أجمع خبراء عسكريون وإستراتيجيون على وجود خلافات جذرية بين المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي حول إدارة العمليات في قطاع غزة، وسط تصاعد التحديات العملياتية والإستراتيجية التي تواجه قوات الاحتلال.
هذه الخلافات كشفتها القناة 13 الإسرائيلية التي نشرت أنباء عن توجيه رئيس الأركان إيال زامير انتقادات لاذعة وغاضبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية– وإلى عدد من الوزراء خلال اجتماع الكابينت مساء الأحد الماضي.
وحاول زامير الضغط على الوزراء الحاضرين للنظر في الصفقة التي وافقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، محذرًا من أن قرار الاستيلاء على غزة سيؤدي لاحتلال عسكري كامل للقطاع وتحمل إسرائيل المسؤولية عن سكانه.
وحدد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى خلال برنامج “مسار الأحداث” 5 محاور أساسية للخلاف بين المؤسستين.
الأثمان الباهظة
تتركز النقطة الأولى حول الأثمان الباهظة التي سيدفعها الجيش الإسرائيلي، حيث يدرك القادة العسكريون حجم التكلفة الحقيقية في حين يتجاهلها المستوى السياسي تماما.
وفي الشأن الزمني، يعتقد الجيش أن العملية ستستمر أشهرا طويلة مع تقديرات تشير إلى أن احتلال مدينة غزة سيستغرق 8 أشهر، في حين يطالب المستوى السياسي بعملية سريعة استجابة لطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويثير الجيش الإسرائيلي مخاوف جدية حول غياب الأفق السياسي بعد احتلال مدينة غزة، خاصة احتمالية اضطراره لفرض حكم عسكري على القطاع، وهو أمر يرفضه الجيش قطعيا.
ويقابل هذا القلق غياب تام للرؤية السياسية الواضحة من جانب الحكومة، التي تكتفي بطرح أفق أيديولوجي دون تفاصيل واقعية أو سياسات موضوعية.
كما يخشى الجيش من أن تؤدي العملية إلى مقتل أسرى إسرائيليين في غزة، وهي نقطة لا تحظى باهتمام المستوى السياسي.
إعلان
أما المحور الخامس فيتعلق بمسألة المسؤولية، حيث يتحمل الجيش مسؤولية تجاه الرأي العام الإسرائيلي في حين يتهرب نتنياهو من تحمل أي مسؤولية عن الإخفاقات المحتملة.
وفيما يتعلق بفشل عمليتي “جدعون 1″ و”جدعون 2” يشير الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إلى أن الخوف الحقيقي ينبع من النهايات المحتملة للعملية.
فخلال العام الماضي شهدت إسرائيل 3 عمليات رئيسية فشلت جميعها: خطة الجنرالات، وعمليات “جدعون 1” التي أكدت تقارير الجيش الإسرائيلي فشلها، والآن “جدعون 2” التي بدأت وسط تحديات أكبر.
صعوبات متزايدة
وتواجه العملية الجديدة صعوبات متزايدة تتمثل في اعتراضات جنود الاحتياط ونقص حاد في أفواج الهندسة، تحديدا في آليات الجرافات التي تصل نسبة النقص فيها إلى 60%. هذا الوضع يضع قيودا إضافية على فعالية العمليات في وقت تحتاج فيه القوات لمواردها كاملة.
في المقابل، أعلن مصدر قيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحماس في تصريح للجزيرة إطلاق سلسلة عمليات تحمل اسم “عصا موسى” ردًا على عملية عربات جدعون 2.
وانتقد اللواء الدويري بشدة أداء زامير، مشيرا إلى أنه لو كان رئيس أركان حقيقيا لاستطاع استخدام أي من النقاط الخمس الجوهرية التي أشار إليها الدكتور مصطفى لفرض رأيه على المستوى السياسي.
وقارنه برؤساء أركان سابقين مثل إسحاق رابين الذي كان رأيه يعلو على رأي رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير في المواقف الحاسمة.
وعلى صعيد آخر، لفت الدويري إلى أن الحديث عن “اليوم التالي” كان يدور دائما في أفق عمليات التهجير، خاصة بعد حديث ترامب عن “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وتشمل المخططات الحالية نصب 100 ألف خيمة في المنطقة الجنوبية كخطوة أولى نحو التهجير، في حين كلّف نتنياهو الموساد بتحديد الدول التي ستوافق على استيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوات في إطار رؤية توسعية أوسع تتحدث عن “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.
من جانبه، لفت الكاتب والباحث في الشؤون الدولية حسام شاكر إلى وجود تململ متزايد في صفوف جنود الاحتياط الإسرائيليين، حيث يفضل بعضهم الذهاب إلى السجن على المشاركة في الهجوم على مدينة غزة.
ويعكس هذا التململ بداية وعي لدى بعض الأوساط العسكرية بوحشية ما يُطلب منهم تنفيذه.
في المضمون، استند القرار الأميركي لمنع الرئيس الفلسطيني وفريقه، من دخول الولايات المتحدة، إلى جملة من الأسباب، أو قل الذرائع: التحريض على الإرهاب والتردد في مقاومته، نشر ثقافة الكراهية، ملاحقة إسرائيل جنائيا، وحث دول العالم على الاعتراف من جانب واحد، بدولة فلسطينية.
واشنطن لم تكتفِ بعدم منح الفريق الرئاسي الفلسطيني تأشيرات دخول، بل عمدت إلى إلغاء الصالح منها، لتنتهي إلى تعميم القرار على الشعب الفلسطيني بأسره، مع استثناءات قليلة للغاية.
في الشكل، القرار الأميركي يُعد إهانة للسلطة والرئاسة واستخفافا بهما، نهجا ورهانات، مثلما يعتبر ضربة جديدة للشعب الفلسطيني برمته. والأخطر، أنه جاء بمثابة صفعةٍ للمنتظم الدولي، وانتهاكٍ لاتفاقية المقر، ولكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.
في السياق، القرار جاء في ذروة حرب الإبادة على غزة، وانفلات غول الضم والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية، من عقاله، وسط مباركة أميركية، تتخطى الضوء الأخضر، إلى الشراكة في دعم وإسناد وحماية التوحش الإسرائيلي. وليغذي الشهية العدوانية التوسعية لحكومة اليمين الفاشي، ويحفزها على المضي قدما في مقارفة مختلف صنوف جرائم الحرب.
في التوقيت المباشر، القرار جاء بعد ثلاثة اجتماعات هامة، الأول، في البيت الأبيض، وبمشاركة توني بلير وجاريد كوشنر إلى جانب الفريق الأميركي برئاسة ترامب، للبحث في مستقبل غزة و”اليوم التالي”. وحين تذكر أسماء كهذه، يتعين على الفلسطينيين دوما، “تحسس مسدساتهم”. فالأول عمل طوال فترة ولايته في الضفة الغربية ممثلا للرباعية الدولية (2007 – 2015) على هندسة “الإنسان الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في المقاومة عدوا وفي إسرائيل حليفا أو مشروع حليف على أقل تقدير.
والثاني، الذي ارتبطت باسمه، أسوأ صفقة تعرضها إدارة أميركية لحل القضية الفلسطينية: صفقة القرن، والتي تضمنت فيما تضمنت، الاعتراف بالقدس الموحدة، عاصمة “أبدية” لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، و”منح” إسرائيل 30٪ من أراضي الضفة، في منطقة الغور ومحيط القدس أساسا، وإسقاط ملف اللاجئين. قديما قيل، المكتوب يُقرأ من عنوانه، وعنوان الإستراتيجية الأميركية الجديدة لفلسطين، يتصدره هذان الاسمان.
إعلان
الاجتماعان، الثاني والثالث، في مقر الحكومة الإسرائيلية، الأول بحث في إنشاء “إمارة الخليل” بتجريدها من أي وجود للسلطة ونقلها لرموز عشائرية ومحلية مرتبطة بالإدارة المدنية الاحتلالية. والثاني، شرع في رسم خرائط الضم القادم للضفة أو لأجزاء واسعة منها، البحث لم يكتمل بقرارات قطعية، لكنه جارٍ على قدم وساق.
نظرة للذرائع الأميركية
في نظرة تحليلية للائحة “الأسباب/الذرائع الموجبة” للقرار الأميركي، يمكننا الاستنتاج أن الأمر لا يتعلق بما تقوم به السلطة، بل بما لا تقوم به، على نحو فعّال وناجز. القول مثلا، إنها تدعم الإرهاب، وإنها لم تدن هجمات السابع من تشرين الأول/تشرين الأول، متهافت تماما.
فالسلطة التي ترددت في البدء أن تعلي صوت النقد والإدانة للمقاومة وحماس، عادت في سياق حرب السنتين، وعبر سلسلة من قادتها والناطقين باسمها، للتنديد بالطوفان ومن قام بإطلاقه. “شيطنة” حماس وإحراجها؛ سعيا لإخراجها من مسرح السياسة والإدارة والجغرافيا الفلسطينية، مسار لا يتوقف.
السلطة لم تكتفِ بإدانة حماس، بل قاتلتها في جنين وطولكرم وعموم الضفة الغربية. السلطة بقراراتها الأخيرة، لم تُخفِ نيتها في إخراج حماس من المنظومة السياسية الفلسطينية، فمن يشترطُ التزام الفصائل بأوسلو والتزاماته ومندرجاته، يريد غلق باب المشاركة في وجه حماس وفصائل المقاومة. دور السلطة في الحرب على حماس، أكثر مضاءً من غيره من الأدوار، كونه يصدر عن جهة فلسطينية أدرى بشعاب المشهد الداخلي بتفاصيله وتلافيفه.
واشنطن تريد للسلطة أن تلعب دورا، لا أقل من دور فصيلة متقدمة لجيش الاحتلال في اقتلاع كل نفس مقاوم للاحتلال، والانقلاب على تاريخ الشعب الفلسطيني ومستقبله. هنا، وهنا بالذات، تندرج الضغوط لشيطنة أيقونات الشعب الفلسطيني من شهداء وأسرى.
وفي هذا الملف، بالذات، “لم تقصر السلطة” في الاستجابة للضغوط، إذ أحالت هؤلاء وعائلاتهم، إلى “الشؤون الاجتماعية” بوصفهم “طالبي معونة وطنية”، وليس بوصفهم طلائع متقدمة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.
شهية واشنطن لانتزاع المزيد من التنازلات من السلطة والمنظمة، كشهية إسرائيل، “نقول لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد”. مثل هذه المقاربة، تحيل حياة السلطة وقيادتها، إلى جحيم لا يطاق، فهي تكتشف اليوم، أن لا قعر مرئيا لخط النهاية في لعبة تقديم التنازلات والمزيد منها، على “مذبح الدولة” وقربان “حل الدولتين”، وهم كما كل أعمى وبصير، يرى رأي العين، أن لا دولة في الأفق، وأن سرابها يزداد ابتعادا كلما ظن القوم، أنها باتت على مرمى حجر.
في تحليل مغزى ومضامين القرار، نتوقف عند ما هو أكثر خطورة مما ذهبنا إليه. واشنطن، لا تريد للسلطة أن تكون شريكا في محاربة المقاومة واستئصالها فحسب، بل تريد أن تنزع من يدها ورقة “المقاومة الشعبية السلمية” التي طالما تغنى بأهميتها أركان السلطة، فالأمر هنا يندرج في سياق التحريض على الكراهية.
وإسرائيل لا تريد للسلطة أن تكون محركا لـ”تسونامي” الاعترافات الدولية بفلسطين – وهي ليست كذلك على أية حال– بل تريدها “سدّا” منيعا في وجه هذا السيل من الاعترافات. والولايات المتحدة، لا تريد للسلطة أن تلاحق إسرائيل جنائيا وقضائيا أمام المحاكم الدولية، وهي لم تفعل الكثير على هذا المضمار، منذ “توصية الجدار” و”تقرير جولدستون”، بل تريدها “حاجبا” يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمنع المتقدمين إليها بدعاوى ضد مجرمي الحرب من قادة إسرائيل.
إعلان
خلاصة التحليل للقرار الأميركي، واشنطن الوالجة في حرب إبادة ضد المقاومة وشعبها، تآذار تكتيك “أقصى الضغوط” على السلطة، لتجريدها من ورقة “الكفاح السلمي”، غير المفعّلة أصلا، وتريد نزع سلاح الدبلوماسية والقانون الدولي من يدها. فما الذي تبقى ويمكن فعله، في وجه عدو بلغ أوج توحشه وفاشيته، في غزة كما في الضفة، وصولا لبقاع وساحات عربية أبعد؟
الصورة الكبرى
لا يمكن فهم القرار الأميركي بمعزل عن “الصورة الكبرى” لمشتركات الموقفين الأميركي الإسرائيلي. لا مطرح في قاموس الحليفتين الإستراتيجيتين لدولة فلسطينية قابلة للحياة، دع عنك سيّدة ومستقلة. لا مطرح لـ”حل الدولتين”، وترامب لم يأتِ على ذكر هذا الأمر، ولو من باب “زلة لسان”. المطلوب تدمير كل فرصة لقيام الدولة، والقضاء على كل “رمز” يشي باحتمال قيامها، وإن بعد حين.
توازيا مع حرب الإبادة في غزة ضد المقاومة وشعبها، تنظر واشنطن بعين إسرائيلية إلى السلطة، التي على هزالها وهشاشتها، ما زالت ترمز لفرصة قيام دولة، أي دولة. هذا ناقوس خطر يقرع بقوة في غرف القرار في تل أبيب، ويتردد صداه في واشنطن، والمطلوب الإجهاز على هذه “الرمزية”، تماما مثلما جاء في النقاشات الإسرائيلية حول “إمارة الخليل”، وانسجاما مع تهديدات قادة اليمين الأكثر تطرفا، بضم الضفة، وتهجير سكانها، وحشر من سيتبقى منهم في “سبع إمارات/ مدن” فلسطينية، غير متحدة.
وإن كان ثمة من فرصة لبقاء السلطة في رام الله، فهي أن ترتضي، وترتضي قيادتها، بأن تكون واحدة من هذه الإمارات السبع، لا أكثر ولا أقل، وربما إلى حين.
لا يمكن فهم القرار الأميركي، الإسرائيلي في منشئه، بمعزل عن هجمة الاستيطان الزاحف في القدس والخان الأحمر وغور الأردن، ومنطقة “E1″، وعمليات هدم وإزالة مخيمات الشمال، ومشروع إمارة الخليل، والسطو على أموال المقاصة (10 مليارات شيكل)، والحبل على الجرار.
لا يمكن فهم هذا القرار، بمعزل عن التصريحات الأميركية التي تترك لإسرائيل حرية التصرف، إنْ في غزة وحرب الإبادة، أو في الضفة، ومشاريع الضم، والتهويد، والتهجير.
مأزق السلطة وخياراتها
في غمرة انشغالها بعزل المقاومة و”شيطنة” حماس، جاء القرار الأميركي ليلقي بالسلطة في أتون مأزق عميق. لقد أمل قادتها بـ “وراثة” مكتسبات الطوفان وصمود غزة وتضحياتها. عرضوا أنفسهم بديلا لحماس، وليس شريكا في مشروع وطني أكبر وأوسع.
وانتقلوا لفرط سذاجتهم، من الضغط لإحراج حماس وإخراجها من غزة، إلى تقطيع كل السبل التي يمكن أن توصلها إلى منظمة التحرير. خرج ناطقون باسمها يعرضون بسذاجة مشبوهة، حلا سحريا لاستعصاء “اليوم التالي”: على حماس أن تسلم سلاحها للسلطة وأن تقبل بـ”سلطة واحدة، شرعية واحدة، سلاح واحد”. ولم يصغوا كفاية إلى تأكيدات نتنياهو وفريقه من اليمين المأفون الرافضة لحماس وعباس، حماسستان وفتحستان.
لم يتأملوا كثيرا في “صمت إدارة ترامب” المريب عن الإدلاء بأي تصريح عن “دولة ” أو “حل الدولتين”، أو ملاحظة أي دور للسلطة في اليوم التالي للحرب على غزة.
ظنوا أن خماسية عربية أو ترويكا أوروبية، كفيلة بتعويمهم، إلى أن صدموا (إن صدموا)، بأن الموقف العربي لم يتخطَّ حدود “الأسف” للقرار الأميركي، وأن أوروبا كعادتها، تصمت وتقلق، وأحيانا تدين (ليس بأشد العبارات كما هي العادة التي درج عليها بعض العرب مؤخرا) المواقف والقرارات الأميركية والإسرائيلية.
ستحاول السلطة أن تحشد تأييدا عربيا ودوليا لثني الولايات المتحدة عن قرارها، وربما تفكر في تكرار سيناريو 1988 عندما نجح ياسر عرفات في نقل الجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف، لتخطي حاجز “التأشيرة الأميركية”، وربما الاكتفاء بقيام “من حضر” من دبلوماسييها في نيويورك بتمثيلها في المؤتمر المنتظر لحل الدولتين.
إعلان
هذه هي الخيارات المتاحة لسلطة وضعت نفسها في “صندوق أوسلو والتزاماته”، وجميعها لا ترقى إلى مستوى التحدي ولا تشكل استجابة لمهام المرحلة المقبلة.
في مراحل سابقة من عمر المنظمة والسلطة، كانت “الدولة” هي المقابل الفلسطيني للتنازلات المطلوبة أميركيا وإسرائيليا. اليوم، تقلص هذا المقابل، وصارت “التأشيرة” هي الثمن الذي ستتحصل عليه السلطة، إن هي قبلت بـ”دفتر الشروط الأميركية”.. أي ذُلٍ هذا، وأي قعر بلغه هذا المسار؟!
لست من “هواة” الدعوات الفارغة للحوار والمصالحة والإصلاح واستعادة الوحدة، فقد أغلق “القوم” السبل بإحكام في طريق هذه الأهداف الرومانسية (سمها النبيلة إن شئت). أحسب أن الاستقالة على “الطريقة الهولندية” هي أولى خطوات المراجعة والإنقاذ.. استقالة الرئيس وفريقه، وتسليم السلطة والمنظمة لقيادة جماعية مؤقتة “يمكن أن تكون الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير”.
على أن يصار إلى التداعي لعقد ورشة عمل وطنية فلسطينية تحت عنوان “ما العمل؟” بعد أكثر من طوفان: طوفان المقاومة، طوفان الإبادة والتطهير والتهجير، طوفان الاستيطان، طوفان صفقة القرن الجديدة، التي تبني على القديمة وتتوسع في أعطياتها لإسرائيل.
هذه نقطة البدء، التي تعكس قدرا من الاعتراف بالفشل المتمادي والمتراكم، ومن دونها، سنعود إلى الدوامة ذاتها: مزيد من التنازلات، مزيد من سياحة المؤتمرات، مزيد من فعل الشيء ذاتها، سلوك الطريق نفسه، وانتظار الوصول إلى وجهة أخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
دخلت محاكمة الرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، مرحلة الحسم، مع اقتراب صدور الأحكام في القضية التي يُحاكم فيها بتهمة قيادة مؤامرة لإلغاء نتائج انتخابات 2022، التي خسرها أمام الرئيس الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ومن المنتظر أن يصدر قضاة المحكمة العليا الخمسة، المكلّفون بالنظر في القضية، أحكامهم بحق بولسونارو وسبعة متهمين آخرين بحلول 12 أيلول/أيلول الحالي.
فيما يلي، نلخص بعض الأساسيات التي تحتاج إلى معرفتها حول المحاكمة.
من هو جايير بولسونارو؟
قام رجل بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
يُعد جايير بولسونارو، البالغ من العمر 70 عاماً، سياسياً برازيلياً حكم الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية من كانون الثاني/كانون الثاني 2019 إلى كانون الأول/كانون الأول 2022.
قبل دخوله عالم السياسة، كان بولسونارو جندياً مظلياً، وفي سنواته الأولى كعضو في الكونغرس، دافع بشدة عن مصالح القوات المسلحة.
خدم بولسونارو سبع فترات في الكونغرس – من عام 1991 إلى عام 2018 – لكنه لم يصبح معروفاً خارج حدود ولايته الأصلية ريو دي جانيرو حتى ترشح للرئاسة في عام 2018.
البرازيل: الرئيس السابق جاير بولسونارو يعود من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة
أعرب العديد من البرازيليين الغاضبين من ارتفاع مستويات الجريمة عن تأييدهم لنهجه المتشدد في فرض القانون والنظام.
لكن ما دفعه حقاً إلى إدراك أهمية ذلك كان الهجوم الذي تعرض له خلال تجمع انتخابي قبل شهر واحد فقط من الجولة الأولى من انتخابات عام 2018. حيث قام رجل – جرى الحكم عليه لاحقاً بأنه مريض عقلياً – بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
فقد بولسونارو 40 بالمئة من دمه خلال تلك الحادثة، ومنذ ذلك الحين يعاني من مضاعفات متكررة ناجمة عن الجروح المعوية التي أصيب بها.
متى انتُخب بولسونارو؟
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
وجاء انتصاره في وقت كان يعاني فيه حزب العمال من فضائح فساد، ما دفع العديد من البرازيليين إلى الرغبة بالتغيير بعد أربع سنوات صعبة في السياسة البرازيلية.
وكانت الرئيسة المنتخبة السابقة، ديلما روسيف من حزب العمال، قد تعرضت للعزل في عام 2016 بتهمة التلاعب بالميزانية.
وأكمل نائبها ميشيل تامر الفترة المتبقية من ولايتها، لكنه لم يحظى بشعبية كبيرة.
ومُنع السياسي الأكثر شهرة في حزب العمال، الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المعروف باسم لولا)، من الترشح لمنصب في ذلك الوقت لأنه كان قد أدين بالفساد.
وبسبب ذلك، أصبح حزب العمال في حالة من الفوضى بسبب منع مرشحه الرئيسي لولا، وانتهى به الأمر إلى الدفع بحداد غير المعروف في اللحظة الأخيرة، والذي خسر الانتخابات أمام بولسونارو.
وبعد سنوات، أُلغيت إدانات لولا بالفساد، وتمكّن من الفوز على بولسونارو في انتخابات عام 2022.
لولا دا سيلفا يؤدي اليمين رئيسا للبرازيل وبولسونارو يغادر إلى الولايات المتحدة
بماذا يشتهر بولسونارو؟
تميّزت رئاسته بأسلوب المواجهة، والذي أشاد به أنصاره ووصفوه بأنه “صريح” و”فريد”، لكن منتقديه سخروا منه ووصفوه بأنه “فظ”.
وفي وقت اعتُبرت فيه البرازيل من أكثر الدول تضرراً من تفشي فيروس كورونا، سُلطت الأضواء على تعامل بولسونارو مع وباء كورونا.
وقد أثار وصفه للفيروس بأنه “إنفلونزا خفيفة” غضباً شديداً بين من فقدوا أفراداً من عائلاتهم بسبب كورونا.
وعلى الصعيد الدولي، تعرَّض لانتقادات بسبب خفضه ميزانية الوكالات المكلفة بحماية الشعوب الأصلية والبيئة، ما دفع البعض إلى وصفه بأنه “خطر على الأمازون”.
وعلى الرغم من ذلك، حظي موقفه المحافظ بتأييد كبير بين أنصاره، وواصل العديد منهم دعمه طوال معاركه القانونية، وعقدوا اجتماعات صلاة ومظاهرات حاشدة لإظهار دعمهم المستمر له والمطالبة بتبرئته.
إلى أي حزب ينتمي؟
لقد غيّر بولسونارو انتماءه الحزبي عدة مرات خلال حياته السياسية.
بدأ كعضو في الحزب الديمقراطي المسيحي في عام 1988 عندما ترشح بنجاح لمنصب عضو مجلس المدينة في ريو دي جانيرو.
خلال فترة عضويته في الكونغرس، والذي دخله لأول مرة كعضو في حزب العمال البرازيلي، قام بتغيير حزبه أربع مرات.
ترشح للرئاسة في عام 2018 عن الحزب الليبرالي الاجتماعي، لكنه انسحب منه في عام 2019، ووعد بإطلاق حزب جديد.
وعندما فشل تحالفه “من أجل البرازيل” الذي أنشأه حديثاً في الحصول على الدعم اللازم ليصبح حزباً مسجلاً، انضم إلى الحزب الليبرالي في في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2021، ولا يزال عضواً فيه.
ما هي التهم الموجهة إليه؟
ينظر بولسونارو إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود
يواجه بولسونارو اتهامات بالتخطيط لانقلاب عسكري.
ويقول الادعاء إنه تآمر مع سبعة من مساعديه المقربين – أربعة منهم من كبار أعضاء الجيش – للبقاء في السلطة بعد أن هزمه لولا في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/تشرين الأول 2022.
وتضمنت المؤامرة المزعومة خططاً لاغتيال لولا ونائبه جيرالدو ألكمين، واعتقال وإعدام ألكسندر دي مورايس – قاضي المحكمة العليا الذي يشرف حالياً على محاكمة بولسونارو.
وقال المحققون إن المؤامرة المزعومة لم تنجح لأنها لم تحظَ على دعم قادة الجيش والقوات الجوية.
اقتحام الكونغرس البرازيلي: المحكمة العليا تضم الرئيس السابق بولسونارو في تحقيقاتها في أعمال الشغب
بدوره، أدى لولا اليمين الدستورية دون أي حوادث في الأول من كانون الثاني/كانون الثاني 2023.
لكن بعد أسبوع واحد فقط، في الثامن من كانون الثاني/كانون الثاني، اقتحم آلاف من أنصار بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا وقاموا بتخريبها. وتدخلت قوات الأمن وألقت القبض على نحو 1500 شخص.
ويزعم ممثلو الادعاء أن مثيري الشغب تم تحريضهم من قبل بولسونارو، الذي كانت خطته، هي أن يتدخل الجيش البرازيلي ويستعيد النظام ويعيده إلى السلطة.
ونفى بولسونارو بشدة جميع هذه الاتهامات، مشيراً إلى أنه كان في الولايات المتحدة حين وقوع الاقتحامات.
ماذا يقول بولسونارو؟
قال بولسونارو إنه ضحية “حملة شعواء”.
ويُشير منذ فترة طويلة إلى أن الاتهامات الموجهة إليه “ذات دوافع سياسية”، وتهدف إلى منعه من الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2026.
وفي حين أن بولسونارو ممنوع بالفعل من الترشح لمنصب عام حتى عام 2030 لادعائه كذباً بأن نظام التصويت في البرازيل عرضة للغش والاحتيال، فقد أعلن عن نيته محاربة هذا الحظر حتى يتمكن من الترشح لولاية ثانية في عام 2026.
كما شكّك هو ومحاموه في نزاهة لجنة المحكمة العليا المكلفة بمحاكمته والمتهمين معه.
وينظر بولسونارو منذ فترة طويلة إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود ووصفه بأنه “ديكتاتور”، متهماً إياه بإساءة استخدام سلطته.
وأشار أيضاً إلى أن اثنين من القضاة الآخرين في اللجنة كانت لديهما علاقات وثيقة مع الرئيس لولا.
وكان أحد هؤلاء القضاة، كريستيانو زانين، محامي الدفاع عن لولا بين عامي 2013 و2023، والذي ساعد في إلغاء إدانة لولا بالفساد.
وكان آخرهم فلافيو دينو، الذي شغل منصب وزير العدل في عهد لولا من عام 2023 إلى عام 2024.
ما الصلة بين بولسونارو وترامب؟
تربط ترامب وبولسونارو علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
قارن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين ما يحدث لبولسونارو مع معاركه القانونية بعد رفضه قبول الهزيمة في الانتخابات الأمريكية عام 2020.
وكتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي في تموز تموز الماضي: “هذا ليس أكثر أو أقل من هجوم على خصم سياسي – وهو أمر أعرفه جيداً! لقد حدث لي، أضعافاً مضاعفة”.
لكن ترامب لم يكتفِ بكلمات الدعم وحسب، بل رفع الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية إلى 50 بالمئة، مُشيراً إلى معاملة البرازيل لبولسونارو كسببٍ لهذه الزيادة.
وكرر ترامب كلمات بولسونارو، واصفاً المحاكمة أيضاً بأنها “حملة شعواء”.
ترامب يهدد بفرض قيود على دول بريكس، فما هي المجموعة؟
وأكّد أن بولسونارو “ليس مذنباً بأي شيء، باستثناء القتال من أجل الشعب” وطلب من المدعين العامين “تركه وشأنه!”.
كما أن الرجلين (ترامب وبولسونارو) تربطهما علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
أين بولسونارو الآن؟
يتابع بولسونارو المحاكمة من منزله في برازيليا.
جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية في بداية شهر آب/آب بعد أن زعم تقرير للشرطة أنه وابنه إدواردو حاولا التدخل في المحاكمة.
وقالت الشرطة إنها عثرت على وثيقة على هاتف جايير المحمول – يعود تاريخها إلى شباط/شباط 2024 – تُشير إلى أنه كان يخطط للتهرب من الإجراءات الجنائية من خلال طلب اللجوء إلى الأرجنتين.
واتهموا أيضاً إدواردو بالضغط على إدارة ترامب نيابة عن والده، ما جعلهم يمنعوا الأب والابن من التواصل مع بعضهما البعض.
إذا ثبتت إدانتُه، هل سيتم إرساله مباشرة إلى السجن؟
في حالة إدانته، قد يُحكم على بولسونارو بالسجن لمدة تزيد على 40 عاماً.
ومع ذلك، فمن غير المُرجّح أن يتم نقله إلى السجن مباشرة بعد الإعلان عن حكم الإدانة المحتمل. ففي البداية، يتعيّن على هيئة قضاة المحكمة العليا نشر الحكم.
قد يحدث هذا في أقل من شهر، وفقاً مصدر قانوني استشارته بي بي سي نيوز برازيل، ولكن بما أن الأمر يعتمد على سرعة مراجعة كل وزير لتصويته للنشر، فمن الصعب التنبؤ بالمدة التي قد يستغرقها ذلك.
وقال أحد المحامين لبي بي سي البرازيل إنه بعد نشر الحكم، سيكون أمام محاميي المُتهمين خمسة أيام لطلب التوضيحات. ويمكن للمتهمين أيضاً الاستئناف ضد الحكم – ولكن فقط إذا لم يكن بالإجماع.
أي إذا صوت اثنان من أصل خمسة قضاة في هيئة المحكمة العليا بـ “غير مذنب”، يمكن للمتهم أن يطلب من المحكمة العليا بكامل هيئتها ـ أي جميع قضاة المحكمة الأحد عشر ـ مراجعة الحكم.
تمثل عملية “عصا موسى” التي تنفذها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) استمرارا لتكتيك معين للمقاومة حتى في ظل الدمار الشامل وتسطيح المدن والمناطق الذي تقوم به قوات الاحتلال.
وأعلنت المقاومة اليوم الأربعاء إطلاق عمليات “عصا موسى” ردا على “عربات جدعون 2″ التي أطلقتها إسرائيل لاحتلال مدينة غزة.
وأكد مصدر في المقاومة للجزيرة أن باكورة هذه العمليات بدأت خلال الأيام الماضية في جباليا وحي الزيتون بعد ساعات من إعلان إسرائيل عن عربات جدعون 2.
وفي هذا السياق، نشرت كتائب القسام مشاهد لاستهداف آليات إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة ضمن سلسلة عمليات عصا موسى.
وأظهرت المشاهد 3 من مقاتلي القسام وهم يخرجون من أحد البيوت المدمرة لاستهداف دبابة ميركافا وناقلة جند في شارع الغباري، حيث استهدف أحد المقاتلين الدبابة بقذيفة “الياسين 105″، بينما وضع مقاتل آخر عبوة العمل الفدائي على ناقلة الجند قبل أن ينسحب ويعود وتنفجر العبوة.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -خلال فقرة التحليل العسكري- أن تسمية عصا موسى تحمل بُعدا دينيا يحفز المقاتلين، وتُعتبر عملية تأطير لمرحلة انتهت من عمليات “جدعون 1” التي تسربت وثائق جيش الاحتلال حول فشلها لعدة أسباب جوهرية.
وبحسب الوثائق المسربة فإن عملية “جدعون 1” فشلت لأسباب إستراتيجية محورية، إذ تقاتل المقاومة بطريقة حرب المدن بشكل احترافي، بينما عقيدة الجيش الإسرائيلي لا تناسب هذا النوع من القتال.
وقد خلق هذا التباين في طبيعة المواجهة -بحسب الخبير العسكري- تحديا حقيقيا للقوات الإسرائيلية التي وصلت لأقصى درجات جهوزيتها من حيث الألوية والجنود.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت المقاومة قدرة استثنائية على التأقلم مع عامل الدمار، واستطاعت توظيفه لصالح تكتيكاتها القتالية.
إعلان
والدليل على ذلك استمرار المعارك القوية في جباليا رغم الدمار الهائل، بينما يتركز الجهد الرئيسي حاليا في حي الزيتون كمحور أساسي للعمليات.
تحديات تواجه جدعون 2
ومن جانب آخر، تواجه عملية جدعون 2 تحديات أكبر من سابقتها، إذ يدخلها جيش الاحتلال وسط اعتراضات من جنود الاحتياط، إضافة إلى نقص حاد في أفواج الهندسة تحديدا في آليات الجرافات يصل لحدود 60%.
ويضع هذا النقص في الموارد البشرية والتقنية قيودا إضافية على فعالية العمليات الإسرائيلية.
ومن وجهة نظر حنا فإن الفصل بين عمليات جدعون 1 وجدعون 2 ليس فصلا حقيقيا بالمعنى العسكري، بل مجرد تسمية إدارية.
فرغم إعلان انتهاء جدعون 1 والموافقة على بدء جدعون 2، استمرت العمليات دون توقف حقيقي، مع وجود لواءين أو 3 في مناطق حي الزيتون والصبرة وجباليا والشجاعية وحتى حي التفاح.
وعلى صعيد متصل، تعاني المؤسسة العسكرية الإسرائيلية -وفقا لحنا- من تناقض واضح بين القرارات السياسية والعسكرية، إذ يتم استدعاء الاحتياط من دون تلبية كاملة للخطة المطلوبة.
وتقوم الإستراتيجية المستقبلية على قتال جيش الاحتلال بالخدمة الفعلية في قطاع غزة، على أن يأتي الاحتياط لاستبدالهم في وقت لاحق، وهذا يخلق إشكاليات تنظيمية وتشغيلية.
وبناءً على ما تقدم، تمثل عملية جدعون 2 استمرارا للتكتيكات السابقة من دون إدخال إستراتيجيات جديدة حقيقية.
في حين تقوم التكتيكات الحالية على التقدم الحذر والتدريجي، مع تسطيح الأرض وتدمير كافة البنى التحتية تحت شعار منع عودة المقاومة إلى المناطق التي يوجد فيها جيش الاحتلال.
وفي المقابل، ورغم حجم الدمار الهائل، أظهرت المقاومة عملية تأقلم سريعة وفعالة مع الظروف الجديدة.
ومكّنها هذا التأقلم السريع من مواصلة العمليات العسكرية بكفاءة، وتزامن ذلك مع إطلاق تسمية عصا موسى لعملياتها، وهذا يعكس قدرة على التكيف الإستراتيجي والتكتيكي في آن واحد.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت 63 ألفا و633 شهيدا، و160 ألفا و914 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، وآلاف المفقودين، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 367 فلسطينيا بينهم 131 طفلا.
الخرطوم- تخوض وزارة الصحة في ولاية الخرطوم تحديات كبيرة بعد تفشي الأمراض الوبائية خلال موسم الأمطار بالولاية، حيث أفادت بأن معدل تسجيل الإصابة بحمى الضنك تجاوز 7 آلاف إصابة، وبلغ معدل الإصابة الأسبوعي بالملاريا 6 آلاف بمستشفيات الخرطوم.
وبدأت الوزارة إجراءات للحد من انتشار الأوبئة في الخرطوم عبر الفرق الجوالة وحملات رش الرزاز ضمن خطتها لمكافحة الملاريا وحمى الضنك. وانطلقت أمس الثلاثاء بمطار الخرطوم حملة الرش عبر الطائرات بالعاصمة السودانية في خطوة تهدف للحد من انتشار الحشرات الناقلة للأمراض.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال مدير إدارة مكافحة نواقل الأمراض بوزارة الصحة حمزة سامي إن الحملة تأتي بالشراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية ووزارة الصحة الاتحادية وولاية الخرطوم، وأضاف أن المنظومة وفرت الدعم الفني واللوجستي عبر طائرات مخصصة للرش الجوي.
طائرات الرش تستعد للإقلاع من داخل مطار الخرطوم الدولي (الجزيرة)
وسائل فعالة
وتستهدف الحملة -وفقا لحمزة سامي- المناطق ذات الكثافة العالية، وأوضح أن الرش الجوي يعد من الوسائل الفعالة في تغطية المساحات الواسعة خلال فترة قصيرة، وأشار إلى أهمية تعاون المواطنين مع الفرق الميدانية والابتعاد عن أماكن الرش أثناء تنفيذ العمليات الجوية.
وأضاف سامي أن جهود وزارة الصحة مع شركائها تمثل دفعة قوية ستمكّنهم من السيطرة على الأمراض المنقولة مثل حمى الضنك والملاريا.
من جانبه، قال مدير مكافحة الملاريا بالوزارة بشير آدم، للجزيرة نت، إن الحملة ستستمر لمدة 3 أشهر بمحليات ولاية الخرطوم السبع، وأضاف أن العمل ارتكز على 4 محاور رئيسية من ضمنها مكافحة البعوض الناقل للملاريا وحمى الضنك وبيئة توالده.
الحملة تأتي بالشراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية ووزارة الصحة الاتحادية وولاية الخرطوم (الجزيرة)
خطة حكومية
وأضاف بشير أن الوزارة قامت بتعيين فرق متخصصة مكونة من 900 عامل للرش داخل المنازل باستخدام الماكينات الضبابية، إلى جانب الرش الرزازي عبر الماكينات المحمولة على السيارات، وأوضح أن الرش عبر استخدام الطائرات يأتي في إطار الخطة الموضعة من قِبل الوزارة لتدارك الوضع الصحي والقضاء على الوبائيات بولاية الخرطوم.
إعلان
وقدّر التكلفة المالية للحملة في الولاية بحوالي 4.5 ملايين دولار، واعتبر أنها تمثل جزءا من الجهود التي تقدمها الدولة لمكافحة الأمراض وتعزيز البيئة الصحية لمواطني العاصمة.
ونشرت وزارة الصحة الاتحادية عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك إرشادات لتوعية المواطنين في الخرطوم ببرنامج الرش بالطائرات، من أبرزها ضرورة فتح الأبواب والنوافذ أثناء تحليق الطائرات، وتغطية أوعية مياه الشرب وأواني الطعام.
مواعيد
وأعلنت الوزارة عن مواعيد رش الطائرات التي قسمت على فترتين:
صباحية تبدأ من الساعة الخامسة والنصف حتى السابعة صباحا.
مسائية من الخامسة حتى السابعة مساء.
وأقلعت طائرات الرش ظهر أمس الثلاثاء من مدرج مطار الخرطوم الدولي لتعلن بداية انطلاقة الحملة مستهدفة محليتي شرق النيل وجبل أولياء في أولى طلعاتها الجوية، وستغطي بقية مدن الولاية ومحلياتها خلال الأيام المقبلة.