رسوم ترامب تهدد مصانع جنوب أفريقيا… السيارات الأكثر تضرراً

رسوم ترامب تهدد مصانع جنوب أفريقيا… السيارات الأكثر تضرراً

أظهر مسح اقتصادي أن ثقة الأعمال في جنوب أفريقيا تراجعت خلال آب/آب الماضي مع بدء الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإضرار بالصادرات، مما أدى إلى ضغوط إضافية على قطاعي السيارات والزراعة. وأظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادرة، أمس الاثنين، عن بنك أبسا بالتعاون مع مكتب البحوث الاقتصادية في جامعة ستيلينبوش انخفاض المؤشر إلى 49.5 نقطة الشهر الماضي، مقابل 50.8 نقطة في تموز/تموز الماضي، حين عاد المؤشر إلى منطقة النمو للمرة الأولى منذ تسعة أشهر. ويمثل الهبوط عودة سريعة إلى منطقة الانكماش بعد شهر واحد فقط من الانتعاش الطفيف. وتشير أي قراءة دون 50 إلى انكماش في النشاط الصناعي.

ووفق البيان، فإن “الطلب المحلي والعالمي لا يزال تحت الضغط”، مضيفاً أن العديد من الشركات أشارت إلى أن الرسوم الأميركية تلحق أضراراً مباشرة بالصادرات، كما تتسبب بآثار ارتدادية على سلاسل التوريد، حتى لدى المؤسسات التي لا تصدر للسوق الأميركية. وظهر تأثير الرسوم الأميركية بوضوح في المؤشرات الفرعية للمسح. فقد هبطت طلبات المبيعات الجديدة إلى 47.4 نقطة في آب، بعدما سجلت 55.9 نقطة في تموز، ما يعكس تباطؤاً حاداً في عقود التصدير الجديدة. كما تراجع مؤشر النشاط التجاري إلى 45.8 نقطة مقابل 47.1 نقطة سابقاً، في إشارة إلى أن وتيرة الإنتاج تسير في اتجاه تنازلي. أما مؤشر تسليمات الموردين فانخفض إلى 53 نقطة من 56.4 نقطة، ما يدل على انكماش الطلب وتراجع الطلبيات من العملاء المحليين والعالميين.

30 ألف وظيفة مهددة

وقدرت وزارة التجارة والصناعة الجنوب أفريقية أن ما لا يقل عن 30 ألف وظيفة باتت معرضة للخطر المباشر بسبب الرسوم الأميركية الجديدة، مع الإشارة إلى أن قطاع السيارات وحده يوظف نحو 112 ألف عامل بشكل مباشر وقرابة 500 ألف آخرين بشكل غير مباشر عبر سلاسل التوريد والخدمات المرتبطة. وحذر وزير التجارة الجنوب أفريقي من أن الإجراءات الأميركية “تهدد استقرار قطاع يعد من أكثر القطاعات تنافسية وتصديراً في الاقتصاد الوطني”، داعياً واشنطن إلى إعادة النظر في قراراتها التي وصفها بأنها “غير مبررة وتضر بالشراكة الثنائية التاريخية بين البلدين”.

يشار إلى أن العلاقات التجارية بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة كانت على مدى عقدين ركيزة أساسية للنمو في بريتوريا. فمنذ انضمامها إلى برنامج قانون النمو والفرص الأفريقي في عام 2000، استفادت جنوب أفريقيا من إعفاءات جمركية على صادراتها إلى السوق الأميركية، بما في ذلك السيارات والمنتجات الزراعية والنبيذ والمواد الخام. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 23 مليار دولار في 2023، بحسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، مع اعتماد جنوب أفريقيا على السوق الأميركية كأحد أكبر ثلاثة أسواق لصادراتها. لكن مع توجه واشنطن نحو سياسة “الرسوم العقابية” التي ينتهجها ترامب في ولايته الثانية، يبدو أن هذه المكاسب مهددة بالانكماش السريع.

ضربة لصناعة السيارات

المفارقة أن قطاع السيارات الجنوب أفريقي كان يعد نموذجاً للنجاح في أفريقيا، إذ تصدر شركات مثل بي إم دبليو وفولكس فاغن ومرسيدس-بنز وفورد جزءاً كبيراً من إنتاجها من مصانع بريتوريا وبورت إليزابيث إلى الأسواق الأوروبية والأميركية. وتشكل هذه الصناعة نحو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتوفر أكثر من 110 مليارات راند (نحو 6 مليارات دولار) من العائدات التصديرية سنوياً. وتعني الرسوم الأميركية الجديدة تراجع تنافسية هذه المنتجات أمام السيارات المصنعة في أسواق آسيا وأميركا اللاتينية التي لم تُفرض عليها رسوم مماثلة.

كما أن القطاع الزراعي ليس بعيداً عن تأثر الرسوم الأميركية. فصادرات جنوب أفريقيا من الحمضيات والنبيذ والمنتجات الزراعية الأخرى كانت تحقق أرباحاً جيدة في السوق الأميركية. ومع الرسوم الجديدة، يخشى المزارعون فقدان حصصهم لمصلحة منافسين من أميركا الجنوبية مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل، الذين يستطيعون توفير منتجات بأسعار أقل. ويأتي هذا التحدي في وقت يعاني القطاع الزراعي من آثار التغير المناخي والجفاف الدوري، ما يقلص هوامش ربحية المزارعين ويهدد استدامة الإنتاج.

ويعاني الاقتصاد في جنوب أفريقيا من نقاط ضعف مزمنة، بينها معدل بطالة مرتفع تجاوز 32% في 2024، وارتفاع معدل البطالة إلى 33.2% في الربع الثاني من عام 2025، ونمو اقتصادي لم يتعد 0.9% في العام نفسه. ومع الرسوم الأميركية الجديدة، يخشى محللون أن يتراجع النمو إلى ما دون 0.5% في 2025 إذا استمرت الصادرات في الانكماش. وتشير بعض التقديرات الصادرة عن مراكز بحث محلية إلى أن كل تراجع بنسبة 10% في صادرات السيارات قد يخفض النمو الاقتصادي الكلي بنسبة 0.2%، وهو ما يعني أن الاقتصاد قد يقترب من حالة ركود إذا لم تتخذ إجراءات تصحيحية.

ميغان تشوريتز.. نجمة يهودية تتحدى الصهيونية في جنوب أفريقيا

ميغان تشوريتز.. نجمة يهودية تتحدى الصهيونية في جنوب أفريقيا

في منزلها المتواضع بمدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، تجلس ميغان تشوريتز البالغة من العمر 60 عاما، وهي تروي بصراحة مؤلمة قصة تحولها من “نجمة صغيرة محبوبة في المجتمع اليهودي” إلى واحدة من أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في جنوب أفريقيا.

إنها قصة امرأة دفعت ثمناً باهظاً لمبادئها، فقدت من خلالها مكانتها في مجتمعها وتعرضت للتهديد والمضايقات والعنف الجسدي، لكنها لم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

جذور التمرد في ظل الأبارتهايد

عندما سألنا تشوريتز عن الجذور التي شكلت روحها المتمردة، قالت “في الواقع أنا في الستين من عمري، وأشعر بكل عام من هذه السنوات الآن”. ثم تغوص في ذكريات طفولة معقدة في جوهانسبرغ إبان نظام الأبارتهايد العنصري الذي حكم جنوب أفريقيا من عام 1948 إلى 1994.

الأبارتهايد، مصطلح أفريكاني يعني “الانفصال” وكان نظاماً قانونيا للفصل العنصري المؤسسي فرضته الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا. وقد قسم هذا النظام السكان إلى 4 فئات عرقية: البيض، الأفارقة (السود)، الملونون (المختلطون)، الهنود. وكان لكل مجموعة حقوق مختلفة، مع تمتع البيض بامتيازات كاملة بينما حُرمت المجموعات الأخرى من الحقوق الأساسية.

وقد شمل النظام قوانين تحدد أماكن السكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية، وحتى أي المقاعد يمكن الجلوس عليها في الحافلات.

“النشأة في منزل يهودي صهيوني من الطبقة المتوسطة خلال فترة الأبارتهايد كانت أمرا غريبا حقا” حيث تقول تشوريتز وهي تستذكر تلك الفترة و”عائلتي كانت مختلة الوظائف إلى حد كبير. والدي كان يعترف بظلم الأبارتهايد دون أن يفعل الكثير حيال ذلك”.

وكان هذا التناقض -بين الاعتراف النظري بالظلم والصمت العملي- سمة مميزة للعديد من العائلات البيضاء الليبرالية في جنوب أفريقيا.

فبينما كانوا يدركون فظاعة النظام، إلا أن قلة منهم كانت مستعدة للتضحية بامتيازاتها أو مواجهة العواقب الاجتماعية والاقتصادية للمقاومة الفعلية.

إعلان

وتضيف تشوريتز طبقة أخرى من التعقيد عندما تصف كيف أن أفراد عائلتها انتقلوا تدريجيا إلى إسرائيل “عمة والدي الكبرى، وأخوه الأصغر، وفي النهاية جدتي، انتقلوا جميعا إلى إسرائيل في مراحل مختلفة من حياتي. والداي أيضا كانا قد هاجرا قبل ولادتي للعيش في كيبوتس من خلال الحركة الصهيونية الشبابية هابونيم. لكنهما عادا فقط لأن والدتي الصغيرة جدا كرهت الحياة هناك”.

وقد زرع هذا التنقل بين جنوب أفريقيا وإسرائيل -بين نظام فصل عنصري وآخر- بذور الشك المبكرة في ذهن الطفلة ميغان “لذلك، كان هناك دائما هذا الانفصال بين ما كان يحدث في جنوب أفريقيا وما كان يحدث في إسرائيل” كما تشرح تشوريتز.

وخلال دراستها في مدرسة ثانوية يهودية، بدأت تشوريتز تشعر بعدم الراحة مع ما كانت تتلقاه من تعليم، وتقول “كنت أشعر دائما بعدم الراحة الشديدة مع الكثير من التعليم الديني والصهيوني، لكنني لم أعرف كيف أفسر عدم راحتي” وتتذكر هذا الشعور بانزعاج، رغم عدم قدرتها على تفسيره وقتها، لكنه كان بداية رحلة طويلة نحو الوعي السياسي.

وجاءت اللحظة الفاصلة في تشكيل وعيها السياسي من مصدرين: معلميها المناهضين للأبارتهايد، وبشكل مفارق، رحلة إلى إسرائيل. وتقول “أصبحت صريحة بشأن الأبارتهايد بسبب بعض المعلمين الرائعين، بما في ذلك معلمة الإنجليزية التي اعتُقل ابنها دون محاكمة من قبل النظام”.

أما الرحلة إلى إسرائيل، التي كان من المفترض أن تعزز هويتها الصهيونية، فقد أتت بنتيجة معاكسة تماما. وتكشف تشوريتز “من المفارقات أن رحلة إلى إسرائيل ومناقشات مع ابن عمي المولود هناك ساعدت في تحديد رأيي المناهض للصهيونية بقوة”.

تشوريتز أثناء وقفة احتجاجية ضد الصهيونية (الجزيرة)

المسرح تعبير سياسي ومدرسة للحياة

بعد تخرجها من جامعة كيب تاون عام 1986 بدرجة البكالوريوس في الآداب ودبلوم الأداء في المسرح، انطلقت تشوريتز في مسيرة فنية امتدت لأكثر من 4 عقود.

وبدأت كممثلة قبل أن تؤسس فرقتها الخاصة للارتجال المسرحي، والتي تطورت لاحقا إلى شركة “إمبروفيغن” للمسرح الصناعي وورش العمل المؤسسية.

ولم يكن هذا العمل في الارتجال المسرحي مجرد مهنة، بل مدرسة حياة أعدتها لما هو قادم. وعندما سألنا تشوريتز عن العلاقة بين الارتجال والنشاط السياسي، أجابت بحماس “هذا سؤال رائع حقاً. الارتجال يتعلق كله بالعفوية والاستجابة في اللحظة. أعتقد أن النشاط السياسي يحتاج إلى هذا النوع من الاستجابة أيضاً، سواء كان ذلك في احتجاج، أو قرار كتابة شيء بسرعة، أو نشر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو القدرة على تقييم الموقف والتفكير بسرعة”.

وخلال مسيرتها المسرحية، حصلت تشوريتز على لقب “عميدة الارتجال” في جنوب أفريقيا، وحازت على جوائز مرموقة منها فلور دو كاب للابتكار بالمسرح عام 2009، وجائزة اختيار الجمهور لمسرح الرياضة في العام نفسه.

كما كتبت العديد من المسرحيات منفردة ومتعاونة، أبرزها “امرأة وحيد القرن” عام 1993 مع ميليندا فيرغسون التي حصلت على جائزة “آي جي آي لايف بيك” لمهرجان ويندي برو للفنون.

وعام 2007، بدأت تشوريتز مدونة بعنوان “رأس ميغان” والتي أصبحت منصتها لمراجعة المسرحيات والتعليق على “الأمور المسرحية وغيرها بشكل عام”.

إعلان

وهذه المدونة، التي تطورت لاحقاً إلى منصة سابستاك، ستصبح لاحقاً منبراً لكتاباتها السياسية العاطفية حول غزة والقضية الفلسطينية.

من المسرح إلى الأدب: ولادة “الممتلكات المفقودة”

انتقلت تشوريتز من عالم المسرح إلى الكتابة الروائية خلال فترة الإغلاق التي فرضتها جائحة “كوفيد-19” حين انضمت إلى مجموعة للكتابة عبر الإنترنت، موضحة أنها بدأت بكتابة القصص القصيرة قبل أن تتخذ قرارا بخوض تجربة تأليف رواية كاملة.

وصدرت رواية “الممتلكات المفقودة” عام 2023، وتروي حكاية لين التي ينتهي زواجها إثر اكتشافها أمرا صادما عن زوجها مارك.

وخلال جلسات العلاج النفسي، تعود لين بذاكرتها إلى طفولتها في جوهانسبرغ، مستحضرة نشأتها تحت تأثير والديها المعقدين ميرل ولاري، ومربيتها دورا، على خلفية حقبة الأبارتهايد وما صاحبها من اضطراب اجتماعي وسياسي.

وتصف تشوريتز روايتها بأنها “قريبة جدا من العظم” وتوضح أنها تمزج بين العناصر السيرية والخيالية. وتقول “كل المشاعر حقيقية وتأتي من حياتي الخاصة” لكنها تحتفظ بالحدود بين الواقع والخيال.

وقد حققت الرواية نجاحاً نقديا كبيرا، ورُشحت لجائزة “دالرو – كان تيمبا” للكتابة الإبداعية المرموقة عام 2025، إحدى أهم الجوائز الأدبية في جنوب أفريقيا. لكن هذا النجاح سيصبح لاحقاً سلاحاً ذا حدين عندما تتصاعد مواقفها السياسية.

تشوريتز في وقفة تضامنية (الجزيرة)

السابع من تشرين الأول: نقطة اللاعودة

غيّرت الأحداث التي تلت 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 مسار حياة تشوريتز بشكل جذري. وعندما سألناها عن تلك اللحظة الفاصلة، تقول “أولا: لا أعتقد أنني كنت معارضة مريحة. كنت دائما صريحة بشأن مناهضتي للصهيونية، لكن موقفي كان يُتجاهل، أو يُهمل، أو يُكنس تحت السجادة من قبل المجتمع اليهودي الصهيوني هنا”.

وتوضح أن مواقفها المناهضة للصهيونية لم تكن وليدة اللحظة، غير أن المجتمع اليهودي كان يتعامل معها بقدر من التساهل ما دامت في إطار نظري. وتضيف “كانت لي دائما ملاحظات في المقابلات حول أعمالي، ولا سيما تلك ذات الطابع اليهودي، لكن لم يُؤخذ كلامي على محمل الجد. وعام 2014 عبّرت عن موقفي وشاركت في احتجاجات، فواجهت تجاهلًا من معظم الناس، وعمد آخرون إلى إطلاق أوصاف سلبية بحقي”.

“لكن أحداث غزة غيرت كل شيء” وتقول بحدة “هذه الإبادة الجماعية الحالية، الأكثر شراً، المكشوفة، البذيئة الشبيهة بالنازية، عنت أن صوتي يجب أن يكون أعلى بكثير وأصبحت غير محتملة تماماً للصهاينة”.

الهوية اليهودية في مواجهة الصهيونية

واحد من أكثر جوانب قصة تشوريتز تعقيداً هو كيفية توفيقها بين هويتها اليهودية ومعارضتها الشديدة للصهيونية. وعندما طرحنا هذا السؤال، أجابت بوضوح قاطع “كوني يهودية لا علاقة له بالصهيونية. إنها ثقافة، مجموعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية. يهوديتي تظهر في كتاباتي، وعملي المسرحي، وحتى أجزاء من الأفلام والتلفزيون”.

وأضافت أن علاقتها باليهودية “أصبحت أكثر أهمية، أكثر معنى منذ أن اضطررت للوقوف كيهودية مناهضة للصهيونية”. وتشرح موقفها الأخلاقي “أنا مجبرة، كيهودية، كجنوب أفريقية، على التحدث ضد أي ظلم يتعارض مع ثقافتي وديني”.

أما عن الصهيونية نفسها، فلا تتردد في إدانتها بأقسى العبارات “الصهيونية شر استعماري استيطاني، متفوق، عنصري، قومي عرقي. اليهود لا يحتاجون إلى وطن خاص. قد نكون مميزين، لكننا لسنا أكثر تميزاً من أي شخص آخر، أي مجموعة أخرى من الناس على الأرض”.

الثمن الباهظ: من “كابو” إلى التهديدات بالقتل

مواقف تشوريتز السياسية كلفتها غاليا على المستوى الشخصي والمهني. وتعرضت لحملة تشويه واسعة شملت أوصافا مهينة ومؤذية، أبرزها وصفها بـ”كابو”.

ومصطلح “كابو” له تاريخ مظلم ومؤلم، إذ يُشير إلى السجناء اليهود في معسكرات الاعتقال النازية الذين عُينوا من قبل الحراس الألمان للإشراف على السجناء الآخرين مقابل امتيازات صغيرة. وهؤلاء “الكابو” كانوا في موقف صعب: إما التعاون مع النازيين أو مواجهة الموت. ويهدف استخدام هذا المصطلح ضد تشوريتز إلى اتهامها بخيانة شعبها اليهودي والتعاون مع “أعداء” إسرائيل.

إعلان

وإلى جانب وصفها بـ”كابو” تلقت تشوريتز أوصافا أخرى مؤذية مثل “يهودية كارهة لذاتها” و”إرهابية حماس”. كما تلقت تهديدات بالقتل والاغتصاب، وتعرضت للاعتداء الجسدي في الأماكن العامة و”تم البصق عليّ، والصراخ في وجهي، ودفعي من قبل الصهاينة” هكذا تصف تجربتها، خاصة في المناطق ذات الكثافة اليهودية العالية مثل مناطق “سي بوينت أو مركز غاردنز” بمدينة كيب تاون.

وعندما سؤالها عن ما يبقيها مستمرة رغم هذه التكاليف الباهظة، أجابت بلا تردد “أبدا، فموقفي غير مرن. هذا هو السبب في أنني لا أستطيع التعامل مع الصهاينة على الإطلاق”.

تمزق العائلة والمجتمع الجديد

على المستوى الشخصي، أثر نشاط تشوريتز بشكل عميق على علاقاتها العائلية. ففي إحدى كتاباتها، أشارت إلى أنه “من المحتمل أن أفراد عائلتي يعيشون أو عاشوا في منازل فلسطينية مسروقة” مما يكشف عن الألم الشخصي الذي تواجهه.

وعندما سألناها عن تأثير نشاطها على علاقاتها العائلية، تكشف عن الثمن العاطفي الحقيقي “في معظم الأيام أنا بخير وأشعر بالدعم من مجتمعي الجديد: يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة، مجتمع النشطاء المؤيدين لفلسطين، مجتمعي متعدد الأديان الذي يضم نشطاء مناهضين للصهيونية من المساحات المسيحية والمسلمة والأمم الأخرى”.

لكنها أضافت بصوت يحمل الألم “في بعض الأيام أكون محطمة. اليوم واحد منها. قلبي محطم اليوم لأنني لا أجد راحة أو عزاء من عائلة تشاركني موقفي”.

ووجدت تشوريتز رغم هذا الألم مجتمعا جديداً يحتضنها. وتتحدث بامتنان خاص عن الدكتور امتياز سليمان من منظمة “وقف الواقفين” الإغاثية الأكبر بالقارة الافريقية “لقد دعمني وأحاطني بالرعاية. هو حقا الذي يفهم الفرق بين كونك يهوديا أو صهيونيا. إنه يسمي أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة بالمجتمع اليهودي، وأنا أحب ذلك كثيرا”.

وتشرح تشوريتز فلسفة هذا المجتمع الجديد “لأنني أعتقد أن أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة يجسدون الجوهر، مبادئ (تيكون عولام) شفاء أو إصلاح العالم. اليهودية تؤمن أيضا بقدسية كل روح بشرية. وهذه المبادئ يمكن العثور عليها في جميع الأديان، وهذا ما يجمعنا”.

الفن مقاومة والكتابة شهادة

بالنسبة لتشوريتز، لا يمكن فصل الفن عن السياسة. وعندما سألناها عن العلاقة بين روايتها التي تستكشف الإرث النفسي للأبارتهايد والوضع الحالي في فلسطين، أجابت “أعتقد أن إنشاء الفن، سواء كان أدبياً أو بأي شكل آخر، لا يمكن فصله عن رؤية الفنان للعالم. نحن نبدع، نكتب، نؤدي، لتغيير قلوب وعقول الناس الذين يدخلون إلى رؤوسنا لفترة”.

وتكشف عن تأثير الأحداث الحالية على إبداعها “منذ السابع من تشرين الأول، كل قصيدة جلست لكتابتها كانت عن الإبادة الجماعية. أنا محبوسة فيها بعمق شديد، الشر الذي يفعله الرجال، لا أعرف إن كان يمكن قول أو فعل أي شيء آخر”.

وتُظهر كتاباتها الحديثة -في مدونة سابستاك، وخاصة منشورها بعنوان “قسوة المستعمر”- العمق العاطفي والاستثمار الشخصي الذي يميز كتاباتها السياسية الحالية. وعندما تكلمنا معها عن تطور كتابتها منذ أن أصبحت ناشطة، أجابت ببساطة “أكتب لأنني مضطرة، وأكتب عن الإبادة الجماعية لأنني لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر”.

جدل المهرجان الأدبي “ليست صهيونية بما فيه الكفاية”

واحدة من أبرز اللحظات في رحلة تشوريتز النضالية كانت استبعادها من المهرجان الأدبي اليهودي في نيسان/نيسان 2025. وعندما قدمت دار النشر روايتها للمشاركة بالمهرجان “تهربوا، وصمتوا، ولم يجيبوا، وتجاهلوني” كمشاركة. وبعد شهور من الصمت، اعترفوا أخيرا بأنهم “لا يستطيعون استضافتي لأن سياستي متطرفة جدا، ومهرجانهم محايد وأدبي”.

وجاءت ردة فعل تشوريتز مبتكرة وذات أثر لافت، ففي 28 نيسان/نيسان 2025 أقامت طاولة احتجاجية صغيرة أمام متحف الهولوكوست في منطقة غاردنز بمدينة كيب تاون، حيث كان المهرجان الأدبي يُقام، وعلّقت عليها لافتة كتب عليها “لست صهيونية بما يكفي للمهرجان الأدبي اليهودي”.

“كان ذلك اليوم نقطة تحول مذهلة بالنسبة لي، وللصهاينة” هكذا تتذكر تشوريتز وتقول “لا أعتقد أنهم توقعوا أي شيء مثل الذي قمت بفعله، وأبقيت ما كنت أفعله سراً حتى ذلك الصباح. أعتقد أن منظمي المهرجان كانوا محرجين بشكل فظيع”.

وقد حظي الاحتجاج، الذي لقي انتشارًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدعم كبير. وتوضح تشوريتز أنها تمكنت من حشد قدر هائل من التأييد، وأن مبادرتها الاحتجاجية الصغيرة وجدت صدى واسع الانتشار.

إعلان

ولكن اليوم لم يخل من المضايقات فـ”منظمو المهرجان لم يساعدوا أنفسهم، لأنهم استمروا في استدعاء الشرطة، ولم يكن هناك الكثير مما يمكنهم فعله، لأنني لم أكن أخرق القانون”. كما تعرض رفيقها في الاحتجاج للاعتداء الجسدي من قبل أحد زوار المهرجان، والذي كسر هاتفه المحمول عمدا.

وتخلص تشوريتز إلى استنتاج قاسٍ حول مجتمعها السابق “ما زلت غير متفاجئة من القبضة الحازمة والعنيفة للصهيونية على المجتمع اليهودي الجنوب أفريقي. وإذا تحدثت، أو خرجت، أو طرحت أسئلة، أو حتى اقترحت أنك غير مرتاح للإبادة الجماعية: يتم إسكاتك، أو إقصاؤك، أو استبعادك. وبالنسبة لمعظم اليهود، الثمن باهظ جداً”.

الأبارتهايد وإسرائيل: مقارنة مؤلمة

كجنوب أفريقية بيضاء عاشت نظام الأبارتهايد، تملك تشوريتز منظورا فريدا لمقارنة ذلك النظام بالوضع في فلسطين. وعندما سألناها عن هذه المقارنة، أجابت بوضوح قاطع “إسرائيل كانت دائما ولا تزال، نظام فصل عنصري لكنه مضاعف. لا يمكنك أن تكون مناهضاً للأبارتهايد وصهيونياً. هذا لا معنى له. وهذا هو التنافر المعرفي”.

وتشرح تشوريتز منطقها وتقول “كل شيء عن الصهيونية خاطئ، بنفس الطريقة التي يكون بها الأبارتهايد. هذا هو المكان الذي يتعقد فيه دماغي كله. وعندما يطالب الصهاينة بوطن لليهود، فإنهم يعنون وطناً عنصرياً متفوقاً. وهذا أبارتهايد. لكن أسوأ. إنها دولة يهودية حصرية على الأرض الفلسطينية”.

رسالة إلى فلسطين: من القلب إلى القلب

في ختام حوارنا الطويل مع تشوريتز، طلبنا منها أن توجه رسالة مباشرة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. فتوقفت قليلا، وتنهدت بعمق، ثم قالت “أعزائي الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، أريد فقط أن تعرفوا هذا مني. أنتم في قلبي وأفكاري كل لحظة، وحتى في أحلامي. أنا آسفة لأننا فشلنا في مساعدتكم حتى الآن. أعدكم بأن أستمر في القتال. أؤمن بفلسطين حرة وديمقراطية لجميع الذين يرغبون في أن يكونوا جزءاً منها. آمل أن يتحقق هذا في حياتي. من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة”.

النشاط المستمر والرؤية المستقبلية

تواصل تشوريتز اليوم نشاطها السياسي رغم التكلفة الشخصية والمهنية الباهظة. فهي عضو نشط في منظمة “يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة” وتشارك في الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني. وفي حزيران/حزيران 2025، لعبت دوراً بارزاً في دعم “المسيرة العالمية لغزة” والتي وصفتها بأنها قد تكون “مغيرة لقواعد اللعبة” للتضامن مع فلسطين.

وفي آب/آب 2025، دُعيت للحديث في منتدى متعدد الأديان ليوم المرأة حول “التحدث ضد السلطة” والذي أظهر اعترافاً متزايداً بها كصوت للقضايا التقدمية التي تتجاوز حركة التضامن الفلسطيني.

وتحتفظ تشوريتز بحضور رقمي نشط عبر منصات متعددة، حيث يصفها حسابها على إنستغرام بأنها “ممثلة، كاتبة، مرتجلة، مخرجة، نباتية، مناهضة للعنصرية، قارئة تاروت، مناهضة للصهيونية”. وهذا الوصف المتعدد الأوجه يعكس شخصية شاملة تجمع بين الفن والسياسة.

ألبرت لوثولي.. تحقيق في وفاة زعيم جنوب أفريقيا ينكأ جراح الفصل العنصري

ألبرت لوثولي.. تحقيق في وفاة زعيم جنوب أفريقيا ينكأ جراح الفصل العنصري

في تمام الساعة 8:30 من صباح يوم الجمعة 21 تموز/تموز 1967، وبعد تناول إفطار سريع مع زوجته، انطلق الزعيم ألبرت لوثولي من منزله في غراوتفيل، على بعد حوالي 70 كلم من ديربان في مقاطعة كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، في روتينه اليومي المعتاد.

كان زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) البالغ من العمر 69 عامًا والحائز على جائزة نوبل للسلام قبل ذلك بسنوات “يسير 3 كلم ليفتح متجر العائلة العام في نونهليفو، ثم يتوجه إلى حقوله الثلاثة من قصب السكر، ويعود ليغلق المتجر قبل أن يرجع إلى المنزل”، حسبما قالت زوجة ابنه، فيلهيلمينا ماي لوثولي، البالغة من العمر الآن 77 عامًا، في تحقيق جديد حول وفاته أمام محكمة بيترماريتسبورغ العليا في أيار/أيار الماضي. وقد أعاد وزير العدل الحالي فتح التحقيقات في العديد من الوفيات المشبوهة في عهد الفصل العنصري (الأبارتايد).

وصل لوثولي إلى المتجر بحلول الساعة 9:30 صباحًا، وانطلق مرة أخرى لتفقد حقول قصب السكر بعد حوالي نصف ساعة.

هذا القدر من المعلومات ليس محل خلاف.

الشاهد الوحيد

أخبر سائق القطار ستيفانوس لاتيغان في تحقيق عام 1967 حول وفاة لوثولي؛ أنه في الساعة 10:36 صباحًا، بينما كان قطاره البالغ وزنه 760 طنًا يقترب من جسر نهر أومفوتي، لاحظ أحدَ المشاة يسير عبر الجسر وأطلق صافرته.. “لم يبدُ أن البانتو (المصطلح الرسمي والمهين للسود في ذلك الوقت) قد أبدى أي اهتمام على الإطلاق.. لقد سار حوالي.. 15 أو 16 خطوة عندما بدأت قاطرتي تتجاوزه.. لم يحاول الاقتراب من الجانب أو إدارة جسده جانبيًا”.

ورغم أن الجسر لم يكن مصممًا لحركة المشاة، فإن لوثولي وبقية أفراد عائلته كانوا يعبرونه كثيرًا. أوضح ابنه، إدغار سيبوسيسو لوثولي، أنه عند استخدام الجسر، كان والده “حذرًا للغاية.. عندما يصل القطار، كان يقف، ولا يمشي حتى، ويمسك بالدرابزين بإحكام.. كانت المساحة كبيرة بما يكفي ليمر القطار بجانبك على الجسر”.

إعلان

ولكن، بحسب لاتيغان، لم يفعل لوثولي شيئًا من هذا القبيل في ذلك الصباح.. أخبر سائق القطار في التحقيق أنه بينما أفلتت مقدمة القطار من لوثولي بصعوبة، “ضربته زاوية الكابينة على كتفه الأيمن، وهذا تسبب في دورانه ورأيته يفقد توازنه ويسقط بين الجانب الأيمن من الجسر وبين القطار المتحرك”.

كان لاتيغان الشاهد الوحيد على الاصطدام. ووفقًا لشهادته، عندما أدرك أنه صدم لوثولي، أوقف القطار بأسرع ما يمكن.

كان لوثولي لا يزال يتنفس، ولكنه كان فاقدا للوعي وينزف من فمه عندما قال لاتيغان إنه وصل إليه.. طلب من مشرف المحطة ومديرها استدعاء سيارة إسعاف، والتي نقلت لوثولي إلى أقرب مستشفى “للبانتو”.

Albert Luthuli, then leader of South Africa’s African National Congress (ANC), bows before King Olav V of Norway on كانون الأول 10, 1961, after receiving the 1960 Nobel Peace Prize at the University of Oslo [AFP]
ألبرت لوثولي، زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا آنذاك، ينحني أمام الملك أولاف الخامس ملك النرويج يوم 10 كانون الأول/كانون الأول 1961، بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 1960 في جامعة أوسلو (الفرنسية)

بعد 58 عامًا -ما يقرب من عمر آخر بالنسبة للوثولي- فُتح تحقيق جديد في وقت سابق من هذا العام.. ألقى الخبراء الذين أدلوا بشهاداتهم بظلال من الشك على رواية لاتيغان للأحداث.

كان محلل مسرح الجريمة في الشرطة، بريندن بورغيس، جزءًا من فريق استخدم أدلة من التحقيق الأول لإعادة بناء مسرح الحادث.

شهد بورغيس قائلاً: “إن إمكانية حدوث سيناريو الحادث كما وصفه السيد لاتيغان غير مرجحة إلى حد كبير، مع الأخذ في الاعتبار مسافة التوقف المطلوبة لإيقاف القاطرة، حيث توقفت في مكان الحادث.. كان يجب تطبيق مكابح القطار على بعد 170م على الأقل قبل مدخل الجانب الشمالي من الجسر.. إن احتمال أن تكون نقطة الاصطدام على الجانب الجنوبي من الجسر غير مرجحة إلى حد كبير”.

في الواقع، يقول الخبراء إنه من المرجح أن لوثولي لم يكن يسير على طول الجسر إطلاقا.

ذهب خبير القطارات البخارية ليزلي تشارلز لابوشاني إلى أبعد من ذلك، إذ حسب تقديره “تم الاعتداء على لوثولي ونُقل جسده إلى مسار سكة حديد ليبدو وكأنه صدمه قطار”، وفقًا لمقال نشرته صحيفة “بيزنس داي” حول شهادته في أيار/أيار.

مستشهدًا “بفجوات تتعلق بوصف الصدمة من حيث الحجم وكذلك توصيف الإصابات”، أخبر أخصائي علم الأمراض الشرعي الدكتور سيبوسيسو نتسيلي في تحقيق عام 2025 أن تقرير تشريح جثة لوثولي كان “أقل من المستوى المطلوب على أقل تقدير”. واختتم نتسيلي شهادته قائلاً: “ليس لديّ ما يكفي لأقول إنه صُدم بقطار.. ما لديّ يشير إلى أنه من المحتمل أنه تعرض للاعتداء”.

تم تأجيل التحقيق حتى تشرين الأول/تشرين الأول، عندما سيصدر القاضي قونديني راديبي حكمه بشأن سبب وفاة لوثولي.

Sydney Kentridge, one of the defence lawyers at the Treason Trial, which accused 156 people, including Nelson Mandela, of treason, and lasted from 1956 to 1961, speaks to a special branch man and Chief Luthuli outside the Old Synagogue in South Africa [Sunday Times/Gallo Images/Getty Images]
سيدني كينتريدج، أحد محامي الدفاع في محاكمة الخيانة، التي اتهمت 156 شخصًا -بمن فيهم نيلسون مانديلا– بالخيانة، واستمرت بين عامي 1956 و1961، يتحدث إلى أحد أفراد الفرع الخاص والزعيم لوثولي خارج المعبد اليهودي القديم في جنوب أفريقيا (غيتي)

“بهدوء، كمعلم”

لا يوجد سجل رسمي لميلاده، ولكن من المعروف أن ألبرت جون مفومبي لوثولي ولد في وقت ما من عام 1898 في بولاوايو، روديسيا (زيمبابوي حاليًا)، حيث عمل والده مترجمًا للمنصّرين من الكنيسة الأبرشانية في أميركا. وهذا غرس في لوثولي إيمانًا عميقًا ودائمًا، ووفقًا للكاتبة نادين غورديمير، طريقة في التحدث “بلكنة أميركية واضحة”.

إعلان

عندما كان مفومبي (اسمه المفضل، الذي يعني “المطر المستمر”) يبلغ من العمر حوالي 10 سنوات، عادت عائلته إلى جنوب أفريقيا وأُرسل للعيش مع عمه، زعيم غراوتفيل، حتى يتمكن من الالتحاق بالمدرسة.

بحلول عام 1914، كان لوثولي يبلغ من العمر 16 عامًا، وقد تقدم بقدر ما يستطيع في المدرسة الصغيرة في غراوتفيل.. قضى عامًا في معهد أوهلانج، أول مدرسة ثانوية في جنوب أفريقيا أسسها وأدارها شخص أسود يُدعى جون دوبي، أول رئيس للمؤتمر الوطني الأفريقي. تبع ذلك عدة سنوات في إيدنديل، وهي مدرسة إرسالية ميثودية، حيث تلقى لوثولي -لأول مرة- تعليمه على أيدي معلمين بيض. في سيرته الذاتية، فند لوثولي الاتهام بأن المدارس الإرسالية أنتجت “إنجليزًا سودًا”. وبدلاً من ذلك، جادل قائلاً: “التقت ثقافتان، وتأثر كل من الأفارقة والأوروبيين باللقاء.. استفاد كلاهما وخرج كلاهما غنيًا”.

بعد تخرجه من إيدنديل بشهادة تدريس، قبل منصب مدير (والموظف الوحيد) لمدرسة متوسطة صغيرة مخصصة للسود فقط في موقع بلاوبوش النائي، حيث تعمق إيمانه المسيحي تحت إشراف قس محلي.

أكسبه أداء لوثولي في بلاوبوش منحة دراسية في كلية آدامز، أحد أهم مراكز تعليم السود في جنوب أفريقيا، جنوب ديربان مباشرة.

وصل لوثولي إلى آدامز بدون طموحات سياسية: “لقد اعتبرت أنه من المسلّم به أنني سأقضي أيامي بهدوء، كمعلم”.. كتب ذلك في سيرته الذاتية “دع شعبي يذهب”. لكن تأثير زد كي ماثيوز (مدير المدرسة الثانوية في آدامز، الذي سيصبح فيما بعد قائدًا مؤثرًا في المؤتمر الوطني الأفريقي وأكاديميًا) وبعض المعلمين الآخرين، فتح عينيه تدريجيًا على عالم سياسي من المقاومة.

بقي لوثولي في كلية آدامز 15 عامًا.. فقط في عام 1935 استسلم لضغوط أهالي غراوتفيل، الذين أرادوه أن يعود إلى دياره ليتولى الزعامة (كان عمه قد “طُرد” من قبل الحكومة البيضاء).

أن يصبح زعيمًا -وهو منصب براتب، مما يعني أنه يمكن طرده من قبل نظام الفصل العنصري إذا تجاوز الحدود- كان يعني قبول تخفيض كبير في الراتب، لكن لوثولي رأى في ذلك دعوة. إن تلبية احتياجات 5 آلاف من شعب الزولو في محمية أومفوتي الإرسالية، التي أسسها القس الأميركي ألدين غراوت من الكنيسة الأبرشانية عام 1844، فتحت عينيه على حقيقة الحياة في جنوب أفريقيا: “الآن رأيت -كما لو كان للمرة الأولى- الفقر المدقع لشعبي، والأذى اليومي الذي يلحق بالبشر”.

كما أوضح الزعيم في سيرته الذاتية: “في غراوتفيل، كما في جميع أنحاء البلاد، الجزء الكبير من المشكلة هو الأرض،13% من الأرض لنحو 70% من الناس، ودائمًا ما تكون أرضًا رديئة.. عندما أصبحتُ زعيمًا، واجهت كما لم يحدث من قبل فقر ربة المنزل، وتحطيم الأسر بسبب الضغوط الاقتصادية، وعجز طريقة الحياة القديمة عن مواجهة الهجوم المعاصر”.

Dr Albertina Luthuli, eldest daughter of Albert Luthuli, talks to Kerry Kennedy outside Luthuli’s house in Groutville on أيار 31, 2016 in KwaZulu-Natal while commemorating the 50th anniversary of the meeting of Robert Kennedy and Luthuli at the house [Jackie Clausen/The Times/Gallo Images/Getty Images]
الدكتورة ألبرتينا لوثولي، الابنة الكبرى لألبرت لوثولي، تتحدث إلى كيري كينيدي خارج منزل لوثولي في غروتفيل يوم 31 أيار/أيار 2016 في كوازولو ناتال أثناء إحياء الذكرى 50 لاجتماع روبرت كينيدي ولوثولي في المنزل (غيتي)

الدعوة إلى النضال

دخل لوثولي السياسة الرسمية في وقت متأخر نسبيًا من حياته مقارنة بالآخرين، حيث انضم إلى المؤتمر الوطني الأفريقي عام 1944 وهو في سن 46، قبل أربع سنوات من بدء الفصل العنصري رسميًا. انضم نيلسون مانديلا، الذي يصغره بنحو 20 عامًا، في نفس العام. وصل الرجلان في وقت كان الحزب فيه بحاجة ماسة إلى دماء جديدة. كان يُنظر إلى الجيل الأكبر من القادة السود على أنهم مهذبون للغاية ويقبلون الوضع الراهن بحيث لا يستطيعون محاربة حكومة الأقلية البيضاء القمعية بشكل متزايد، مع تشريعاتها التقييدية المتزايدة بسرعة والتي تحكم حياة السود.

إعلان

ولكن بينما هز مانديلا وعدد قليل من معاصريه الحوار الوطني بأسلوب أكثر جرأة ومواجهة، جلب لوثولي علامة تجارية أكثر اعتدالًا من القيادة إلى فرع ناتال للمؤتمر الوطني الأفريقي. تم انتخابه عضوا في الهيئة التنفيذية الإقليمية بعد أقل من عام من انضمامه إلى الحزب، ورئيسًا لفرع ناتال عام 1951.

صعد لوثولي إلى الصدارة الوطنية كمتطوع رئيسي في حملة التحدي عام 1952، والتي شهدت آلاف الأشخاص في جميع أنحاء البلاد يُعرّضون أنفسهم للاعتقال لخرقهم قوانين الفصل العنصري من خلال القيام بأشياء مثل الجلوس على مقاعد مخصصة للبيض، والسفر في حافلات مخصصة للبيض.

“تم تجريده على النحو الواجب من منصبه كزعيم من قبل حكومة الفصل العنصري، قبل انتخابه رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي بدعم من أصوات الشباب في كانون الأول/كانون الأول من ذلك العام”، يوضح البروفيسور ثولا سيمبسون من جامعة بريتوريا، أحد أبرز مؤرخي المؤتمر الوطني الأفريقي. “كان يُنظر إلى لوثولي على أنه جسر بين الكبار والصغار، لكنه وموسى كوتاني (الأمين العام للحزب الشيوعي الجنوب أفريقي لمدة 39 عامًا) أصبحا الحرس القديم عندما بدأ مانديلا ورفاقه في التحريض على العنف”.

Senator Robert F Kennedy talks with Nobel Peace Prize winner Albert Luthuli during a visit to Luthuli’s home in South Africa in 1966. Kennedy later called Luthuli ‘one of the most impressive men I have met’ [Getty Images]
السيناتور روبرت ف. كينيدي يتحدث مع الحائز على جائزة نوبل للسلام ألبرت لوثولي خلال زيارة لمنزل الأخير في جنوب أفريقيا عام 1966. كينيدي وصف لوثولي لاحقًا بأنه “أحد أكثر الرجال إثارة للإعجاب الذين قابلتهم” (غيتي)

موقف لوثولي ضد العنف

دعا مانديلا علنًا لأول مرة إلى المقاومة العنيفة في حزيران/حزيران 1953، قائلًا لحشد في صوفيا تاون، كما كتب في سيرته الذاتية، إن “العنف هو السلاح الوحيد الذي سيدمر الفصل العنصري، ويجب أن نكون مستعدين، في المستقبل القريب، لاستخدام هذا السلاح”. لم يتوافق هذا مع نهج لوثولي.

في سيرته الذاتية، مسيرة طويلة نحو الحرية، كتب مانديلا عن تعرضه “لتوبيخ شديد” من قبل لوثولي واللجنة التنفيذية الوطنية للمؤتمر الوطني الأفريقي، “لدعوته إلى مثل هذا الابتعاد الجذري عن السياسة المقبولة (عدم التسامح مع العنف أبدًا).. مثل هذه الخطب يمكن أن تثير العدو لسحق المنظمة بالكامل بينما العدو قوي ونحن لا نزال ضعفاء. قبلت اللوم، وبعد ذلك دافعت بأمانة عن سياسة اللاعنف علنًا. لكن في قلبي، كنت أعلم أن اللاعنف ليس هو الحل”.

كان لوثولي في الواقع في المحكمة، يدلي بشهادته حول التزام المؤتمر الوطني الأفريقي بالنضال اللاعنفي يوم 21 آذار/آذار 1960، عندما فتح ضباط شرطة بيض النار على حشد من المتظاهرين السود السلميين في شاربفيل، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 91 شخصًا. بعد شاربفيل، علت الدعوات إلى الاحتجاج العنيف داخل المؤتمر الوطني الأفريقي. ورغم معارضة لوثولي، مُنح مانديلا في حزيران/حزيران 1961، الإذن بإنشاء “أومخونتو وي سيزوي” (رمح الأمة)، الجناح العسكري للحزب.

يقول سيمبسون إن الوثيقة التأسيسية لهذا الجناح العسكري هي “أغرب إعلان حرب في تاريخ التمرد”، مع تركيزها على تخريب البنية التحتية الحكومية وتجنب الخسائر في الأرواح بأي ثمن.

كان عام 1961 أيضًا هو العام الذي أصبح فيه لوثولي أول أفريقي يحصل على جائزة نوبل للسلام. يقول سيمبسون: “أشار بيان اللجنة إلى أنه دافع باستمرار عن اللاعنف. لكن المفارقة هي أنه كان على علم بأن حركته قد التزمت بتشكيل فرقة تخريب، حتى لو كان قد وافق شخصيًا على القرار دون حماس“.

في البداية، منعت حكومة الفصل العنصري لوثولي من السفر إلى أوسلو لتسلّم الجائزة، لكنها رضخت في النهاية بشرط: لا يمكنه الإشارة صراحة إلى سياسة جنوب أفريقيا خلال خطابه. التزم بهذا القيد (لم يقل كلمة “أبارتاهيد”)، لكنه أدلى ببيان واضح من خلال ارتداء الزي التقليدي للزولو.

بمحض الصدفة، شهد طريق عودة لوثولي من أوسلو إلى ديربان في 15 كانون الأول/كانون الأول نفس المساء الذي بدأت فيه “أومخونتو وي سيزوي” عملياتها.

ورغم خلافاتهما، يقول سيمبسون: “أحبَّ مانديلا لوثولي واحترمه وشعر بالحاجة إلى التشاور معه.. أراد مانديلا موافقة الرجل الأكبر سنًا وتفويضه ومباركته”.

أدت هذه العلاقة الوثيقة إلى اعتقال مانديلا وسجنه لمدة 27 عامًا. ففي 1961، بعد حظر المؤتمر الوطني الأفريقي، اختفى مانديلا. الملقب “بيمبرنيل الأسود”، كان المطلوب الأول في البلاد. في آب/آب 1962، متنكرًا في زي سائق الكاتب المسرحي والناشط الأبيض سيسيل ويليامز، قاد مانديلا سيارته إلى غراوتفيل لإطلاع لوثولي على رحلة تدريب عسكري قام بها إلى دول أفريقية أخرى. كان أحد الأشخاص الذين التقى بهم مانديلا في تلك الرحلة مخبرًا للشرطة، وفي طريق عودتهما إلى جوهانسبرغ، تعرض مانديلا وويليامز لكمين من قبل الشرطة. تذكر مانديلا لاحقًا: “علمت في تلك اللحظة أن حياتي كهارب قد انتهت”.

Nobel Square in Cape Town, South Africa, with the four statues commemorating, in order from left – the late Chief Albert Luthuli, Archbishop Desmond Tutu and former presidents FW de Klerk and Nelson Mandela [Getty Images]
ساحة نوبل في كيب تاون بجنوب أفريقيا، مع التماثيل التذكارية، بالترتيب من اليسار: الزعيم الراحل ألبرت لوثولي، ورئيس الأساقفة ديزموند توتو، والرئيس السابق فريدريك دبليو دي كليرك (غيتي)

إعادة كتابة التاريخ

توفي العديد من قادة مناهضة الفصل العنصري في ظروف مشبوهة على مدى 46 عامًا من بقاء نظام الفصل العنصري. ولعل أشهر هؤلاء كان ستيف بيكو، الذي توفي عقب تعذيب الشرطة له عام 1977. التحقيق الرسمي في وفاة بيكو برّأ الشرطة، وخلص إلى أنه لا يمكن أن يكون قد مات “بأي فعل أو إغفال ينطوي على جريمة من قبل أي شخص”. ورغم الاحتجاج المحلي والدولي، لم تظهر الحقيقة إلا في لجنة الحقيقة والمصالحة (TRC) عام 1999، بعد انتهاء الفصل العنصري. برئاسة ديزموند توتو (الحائز هو الآخر على جائزة نوبل للسلام)، عقدت اللجنة أكثر من 2500 جلسة استماع بين عامي 1996 و 2002.

إعلان

بشكل مثير للجدل، كان لدى لجنة الحقيقة والمصالحة سلطة منح عفو كامل عن الجرائم ذات الدوافع السياسية، بشرط أن يقدم الجناة اعترافات صادقة وكاملة. وفي جلسات الاستماع، اعترف أربعة من رجال الشرطة بقتل بيكو، لكن القائد غيديون نيوفودت، حُرم من العفو على أساس أنه لم يثبت أن جريمته كانت ذات دافع سياسي. أُدين نيوفودت لدوره في مقتل “رباعي ماذرويل” -أربعة من رجال الشرطة السود كانوا يسرّبون معلومات إلى المؤتمر الوطني الأفريقي وقُتلوا في انفجار سيارة مفخخة زرعتها السلطات- لكنه توفي عام 2005 قبل صدور الحكم عليه.

منذ اختتام لجنة الحقيقة والمصالحة، كانت هناك تحقيقات أخرى في وفيات غامضة، وأبرزها تحقيق عام 2017 في وفاة أحمد تيمول عام 1971. وفقًا لتقارير الشرطة في ذلك الوقت، قفز تيمول من الطابق العاشر لمركز شرطة جوهانسبرغ المركزي بعدما تملّكه الخجل من الكشف عن معلومات حساسة حول زملائه أثناء الاستجواب. قضى تحقيق عام 1972 بأنه مات منتحرًا. حكم القاضي جي إل دي فيليرز “بقبول أي شيء آخر غير أن المتوفى قفز من النافذة وسقط على الأرض.. لا يمكن رؤية هذا الإدعاء إلا باعتباره سخيف. ورغم استجوابه لساعات طويلة، فقد عومل بطريقة متحضرة وإنسانية”.

ألقت وفاة تيمول الضوء على العديد (73 في المجموع) من الوفيات الغامضة للناشطين في حجز الشرطة خلال فترة الفصل العنصري. كانت هذه مصدر إلهام لقصيدة كريس فان ويك الساخرة بعنوان “في الحجز”:

سقط من الطابق التاسع
شنق نفسه
انزلق على قطعة صابون أثناء الاغتسال
شنق نفسه
انزلق على قطعة صابون أثناء الاغتسال
سقط من الطابق التاسع
شنق نفسه أثناء الاغتسال
انزلق من الطابق التاسع
علق من الطابق التاسع
انزلق على الطابق التاسع أثناء الاغتسال
سقط من قطعة صابون أثناء الانزلاق
علق من الطابق التاسع
اغتسل من الطابق التاسع أثناء الانزلاق
علق من قطعة صابون أثناء الاغتسال.

وجدت لجنة الحقيقة والمصالحة أن هناك “احتمالًا قويًا بأن بعض هؤلاء المحتجزين على الأقل الذين زُعم أنهم انتحروا بالقفز من النافذة؛ إما أُسقطوا عرضًا أو أُلقوا”. لم يكن هذا كافيًا لعائلة تيمول، ومع ذلك نجحوا عام 2017 في إعادة فتح تحقيق عام 1972.

في 12 تشرين الأول/تشرين الأول 2017، وضع القاضي بيلي موثل سابقة تاريخية بإلغاء نتائج التحقيق الأول. حكم موثل بأن “وفاة تيمول نتجت عن فعل دفعه من الطابق العاشر أو سطح” المبنى، وأن هناك قضية قتل ظاهرة الوجاهة ضد الشرطيين اللذين استجوبا تيمول في اليوم الذي دُفع فيه إلى حتفه. كان الشرطيان المعنيان قد توفيا بالفعل، لكن ثالثًا وهو جواو رودريغيز اتُهم كشريك في القتل. توفي رودريغيز قبل محاكمته.

African National Congress (ANC) President Cyril Ramaphosa lays a wreath at the gravesite of former ANC president, Chief Albert Luthuli, on كانون الأول 8, 2017 in Groutville, South Africa [Thuli Dlamini/Sowetan/Gallo Images/Getty Images]
رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي سيريل رامافوزا يضع إكليلا من الزهور على قبر الرئيس السابق الزعيم ألبرت لوثولي يوم 8 كانون الأول/كانون الأول 2017 في غروتفيل بجنوب أفريقيا (غيتي)

البحث عن دافع

تأمل عائلة لوثولي الحصول على تبرئة مماثلة عندما يصل التحقيق في وفاته إلى نهايته في تشرين الأول/تشرين الأول من هذا العام. ولكن، بالنظر إلى القضية بموضوعية، يجد البروفيسور سيمبسون صعوبة في العثور على دافع للقتل. كان لوثولي الزعيمَ الرسمي للمؤتمر الوطني الأفريقي وقت وفاته عام 1967، إلا أن مزيجًا من اعتلال الصحة وأوامر الحظر الحكومية ومعارضته للعنف قد جعلته شخصية رمزية إلى حدٍ ما، دون نفوذ سياسي كبير بحلول منتصف الستينيات.

يقول سيمبسون: “لا يوجد دافع واضح لقتله.. لقد توقف عن كونه تهديدًا للنظام. إذا كان هناك أي شيء، فقد كانت جنازته فرصة للاحتجاج”. بالطبع، يضيف سيمبسون، “لو كانت هناك مؤامرة، لما وجدها تحقيق عام 1967 أبدًا. وحتى لو كانت وفاة لوثولي عرضية، فهناك الكثير من الأسباب للشك في رواية حكومة الفصل العنصري”.

في عام 2025، كان وزير العدل رونالد لامولا في مهمة لكشف تستّر عهد الفصل العنصري. في نفس اليوم الذي أُعيد فيه فتح تحقيق لوثولي، أعلن عن خطط لإعادة فتح التحقيقات في وفاة ملونجيسي غريفيثس مكسينغ عام 1981 (محامي حقوق مدنية طُعن 45 مرة من قبل “فرقة موت” تابعة للشرطة)، وبوي مانتيي الذي أُطلق عليه الرصاص حتى الموت بزعم إلقاء الحجارة على الشرطة عام 1985. في الشهر الماضي، أُعيد فتح التحقيق في مقتل “رباعي كرادوك” عام 1985.

الآن، مات معظم مرتكبي جرائم عهد الفصل العنصري الآن (أو صاروا كبارا في السن)، ومع ذلك يواصل لامولا المضي قدمًا. قال: “بهذه التحقيقات، نفتح جراحًا حقيقية جدًا يصعب فتحها بعد 30 عامًا من ديمقراطيتنا. ولكن مع ذلك، لا يمكن أبدًا أن تُقيّد مصلحة العدالة بالزمن.. يجب أن تسود الحقيقة”.

يُعد الكشف عن الحقيقة مهمًا بشكل خاص لعائلة لوثولي. قال سانديل لوثولي، حفيد الزعيم والرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الإسكان الاجتماعي: “إنها لحظة مثيرة للغاية بالنسبة لنا”. الآن في أوائل الخمسينيات من عمره، لا يملك سانديل ذكريات عن جده، لكنه يتحدث عن كون لوثولي متدينًا بعمق: “كان يقود الصلوات الكنسية بنفسه”. كما يسلط الضوء على الدور الذي لعبته زوجة لوثولي، نوكوخانيا، في “الحفاظ على دفء المنزل”.

يعترف سانديل “ببعض القلق” من نتيجة التحقيق، إلا أنه واثق من أنه سيضع الأمور في نصابها الصحيح أخيرًا. “هذه هي اللحظة التي كنا ننتظرها كعائلة.. لتقشير طبقاه اغتياله المفاجئ على أيدي حكومة الفصل العنصري”.

ذكّر التحقيق الأمة في جنوب أفريقيا والعالم كله بإرث لوثولي المذهل. كما كتب مارتن لوثر كينغ جونيور في رسالة إلى لوثولي عام 1959: “لقد وقفت وسط الاضطهاد والإساءة والظلم بكرامة وهدوء روح نادرًا ما يضاهَى في تاريخ البشرية.. يومًا ما ستفخر أفريقيا كلها بإنجازاتك”.