مستقبل آلاف من طلاب الثانوية في السويداء مجهول

مستقبل آلاف من طلاب الثانوية في السويداء مجهول

لا يزال طلاب محافظة السويداء ينتظرون تحديد موعد لامتحانات الشهادة الثانوية، وسط خشية من ضياع عامهم الدراسي ومستقبلهم الجامعي.

كان من المفترض أن تكتظ قاعات الامتحانات في محافظة السويداء، جنوبي سورية، بطلاب الشهادة الثانوية العامة في صباح 28 تموز/ تموز الماضي، لكن المقاعد بقيت فارغة، ووجد آلاف الطلاب أنفسهم خارج التعليم لأن الحرب سبقتهم إلى الصفوف ودمرت منازلهم ومدارسهم.

لم يحمل طالب الصف الثالث الثانوي رائد الإبراهيم حقيبته منذ ثلاثة أشهر، ودُمّر منزله في قرية داما بمحافظة السويداء، بعد قصف عنيف أجبر عائلته على النزوح إلى المدينة، يقول لـ”العربي الجديد”: “البيت راح، والكتب راحت، حتى المدرسة دُمرت. كنت أنتظر تقديم امتحان الرياضيات، لكوني أطمح للتخصص في الهندسة، لكني لا أعرف إن بقي لي مقعد امتحان”. يعمل رائد حالياً مع والده في ورشة صغيرة لتأمين إيجار البيت الجديد، بينما تتراكم عليه مواد مؤجلة، وسط قرارات حكومية لا تُنفّذ، تاركةً الطلاب في حالة من الضياع والترقب.

في حي آخر من المدينة، تجلس كندة الأحمد، طالبة الفرع الأدبي، أمام كتاب التاريخ، فالامتحان مؤجّل، لكن الخوف لم يتأجل، وتقول لـ”العربي الجديد”: “يؤجلون الامتحانات بحجة حمايتنا، لكن لا أحد يشرح لنا متى سنقدّم وكيف. كل يوم نسمع قراراً جديداً ونعيش بين قلق الدراسة والخوف من القصف. أخشى أن يضيع عامي الدراسي الجديد كما ضاعت سنوات سابقة، وأن يظل حلم الجامعة بعيداً، فيما أقراني بمدن أخرى أنهوا امتحاناتهم واستعدوا لدخول الجامعات”.

نزح بشير عكروش، الطالب في الفرع العلمي، قبل شهرين من بلدة ملح بريف السويداء الشرقي، ولم يحمل معه سوى بعض الملابس، ويقول لـ”العربي الجديد”: “المدرسة دُمّرت بالكامل، والمعلمون تفرّقوا في قرى أخرى. عندما سمعت بقرار تأجيل الامتحانات شعرت بالأمل، لكن بعد أيام فهمت أن التأجيل لم يحل مشكلتي، فلا مقعد لي، ولا مدرسة، ولا حتى أوراق رسمية تثبت تسجيلي”. يقيم بشير اليوم في مأوى صغير قرب مدينة السويداء، ويحاول مراجعة الدروس من كتب قديمة حصل عليها من قبل متطوعين، لكن مع ذلك لا يعرف إن كان سيُسمح له بالتقدم للامتحان في حال عُقدت جلسات جديدة. ويضيف بحسرة: “أريد فقط أن أكمل دراستي، لا أريد أن يضيع مستقبلي كما ضاعت حياتنا في البلدة”.

يتذكر أستاذ الرياضيات من بلدة سميع طارق الباشا كيف بدت مدرسة البلدة بعد العمليات العسكرية، إذ كانت النوافذ محطمة، والسبورة (اللوح) ممتلئة بآثار القصف، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أكثر من 32 قرية دُمّرت، ونزح آلاف الطلاب. حتى لو عادوا اليوم، أين سيجلسون؟”. يحاول طارق تنظيم دروس تطوعية للطلاب النازحين، لكن غياب القرار الواضح بشأن الامتحانات، وعدم توفير مراكز بديلة، يجعل جهوده أشبه بإسعافات أولية.

بدوره، يقول أستاذ الفيزياء نبيل بركات لـ”العربي الجديد”: “نحاول إعطاء دروس بديلة للطلاب سواء في المنازل أو مراكز الإيواء، لكن المشكلة تكمن بغياب الاستقرار النفسي والأمني الذي يحتاجه الطالب للتركيز”، ولفت إلى أن “المدارس في بعض القرى دُمّرت بالكامل، وهناك طلاب لم تعد لديهم أي كتب أو أوراق تسجيل، ونخشى أن يتحول التأجيل المؤقت إلى ضياع كامل للعام الدراسي، إن لم تُتخذ خطوات واضحة وسريعة”.

من جانبها، أعلنت وزارة التربية والتعليم السورية أن سلامة الطلاب أولوية قصوى، مؤكدة أن الامتحانات المؤجلة ستُحدّد لاحقاً بقرار رسمي. في المقابل، كشف معنيون بمحافظة السويداء عن “الاستعداد لتأمين فرص مناسبة للامتحان”. لكن الأساتذة والطلاب ما زالوا بانتظار اليوم الذي تعود فيه مدارسهم كما كانت قبل أن تدمرها الحرب.

وأكد مصدر في وزارة التربية لـ”العربي الجديد”، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن “قرار تأجيل امتحانات الشهادة الثانوية العامة في السويداء جاء حرصاً على سلامة الطلاب وسط الظروف الأمنية الراهنة. المواعيد الجديدة ستُعلن لاحقاً بقرار رسمي، بما يضمن تكافؤ الفرص لكل الطلاب المتضررين، وقد شُكلت لجنة بهذا الخصوص، وسيتم البتّ بالموضوع قريباً، بحكم أن وضع السويداء حساس وله حساباته”.

يتوق الطلاب وأهاليهم إلى الأمان لاستكمال العام الدراسي، السويداء، 28 تموز 2025 (شادي الدبيسي/ فرانس برس)

يتوق الطلاب لاستكمال العام الدراسي، السويداء، 28 تموز 2025 (شادي الدبيسي/ فرانس برس)

وأوضح مسؤول الإعلام بمديرية التربية في السويداء ملهم علم الدين أنهم في المديرية يدركون حجم المعاناة التي يعيشها طلاب السويداء، وأكد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “قرار تأجيل الامتحانات لم يكن سهلاً، لكن العمل جارٍ منذ اليوم الأول للأحداث لضمان عدم حرمان أي طالب من حقه بالتعليم”.

وأضاف: “نسعى مع وزارة التربية والمعنيين بالمحافظة إلى تجهيز مراكز امتحانات بديلة وآمنة، وتأمين الكوادر والمستلزمات، ليتمكن الطلاب من تقديم امتحاناتهم في بيئة مستقرة. فسلامة الطلاب أولوية، وفي الوقت نفسه نحرص على منحهم فرصاً متكافئة مع أقرانهم في بقية المحافظات. ونحن على تواصل دائم مع الأهالي والطلاب، ونسعى لتحديد المواعيد الجديدة بأقرب وقت ممكن، مع مراعاة الظروف الإنسانية التي فرضها التهجير والدمار على آلاف العائلات في المحافظة”.

وبحسب بيانات وزارة التربية، فقد سجّل أكثر من 5.800 طالب وطالبة في السويداء لإجراء امتحانات الثانوية العامة، من بينهم 3.095 في الفرع العلمي، و1.765 في الفرع الأدبي، ونحو 1.014 في الفرع المهني، موزّعين على 57 مركزاً للامتحانات في عموم المحافظة، ما يعكس حجم الأثر الذي تركته الأحداث الأخيرة على الأسر.

وتحوّلت أغلب مدارس محافظة السويداء إلى مراكز إيواء للنازحين، ما ضاعف معاناة الانقطاع التعليمي وحرمان التلامذة والطلاب من حقهم بالتعليم، خصوصاً وسط الحديث عن نزوح نحو 30 ألف طالب نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة في المحافظة.

الحبل القصير للمفاوضات بين سورية وإسرائيل

الحبل القصير للمفاوضات بين سورية وإسرائيل

ليس بوسع الدولة السورية الحالية أن تلبي مطالب إسرائيل، ولذلك لن يذهب بعيداً مسار المفاوضات الذي بدأ منذ أشهر عدة. ما تطمح إليه إسرائيل يفوق مقدرة سورية على الوفاء به، فهي كيان هشّ لا يزال في طور التكون عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، وما لم تقطع مسافة منظورة على هذا الطريق الشاق، سيبدو أي اتفاق مع إسرائيل تنازلاً يجر عليها غضباً داخلياً واسعاً، لأن الشارع الذي سكت على التجاوزات الداخلية حتى الآن، من منظور إعطاء الفرصة للإدارة الجديدة، لن يصمت حيال أي اتفاق مختل مع إسرائيل.

الاتفاق المنظور مع إسرائيل أمني، ويجري الحديث عن أن توقيعه سيتم في شهر أيلول/أيلول الحالي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي يحضر أعمالها الرئيس أحمد الشرع، ويلقي أمامها كلمة تقدم التحول السوري الجديد، وهذا حدث يحصل للمرة الأول منذ عام 1967، منذ كلمة الرئيس الراحل نور الدين الأتاسي، التي تركزت على الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

اللقاء الأول لم يبحث في التفاصيل، بل كان هدفه كسر الجليد

بدأت المفاوضات بين سورية وإسرائيل في نقاط حدودية، وجرت بصورة مباشرة، شارك فيها أمنيون، وتركزت الجولة الأولى على جسّ النبض، ولم يخرج الحديث عن العناوين العريضة. وبحسب مصدر سوري، فإن اللقاء الأول لم يبحث في التفاصيل، بل كان هدفه كسر الجليد، وتحديد مواضيع البحث قبل الانتقال إلى طاولة المفاوضات.

جاء اللقاء بوساطة أميركية، قامت على مبدأ ضرورة بناء مسار، يقوم على وضع اللبنة الأولى في المنطقة الحسّاسة، وهي الحدود، التي عبرتها إسرائيل بمجرد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/كانون الأول الماضي، ومن ثم وضع لبنات أخرى تدريجياً، تبعاً للتقدم الأفقي والعمودي، وعلى هذا الأساس تمّ قياس مستوى كل خطوة، ومدى التقدم الذي تحققه في المفاوضات.

حضور سورية إلى طاولة المفاوضات

إسرائيل كسبت اللقاء من دون شروط، واعتبرت أن سياسة الضربات والتوغلات العسكرية داخل الأراضي مجدية، وحققت نتائج مهمة، أولها، أنها جاءت بسورية إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة، بما في ذلك الوقف المسبق للاعتداءات. ويشكل ذلك نقلة نوعية لأن التفاوض خرج عن مظلة الأمم المتحدة، وعلى أساس قراراتها الخاصة بالنزاع.

جاء المفاوض الإسرائيلي، وهو يعمل على استغلال حال الضعف السوري، لتحقيق مكاسب كبيرة مثل ترسيم الحدود، والحصول على إقرار بأن مرتفعات الجولان المحتلة أرض إسرائيلية، بالإضافة إلى فرض شروط أخرى تتعلق بعدد من قضايا الداخل السوري، وتقييد وجود قوات من الجيش السوري جنوب دمشق، ووعد من الإدارة السورية بالدخول مستقبلاً في “اتفاقات أبراهام” والتطبيع الكامل مع إسرائيل.

إسرائيل جاءت بسورية إلى طاولة التفاوض من دون شروط مسبقة، ما يشكل نقلة نوعية لأن التفاوض خرج عن مظلة الأمم المتحدة، وعلى أساس قرارتها الخاصة بالنزاع

الجانب السوري كان يطمح إلى وقف الاعتداءات التي بدأت في 8 كانون الأول، والتوغلات وقضم الأراضي، الذي يتم بصورة منهجية، واستند على إلغاء اتفاقية فصل القوات. ولم يكن لدى المفاوض السوري مخاوف من أن يتعرض لضغوط إسرائيلية مباشرة، لأنه يعول على الوسيط الأميركي. وهو يطمح لتحقيق ثلاثة أهداف: وقف القصف الإسرائيلي، العودة إلى اتفاقية فصل القوات عام 1974 والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها القوات الاسرائيلي بعد 8 كانون الأول، وتحييد إسرائيل عن التدخل في الشأن الداخلي السوري.

اعتبرت واشنطن أن الجولات التقنية التي انعقدت بين وفود أمنية على الحدود كافية لرفع مستوى المفاوضات، ولذلك خطت نحو تطوير مضمون التفاوض وشكله، ونقلت اللقاءات إلى كل من الإمارات وأذربيجان، بالتتالي، بحسب التسريبات. وفي المكانين حصل تقدم في بحث نقاط الاتفاق وجرى نقاش مفتوح، استمع فيه كل طرف إلى وجهات نظر الطرف الآخر.

وصمّمت واشنطن الشكل على النحو التالي: إجراءات بناء ثقة، يليها اتفاق أمني مكتوب يقوم على عدم الاعتداء، ومن ثم اتفاق للتفاوض حول تجديد اتفاقية فصل القوات، والمرحلة الأخيرة هي المفاوضات حول اتفاقية سلام، وفي سياق ذلك يتم فتح ثغرة لانضمام سورية إلى “اتفاقات ابراهام” في حال تحقيق اختراق فعلي.

توقفت حدة الاعتداءات الإسرائيلية خلال المفاوضات، وكانت تحصل بعض العمليات بين حين وآخر، يراد منها توجيه رسائل ضغط على المفاوض السوري، الذي كان يرجع للطرف الأميركي في كل تفصيل بوصف واشنطن هي الوسيط والمسهل، وطموح سورية أن تكون الضامن.

اللافت أن هناك تسريبات كثيرة من وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية علّقت آمالاً كبيرة على جولتي أبوظبي وباكو، وجزمت بعضها بحصول لقاء بين الشرع وتساحي هنبغي رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما نفته أوساط الإدارة الجديدة.

جاءت أحداث محافظة السويداء جنوب سورية في 13 تموز/تموز الماضي لتقلب الطاولة، لكنها لم توقف المسار التفاوضي كلياً، وإنما نقلته إلى مستوى آخر، إذ دخل عليه عنصر حضور إسرائيل بقوة في معادلة الجنوب السوري، وباتت لدى تل أبيب حجة رسمية مستندة إلى طلب الشيخ حكمت الهجري. وفي هذا الوقت بدأت تسريبات تسير في اتجاهين: الأول إقامة ممر انساني إلى السويداء يعبر محافظتي القنيطرة ودرعا، والثاني إقامة شريط عازل يشمل المحافظات الجنوبية السورية الثلاث، القنيطرة، درعا، والسويداء.

مسار تفاوضي جديد في باريس

ونتيجة للتطورات في السويداء، تشكل مسار تفاوضي جديد في باريس بوساطة فرنسية، وعلى هذا الأساس تمّ عقد عدة جلسات في 24 و25 تموز الماضي، وواحدة في 21 آب/آب الماضي، بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وقد أعلنت وسائل إعلام سورية عن هذه الجولة، وتحدثت وكالة الأنباء السورية “سانا”، عن موضوع اللقاء “لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري، وخفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل إلى تفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء”.

على هامش الجولة، انشغلت وسائل الإعلام بالحديث عن خديعة تعرض لها الجانب السوري من إسرائيل تتعلق بإرسال القوات لاقتحام السويداء، ولم تتضح الصورة فعلياً بين سوء تفسير المفاوض السوري لجولة باكو، التي فُهم منها أن تعهد إسرائيل بعدم التدخل في الشأن السوري يشمل السويداء، وبين تراجع الجانب الإسرائيلي عن تعهده بعد أن تعرض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لضغوط من قيادات درزية في إسرائيل، روحية وعسكرية، ما جعله يتدخل ويقوم بتوجيه ضربات للقوات السورية في محيط المحافظة، وقصف مقر الأركان ووزارة الدفاع بدمشق.

جولة باريس انتهت إلى عدم اتفاق، وقادت الجانب السوري إلى الأردن وروسيا وتركيا

وضع السويداء احتل القسط الأكبر من جولة باريس الأخيرة، التي انتهت إلى عدم اتفاق، وقادت الجانب السوري إلى الأردن وروسيا وتركيا. وبحضور المبعوث الأميركي لسورية توم برّاك، تمّ في عمّان تشكيل لجنة ثلاثية متابعة خاصة بالسويداء، وفي موسكو طلب الشيباني مساندة روسية للضغط على إسرائيل، وفي أنقرة جرى توقيع اتفاقية عسكرية لتأهيل الجيش السوري وتزويده بأسلحة نوعية.

يشكّل التحرك السوري السريع في الاتجاهات الثلاثة خطوة ذكية تمكنت دمشق بفضلها من رفع نبرة خطابها في اجتماع باريس الأخير، ورفض أي بحث مع إسرائيل بشأن السويداء، وصار واضحاً أن نبضها صار أقوى في المفاوضات، ولكنها لم تمانع في التعاطي إيجابياً مع الاقتراح الأميركي بتجديد بحث الاتفاقية الأمنية وفق الأسس التي جرى عليها التفاوض قبل أحداث السويداء.

الفروقات كبيرة بخصوص المراد تحقيقه من أهداف في المفاوضات، بين كل من السلطة السورية، وإسرائيل، والولايات المتحدة. إسرائيل ليست في وارد ترك الدولة السورية الجديدة تستقر، وتبني نفسها بعيداً عن هيمنتها، كما أنها ترى الفرصة سانحة لفرض أمر واقع في منطقة الجنوب، وفي الوقت ذاته بعيدة كل البعد عن البحث بموضوع الجولان وفق التصور السوري، الذي يستند إلى نتائج المفاوضات السورية الإسرائيلية بمؤتمر مدريد. في المقابل، تطمح الإدارة الجديدة إلى البحث عن صيغة توقف التصعيد الإسرائيلي، لكن ليس بالثمن الذي تطلبه إسرائيل، فهو باهظ جداً بالنسبة لها، ويصعب عليها دفعه، وهو مُحرِج لها ويضعف سلطتها على الأرض السورية، إضافة لكونه يخرق السيادة. وبحسب التصريحات التي صدرت عن مسؤولين سوريين، فإن الأولوية بالنسبة لدمشق هي التوصل إلى اتفاق أمني برعاية دولية قابلة على طمأنة إسرائيل، ووضع حد لمخاوفها من الحكم الجديد الذي ينحدر قادته من خلفية جهادية، ولذلك تريد تجميد النزاع عند هذه النقطة، وعدم الذهاب أبعد من ذلك في هذه الفترة، ولا ترى لنفسها موقعاً في “اتفاقات ابراهام”، التي تعتبر أنها حصلت بين إسرائيل ودول عربية، ليس بينها وبين إسرائيل نزاعات تاريخية وأرض محتلة.

الاستنتاج المنطقي من قراءة المعطيات المتوافرة يوصل إلى أن هناك مبالغة في أخبار الوصول إلى اتفاق، فالمفاوضات لا تزال في بدايتها، والتعقيدات كثيرة، والمواضيع على جدول الأعمال متشابكة، وثمة مسافة شاسعة بين أولويات كل طرف، وعلى هذا يبدو حبل التفاهم قصيراً، ويحتاج إلى تدخل أميركي من طبيعة خاصة حتى يصمد. وتدرك واشنطن الفروقات الكثيرة بين الطرفين، ولذلك تركز في مرحلة أولى على اتفاق عدم اعتداء ستعمل على تطويره لاحقاً.