مرآة الاختفاء القسري في الأدب

مرآة الاختفاء القسري في الأدب

يُحيي العالم في 30 آب/ آب اليومَ العالمي للاختفاء القسري، وهو يومٌ يبدو لصيقاً بالمنطقة العربية أكثر من كونه وافداً إليها، نظراً لكثرة حوادث الاختفاء القسري من جهة، ولضعف أو غياب الإمكانيات التي تعنى بمصير المختفين في سجون الأنظمة، سواء في حالات المعارضة السياسية أو في سياق الحروب الأهلية.

يمكن ليوم مثل الاختفاء القسري أن يظهر يوماً يعقبُ انتهاء الحروب، لأنّ الاختطاف والقتل يكون محموماً أثناء الحرب، وهو المآذارة الأكثر انتشاراً في الحروب الأهلية، إلى درجة قد لا يتاح للناس أن يتساءلوا عن مصير ذويهم إلا بعد أن ينتهي الظرف الذي اختفوا فيه، كما في حالة الحرب الأهلية اللبنانية التي خلّفت 17 ألف مفقود، وفي الحالة السورية أيضاً بعد سقوط نظام الأسد، التي ما زالت الأرقام فيها غير محسومة.

الاختفاء القسري، سواء كان بسبب الاعتقال أو الاختطاف أو القتل، هو أسلوب المليشيا، كما هو أسلوب الأنظمة حين تتحوّل إلى سلوك مليشيوي، وهو أيضاً أسلوب المليشيا التي تطمح لأن تصبح دولة. وفي كل الحالات، يبقى مصير المخطوفين في هذه البيئات السياسية معلقاً وغير معروف النهاية.

هذا الغياب يتيح للأدب أن يتدخل ليمنح صوتاً للمفقودين. وقد نجحت الرواية اللبنانية في تناول القضية عبر أدب الحرب الأهلية، فيما عالج الأدب السوري المسألة في إطار أدب السجون.

تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر

في الرواية اللبنانية الحرب هي البطل: حرب المليشيات، والخطف على الهوية، والقنّاص العشوائي. ومن بين النماذج اللافتة رواية ربيع جابر “طيور الهوليدي إن”، التي تفتتح بإعلانات المفقودين، مع تفاصيل أعمارهم وألوان ثيابهم وأرقام الاتصال بذويهم. الرواية، التي تتناول عامي 1975 و1976، تجعل مسألة المفقودين جزءاً عضوياً من يوميات الحرب وحكايات عائلاتهم.

يأتي اختلاف شكل الاختفاء في الرواية السورية بسبب اختلاف سببه، إذ صاغت عقود الاستبداد شكل المصير حتى في الأعمال الأدبية، وهو شكلٌ نراه بصورة اختفاء قسري في أدب السجون بصورة خاصة. 

ربما تكون رواية مصطفى خليفة “القوقعة” أكثر الروايات السورية شيوعاً في هذا الموضوع، ونعرف فيها عن شخصية اعتقلت عند عودتها من فرنسا، في مطار دمشق، مِن غير أن تعرف لماذا. ثم نعرف في مراحل من الرواية أن السبب هو انتقاد حافظ الأسد في حفل في فرنسا. الرواية وراء تفاصيل التعذيب فيها، ليست إلا حكاية اختفاء قسري، عملية انتزاع للشخصية من عالمها، ورميها إلى ما يشبه انقطاعاً في الزمن. 

تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر. وربما وضوح الحالتين اللبنانية والسورية، مع طول زمنهما ووقوعهما على فعل جماعي، أتاح الوقوف على الاختفاء القسري كموضوع يلتقي فيه أدب الحرب وأدب السجون. لكن ما زالت حكاية الاختفاء القسري، الفردي، في الأنظمة البوليسيّة، غير مصدّرة روائياً بالصورة التي قد يستطيع الأدب فيها أن يقول كلمته، بأن يعطي صوته لإنسان مُختطف، لإنسان غائب، من غير أن يعرف أحدٌ مصيره. 

رحيل الفنان والناقد التشكيلي السوري أسعد عرابي

رحيل الفنان والناقد التشكيلي السوري أسعد عرابي

عن تجربة امتدت ستين عاماً في الفن التشكيلي، رسماً ونقداً، رحل اليوم الجمعة في باريس الفنان والناقد التشكيلي السوري أسعد عرابي (1941–2025)، عن عمر يناهز أربعة وثمانين عاماً. فإلى جانب تجربته فناناً، وثّق الراحل في مؤلفاته النقدية مسارات الحداثة في الفن العربي.

ولد أسعد عرابي في دمشق، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1965. انتقل إلى باريس في منتصف السبعينيات، حيث نال دبلوماً في التصوير من المعهد العالي للفنون الجميلة، ثم حصل على الدكتوراه في علم الجمال من جامعة السوربون. وفي مسيرته الأكاديمية، عمل عرابي أستاذاً للتصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق، كما درّس في المدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء.

بدأ أسعد عرابي تجربته الفنية في ستينيات القرن الماضي متأثراً بدروس الإيطالي غويدو لا ريجينا، ما وجّه أعماله نحو التجريد، ثمّ اعتمد أسلوباً ضمّن فيه المنظور المعماري للمدن التي عاش فيها أو ارتبط بها مثل دمشق، وصيدا، وباريس، مع الإيقاعات الموسيقية، التي انعكست في ضربات اللون. 

وكان للموسيقى حضور لافت في لوحاته، ففي سلسلة أعمال خصّصها لأم كلثوم حاول تحويل الانفعال الغنائي إلى خطوط وألوان، مختبراً علاقة السمع والبصر في فضاء اللوحة. أما في أعماله التجريدية، فقد لجأ إلى الكتل اللونية لبناء فضاءات وأبنية تتدرج بين الواقع وتمثله في الفن التشكيلي.

أقام أسعد عرابي معارض فردية وجماعية في سورية والعالم العربي وأوروبا وأميركا. وتوجد أعماله في مجموعات ومتاحف عالمية، من بينها معهد العالم العربي في باريس، متحف برشلونة للفن المعاصر، ومتحف نيودلهي، والمتحف الوطني في كوريا، ومتحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، ومتحف جامعة ييل، إضافة إلى مؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة.

إلى جانب تجربته التشكيلية، لعرابي مؤلفات نقدية أساسية حول الفن الحديث، من بينها: “وجوه الحداثة في اللوحة العربية”، “معنى الحداثة في اللوحة العربية”، “صدمة الحداثة في اللوحة العربية”، و”شهادة اللوحة في نصف قرن”. كما ساهم في كتاب جماعي بعنوان “تحولات النص البصري: المرئي واللامرئي في النصوص البصرية”.

إطلاق خدمة السيارة الكهربائية في السوق السورية

إطلاق خدمة السيارة الكهربائية في السوق السورية

شهدت سوق السيارات السورية حدثاً لافتاً على هامش معرض دمشق الدولي مع إعلان وكالة SEVENTY SEVEN عن إطلاق أول سيارات كهربائية من طراز شاومي في البلاد. وتُعد هذه الخطوة الأولى من نوعها، وتفتح الباب أمام دخول السيارة الكهربائية إلى السوق المحلية، وسط تحديات تتعلق بالبنية التحتية وارتفاع الأسعار.

وقال محمود مهند، مدير التطوير في شركة “77 للسيارات الكهربائية”، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنّ “المعارض تشكّل لنا فرصة لإبراز خبرة شركتنا الممتدة لأكثر من 30 عاماً، واليوم نفتخر بأن نكون أول من يؤسس وكالة متخصصة بالسيارات الكهربائية في سورية. لقد أطلقنا باكورة أعمالنا بتوريد 500 سيارة كهربائية إلى دمشق، منها طراز شاومي SUV Ultra وSUV Zero One، وجميعها مزودة بكفالة تصل حتى ثماني سنوات، مع شراكة صينية تضمن تأمين قطع التبديل والصيانة بأحدث التقنيات”.

وأضاف: “قمنا بتركيب محطات شحن كهربائية في دمشق، ولدينا شبكة وكلاء في سبع محافظات تشمل حمص، حماة، طرطوس، حلب، واللاذقية، ما يجعلنا واثقين من أن انتشار هذه المركبات لن يواجه أي عوائق. كما تتضمن خططنا إدخال حافلات كهربائية بمقاسات متعددة، وطرح سيارات أجرة كهربائية موديل 2025، بما يسهم في تعزيز النقل الآمن وخفض الانبعاثات الكربونية ودعم السياحة وتحسين المظهر الحضاري”.

أما بشأن الأسعار، فأوضح مهند أنها تتراوح بين 27 ألف دولار و100 ألف دولار، بحسب الموديل، مشيراً إلى أن الشركة تعمل على أن تكون هذه التجربة بوابة لتوفير مئات فرص العمل للسائقين والإداريين، في وقت تحتاج فيه السوق السورية إلى خيارات جديدة ومستدامة في قطاع النقل.

من جهته، أوضح سمير حمشو، رئيس مجلس إدارة شركة “77 للسيارات الكهربائية”، لـ”العربي الجديد”: ما قمنا به اليوم ليس مجرد إطلاق وكالة جديدة، بل محاولة جادة لتقديم بديل واقعي لوسائل النقل في سورية. فالسيارات الكهربائية لم تعد رفاهية، بل ضرورة في ظل أزمات الوقود وارتفاع تكلفته. أردنا أن تكون البداية من دمشق بتوريد 500 سيارة، على أن نتوسع تدريجياً لتشمل خطتنا إدخال حافلات للنقل العام وسيارات أجرة كهربائية موديل 2025″.

وأضاف حمشو: “هذا المشروع ليس تجارة فقط، بل رؤية طويلة الأمد لقطاع نقل أكثر أماناً وأقل ضرراً بالبيئة، وقادر في الوقت نفسه على خلق فرص عمل جديدة للشباب السوريين. ندرك أن التحديات كبيرة، من البنية التحتية إلى القدرة الشرائية، لكننا نؤمن أن فتح هذا الباب الآن هو استثمار في المستقبل”.

وفي السياق نفسه، تحدث المهندس عبد الرحمن صطيف، المدير التنفيذي لشركة “إلكترو تكسي”، لـ”العربي الجديد”، عن تجربة إدخال سيارات الأجرة الكهربائية في دمشق: “أطلقنا الخدمة خطوةً أولى نحو نقل حضري صديق للبيئة. بدأنا التجربة بـ40 سيارة فقط، واليوم لدينا نحو 1450 سيارة كهربائية تجريبية تعمل في العاصمة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد قريباً”.

وأوضح صطيف أن الخدمة تعتمد على تطبيق إلكتروني مخصص للحجز يشمل الرحلات اليومية والموسمية ونقل طلاب المدارس، بهدف تقديم خدمة أكثر تنظيماً وجودة. وقال: “الأجور لا تختلف عن سيارات الأجرة التقليدية، لكننا نراهن على الاعتمادية العالية والخدمة الأفضل”. وأشار إلى أن البنية التحتية الكهربائية في سورية ضعيفة، لكن يُعوَّض هذا الخلل عبر إنشاء محطات شحن خاصة، حيث يوجد حالياً 16 محطة في دمشق، وكل محطة قادرة على خدمة نحو 40 سيارة. وأضاف: “الدراسات الداخلية تشير إلى أننا بحاجة إلى توسعة عدد المحطات لتغطية جميع السيارات في المستقبل”.

تأتي هذه المبادرة في وقت يحتاج فيه السوريون إلى بدائل واقعية للوقود التقليدي وسط ارتفاع تكلفته المستمرة. ومن المتوقع أن تسهم السيارات الكهربائية في خفض الانبعاثات الكربونية بشكل ملموس، وتحسين المشهد الحضري، ودعم السياحة. كما يولي القائمون على المشروع اهتماماً بتوفير فرص عمل لمئات السائقين والإداريين، وتدريبهم على تشغيل المركبات الكهربائية وصيانتها، بما يخلق قطاعاً جديداً للنقل المستدام.

ويرى خبراء أن نجاح هذه التجربة مرتبط بمدى قدرة السوق على التوسع في البنية التحتية، ومدى تقبل المستهلكين لارتفاع الأسعار مقارنة بالسيارات التقليدية، مع أهمية التفكير في حلول تمويلية أو تقسيطية لتسهيل الوصول إلى هذه السيارات. كما يمكن أن تشكّل تجربة السيارة الكهربائية نقطة انطلاق لإدخال مزيد من السيارات الكهربائية للنقل العام والصناعي مستقبلاً، وربطها بخدمات شحن متجددة مثل الطاقة الشمسية.

فصيل عراقي مسلّح يعلن نشر عناصره على الحدود مع سورية

فصيل عراقي مسلّح يعلن نشر عناصره على الحدود مع سورية

أعلنت جماعة مسلحة في العراق تنفيذ عملية انتشار على الحدود السورية، قالت إنها تأتي لـ”منع التسلل وتحركات الجماعات المسلحة”، وذلك في أول تحرك من نوعه تنفذه فصائل مسلحة تابعة لـ”الحشد الشعبي“، على الحدود مع سورية منذ أشهر عدة. وعقب سقوط نظام بشار الأسد، وانسحاب الفصائل العراقية المسلحة الداعمة للنظام من مناطق دير الزور، والبو كمال، وريف حلب، ودمشق، ودرعا، تمركزت لعدة أشهر على الحدود داخل الأراضي العراقية، لكنها انسحبت تدريجياً من المنطقة، ليتولى الجيش وقوات حرس الحدود مهمة تأمين المنطقة الحدودية، البالغة 620 كيلومتراً وتمتد على طول المناطق الغربية والشمالية العراقية المحاذية للأنبار ونينوى.

وذكر “اللواء 27″، المرتبط بمليشيا بدر، بزعامة هادي العامري، والمنضوية ضمن “الحشد الشعبي”، في بيان له على منصة “فيسبوك”، أنه تم نشر هذه القوات على الحدود بين العراق وسورية غربي محافظة الأنبار، وأرفق صوراً تظهر جانباً من عملية الانتشار. وعلّل البيان الخطوة بأنها تأتي في إطار عملية تعزيز الحدود ومنع تسلل وتحركات من وصفهم بـ”الإرهابيين”.

وتحمل الفصائل العراقية المسلحة أرقاماً داخل “الحشد الشعبي”، ضمن إطار التنظيم الذي اعتمدته الحكومة عام 2018، حيث تحمل جماعة كتائب حزب الله أرقام الألوية 45 و46، وبدر اللواء 27، وعصائب أهل الحق 41 و42، وأنصار الله الرقم 49، و”كتائب سيد الشهداء” اللواء 14، وهذا ينطبق على 69 فصيلاً مسلحاً تعمل جميعها ضمن “الحشد الشعبي”. ووفقاً لبيان الجماعة، فإن عملية انتشارهم جاءت بـ”التنسيق مع القوات الأمنية العراقية الأخرى للسيطرة على الحدود”.

ولم يصدر عن الجانب الرسمي في العراق أي تعليق على بيان الجماعة، الذي يأتي بعد ساعات من زيارة أجراها رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق وعقده لقاءً مغلقاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع. وتواصل “العربي الجديد”، مع ضابط في قوات حرس الحدود العراقية، المنطقة الثانية المسؤولة عن الحدود من محور القائم ـ البو كمال السوري، الذي قال في اتصال هاتفي، إن “الانتشار روتيني، ولا يحمل أي دلالات سياسية أو أمنية”.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته كونه غير مخول بالتصريح، أن قوات الجيش وحرس الحدود هي حائط الصد الرسمي المنتشرة على الحدود حالياً، ووجود بعض تشكيلات الفصائل ليس حدثاً جديداً، فهي تتنقل على مسافات 10 كيلومترات من الحدود، لكن المهمة تتولاها قوات الجيش، نافياً وجود أي تهديدات أمنية قادمة من سورية، واصفاً الأوضاع بأنها “مستقرة تماماً”.

إنزال الكسوة… لا حدود للاعتداءات الإسرائيلية في سورية

إنزال الكسوة… لا حدود للاعتداءات الإسرائيلية في سورية

تأخذ الاعتداءات الإسرائيلية على سورية منحى تصاعدياً مع تنفيذ جيش الاحتلال، مساء أول من أمس الأربعاء، إنزالاً جوياً ترافق مع غارات مكثفة في منطقة الكسوة جنوبي دمشق، هو الأول من نوعه منذ إسقاط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ كانون الأول الماضي،  وذلك على الرغم من عملية التفاوض الجارية ما بين دمشق وتل أبيب. ويشير إنزال الكسوة إلى أن إسرائيل تستخدم كل الطرق العسكرية للضغط والحصول على تنازلات تعزز نفوذها في جنوب سورية.

لم تعلق إسرائيل حتى عصر أمس الخميس، على إنزال الكسوة الذي استمر نحو ساعتين، بينما كان السوريون يتابعون وقائع حفل افتتاح معرض دمشق الدولي، غير بعيد عن منطقة الإنزال، فيما اكتفت وسائل الإعلام العبرية بنقل التفاصيل عن مواقع إخبارية عربية. لكن عقب ورود أنباء عن الإنزال الإسرائيلي، كتب وزير الأمن يسرائيل كاتس، على منصة إكس، أنّ “قواتنا تعمل في ساحات القتال كافة ليلاً ونهاراً من أجل أمن إسرائيل” من دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل. وجاءت العملية بعد يوم واحد من هجمات جوية بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع للجيش السوري بالقرب من منطقة الإنزال، أدت إلى مقتل ستة عناصر وإصابة آخرين. من جهة أخرى أكد مراسل “العربي الجديد”، بعد ظهر أمس الخميس، أنّ مُسيّرات إسرائيلية حلقت في أجواء العاصمة السورية.

وحول تفاصيل إنزال الكسوة مساء الأربعاء، أوضح “مصدر حكومي” لوكالة “سانا” السورية الرسمية، أمس، أن عناصر من الجيش السوري عثروا الثلاثاء الماضي، قرب جبل المانع في منطقة الكسوة بريف دمشق، على أجهزة مراقبة وتنصت، مشيراً إلى أنه أثناء التعامل معها تعرض الموقع لهجوم إسرائيلي جوي، أسفر عن قتلى وإصابات وتدمير آليات. وأضاف أن الاستهداف الإسرائيلي استمر حتى مساء الأربعاء، لمنع الوصول إلى المنطقة، مؤكداً أن “مجموعات من الجيش دمرت جزءاً من المنظومات عبر استهدافها بالسلاح المناسب، وسحبت جثامين الشهداء”. وبيّن أنه “لاحقاً (مساء الأربعاء)، شنت الطائرات الإسرائيلية عدة غارات على الموقع، أعقبها إنزال جوي لم تُعرف تفاصيله بعد وسط استمرار التحليق المكثف لطيران الاستطلاع”.

ونقلت وسائل إعلام سورية، أمس، عن مصدر عسكري قوله إنّ أربع مروحيات إسرائيلية نفذت إنزالاً جوياً على جنوب شرقي مدينة الكسوة في ريف دمشق، مشيراً إلى أنه “لم يحدث أي اشتباك مع عناصر وزارة الدفاع الموجودين بالقرب من المنطقة”. ولم تهدأ الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد، إلا أنها في الآونة الأخيرة أخذت منحى تصاعدياً يوقع خسائر كبيرة في صفوف الجيش السوري، الذي تحول تل أبيب حتى دون انتشاره في المواقع التي كانت تنتشر فيها قوات النظام السابق.

وتعد منطقة الكسوة وجبل المانع الجبل الذي كان يتمركز فيه اللواء 76 (دفاع جوي)، الذي كان يتبع للفرقة الأولى في قوات النظام السابق، من أكثر المناطق السورية التي كانت تستهدفها إسرائيل قبل سقوط النظام، إذ يُعتقد أن الفصائل الإيرانية التي كانت تساند ذاك النظام، كانت تستخدم هذه المواقع وربما تركت معدات عسكرية بعد انسحابها في الثامن من كانون الأول الماضي. ويعد إنزال الكسوة الإنزال الجوي الإسرائيلي الأول من نوعه في سورية منذ سقوط نظام الأسد، وهو الأكثر عمقاً في الأراضي السورية، فالجيش الإسرائيلي كان يكتفي بالتوغل البري في أرياف القنيطرة ودرعا وريف دمشق وبالقصف الجوي لأهداف عسكرية. ولكنه هذه المرة اقترب من تخوم العاصمة، فالمنطقة التي جرت فيها عملية الإنزال لا تبعد سوى 20 كيلومتراً عنها، ما عزز المخاوف لدى السوريين من تمادي الجيش الإسرائيلي الذي يستغل عدم قدرة الجيش السوري على التصدي له، سواء في الجو أو الأرض. في هذا السياق، ذكرت قناة “الإخبارية” السورية، أمس، أن “قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلت في قرية رويحينة بريف القنيطرة واعتقلت شابين”.

هدف إنزال الكسوة

وبيّن الباحث في الشؤون العسكرية، رشيد حوراني أن “منطقة الكسوة وجبل المانع منطقة واسعة ومتنوعة التضاريس بين السهل والوديان والهضاب المتوسطة والمرتفعة”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المليشيات الإيرانية كانت قبل الثامن من كانون الأول الماضي تنتشر فيها بكثافة بالتعاون مع وحدات النظام البائد، وخصوصاً الفرقة الرابعة والفرقة السابعة والفرقة الأولى”. وذكر أن الإنزال الجوي “ينفذ عادة للقيام بمهمة دقيقة ومحددة كتدمير سلاح نوعي أو الحصول على وثائق، أو اغتيال وتصفية شخصية مهمة ومؤثرة في صف الطرف الآخر”.

رشيد حوراني: إنزال الكسوة هدفه إرباك الجيش السوري

وفي رأيه فإن الهدف الرئيسي من إنزال الكسوة هو “إرباك الجيش السوري”، مضيفاً أن “هذا الإنزال يندرج في سياق الضغط على الإدارة السورية الجديدة للحصول على تنازلات في عملية التفاوض الجارية حالياً”. ولا شك، وفق حوراني، أن تل أبيب “تراقب عن كثب الدعم العربي والإقليمي والدولي للإدارة الجديدة، لإخراج سورية مما هي فيه، لكنها لا تريد الاستقرار لهذه الحكومة لعدم ثقتها بها”. من جهته وصف المحلل العسكري العميد، عبد الله الأسعد، إنزال الكسوة بـ”المفاجئ”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهدف منه “تقني”. وفي رأيه فإنه “ربما وضعت معدات عسكرية لها علاقة بالتنصت والإشارة في الموقع، أو سحبت معدات كانت موجودة بالفعل. كل شيء وارد سيما وأن الإنزال استمر لنحو ساعة ونصف الساعة”. ولا يخرج الإنزال، وفق الأسعد، عن هذا السياق “لأن إسرائيل قادرة على تدمير كل شيء بالموقع بالقصف الجوي”، مشيراً إلى “عناصر وزارة الدفاع الذين قتلوا قبل يوم من الإنزال، والذين عثروا على أجهزة وحاولوا سحبها إلا أن الطيران الإسرائيلي المسيّر قتلهم على الفور”.

واقع يفرضه الاحتلال

اللافت أن إنزال الكسوة جاء في خضم مفاوضات تجري بين سورية وإسرائيل، نقل عن الرئيس السوري أحمد الشرع

، قوله قبل أيام، إنها وصلت إلى مراحل متقدمة. وأضاف، بحسب ما نقل عنه وفد إعلامي عربي التقى به، أن فرص إتمام الاتفاق مع إسرائيل أكبر من فرص فشله، بيد أنه أكد أن أي اتفاق مع إسرائيل سيكون فقط على أساس خط الهدنة لعام 1974. وكانت تل أبيب أطاحت اتفاقية فك الاشتباك الموقعة في ذاك العام، ولا تزال تضغط بكل الطرق العسكرية لإجبار الإدارة السورية على التوقيع على اتفاقية جديدة توسع المنطقة العازلة في جنوب سورية. ومن الواضح أن احتلال إسرائيل للمنطقة العازلة التي تفصل ما بين سورية وهضبة الجولان المحتلة والمحددة في اتفاقية 1974، الهدف منه توسيع هذه المنطقة لتصل إلى التخوم الجنوبية للعاصمة، تكون خالية من أي سلاح ثقيل للجيش السوري.

رضوان زيادة: الإنزال يؤكد أن إسرائيل لا تلتزم بالتعهدات فالاعتداءات مستمرة رغم المفاوضات مع دمشق

كما فرضت إسرائيل، خلال أحداث السويداء وبعدها، نفسها طرفا رئيسا في صياغة الترتيبات الأمنية في المحافظة. وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) في 19 آب/آب الحالي بأن 
وزير الخارجية والمغتربين، أسعد حسن الشيباني، التقى في اليوم نفسه في باريس وفداً إسرائيلياً لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري، في أول اعتراف رسمي سوري بمفاوضات على المستوى السياسي بعد تسريبات عدة. وبحسب ما ذكرت “سانا” يومها “تركزت النقاشات حول خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاق 1974”.

وتعليقاً على إنزال الكسوة وعلاقته بالعملية التفاوضية، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العملية تعد “استهتاراً كاملاً بالسيادة السورية وتطبيقاً لمبدأ القوة كما يردد (بنيامين) نتنياهو مراراً”. وأضاف أنها “تأكيد على أن إسرائيل لا تلتزم بالتعهدات فالاعتداءات مستمرة رغم المفاوضات مع دمشق”، لافتاً أن “هذا الاعتداء يطرح سؤالاً حول جدوى المفاوضات إذا لم تحترمها إسرائيل” وفي رأيه “الهدف من المفاوضات تفادي الشر الإسرائيلي، لكن في ما يبدو لن تقود إلى ردع إسرائيل بأي شكل”.