تطورات خطيرة تنتظر ردّاً فلسطينياً بمستواها

تطورات خطيرة تنتظر ردّاً فلسطينياً بمستواها

أعلنت الإدارة الأميركية رفض منح تأشيرات دخول للرئيس محمود عبّاس والوفد المرافق له لحضور الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، عقاباً على سلسلة من المواقف الفلسطينية، أبرزها السعي إلى الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، وهو مسار من المتوقع أن يكتسب زخماً كبيراً في هذه الدورة بعد إعلان عدة دول غربية مهمّة نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.

… صحيح أن واشنطن اتخذت خطوة مشابهة عام 1988 بعد إعلان قيام دولة فلسطين، لكن الفارق الجوهري أن ذلك كان قبل اتفاق أوسلو، الذي منح فيه من يملك إلى من لا يستحق، وقبل الاعتراف الأميركي بمنظّمة التحرير والسلطة التي التزمت بقيود مجحفة لا تزال تتمسّك بها، في حين أن الحكومات الإسرائيلية نسفت التزاماتها منذ زمن بعيد، ودفنتها تحت الحقائق الاستيطانية والعنصرية التي تجعل أكثر فأكثر من المشروع الإسرائيلي الحلّ الوحيد المطروح عمليّاً، أي منع قيام الدولة الفلسطينية.

لا يجب أن يقتصر الرد الفلسطيني على هذه الخطوة الأميركية على الانتقاد والمطالبة بالتراجع عنها، أو التفكير بخيارات عديدة للرئيس عبّاس، بل يجب أن يكون باعتماد مسار سياسي جديد مبني على الرهان على الشعب الفلسطيني والقوى والشعوب الحية التي تناصره على امتداد العالم، وتناصر الحرية والعدالة والمقاومة والمساواة، وعليه أن يتوجّه بكل قوة إلى نقل خطاب الرئيس عبّاس من نيويورك إلى جنيف، كما فعل الرئيس الراحل ياسر عرفات، فخطورة الخطوة الأميركية أنها تأتي متزامنة مع خطّة إسرائيلية للشروع في استكمال احتلال قطاع غزّة وإعادة الاستيطان فيه، ومنع عودة السلطة إليه، واستمرار جرائم الإبادة والضم والتهجير.

إسرائيل لم تُنشأ فقط ولا أساساً لحل “المسألة اليهودية” كملجأ، بل لتلعب دوراً وظيفيّاً في خدمة المصالح الاستعمارية الغربية في المنطقة

وتعكس مقابلة الوزير الإسرائيلي آفي ديختر مع قناة العربية هذا التوجّه، وأن المستهدف هو الشعب الفلسطيني كله بدون تفريق بين مساوم ومقاوم، ومقومات وجوده وليس المقاومة فقط؛ إذ لم يكتفِ بتكرار الأهداف الثلاثة المعلنة للحرب، بل دعا صراحة إلى تهجير مليون وسبعمائة ألف فلسطيني من غزّة، وهو تقريباً كما قال عدد اللاجئين فيها. وقد سبق هذا التصريح اجتماع أميركي – إسرائيلي في البيت الأبيض، حضره جاريد كوشنر صاحب مشروع “الريفييرا في غزّة”، وتوني بلير الذي ما زال وفيّاً للسياسات الأميركية والملطخة يداه بدماء أبناء العراق وأفغانستان. يترافق ذلك كله مع تمهيد الطريق لضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها، وتقويض السلطة الفلسطينية وصولاً إلى تفتيتها إلى “إماراتٍ” سكّانية منفصلة بعضها عن بعض على ما لا تتجاوز 40% من مساحة الضفة.

لم تعد المسألة مجرّد إجراءات متفرّقة، بل سياسة إسرائيلية ممنهجة مالية اقتصادية قانونية عسكرية أمنية لتقويض السلطة، فقد جرى التعامل مع المدن الفلسطينية المفترض أنها تحت سيطرة السلطة أمنياً وإدارياً مثلها مثل مناطق ج المقرّر وفق “أوسلو” أنها تحت السيطرة الأمنية والمدينة الإسرائيلية، إلى درجة تدمير مخيّمات شمال الضفة الغربية وتهجير ساكنيها وإقامة مواقع عسكرية ثابتة فيها، وتفويض الإدارة المدنية التابعة لوزارة الأمن بصلاحيات واسعة على حساب مؤسّسات السلطة، ما جعلها تقف على حافّة الهاوية. لم يعد مطلوباً من السلطة فقط التعاون الأمني ومنع المقاومة والنأي بالنفس عما يجري في غزّة ومطالبة حركة حماس بتسليم سلاحها ومغادرة الحكم، بل المطلوب استسلام كامل لشروط الولايات المتحدة وإسرائيل وخططهما وأهدافهما.

ولعل الأخطر أن خطوة منع التأشيرات تمثل تمهيداً عمليّاً نحو سحب الاعتراف الأميركي بالمنظّمة والسلطة، بعدما سبقها في فترة رئاسة ترامب الأولى إغلاق مكتب منظّمة التحرير في واشنطن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأميركية فيها، ووقف الدعم المالي للسلطة باستثناء الأمن. أما اللقاءات القليلة مع مسؤولين فلسطينيين، فقد اقتصرت على ملفّات مالية، لا سياسية. كما أنه منذ أكثر من عشر سنوات، لم تُعقد أي اجتماعات سياسية بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وكذلك نادرة هي الاجتماعات الأميركية الفلسطينية، بعد أن كان الرئيس ياسر عرفات وبعده الرئيس محمود عبّاس، ولو لفترة قصيرة، ضيوفاً دائمين لدى الإدارة الأميركية. السلطة لم تعد “أمراً واقعاً” لا نقاش فيه؛ فهناك تيارات داخل إسرائيل ترى ضرورة ترويضها أكثر بل تغييرها، وأخرى ترى أنه لم تعد هناك حاجة إلى سلطة واحدة، بل سلطات إدارية محلية آهلة بالسكان، ومنفصلة بعضها عن بعض وتقام على مساحة 40% من الأرض المحتلة. يجري ذلك كله رغم التنازلات الفلسطينية الكثيرة، التي وصلت إلى حد الاستمرار بالالتزام المجحف وعدم تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي منذ عام 2015، المطالبة بوقف الالتزامات المترتبة على “أوسلو” وسحب الاعتراف بإسرائيل.

صحيحٌ أن إسرائيل أصغر من أن تفرض وجودها من النيل إلى الفرات، لكنها استطاعت التوسّع في محطّات عديدة

وجود سلطة واحدة تمثل الهوية الوطنية الفلسطينية، وتوحّد الضفة الغربية وقطاع غزّة، ومعترف بها دولياً وتسعى إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، يشكل خطراً استراتيجيّاً على المشروع الصهيوني التوسّعي، فإسرائيل لم تُنشأ فقط ولا أساساً لحل “المسألة اليهودية” كملجأ، بل لتلعب دوراً وظيفيّاً في خدمة المصالح الاستعمارية الغربية في المنطقة، ولإبقاء دولها وشعوبها أسيرة التبعية والتخلف والتجزئة. واليوم، ومع انشغال واشنطن بأولويتها “أميركا أولاً” ومواجهتها المتصاعدة مع الصين، تزداد حاجة الولايات المتحدة إلى وكيل مضمون يضمن هيمنتها في المنطقة. لذلك يجب أن تؤخذ السياسات والمخطّطات الإسرائيلية التوسّعية في فلسطين والمنطقة على محمل الجدّ، حتى لو كانت لقمة كبيرة لن تستطيع إسرائيل هضمها فترة طويلة، هذا إذا استطاعت تحقيقها، والردّ على محاولات الاحتلال تقويض السلطة أو تغييرها لتكون سلطة عميلة جهد وطني جماعي لتغيير السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها لتكون في خدمة المشروع الوطني، وهذا لن يوقف مساعي الاحتلال لتقويض أو تغيير السلطة بل يجعل عملية بنائها في مواجهة الاحتلال، الذي لا يجب أن يترك له التحكّم بحياة الفلسطينيين، في صحتهم وتعليمهم واقتصادهم والخدمات العامة المفترض أن تقدّم لهم.

… تتبنّى الحكومة الإسرائيلية الحالية مقاربة الاحتلال المباشر والسيطرة العسكرية، أكثر من الهيمنة الناعمة عبر العلاقات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والعسكرية والأمنية. ما يجري في سورية ولبنان من محاولات إقامة “مناطق آمنة” ليس مجرّد ضرورة أمنية، بل امتداد لمشروع توسّعي. ليس حديث نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” مجرّد شعار انتخابي، بل عقيدة سياسية – دينية متجذّرة.

صحيحٌ أن إسرائيل أصغر من أن تفرض وجودها من النيل إلى الفرات، لكنها استطاعت التوسّع في محطّات عديدة: من احتلال فلسطين عام 1948، إلى احتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان عام 1967، إلى اجتياح بيروت عام 1982، إلى التوسّع مجدّداً في غزّة ولبنان وسورية اليوم. ورغم انسحاباتها المتكرّرة من سيناء وغزّة ولبنان، يبقى الاتجاه العام هو التوسّع، ما يجعل تهديداتها الحالية جدّية للغاية.

الأمل قائم، خصوصاً مع تفاقم أزمات الحكومة الإسرائيلية داخليّاً وخارجيّاً، وتصاعد الغضب العالمي، وتزايد عزلة إسرائيل

… أكتب هذه السطور من مدينة ديترويت الأميركية في أثناء مشاركتي في مؤتمر بعنوان “غزّة البوصلة”، حضره وجاهيّاً أكثر من أربعة آلاف شخص، ومعهم عشرة آلاف عبر الإنترنت، معظمهم من الشباب، دفعوا تكاليف مشاركتهم بأنفسهم. أثبت المؤتمر أن الشعب الفلسطيني وحلفاءه من كل الجنسيات والأعراق، خصوصاً من يرفعون شعارات الحرّية والعدالة ومقاومة الاحتلال والظلم، جديرون بالحياة والانتصار. وتظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أن أكثر من نصف الأميركيين يعتبرون ما يجري في غزّة إبادة جماعية، وأن 60% منهم يطالبون بوقف توريد السلاح إلى إسرائيل. وهذا تحوّل لا يمكن تجاهله.

الوضع صعب، والسيناريوهات السيئة تتصدّر المشهد. لكن الأمل قائم، خصوصاً مع تفاقم أزمات الحكومة الإسرائيلية داخليّاً وخارجيّاً، وتصاعد الغضب العالمي، وتزايد عزلة إسرائيل. ولا بد من وضع سيناريو “البجعة السوداء” بالحسبان، وهو الحدث غير المتوقّع، وإذا حدث يحدِث تأثيراتٍ كبيرة.

ما ينقص بلورة وحدة وطنية فلسطينية على أسس وطنية ديمقراطية كفاحية، إذا لم تكن متوفرة من أعلى إلى أسفل فليجرِ التركيز على العمل من أسفل إلى أعلى، في الوقت نفسه، يتم العمل على إيجاد نوع من التفاهم والتكامل الوطني على ما يمكن التفاهم حوله، إذا كانت الوحدة متعذّرة حالياً، فالوحدة، في نهاية الأمر، وحدها قادرة على توحيد الشعب، وهي قانون الانتصار، والقادرة على قيادة الحراك العالمي نحو تحقيق أهدافه في الحرّية والعودة وتقرير المصير والاستقلال.

ترامب يعقد اجتماعاً بشأن غزة في البيت الأبيض بحضور بلير وكوشنر: خطة لـ”اليوم التالي”

ترامب يعقد اجتماعاً بشأن غزة في البيت الأبيض بحضور بلير وكوشنر: خطة لـ”اليوم التالي”

أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترأس، اليوم الأربعاء، اجتماعاً بشأن غزة، حضره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وصهر الرئيس الأميركي ومستشاره السابق جاريد كوشنر. وأفادت القناة 12 الإسرائيلية، مساء الأربعاء، بأن بلير وكوشنر شاركا في اجتماع في البيت الأبيض بشأن غزة، وقدما للرئيس أفكاراً لخطّة “اليوم التالي” للحرب، وفق ما نقلته القناة عن مصدرين مطّلعين على الموضوع لم تسمّهما.

ونقلت القناة في وقت سابق عن مسؤولين أميركيين، أن اجتماع ترامب بشأن غزة يركّز أيضاً على خطة أميركية للمساعدات الإنسانية للقطاع. وقال مسؤول أميركي: “هذا يعني توسيع برنامج الغذاء من حيث الكميات، وطرق التوزيع، وعدد الأشخاص الذين يمكن إطعامهم”.

ووفق مصادر القناة، ناقش المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف على مدار عدة أشهر مع كوشنر وبلير خطة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة. وأضافت أن بلير التقى ويتكوف في البيت الأبيض في شهر تموز/ تموز الماضي، في اليوم نفسه الذي التقى فيه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالرئيس ترامب. وبعد أيام قليلة، التقى بلير بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وأطلعه على عمله في إعداد خطة لما يُسمّى “اليوم التالي” في غزة، وعلى محادثاته في واشنطن. وكان كوشنر قد زار إسرائيل في آب/ آب الجاري، والتقى نتنياهو لمناقشة الوضع في غزة، بحسب مصادر مطّلعة.

وذكر مراسل القناة العبرية ومحلل الشؤون الأميركية فيها، براك رافيد، أن خطة “اليوم التالي” في غزة ستكون عنصراً مركزياً في أي مبادرة دبلوماسية لإنهاء الحرب التي أودت بحياة أكثر من 62 ألف فلسطيني خلال عامين. وأضاف: “لكن إعادة إعمار القطاع الذي دُمّر بالكامل، وتصميم آلية حكم وأمن يمكن لجميع الأطراف التعايش معها، سيكونان من أصعب المهام”. وأوضح أنه من المتوقع أن تُفصّل الخطة كيفية إدارة غزة من دون حكم “حماس”، و”قد يستخدم نتنياهو مثل هذه الخطة للدفع نحو صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في غزة، حتى لو كان ذلك مجرد خطوة تدريجية نحو إنهاء الحرب”.

من جانبه، أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض لرويترز أن ترامب وكبار المسؤولين في البيت الأبيض، إلى جانب بلير وكوشنر، ناقشوا اليوم جميع جوانب ملف غزة، بما في ذلك زيادة تسليم المساعدات الغذائية، وملف المحتجزين وخطط ما بعد الحرب. ووصف المسؤول الجلسة بأنها “مجرد اجتماع سياسي” من النوع الذي يعقده ترامب وفريقه بشكل متكرر. وكان كوشنر، زوج إيفانكا ابنة ترامب، قد شغل منصب مستشار رئيسي في البيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى في قضايا الشرق الأوسط، فيما نشط بلير، الذي كان رئيساً للوزراء خلال حرب العراق عام 2003، في ملفات الشرق الأوسط.

ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، اليوم الخميس، عن مصدر مطلع قوله إن بلير كان يعمل على خطة لغزة بعد الحرب على مدى الأشهر الماضية، حيث التقى مختلفَ أصحاب المصلحة الإقليميين للحصول على دعمهم لجهوده، موضحة أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كان على اتصال مع كل من كوشنر وويتكوف. وكان نتنياهو قد وافق على خطة لغزو مدينة غزة واحتلالها.

وفي تموز/تموز الماضي، كشفت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية عن دور لمعهد توني بلير في إعداد خطط إعادة إعمار ما بعد الحرب في قطاع غزة، من بينها تصورات لتحويل القطاع إلى منطقة سياحية وتجارية فاخرة تحت اسم “ريفييرا غزة”، على غرار ما ورد في فيديو ترويجي سابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب في شباط/شباط الماضي. وبحسب الصحيفة، فإن معهد بلير عمل إلى جانب مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين على مشروع يتضمن إنشاء منطقة صناعية تحمل اسم الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إلى جانب خطط لتأسيس مشاريع رقمية ومناطق اقتصادية خاصة. كما أشارت إلى أن موظفين في معهد بلير شاركوا، إلى جانب شخصيات عملت سابقاً في شركة “بوسطن كونسلتينغ غروب”، في وضع تصور لتشييد جزر صناعية قبالة سواحل غزة. ونفى المعهد، في بيان حينها، أن يكون قد أعد أو وافق على النسخة النهائية التي جرى تقديمها لإدارة ترامب.

ويبدو أن حضور كوشنر الاجتماع في البيت الأبيض جاء نتيجة تطابق رؤيته مع أفكار ترامب بشأن تحويل القطاع إلى منتجع سياحي بعد تهجير سكانه. وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي – الإسرائيلي بأنه “ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وقال، في تصريح في شباط/شباط 2024، إن “العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش”. واعتبر أن “الوضع هناك مؤسف بعض الشيء، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان”.

إلى ذلك، يزور وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، الذي يتولى ملف “اليوم التالي” نيابة عن نتنياهو، واشنطن، حيث التقى مسؤولين كباراً في البيت الأبيض بشأن هذا الملف، وفقاً لمصدرين مطلعين. ولفتت القناة إلى أنه خلال فترة إدارة الرئيس السابق جو بايدن، عمل توني بلير، ورون ديرمر، ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، على خطة مشتركة لمرحلة “اليوم التالي” في غزة. وقد تبنّت إدارة بايدن أجزاءً من هذه الخطة، لكن وزير الخارجية الأميركي آنذاك، أنتوني بلينكن، عرضها علناً فقط قبل أقل من أسبوع من مغادرته منصبه.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، ردًا على ما أوردته القناة العبرية: “كان الرئيس ترامب واضحاً في رغبته بإنهاء الحرب، وهو يريد السلام والازدهار للجميع في المنطقة. ولا توجد في هذه المرحلة معلومات إضافية يمكن للبيت الأبيض مشاركتها بشأن الاجتماع”. وأشار إلى أن ترامب يكرّس وقتاً أكبر في الآونة الأخيرة للحرب بين روسيا وأوكرانيا. وبحسب المسؤول الأميركي، فإن موقف ترامب من الحرب في غزة هو “حلّوا الأمر”، مضيفاً أن ترامب لا يريد “تحمّل المسؤولية” عن الأزمة في غزة، لكنه يشعر بضرورة إنهائها. ونقل المسؤول عن ترامب قوله لمقرّبيه: “لا أستطيع أن أشاهد هذا أكثر. إنه أمر فظيع”.

في المقابل، لا يعارض ترامب احتلال مدينة غزة، ومنح نتنياهو دعماً للمضي قدماً به. ويقول مقرّبون من الرئيس الأميركي إنه لا يعتقد أنه يستطيع إيقاف نتنياهو حتى لو أراد ذلك. وقال المسؤول الأميركي: “على مستوى معين، يعتقد الرئيس أن بيبي (بنيامين نتنياهو) سيفعل ما يريده بيبي. لذلك، نحن فقط نريد من الإسرائيليين أن يسرعوا لكي نتمكن من الدخول إلى هناك (إلى غزة) والاعتناء بالناس”.

يُذكر أن المبعوث الأميركي ويتكوف قال لقناة “فوكس نيوز”، يوم الثلاثاء، إن ترامب سيعقد “اجتماعاً كبيراً” حول غزة، مضيفاً: “إنها خطة شاملة للغاية نعمل على صياغتها لليوم التالي (في غزة)، وسيلاحظ الكثيرون مدى اتساعها وجديتها ونيّاتها الحسنة، وهي تعكس الدوافع الإنسانية للرئيس ترامب”. وأكد أن البيت الأبيض يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى إنهاء الحرب بحلول نهاية العام.

توني بلير… سمسار إسرائيل للتهجير من غزة؟

ومنذ العام الماضي، وُضع بلير في دائرة الجدل الحاد بعدما بثّت القناة 12 الإسرائيلية تقريراً أوضحت فيه أنه يقود أو يشارك في جهود تتعلق بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. وعلى الرغم من أن “معهد توني بلير للتغيير العالمي”، الذي أسسه عام 2016، سارع إلى النفي واعتبر الأمر “كذبة”، مشدداً على أنه لم يُجرَ أي حديث من هذا النوع مع بلير أو فريقه، فإن علامات الاستفهام بقيت قائمة. والنفي، كما أشارت مصادر فلسطينية، لم يصدر عن بلير شخصياً، وإنما عن معهد مقرب منه، كما لم يتضمن نفياً لزياراته المتكررة إلى إسرائيل، ما فتح الباب أمام تأويلات عديدة حول حقيقة دوره خلف الكواليس.

في المقابل، لم تتعامل السلطة الفلسطينية مع هذه التقارير باعتبارها شائعات عابرة، بل سارعت وزارة الخارجية والرئاسة إلى إصدار بيانين شديدي اللهجة ضد بلير، واعتباره “شخصاً غير مرغوب فيه” في الأراضي الفلسطينية. واستند هذا الموقف إلى ما وصفته السلطة بـ”معلومات مؤكدة” عن ترتيبات لتهجير فلسطينيين من غزة بغطاء دولي، معتبرة أن مجرد طرح هذه الأفكار يمثل “عملاً معادياً للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية”، ويمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وفي السياق نفسه، خرج السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط ليحذر الحكومة البريطانية من مشاركة أي شخصية بريطانية في هذه المساعي، مشدداً على أن أي تورط سيُعرّض أصحابه للعواقب القانونية.

هذه التصريحات جعلت بلير في قلب عاصفة سياسية وأخلاقية. وفي حين بدا أن إسرائيل تسعى لإضفاء طابع علني على مشروع “التهجير الطوعي”، ربما لاستثمار الدعم الذي تحظى به من بعض المسؤولين الغربيين، فإن بلير ــ بحسب أوساط فلسطينية ــ فضّل العمل في الخفاء لتجنب الانكشاف وتحمل تبعات سياسية وأخلاقية جسيمة. ومع أن بلير كان حاضراً منذ سنوات في ملفات المنطقة بصفته مبعوثاً دولياً أو وسيطاً غير رسمي، فإن اقتران اسمه هذه المرة بمشروع يُنظر إليه كامتداد لوعد بلفور التاريخي، شكّل ضربة إضافية لصورته في الشارع الفلسطيني، ورسّخ انطباعاً بأنه لا يزال جزءاً من منظومة سياسية غربية تتبنى، صراحة أو ضمناً، سياسات إسرائيلية تهدد الحقوق الفلسطينية.