سياسات ترامب المعادية للأجانب تضر بسوق العمل الأميركي

سياسات ترامب المعادية للأجانب تضر بسوق العمل الأميركي

أكدت تقارير اقتصادية أميركية أن سوق العمل يشهد تباطؤًا جزئيًا مرتبطًا بتغيرات في الهجرة، وقد يتحول لخطر كبير في المستقبل بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب الرامية إلى طرد المهاجرين ووقف الهجرة بقرارات قمعية متتالية، مشيرة إلى أن السوق يحتاج إلى 155 ألف وظيفة شهريا بينما المتاح في ظل عرقلة الهجرة 24 ألف وظيفة شهريا فقط، ما سيضر الاقتصاد الأميركي.

وأوضحت هذه التقارير أنه على المدى الطويل سيحتاج الاقتصاد الأميركي عمالة جديدة كي ينمو، وفي ظل حقيقة أن جيل الطفرة السكانية (مواليد الخمسينيات والستينيات) يتقاعد بالملايين حاليا والهجرة شبه متوقفة، فسوف يتضرر الاقتصاد الأميركي بشدة.

وتشير تقديرات ودراسات نشرتها صحف أن خروج عدد كبير من العمال المهاجرين من سوق العمل، سيؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ تلعب الهجرة دورًا هامًا في قوة العمل ما سيكون له تأثير على الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.

وحذرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 24 آب/آب الماضي، من أن “الانخفاض التاريخي في الهجرة، ونقص الوافدين الجدد سوف يؤدي إلى إبقاء معدل البطالة منخفضًا في الوقت الحالي ولكنه سيقوض نمو الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل إذا استمر”.

ونقلت شبكة “ CNBC” في 21 آب عن خبراء اقتصاد أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن سياسات الهجرة التي تنتهجها إدارة ترامب لتقليص حجم القوة العاملة المهاجرة، تشكل تحديات كبيرة للاقتصاد الأميركي إذا استمر منع المهاجرين وترحيلهم، وإذا استمر الانخفاض في قوة العمل المهاجرة، فإن مثل هذا الاتجاه “سوف يكون مصدر قلق للاقتصاد الأميركي”، كما قال هؤلاء الخبراء.

أكدوا أن المعطيات الديموغرافية تؤكد أن الولايات المتحدة ستعتمد بشكل متزايد على الهجرة في المستقبل لزيادة عدد السكان الوطنيين والقوى العاملة، وتراجع الهجرة سيضر بحياة الأميركيين اقتصاديا.

ونقلت الشبكة عن “فاندن هوتن” من “أكسفورد إيكونوميكس” تأكيده أن النمو في القوى العاملة هو أحد الأمور الرئيسية التي تحدد مدى سرعة توسع الاقتصاد الأميركي ومدى إنتاجية الشركات، على سبيل المثال.

كما نقلت عن “مايكل سترين”، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث يميني، إن الانخفاض المستمر في حجم القوى العاملة “سيكون مصدر قلق”، وأكد أنه “إذا أردنا تحقيق النمو الاقتصادي الذي نعتبره تاريخيًا ناجحًا، فإن الواقع الديموغرافي يفرض علينا زيادة تدفقات المهاجرين، ولا مفر من ذلك”.

وبدون الهجرة، سوف يتقلص عدد السكان بدءاً من عام 2033، ويرجع هذا جزئياً إلى أن معدلات الخصوبة من المتوقع أن تظل منخفضة، وفقاً لمكتب الميزانية بالكونغرس غير الحزبي.

وعلاوة على ذلك، فإن تقليص حجم العمالة قد يفرض ضغوطا على أصحاب العمل لرفع الأجور لجذب المواهب، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم التضخم، وسوف يجلب عائدات ضريبية أقل لتمويل برامج مثل الضمان الاجتماعي، بحسب خبراء الاقتصاد.

تراجع الوظائف ناقوس خطر

وقالت مجلة “فورتشن” fortune، في 2 آب الجاري، إن “تراجع التوظيف في الولايات المتحدة ينذر بالركود”، وإن “تقرير الوظائف لشهر تموز/تموز يدق ناقوس الخطر بشأن الركود الاقتصادي”.

وذكرت أن “سوق العمل الأميركية تتلقى الضربة الأشد بسبب السياسات التجارية التي أقرها الرئيس دونالد ترامب، خصوصا مع توسع الذكاء الاصطناعي أيضا، إذ كشف تقرير الوظائف الصادر في تموز عن تباطؤ ملحوظ في وتيرة التوظيف وارتفاع مقلق في معدلات البطالة، خاصة بين خريجي الجامعات”.

و”هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات اقتصادية نظرية، بل تدق ناقوس خطر يشير إلى ركود يلوح في الأفق”، بحسب مجلة فورتشن، التي شرحت كيف غير التراجع التاريخي في الهجرة سوق العمل الأميركي.

تراجع النمو

وتوقع اقتصاديون استطلعت “وول ستريت جورنال”، 24 آب، آراءهم أن تؤدي سياسات الهجرة في عهد ترامب إلى اقتطاع نحو 0.2 نقطة مئوية من النمو في عام 2025 و0.3 نقطة في عام 2026.

وأكدوا أنه في بعض القطاعات، قد يكون الأثر أشد، ففي عام 2023، شكل المهاجرون 33% من العاملين في وظائف التنظيف المنزلي والفندقي، و30% من عمال البناء، و24% من عمال تنسيق الحدائق، وفق بيانات التعداد السنوي التي جمعها مركز IPUMS لدمج البيانات، كما أن 42% من العاملين في مجال الزراعة هم من المهاجرين، وفق وزارة الزراعة الأميركية.

وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قال إن سوق العمل في أميركا في حالة “توازن غريب”، حيث انخفض الطلب على الوظائف لكن البطالة ما زالت منخفضة أيضا، وفسر هذا بتراجع عدد من يطلبون وظائف بسبب سياسات ترامب في منع ومحاربة الهجرة والمهاجرين.

وحذرت مجموعة “غولدمان ساكس” وهي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أميركية متعددة الجنسيات في 18 آب من أن تباطؤ سوق العمل الأميركي قد يزداد سوءًا خلال الأشهر المقبلة، نتيجة تخفيضات محتملة في القوى العاملة الفيدرالية، وتشديد الخناق على المهاجرين غير الشرعيين.

وذكر “ديفيد ميركل” و”جيسيكا ريندلز” المحللان لدى المصرف الأميركي في مذكرة، أن زخم التوظيف في الأشهر الماضية كان أضعف من المتوقع، وأضافا أن مراجعات البيانات السابقة تُظهر أن نمو الأجور لا يزال عند مستويات منخفضة لا تكفي للحفاظ على التوظيف الكامل في الاقتصاد الأميركي.

وأوضح المحللان أن تقديرات المصرف لنمو الوظائف في الولايات المتحدة باتت الآن أقل من الحد الأدنى البالغ 30 ألف وظيفة شهريًا، مستشهدين بضعف التوظيف في قطاع الرعاية الصحية، وأشارا إلى أن هناك تحولات هيكلية تؤثر على سوق العمل، من بينها انخفاض معدلات الهجرة، فضلًا عن سياسات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من قبل البيت الأبيض.

وجاءت هذه التوقعات بعد أيام من انتقاد الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لفريق البنك، حيث قال في منشور على منصته “تروث سوشيال”، إن تقارير غولدمان ساكس، السابقة عن الاقتصاد “خاطئة ومتشائمة للغاية”.

وتعتمد الولايات المتحدة الأميركية دوما على المهاجرين لملء فجوات سوق العمل، ووفقا لإحصاءات الهجرة الأميركية دخل البلاد في الفترة من 2010 حتى 2019، مليون مهاجر جديد تقريبا كل سنة، أي 9 ملايين مهاجر، وضرب عام 2023 رقما تاريخيا في دخول المهاجرين لأميركا حيث وصل الرقم إلى 3.3 ملايين.

إلا أن الهجرة باتت شبه متوقفة، منذ تولي ترامب الحكم في كانون الثاني/كانون الثاني 2025، إذ تشير التقديرات الأميركية إلى أنه لم يدخل أميركا في هذا العام 2025 سوى القليل ومؤشر الهجرة سلبي، أي عدد الخارجين من أميركا أكثر من المهاجرين.

الهجرة من 3.3 ملايين إلى 205 آلاف

وبحسب مكتب الموازنة في الكونغرس، بلغ صافي الهجرة السنوي بين عامي 2010 و2019 نحو 917 ألف شخص، ثم قفز الرقم إلى 3.3 ملايين في عام 2023، وإلى تقديرات تقارب 2.7 مليون في عام 2024، في واحدة من أكبر موجات الهجرة في التاريخ الأميركي.

وفي ورقة بحثية حديثة صادرة عن “أميركان إنتربرايز” ذي التوجه المحافظ، قدر الاقتصاديون ويندي إيدلبرج وستان فويجر وتارا واتسون، أن صافي الهجرة سينخفض هذا العام إلى سالب 205 آلاف شخص، بهامش خطأ يقارب ربع مليون.

وقالت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنها ستقيّم المتقدمين للحصول على تأشيرات العمل والدراسة والهجرة لرصد سلوكيات “معاداة أميركا والسامية وموقفهم من إسرائيل”، وستقيم وزارة الخارجية كل من دخل أميركا خلال السبعة أشهر الأخيرة وعددهم 55 مليون مهاجر وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية، 22 آب الجاري.

ويرى بعض الخبراء أن التراجع شبه التام في عبور الحدود بشكل “غير قانوني” إلى جانب تشديد عمليات الترحيل وتصاعد المناخ المناهض للأجانب، قد يعني أن صافي الهجرة هذا العام سيكون سلبياً للمرة الأولى منذ عقود، ويقول اقتصاديون إن لذلك “تبعات دقيقة ولكن مستدامة”، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال.

وقد عقب رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم بأول” على هذه الظاهرة مؤكدا أن قلة المهاجرين جعلت المعروض من العمال أقل، لذا لم ترتفع البطالة وظلت في نطلق 4.2%، لكنه حذر من أنه على المدى الطويل وبسبب حاجة الاقتصاد الأميركي لعمالة جديدة كي ينمو سيشكل نقص الهجرة عامل خطر على الاقتصاد.

إذ سيكون المتوفر من العمالة للاقتصاد الأميركي 24 ألف وظيفة شهرياً، بينما في آخر 10 سنين كان المتوسط حوالي 155 ألف وظيفة شهريا، ما يعني أن التراجع التاريخي في أعداد المهاجرين سيغير سوق العمل الأميركي.

وفي بيان صدر في 14 آب الجاري، قالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، إن 1.6 مليون مهاجر غير نظامي غادروا الولايات المتحدة خلال أول 200 يوم من توليها المنصب بحسب “المسح السكاني الشهري” الذي يجريه مكتب الإحصاء الأميركي.

هل يزيح الذكاء الاصطناعي الوظائف ويغيّر الأسواق؟

هل يزيح الذكاء الاصطناعي الوظائف ويغيّر الأسواق؟

يشهد العالم اليوم نقاشاً محتدماً حول الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في سوق العمل والأسواق المالية. وبينما يرى البعض فيه ثورة إنتاجية قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي، يحذّر آخرون من كونه تهديداً مباشراً لوظائف ملايين البشر في قطاعات مختلفة.

تحوّلات ملموسة بفضل الذكاء الاصطناعي

تبيّن وكالة بلومبيرغ الأميركية، أنّ الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل بإحداث تغييرات ملموسة في قطاعات حيوية مثل خدمة العملاء. أحد رواد الأعمال كشف أن شركته الإلكترونية، المدعومة بأنظمة ذكاء اصطناعي، نجحت في تحقيق قفزات كبيرة في الإنتاجية، ما قلّص الحاجة إلى عدد كبير من الموظفين في مراكز الاتصال وحتى في تطوير البرمجيات.

وما يزيد من المخاوف أنّ هذه التغييرات تجري قبل وصول تقنيات أخرى إلى مرحلة النضج الكامل، مثل القيادة الذاتية، التي قد تعني لاحقاً تقويض قطاع سيارات الأجرة وخدمات التوصيل، وربما إعادة رسم الخريطة الاقتصادية لهذه الصناعات بأكملها.

القطاعات “المحصّنة” في دائرة الخطر

لا يقتصر القلق على الوظائف الروتينية أو منخفضة المهارة، فمهن ذات “خنادق دفاعية” تقليدية، مثل المحاماة والطب، قد تواجه أيضاً ضغوطاً متزايدة من حلول آلية أكثر سرعة وكفاءة. والسؤال المفتوح هو: إلى متى ستصمد هذه القطاعات أمام موجة الأتمتة المتقدمة؟

يشير التقرير إلى قوتين متعارضتين تتحركان في الأسواق: من جهة، يساهم الذكاء الاصطناعي في رفع الإنتاجية ومعالجة واحدة من أعقد مشاكل الاقتصاد الحديث، وهي تباطؤ نمو نصيب الفرد. هذا العامل قد يكون نبأ سارّاً على المدى الطويل، إذ يفتح الباب أمام تحسين مستويات المعيشة وتعزيز القدرة التنافسية.

من جهة أخرى، هناك مخاطر جدية بارتفاع معدلات البطالة إذا ما تعرّضت صناعات كاملة للهزّة. مثل هذا السيناريو قد يترك “ندوباً اقتصادية طويلة الأمد” شبيهة بما حدث في المجتمعات الغربية، بعد إغلاق المصانع، وتراجع الصناعات التقليدية، خلال حقبة ما بعد التصنيع. ويشير خبراء إلى أن مواجهة هذه التداعيات لن تكون سهلة، وأن الحكومات قد تضطر إلى توسيع إنفاقها العام بشكل كبير لحماية العمال المسرّحين أو تعويضهم.

المحلل فينسنت ديلوارد من شبكة الخدمات المالية العالمية “ستون إكس”، يرى أنّ الخطر الذي يهدد المهنيين ذوي الياقات البيضاء قد يغيّر المزاج الاجتماعي، ويدفع إلى المطالبة بحماية وتعويضات لم تكن مطروحة بهذا الزخم في موجات التحول التكنولوجي السابقة. هذا التوجه يتقاطع مع واقع اقتصادي يطغى عليه التحفيز المستمر، رغم تدهور الميزانيات الوطنية ومخاوف أسواق السندات. في الولايات المتحدة مثلاً، يبرز إصرار الرئيس دونالد ترامب على إحكام قبضته على مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) دليلاً إضافياً على استمرار سياسات التدخل القوي في الاقتصاد، بحسب “بلومبيرغ”.

انعكاسات استثمارية

على صعيد الاستثمار، يبدو أنّ التداخل بين التحفيز الاقتصادي وتحسن الإنتاجية يمنح الشركات فرصاً لزيادة هوامش أرباحها. غير أنّ التقرير يلفت الانتباه إلى نقطة مهمة: الرهان الأفضل قد لا يكون على شركات الذكاء الاصطناعي نفسها، بل على الشركات والقطاعات التي ستستفيد من تعميم هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها.

الذكاء الاصطناعي لن يستحوذ على جميع الوظائف، لكن إزاحته التدريجية لقطاعات محددة تكفي لإحداث أثر بالغ في سوق العمل والأسواق المالية. وبين وعد الإنتاجية ومخاطر البطالة، يجد العالم نفسه أمام معادلة معقدة تتطلب استجابات سياسية واقتصادية جديدة، فيما تبقى الاستثمارات هي الساحة التي ستكشف الرابحين والخاسرين من هذه التحولات.