توني بلير في “ريفييرا غزّة” أيضاً

توني بلير في “ريفييرا غزّة” أيضاً

لا تُنسى الرسوم الكاريكاتيرية التي هزّأت توني بلير (72 عاما) عندما ألحق بريطانيا، إبّان كان رئيس حكومتها، في حرب الولايات المتحدة ضد العراق في العام 2003، وقد أطلقوا عليه، للسخرية منه، لقب “جرو بوش”. وهذه واحدةٌ من هزلياتٍ كثيراتٍ بشأنه تخطُر على البال، في غضون مطالعة أكثر من مقالة في الصحافتين البريطانية والأميركية، عن هذا الرجل، نُشرت في الأيام القليلة الماضية، بعد مشاركته، أخيراً، في اجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصهر الأخير ومستشاره السابق (والحالي فيما يبدو؟) جاريد كوشنر، ناقشوا فيه مشروع تهجير أهل قطاع غزّة لتحويله إلى “ريفييرا”، وقد ذاع أن “معهد توني بلير للتغيير العالمي” شارك في إعداد هذه الخطّة، وإن نفى صاحب العشرين عاماً رئيساً للوزراء. ولكن الاجتماع الفريد هذا لا يبعثُ على السخرية من أيٍّ من ثلاثتهم، وإنما تفيضُ منه بواعث السخرية من الحال العربي عموماً، وفي القلب منه الحال الفلسطيني المعلوم. وفيما حجبَت الإدارة الأميركية عن محمود عبّاس (و80 كان مقرّراً أن يكونوا في وفدٍ معه!) تأشيرة دخوله الولايات المتحدة للمشاركة، الشهر المقبل، في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لينوب عن الشعب الفلسطيني في الحديث عن فلسطين، رأى معلّقٌ في “الغارديان” هذا مستهجناً، فبالتوازي، يُستضاف بلير في البيت الأبيض ليقرّر مصائر الغزّيين، وهو المتمادي في صهيونيّته ودعمه جرائم الحرب الإسرائيلية في كل أوقاتها. ولكن الأمر في هذه الوجهة لا يستدعي الاستهجان، وإنما التحديق جيّداً في الضآلة الميكروسكوبية التي يرى بها صانع القرار في واشنطن العرب والفلسطينيين، عندما يجدهم ليسوا ذوي صلة بموضوعة غزّة، على غير حال بلير، صاحب الرأي والمشورة في أمرِهم.

لم يرشَح شيءٌ ذو قيمة إخبارية أو عملية من اجتماع الرئيس والصهر وصديقهما، وليس من حاجةٍ، ملحّةٍ، لتُعرَف تفاصيلُ ما تداول فيه هؤلاء، إنما هي العبثيّة السوداء بالغة الحدّة في شناعتها أدعى للاكتراث. وعندما يصف المعلق في الصحيفة البريطانية المرموقة، سايمون جينكينز، زيارة بلير البيت الأبيض بأنها مُقلقة، لم نصادف مسؤولاً عربياً رفيعاً أعلن قلقه منها، وإنْ تتوالى أرطالُ التنديدات العربية بخطط التهجير التي يرسمها البيت الأبيض، ويعمل جيش الاحتلال على تنفيذ الممكن منها. ولكن القصة، مرّة أخرى، ليست هنا، وإنما في الذي يُشهره ذلك الاجتماع من استخفافٍ بلا سقوفٍ بالأمة العربية، محكومين وحاكمين، وفي محمولاتِه التي تنطق بعنصريةٍ عالية الفظاظة تجاهها.

يعلن العالم رفضه الأخلاقي والإنساني لما تقترفه آلة الحرب الإسرائيلية في غزّة من فظاعاتٍ مروّعة، وتبدو المواقف المعلنة للحكومة البريطانية، بلسان وزير خارجيّتها، ضد هذه الفظاعات متقدّمةً عن المعهود في لندن من انحيازاتٍ كلاسيكيّةٍ مع إسرائيل، إذ تعتزم، أيضاً، الاعتراف بدولة فلسطين، غير أن بلير، وليس غيره، لا يريد أن يغادر مساحاتِه التي أقام فيها، نصيراً صنديداً لدولة الاحتلال وارتكاباتها، ولا يرغب في أن يتحرّر من نرجسيّاته إياها، التي تجعله يحضُر في غير شأنٍ وغير ملف، والموضوع الإسرائيلي (لم يرَ يوماً أن ثمّة موضوعاً فلسطينياً) أثيرٌ في نفسه، فلا يقدر أن يفوّتَ على نفسه قضية “ريفييرا غزّة”، التي خرجت من عنديّات أمثاله، وهو الذي لم يعُد ثمّة شكٌّ في أنه يستطيب أن يكون في أذيال أي مقيمٍ في البيت الأبيض. وهذا هو ترامب يتذكّرُه فيستدعيه لمشورته في إدارة الولايات المتحدة قطاع غزّة عشر سنوات، مع طرد من يمكن طردُه من الفلسطينيين فيه (أزيد من مليونين) وسيدفع لكلٍّ منهم (أو لكلّ من يتبقّى، لا أعرف) خمسة آلاف دولار، بالإضافة إلى إيجار أربع سنوات في مكانٍ آخر وإمداداتٍ غذائيةٍ عاماً واحداً. ثم يُعاد بناء غزّة أرضَ ناطحات سحابٍ رائعة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي والسياحة، فتدرّ غزّة ما يصل إلى 400 مليار دولار للمقاولين الذين سيكونون من القطاع الخاص.

هناك مستوىً من الركاكة في التعامل الأميركي مع العرب، في الشأن الفلسطيني، يتحدّى سقوف الخيال. لم يكن ينقُص سيناريوهات يوم تالٍ ما زال بعيداً في غزّة إلا أن يَرى فيه مجرم حرب، كان “كُليباً” لرئيسٍ أميركيٍّ سابق، ما يَراه. وهذا وربُّ الكعبة شديدُ الإيلام من فرط مقادير الهَزَل فيه.

ترامب يعتزم تغيير اسم البنتاغون

ترامب يعتزم تغيير اسم البنتاغون

ينوي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة تسمية وزارة الدفاع الأمريكية، المعروفة بالبنتاغون، إلى اسمها التاريخي “وزارة الحرب” عبر توقيعه على أمر تنفيذي اليوم الجمعة 5 أيلول 2025.

هذا التغيير سيعيد للوزارة الاسم الذي حملته لفترة طويلة قبل أن يتم تغييرها إلى وزارة الدفاع بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1949.

ونقلت شبكة CNN عن مسؤول في البيت الأبيض قوله، إنه يتوقع أن يوقع ترامب الأمر اليوم”. 

وكان ترامب أخبر الصحافيين في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي أن إدارته ستغير اسم وزارة الدفاع، وقال: “نسميها وزارة الدفاع، ولكن فيما بيننا، أعتقد أننا سنغير الاسم”.

وأضاف: “لقد انتصرنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان يُطلق عليها وزارة الحرب، وهذا هو اسمها الحقيقي بالنسبة لي، والدفاع جزء من ذلك، ولكن لدي شعور بأننا سنغيره”.

الأمر التنفيذي سيجعل اسم “وزارة الحرب” يستخدم كـ “عنوان ثانوي” لوزارة الدفاع، ويسمح لوزير الدفاع بيت هيغسث باستخدام لقب “وزير الحرب”.

وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن ترامب ووزير الدفاع يهدفان إلى تعزيز “روح المحارب” (warrior ethos) والتركيز على القدرات القتالية والإستعداد للحرب.

ورغم أن التغيير يتطلب عادة موافقة الكونغرس ليصبح دائما، إلا أن ترامب أكد عزمه تنفيذه وقال إنه يتوقع دعم الكونغرس إذا كان ذلك ضروريا. سيكون على الوزارة تحديث جميع الشعارات واللافتات والموقع الإلكتروني لتعكس الاسم الجديد.

هذا التحول يعد جزءا من حملة ترامب لتأكيد قوة الجيش الأمريكي واستعداده للحروب، ويرتبط برغبته في الابتعاد عما يعتبره تأثير “الأيديولوجيا اليسارية” على القوات المسلحة.

المصدر: وسائل إعلام أمريكية

بيسكوف: لا توجد خطط لإجراء محادثات مع ترامب حتى الآن

بيسكوف: لا توجد خطط لإجراء محادثات مع ترامب حتى الآن

صرح دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأنه لا توجد تفاصيل حتى الآن حول إمكانية إجراء محادثات جديدة بين الرئيسين الروسي والأمريكي، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.

وقال المتحدث باسم الكرملين للصحفين: “لا توجد خطط حتى الآن”.

وفي وقت سابق يوم الأربعاء، قال ترامب خلال لقاء مع نظيره البولندي كارول نافروتسكي في البيت الأبيض، ردا على سؤال حول موعد اتخاذه قرارا بشأن انتهاء المهلة التي حددها هو نفسه للقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيلينسكي، إنه ينوي التحدث معه “قريبا”.

فيما بعد، أفادت فرانس برس نقلا عن مسؤول في البيت الأبيض أن ترامب سيتصل هاتفيا بزيلينسكي يوم الخميس. 

يذكر أن مكالمة هاتفية جرت بين الرئيسين في 18 آب الماضي عقب اجتماع ترامب مع فلاديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين.

يشار إلى أن رئيسي روسيا والولايات المتحدة فلاديمير بوتين ودونالد ترامب ناقشا خلال لقائهما في ألاسكا يوم 15 آب سبل تسوية النزاع الأوكراني. ووصف القائدان الاجتماع بشكل إيجابي. وأعلن الرئيس الروسي في ختام القمة عن إمكانية الوصول إلى نهاية للنزاع في أوكرانيا، مؤكدا أن روسيا مهتمة بأن يكون السلام طويل الأمد.

المصدر: تاس

التوتّر الأميركي – الهندي… إعادة تموضع إقليمي مُحتمل في آسيا

التوتّر الأميركي – الهندي… إعادة تموضع إقليمي مُحتمل في آسيا

نفذت الإدارة الأميركية في 27 الشهر الماضي (آب/ آب) قراراً يقضي بمضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الهندية بنسبة 25% إضافية، وكانت قد زادت رسوماً مُماثلة في 31 تموز/ تموز الماضي (2025)، لترتفع بذلك الرسوم الإجمالية إلى 50%. وقد استندت هذه الإجراءات في البداية إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة الطوارئ الوطنية في إبريل/ نيسان 2025، بدعوى حماية السيادة الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة. وأوضح مكتب الممثّل التجاري الأميركي أنّ العجز التجاري في السلع مع الهند بلغ 45.8 مليار دولار في عام 2024، مُسجّلاً زيادة بنسبة 5.9% (ما يعادل 2.6 مليار دولار) مقارنة بعام 2023.

تجاوزت هذه الإجراءات حدود المجال الاقتصادي لتكتسب أبعاداً سياسيةً واستراتيجيةً؛ فقد استهدفت الزيادة أخيراً بشكل خاص الواردات الهندية المُرتبطة بالنفط الروسي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وتزامن ذلك مع تصاعد التوتّر الدبلوماسي بين واشنطن ونيودلهي؛ لاسيّما بعد إعلان الولايات المتحدة وساطتها لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان عقب مواجهاتٍ حدودية، وهو ما رفضته الهند واعتبرته تدخّلاً في شؤونها الداخلية، ومساساً بسيادتها على إقليم كشمير.

تُظهر هذه التطورات انتقال العلاقات الأميركية – الهندية إلى مستوىً غير مسبوق من التوتر منذ مطلع الألفية الثالثة، رغم ما شهدته من تعاون متنامٍ خلال العقدين الماضيين. من المرجّح أن يسهم هذا التوتر في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في آسيا؛ حيث برزت مؤشّراتٌ على تقاربٍ مُحتمل بين الولايات المتحدة وباكستان، بالتوازي مع فتح قنوات تواصل جديدة بين الصين والهند.

من عدم التكافؤ الجمركي إلى تحدّيات النفط الروسي

عقب الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، واشنطن في شباط/ شباط 2025، اتفق الجانبان على تعزيز التجارة والاستثمار ضمن إطار مبادرةٍ طموحةٍ عُرفت باسم “المهمّة 500″، والتي تهدف إلى مضاعفة حجم التجارة الثنائية ليصل إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030. وشملت المبادرة خططاً للتفاوض حول المرحلة الأولى من اتفاقية تجارة حرّة متعدّدة القطاعات بحلول خريف 2025، بما في ذلك تحسين فرص الوصول إلى الأسواق، وخفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية، وتعزيز تكامل سلاسل التوريد. ورغم اتخاذ خطواتٍ أوليةٍ لتقليص الرسوم الجمركية المتبادلة في بعض القطاعات، لم تحقّق المفاوضات تقدّماً ملموساً، وظلّت بعض القطاعات الرئيسية محلّ خلاف من دون نتائج حاسمة.

في سياق متصل، أعلن الرئيس الأميركي ترامب في إبريل/ نيسان 2025 حالة الطوارئ الوطنية بدعوى معالجة اختلالات التجارة وتحقيق قدر أكبر من التكافؤ لصالح الشركات والعمّال الأميركيين. وأشار إلى وجود تفاوت ملحوظ في الرسوم الجمركية مع الهند؛ حيث تفرض الولايات المتحدة 2.5% على سيارات الركاب المزوّدة بمحرّكات احتراق داخلي مقابل 70% في الهند، و0% على مفاتيح وأجهزة الشبكات مقابل 10–20% في الهند، و2.7% على الأرز بقشره مقابل 80% في الهند، بينما يُعفى التفاح من الرسوم في الولايات المتحدة ويخضع لتعرفة 50% في الهند.

جرى رفع الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 25%، ثم رُفعت مجدّداً في 6 آب/ آب، لتصل إلى 50%

استناداً إلى ذلك، اعتمدت واشنطن سياسة رسوم جمركية أعلى تجاه الدول التي تسجل عجزاً تجارياً كبيراً مع الولايات المتحدة، مع الإبقاء على تعرفة أساسية بنسبة 10% للدول الأخرى. وفي 31 تموز/ تموز 2025، جرى رفع الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 25%، ثم رُفعت مجدّداً في 6 آب/ آب، لتصل إلى 50%.

وصرّحت وزارة الخارجية الهندية في 6 آب/ آب، بأن الولايات المتحدة تستهدف في إجراءاتها أخيراً واردات الهند النفطية من روسيا، ووصفت تلك الإجراءات بأنها “غير عادلة وغير مبررة وغير منطقية”، مؤكّدة أن وارداتها النفطية ضرورية لضمان أمن الطاقة لدولةٍ عدد سكانها نحو 1.4 مليار نسمة، وأكدت التزامها باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها الوطنية.

وكانت وكالة رويترز قد نقلت في 2 آب/ آب، عن مصدرين حكوميين هنديين أن بلدهما سيواصل شراء النفط من روسيا رغم التهديدات الأميركية، فيما أكّدت تصريحات لمسؤولين هنود كبار عدم حدوث أيّ تغيير في سياسة الحكومة بهذا الصدد، وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز. وشكّلت زيارة وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار موسكو 19–21 آب/آب 2025، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية في مجالي الطاقة والتجارة، مؤشّراً واضحاً على رفض نيودلهي الضغوط الأميركية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ روسيا تمثل المورد الرئيسي للهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط عالمياً، حيث تستحوذ على نحو 35% من إجمالي وارداتها النفطية. ووفق بيانات “رويترز”، استوردت الهند ما يقارب 1.75 مليون برميل يومياً من النفط الروسي بين كانون الثاني/ كانون الثاني وحزيران/ حزيران 2025.

الوساطة الأميركية.. ترحيب باكستاني ونفي هندي

أعلنت الهند في 7 أيار/ أيار 2025 تنفيذ عملية عسكرية تحت اسم “سِندور” ضد باكستان، بدعوى الرد على هجوم “إرهابي” وقع في 22 إبريل/ نيسان 2025 في منطقة باهالغام بإقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية. وردّت باكستان في 10 أيار/ أيار بعملية عسكرية مُضادّة حملت اسم “البنيان المرصوص”، مُعتبرة إياها ردّاً على ما وصفته بـ”العدوان الهندي المستمر”.

لم يُبدِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتماماً جاداً بالتدخل وسيطاً؛ حيث صرّح في 25 إبريل/ نيسان 2025، بأن “التوترات على الحدود الهندية– الباكستانية موجودة منذ زمن بعيد، لكنهم سيتوصلون إلى حل بطريقة أو بأخرى”، من دون تأكيد واضح على إمكانية التواصل مع قادة البلدين.

مع ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً في 10 أيار/ أيار 2025 بعنوان “إعلان وقف إطلاق نار بوساطة الولايات المتحدة بين الهند وباكستان”، جاء فيه: “على مدى 48 ساعة الماضية، انخرطتُ أنا (ماركو روبيو، وزير الخارجية)، ونائب الرئيس فانس، مع مسؤولين رفيعي المستوى من الهند وباكستان، بمن في ذلك رئيسا الوزراء ناريندرا مودي وشهباز شريف، ووزير الشؤون الخارجية سوبرامانيام جايشانكار، ورئيس أركان الجيش عاصم منير، ومستشار الأمن القومي أجيت دوفال وعاصم مالك. يسعدني أن أعلن أن حكومتي الهند وباكستان قد وافقتا على وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار وبدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقعٍ محايد. نحن نثني على رئيسي الوزراء مودي وشريف لحكمتهما ورزانتهما في اختيار طريق السلام”.

صرّحت وزارة الخارجية الهندية في 6 آب بأن الولايات المتحدة تستهدف في إجراءاتها أخيراً واردات الهند النفطية من روسيا

رحّبت إسلام آباد بالإعلان، بل ورشّحت الرئيس ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، في حين نفت الهند وجود أي وساطة أميركية. وعلى الرغم من تأكيد ترامب المتكرّر أن وقف إطلاق النار جاء نتيجة وساطة بلاده، أكّدت الهند مراراً رفضها هذه الرواية.

ويكشف تحليل التوقيت الوارد في البيان الأميركي عن فجوة بين الخطاب السياسي والوقائع الميدانية؛ إذ صدر البيان بعد ساعات من بدء العملية الباكستانية، وأشار إلى مشاوراتٍ استمرت 48 ساعة، أي قبل تنفيذ العملية بيومين (8–9 أيار/ أيار)، ما يُثير تساؤلاتٍ حول كيفية التوفيق بين التحضير لوقف إطلاق النار والشروع في عمل عسكري. وتشير هذه المفارقة إلى عدّة احتمالات، أنّ العملية الباكستانية كانت محاولة لاستعادة الهيبة بعد العملية الهندية، أو وسيلة للضغط على نيودلهي لقبول التهدئة، أو أنّ وقف إطلاق النار جرى عبر قنوات عسكرية مباشرة بين الطرفين من دون دور أميركي جوهري، كما تؤكد الهند.

يزيد من هذا الالتباس تصريح نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الصادر في 8 أيار/ أيار 2025، وقال فيه: “النزاع بين الهند وباكستان ليس من شأننا”، مشدّداً على محدودية قدرة واشنطن على التأثير في مسار نزاع بين دولتين نوويتين. ويتعارض هذا التصريح مع ما ورد في البيان الأميركي، الذي أشار إلى مشاركة فانس في مشاورات استمرّت 48 ساعة، بما في ذلك اليوم الذي أدلى فيه بالتصريح. يُثير هذا التناقض تساؤلاتٍ حول دوافع التصريح؛ فهل كان يهدف إلى خفض سقف التوقعات، تحسّباً لاحتمال فشل جهود الوساطة، أم أنه يعكس فعلياً غياب توسّط أميركي.

 تبقى الصين خصماً جيوسياسياً للهند ومنافساً استراتيجياً للولايات المتحدة؛ ما يعزّز أهمية الشراكة الهندية – الأميركية في مواجهة النفوذ الصيني هدفاً مشتركاً

وأشار البيان الأميركي إلى بدء محادثات حول “مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد”، غير أنّ مخرجات هذه المحادثات لم تتضح لاحقاً. وبدا هذا الطرح مُتعارضاً مع الموقف الهندي الثابت منذ اتفاقية سيملا (1972)، التي تنصّ على حل الخلافات مع باكستان، بما في ذلك قضية كشمير، عبر قنوات ثنائية ومن دون وساطة خارجية؛ باعتبارها شأناً سيادياً داخلياً.

وفي 17 حزيران/ حزيران 2025، صرّح وزير الخارجية الهندي، فيكرام ميسري، بأن رئيس الوزراء مودي أبلغ الرئيس ترامب أنّ وقف إطلاق النار تم عبر محادثات عسكرية مباشرة بين الجانبين، مؤكّداً أن الهند “لم تقبل قط الوساطة، ولا تقبلها، ولن تقبلها في المستقبل”. ويرتبط هذا الموقف برغبة نيودلهي في تجنّب أي سابقة قد تسمح بتدخل خارجي في قضية كشمير مستقبلاً؛ وهو ما تعتبره مساساً بسيادتها على الإقليم؛ وبالتالي، يمثّل رفض الوساطة مبدأً راسخاً في السياسة الخارجية الهندية.

استناداً إلى هذه المعطيات، يمكن استنتاج أن الادّعاءات الأميركية بشأن دورها في الوساطة بين الهند وباكستان تبدو محدودة التأثير، ويرجّح أن أي انخراط أميركي محتمل اقتصر على التواصل مع الجانب الباكستاني، ما يجعلها وساطة جزئية وغير شاملة.

آفاق المشهد الجيوسياسي في آسيا

وضعت الولايات المتحدة الهند في صلب استراتيجيتها في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، باعتبارها قوة آسيوية صاعدة وشريكاً استراتيجياً رئيسياً. وانعكس ذلك في تعزيز تحالفات إقليمية متعدّدة، أبرزها، مجموعة “I2U2” التي تأسست عام 2022 وتضم الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل، وقد تمثل امتداداً لنمط التحالف الرباعي (QUAD) القائم منذ 2007 في جنوب آسيا، والذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان.

يواجه هذا النهج التعاوني توازنات إقليمية مضادّة، أبرزها تصاعد الشراكة الروسية – الصينية، خصوصاً بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية عام 2022. وقبل اندلاع الحرب بحوالي 20 يوماً، التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، في بكين، وأصدرا بياناً مشتركاً أكّدا فيه رفض التدخلات الخارجية التي تهدد أمنهما الإقليمي، في إشارة ضمنية إلى أوكرانيا وتايوان.

في السياق نفسه، تعزّزت العلاقات الصينية– الباكستانية دفاعياً واقتصادياً خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تعدّ الصين المورد الرئيس للأسلحة إلى باكستان، كما يمثل الممرّ الاقتصادي الصيني – الباكستاني، الذي أُطلق عام 2015 ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، مشروعاً محورياً لربط الصين بجنوب آسيا وتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين.

من منظور استراتيجي أحادي الجانب، تختلف طبيعة علاقات الولايات المتحدة والهند مع كل من روسيا وباكستان؛ فموسكو تمثل شريكاً تقليدياً لنيودلهي، بينما ترتبط بعلاقات تاريخية تنافسية مع واشنطن. أما باكستان، فهي خصم تقليدي للهند، بينما تحتفظ بشراكة متغيّرة مع الولايات المتحدة شهدت مراحل من التعاون والفتور. وتبقى الصين خصماً جيوسياسياً للهند ومنافساً استراتيجياً للولايات المتحدة؛ ما يعزّز أهمية الشراكة الهندية – الأميركية في مواجهة النفوذ الصيني هدفاً مشتركاً.

مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والهند خلال العام الجاري، أصبح واقع التوازن الإقليمي أكثر تعقيداً؛ إذ باتت التحالفات والتحرّكات السياسية والاقتصادية أكثر حساسية وتشابكاً. وقد يتطلب ذلك المزيد من البحث والاطلاع، ومع ذلك تُشير المؤشرات الحالية إلى احتمال إعادة تموضع إقليمي في آسيا.

إنّ المشهد الجيوسياسي في آسيا يعكس استعادة لملامح فكرة “المثلث الآسيوي” التي طرحها رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف، عام 1998، وتهدف إلى بناء شراكة استراتيجية بين روسيا والهند والصين

في ظل الخلاف الهندي– الأميركي بشأن الوساطة، برزت فرص جديدة أمام باكستان لتعزيز علاقاتها مع واشنطن؛ ففي 19 حزيران/ حزيران 2025، التقى رئيس أركان الجيش الباكستاني عاصم منير، الرئيس الأميركي ترامب، في البيت الأبيض لبحث التعاون في مجالات التجارة والطاقة والمعادن والتقنيات الناشئة، وتكرّرت هذه اللقاءات في 10 آب/ آب 2025 خلال زيارة رسمية شملت اجتماعات رفيعة المستوى مع قيادات سياسية وعسكرية أميركية.

يُشير هذا التقارب الأميركي – الباكستاني إلى احتمال تعقيد جهود إعادة بناء الثقة بين نيودلهي وواشنطن، كما يمكن أن يُحدث حالةً من عدم اليقين في العلاقات الصينية – الباكستانية. وفي هذا السياق، وبينما تخوض الصين حرباً تجارية مع الولايات المتحدة، تواجه الهند زيادة مضاعفة في الرسوم الجمركية الأميركية عليها. وعليه، بادرت كل من الصين والهند إلى إدارة خلافاتهما الحدودية وفتح قنوات تواصل جديدة؛ إذ زار وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، نيودلهي 18–19 آب/آب 2025، وناقش الجانبان قضايا الحدود واتفقا على تسهيل التجارة وتعزيز نظام تجاري متعدّد الأطراف، بما في ذلك دعم دور منظمة التجارة العالمية. كما وجّه الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوة لرئيس الوزراء الهندي مودي، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في تيانجين بين 31 آب/ آب و1 أيلول/أيلول 2025.

ختاماً، يمكن القول إنّ المشهد الجيوسياسي في آسيا يعكس استعادة لملامح فكرة “المثلث الآسيوي” التي طرحها رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف، عام 1998، وتهدف إلى بناء شراكة استراتيجية بين روسيا والهند والصين. ورغم أن من المبكّر التنبؤ بإمكان تأسيس هذا النموذج أو تقييم نجاحه؛ في ظلّ النزاعات الحدودية المستمرّة بين نيودلهي وبكين، يعكس استحضار هذه الفكرة هدفاً مشتركاً للقوى الثلاث يتمثل في مقاومة الهيمنة الأحادية للنظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والسعي نحو إقامة نظام عالمي متعدّد الأقطاب. ومع اقتراب موعد قمة منظمة شنغهاي للتعاون، قد تتضح ملامح هذا التقارب الثلاثي بشكل أكبر؛ سيّما مع اجتماع قادة الهند والصين وروسيا على طاولة واحدة، ما يمثل مؤشّراً مهمّاً على الاتجاهات المستقبلية للتوازنات الإقليمية في جنوب آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

“تشكيلة” اليوم التالي

“تشكيلة” اليوم التالي

لا تتوقف مشاريع “اليوم التالي” في قطاع غزّة عن الظهور بين حين وآخر، فيما لا يزال “اليوم الأول” الإجرامي مستمرّاً بلا أفق واضح لنهايته. …جديد مشاريع مستقبل القطاع أخرجها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من جعبته مشروع قديم أضفى عليه لمساتٍ جديدة، مع إخراج رعاته إلى العلن. ترامب أظهر “تشكيلته” التي سيلعب بها (على غرار مدربي كرة القدم) في قطاع غزّة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي. التشكيلة مكوّنة من صهره جاريد كوشنر، الذي شغل منصب المبعوث إلى الشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الذي جاء ظهوره على ساحة الأحداث في قطاع غزّة مفاجئاً نسبياً، إذ لم يسبق له أن أدى دوراً خلال العامين الماضيين، لكن اتضح أن مؤسسته لم تكن غائبة أبداً عن التخطيط لـ”مستقبل قطاع غزّة”. ومن خلال هذين الوجهين، يمكن استشراف أي مستقبل يخطط لقطاع غزّة، خصوصاً أن لكل من الشخصيتين تاريخاً في طريقة التعاطي مع كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

عمل كوشنر، ومنذ الولاية الأولى لوالد زوجته، على تفعيل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية، وإعادة إظهاره على الساحة اليوم، ليست مرتبطةً بقطاع غزّة فقط، رغم أن له توجّهه الخاص في ما يتعلق بالقطاع، لكن للعب أدوار أخرى في المستقبل، وإعادته تدريجياً ليكون من ضمن طاقم عمل ترامب ليكمل ما بدأه في الولاية الأولى. وفي ما يخصّ قطاع غزّة، من المعلوم أن كوشنر كان من أوائل المسؤولين الأميركيين الذين تعاطوا مع القطاع باعتباره مشروع تطوير عقارياً، حتى قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض للولاية الثانية. ومن الواضح أن الرئيس الأميركي تبنّى رؤية صهره وطوّرها لتكون مشروع “ريفييرا الشرق الأوسط”. ورغم لغطٍ كثيرٍ أثير حول هذا المشروع، والإيحاء الأميركي بالتراجع عنه، لا يزال من الواضح أساسياً في رؤية ترامب لمستقبل غزّة. هو لا يستطيع رؤية القطاع خارج إطار مشروع عقاري مربح، وجاء بصهره للمساعدة في إقناع الدول الغربية والعربية بجدوى هذا المشروع.

خلال الاجتماع الذي جمع ترامب مع كوشنر وبلير، عاد الحديث عن “التهجير المؤقت” لمن تبقى من أهالي القطاع إلى “مناطق آمنة”، ريثما تنتهي عمليات بناء “الريفييرا”. ودخل الحديث في تفاصيل التعويضات، وكيف سيحصل فلسطينيو القطاع على عقاراتٍ في المشروع الجديد مقابل أملاكهم التي ستُستغل لتنفيذ المخطط العقاري. الاجتماع الذي كان مخصّصاً لبحث مستقبل القطاع، غاص في تفاصيل استثمارية، متجاهلاً فكرة أن هناك مقتلة حاصلة لا أحد قادرٌ، على إيقافها، أو راغبٌ في ذلك.

أما توني بلير، فهناك مقولة بين الناشطين السياسيين في بريطانيا أنه عادة “يُستعان بتوني بلير لأن الشيطان كان مشغولاً”. على هذا الأساس، يمكن النظر إلى الدور الذي سيلعبه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في المرحلة المقبلة الخاصة بغزّة وغيرها. “ريفييرا غزّة” واحد من المشاريع التي عمل عليها “معهد توني بلير”، قبل شهور، ووضع لها الخطط مع رجال أعمال إسرائيليين، بحسب ما كشفت صحيفة فاينانشال تايمز قبل أسابيع. لكن من المؤكّد أن دور المعهد لن يتوقف عند هذا الحد، وهو الذي تخصّص في تقديم مشورات إلى أنظمة ديكتاتورية لترسيخ حكمها، وجنى منها ملايين الدولارات. ولا يمكن أن ننسى دور بلير نفسه في غزو العراق، وابتكار فكرة مجلس الحكم الانتقالي برئاسة حاكم أميركي، كان حينها بول بريمر. يُعاد طرح الفكرة نفسها حالياً لإدارة شؤون غزّة. ومع ظهور بلير على الساحة، صار مفهوماً من أين جاءت الفكرة التي أدّت إلى كوارث في العراق.

تؤكّد تشكيلة ترامب هذه أن الانشغال الأميركي في “اليوم التالي” نابعٌ من رغبات اقتصادية وسياسية، ولا يضع أي اعتبار لقضية فلسطين أو أهالي قطاع غزّة الذين لا يزالون يرزحون تحت دموية “اليوم الأول”.