
بوتين وشي… طفلان وخلود
من منا لم تمرّ معه رواية أو فيلم أو حكاية شعبية أسطورية عن شخصٍ أو أشخاص، يسعون إلى إنتاج “إكسير الحياة” أو الحصول عليه في حال كان موجوداً في جزيرة مهجورة على سبيل المثال؟ وراء هذه المساعي محاولة لسلوك درب الخلود الأبدي. ودائماً ما تنتهي تلك الروايات بفشل الساعين في نيل مبتغاهم. لن يختلف الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، عن غيرهما. الأربعاء الماضي، أظهرت لقطات لقناة “سي سي تي في”، الصينية الرسمية، حديثاً مسموعاً بين بوتين وشي، ويقول الأخير، عبر مترجم، خلال اقتباسه بيتاً من قصيدة لسلالة تانغ جاء فيه: “في الماضي، كان من النادر أن يتخطّى المرء السبعين. وفي هذه الأيام يقولون إن المرء ما زال طفلاً في السبعين”. ثم يلتفت بوتين إلى شي ويخاطبه مشيراً بيديه، من غير أن يكون كلامه مسموعاً في المشاهد التي بثّها التلفزيون. وينقل المترجم الصيني نفسه تصريحات بوتين إلى شي فيقول: “مع تطوّر التكنولوجيا الحيوية… يمكن زراعة الأعضاء البشرية باستمرار، ويمكن للناس أن يزدادوا شباباً مع تقدّمهم في السنّ وحتى أن يصبحوا خالدين”. ثم يرد شي قائلاً: “تشير التوقّعات في هذا القرن إلى أنه قد يكون من الممكن العيش حتّى سنّ 150”. وينتهي الحديث هنا.
لا تهم ردود الأفعال بعد ذلك. تحدّث الرئيسان عما يختلج في صدور كل ما هبّ ودبّ من زعماء وقادة وأشخاص غير متقبّلين واقع أننا جميعنا، من دون استثناء، راحلون في نهاية المطاف. ومن الطبيعي أنهما يعملان وكأن بقاءهما في موسكو وبكين حتمي، وأن الغد لن يشرق من دونهما. هذه العقلية النرجسية ليست مقتصرة عليهما، لكنهما نجحا في تطويع قوانين بلديهما، لجعلها متطابقة مع أفكارهما. في المقابل، ليس هناك في “الغرب الجماعي”، بحسب مصطلحات بوتين، من قدرة لأي نرجسي على التمسّك بالسلطة خارج الأطر الديمقراطية ومبادئ تداول السلطة. حتى أن الملكية شرفية بغالبها لا حاكمة، وإلا أمست ديكتاتورية أخرى.
يكفي حوارهما الهادئ بمناسبة “يوم النصر الصيني” الـ80 لفهم تفكيرهما وإدراك أنهما في ملفين، مثل أوكرانيا وتايوان، لا يعبآن بالزمن، على اعتبار أن الأعداء سيغادرون، بموجب انتخاباتهم، بما يسمح لهما في التقاط اللحظة المناسبة مستقبلاً، والإطباق على كييف وتايبيه، بحسب رؤيتهما. تلك الصورة الساخرة، يقابلها وجود شخص متل نظيرهما الأميركي دونالد ترامب، المسكون بهاجس الخلود بدوره، لشخصيته النرجسية، لكنه غير قادر، مهما سعى، على تعديل أسس النظام الأميركي، وتحويله إلى نظام الشخص الواحد، على غرار الصين وروسيا. بوتين وشي قويان في بلديْهما. ترامب، مع كل ما يبدر منه، أضعف من تجاوز خطوط حمراء وضعها الآباء المؤسّسون لأميركا.
لنا فقط أن نتخيّل، كيف يقضي أشخاص ذوو سلطة مثل الرئيسين الصيني والروسي أوقاتهما، في البحث والاطلاع على آخر ما تنتجه مختبراتهما بشأن تأخير الشيخوخة، خصوصاً أنهما مسكونان بهاجس الخوف من الاغتيال أو الموت؟ وفي مثل هذه الحالات، تُصبح هذه الشخصيات أكثر جرأة في التحكّم بالناس، بحجّة “حماية روسيا” أو “الدفاع عن الصين”. تُقمع الحرّيات وتسقط المحاسبة ويعمّ الظلام ولو في أيام مشمسة. تكفي أيضاً العودة سنوات قليلة إلى الوراء، ومتابعة خطابات لبوتين وشي، عن بطرس الأكبر وماو تسي تونغ، والعمل على تجاوزهما في الذاكرة الجماعية لتاريخي روسيا والصين. مشاهدة الفيديو مرّات عدة لن تؤدّي إلى تخفيف الصدمة، بل أيضاً في التفكير ما إذا كان هناك من عيادة نفسية يمكن أن تستضيفهما، فقط لإفهامهما أن الخلود لا يعني الدفع بشبّانٍ صغارٍ إلى الموت في محرقة أوكرانيا، ولا أن يُجهّز جيشاً سيموت عديدون منه لغزو تايوان. ذلك، لأن كل شيء ممكن أن ينتهي بلسعة نحلةٍ مثلاً، تُصيب في مقتل.