نصب مجسمات ضخمة للقادة والمسؤولين الإيرانيين القتلى في مطار طهران

نصب مجسمات ضخمة للقادة والمسؤولين الإيرانيين القتلى في مطار طهران

شهد مطار الإمام الخميني الدولي في طهران نصب مجسمات كرتونية ضخمة للقادة والمسؤولين البارزين الذين لقوا مصرعهم في الأعوام الأخيرة خلال المواجهات الساخنة مع إسرائيل.

وأظهرت لقطات تماثيل منصوبة لكل من الأمين العام السابق لـ “حزب الله” حسن نصر الله  والرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والقائد العام السابق للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، بالإضافة إلى القائد السابق لقوة الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري أمر علي حاجي زاده.
كما تم عرض تماثيل لكل من القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني، واللواء حسن طهراني وهو أحد مؤسسي برنامج الصواريخ الإيراني، بالإضافة إلى تمثال القائد السابق لمقر خاتم الأنبياء المركزي اللواء غلام علي رشيد.
وقُتل معظم المسؤولين المكرّمين خلال حرب الـ12 يوما التي اندلعت بين إسرائيل وإيران، في حزيران الماضي.
وتم توزيع التماثيل في صالات ومداخل المطار، مرفقة ببطاقات تعريفية توضح أسماء ومناصب الشخصيات المكرّمة، في محاولة لإبراز رمزية هؤلاء القادة ودورهم في رسم السياسات الإيرانية على مختلف الأصعدة.

المصدر: رابتلي

تحوّلات حزب الله في أربعة عقود

تحوّلات حزب الله في أربعة عقود

يسجّل السابع من آب/ آب 2025 محطّة مفصليةً في مسيرة حزب الله اللبناني الممتدّة أكثر من أربعة عقود، فلأوّل مرّة منذ اتفاق الطائف (1989)، وبعد عقود من تشريع الحكومات المُتعاقبة لسلاح الحزب عبر بيانات وزارية كرّست معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، صادقت حكومة نواف سلام الحالية على الورقة الأميركية التي تقضي بنزع سلاح حزب الله. وكلّفت بموجبها الجيش اللبناني بإعداد خطّة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الجاري (2025).

نزع هذا القرار، وبمعزل عن نتائجه وآلية تنفيذه، الشرعية السياسية والميثاقية عن سلاح الحزب، وخفّض مكانته من رتبة “المقاومة الشرعية” في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلى رتبة فصيل مسلّح قرّرت الدولة تجريده من سلاحه. ولاحت تداعيات القرار سريعاً، في موقف تصعيدي لأمين عام حزب الله نعيم قاسم، الذي حمّل الحكومة مسؤولية “أي فتنة محتملة”. وشحن الحزب موقفَه بأبعادٍ إيديولوجيةٍ وعقائدية، وحتى وجودية، بالقول: “سنخوض معركة كربلائية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأميركي”.

يستدعي هذا المنعطف في مستقبل الحزب العودة إلى مسيرة طويلة بدأت عام 1982، خاض خلالها حروباً مع إسرائيل، وتحوّل إلى لاعب إقليمي يتجاوز حدود لبنان إلى سورية واليمن والعراق، وصولاً إلى اعتباره “درّة تاج إيران” في المنطقة. وبلغت هذه المسيرة ذروتها غداة عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ تشرين الأول 2023، حين أطلق حزب الله بعدها “جبهة الإسناد”. وتطوّرت هذه الجبهة إلى حربٍ واسعة كانت كُلفتها كبيرةً على إسرائيل، لكن الحزب دفع فيها أثماناً باهظة: تدمير جانب واسع من بنيته العسكرية، سقوط مئات من مقاتليه، واغتيال معظم قادته من الصف الأوّل، وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله في 27 أيلول/ أيلول 2024، بعد عملية إسرائيلية غير مسبوقة في تفجير أجهزة البيجر الخاصة بالحزب.

هنا ملخّص لرحلة حزب الله منذ تأسيسه، مروراً بالمحطات الأساسية التي رسمت ملامح مسيرته.

1982: نواة الحزب

في صيف 1982، وبينما كانت الحرب الأهلية اللبنانية في أوجها، شنّت إسرائيل في السادس من حزيران/ حزيران أوسع اجتياح للبنان تحت اسم “سلامة الجليل”. وأدّى هذا الاجتياح إلى احتلال بيروت، لتكون أوّل عاصمة عربية تسقُط في قبضة إسرائيل. شارك في العملية أكثر من 76 ألف جندي إسرائيلي مدعومين بمئات الدبابات، وكانت محطّة من صراع أكبر بين إسرائيل ومنظمّة التحرير الفلسطينية، التي كانت فصائلها تستخدم الأراضي اللبنانية منصّة لعملياتها ضدّ الاحتلال. وسَعَتْ إسرائيل حينها إلى إقامة منطقة عازلة بعمق 40 كيلومتراً داخل لبنان.

في عام 1985 أحيا حزب الله الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب، وأعلن عن تأسيسه الرسمي

من رحم تلك الأحداث، وُلِدت النواة الأولى لحزب الله، عبر مجموعة “أمل الإسلامية”، وتلقّت دعماً ماليّاً وعسكريّاً وعقائديّاً من الحرس الثوري الإيراني، بمباركة مباشرة من الخميني. في ذلك العام، تشكّل الرعيل الأوّل من مؤسّسي الحزب، وعُرف بـ”مجموعة الـ82” التي برزت من مسجد الأوزاعي في بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي. بدأت المجموعة عملها بسرّية تامة، وخاضت أولى معاركها في مواجهة القوات الإسرائيلية عند مشارف خلدة، ثم في محيط بيروت بالتنسيق مع حركة أمل وقوى فلسطينية ولبنانية أخرى.

1985: الرسالة المفتوحة

كان عام 1985 مفصليّاً في تاريخ لبنان، إذ انسحبت إسرائيل جزئيّاً من أراضيه، مع إبقائها على “المنطقة الأمنية” في الجنوب، بالتنسيق مع جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد. وفي العام نفسه، أحيا حزب الله الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب، وأعلن عن تأسيسه الرسمي، بعد انفصاله عن حركة أمل، من خلال ما عُرفت “الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين”. وجاءت الرسالة لتكرّس ارتباط الحزب بالثورة الإسلامية في إيران، عقائديّاً وعسكريّاً وتنظيميّاً، وبدا أنّه ليس حزباً لبنانيّاً فحسب، بل كيان يتجاوز الحدود. وفيها: “… أما قدرتنا العسكرية فلا يتخيّلن أحدٌ حجمها، إذ ليس لدينا جهاز عسكري منفصلٌ عن بقية أطراف جسمنا، بل إن كلّاً منّا هو جندي مقاتل حين يدعو داعي الجهاد… وإننا متوجّهون لمحاربة المنكر من جذوره، وأول جذور المنكر أميركا”.

تولى الشيخ صبحي الطفيلي منصب الأمين العام الأوّل حتى 1991. ثم خلفه الشيخ عبّاس الموسوي الذي انتُخب في العام نفسه، لكنه لم يستمر سوى تسعة أشهر في قيادته، بعدما اغتالته إسرائيل في بلدته جبشيت، جنوب لبنان، عقب إلقائه خطاباً في ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب. وفي 1992، تسلّم حسن نصر الله القيادة ليكون ثالث أمين عام للحزب، وظلّ في موقعه حتى اغتياله في أيلول/ أيلول 2024. وعلى مدى 32 عاماً، ارتبط اسمُه بحزب الله حتى صار رديفاً له، جامعاً دور الشاهد والعرّاب والصانع لكلّ تحوّلاته.

الصورة

حزب الله

أنصار لحزب الله يرفعون صورة لعباس الموسوي وهم يستمعون لخطاب لنصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (16/2/2016 فرانس برس)

وقبل وصول نصر الله إلى القيادة، كان الحزب قد خرج من حرب “الإخوة” مع حركة أمل (1988 – 1990)، والتي انتهت باتفاق سلام دائم بين الجانبين عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.

التسعينيات: حروب وسياسة

كانت مرحلة التسعينيات حافلة في سجل حزب الله، ففي 1992 دخل الحزب الحياة السياسية اللبنانية، وأسّس كتلة “الوفاء للمقاومة” عبر ترشيح نواب من صفوفه إلى البرلمان. يومها أطلق برنامجه الانتخابي تحت شعار: “سنخدمكم بأشفار عيوننا”. فاز حينها بعشرة مقاعد، كما انضم إلى كتلته أربعة نواب مستقلين. وفي الموازاة، واصل الحزب معارك وحروباً صغيرة ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وكانت أبرز مواجهاته ما عُرفت بـ”حرب نيسان” عام 1996. … بين 11 و27 إبريل/ نيسان من ذلك العام، شنّت إسرائيل عملية “عناقيد الغضب” في عهد رئيس الوزراء شيمون بيريس، وزعمت أن غرضها ضرب قدرات حزب الله العسكرية. وفيها، ارتكب الاحتلال واحدة من أفظع مجازره في لبنان، حيث استهدف مركزاً للأمم المتحدة في بلدة قانا الجنوبية كان يحتمي فيه مئات المدنيين.

في 1992، تسلّم حسن نصر الله القيادة ليكون ثالث أمين عام للحزب، وظلّ في موقعه حتى اغتياله في أيلول 2024

انتهت الحرب بما سمّي “تفاهم نيسان” الذي رعته الولايات المتحدة بمشاركة فرنسا وسورية ولبنان وإسرائيل، ونصّ على التزام المجموعات المسلحة في لبنان بعدم مهاجمة إسرائيل بالصواريخ أو أي سلاح آخر، مقابل “تعهّد” إسرائيل بعدم استهداف المدنيين والأهداف المدنية في لبنان. لكن عمليات حزب الله استمرّت عبر تنفيذ تفجيرات ونصب كمائن ضدّ القوات الإسرائيلية في الجنوب والمناطق المحتلة.

2000: عام التحرير

وفي 25 أيار/ أيار 2000، حرّر حزب الله الجنوب اللبناني وغرب البقاع. وانسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مُنهياً احتلالاً دام 22 عاماً، في إنجاز تاريخي شكّل نقطة تحوّل كبرى في مسيرة الحزب الذي اعتبر هذا التحرير انتصاراً خالصاً له، وعزّز شعبيته ونفوذه السياسي والعسكري. وفي اليوم التالي، ألقى حسن نصر الله خطاب النصر في بنت جبيل، وقال فيه عبارته الأكثر شهرة: “إسرائيل أوهنُ من بيت العنكبوت”.

التحوّل الكبير: القرار 1559

على مدى تلك السنوات، أصبح حزب الله جزءاً محوريّاً من المشهد السياسي اللبناني، ومن انقسامات سياسية وطائفية وإقليمية بين المعسكرين المؤيّد لسورية الأسد والمعارض لها. وكان وجود الجيش السوري في لبنان قائماً منذ عام 1976، أي قبل تأسيس حزب الله، وشكّل هذا الوجود والعلاقة مع سورية رافعة كبيرة للحزب، بعدما فتح طريق إمداده العسكري من إيران عبر سورية إلى لبنان. لكن عام 2004 شهد بداية معركة دولية ضدّ حزب الله وسلاحه، مع صدور قرار مجلس الأمن 1559 باقتراح من فرنسا والولايات المتحدة للمجلس، نتيجة الانقسام الداخلي بعد تمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، واتهام سورية بالتدخّل لإطالة ولايته. ونصّ القرار على انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، ودعا إلى “حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها”. وبعد أقل من عام، انفجر الوضع في لبنان ودخل منعطفاً تاريخيّاً مع اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، في الخامس من شباط/ شباط 2005 مع رفاقٍ له، واتهام عناصر من حزب الله وسورية بالضلوع في الاغتيال.

شكّل تحرير الجنوب وغرب البقاع نقطة تحوّل كبرى في مسيرة الحزب الذي اعتبر هذا التحرير انتصاراً خالصاً له، وعزّز شعبيته

ثم سرعان ما دخل لبنان في انقسام حادّ بين معسكري “8 آذار” بقيادة حزب الله وحليفته حركة أمل والقوى المؤيّدة لسورية و”14 آذار” بقيادة تيار المستقبل وحلفاء آخرين معارضين لسورية. وتعود هذه التواريخ إلى التظاهرات المليونية التي قادها كلّ طرفٍ ضدّ الآخر. وفي 26 إبريل/ نيسان 2005، انسحبت القوات السورية من لبنان تحت ضغط غير مسبوق من الشارع اللبناني وتنفيذاً للقرار 1559. وتزامن ذلك مع عودة القائد الأسبق للجيش اللبناني ميشال عون من منفاه الفرنسي، ليصبح أقوى الحلفاء المسيحيين لحزب الله، مقابل خروج زعيم حزب القوات سمير جعجع بقرار عفو من سجنه، فصار من أشرس خصوم الحزب المسيحيين.

حرب لبنان الثانية

اندلعت حرب لبنان الثانية مع إسرائيل في 12 تموز/ تموز 2006، حين شنّ مقاتلو حزب الله هجوماً حدوديّاً مفاجئاً أسفر عن مقتل ثمانية جنود إسرائيليين وأسر جنديين اثنين، هما أيهود غولدفاسير وإلداد ريجيف. ردّت إسرائيل بشنّ حربٍ شاملةٍ ومفتوحة، شملت حصاراً بحريّاً وقصفاً جويّاً وتوغلاً برّيّاً. استمرّت الحرب 33 يوماً، وتسبّبت بدمار هائل في البنى التحتية، واستشهاد مئات وجرح آلاف.

لم تحقّق إسرائيل أهدافها، والتي كان أبرزها الإفراج غير المشروط عن الأسيرين، واقتلاع منظومة حزب الله العسكرية ونزع سلاحه. ثم انتهت الحرب بموجب قرار مجلس الأمن 1701، أبرز بنوده: وقف العمليات القتالية في لبنان، ووضع نهاية للحرب الثانية بين إسرائيل ولبنان، وقف حزب الله هجماته ضدّ إسرائيل، ووقف إسرائيل عملياتها العسكرية، وسحب كلّ قواتها من جنوب لبنان، مطالبة الحكومة اللبنانية بنشر قواتها المسلّحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة (يونيفيل)، تزامناً مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق، إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، جنوبي لبنان، لتكون خالية من السلاح، باستثناء ما هو تابع للقوات المسلّحة اللبنانية وقوات يونيفيل.

الصورة

حزب الله

دخان يتصاعد من صور جنوبي لبنان بعد قصف إسرائيلي (26/7/2006 Getty)

وعقب انتهاء الحرب، أعلن حسن نصر الله في خطاب جماهيري ما سمّاه “النصر الإلهي”. وفي 16 تموز/ تموز 2008، جرت صفقة تبادل الأسرى بوساطة ألمانية، أطلق عليها حزب الله اسم “عملية الرضوان”. سلّم خلالها تابوتي الأسيرين، مقابل تسليم إسرائيل خمسة أسرى لبنانيين، في مقدمتهم سمير القنطار، ورفات 199 لبنانياً وفلسطينياً.

بعد حرب تموز

دخل لبنان بعد “حرب تموز” مرحلة صعبة من الانقسام السياسي، وكان الحزب في صُلبها، خصوصاً بعد استقالة خمسة وزراء من حركة أمل وحزب الله، وسادس من المقرّبين للرئيس السابق إميل لحود، من الحكومة في 11 تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2006. كما شهد البلد موجة اغتيالات غير مسبوقة لشخصيات سياسية وأمنية من قوى 14 آذار. وفي 2008، وقعت لحظة انفجار كبيرة في مسيرة الحزب. بدأت الأزمة في منتصف شباط/ شباط عقب اغتيال القيادي الأمني البارز عماد مغنية، الذي استُهدف بتفجير عبوة في سيارته في دمشق. وشكّل ذلك الاغتيال ضربة موجعة للحزب، إذ فقد أحد أبرز قادة الرعيل الأوّل، وهو مؤسّس “فرقة الرضوان” بعد حرب تموز 2006، وحملت الفرقة اسمه الحركي “الحاج رضوان”.

وفي السابع من أيار/ أيار 2008، شهدت بيروت اهتزازاً أمنيّاً كبيراً مع سيطرة مقاتلي حزب الله على العاصمة ومقرّات تيار المستقبل، ردّاً على قرار الحكومة عزل رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، وملاحقة المسؤولين عن شبكة اتصالات الحزب التي اعتبرتها غير شرعية. واعتبر نصر الله حينها قرارات الحكومة إعلان حرب على الحزب. وانتهت أزمة السابع من أيار باتفاق الدوحة في الشهر نفسه، الذي وضع حدّاً لأزمة كادت أن تشعل حرباً أهلية. وعلى أثره، جرى انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتشكّلت حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، وكان حزب الله جزءاً منها.

عادت التعقيدات إلى المشهد السياسي بعد الانتخابات البرلمانية عام 2009، حيث فاز حزب الله وحلفاؤه بـ57 مقعداً من أصل 128. وفي 2011، استقال حزب الله وحلفاؤه من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في أثناء وجوده في الولايات المتحدة، ما أدّى إلى إطاحتها، بسبب امتلاك الحزب الثلث المعطّل. وبعد أشهر قليلة، شكّل نجيب ميقاتي حكومة جديدة وُصفت بحكومة حزب الله، حيث حصل الحزب وحلفاؤه على 18 وزيراً من أصل 30. وفي تموز/ تموز من العام نفسه، أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان عن أسماء أربعة عناصر من حزب الله تمّ اتهامهم بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.

بعد الحرب السورية

كان اندلاع الحرب في سورية عام 2012 بداية لانطلاق حزب الله نحو دور إقليمي واسع، عبر انخراطه في الحرب إلى جانب النظام، وتثبيت موقعه العسكري في سورية ولبنان، بالإضافة إلى تمدّد تأثيره إلى ساحات أخرى في العراق واليمن. وتسبّب دخول الحزب الحرب السورية بمزيد من الانقسام الداخلي والإقليمي بشأن دوره. وبمعزل عن هذا السجال، يتفق معظم الخبراء على أنّ الحزب دفع ثمناً باهظاً في هذه المشاركة، إذ سهّل ذلك على إسرائيل وحلفائها اختراق الحزب وانكشافه أمنيّاً، خصوصاً من الموساد الذي جمع كمّاً هائلاً من المعلومات عن مقاتلي الحزب وقياداته.

وعقب اغتيال حسن نصر الله في 27 أيلول/ أيلول 2024، تناول تحقيق لـ”فاينانشال تايمز” أسباب انكشاف الحزب الأمني في الحرب السورية، ما أدّى إلى اغتيال معظم قياداته، وتفجير أجهزة البيجر والتوكي ووكي، والقضاء على جزء كبير من ترسانته العسكرية.

بعد الحرب السورية، تعمّق دور حزب الله في المشهد السياسي اللبناني، وأصبح صاحب التأثير الأكبر في جميع القرارات

بعد الحرب السورية، تعمّق دور حزب الله في المشهد السياسي اللبناني، وأصبح صاحب التأثير الأكبر في جميع القرارات. وقد تجلّى ذلك بانتخاب حليفه ميشال عون رئيساً للجمهورية في 2016 بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي، ثم بفوزه الساحق في الانتخابات البرلمانية عام 2018، حيث نال مع جميع حلفائه 71 مقعداً. حتى عقب الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول/ تشرين الأول 2019، وبعد استقالة حكومة سعد الحريري، شكّل حسّان دياب حكومة، حظيت بدعم كامل من حزب الله، لكنها استقالت بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ آب 2020.

الصورة

حزب الله

صورة لنصر الله خلال تشييعه وخليفته هاشم صفي الدين في بيروت (23/2/2025 Getty)

قبل الحرب أخيراً مع إسرائيل، شهد الحزب أوّل تراجع محدود لتأثيره في المشهد السياسي اللبناني بعد الانتخابات البرلمانية في أيار/ أيار 2022، حين فاز مع حلفائه بـ62 مقعداً من دون تحقيق الأغلبية البرلمانية. وفي حزيران/ حزيران 2022، حكمت المحكمة الخاصة بلبنان على أعضاء حزب الله حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي بالسجن مدى الحياة غيابيّاً بتهمة اغتيال رفيق الحريري.

من الإسناد إلى انتزاع الشرعية عن السلاح

في الثامن من تشرين الأول/ تشرين الأول 2023، امتدّ لهيب “طوفان الأقصى” إلى جنوب لبنان. يومها، صرح رئيس المجلس التنفيذي السابق في الحزب هاشم صفي الدين: “نحن في الموقع الذي يجب أن نكون فيه، وعلى نتنياهو أن يعرف أنها ليست معركة أهل غزّة والضفة فقط”. … لم يتأخّر حزب الله ليعلن، في أوّل بيان رسمي له في التاسع من تشرين الأول/ تشرين الأوّل عن استهداف مركز قيادة الجليل في ثكنة برانيت، ومركز قيادة كتيبة تابعة للواء الغربي بالصواريخ الموجّهة وقذائف الهاون، ردّاً على مقتل أول ثلاثة عناصر للحزب: حسام محمد إبراهيم، وعلي رائف فتوني، وعلي حسن حدرج.

جاء قرار الحكومة اللبنانية بنزع السلاح ليضع الحزب أمام تحدٍّ تاريخي، وسط تساؤلات كثيرة بشأن مصير ترسانته العسكرية ومستقبله السياسي

توالت فصول “جبهة الإسناد” التي تسبّبت بتهجير مئات آلاف من شمال إسرائيل، ثم تحوّلت إلى حربٍ واسعة، تكبّدت فيها إسرائيل خسائر هائلة. بينما دفع حزب الله الثمن الأكبر، خصوصاً مع موجة الاغتيالات التي طاولت الرعيل الأوّل من قيادته، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في بنيته العسكرية، ومسح إسرائيل عدّة قرى جنوبية وتهجير سكان الجنوب، ووُضعت الضاحية الجنوبية في قلب بنك الأهداف الإسرائيلي.

من غير المعروف ما الذي تبقى من ترسانة حزب الله العسكرية بعد حربه أخيراً مع إسرائيل. وبحسب معهد الأمن القومي الإسرائيلي، تقدّر الترسانة بأكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة، أي ما يقارب عشرة أضعاف ترسانة حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين قبل السابع من تشرين الأول (2023). وتشمل هذه الترسانة، بحسب المعهد، صواريخ كروز وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى صواريخ دقيقة طويلة المدى، بما في ذلك الطائرات المُسيّرة.

اليوم، يقف حزب الله عند مفترق طريق، بعد أربعة عقود من الصعود، والحروب، والتمدّد الإقليمي.. جاء قرار الحكومة اللبنانية بنزع السلاح ليضع الحزب أمام تحدٍّ تاريخي، وسط تساؤلات كثيرة بشأن مصير ترسانته العسكرية ومستقبله السياسي، من لاعبٍ إقليميٍّ كبيرٍ إلى حزبٍ في الداخل اللبناني.