يصوّت مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، على مشروع قرار يمدّد لمرة أخيرة عمل قوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان
(يونيفيل) تمهيدا لانسحابها. وقالت الرئاسة البنمية لمجلس الأمن الدولي، أمس الأربعاء، إنّ جلسة التصويت ستعقد اليوم الخميس بعدما أرجئت مرارا بسبب رفض الولايات المتحدة وإسرائيل صيغة مسودة القرار.
وتأسست قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) عام 1978 وتتولى تسيير دوريات على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل. ويتم تجديد تفويض المهمة سنويا، ومن المقرر أن ينتهي أجل التفويض الحالي يوم الأحد المقبل.
وقال دبلوماسيون تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لوكالة رويترز إنه من المقرر أن يعتمد المجلس المكون من 15 عضوا مشروع قرار فرنسيا بعد التوصل إلى حل توافقي مع الولايات المتحدة، صاحبة حق النقض (الفيتو)، التي قالت في اجتماع مغلق الأسبوع الماضي إنه يتعين تمديد مهمة يونيفيل لعام واحد فقط أخير. ويطالب مشروع القرار قوات يونيفيل “بوقف عملياتها في 31 كانون الأول/ كانون الأول 2026 والبدء اعتبارا من هذا التاريخ وفي غضون عام واحد في خفض عدد أفرادها وسحبهم بشكل منظم وآمن، بالتشاور الوثيق مع حكومة لبنان بهدف جعل حكومة لبنان المسؤول الوحيد عن الأمن في جنوب لبنان”.
وتأتي هذه التطورات بعدما التزمت السلطات اللبنانية بسحب سلاح حزب الله قبل نهاية العام الجاري في إطار تطبيق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله. وقطعت الحكومة اللبنانية هذه التعهدات على وقع ضغوط أميركية وتخوّف من أن تنفّذ إسرائيل تهديدات بعدوان جديد ما لم يتم نزع سلاح الحزب. وتزعم تل أبيب أنه كان من المفترض أن تطبّق القوات الدولية قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بلبنان، بما في ذلك منع تسليح حزب الله بعد حرب لبنان الثانية (العدوان على لبنان عام 2006)، إلّا أنها لم تقم بذلك فعلياً.
من جهتها، تحدثت الرئاسة اللبنانية عن توافق حول تمديد مهمة يونيفيل حتى نهاية العام 2027، وقالت الرئاسة في بيان إنّ الرئيس جوزاف عون تلقى، اليوم الخميس، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول آخر الاتصالات الجارية للتمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل). وشكر عون الرئيس الفرنسي على “الجهد الذي بذله شخصياً ووفد بلاده في الأمم المتحدة بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأعضاء في مجلس الأمن، والذي أسفر عن التوافق للتمديد للقوات الدولية حتى نهاية العام 2027، على أن تكون مدة الفترة العملانية لهذه القوات سنة وأربعة أشهر، وتخصص سنة 2027 لتمكين الجنود الدوليين من مغادرة الجنوب تدريجياً حتى نهايتها”.
واعتبر عون “هذا الأمر خطوة متقدمة ستساعد الجيش اللبناني في استكمال انتشاره حتى الحدود المعترف بها دولياً، متى تحقق الانسحاب الإسرائيلي الكامل وتوقفت الأعمال العدائية، وأعيد الأسرى اللبنانيون”.
وتناول البحث أيضاً، بحسب بيان الرئاسة، الخطة التي سيضعها الجيش لتنفيذ قرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح في يد القوى الأمنية اللبنانية وحدها، إذ اعتبر الرئيس ماكرون أنها “خطوة مهمة ينبغي أن تتسم بالدقة، ولا سيما أنها تلقى دعماً أوروبياً ودولياً واسعاً”. وتطرق الرئيسان عون وماكرون إلى التحضيرات الجارية لعقد مؤتمرين دوليين لإعادة إعمار لبنان ولدعم الجيش.
يدرس حزب الله وحركة أمل الخيارات المتاحة أمامهما بعدما لم تخلف الزيارة الأخيرة لوفد واشنطن الموسّع إلى بيروت أي أثر إيجابي على الساحة اللبنانية، بل أخذت الأمور إلى مزيدٍ من التعقيد، وهو ما أكده رئيس البرلمان نبيه بري في تصريح صحافي، حيث أعلن صراحةً عن إحباطه من نتائج الجولة بعدما أتى الأميركيون بعكس ما وعدوا لبنان به، مشدداً على أن الأمور ليست سهلة.
وتوقّع المسؤولون اللبنانيون أن يأتي الوفد الأميركي بجواب إسرائيلي نهائي على الورقة اللبنانية الأميركية المشتركة وبخطوة إسرائيلية مقابلة بعدما قامت الحكومة بخطوتها في جلستي الخامس والسابع من آب/ آب الجاري، الأمر الذي أكد عليه الموفد الأميركي توماس برّاك نفسه قبل أسبوعٍ، بيد أنه عاد ليطلب التزامات جديدة من لبنان، مشترطاً وضع الجيش الخطة التطبيقية لنزع سلاح حزب الله والاطلاع عليها وبدء خطوات عملية بهذا الاتجاه، بما يشجع إسرائيل على بدء عملية الانسحاب من الأراضي اللبنانية، من دون أن يعطي أي ضمانات، ولا سيما بشأن وقف الاعتداءات الإسرائيلية.
هذه المشهدية دفعت حزب الله وحركة أمل إلى وضع خيار التصعيد على الطاولة بعدما كان الثنائي قد تمهّل بخطوة الشارع بذريعة “الإفساح في المجال أمام حوار معمّق وبنّاء حول القضايا المصيرية التي تواجه لبنان”، بحيث أن مواقف الموفد الأميركي أظهرت انحيازاً كبيراً لإسرائيل، خصوصاً تلك الصادرة عن السيناتور ليندسي غراهام، بشكلٍ أدخل المسؤولين اللبنانيين بحالٍ من الإرباك والامتعاض وسط خلافات تتعمّق ولا سيما على خطي الثنائي ورئيس الحكومة نواف سلام.
وكان برّاك، الذي قام بجولة على المسؤولين في لبنان غداة زيارته إسرائيل، قد شدد، أول أمس الثلاثاء، على أن واشنطن ستعمل على ضمان انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، “لكن الأهم هو نزع سلاح حزب الله”. من جانبه، رأى السيناتور الأميركي ليندسي غراهام أن فكرة نزع سلاح حزب الله تأتي من الشعب اللبناني، وعندما يُنزع السلاح سيكون هناك حديث مع إسرائيل بشأن النقاط الخمس في الجنوب، مضيفاً “لا تسألوني ماذا ستقوم به إسرائيل قبل أن تنزعوا سلاح حزب الله، وإلا فإن الحديث لن يكون له معنى”.
في هذا الإطار، قال مصدر مقرّب من بري لـ”العربي الجديد”، إن “الوضع حتماً ليس سهلاً، فلبنان كان يتوقع شيئاً لكن ما حدث مختلف تماماً، والآن يجب درس الخيارات بدقة، فهناك حرص أكيد سواء من جانب حركة أمل أو حزب الله على السلم الأهلي والاستقرار، والأهم على المؤسسة العسكرية”، لافتاً إلى أن “الحكومة تسرّعت بخطوتها، والمطلوب اليوم وضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتجنيب البلاد أي سيناريو لا أحد يرغب به”.
وأكد المصدر ذاته أن “أجواء اللقاء مع الموفد الأميركي لم تكن جيدة، ولكن الرئيس بري كان متمسّكاً بموقفه لناحية ضرورة إلزام إسرائيل بالقيام بخطوتها، والتوقف عن خرقها اتفاق وقف إطلاق النار، وهو عبّر عن انزعاجه من الموقف الأميركي، ومن الطلب فقط من لبنان الالتزام بينما من يواصل الخرق هو الإسرائيلي”.
وأوضح أن “بري أكثر المتمسّكين بالتوافق والحوار، وهذا ما يجب أن يحصل خدمة للبنان ومصلحة الشعب اللبناني، أما التصعيد والخطوات الاحتجاجية فهي قيد الدرس وهي من الخيارات المطروحة ليس من باب الاستفزاز أو تفجير الشارع بل للتعبير عن موقف وثوابت، حيث أن المطلوب اليوم الضغط باتجاه وقف الاعتداءات الإسرائيلية وانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها والتي توسّعت فيها لأكثر من خمس نقاط”، لافتاً إلى أن “الرئيس بري ستكون له كلمة مهمة وواضحة ومباشرة في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه يوم 31 آب، وسيشدد خلالها على ضرورة التوافق والحوار”.
من جهته، قال مصدر نيابي في حزب الله لـ”العربي الجديد”، إنّ “كلّ الخيارات مطروحة على الطاولة، وضمنها التحرّك في الشارع، فنحن نتمهّل ونتروّى، ولكنّ للصبر حدوداً، ولا يمكن أن نقف متفرجين على وفود تأتي وترحل وتحاول فرض إملاءاتها علينا بهذا الشكل”، مشيراً إلى أنّ “حزب الله وحركة أمل حريصان على السلم الأهلي والاستقرار ولا يريدان الدخول في أي مواجهة مع أحد وخصوصاً مع الجيش اللبناني، لكن من يريد أن يضع الناس بوجه الجيش هو الأميركي الذي ينفذ الأجندة الإسرائيلية ولا يأبه سوى لمصلحة إسرائيل”.
وأشار المصدر إلى أن “على الحكومة التراجع عن قراراتها وتصحيح مسارها، وإبعاد الجيش عن الفتنة، على أن يكون ما حصل عبرة لها، بينما تقدم التنازلات بلا أي مقابل أو ضمانة، وذلك في ظل تنصّل الأميركي من تعهداته، وظهوره بشكل صريح منحازاً إلى العدو الإسرائيلي”.
وفي كلمة له اليوم الخميس، قال رئيس كتلة حزب الله البرلمانية (الوفاء للمقاومة)، النائب محمد رعد إنّ “رفع البعض لشعار حصرية السلاح بيد الدولة في ظل انتهاك السيادة ووجود الاحتلال هو نفاق وتضليل لصالح مشاريع التبعية، فالسيادة شرط أساس لأيّ شعار أو موقف”. واعتبر رعد أنّ “القرار الحكومي المتخذ في أوائل آب خطيئة كبرى ارتُكبت عن سابق إصرار”.
في هذه الأثناء، أكد الرئيس اللبناني جوزاف عون في موقف له اليوم أن “لبنان يصرّ على أن يبقى أرض لقاء لا صدام، وأرض رسالة لا ساحة نزاع”. وضمن لقاءاته اليوم، استقبل عون سفير دولة قطر في لبنان الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، وعرض معه العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في المجالات كافة. وأكد السفير القطري استمرار دعم بلاده للبنان وحرصها على تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين، عارضاً لأبرز المشاريع التي تلقى دعماً قطرياً مستمراً، ومن بينها دعم المؤسسة العسكرية.
ويسود الترقب في لبنان لجلسة مجلس الوزراء، في الثاني من أيلول/ أيلول المقبل، والتي من المنتظر أن يقدّم فيها الجيش اللبناني خطته التطبيقية لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الجاري، وفق ما أكدته لـ”العربي الجديد” مصادر في الجيش في وقت سابق، موضحة أنّ الجيش في طور الانتهاء منها، ومشددة على أنها “لن تكون خطة مواجهة أو تؤدي إلى صدام مع أي طرف، فهو حريص على الاستقرار والسلم الأهلي”.
ميدانياً، تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وضمنها ما حصل اليوم الخميس، حيث ألقت مسيّرات إسرائيلية أربع قنابل صوتية على مواطن بينما كان يرمّم منزله في بلدة كفركلا، جنوبي البلاد، وعلى عدد من الشبان في وسط البلدة وسيارة رابيد وشاحنة تابعة للبلدية، وذلك بحسب ما ذكرت وسائل إعلام تابعة لحزب الله. كما نفذت إسرائيل غارات استهدفت مناطق مفتوحة في المحمودية والجرمق، جنوبي لبنان.
أضافت زيارة الوفد الأميركي إلى بيروت تعقيدات سياسية جديدة على المشهد السياسي في البلاد.
وقد ألغى المبعوث الأميركي توم باراك زيارة إلى قرى في جنوب لبنان بالتزامن مع احتجاجات نفذها أهالي بلدة الخيام اعتراضًا على الزيارة رافعين فيها لافتات معارضة لسياسات واشنطن ورافضين طروحات نزع السلاح من حزب الله.
ولا يكتمل المشهد في الجنوب اليوم دون الإشارة إلى استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قرى حدودية بينها كفركلا.
استياء شعبي من زيارة باراك
ويأتي الاستياء الشعبي من زيارة باراك عقب تصريحاته في قصر بعبدا التي قرأت على أنها خطوة إلى الوراء عن موقفه في زيارته الماضية على ضرورة مبادلة إسرائيل لبنان بخطوة بعد مقررات الحكومة اللبنانية الأخيرة في موضوع حصر السلاح بيد الدولة.
باراك اكتفى هذه المرة بدعوته إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله أولاً باعتبار ذلك خطوة من شأنها أن تشجع إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانية.
احتجاجات رافضة لزيارة المبعوث الأميركي إلى جنوب لبنان – غيتي
ورفع باراك ما وصف بلهجة الاستقواء والاستعلاء على منبر قصر بعبدا، ووجه إهانة إلى الصحفيين ما أسهم في زيادة الاستياء السياسي والشعبي من الزيارة.
من جهتها، اكتفت الرئاسة اللبنانية ببيان وُصف بالخجول أعربت فيه عن أسفها للكلام الذي صدر عفوًا عن منبرها من قبل أحد ضيوفها دون تسمية بارّاك صراحة.
وروّجت أوساط حركة أمل أن الوفد الأميركي القادم من تل أبيب لم يأت بأي جديد وبأن الأمور ذهبت نحو التعقيد مجددًا، فيما قال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله إن واشنطن تريد القضاء على مقومات الصمود والدفاع التي يتمتع بها لبنان، مشيرًا إلى أن ما وصفها بالإملاءات الجديدة بمثابة تنصل واضح من اتفاق وقف إطلاق النار في أواخر تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي.
“خطوة إلى الأمام”
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والباحث السياسي أسعد بشارة أن زيارة باراك الأخيرة تمثل “خطوة إلى الأمام، لأن مسار التفاوض الذي تقوده الولايات المتحدة ما زال مستمرًا ولم ينته بعد”.
وأوضح بشارة، في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، أن الموفد الأميركي شدّد على ضرورة تحقيق تقدم في مسار تطبيق أي تفاهم يُفترض أن يفضي إلى انسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان وسحب سلاح حزب الله، معتبرًا أن التفاوض لا يمكن أن ينتهي من دون بلوغ هذين الهدفين.
كما لفت إلى أهمية عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان على إعادة الإعمار، مؤكدًا أن الهدفين الأساسيين المتعلقين بالانسحاب الإسرائيلي يتمثلان في وقف الاعتداءات والاغتيالات الإسرائيلية ووقف الخروقات الجوية والبرية للأراضي اللبنانية.
كما يلحظ الكاتب السياسي أن “اتفاق وقف إطلاق النار أعطى إسرائيل الذريعة إذ جاءت حصرية السلاح بيد القوى الشرعية في نصه الحرفي، وهو ما “لم يطبق من جهة لبنان”، حسب قوله. وأوضح أن مبادئ حصرية السلاح لم يبدأ البحث في آلية تنفيذها بعد.
انتكاسة في مصلحة إسرائيل
من جهته، يعتبر عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” في مجلس النواب اللبناني، إيهاب حمادة، أن رئيس البرلمان نبيه بري عبّر عن “انتكاسة” لمسار الوساطة الأميركية، بعد أن كان الوفد قد وعد في زيارته السابقة بـ”خبر طيب”.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، يوضح حمادة أن “الخبر الطيب المقصود كان يتمثل في تنصّل واشنطن من الضغط على إسرائيل”، مشيرًا إلى أن “الإجابة جاءت من الجنوب، حيث لم يتمكّن الموفد الأميركي باراك من زيارة المنطقة”.
ويرى حمادة أن زيارة الوفد الأميركي “خطوة إلى الأمام في اتجاه وضع لبنان تحت الرهن الإسرائيلي، والمضي في مشروع صهيو-أميركي يخدم مصالح إسرائيل”.
ويضيف أن حزب الله ملتزم بما أُعلن من قبل رئاسة الجمهورية اللبنانية، لافتًا إلى إعلان الجيش اللبناني سيطرته على نحو 90% من المواقع جنوب نهر الليطاني، “في وقت يواصل الجيش الإسرائيلي اعتداءاته وخروقاته”.
تعويل أميركي على استمرار المباحثات
وفي قراءة للموقف الأميركي، يشير المستشار السابق في البيت الأبيض ستيف جيل إلى أن المبعوث الأميركي في وضع لا يُحسد عليه فيما لا يثق الطرفان اللبناني والإسرائيلي ببعضهما البعض.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يلفت جيل إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تكون وسيطًا، مشيرًا إلى أن إجراء مباحثات يعني إحراز تقدم قد يفضي إلى اتفاق مستدام.
جيل يرى أن احتلال إسرائيل للأراضي في جنوب لبنان جاء لدرء خطر الصواريخ التي كانت تُطلق من لبنان، حسب قوله.
شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي بعد ظهر اليوم الخميس سلسلة غارات جوية استهدفت منطقة الزغرين عند الأطراف الشرقية لبلدة الريحان جنوبي لبنان، مستخدمًا صواريخ جو- أرض، وفق ما أوردته الوكالة الوطنية للإعلام.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفّذ غارات على مواقع عدة في جنوب لبنان، مشيرًا إلى استهداف منصات إطلاق صواريخ تابعة لحزب الله، حسب زعمه.
وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، فقد طالت الغارات الإسرائيلية أيضًا مناطق بين بلدتي المحمودية والخردلي، فيما تعرّض مجرى نهر الخردلي قرب المحمودية لقصف جوي متكرر.
وأوضح مراسل التلفزيون العربي في بيروت، محمد شبارو، أن هذه المنطقة تقع على نهر الليطاني، وتُعد الأقرب إلى الحدود الجنوبية.
قنابل صوتية ومسيّرات
وأوضح المراسل أنّ هذا المحور يضم مناطق لا تبعد سوى نحو ثلاثة كيلومترات عن الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة باتجاه نهر الليطاني، مشيرًا إلى أنّ هذه البقعة تتعرض منذ فترة لاستهداف مكثّف، وتمتد على مرتفعات كفر تبنيت التي تشهد غارات عنيفة ومتواصلة.
إلى ذلك، أصيب لبناني بجروح، الخميس، جراء استهداف بقنابل صوتية ألقتها مسيّرة إسرائيلية في بلدة كفركلا جنوب البلاد، فيما حلقت طائرات مسيرة فوق العاصمة بيروت ومرجعيون (جنوب).
وأفادت الوكالة الرسمية، بأن القنابل الصوتية التي ألقتها المسيرة الإسرائيلية في كفركلا، أدت إلى إصابة شخص بجروح طفيفة.
وفي وقت سابق اليوم، ذكرت الوكالة أن مسيرة إسرائيلية، ألقت قنبلة صوتية استهدفت مواطنًا كان يقوم بترميم منزله في بلدة كفركلا.
ولفتت إلى أن “الطيران المسيّر المعادي (الإسرائيلي) يحلق في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية“.
وأشارت إلى أن “طائرات استطلاعية معادية (إسرائيلية) حلّقت على علو منخفض، فوق منطقة مرجعيون”.
في موازاة التحركات الخارجية والداخلية المتعلقة بموضوع سحب سلاح حزب الله في لبنان، تدور معركة دبلوماسية كبيرة في نيويورك قد تغيّر المشهد في الجنوب اللبناني وتضاعف التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية في هذه المرحلة.
المسألة تتعلق بالتجديد لولاية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجنوب اللبناني- اليونيفيل. فبعد نحو نصف قرن على تمركزها في تلك المنطقة، يبدو مصير هذه القوات غير محسوم: يريد لبنان بقاءها وتسعى إسرائيل لإنهاء وجودها.
يصوّت مجلس الأمن الدولي، الخميس 28 اغسطس آب، على مشروع قرار يمدّد لمرة أخيرة عمل قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) حتى نهاية العام المقبل تمهيداً لانسحابها سنة 2027. فلماذا كل هذا التجاذب بشأن هذه القوات؟
في موقع إطلاق صواريخ حزب الله، وفي آلية بيضاء مصفحة وكبيرة معروفة في الجنوب بآليات “الأمم”، انتقلنا في دورية مع عناصر من الكتيبة الهندية إلى منطقة شبعا الحدودية.
“سترون أحد المواقع العسكرية لحزب الله”. قال لنا الرائد ر. س. بهانوكا – ضابط الإعلام العام وضابط التعاون المدني – العسكري في الكتيبة الهندية.
انتقلنا في دورية مع عناصر من الكتيبة الهندية إلى منطقة شبعا الحدودية
بعد نحو عشرين دقيقة على الطريق، توقفت الآليات واقتادنا الضابط سيراً على الأقدام داخل أحد الأحراش. كان الطريق صخرياً ودون أي معالم خاصة.
بعد بضع دقائق وصلنا إلى نقطة مطوّقة بالأشجار، تتناثر فيها مقتنيات شخصية من أحذية وحرامات وطاسات وركوة قهوة وعبوات مياه.
قال لنا الضابط إن المكان الذي كنا نقف فيه هو مدخل نفق تابع لحزب الله، وإنه تمّ اكتشاف سلالم حديدية موصولة فيه كان عناصر من حزب الله يستخدمونها للدخول إلى النفق والخروج منه.
ما رأيناه بأعيننا هنا يختلف عن الصور التي رأيناها من على هاتف الضابط التي أظهرت نوعاً من البنية الهندسية المتطورة.
“هكذا كان النفق عندما عثرنا عليه”، قال لنا.
رفض مشاركتنا الصورة، وبقي المشهد الموجود هنا هو تلك الحفرة المطمورة التي تتناثر حولها أغراض بدائية أساسية للحياة في الخفاء تحت الأرض، وفي ظروف طبيعية ومناخية قاسية.
بدأ البحث عن هذا النفق في هذه المنطقة بناء على مشاهدات إطلاق الصواريخ من تلك البقعة أثناء الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
“بعد وقف إطلاق النار تم تمشيط المنطقة خطوة خطوة حتى تمكنّا من تحديد المكان من خلال دوريات جوية وبرية. ففي هذه المنطقة الواسعة، من الصعب جداً العثور على موقع بعينه، لا سيما أن النقطة نفسها كانت مخفية جيداً”، بحسب ما شرح لنا الضابط الهندي.
دلّنا الضابط أيضاً على موقع مجاور، يبعد بضعة أمتار فقط عن النفق المدمّر. قال إنه كان يُستخدم كغرفة عمليات عسكرية لحزب الله، وهو ما يجعل مجمل المكان الذي اكتُشف نقطة عسكرية مهمة للغاية.
منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل في 28 تشرين الثاني/تشرين الثاني الماضي، بات البحث عن أي مواقع عسكرية لحزب الله من أبرز مهام اليونيفيل.
مدخل نفق تابع لحزب الله بحسب اليونيفل
القرار 1701
تندرج مهام اليونيفيل هذه في إطار القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006، عقب انتهاء حرب الثلاثة وثلاثين يوماً بين حزب الله وإسرائيل، الذي ينص على وجوب التأكد من خلو أي وجود عسكري بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في الجنوب اللبناني، من غير الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية الرسمية وقوات اليونيفيل.
ويُعتبر الخط الأزرق خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان في عام 2000 – وهو ليس حدوداً بين البلدين، إنما خط فاصل بينهما.
وبنتيجة ذاك القرار زاد حجم قوات اليونيفيل بشكل ملحوظ ليصل لأكثر من 11 ألف عنصر اليوم، من أكثر من أربعين دولة.
أما عن آلية العمل المتفق عليها، فإن قوات اليونيفيل تبلّغ الجيش اللبناني عند عثورها على أي موقع عسكري أو عند رصدها خرقاً للقرار. في حالة نفق شبعا، قال الضابط إن الجيش اللبناني دمّره بعد أن أخذ الذخيرة التي كانت موجودة فيه.
لكن بالرغم من كل ما تتحدث عنه اليونيفيل باعتباره نجاحاً في تحقيق مهامها، لا تريد إسرائيل لها أن تواصل عملها.
فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر من نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وقف عمل اليونيفيل، بحسب ما نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” التي أشارت إلى أن ساعر اعتبر أن “اليونيفيل فشلت في مهمتها الأساسية، وهي منع تموضع حزب الله جنوبي نهر الليطاني”.
وقد يكون الانتقاد الإسرائيلي الأخير لليونيفيل منطلق مما كشفته جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله دعماً لغزة في 8 تشرين الأول/تشرين الأول عام 2023 من وجود عسكري متطور لحزب الله في منطقة جنوبي الليطاني.
في المقابل، تطول لائحة الخروقات الإسرائيلية للقرار الأممي ذاته التي وثقتها تقارير اليونيفيل على مدى السنوات السابقة، وليس أقلها الخرق المتكرر للأجواء اللبنانية من خلال طلعات جوية للجيش الإسرائيلي فوق لبنان وخرقه لجدار الصوت.
اليونيفيل عبر سنوات الصراع
تأسيس اليونيفيل يعود لما قبل صدور القرار 1701 وحتى قبل نشوء حزب الله نفسه.
فهي تأسست عام 1978 عقب أول اجتياح إسرائيلي للجنوب اللبناني، بقرار 425 الصادر عن الأمم المتحدة والذي ينص من بين أمور أخرى، على مساعدة الحكومة اللبنانية في تأمين عودة سلطتها الفعلية إلى المنطقة وذلك بعد أن يكون الجيش الإسرائيلي قد انسحب منها.
لم تنسحب إسرائيل يومها ولم يمنعها وجود اليونيفيل من اجتياح بيروت عام 1982، ولا من استمرار احتلالها لمناطق شاسعة من لبنان لأكثر من عقدين من الزمن، حتى عام 2000.
تحوّل دور اليونيفيل بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى تثبيت هذا الانسحاب ومراقبة الحدود وتسجيل الخروقات والعمل على تبديد أو إنهاء أي توتر يحصل عبر هذه الحدود. وقد عملت اليونيفيل مع السلطات اللبنانية والإسرائيلية على تحديد الخط الأزرق والعمل على حلّ النزاع على النقاط الخلافية بشأنه.
بعد حرب عام 2006 وصدور القرار 1701، شكلت اليونيفيل بين ذاك العام والعام 2023، آلية لخفض أي توتر أو فض نزاع بين الطرفين من خلال ما سُمّي باللجنة الثلاثية المؤلفة من مسؤولين عسكريين منها (اليونيفيل) ومن إسرائيل ومن لبنان.
وكانت هذه فترة الهدوء الأطول بين البلدين.
طوال كل هذه المراحل، كانت قوات اليونيفيل تعدّ تقارير دورية عن الوضع في الجنوب وعن انتهاكات القرارات الدولية من الجانبين.
شاهد دولي
في هذا الإطار شكّل وجود هذه القوات شاهداً دولياً على كل ما يحدث في الجنوب اللبناني، ووثّق احتلالاً واجتياحات وخروقات وتعدّيات لم يتمكّن بحكم مهامه المحدودة من منعها، ولكنه بقي مرجعاً دولياً بشأنها.
وهذا ما قد يفقده لبنان، من بين أمور أخرى، في حال إنهاء مهام هذه القوات.
سيكون من التداعيات الأخرى لذلك، ترك الجيش اللبناني وحيداً بمواجهة أي أعمال عسكرية عبر الحدود، وفقدان أي قناة اتصال تسهم في تسهيل بعض الأمور أو تخفيف الاحتقان بين الطرفين، في وقت لا اتصال مباشر أبداً بين إسرائيل ولبنان الذي يعتبر جارته الجنوبية عدواً رسمياً.
كما أن ذلك قد يحصل في توقيت حساس جداً للجيش اللبناني الذي يفتقر لأدنى مقومات المواجهة، وللتجهيز المناسب عدداً وعتاداً، ولا يزال في أولى مراحل بسط سيطرته الكاملة على الجنوب اللبناني وذلك بعد حرب دمّرت خلالها إسرائيل بلدات بأكملها هناك، وانتهت بتكليف الجيش نزع أي سلاح لحزب الله وغيره من المنظمات المسلحة في البلاد.
نقص في الميزانية
بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن اليونيفيل شكّلت وبحُكم وجودها في الجنوب اللبناني لنحو خمسة عقود قوّة اقتصادية محلية لمجتمعات الجنوب. فبالإضافة إلى عناصرها العسكريين، يعمل نحو 800 موظف مدني مع اليونيفيل، 250 من بينهم أجانب والبقية لبنانيون.
سيكون هذا العنصر أيضاً في حسابات الخسارة للبنان في حال انتهت مهمة اليونيفيل.
التحديات التي تواجهها هذه القوة الدولية ترتبط أيضاً بالواقع العام لقوات حفظ السلام في العالم، خصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة تجميد مساهماتها المالية. فواشنطن تغطي نحو 30% من ميزانية اليونيفيل، المقدّرة بحوالي نصف مليار دولار سنوياً.
وبذلك، حتى لو جرى التصويت على تمديد بقاء هذه القوات في لبنان، فإنها ستُجبر على خفض عددها وأنشطتها ما لم تحصل على تمويل بديل من دول أخرى، وهو أمر بالغ الصعوبة.
مقتنيات شخصية عثر عليها داخل النفق المُكتشف بحسب اليونيفل
إذا ما الخيارات؟
في البداية هناك طبعاً خيار الأبيض والأسود، بمعنى أنه إما يتمّ التجديد للقوات الدولية بصلاحياتها ومهامها الحالية أو إلغاء وجودها.
هناك أيضاً مقترح آخر يتم التداول به في الكواليس الدبلوماسية والسياسية، من بينها أن يكون التجديد لمرة أخيرة ولمدة عام أو ستة أشهر مع خفض تدريجي لمهمة اليونيفيل وصولاً إلى إنهائها بالكامل. يترافق ذلك مع تعزيز كبير لدور الجيش اللبناني في الجنوب.
تناقلت تقارير مقترحاً آخر يقضي بتجديد ولاية اليونيفيل، ولكن مع تقوية صلاحياتها، لا سيّما في ما يتعلّق بحرية حركتها أي من دون مرافقة من الجيش اللبناني وهذا أمر ممنوح أصلاً لها ولكنه يخضع أحياناً لاعتبارات محلية بحيث لا تستفز الدوريات أهالي البلدات الجنوبية ولا تتحوّل إلى مصدر توتر.
إذ تنتشر أحياناً فيديوهات لأهالي يعترضون دوريات أو يصطدمون مع عناصر من القوات الدولية وسط اتهامات لهم بالتعدّي على أملاك خاصة أو العمل لصالح إسرائيل أو لأن الدورية ليست برفقة الجيش اللبناني رغم أنه ليس فرضاً على اليونيفيل.
وبالرغم من أن حوادث مشابهة تبقى محدودة للغاية، إلا أنها تُظهر حساسية عمل هذه القوات في بعض الأحيان ومشاعر البعض في المناطق الحدودية تجاهها.
يبقى مقترح آخر تم التداول به بشكل غير رسمي وهو تعزيز صلاحيات اليونيفيل بشكل يسمح لها باستخدام القوة أي تغير طبيعتها من قوة أنشأت لحلّ أي نزاعات بطريقة سلمية استناداً إلى الفصل السادس في الأمم المتحدة إلى قوة يسمح لها باستخدام القوة العسكرية استناداً إلى الفصل السابع. أي دفع في هذا الاتجاه قد يخلق عدائية كبيرة في لبنان ضد أي قوات مشابهة.
ماذا سيحدث مع اليونيفيل في جلسة التجديد لمهامها؟ قد يحمل الجواب على هذا السؤال جزءاً من اللغز الأكبر الذي يؤرق اللبنانيين: ماذا سيحدث في البلاد؟ وما توجهات القوى الأساسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، بشأنه؟