رئويا، إلا أن ذلك لم ينجح في تهدئة نظريات المؤامرة عن صحتها، وفي يوم انتخابات 2016، أظهرت استطلاعات الرأي أن 61% من الناخبين لا يعتقدون أن كلينتون صادقة أو جديرة بالثقة، وفق التقرير.
ولكن المفارقة -حسب المجلة- هي أن 64% من الناخبين شككوا في مصداقية ترامب، ورغم ذلك فاز هو بالانتخابات.
وخلص مراسل تايم إلى أن ترامب أصبح ماهرا في فصل “النزاهة” عن “النجاح السياسي”، كما أن الشعب الأميركي لم يعد يكترث بمصداقية الرئيس، مما يضعف تأثير الشائعات على شعبيته.
لم تعد الخصوصية حقا إنسانيا، بل سلعة تباع وتشترى، إذ حولت برامج تلفزيون الواقع تفاصيل الحياة اليومية إلى أرباح هائلة.
فكل لحظة ضعف أو خيانة صغيرة، وكل صراع عائلي أو سر خاص أصبح مادة عرض للجماهير، يشاهدها ملايين الناس وكأنها مسلسل مثير لا ينتهي.
وتقدم هذه البرامج كعروض ترفيهية، حيث يُعرض الأشخاص وهم يواجهون مواقف حياتية صعبة، مما يُثير فضول الجمهور ويزيد من نسب المشاهدة.
برامج تلفزيون الواقع حولت تفاصيل الحياة اليومية إلى أرباح هائلة (شترستوك)
الفضيحة كسلعة إعلامية
في تقريره المعنون بـ”الاتجاهات الرئيسية 2025″، ذكر المركز الأوروبي للوسائط السمعية والبصرية أن الإعلام الأوروبي شهد تحولا جوهريا نحو تقديم الفضائح الاجتماعية كمنتج ترفيهي يُستهلَك جماهيريا.
وأشار التقرير إلى تزايد إنتاج البرامج الواقعية التي تعتمد على كشف الحياة الخاصة للأفراد، مثل الخيانة الزوجية والمشاكل العاطفية والاختلافات الأسرية، وتحويلها إلى مادة إعلامية دسمة تُعرض على الجماهير بهدف جذب الانتباه وزيادة نسب المشاهدة.
وأوضح التقرير أن هذا التحول يعكس مجموعة من العوامل المتشابكة:
أولها التغيرات في سلوكيات المشاهدين الأوروبيين الذين أصبحوا يفضلون متابعة هذا النوع من المحتويات الذي يعرض تفاصيل الحياة الشخصية للأفراد والعائلات، معتبرين ذلك نوعا من “الترفيه الحي”.
ثانيا، الربحية العالية المرتبطة بهذه البرامج تجعلها هدفا إستراتيجيا للقنوات والمجموعات الإعلامية، إذ يسهم الفضول الجماهيري في رفع نسب الإعلانات بشكل ملموس، مما يحول الفضائح إلى سلع اقتصادية لها قيمة سوقية كبيرة.
ثالثا، سهولة إنتاج مثل هذه البرامج، مقارنة بالإنتاجات الدرامية أو الأفلام الطويلة، مما جعلها خيارا مثاليا للقنوات الأوروبية لتقديم محتوى جذاب بسرعة وبتكلفة أقل.
وتعتبر “برامج الواقع”، خصوصا التي تُركز منها على الفضائح العائلية والعاطفية، ذات تأثير متشعب على المجتمع، فهي تسهم في إعادة تشكيل القيم المجتمعية المرتبطة بالخصوصية وحياة الفرد الخاصة.
إعلان
ففي الوقت الذي تحقق فيه ترفيها للجمهور، فإنها تثير جدلا أخلاقيا حول مدى احترام حقوق الأفراد في الحفاظ على حياتهم الخاصة، كما تزيد من ميل المشاهدين إلى الفضول و”الاستهلاك الفضائحي” بطريقة قد تؤثر على العلاقات الاجتماعية التقليدية داخل الأسرة والمجتمع.
ومنذ مدة بدأت بعض القنوات الأوروبية التركيز، بشكل كبير، على إنشاء هذه النوعية من البرامج. ومن بين هذه القنوات تبرز قناة “آر تي إل” الألمانية التي قدمت مجموعة من البرامج الواقعية تستعرض حياة العائلات وعلاقات الأفراد الشخصية.
من ذلك برنامج “واقع العائلة” الذي يعرض الصراعات اليومية والتحديات العائلية، وبرنامج “مزارع يبحث عن زوجة” الذي يسلط الضوء على العلاقات العاطفية في المجتمعات الريفية، وبرنامج “مبادلة العائلة” الذي يعرض تبادل المنازل والمسؤوليات اليومية والتحديات بين عائلات مختلفة خلال فترة محددة، بهدف كشف اختلاف أساليب الحياة وأحيانا كثيرة الفضائح المتعلقة بالإهمال المنزلي.
قناة “آر تي إل” الألمانية تبرز كإحدى القنوات الأوروبية التي تركز بشكل كبير على إنشاء برامج الواقع (شترستوك)
المحتوى الفضائحي اقتصاديا
ويعتمد نجاح هذه البرامج على تقديم توازن بين الإثارة والمصداقية، بحيث يشعر الجمهور بالارتباط بالمواقف المعروضة دون أن تتحول التجارب الشخصية للمشاركين إلى مجرد مواد للتسلية البحتة.
بالإضافة إلى ذلك، يتم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز تفاعل الجمهور، حيث يمكن للمشاهدين متابعة الأحداث في الوقت الفعلي والتعليق عليها، مما يزيد من انتشار الفضائح ويجعلها جزءا من النقاش العام، وهو ما يعزز من قوة البرامج ويضاعف أثرها النفسي والاجتماعي على المشاركين والجمهور على حد سواء.
من الناحية الاقتصادية، يوضح تقرير المركز الأوروبي أن الفضائح العائلية والعاطفية تحولت إلى سلعة مربحة بشكل غير مسبوق، إذ لا تُسهم فقط في جذب الإعلانات المدفوعة، بل أيضا في رفع معدلات الاشتراكات في القنوات، وزيادة أعداد المتابعين عبر المنصات الرقمية.
ويؤكد التقرير أن هذا النموذج أصبح إستراتيجية واضحة للربح الإعلامي، حيث تحولت الخصوصية الفردية إلى عنصر من عناصر “السلعة الإعلامية” التي تُسوَّق بشكل منهجي.
وقد أدى التنافس بين القنوات الأوروبية في إنتاج هذه البرامج إلى زيادة مستوى الابتكار في تقديم المحتوى، إذ تحرص القنوات على تقديم أفكار جديدة ومثيرة في كل موسم، مثل دمج العناصر التفاعلية بين الجمهور والمشاركين، أو تنظيم لقاءات خاصة لمناقشة الأحداث بعد عرضها، بحيث يُصبح المشاهد جزءا من العملية التفاعلية الإعلامية.
ويعكس هذا التوجه فهما عميقا للبعد الاجتماعي والنفسي للفضائح، ويُظهر مدى تأثير الإعلام الحديث في تشكيل سلوكيات المجتمع الذي بات ينظر إلى هذه الفضائح كمادة إعلامية واقعية وليس مجرد اتجاه عابر.
ويرى المركز الأوروبي للوسائط السمعية والبصرية أن القنوات التي تنتج مثل هذه البرامج يجب أن تراعي التوازن بين الاقتصاد والمجتمع من خلال جذب الجمهور واحترام الخصوصية الفردية في آن واحد، إذ إن تجاوز الحرية الفردية قد يؤدي إلى عواقب اجتماعية ونفسية خطيرة، وقد يؤثر أيضا على مفهوم الخصوصية نفسه في المجتمعات الأوروبية.
لقطة من برنامج الحياة على الحافة (تلفزيون آر تي إل)
الآثار النفسية والاجتماعية
رغم أن بعض البرامج تستخدم خبراء نفسيين لتقييم قدرة المشاركين على التحمل، فإن معظم التوصيات تطبق شكليا، وغالبا ما يتم تجاهلها أثناء التصوير. وتقلل العقبات العملية، مثل الحفاظ على سرية تفاصيل الإنتاج أو اتخاذ قرارات مفاجئة، من فاعلية التقييم النفسي، مما يجعل المشاركين عرضة للقلق والتوتر بعد انتهاء العرض.
إعلان
فقد كشف تحقيق نشرته صحيفة الغارديان في 2024، مستندا إلى تحذيرات من جمعية علم النفس البريطانية، أن برامج الواقع التلفزيونية في أوروبا تعرّض المشاركين لأضرار نفسية واجتماعية طويلة الأمد.
وعندما يُستخدم ألم العلاقات العائلية أو الخيانة كعرض إعلامي، يخلق لدى المشاهد شعورا يشبه الانفصال، وهو ما ينتج عنه تضاؤل في التعاطف تجاه آلام المشاركين، ويعزز أيضا ثقافة استهلاك الألم كسلعة.
وتؤكد الغارديان أن عرض القصص التي تنطوي على مشاكل ومعاناة إنسانية تجعل المشاركين عرضة لضغوط نفسية مستمرة، بما في ذلك القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس. فالمشاهد الذي كان مجرد متفرج أثناء البث يتحول إلى ناقد مباشر بعد انتهاء العرض، حيث تنتشر التعليقات والانتقادات السلبية على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
كما أن الطبيعة الفورية للتعليقات تجعل المشاركين يشعرون بأن حياتهم الخاصة أصبحت متاحة للتقييم العام بشكل دائم، مما يزيد من شعورهم بالانكشاف والاضطراب النفسي.
وفي ظل غياب متابعة فعلية ودعم مستمر من القنوات المنتجة، تصبح التجربة الإعلامية بالنسبة لهم عبئا طويل الأمد، يتجاوز مجرد لحظة التصوير، ويترك أثرا مستداما على حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية المستقبلية.
عرض القصص التي تنطوي على مشاكل ومعاناة تجعل المشاركين عرضة للاكتئاب وضغوط نفسية مستمرة (شترستوك)
القناة الرابعة البريطانية نموذجا حيا
تُعد القناة الرابعة البريطانية (Channel 4) من أبرز القنوات التي تعرض برامج تلفزيون الواقع، ومن بين أهم برامجها التي أثارت انتقادات واسعة لهذا العام (2025)، برنامج “العيادة الحميمية” الذي تعرض فيه استشارات علاجية لأشخاص يزعم أنهم يعانون من مشاكل في حياتهم الجنسية.
وتقول الغارديان في تقرير لها نشر في شباط/شباط 2025 إنه رغم تقديم “العيادة الحميمية” كبرنامج توعوي، فقد اعتبر غالبية المشاهدين أنه يتجاوز حدود الخصوصية ويكشف تفاصيل حساسة بشكل علني، وقد أثار جدلا واسعا حول أخلاقيات عرض مثل هذه المواضيع على التلفزيون.
ويركز برنامج “ارجع من حيث أتيت” على القناة البريطانية على الهجرة واللجوء ويهدف إلى تحدي مفاهيم المشاركين حول هاتين المسألتين عبر إرسالهم إلى مناطق تكثر فيها الحروب والنزاعات، لكن أسلوبه الاستفزازي والاعتماد على آراء المشاركين المثيرة للجدل أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان والجمهور على حد سواء، وبسبب الجدل والتوتر الذي أحدثه البرنامج، تقرر إيقافه بعد موسم واحد فقط.
لقطة من برنامج “ارجع من حيث أتيت” الذي يبث على القناة الرابعة البريطانية (القناة الرابعة)
أما برنامج “جزيرة العذارى” فيرصد أقوال وأفعال 12 فتاة عذراء في جزيرة نائية. ورغم تقديمه كبرنامج يهدف إلى معالجة القضايا الحميمية لدى الشابات الصغيرات، فقد اعتبره العديد من النقاد استغلالا لخصوصياتهن وتعريضهن لمواقف محرجة. ورغم الانتقادات، حقق البرنامج نجاحا جماهيريا ملحوظا، مما دفع القناة إلى الإعلان عن موسم ثان.
قدمت القناة الرابعة البريطانية، في فترات سابقة، برامج ركزت فيها على الخيانات الزوجية والمشاكل العائلية، وأظهرت المشاهد الخاصة للأسر في مواجهة صدمات عاطفية أمام الكاميرات.
وقد نجحت هذه البرامج في زيادة نسب المشاهدة بشكل كبير، وهو ما مكن القناة من جذب فئات جديدة من المشاهدين الذين يتابعون حصريا هذه النوعية من البرامج بانتظام. وأكدت صحيفة الغارديان أن نجاح القناة الرابعة وسرعة انتشارها جاء على حساب القيم الأخلاقية للمجتمع.
ومن اللافت أن الإعلام العربي بدأ يقلد بشكل أعمى هذا النمط من البرامج، مع إعادة صياغتها بنسخ محلية تستهدف الجمهور العربي، مستفيدا من الفضول الجماهيري لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة.
إعلان
ويعكس هذا التقليد ضعفا في الوعي الإعلامي الأخلاقي، ويطرح تساؤلات حول تأثير هذه البرامج على القيم الاجتماعية والنفسية للمجتمعات العربية، إذ تتحول الخصوصية إلى سلعة استهلاكية دون مراعاة للمعايير الأخلاقية أو النفسية.