كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟

كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟

في عام 1909، عاد الصحفي الفرنسي الذي تحول إلى رائد أعمال، بيير فرانسوا لارديه، من رحلة إلى نيكاراغوا عازما على إعادة صنع مشروب تذوقه هناك.

بعد 5 سنوات، في آب/آب 1914، وُلدت “بنانيا”.

وصل مشروب مسحوق الموز بنكهة الشوكولاتة في الوقت الذي وجدت فيه فرنسا نفسها في حالة حرب.

في العام التالي، ظهرت شخصيته الدعائية لأول مرة على ملصق إعلاني – جندي أسود يرتدي طربوشا أحمر.

خلال الحرب العالمية الأولى، قاتل 200 ألف جندي أفريقي من أجل فرنسا في ساحات القتال في أوروبا وأفريقيا والأناضول. جاؤوا من المستعمرات الفرنسية في غرب ووسط أفريقيا. تم تجنيد الكثيرين منهم قسرا.

كان الجندي الأفريقي على ملصق “بنانيا” يشبه الجنود المعروفين باسم “الرماة السنغاليين” (Tirailleurs)، الذين كانوا يرتدون طربوشا أحمرا مميزا. تأسست هذه الوحدة العسكرية في عام 1857، وأُطلق عليها هذا الاسم لأن أول مجنديها جاؤوا من السنغال.

اشتهر الرماة بشجاعتهم. تم إرسالهم أولا للخدمة في الحروب الاستعمارية في غرب ووسط أفريقيا، قبل القتال في الحرب العالمية الأولى (1914-1918). خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، خدموا في فرنسا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. قُتل ما لا يقل عن 30 ألفا من الرماة خلال الحرب العالمية الأولى، بينما تشير التقديرات إلى مقتل 8 آلاف خلال الحرب العالمية الثانية.

يظهر الرامي في إعلان “بنانيا” مبتسما، جالسا على العشب مع وعاء من المشروب المسحوق وبندقية بجانبه. تشبه ابتسامته المبالغ فيها وملامح وجهه الصور النمطية العنصرية التي كانت شائعة في ذلك الوقت وشوهدت في إعلانات الشوكولاتة والصابون وملمع الأحذية.

إعلان

عزز شعار الملصق، “Y’a bon”، الذي يعني “هذا جيد” بالفرنسية المبسطة التي كانت تُعلّم للجنود المستعمرين، الصورة المسبقة العنصرية للأفريقي المرح والبسيط. أشارت الشركة إلى شخصيتها الدعائية باسم الصديق “يا بون” (L’ami Y’a bon).

على خلفية الحرب العالمية الأولى، استغلت شخصية لارديه الدعائية حالة من الوطنية والفخر بالاستعمار الفرنسي. لكنها ساعدت أيضا في تشجيع القبول العام للجنود الأفارقة الذين يقاتلون على الأراضي الفرنسية، كما توضح ساندرين لومير، وهي مؤرخة ومؤلفة مشاركة لعدة كتب عن الاستعمار الفرنسي.

لم تكن “بنانيا” وحدها. سعت السلطات الفرنسية أيضا إلى استخدام الصور التي تسلط الضوء على ولاء جنود فرنسا الأفارقة وصفاتهم العسكرية من خلال الدعاية والبطاقات البريدية والمقالات الإخبارية.

Senegalese riflemen rest during the First World War. These soldiers were the inspiration behind Banania’s first mascot [Roger Viollet via Getty Images]
رماة سنغاليون يستريحون خلال الحرب العالمية الأولى. كان هؤلاء الجنود مصدر إلهام تيمة “بنانيا” الأولى (غيتي)

“كان الرامي اختراعا إعلانيا انتهازيا من لارديه… مما جعل استهلاك ‘بنانيا’ عملا شبه وطني”، قال باب ندياي، وهو سياسي ومؤرخ، خلال حديث عام 2010 حول “بنانيا” والقمع الاستعماري.

تم الترويج لـ”بنانيا” من خلال قصص مصورة للأطفال تظهر فيها الشخصية الدعائية. في إحداها، يعود إلى وطنه من فرنسا، حاملا صندوقين من “بنانيا” إلى أفارقة يرتدون مآزر. في كتيب مصور نُشر عام 1933، يأخذ “بنانيا” إلى فرنسا قبل أن يذهب إلى جزر الهند الغربية وجزر الكناري والهند الصينية الفرنسية المستعمرة لإنشاء مزارع موز.

“في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، كانت ‘بنانيا’ في كل مكان. كانت لها نقاط تماس في جميع المجالات: السينما، والتغليف، والمواد الترويجية، ودفاتر الملاحظات”، قال خبير العلامات التجارية جان واتين أوغوار في فيلم وثائقي عام 2014 عن “بنانيا”.

في هذه الأثناء، بين أواخر الثلاثينيات وأوائل الخمسينيات، وفقا للكتاب الوحيد المنشور عن تاريخ “بنانيا”، ضاعفت الشركة إنتاجها 3 مرات. كانت تلك هي السنوات الذهبية لـ”بنانيا” قبل دخول “نسكويك” إلى السوق في الستينيات.

كانت الشخصية الدعائية، التي ظهرت في الإعلانات والتغليف والمواد القابلة للجمع، مثل الألعاب، شائعة طوال القرن العشرين لأنها عززت فخر الفرنسيين بإمبراطوريتهم الاستعمارية ومساهمة “رعاياهم” في المجهود الحربي، كما يقول إتيان أشيل، الأستاذ المشارك في الدراسات الفرنسية والفرانكفونية في جامعة فيلانوفا في بنسلفانيا.

[Jawahir Al-Naimi/Al Jazeera]
وصل مشروب مسحوق الموز بنكهة الشوكولاتة في الوقت الذي وجدت فيه فرنسا نفسها في حالة حرب (الجزيرة)

ثم جائت حركة إنهاء الاستعمار

ولكن مع كفاح المستعمرات الفرنسية في أفريقيا من أجل الاستقلال وحصولها عليه في الخمسينيات وأوائل الستينيات، اهتزت “بنانيا” أيضا بسبب إنهاء الاستعمار.

بشكل متزايد، أصبحت “بنانيا” – بشعارها وشخصيتها الدعائية النمطية- مرادفا للاستعمار والعنصرية. أصبح الرامي، في الإعلان يمثل للجنود المجبرين على القتال من أجل فرنسا، يجسد الظلم الذي نددت به الحركات المناهضة للاستعمار.

“سأمزق ابتسامات ‘بنانيا’ من جميع جدران فرنسا”، كتب ليوبولد سيدار سنغور، الذي أصبح أول رئيس للسنغال عام 1960، في قصيدة عام 1948 مهداة إلى الرماة.

إعلان

بعد بضع سنوات، أشار الفيلسوف والطبيب النفسي الفرنسي المولود في المارتينيك، فرانز فانون، عدة مرات إلى “يا بون بنانيا” في كتابه الصادر عام 1952 “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء“، للدلالة على كيفية رؤية السود في فرنسا من خلال عدسة الصور النمطية العنصرية.

ولكن، على الرغم من الانتقادات، بقيت الشخصية الدعائية، وإن كان مع تحديثات.

في عام 1967، عندما كانت الإعلانات تبيع أنماط حياة حديثة وطموحة، أصبحت مبسطة وهندسية: وجه بني بعيون كرتونية وقبعة مستطيلة حمراء على خلفية صفراء. ومع ذلك، تم التخلي عن الشعار في عام 1977.

في الثمانينيات والتسعينيات، تم تقديم وجه طفل كرتوني على بعض منتجات العلامة التجارية، بينما احتفظت منتجات أخرى بالشخصية الدعائية.

The ‘grandson’ of the original tirailleur adorns modern packaging [Clement Girardot/Al Jazeera]
حفيد صانع الجعة الأصلي يزين العبوات الحديثة (الجزيرة)

في عام 2004، بعد استحواذ شركة “نوتريال” الفرنسية على “بنانيا” تحت شركة قابضة، “نوتريمين”، تم الكشف عن شخصية دعائية جديدة: “حفيد” رامٍ عام 1915، الذي، وفقا لـ”نوتريمين”، يرمز إلى التنوع والاندماج الناجح لمجتمعات المهاجرين في المجتمع الفرنسي. لكن ملامحه النمطية لم تكن مختلفة كثيرا عن سلفه، بابتسامته المبتهجة وأسنانه البيضاء وشطره الأحمر.

خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، لم تستعد العلامة التجارية الفرنسية مكانتها المهيمنة واستمرت في فقدانها أمام منافسين مثل “نسكويك”. لقد عانت ماليا بينما أصبحت أقل شعبية بين الأجيال الشابة.

“كان عليهم العودة إلى العصر الذهبي للعلامة التجارية لإنقاذ الشركة. لم يكن هناك سوى طريقة واحدة للقيام بذلك: العودة إلى الشعار. قلة قليلة من العلامات التجارية مرتبطة جدا بشعارها”، أوضح أشيل. “هذه النسخة المجددة تلعب بفعالية على فكرة التراكب. عندما تراها، تفكر على الفور في الرامي القديم”.

لفت التصميم أيضا انتباه الكتاب والناشطين في موقع (Grioo) وهو منصة على الإنترنت للمجتمع الأسود الناطق بالفرنسية في أوروبا وأفريقيا. تساءل الموقع لقرائه: “هل يمكننا أن نتسامح مع أنه في عام 2005 يتم تمثيلنا كما كان أسلافنا قبل 90 عاما؟”، مطلِقا عريضة على الإنترنت ضد “بنانيا”.

Graphic designer Awatif Bentahar reimagined the packaging of a drink that was part of her childhood [Courtesy of Awatif Bentahar]
أعادت مصممة الجرافيك عواطف بن طاهر تصوير عبوة مشروب كان جزءا من طفولتها (بإذن من عواطف بن طاهر)

تراث “مؤذٍ”

بعد أكثر من عقدين، لا يزال “الحفيد” يبتسم على علب “بنانيا” في محلات السوبر ماركت في جميع أنحاء فرنسا.

بالنسبة لأشيل، يجسد تسويق “بنانيا” افتقار فرنسا إلى النقاش العام حول الاستعمار والعنصرية ما بعد الاستعمار.

قال “فقط التواطؤ الكامل مع الاستعمار في الثقافة الشعبية يمكن أن يفسر سبب استمرار ‘بنانيا’ في العمل مع الإفلات من العقاب. في بلدان أخرى، لن يكون هذا ممكنا”.

رفض متحدث باسم “نوتريمين” تقديم تعليق لهذا المقال.

نشأت عواطف بن طاهر، 37 عاما، وهي ترى “بنانيا” على أرفف المتاجر وتشربها من حين لآخر. تقول “لم تفهم الشركة كيف يمكن أن يكون تراثها مؤذيا بالفعل لجزء كبير من السكان”.

“يرى ‘أبناء المهاجرين’ الفرنسيون التاريخ المؤلم للاستعمار والنضال الذي نخوضه اليوم لنحظى بالاحترام في مجتمع لا يسعه إلا أن يشير يوميا إلى وضعنا كفرنسيين ‘مختلفين'”.

كمصممة جرافيك وامرأة فرنسية من أصل مغربي، تود بن طاهر أن ترى “بنانيا” تتطور. كمشروع شخصي، ابتكرت عبوات بديلة “منزوعة الاستعمار”، وأزالت الشخصية الدعائية واستلهمت من التصاميم السابقة لتشمل عيونا مرحة وابتسامة.

كتبت على مدونتها “قررت أن أحاول إعادة تصميم علامة ‘بنانيا’ التجارية، ليس لأنني أكرهها، بل لأنني أحب بالفعل فكرة ما يمكن أن تكون عليه. العلامات التجارية جزء من حياتنا، سواء أحببنا ذلك أم لا”.

إعلان

“هذه العلامة بالذات جزء من طفولتي، وأود أن أراها تقف في الجانب الصحيح من التاريخ من أجل التغيير”.

النسخة الروسية من رواية “الشوك والقرنفل” تصف السنوار بـ”جنرال الأحرار”

النسخة الروسية من رواية “الشوك والقرنفل” تصف السنوار بـ”جنرال الأحرار”

قال تقرير نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن مكتبات روسيا وبيلاروسيا بدأت منذ يوم الثلاثاء بيع رواية مترجمة إلى اللغة الروسية التي كتبها قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار.

وحسب التقرير، تُرجم عنوان الرواية الأصلي “الشوك والقرنفل” إلى “كيف نهزم إسرائيل: أشواك وورود الشرق الأوسط”، ويقدم وصف الكتاب باللغة الروسية السنوار على أنه “تشي غيفارا الفلسطيني”، في إشارة إلى الثائر الأرجنتيني المشهور.

ويؤكد الوصف أن السنوار يعد “أحد أبرز القادة العسكريين العرب في القرن الـ21″، إذ إنه هندس عملية “طوفان الأقصى” وقاد جهود الدفاع عن غزة بين عامي 2023 و2024.

ويضيف النص: “رغم تفوق إسرائيل من حيث المقومات العسكرية، فإنها فشلت في الاستيلاء على غزة، وقد ألقى الجيش الإسرائيلي أكثر من 80 ألف طن من القنابل على الشريط الساحلي الصغير، ولكن القطاع صمد بفضل السنوار”.

المؤرخ الإيطالي ماركو دي برانكو يُدخل "الشوك والقرنفل" ليحي السنوار إلى جامعة لاسابيينزا بروما
رواية السنوار صدرت أيضا باللغة الإيطالية في كانون الأول/كانون الأول الماضي عن دار لا لوتشي بميلانوا (الجزيرة)

ويشير النص إلى أنه “في هذا الكتاب، يروي “جنرال الأحرار” سيرة حياته التي كرسها للكفاح والنضال من أجل تحرير الفلسطينيين وجميع الشعوب العربية”.

وأفاد موقع “نيوزرو” الروسي، الذي نشر التقرير الأصلي، بأن الطبعة محدودة وهناك 150 نسخة فقط، أصدرتها دار رودينا التابعة لدار ألغوريثم للنشر المعروفة بمؤلفاتها ذات الطابع السياسي.

ولفت التقرير إلى أن أحد مؤلفي دار ألغوريثم هو ألكسندر بروخانوف، الذي أصدر كتابا في 2008 بعنوان “حماس: مديح للأبطال”.

“في هذا الكتاب، يروي “جنرال الأحرار” سيرة حياته التي كرسها للكفاح والنضال من أجل تحرير الفلسطينيين وجميع الشعوب العربية”

بواسطة وصف كتاب “كيف نهزم إسرائيل: أشواك وورود الشرق الأوسط”

وكتب السنوار روايته هذه في السِّجن، الذي قضى فيه 23 عاما بعد أحكام بالسَّجن المؤبد، إثر اتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل 4 فلسطينيين كانوا عملاء للاحتلال.

ترجمة إيطالية

وسبقت الترجمة الروسية للرواية ترجمة للإيطالية اعتبرت الأولى لكتاب السنوار في دولة غربية أثارت لغطا واسعا، واعتبر مقدمها المؤرخ الإيطالي والأكاديمي البارز المختص بالتاريخ الإسلامي، ماركو دي برانكو أن “السنوار شخصية ملهمة لا تقل تأثيرا عن تشي غيفارا في الوجدان الإنساني المقاوم”، واعتبر أن “تجاهل النتاج الفكري والإبداعي للشهيد السنوار يعد خسارة لكل من يرغب في الاطلاع على تاريخ النضال الفلسطيني”.

إعلان

وواصل المؤرخ الإيطالي تقديمه “للشوك والقرنفل” مؤكدا أهمية رواية السنوار من ناحية الظروف المحيطة بتلقيها في إيطاليا: “ورغم أنني مختصّ بتاريخ القرون الوسطى فإن النص الذي نناقشه اليوم تنبع أهميته من كونه يعد من دون أدنى شك وثيقة تاريخية، تعرضت لنوع من أنواع الحظر الناعم”.

وفي سياق تقديم بيكاردو للنص شدد هذا الأخير على خلو الرواية من أي مشاعر للحقد أو الكراهية، بل العكس تماما حيث كانت تكتنف العمل مشاعر المؤمن المطمئن لقضاء الله. ليستطرد مباشرة دي برانكو في أن السنوار كان يواجه في روايته مفهوم “المكتوب” في الثقافة العربية، وأن عاطفة الكاتب الهادئة كما ظهرت في النص، من شأنها أن تثير استغراب القارئ الغربي لكونه لا يشف عن أي مشاعر كره لليهود أو ما يعرف بمعاداة السامية، وهو ما اعتبره المؤرخ الميزة الأبرز في العمل.

سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال

سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال

لم أكن أعرف بأن الزميل الشاعر سعد الدين شاهين مهتم بالكتابة للأطفال أو معني بكتابة قصيدة الطفل، على الرغم من أنه كان على علم وعمل بمجال التربية والتعليم من خلال عمله في إمارة الشارقة مدرسا ومديرا في مدارس الإمارات العربية المتحدة منذ 1971 وحتى 1985.

ويبدو أن تأسيسه لمؤسسة تعليمية خاصة في الأردن وعمله مديرا لها منذ عام 1984 وحتى الآن جعله على تماس وقرب من هموم الأطفال ومشاكلهم وأحلامهم وقضاياهم اليومية.

وهذا الأمر كافٍ لشاعر تربوي موهوب أن يدفعه إلى توجيه دفة السفينة المبحرة في بحور الشعر نحو الكتابة الأصعب، وهي كتابة الشعر للأطفال. ولا بد أن نتوقع نجاح الشاعر في هذه التجربة الإبداعية الجديدة والتي اختارها لنفسه بعد أن نضجت التجربة الشعرية لديه على صعيد الكتابة للكبار.

فالشاعر، القادم من عالم الكبار إلى عالم الصغار، بعد تمرّس وتمكّن من أدواته الشعرية، لا بد وأن تتعانق إمكاناته وقدراته الشعرية مع خبرته التربوية الوافرة، فتنتج عن هذا العناق الجدلي -إن جاز التعبير- قصائد مناسبة للأطفال، لا سيما وإن كان الشاعر على دراية لا بأس بها بقاموس الأطفال اللغوي، وبالفئة العمرية التي يتوجه لها في خطابه الشعري.

هذا ما نتوقّعه لشاعر مثل سعد الدين شاهين، وما سنذهب إلى إثباته وتأكيده من خلال قراءة بانورامية نقدية، إلى حد ما، لمجمل نتاجه الشعري في مجال كتابة القصيدة أو الأغنية للصغار بمختلف فئاتهم العمرية.

يبدو أن متطلبات الكتابة للطفل متوفرة لدى شاعرنا بركائزها الثلاث وهي:

  • جمالية التعبير الشعري دون غموض أو تعقيد.
  • والخبرة التربوية، بما في ذلك معرفة مراحل نمو الطفل وطبيعته النفسية والاجتماعية الخاصة بكل مرحلة.
  • ثم معرفة قاموس الطفل اللغوي، واتساع دائرة هذا القاموس المرتبط بانتقال الطفل من مرحلة عمرية معينة إلى مرحلة أخرى متقدمة، يتحقق فيها ارتقاء لغة الطفل بزيادة مفرداته اللغوية التي يتلقاها ويختزنها في الذاكرة.

في الحقيقة، ومن خلال قراءتي المتأنية للنتاج الشعري الذي توفّر لي، سأقف عند مسألتين مهمتين هما: الأفكار والمضامين، ثم الأسلوب والتشكيل الفني، بما في ذلك التعامل مع لغة الطفل.

دوار الشمس (ديوان جديد للأطفال)
الشاعر سعد الدين شاهين لم يعطِ القصائد الوطنية والقومية مساحة واسعة في ديوانيه المطبوعين (بسمات مبكرة) و(دوار الشمس) (الجزيرة)

الأفكار والمضامين

إن اقتراب الشاعر من عالم الطفولة، بل اندماجه بها من خلال عمله اليومي، جعله على بينة من قضايا الصغار وحياتهم اليومية ومشاكلهم وهمومهم وأحلامهم الصغيرة.

إعلان

لذا فهو يلتقط أفكار قصائده من واقع حياتهم، متلمسا ميولهم ورغباتهم، واضعا يده على احتياجاتهم وتطلعاتهم، ومن ثم يعيد تشكيل ذلك في قصائد جميلة يكتبها لهم، وبلغتهم التي يفهمونها ويحبونها، حين تأتي فائضةً بإيقاع موسيقي يستهويهم ويجذب مشاعرهم.

فها هو يكتب عن الطفل المهذب الذي يقدم نفسه في قصيدة (أبي سماني باسمي)، كما يكتب عن جرس المدرسة، وحصالة النقود، وعن دور الطفل في حياة أفضل، وعن حياة التلاميذ المدرسية متغنيا بعالمهم الزاخر بالصدق والجمال والبراءة.

ولا يفوتُه أن يكتب قصيدة أو أكثر عن حياة الطفل الأسرية والاجتماعية، حين يكبر هذا الطفل وينطلق بكتبه وألعابه إلى الشارع والمدرسة والملعب، حيث الدراسة والمرح واللعب وتكون الصداقات على أسس تربوية سليمة، يوحي بها الشاعر ويشير إليها من خلال المفردات والجمل الشعرية، دون الوقوع المباشر في الوعظ والإرشاد أو التلقين، الذي لا يعطى الطفل فرصة للتفكير والتأمل والاقتناع.

هذا هو نهج شاعر الأطفال الذي يوجه لهم خطابه الشعري، منطلقا بخبرة تربوية معززة بعمل ميداني وتعامل يومي مباشر مع الناشئة، فالشاعر هنا إذ يوقظ الطفل الصغير في داخله ويحركه باتجاه عالم الطفولة متقمصًا عقل الصغير ولغته وطريقة تفكيره لا ينسى أن يأخذ بيده وبعقل رجل كبير إلى حقل تربوي، تزهر فيه القصائد لتطرح ثمارا طيبة.

فشاهين دائم الحرص على أن يضفي على معظم قصائده وإن لم يكن كلها مسحة تربوية وتعليمية أيضا تسهم في تربية الطفل وتهذيبه وتوجيهه على طريق الخير والأخلاق الحميدة، دون وقوع في تقرير أو مباشرة أو نظم تقليدي يضم كلامًا مقفى يوقع الأطفال في الملل ويجعلهم يعزفون عنه.

لم يكتفِ الشاعر سعد الدين شاهين بكتابة قصائد تعزز المناهج التعليمية، وتبرز، بل ترسخ القيم والاتجاهات السلوكية في عملية التعلم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى وضع كتب تعليمية لمرحلة الطفولة المبكرة في اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات وغير ذلك.

وتعزيزا لهذه الوحدات التعليمية المدروسة بعناية اتخذ من أناشيده الغنائية محطات استراحة بين وحدة تعليمية وأخرى مما سيعمل على تأكيد المعلومة وترسيخها في مدارك الصغار، بالإضافة إلى تنمية ذائقة الطفل الأدبية والفنية بإشباع شغفه الفطري بالموسيقى والإيقاع الشعري الجذاب.

ولا أجامل هنا حين أقول، إن سعد الدين شاعر لم يؤسس مدرسة لتعليم التلاميذ فحسب، بل أسس مدرسة لتوظيف الشعر في عملية التعلم، وهذا نهج وإنجاز يُحسب له.

إلى جانب ذلك، أعطى الشاعر اهتماما واسعا ببيئة الطفل والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه فكتب له عن النحلة المنتجة والنجمة المتلألئة وعن خير الغيمة الماطرة وعن العصفور الطليق الذي ينعم بالحرية، كما كتب عن الراعي والجدة والصديق وشرطي المرور ونظافة البيئة.

والشاعر هنا إذ ينوّع في أفكاره ومضامينه، ملبيا احتياجات الأطفال السلوكية والاجتماعية والتربوية بشكل عام، لا يعطي القصائد الوطنية والقومية مساحة واسعة في ديوانيه المطبوعين (بسمات مبكرة) و(دوار الشمس).

وكأننا به يخشى أن يسقط همومه وأحزانه وخيبة أمله في أمته المغلوبة على أمرها، يخشى أن يسقط كل ذلك على عقل الطفل العربي ووجدانه، فيحد من تفاؤله وأمله في حاضر سعيد ومستقبل يكون أكثر إشراقا.

إعلان

ولعل الشاعر قد أولى اهتماما أكبر بالقصيدة ذات الطابع الوطني والقومي في الأوبريتات الغنائية والأغاني التي تم تلحينها وإنتاجها ولم يتوفر لي الاطلاع عليها.

الأسلوب والتشكيل الفني

يعتمد الشاعر، في تشكيله الفني لقصيدة الطفل، لغة بسيطة ذات دلالة واضحة المعنى دون الوقوع في ركاكة التعبير أو سذاجة وتسطح النظم المتكئ على التفعيلات.

وعند التخيل والتصوير نجده يستثمر خبراته الطويلة في مجال شعر الكبار بتشكيل شعر الصغار تشكيلا فنيا يعكس جماليّة النص الشعري بعيدا عن المجاز وغرابة المعنى وصعوبة الألفاظ.

وتأتي الصور من بيئة الطفل وعالمه المحسوس، خاصة حين يخاطب الطفل في المرحلة المبكرة من العمر، في حين يراعى عنصر الخيال حين يخاطب المرحلة العمرية الأعلى.

يقول في قصيدة “لي دور” بحياة أفضل:

كنا نتهجّى في كُتب الصف الأول

أنَّ الأطفالَ ملائكة

تبني من حبِّ الرمل وخطَّ الحرفِ

حروف المستقبل

سُئل الكاتب الذائع الصيت صموئيل بيكيت ذات مرة: “لماذا لا تكتب للأطفال؟ فأجاب: لم تنضج تجربتي الأدبية بعد لأكتب لهم”.

تذكرت هذا القول وأنا أرى تجربة الشاعر سعد الدين شاهين في شعر الكبار قد نضحت، فتوجه لكتابة شعر الصغار بكل ما يمتلكه من قدرة على التصوير والإيقاع والصياغة الفنية بشكل عام.

وهنا لا فرق بين طبيعة التشكيل الفني لقصيدة الكبار وطبيعته حين نكتب قصيدة للصغار إلا في المستوى اللغوي وأسلوب التعبير الذي يراعى فيه بساطة الصورة ووضوح المعنى ورشاقة الإيقاع باعتماد الأوزان والتفعيلات الخفيفة ذات الجُمَل القصيرة، وتدليلا على ذلك نأخذ هذا المقطع من قصيدة “ماذا يعني؟”:

علم بلادي وهو يرفرف فوق سماها

يعني أن العزة وشم

يحمله بعدي أولادي

أجمل من أشياء الدنيا

أن الأرض تحن إلينا

كي نحضنها

کي تمنحنا الدفء الهادي

في هذا المقطع يرى القارئ أن العناصر الفنية المكونة للقصيدة تتعانق معا عناقا جدليا لتكون مشهدا شعريا مؤثرا في المتلقي الصغير برشاقته الموسيقية وصورته الحسية وعاطفته الوطنية الصادقة.

وفي هذه القصيدة المشار إليها يعيش الطفل القارئ حالة شعرية بالغة التأثير سترسم لوحتها في عقله ووجدانه ولا بد له أن يردد مع الشاعر:

طفل أجمل من نجم

يتلألأ تحت سماها

طفل يجري خلف فراش الحقل

ينادي…

أعشق وطني أعشق أرضي

لو كانت صحراء بوادي

ويكفي أن تكون وظيفة الشعر الموجه للأطفال على هذه الشاكلة، وبهذه الطريقة التعبيرية المدهشة والجاذبة.

لم يقف الشاعر شاهين عند كتابة النشيد أو الأغنية والقصيدة القصيرة، وإنما طوّر أسلوبه في الخطاب العربي الموجه للطفل فكتب القصة الشعرية الغنية بعنصري القص والإيقاع الموسيقى اللذين يميل لهما الأطفال بطبيعتهم.

كما كتب المسرحية والأوبريت الغنائي اقتناعاً منه على ما أظن بأهمية توظيف الدراما الشعرية في عملية التعلم والتربية والتثقيف، إذ إن هذا اللون الأدبي حيث يجيء مكتنزا بالشعر يظل غنيا بالحركة والتشخيص والسيناريو والحوار، فتتسع دائرة الخطاب لدى الشاعر ويزداد حجم التأثر والتأثير لدى المتلقي الصغير.

وحين يخرج الشاعر شاهين بقصيدته من إطارها الذهني التعليمي وينطلق بها في فضاء الإبداع، تغادر القصيدة حرفية النظم وتستعيد روح الشعر فتتسع فيها جاذبية التأثير وتكتمل عناصرها الفنية، وهذه السمات الفنية نجدها في معظم قصائد وأناشيد المجموعتين (بسمات مبكرة، دوار الشمس).

فها هو، وعلى الرغم من توجهه إلى توظيف الشعر في عملية التعلم لتعزيز المنهاج، ينتصر لروح الشعر وجماليته وفيضه الموسيقى الجذاب لتزدان الأنشودة بالصور الجميلة والجمل الشعرية الرشيقة.

والشاعر هنا إذ يحرص على إبراز الناحية الجمالية في التصوير دون تركيب أو تعقيد أو وقوع في المجاز، نجده يميل إلى التكثيف وعدم الإطالة واختيار الأوزان والتفعيلات الخفيفة في الشطرة الواحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى قوله في قصيدة “الفقر”:

الفقر والحرمان .. أولى مآسينا

لو ينتهي تكون .. حبا أغانينا

كما يقول في عفوية وانسيابية تلقائية في أنشودة “أبي سماني باسمي”:

يسعدني جدا أني .. خطواتي تحكي عني

أفعالي خير للناس .. ولأجل الخير أغني

ميغان تشوريتز.. نجمة يهودية تتحدى الصهيونية في جنوب أفريقيا

ميغان تشوريتز.. نجمة يهودية تتحدى الصهيونية في جنوب أفريقيا

في منزلها المتواضع بمدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، تجلس ميغان تشوريتز البالغة من العمر 60 عاما، وهي تروي بصراحة مؤلمة قصة تحولها من “نجمة صغيرة محبوبة في المجتمع اليهودي” إلى واحدة من أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في جنوب أفريقيا.

إنها قصة امرأة دفعت ثمناً باهظاً لمبادئها، فقدت من خلالها مكانتها في مجتمعها وتعرضت للتهديد والمضايقات والعنف الجسدي، لكنها لم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

جذور التمرد في ظل الأبارتهايد

عندما سألنا تشوريتز عن الجذور التي شكلت روحها المتمردة، قالت “في الواقع أنا في الستين من عمري، وأشعر بكل عام من هذه السنوات الآن”. ثم تغوص في ذكريات طفولة معقدة في جوهانسبرغ إبان نظام الأبارتهايد العنصري الذي حكم جنوب أفريقيا من عام 1948 إلى 1994.

الأبارتهايد، مصطلح أفريكاني يعني “الانفصال” وكان نظاماً قانونيا للفصل العنصري المؤسسي فرضته الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا. وقد قسم هذا النظام السكان إلى 4 فئات عرقية: البيض، الأفارقة (السود)، الملونون (المختلطون)، الهنود. وكان لكل مجموعة حقوق مختلفة، مع تمتع البيض بامتيازات كاملة بينما حُرمت المجموعات الأخرى من الحقوق الأساسية.

وقد شمل النظام قوانين تحدد أماكن السكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية، وحتى أي المقاعد يمكن الجلوس عليها في الحافلات.

“النشأة في منزل يهودي صهيوني من الطبقة المتوسطة خلال فترة الأبارتهايد كانت أمرا غريبا حقا” حيث تقول تشوريتز وهي تستذكر تلك الفترة و”عائلتي كانت مختلة الوظائف إلى حد كبير. والدي كان يعترف بظلم الأبارتهايد دون أن يفعل الكثير حيال ذلك”.

وكان هذا التناقض -بين الاعتراف النظري بالظلم والصمت العملي- سمة مميزة للعديد من العائلات البيضاء الليبرالية في جنوب أفريقيا.

فبينما كانوا يدركون فظاعة النظام، إلا أن قلة منهم كانت مستعدة للتضحية بامتيازاتها أو مواجهة العواقب الاجتماعية والاقتصادية للمقاومة الفعلية.

إعلان

وتضيف تشوريتز طبقة أخرى من التعقيد عندما تصف كيف أن أفراد عائلتها انتقلوا تدريجيا إلى إسرائيل “عمة والدي الكبرى، وأخوه الأصغر، وفي النهاية جدتي، انتقلوا جميعا إلى إسرائيل في مراحل مختلفة من حياتي. والداي أيضا كانا قد هاجرا قبل ولادتي للعيش في كيبوتس من خلال الحركة الصهيونية الشبابية هابونيم. لكنهما عادا فقط لأن والدتي الصغيرة جدا كرهت الحياة هناك”.

وقد زرع هذا التنقل بين جنوب أفريقيا وإسرائيل -بين نظام فصل عنصري وآخر- بذور الشك المبكرة في ذهن الطفلة ميغان “لذلك، كان هناك دائما هذا الانفصال بين ما كان يحدث في جنوب أفريقيا وما كان يحدث في إسرائيل” كما تشرح تشوريتز.

وخلال دراستها في مدرسة ثانوية يهودية، بدأت تشوريتز تشعر بعدم الراحة مع ما كانت تتلقاه من تعليم، وتقول “كنت أشعر دائما بعدم الراحة الشديدة مع الكثير من التعليم الديني والصهيوني، لكنني لم أعرف كيف أفسر عدم راحتي” وتتذكر هذا الشعور بانزعاج، رغم عدم قدرتها على تفسيره وقتها، لكنه كان بداية رحلة طويلة نحو الوعي السياسي.

وجاءت اللحظة الفاصلة في تشكيل وعيها السياسي من مصدرين: معلميها المناهضين للأبارتهايد، وبشكل مفارق، رحلة إلى إسرائيل. وتقول “أصبحت صريحة بشأن الأبارتهايد بسبب بعض المعلمين الرائعين، بما في ذلك معلمة الإنجليزية التي اعتُقل ابنها دون محاكمة من قبل النظام”.

أما الرحلة إلى إسرائيل، التي كان من المفترض أن تعزز هويتها الصهيونية، فقد أتت بنتيجة معاكسة تماما. وتكشف تشوريتز “من المفارقات أن رحلة إلى إسرائيل ومناقشات مع ابن عمي المولود هناك ساعدت في تحديد رأيي المناهض للصهيونية بقوة”.

تشوريتز أثناء وقفة احتجاجية ضد الصهيونية (الجزيرة)

المسرح تعبير سياسي ومدرسة للحياة

بعد تخرجها من جامعة كيب تاون عام 1986 بدرجة البكالوريوس في الآداب ودبلوم الأداء في المسرح، انطلقت تشوريتز في مسيرة فنية امتدت لأكثر من 4 عقود.

وبدأت كممثلة قبل أن تؤسس فرقتها الخاصة للارتجال المسرحي، والتي تطورت لاحقا إلى شركة “إمبروفيغن” للمسرح الصناعي وورش العمل المؤسسية.

ولم يكن هذا العمل في الارتجال المسرحي مجرد مهنة، بل مدرسة حياة أعدتها لما هو قادم. وعندما سألنا تشوريتز عن العلاقة بين الارتجال والنشاط السياسي، أجابت بحماس “هذا سؤال رائع حقاً. الارتجال يتعلق كله بالعفوية والاستجابة في اللحظة. أعتقد أن النشاط السياسي يحتاج إلى هذا النوع من الاستجابة أيضاً، سواء كان ذلك في احتجاج، أو قرار كتابة شيء بسرعة، أو نشر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو القدرة على تقييم الموقف والتفكير بسرعة”.

وخلال مسيرتها المسرحية، حصلت تشوريتز على لقب “عميدة الارتجال” في جنوب أفريقيا، وحازت على جوائز مرموقة منها فلور دو كاب للابتكار بالمسرح عام 2009، وجائزة اختيار الجمهور لمسرح الرياضة في العام نفسه.

كما كتبت العديد من المسرحيات منفردة ومتعاونة، أبرزها “امرأة وحيد القرن” عام 1993 مع ميليندا فيرغسون التي حصلت على جائزة “آي جي آي لايف بيك” لمهرجان ويندي برو للفنون.

وعام 2007، بدأت تشوريتز مدونة بعنوان “رأس ميغان” والتي أصبحت منصتها لمراجعة المسرحيات والتعليق على “الأمور المسرحية وغيرها بشكل عام”.

إعلان

وهذه المدونة، التي تطورت لاحقاً إلى منصة سابستاك، ستصبح لاحقاً منبراً لكتاباتها السياسية العاطفية حول غزة والقضية الفلسطينية.

من المسرح إلى الأدب: ولادة “الممتلكات المفقودة”

انتقلت تشوريتز من عالم المسرح إلى الكتابة الروائية خلال فترة الإغلاق التي فرضتها جائحة “كوفيد-19” حين انضمت إلى مجموعة للكتابة عبر الإنترنت، موضحة أنها بدأت بكتابة القصص القصيرة قبل أن تتخذ قرارا بخوض تجربة تأليف رواية كاملة.

وصدرت رواية “الممتلكات المفقودة” عام 2023، وتروي حكاية لين التي ينتهي زواجها إثر اكتشافها أمرا صادما عن زوجها مارك.

وخلال جلسات العلاج النفسي، تعود لين بذاكرتها إلى طفولتها في جوهانسبرغ، مستحضرة نشأتها تحت تأثير والديها المعقدين ميرل ولاري، ومربيتها دورا، على خلفية حقبة الأبارتهايد وما صاحبها من اضطراب اجتماعي وسياسي.

وتصف تشوريتز روايتها بأنها “قريبة جدا من العظم” وتوضح أنها تمزج بين العناصر السيرية والخيالية. وتقول “كل المشاعر حقيقية وتأتي من حياتي الخاصة” لكنها تحتفظ بالحدود بين الواقع والخيال.

وقد حققت الرواية نجاحاً نقديا كبيرا، ورُشحت لجائزة “دالرو – كان تيمبا” للكتابة الإبداعية المرموقة عام 2025، إحدى أهم الجوائز الأدبية في جنوب أفريقيا. لكن هذا النجاح سيصبح لاحقاً سلاحاً ذا حدين عندما تتصاعد مواقفها السياسية.

تشوريتز في وقفة تضامنية (الجزيرة)

السابع من تشرين الأول: نقطة اللاعودة

غيّرت الأحداث التي تلت 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 مسار حياة تشوريتز بشكل جذري. وعندما سألناها عن تلك اللحظة الفاصلة، تقول “أولا: لا أعتقد أنني كنت معارضة مريحة. كنت دائما صريحة بشأن مناهضتي للصهيونية، لكن موقفي كان يُتجاهل، أو يُهمل، أو يُكنس تحت السجادة من قبل المجتمع اليهودي الصهيوني هنا”.

وتوضح أن مواقفها المناهضة للصهيونية لم تكن وليدة اللحظة، غير أن المجتمع اليهودي كان يتعامل معها بقدر من التساهل ما دامت في إطار نظري. وتضيف “كانت لي دائما ملاحظات في المقابلات حول أعمالي، ولا سيما تلك ذات الطابع اليهودي، لكن لم يُؤخذ كلامي على محمل الجد. وعام 2014 عبّرت عن موقفي وشاركت في احتجاجات، فواجهت تجاهلًا من معظم الناس، وعمد آخرون إلى إطلاق أوصاف سلبية بحقي”.

“لكن أحداث غزة غيرت كل شيء” وتقول بحدة “هذه الإبادة الجماعية الحالية، الأكثر شراً، المكشوفة، البذيئة الشبيهة بالنازية، عنت أن صوتي يجب أن يكون أعلى بكثير وأصبحت غير محتملة تماماً للصهاينة”.

الهوية اليهودية في مواجهة الصهيونية

واحد من أكثر جوانب قصة تشوريتز تعقيداً هو كيفية توفيقها بين هويتها اليهودية ومعارضتها الشديدة للصهيونية. وعندما طرحنا هذا السؤال، أجابت بوضوح قاطع “كوني يهودية لا علاقة له بالصهيونية. إنها ثقافة، مجموعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية. يهوديتي تظهر في كتاباتي، وعملي المسرحي، وحتى أجزاء من الأفلام والتلفزيون”.

وأضافت أن علاقتها باليهودية “أصبحت أكثر أهمية، أكثر معنى منذ أن اضطررت للوقوف كيهودية مناهضة للصهيونية”. وتشرح موقفها الأخلاقي “أنا مجبرة، كيهودية، كجنوب أفريقية، على التحدث ضد أي ظلم يتعارض مع ثقافتي وديني”.

أما عن الصهيونية نفسها، فلا تتردد في إدانتها بأقسى العبارات “الصهيونية شر استعماري استيطاني، متفوق، عنصري، قومي عرقي. اليهود لا يحتاجون إلى وطن خاص. قد نكون مميزين، لكننا لسنا أكثر تميزاً من أي شخص آخر، أي مجموعة أخرى من الناس على الأرض”.

الثمن الباهظ: من “كابو” إلى التهديدات بالقتل

مواقف تشوريتز السياسية كلفتها غاليا على المستوى الشخصي والمهني. وتعرضت لحملة تشويه واسعة شملت أوصافا مهينة ومؤذية، أبرزها وصفها بـ”كابو”.

ومصطلح “كابو” له تاريخ مظلم ومؤلم، إذ يُشير إلى السجناء اليهود في معسكرات الاعتقال النازية الذين عُينوا من قبل الحراس الألمان للإشراف على السجناء الآخرين مقابل امتيازات صغيرة. وهؤلاء “الكابو” كانوا في موقف صعب: إما التعاون مع النازيين أو مواجهة الموت. ويهدف استخدام هذا المصطلح ضد تشوريتز إلى اتهامها بخيانة شعبها اليهودي والتعاون مع “أعداء” إسرائيل.

إعلان

وإلى جانب وصفها بـ”كابو” تلقت تشوريتز أوصافا أخرى مؤذية مثل “يهودية كارهة لذاتها” و”إرهابية حماس”. كما تلقت تهديدات بالقتل والاغتصاب، وتعرضت للاعتداء الجسدي في الأماكن العامة و”تم البصق عليّ، والصراخ في وجهي، ودفعي من قبل الصهاينة” هكذا تصف تجربتها، خاصة في المناطق ذات الكثافة اليهودية العالية مثل مناطق “سي بوينت أو مركز غاردنز” بمدينة كيب تاون.

وعندما سؤالها عن ما يبقيها مستمرة رغم هذه التكاليف الباهظة، أجابت بلا تردد “أبدا، فموقفي غير مرن. هذا هو السبب في أنني لا أستطيع التعامل مع الصهاينة على الإطلاق”.

تمزق العائلة والمجتمع الجديد

على المستوى الشخصي، أثر نشاط تشوريتز بشكل عميق على علاقاتها العائلية. ففي إحدى كتاباتها، أشارت إلى أنه “من المحتمل أن أفراد عائلتي يعيشون أو عاشوا في منازل فلسطينية مسروقة” مما يكشف عن الألم الشخصي الذي تواجهه.

وعندما سألناها عن تأثير نشاطها على علاقاتها العائلية، تكشف عن الثمن العاطفي الحقيقي “في معظم الأيام أنا بخير وأشعر بالدعم من مجتمعي الجديد: يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة، مجتمع النشطاء المؤيدين لفلسطين، مجتمعي متعدد الأديان الذي يضم نشطاء مناهضين للصهيونية من المساحات المسيحية والمسلمة والأمم الأخرى”.

لكنها أضافت بصوت يحمل الألم “في بعض الأيام أكون محطمة. اليوم واحد منها. قلبي محطم اليوم لأنني لا أجد راحة أو عزاء من عائلة تشاركني موقفي”.

ووجدت تشوريتز رغم هذا الألم مجتمعا جديداً يحتضنها. وتتحدث بامتنان خاص عن الدكتور امتياز سليمان من منظمة “وقف الواقفين” الإغاثية الأكبر بالقارة الافريقية “لقد دعمني وأحاطني بالرعاية. هو حقا الذي يفهم الفرق بين كونك يهوديا أو صهيونيا. إنه يسمي أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة بالمجتمع اليهودي، وأنا أحب ذلك كثيرا”.

وتشرح تشوريتز فلسفة هذا المجتمع الجديد “لأنني أعتقد أن أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة يجسدون الجوهر، مبادئ (تيكون عولام) شفاء أو إصلاح العالم. اليهودية تؤمن أيضا بقدسية كل روح بشرية. وهذه المبادئ يمكن العثور عليها في جميع الأديان، وهذا ما يجمعنا”.

الفن مقاومة والكتابة شهادة

بالنسبة لتشوريتز، لا يمكن فصل الفن عن السياسة. وعندما سألناها عن العلاقة بين روايتها التي تستكشف الإرث النفسي للأبارتهايد والوضع الحالي في فلسطين، أجابت “أعتقد أن إنشاء الفن، سواء كان أدبياً أو بأي شكل آخر، لا يمكن فصله عن رؤية الفنان للعالم. نحن نبدع، نكتب، نؤدي، لتغيير قلوب وعقول الناس الذين يدخلون إلى رؤوسنا لفترة”.

وتكشف عن تأثير الأحداث الحالية على إبداعها “منذ السابع من تشرين الأول، كل قصيدة جلست لكتابتها كانت عن الإبادة الجماعية. أنا محبوسة فيها بعمق شديد، الشر الذي يفعله الرجال، لا أعرف إن كان يمكن قول أو فعل أي شيء آخر”.

وتُظهر كتاباتها الحديثة -في مدونة سابستاك، وخاصة منشورها بعنوان “قسوة المستعمر”- العمق العاطفي والاستثمار الشخصي الذي يميز كتاباتها السياسية الحالية. وعندما تكلمنا معها عن تطور كتابتها منذ أن أصبحت ناشطة، أجابت ببساطة “أكتب لأنني مضطرة، وأكتب عن الإبادة الجماعية لأنني لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر”.

جدل المهرجان الأدبي “ليست صهيونية بما فيه الكفاية”

واحدة من أبرز اللحظات في رحلة تشوريتز النضالية كانت استبعادها من المهرجان الأدبي اليهودي في نيسان/نيسان 2025. وعندما قدمت دار النشر روايتها للمشاركة بالمهرجان “تهربوا، وصمتوا، ولم يجيبوا، وتجاهلوني” كمشاركة. وبعد شهور من الصمت، اعترفوا أخيرا بأنهم “لا يستطيعون استضافتي لأن سياستي متطرفة جدا، ومهرجانهم محايد وأدبي”.

وجاءت ردة فعل تشوريتز مبتكرة وذات أثر لافت، ففي 28 نيسان/نيسان 2025 أقامت طاولة احتجاجية صغيرة أمام متحف الهولوكوست في منطقة غاردنز بمدينة كيب تاون، حيث كان المهرجان الأدبي يُقام، وعلّقت عليها لافتة كتب عليها “لست صهيونية بما يكفي للمهرجان الأدبي اليهودي”.

“كان ذلك اليوم نقطة تحول مذهلة بالنسبة لي، وللصهاينة” هكذا تتذكر تشوريتز وتقول “لا أعتقد أنهم توقعوا أي شيء مثل الذي قمت بفعله، وأبقيت ما كنت أفعله سراً حتى ذلك الصباح. أعتقد أن منظمي المهرجان كانوا محرجين بشكل فظيع”.

وقد حظي الاحتجاج، الذي لقي انتشارًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدعم كبير. وتوضح تشوريتز أنها تمكنت من حشد قدر هائل من التأييد، وأن مبادرتها الاحتجاجية الصغيرة وجدت صدى واسع الانتشار.

إعلان

ولكن اليوم لم يخل من المضايقات فـ”منظمو المهرجان لم يساعدوا أنفسهم، لأنهم استمروا في استدعاء الشرطة، ولم يكن هناك الكثير مما يمكنهم فعله، لأنني لم أكن أخرق القانون”. كما تعرض رفيقها في الاحتجاج للاعتداء الجسدي من قبل أحد زوار المهرجان، والذي كسر هاتفه المحمول عمدا.

وتخلص تشوريتز إلى استنتاج قاسٍ حول مجتمعها السابق “ما زلت غير متفاجئة من القبضة الحازمة والعنيفة للصهيونية على المجتمع اليهودي الجنوب أفريقي. وإذا تحدثت، أو خرجت، أو طرحت أسئلة، أو حتى اقترحت أنك غير مرتاح للإبادة الجماعية: يتم إسكاتك، أو إقصاؤك، أو استبعادك. وبالنسبة لمعظم اليهود، الثمن باهظ جداً”.

الأبارتهايد وإسرائيل: مقارنة مؤلمة

كجنوب أفريقية بيضاء عاشت نظام الأبارتهايد، تملك تشوريتز منظورا فريدا لمقارنة ذلك النظام بالوضع في فلسطين. وعندما سألناها عن هذه المقارنة، أجابت بوضوح قاطع “إسرائيل كانت دائما ولا تزال، نظام فصل عنصري لكنه مضاعف. لا يمكنك أن تكون مناهضاً للأبارتهايد وصهيونياً. هذا لا معنى له. وهذا هو التنافر المعرفي”.

وتشرح تشوريتز منطقها وتقول “كل شيء عن الصهيونية خاطئ، بنفس الطريقة التي يكون بها الأبارتهايد. هذا هو المكان الذي يتعقد فيه دماغي كله. وعندما يطالب الصهاينة بوطن لليهود، فإنهم يعنون وطناً عنصرياً متفوقاً. وهذا أبارتهايد. لكن أسوأ. إنها دولة يهودية حصرية على الأرض الفلسطينية”.

رسالة إلى فلسطين: من القلب إلى القلب

في ختام حوارنا الطويل مع تشوريتز، طلبنا منها أن توجه رسالة مباشرة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. فتوقفت قليلا، وتنهدت بعمق، ثم قالت “أعزائي الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، أريد فقط أن تعرفوا هذا مني. أنتم في قلبي وأفكاري كل لحظة، وحتى في أحلامي. أنا آسفة لأننا فشلنا في مساعدتكم حتى الآن. أعدكم بأن أستمر في القتال. أؤمن بفلسطين حرة وديمقراطية لجميع الذين يرغبون في أن يكونوا جزءاً منها. آمل أن يتحقق هذا في حياتي. من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة”.

النشاط المستمر والرؤية المستقبلية

تواصل تشوريتز اليوم نشاطها السياسي رغم التكلفة الشخصية والمهنية الباهظة. فهي عضو نشط في منظمة “يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة” وتشارك في الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني. وفي حزيران/حزيران 2025، لعبت دوراً بارزاً في دعم “المسيرة العالمية لغزة” والتي وصفتها بأنها قد تكون “مغيرة لقواعد اللعبة” للتضامن مع فلسطين.

وفي آب/آب 2025، دُعيت للحديث في منتدى متعدد الأديان ليوم المرأة حول “التحدث ضد السلطة” والذي أظهر اعترافاً متزايداً بها كصوت للقضايا التقدمية التي تتجاوز حركة التضامن الفلسطيني.

وتحتفظ تشوريتز بحضور رقمي نشط عبر منصات متعددة، حيث يصفها حسابها على إنستغرام بأنها “ممثلة، كاتبة، مرتجلة، مخرجة، نباتية، مناهضة للعنصرية، قارئة تاروت، مناهضة للصهيونية”. وهذا الوصف المتعدد الأوجه يعكس شخصية شاملة تجمع بين الفن والسياسة.

رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُتخيَّل لا يُستعمر

رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُتخيَّل لا يُستعمر

“لا يمكن استعمار المتخيل”، بهذه العبارة البليغة والمفعمة بالتحدي، يفتتح الكاتب الفرنسي المغربي رشيد بنزين حديثه عن روايته الجديدة، التي تشكل العمل الأدبي الوحيد حول قطاع غزة في الموسم الأدبي الفرنسي الحالي.

في عمله المعنون “الرجل الذي كان يقرأ كتبا” (L’Homme qui lisait des livres)، تسرد حكاية صاحب مكتبة في غزة، رجل من مواليد عام 1948، عام النكبة، ومن عشاق الثقافة الفرنسية، ليصبح صوته نافذة نطل منها على جرح لا يندمل.

أثار هذا العمل اهتمام ناشرين أجانب حتى قبل صدوره، وهو ما يطرح سؤالا ملحا حول افتقار المشهد الأدبي العالمي لنتاج يغوص في عمق التجربة الإنسانية في غزة.

ومن المقرر صدور 14 ترجمة للرواية في المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى، وهو ما يعتبره بنزين نجاحا كبيرا في حد ذاته، لأنه يعني أن كلام “نبيل”، صاحب المكتبة الغزي، بدأ ينتشر ويخترق جدران الصمت.

يتساءل بنزين عن معنى أن يكون المرء “رجلا طيبا في زمن الحرب”، خاصة في سياق غزة المأساوي. ففي مواجهة التدفق اليومي للصور المروعة، التي تحجب في نهاية المطاف غزة الحقيقية وتجعلها غير مرئية، تبرز الحاجة الماسة للكلمات.

يتابع: “يقولون لنا مثلا: سقط اليوم 63 قتيلا في غزة. من كثرة ما نعتاد على هذه الأرقام، تحل ظاهرة تجريد الناس من إنسانيتهم”. من هنا، كان لا بد من اللجوء إلى الكلمات، ليس لكلمات التحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية، بل لكلمات تغوص في “الحميمية” وتستعيد الوجه الإنساني للضحايا.

هوية مركبة في وجه التبسيط

اختار بنزين لشخصيته الرئيسية، نبيل، أن يكون ابنا لأب مسيحي وأم مسلمة. هذا الخيار لم يكن اعتباطيا، بل جاء بهدف تسليط الضوء على الوضع الفلسطيني المعقد، في وجه أولئك الذين يبحثون دائما عن التبسيط والقطيعة الأيديولوجية.

أراد الكاتب ألا يختزل الفلسطينيين في هوية المسلم فقط، وألا يختزل ما يجري في غزة في كونه مجرد حرب بين العرب واليهود. يقول بنزين: “هناك مسيحيون، هناك هذا المزيج… أردت أن تقف هذه الشخصية عند تقاطع تقاليد مختلفة، أن تكون قادرة على المزج بين سور من القرآن ومزامير من الكتاب المقدس”.

إعلان

يقوم نبيل بفعل يعتبره الكاتب جذريا وثوريا: القراءة. فكل الخسائر التي تكبدها كفلسطيني ولد عام 1948 لا تحدد هويته بالكامل. فكما يقول على لسان شخصيته: “كلنا ولدنا عام 1948”.

الأدب في مواجهة القنابل

نبيل هو صاحب مكتبة، لكنه يقضي وقته في إهداء الكتب بدلا من بيعها. هذا الفعل، في الظروف التي نعيشها، وفي ظل علاقتنا الخاصة مع الزمن، يتحول إلى فعل عصيان ومقاومة. يتساءل بنزين: ماذا بمقدور الأدب أن يفعل؟ الإجابة تأتي واضحة وحاسمة: “لن يتمكن من وقف القنابل، ولا إعادة الحياة إلى القتلى، الأطفال، النساء. لكنه قادر ربما على الحفاظ على النواة الأكثر صلابة في الإنسان”.

كان من الممكن أن يشعر نبيل في أي لحظة بالكراهية، وكان العالم سيتفهم ذلك بعد كل ما عاناه. لكن هناك أمرا ثابتا لدى هذا الرجل، وهو أنه “يرفض تجريد الناس من إنسانيتهم”.

في وجه التدمير المنهجي لقطاع غزة، أي أمل يمكن أن يتبقى؟ يرى بنزين أن من المهم إدراج هذه الرواية في دورة الزمن الطويل. فنبيل يروي قصة العام 1948، يروي اللاجئين، ويروي مكانة الكتابة، وشقيقه، ووالدته… إنه يروي ملحمة فلسطينية كاملة.

الخطر الأكبر الذي يراه الكاتب يلوح في الأفق هو الشعور بالعجز. “يسعى البعض لإيهامنا بأنه ليس بإمكاننا القيام بأي شيء، بأن الأمر ليس بأيدينا. في حين أن العكس صحيح، يعود لكل منا أن يتمكن في وقت من الأوقات من النهوض والتظاهر والمقاطعة، أن يذهب نحو الإنسانية”.

أهدى رشيد بنزين هذه الرواية “لكل الذين يرفضون الاستسلام للعتمة”، فبين الأنقاض والدمار، هناك رجل يقرأ. قد يبدو هذا كل ما في الأمر، ولكنه في الوقت نفسه شيء هائل. إنه الدليل القاطع على أنه “لا يمكن استعمار المتخيل، وأنه في نهاية الأمر، تبقى حرية الفكر تلك”.